Skip to main content

Full text of "تحميل جمع مؤلفات د. نور الدين أبو لحية"

See other formats


1 
رع( 


القرآن .. وانتحال المبطلين 
رواية حول الشبهات المثارة حول القرآن الكريم والرد عليها 
1 











أ.د. نور الدين أبو لحبة 








هذا الكتاب 

هذا الكتاب هو المقدمة الضرورة الرابعة لهذه السلسلة» ويتناول القسم الثاني من 
أقسام المنحرفين عن القرآن الكريم» وهو القسم الذي سماه رسول الله يي [انتتحال المبطلين] 

ومن خلال تحليل ذلك التعبير النبوي المقدسء رأينا أن المقصود منه تلك الجهات التي 
تريد نشر الباطل» وتشويه الحق, لا بالمواجهة المباشرة» وإنما بالاتتحال» وأصناف الحيل. 

وقد رأينا من خلال استقرائنا للواقع أن ذلك الانتحال قد تم من طرف أربع جهات» 
أوها وأسبقها من يطلق عليهم لقب [الحشوية]ء وهم أولئك الرواة والمدلسين الذين امتللأت 
بهم كتب الحديث والتفسير» والذين كان لهم دور كبير في نشر الخرافة والدجل والشعوذة 
وتشويه الحقائق والقيم القرآنية. 

وأما الجهة الثانية؛ فيمثلها من أطلقنا عليهم لقب [الكشفية]ء وهم أولئك الذين 
اعتبروا الكشف والإلهام المجرد أداة من أدوات تأويل القرآن الكريم وتفسيره وفهمه؛» من 
غير مراعاة لأي ضابط أو قانون. 

وأما الجهة الثالثة؛ فيمثلها من أطلقنا عليهم لقب [المشككين]» ونقصد بهم كل من 
حاول أن يشكك في القرآن الكريم؛ ابتداء من السابقين من المعاصرين لرسول الله 8 إلى 
المبشرين والمستشرقين والحداثيين وغيرهم. 

وأما الجهة الرابعة؛ فيمثلها من أطلقنا عليهم لقب [المبدلين]» ونقصد بهم كل الذين 
حاولوا أن ينحرفوا بالقرآن الكريم عن معانيه الظاهرة الواضحة التي فهمها المتقدمون 
والمتأخرون إلى معاني بديلة» متأثرين في ذلك بموجة الحداثة الغربية ومناهجها المختلفة» 
ولذلك تعاملوا مع القرآن الكريم» مثل| تعامل حداثيو الغرب مع الكتاب المقدس» من غير 


أن يراعوا الفوارق بين الكتابين. 





التنزيل والتأويل 


القرآن.. وانتحال المبطلين 


رواية حول الشبهات المثارة على القرآن الكريم والرد عليها 
الجزء الأول 


أ. د. نور الدين أبو لحية 
00 اا هقانا 
الطبعة الثانية (مزيدة ومنقحة ) 
“16 7 


دار الأفوار للنشر والتوزيع 





مقدمة الكتاب 
البداية 


أولا ‏ القرآن.. والحشوية 
١‏ تعظيم المدنس: 


 "‏ إقصاء المقدس: 
أ. إقصاء النبوة: 
ب. إقصاء القرآن: 
ج. إقصاء الورثة: 
د. إقصاء الصادقين: 
تحريف المقدس: 


من قصة يوسف: 


من قصة موسى: 


ب ردود وإجابات: 


١١ 


184 


0/ 


زا 


الأسانيد: 


الغفلة والتناقض: 


تشويه المقدس: 

أ. الحشوية.. والله 
الحدود والجسمية: 
الجهات والأماكن: 
التركيب والأبعاض: 
التغير والحركة: 
النظير والمثيل: 
الشكل والصورة: 
الرؤية والإدراك: 

ب. الحشوية والنبوة: 
الحشوية وآدم: 


١17 


١ /ا1‎ 


الخشوية وإدريسن: رف 


الحشوية ونوح: ١‏ 

ال حشوية وهود: ١‏ 
الحشوية وصالح: ١1‏ 
الحشوية وإبراهيم: ١0‏ 
الحشوية ولوط: 08 
الحشوية ويعقوب: كنا 
الحشوية ويوسف: 1 

ال حشوية وأيوب: 010 
اللشوية وموسى: ضف 
الحشوية وداود: 5 
الحشوية وسليمان: 10 
الحشوية ويونس: 1 

ج. الحشوية الملائكة: 32_11»> 
د. الحشوية والمعاد: نكن 
ه. الحشوية والكون: رقنا 
ثانيا ‏ القرآن.. والكشفية نارون 
١‏ -الكشف والفضول: عم 
أ. عجائب المبدأ: لكا 


ب. عجائب المعاد: دوم 


ج. عجائب السماء: ران 
د. عجائب الأرض: نض 
ه. أصناف الأولياء ذفنن 
و. أصناف الملائكة: ركنا 
ز. عجائب المعراج: 6١‏ 
” -الكشف والخطأ: 8 
أ. الكشف والتلبيس: 4 
ب. الكشف والانحراف: 64 
ج. الكشف والوساوس: 6 
د. الكشف النافع: يدت 
ه. الكشف والشريعة: 61 
“”. الكشف والتقليد: "١‏ 
أ. الكشف والتسليم: فر 
ب. الكشف والمطالعة: نف 
ج. الكشف والعلم: أخرة 
د. الكشف والنبوة: 0 
ه. الكشف والرجال: نفلة 


5. الكشف والإقصاء: م 


أ. إقصاء النبوة: 

ب. إقصاء القرآن: 
القصص القرآني: 
الآيات الكونية: 
الأحكام والشرائع: 

ج. اتباع الأمم: 

4. الكشف والمعارضة: 

المثال الأول: 

المثال الثاني: 

المثال الثالث: 

المثال الرابع: 


7 الكشف والشعوذة: 
اً. الشعوذه والقرآن: 


ب. الشعوذه والحروف: 


مقدمة الكتاب 


هذا الكتاب هو المقدمة الضرورة الرابعة هذه السلسلة» ويتناول القسم الثان من 
أقسام المنحرفين عن القرآن الكريم» وهو القسم الذي سماه رسول الله يي [انتتحال المبطلين] 
التي تريد نشر الباطل» وتشويه الحق» لا بالمواجهة المباشرة» وإنما بالاتتحال» وأصناف 
الحيل. 

وقد رأينا من خلال استقرائنا للواقع أن ذلك الاتتحال قد تم من طرف أربع 
جهات. أولها وأسبقها من يطلق عليهم لقب [الحشوية]ء وهم أولئك الرواة والمدلسين 
الذين امتلأت بهم كتب الحديث والتفسير» والذين كان لهم دور كبير في نشر الخرافة 
والدجل والشعوذة وتشويه الحقائق والقيم القرآنية.. وقد رأينا تأثرهم خصوصا باليهود. 
وعلى رأسهم كعب الأحبار الذي تتلمذ عليه وعلى تلاميذه الكثير من الذين حشوا الدين 
بتلك الأباطيل. 

وأما الجهة الثانية؛ فيمثلها من أطلقنا عليهم لقب [الكشفية]ء وهم أولئك الذين 
اعتبروا الكشف والإلهام المجرد أداة من أدوات تأويل القرآن الكريم وتفسيره وفهمه. من 
غير مراعاة لأي ضابط أو قانون. 

ولذلك أدخلوا في تأويل القرآن الكريم من حيث لا يشعرون الكثير من الخرافات 
والأباطيل التي حاولت إلغاء قدسيته» وتحريف معانيه.. وقد رأينا تأثرهم أيضا ببعض 
الفلسفات والديانات القديمة» والتى لا سند لها من العقل أو من النقل. 


وقد اخترنا تلقيبهم ببذاء بدل تلقيبهم بأهل العرفان» لنميز أهل العرفان الصحيح» 


والذين يهتمون بالسلوك والتربية والمعاني النبيلة والأذواق السامية» عن أولئك الذين 
بيتمون بالكشف عن أسرار الكون من غير أي برهان ولا دليل سوى تلك الكشوف 
والإلمحامات التي يدعونهاء والتي لا تملك العصمة الكافية لاعتبارها أدوات للمعرفة 
الحقيقية المقدسة. 

وأما الجهة الثالثة؛ فيمثلها من أطلقنا عليهم لقب [المشككين]» ونقصد مهم كل من 
حاول أن يشكك في القرآن الكريم, ابتداء من السابقين من المعاصرين لرسول الله 8 إلى 
المبشرين والمستشرقين والحداثيين وغيرهم.. والذين استعملوا سلاح التشكيكء وسيلة 
لإلغاء قداسة القرآن الكريم» وذلك عبر بث شبه وإشكالات يكرروهما بصيغ مختلفة. 

وأما الجهة الرابعة؛ فيمثلها من أطلقنا عليهم لقب [المبدلين]» ونقصد بهم كل الذين 
حاولوا أن ينحرفوا بالقرآن الكريم عن معانيه الظاهرة الواضحة التي فهمها المتقدمون 
والمتأخرون إلى معاني بديلة» متأثرين في ذلك بموجة الحداثة الغربية ومناهجها المختلفة» 
ولذلك تعاملوا مع القرآن الكريم» مثلم| تعامل حداثيو الغرب مع الكتاب المقدس» من غير 
أن يراعوا الفوارق بين الكتابين. 

وقد قسمنا فصول الكتاب إلى أربعة أقسام» كل قسم يضم صنفا من أصناف 
المبطلين» وقد راعينا فيه ما راعيناه في كل أجزاء هذه السلسلة» وأول ذلك تبسيط القضايا 
المطروحة قدر الإمكان. بحيث يفهمها الجميع» وبسهولة ويسر. ومن غير إخلال بالمعاني 
المطروحة» وقد كان للحوار والجانب الروائي دور كبير في ذلك. 

بالإضافة إلى محاولة استيعاب كل ما يرتبط بتلك الجهات التي ذكرناهاء إما 
بالتعريف بهاء أو بالمنابع التي تستقي منهاء أو بالشبهات والإشكالات التي تطرحهاء أو 
بالردود العلمية عليها. 


ومن الأمثلة على ذلك أننا في الفصل الثالث المرتبط بالمشككين, تحدثنا عن المدارس 
الاستشراقية» وإشكالاتها المختلفة» مع الرد العلمي عليهاء ومن الجهات المتعددة» بحيث 
يشكل ذلك مادة كافية لكل من يريد أن يطلع على موقف المستشرقين من القرآن الكريم» 
وشبههم نحوه. وكيفية الرد عليها. 

ومثل ذلك فعلنا في الفصل الخاص بالمبدلين» والذي تحدثنا فيه عن الحداثيين 
والقرآنيين» حيث عرفنا بهم» وبالمنابع التي يستمدون منهاء والمناهج التي يعتمدونهاء 
والأفكار التي يطرحونهاء مع الرد العلمي عليها. 

وهكذا فعلنا في سائر الفصولء مع العلم أن تفاصيل الردود في بعض المسائل أو 
الكثير منها تركناه لمحله في سائر أجزاء السلسلة» لأن غرض هذا الجزء هو التعرف على 
الباطل الذي حاول أن يقتحم حصن القرآن الكريم وقداسته» وليس الرد المفصل الذي 
يحتاج إلى المقدمات الكثيرة. 

أما الجانب الروائي من الكتاب؛ فهو يحكي رحلة المؤلف مع أستاذه الجديد [معلم 
الحقائق] إلى مدينة قرآنية جميلة» تنعم بكل البركات والخيرات بفضل تمسكها بالقرآن 
الكريم» لكن المبطلين أرادوا أن ينحرفوا بها عنه» ولذلك أرسلوا لما أولئك اللأصناف 
الأربعة من الحشوية والكشفية والمشككين والمبدلين. 

لكن الله تعالى قيض لما من الحكماء من يحاوروا أولئك الأصناف, ويناقشوهم في 
شبهاتهم وإشكالاتهم إلى أن استطاعوا أن هدوهم سواء السبيل» وهو ما حمى المدينة من كل 


ته 


تلك الأباطيل» ليحن الحقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِه الجر مُونَ4 [الأنفال: 4] 


البداية 

بعد أن طلب مني معلم القرآن أن أهيء نفسي للرحلة الخاصة بتعلم ما يتعلق ب 
[القرآن.. وانتحال المبطلين] رحت أبحث في الأسفار القديمة والحديثة عن المبطلين 
المضللين الذين أبى عليهم كبرهم واستعلاؤهم التسليم لكلمات الله المقدسة» والإذعان شاء 
والاستفادة ثما فيها من حقائق ينادي كل شيء بصدقها. 

أولئك الذين لم يكتفوا بكلمات ربهم؛ وإنما راحوا يعقدون حلفهم مع كل شياطين 
الإنس والجن» ليشوهوا تلك الأنوار المقدسة التي ملاً الله بها حياة عباده» ليوهموهم أنها 
ليست سوى دياجير وظلءات» لأن أعينهم كاعين الخفافيش لا تطيق العيش إلا في 
الظللات. 

وبعد أن رأيت كثرتهم وكثرة الشبهات والأباطيل التي يقذفونهاء أصابني ضيق 
شديد؛ لأني خشيت على نفسي - أنا العبد البسيط الضعيف ‏ أن يتسرب إلي من أوهامهم 
وتضليلاتهم وتشكيكاتهم ما يفسد علي ديني» وهو أغلى ما أملكء بل كل ما أملك. 

وقد تذكرت حينها أقوال مشايخ التقوى والورع» والذين نصحوا كل ضعيف 
بالابتعاد عن مواضع الفتنة والشبه» حتى لا تتسرب إلى قلبه وعقله وروحه ولطائفه؛ فتفسد 
عليه صبغة الله الصافية التي صبغه بهاء وفطرته الجميلة النقية التي جبله عليها. 

وقد اشتد ذلك الخاطر على نفسي إلى درجة أني قررتء أو تجرأت أن أرفع يدي إلى 
السماء» ثم أقول: يا رب.. أنا عبدك الضعيف؛ فجنب عقلي ما يشوشه» وجنب نفسي ما 
يكدرهاء وجنب قلبي كل الأهواء التي تحول بينه وبين رؤية الحقائق الصافية الجميلة» ى| 
هي بصفائها وجمالها.. فأنا لا أريد علما يحولني إلى جاهلء ولا عقلا يحولني إلى ضال. 

بعد أن قلت ذلك الدعاء» توهمت أو زينت لي نفسي أن معلم القرآن سيحضر 


1١ 


شخصياء ليخبرني عن إلغاء تلك الرحلة المقررة» والدخول مباشرة إلى عالم الحقائق والقيم 
القرآنية من دون الولوج على تلك السراديب والمستنقعات. 

لكن الأمر لم يكن كذلك.. فا هي إلا لحظات بعد انتهائي من الدعاء» حتى شعت 
أنوار في البيت» وفي متتصف الليل.. فخرجت أنظر إلى مصدرهاء وإذا بي أرى شخصا لا 
يختلف عن سائر المعلمين, قال لي: لقد استجاب الله دعاءك.. وها أنذا بين يديك» أرسلني 
معلم القرآن إليك.. لأسير بك حيث يزداد تمسكك بكتاب ربكء وبالحقائق العظيمة التي 
جاء مها. 

لم أملك إلا أن أسجد لله تعالى شاكراء لكني ما إن قمت من سجودي, حتى قال لي: 
خذ قلمك وقراطيسك ودواتك. لنسير إلى تلك الرحلة التي طلب منك معلم القرآن أن 
تبيء نفسك لما. 

قلت من حيث لا أشعر : لكن.. ألم تُلعَ تلك الرحلة؟.. لقد توهمت أن الله 
استجاب دعائي عندما طلبت منه أن يجنبني الفتن» ما ظهر منها وما بطن. 

قال: أجل.. لقد استجاب الله دعاءك لا على ما ترغبء, بل على ما تقتضيه تربيتك 
وإصلاحك.. فالله رب العالمين» وهو أكرم من أن يستجيب لعباده فيه| قد يضر بتربيتهم 
وصلاحهم. 

قلت: لكن كيف ذلك؟ 

قال: ألم تطلب في دعائك صفاء الروح» وسلامة القلب والعقل.. وأن يظل تمسكك 
بالحق قائ) ثابتتا لا تزعزعه الأعاصير؟ 

قلت: أجل.. ولكن هذه الرحلة قد تتسبب فيه أخشاه على نفسي من الفتنة» وعلى 
قلبي من الكدرء وعلى عقلي من التشويش. 


قال: بل ستكون سببا فيما طلبته.. فالحق الذي تخشى عليه الأعاصير وهم وليس 

حقا.. والحق الذي لا يثبت في وجه كل باطل سراب لا يطفئ ظمأك.. ألم تسمع قوله تعالى 
في وصف الكلمة الطيبة التي تصف ا حقائق المقدسة: 0 يد كَيْفَ كدب الله مكلا كلمَة 
طَيْبَةَ كَسَجَرَةٍ طَيَبةِ أَضْلْهًا َابِثٌ وَفَرْعُهَا في السَّاءِ ب تَوْةٍ نوق أكلها كل صن اذه وكا وكفيريت 
الله الَْمْتَالَ لِلنَّاسِ عَلَّهُمْيتَدَكَرُونَ4 [إبراهيم: 75 70]؟ 

قلك بل ».وق سمحت معها قوله معال فق وضف الأباطبل المدسة: #وكل كلمة 

َيكةٍ كَشجَرَةٍ بي اجتدْتْ مِنْ فَوْقٍ الْأَرْضٍ ما طَا مِنْ قَرَارِ؛ [إبراهيم: 5؟] 

قال امسر 2 لمان رح ا مدر لامي يشت 
الله الَّذِينَ آمنُوا بالَْوْلٍ النَّابتِ في الحا الدنَْا وَفي الْآخِرَة وَيْضِلٌ الله الظَالِينَ ويفْعَلُ الما 
يَشَاء# [إبراهيم: 77].. فالله تعالى وعد عباده الصادقين بالثبات في وجه كل الفتن والأعاصير» 
ما داموا قد سلموا كل شؤونهم له.. وقد أخبر أن الضلال مصير الظالمين المستعلين 
المستكيرين لا العبيد المتواضعين. 

قلت: لكني أخشى ألا أكون أهلا لذلك التثبيت.. فالله تعالى لا يعطي عباده إلا 


ولد و 


بحسب استعداداتهم. 

قال: ستكتشف ذلك بنفسكء وحينهاء سترى كيف تعالجهاء فالتشخيص نصف 
العلاج» وأن تكتشف خطأك في هذه الدنيا؛ فتصححه. خير من أن تذهب به إلى تلك الدار» 
ولات ساعة مندم. 

قلت: وعيت هذا.. لكني لم أدرك كيف يكون الضلال الذي تريد مني أن أرحل إليه 
سببا للهداية.. وهل يمكن للغواية أن تكون طريقا للهداية؟ 

قال: لاشك أنك من قوم يرددون كثيرا (الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه 


إلا المرضى) 

قلت: صحيح.. وهو ليس مجرد مثل أو حكمة.. بل هو واقع؛ فالإنسان السليم 
المعافى لا يشعر بنعمة العافية والصحة إلا بعد أن يقع في المرض. 

قال: لكنه قد لا يمرضء ومع ذلك يشعر بنعمة الصحة. 

قلت: أجل.. وخاصة إن زار المرضىء ورأى آلامهم» حينها يشعر بنعمة الله عليه 
بالعافية. 

قال: وهذا ما سنفعله.. فعندما ترى المرضى الذين تدنست أرواحهم بوحي 
الشياطين» ستعرف قيمة تسليمك وإذعانك لوحي ربك. 

قلت: بورك فيك.. لقد ذكرتني برحلتي مع معلمي إلى النبي المعصوم.. فقد قال لي 
كلاما شبيها مبذا.. وبالفعل؛ فعندما سمعت كل شبهات المغرضين عن رسول الله يق 
وسمعت ردود الحكيم عليهاء ازاد تعلقي برسول الله # أضعافا مضاعفة على ما كان عليه. 

قال: وهكذا في هذه الرحلة» فسيزداد حبك لكتاب ربك» وعشقك له.. 
وسيصحبك فيها سبعة من الحكماء» وليس حكيم| واحدا. 

قلت: سبعة.. لقد ذكرتني بالحكاء السبعة الذين استطاعوا أن يجتثوا داء الطائفية 
من أصوها.. أولئك الذين دلني معلم السلام عليهم.. والذين ذكرتهم في كتاب [الطائفيون 
والحكاء السبعة].. لكني لم أتشرف بلقياهم» وقد ظللت متحسرا على ذلك. 

قال: فستلقاهم في هذه الرحلة؛ فهم سيرافقونك فيها.. وفي كل محل من المحال التي 
تذهب إليها.. 

استبشرت كثيرا بذكر هؤلاء الذين عرفتهم في شبابي الباكر» وقلت: وأنت.. أي 


معلم تكون؛ فأنت لم تعرفني عن نفسك بعد؟ 


قال: أنا نقطة تحت الباء. 

قال: أنا معلم الحقائق التي لم تتدنس بالأهواء.. وقد اكتسبت هذا بتلمذتي الخالصة 
على القرآن الكريم؛ فلا يمكن للحقائق أن تتقدس من دونه. 

قلت: لقد كان كل المعلمين في رحلاتي السابقة» يخبرونني عن مسار رحلتي» لأكون 
على بينة من أمري. 

قال: ستسير في هذه الرحلة إلى مدينة تمتلئ بالصفاء والنور والسلام» وهي تمثل 
القرآن الكريم أحسن تمثيل.. لكن شياطين الإنس والجن» راحوا يستعملون كل الوسائل 
لتحويلها عن صفائها وطهارتها.. ومن جملتها نشر الأباطيل والشبه حول القرآن الكريم؛ 
لأنهم يعلمون أن كل ما في تلك المدينة من بركات» سببها تمسكهم به. وإخلاصهم له. 

قلت: فأنت تريد مني في رحلتي هذه أن أشارك الحكاء في مواجهتهم لتلك 
الأباطيل؟ 

قال: لا.. دورك محصور في دواتك وقلمك وقراطيسك.. فتلك الشبه التي غزت 
تلك المدينة غزت غيرها.. ونحن نريد من الحكمة التي ستبث في تلك المدينة أن تنتشر إلى 
غيرها عبر تسجيلك لكل ما يحصلء وبدقة» كى]| عهدنا منك. 

قلت: وعيت هذا.. فمن هم المبطلون الذين يريد الحكماء أن يقضوا على انتحالاتهم؟ 

قال: هم أربعة أصناف, تجتمع عندهم كل أصناف الأباطيل والمبطلين. 

قلت: ف) أولها؟ 

قال: الحشوية والمدلسون والوضاعون والكذابون.. أولئك الذين راحوا يدسون في 
تفسير الوحي المقدس كل ما أملت عليهم شياطينهم من الوحي المدنس.. فتمكنوا من 


تحريف المعاني بعد أن استعصى عليهم تحريف الألفاظ. وتشبهوا في ذلك با أخبر الله تعالى 
به عن الأمم السابقة حين قال: قَب َقْضِهِمْ مِيثَاقَُمْ لعنَاهُمْ وَجَعَلَنَا قلُوييُمْ قَايسيَة نحرَفُونَ 
الَْلِمَ عَنْموَاضعه وَكَُوا حَظً دعرو به وكا َال طلم عل حا هماقلا مِنهُْ 
َاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفّحْ إِنَّ لمحب الُحْسنينَ4 [لمائدة: 1] 

قلت: فم الثاني؟ 

قال: الكشفية والغنوصيون الذين استعملوا الكشف والإلحام وسيلة لمزاحمة النبوة» 
بل ومعارضتهاء وحولوا كتاب ربهم الذي يسره للذاكرين المتدبرين إلى ألغاز وطلاسم 
غامضة لا يفهمها إلا من يمر على أوكارهم» ويستمع لما يوحي شياطين الإنس والجن 
إليهم. 

قلت: فا الثالث؟ 

قال: المشككون.. أولئك الذين أصغوا لأصحاب القلوب المريضة من الشرق 
والغربء والقديم والحديث؛ فامتلآت نفوسهم بالشكوك والأوهام التي منعتهم من 
تقديس كلمات رهم االمقدسة» أو الإذعان لهاء ولذلك حرموا من الاستفادة منها؛ ففضل 
الله يأبى أن يتنزل على من يرفضه أو يرتاب فيه. 

قلت: ف| الرابع؟ 

قال: المبدلون والمغيرون الذين اغتروا بعقولهم ودنياهم؛ فتوهموا أنهم فهموا من 
القرآن الكريم مالم يفهمه غيرهم.. ولذلك بدل أن يرتقوا به إلى سموات ال حقيقة والجمال» 
راحوا ينزلون به إلى نفوسهم المدنسة بالأهواء والضلال.. ويدخل فيهم ومعهم أولئك 
الذين راحوا يزكون أنفسهم بكونهم قرآنيين؛ فلذلك ادعوا أنهم في غنى عن كل بيان حتى 


لو كان بيان رسول الله يَي أو ورثته الصادقين المخلصين. 
كك 


1١6 


بعد أن سمعت تلك الكلمات الطيبة من معلمي الجديد» وجدت نفسي في مدينة 
جميلة» بل في غاية النظام والجمال؛ فقد كانت الروائح الطيبة تملأ نسيمها العليل.. وكانت 
معه أصوات عذبة للقرآن الكريم» وفي كل المحال التي مررت بها.. أما أهلها؛ فلا يمكن 
أن أصف ما كانوا عليه من صحة وعافية وقوة.. وفوق ذلك ما يعلو أساريرهم من سلام 
وطمآنينة وأنوار.. وفوق ذلك ما يطبع علاقاتهم من رحمة ولطف ولين. 

فسألت معلمي عن المدينة» وسرهاء ومحلهاء فقال: هذه مدينة الصادقين مع كلام 
ربهم.. لقد تنزلت عليهم البركات من كل الجهات.. بسبب ذلك التمسك الصادق. 

قلت: لقد ذكرتني بقوله تعالى عن أهل الكتاب من قبلنا: لوَلَو َنم أقَامُوا التَوْرَا 
وَالْإنْجِيلٌ وَمَا أل إِلَيْهِمْ من رح لََكَلُوا من قَوْقِهِمْ وَمِنْ كحت أجلم نهم أمَه مفْتصِدَ مقتصدة 
وَكَثيٌ منْهُمْ سَاءَ مَا يَحْمَلُونَ) [لمائدة: 51] 

قال: هي في كل الكتب؛ فعدالة الله ولطفه بعباده يأبيان أن يميزا أمة عن أمة.. ألم 
لسغ قرله تعال: 9و الدية يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابٍ وَأَقَامُوا الصّلَاةَ إِنَا لا نُضِيعْ أَجْرَ 
الاين كه [الأعراف: ١117]؟‏ 

قلت: بلى.. وقد سمعت معها قوله: إن الَّذِينَ يَنْنُونَ كِتَابَ الله وََقَامُوا الصّلَاةَ 
ا سِرًا وَعَلَانِيَةَ يَرْجُونَ تَجَارَةَ ل نبور ليوفيهم أَجْورَهمْ وَيَزِيدَهمْ من 

فَضْلِه إِنّهُ عَهُورٌ شََكُورٌ) [فاطر: 1أم] 

قال: وقد قال بعدها : لوَالّذِي أَوْحَيْنَا إِليْكَ مِنَالْكِتَاب هُوَ الح م ا 
إِنَّ الله بعبَادِهِ سي بَصِي4 (فاطر: 1١‏ ليبين أنه لا يمكن التمسك بالكتاب» ولا التحقق 
بمعانيه» ولا الارتفاع إلى قيمه قبل الإيعان بكونه حقا من عند الله.. فالحقيقة قبل التحقق. 

قلت: أجل.. وقد أخبر بعدها عن الوارثين لكتاب الله» وبين المواقف منهم؛ فقال: 


ثم أَورَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَاونَا قَونْهُمْ ظَابك ل ِتَقَسِدِ وَمِنْهُمْ مُقتصِدٌ وَمِنْهُمْ 
سَابقٌ بِالحيْرَاتِ بِإِذْنٍ الله ذَلِكَ هُوَ الْمَضْلْ الْكَبيدُ) [فاطر: 215 ثم ذكر المصير الذي يصيرون 
إليهء فقال: #جَنَاتٌ عَذْنِ يَدُحَلُوَا يحَلَوْنَ فيا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ دمب وَلُوْلُوَا وَِيَاسُهُمْ فيا 
حَرِيرٌ وََانُوا الْحَمدُ له الذِي أَذْعَبَ عَنَاالحرنَ إن وبا ََفُورٌ ككرة الذي احلا ذا المكاقة 
لل ل ران 

قال: فهذه الآيات الكريمة تصف هذه المدينة» وتصف أهلها الصادقين الذين أبت 
لهم همهم العالية أن يكونوا من الظالمين أو المقتصدين.. بل راحت تطلب السبق والقرب.. 
وقد آتاها الله ما طلبت. 

قلت: ولكن يا معلمي.. ما علاقة هذه المدينة بالمبطلين وانتحالاتهم الكاذبة؟ 

قال: بعد أن سمع المبطلون ببذه المدينة» اجتمعوا بقضهم وقضيضهم ليتآمروا 
عليها؛ فيفسدوا عليها صفاءها وجمالها وبركاتها.. وقد استغلوا في ذلك طيبة أهلهاء 
وإكرامهم لكل ضيف». وسماعهم لكل حديث بحسن نية. 

قلت: لقد ذكرتني بقوله تعالى في وصف رسول الله 5: : #وَمِْهُم ال لَذِينَ يُؤْدُونَ الي 

ويَفُولُونَ هُوَ أذ قل أَذْنُ حبر لَكُمْ يُؤْمنُ بالل ويُؤْمِنُ لِْمُؤْمِينَ وَرَحمَة لَّذِينَآمنُوا نكم 

وَالْذَهنَ يُؤدُونَ وشول الله كَمْ عَدَابٌ ليه [التوبة: ..]3١‏ فقد كان رسول الله َي يصدق 
المؤمنين» ويحكم على ظواهرهم, حتى اتهم بكونه أذنا يسمع لكل حديث, ويمر عليه نفاق 
المنافقين» وكيد الكائدين. 

قال: لقد كان لأهل هذه المدينة بعض هذه الصفات.. فهم يحسنون الظن بكل أحد.. 
ولذلك أرسلنا معلم القرآن لننقذ المدينة من كيدهم ومكرهم؛ فهم ‏ مع صدقهم 


وإخلاصهم ‏ ليسوا مؤيدين ولا مسددين بالوحي الذي كان يسدد ويؤيد به رسول الله 817؛ 


فيعرف المؤمن من المنافق» والصادق من الكاذب. 
قلت: ألهذا أرسل الحك)ء لتنبيههم؟ 
قال: أجل.. فقد آتى الله الحكماء من العلم ما يميزون به بين الحق والباطل.. وهم 


وره 


ورثة النبوة في ذلك.. ألم تسمع قوله تعالى: #يُؤْتٍ الْحَكْمَةٌ مَنْ يَسَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحَكْمَةَ ققد 
وق حيرا كَثِيرًا وَمَا يَذَكَرُ إل أُونُو الأَلبَّاب 4 لالبقرة: 4:؟] 

قال: فقد آتى الله هؤلاء الحكاء الحكمة بسبب تلاوتهم الحقة للقرآن الكريم» 
وإدمانهم عليهاء وكثرة تدبرهم لما يتلونه. 

قلت: فهلا سرت ب إليهم.. فقد شوقتني إلى رؤيتهم بعد أن عرفت دورهم الكبير 
في منع الحرب بين الطائفتين الكبيرتين من المسلمين217. 

قال: نحن سائران إليهم.. أو هم سائرون إلينا.. وسنلتقي في المحل الذي شاء الله 
أن نلتقي فيه. 


)١(‏ نشير إلى ما ذكرناه في كتاب [الطائفيون والحكاء السبعة] 





أولا ‏ القرآن.. والحشوية 

بعد أن قطعنا مسافات طويلة في تلك المدينة» ونحن لا نشم إلا الروائح الطيبة» ولا 
نسمع إلا الأصوات العذبة» ولا نشاهد إلا الطيبين المتواضعين الذين يصدق عليهم ما 
وصف الله به عباده الصالحين من المخبتين وعباد الررحمن واللمتبتلين وغيرهم.. إذا بي أرى 
حلقة كبيرة يجتمع فيها بعض سكان المدينة مع مجموعة من المشايخ» وقد تعجبت عندما 
شممت رائحة كربهة تنبعث منهم» فتوقفت» وقلت للمعلم: ما الذي حصل؟.. أرى أن 
البركات قد توقفت هنا. 

قال: أجل.. ففي هذه الحلقة ينشر هؤلاء المشايخ سمومهم التي ورثوها من الفئة 
الباغية» وأصحاب الملك العضوضء لتحريف معاني القرآن الكريم بعد أن عجزوا عن 
تحريف ألفاظه.. وقد انتقوا لذلك بعض من شموا منهم روائح ضعف الإيان؛ فراحوا 
يغرونهم بالأموال» ليحولوهم إلى أدوات ينخرون بها وحدة المدينة وقوتها وجمالها. 

قلت: ويل لهذه المدينة إذن من هؤلاء» وما يعد لها.. فستتحول روائحها الطيبة إلى 
هذه الروائح الكريهة التي تتقزز منها النفس. 

قال: لا تخف.. فبسبب كثرة ما في المدينة من الصادقين والمخلصين والصالحين. 
أرسل الله هم من الحكاء من ينقذهم. 

قلت: لقد ذكرتني بقصة الخضر مع موسى عليه السلام» فقد أخبر الله عن العلة 
التي ذهبا بسببها إلى ذلك الجدار الذي يريد أن ينقض لإصلاحه. فقال: لوَأَمًا الْجدَارُ قَكَانَ 
لِعَْامَئْن يَتِِمَْنِ في المدِيَة وَكَانَ تحنَهُ كَْرٌ طحا وَكَانَ أَبوهُمَا صَامًِا فأرَادَ رَبّكَ أَنْ يَبْلُعَا أشُدَّهُمَا 
وَيَسْتَخْرجحا كَنْرَهُمَا رَحْمَة مِنْ رَبك [الكهف: 86] 

قال: أجل.. فبركات الصالحين» لا تقتصر عليهم, ولا على أهليهم» بل تشمل كل 


15 


من يحيط مهم؛ فهم القوم لا يشقى بهم جليسهم. 
قلت: فسيخلصهم الحكماء من هؤلاء الدجالين الحشوية المدلسين في النهاية إذن؟ 
قال: أجل.. وسترى كيف سيخلصونهم بعدها من كل المبطلين وأباطيلهم.. لا تنس 
أن تكتب كل ما يذكرونه حتى تعم حكمتهم سائر المدن. 


١‏ تعظيم المدنس: 

ما إن قال معلمي هذاء حتى سمعت أحد الشيوخ الجالسين في الحلقة يقول بغضب 
شديد: كيف تسمعون لمن يشكك في ذلك الحبر الكبير» والإمام العظيم من أئمة الإسلام 
.. كعب الأحبار .. ذلك الذي شهد له بالعلم السلف والخلف. ابتداء من كبار الصحابة 
والتابعين؟ 

قال آخر: فهل أنتم أفضل من أولئك الصحابة والتابعين الذين رووا عن كعب 


الأحبار» أو تتلمذوا على يديه» من أمثال (أبى هريرة وعمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأد 


3 


بردة بن أبي موسى الأشعري وروح بن زنباع وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمرو بن 
العاص وسعيد بن المسيب وأنس بن مالك وأبي الدرداء)(1) 

قال آخر: ألم تعلموا المكانة العظيمة التي توفرت له في المدينة النبوية» حيث استطاع 
أن يربي مجموعة من التلاميذ الكبار» كأبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن 
عمر وغيرهم كثير().. ولم يكتف بذلك؛ بل سعى بكل جهده لرفع مكانتهم» ومساعدتهم 
في نشر العلم بين المسلمين» فقد قال عن عبد الله بن عمرو بن العاص: أنت أفقه العرب.. 
ودعا الناس لسؤاله» ولما أجابهم» قال: (صدق الرجل.. عالم والله)(2.. ومدح أبا هريرة 


.507 / ١ ميزان الاعتدال 5 / 10 وتهذيب التهذيب 8 /9 ”57 . (9) تاريخ الطبري‎ )١( 


.٠١ 5/37 تفسير ابن كثير‎ )١( 


فقال: (ما رأيت أحدالم يقرا التوراة أعلم ب| فيها من أبي هريرة)(22 

قال آخر: وقد استطاع فوق ذلك أن ينشر علمه وتفسيره للقرآن الكريم» ويكشف 
كل المشكلات المرتبطة بالعقيدة في الله وأنبيائه من خلال الروايات الكثيرة التي تلقتها الأمة 
بالقبول عنه أو عن تلاميذه وزملائه من أمثال وهب بن منبه» وابن جريجء وابن إسحاق» 
والسدي الكبير وقتادة» ومحمد بن كعب القرظيء ومجاهد.. وغيرهم كثير. 

قال آخر: وقبل ذلك كله.. ألم يعلموا ما قاله ابن كثير في بيان علاقته الجيدة مع 
الخليفة الثاني عمرء فقد قال: (فإن كعب الأحبار لما أسلم في زمن عمر كان يتحدث بين 
يدي عمر بن الخطاب بأشياء من علوم أهل الكتاب» فيستمع له عمر تأليفا له وتعجبا ما 
عنده مما يوافق كثير منه الحق الذي ورد به الشرع المطهر, فاستجاز كثير من الناس نقل ما 
يورده كعب الأحبار لهذا المعنى» ولما جاء من الإذن في التحديث عن بني إسرائيل)77) 

قال آخر: بل ورد من الروايات ما يدل على كونه أسلم على يديه فقد ذكر المؤرخون 
أنه أسلم في زمان عمرء حيث أقبل وهو يريد بيت المقدسء فمر على المدينة» فخرج إليه 
عمر» فقال: يا كعب أسلمء قال ألستم تق رأون في كتابكم مَثَلُ الَّذِينَ حمُلُوا التَوْرَاة تم 1 
يخْمِلُوهَا كَمَكلِ الجارٍ يحل أَسْمَارَاك [الجسمة: 5 » وأنا قد حملت التوراة» فتركه ثم خرج 
حتى انتهى إلى “مص .. ثم عاد كعب إلى المدينة وأعلن إسلامه بعد أن فكر جيدا فيا قاله له 
ع1 

قال آخر: ومنذ ذلك اليوم صار مقربا جدا من عمرء ومما يروى من شدة العلاقة 


بينهماء أنه قال له: يا أمير المؤمنين هل ترى في منامك شيئا؟ .. فانتهره؛ فقال: إنا نجد رجلا 


.١4 فضائح يبود متلبسون بالإسلام» ص‎ )( .7١5/ 4 الإصابة‎ "5 / ١ تذكرة الحفاظ‎ )١( 
2170375 /١( البداية والنهاية‎ )١( 


3 


يرى أمر الأمة في منامه(21. 

قال آخر: بل ورد من الروايات ما يدل على كونه كان مستشاره الديني الخاص» فقد 
قال ابن تيمية عنه: (لما دخل عمر بن الخطاب البيت المقدسء» وأراد أن يبنى مصلى 
للمسلمين» قال لكعب؟ أين أبنيه؟ قال ابنه خلف الصخرة. قال: خالطتك يبودية يا ابن 
اليهودية ؛ بل أبنيه أمامها ‏ وذلك لأن اليهود تعظم تلك الصخرة ‏ ولهذا كان عبد الله بن 
عمر إذا دخل بيت المقدس صل في قبليه ولم يذهب إلى الصخرة: وكانوا يكذبون ما ينقله 
كعب: أن الله قال لها: أنت عرشي الأدنى ويقولون: من وسع كرسيه السموات والأرض 
كيف تكون الصخرة عرشه الأدنى؟)220) 
أتجدني خليفة أم ملكا؟ قال: بل خليفة فاستحلفه. فقال كعب: (خليفة والله من خير الخلفاء 
وزمانك خير زمان)0© 

قال آخر: ومثل ذلك تلك الروايات التي تذكر علاقته مع عائشة» وكيف كانت 
تستشيره» فقد روي عن عبد الله بن الحارث قال: كنت عند عائشة وعندها كعب الحبر» 
فذكر إسرافيل» فقالت عائشة: يا كعب أخبرني عن إسرافيل» فقال كعب: عندكم العلم» 
فقالت: أجل فأخبرني» قال: له أربعة أجنحة جناحان في الحواء» وجناح قد تسربل به 
وجناح على كاهله» والعرش على كاهله والقلم على أذنه» فإذا نزل الوحي كتب القلم, ثم 
درست الملائكة» وملك الصور جاث على إحدى ركبتيه» وقد نصبت الأخرىء فالتقم 


الصورء محني ظهره شاخص بصره إلى إسرافيل» وقد أمر إذا رأى إسرافيل قد ضم جناحه 


.7 4١ مختصر تاريخ ابن عساكر لابن منظور 18 / 7417. (") رواه نعيم بن حماد في الفتتن» ص‎ )١( 
)1١891 /١5( (؟) مجموع الفتاوى‎ 
3 


أن ينفخ في الصورء فقالت عائشة: (هكذا سمعت رسول الله :# يقول) 2207 

قال آخر: وهكذا رووا عن عبد الله بن الزبير أنه قال: (ما أصبت فى سلطانى شيئاً 
إلا قد أخبرنى به كعب قبل أن يقع).. ورووا عن معاوية قوله: (ألا إِنَّ أبا الدرداء أحد 
لكات الا إن عمووي اكات انع انكر الذرن عب الأسار اسن العتات إوكان 
عنده علم كالثار وإن كنا المفرطين)7) 

قال آخر: وكيف لا تكون له كل تلك المناقب والمكارم والفضلء وهو الذي جمع بين 
الحسنيين» بين كتاب محمد :. وكتاب موسى عليه السلام» وقد ورد في الحديث في فضائل 
عبد الله بن عمرو بن العاصء أنه قال: (رأيت فيما يرى النائم لكأن في إحدى أصبعي سمنا 
وفي الأخرى عسلا فأنا ألعقههاء فلما أصبحت ذكرت ذلك لرسول الله # فقال: (تقرأ 
الكتابين التوراة والفرقان» فكان يقرؤهما)29© 

قال آخر: وكل هذا يدل على أن كمال المؤمن ليس في أخذه من القرآن الكريم» 
واقتصاره عليه فقط.. بل الكمال في أن يأكل السمن مع العسل.. وينهل من القرآن ومن 
كتب أهل الكتاب. 

قال آخر: وكيف لا يكون الكمال في ذلك.. ورسول الله يي نفسه | يذكرنا شيخنا 
شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من مشايخ السلف ‏ كان يستفيد من اليهود؛ ويفرح لما يلقونه 
له من العلم بالله» وقد ورد في الحديث الذي ورد في صحيح البخاري أن بهودياً جاء إلى 
النبي 2 فقال: (يا محمد إن الله يمسك السموات على إصبع» والأرضين على إصبع» والجبال 
على إصبع» والشجر على إصبع» والخلائق على إصبعء ثم يقول: أنا الملك» فضحك رسول 


(1) رواه الطبراني في الأوسطء مجمع الزوائد ومنبع الفوائد /١٠١(‏ 09531 () أحجد / 0/1777 
(؟) الإصابة في تميبز الصحابة (0 / 62505٠١‏ 


7 


الله 2 حتى بدت نواجذه. ثم قرأ: وما قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبِضَئْهُ يوم 
الْقَيَامَة وَالْسَيَاوَاتٌ مَطويّاتٌ يِه سبْحَانَهُ وَتَحَالَ عَنَ يُشْرِكُونَ4 [الزمر: )0 

قال آخر: لقد فرح شيخنا شيخ الإسلام ابن تيمية وسلفه وخلفه بهذا الحديث فرحا 
عظيهما حتى اعتبروه أصلا من أصول الدينء بل اعتبروه من الأحاديث الدالة على صفات 
الله عز وجل وكالاته. وقد بنى عليه اعتبار الإصبع صفة من صفات الله تعالى» فقد قال في 
كتابه [بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية]: (وندين الله عز وجل بأنه يقلب 
القلوبء. وأن القلوب بين أصبعين من أصابع الله عز وجلء وأنه عز وجل يضع السموات 
على إصبع» والأرضين على إصبع)27) 

قال آخر: بل إنه ‏ بحذقه وذكائه وحضور بديبته وعلمه العظيم ‏ استطاع أن يكتشف 
من خلاله كون النبي #2 كان يستمع لأحاديث اليهودء ويصدقهاء : ثم يأتيهم بالآيات التي 
تدل على ما قالواء لقد قال: (وكان اليهود إذا ذكروا بين يديه أحاديث في ذلك يقرأ من 
القرآن ما يصدقها ى! في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود أن يهودياً قال للنبي ##: (إن 
الله يوم القيامة يمسك السموات على إصبع..)0© 

قال آخر: وقد قال ذلك في مواضع كثيرة» ولذلك هو يقبل أحاديث كعب الأحبار 
وغيره من اليهود. لأن مرجعهم فيم| يذكرونه هي التوراة الصحيحة» ومن الأمثلة على ذلك 
قوله في كتابه دقائق التفسير: (وعمر بن الخطاب لما رأى بيد كعب الأحبار نسخة من التوراة 
قال: يا كعب إن كنت تعلم أن هذه هي التوراة التي أنزها الله على موسى بن عمران فاقرأهاء 


فعلق الأمر على ما ب يمتنع العلم به» ولم يجزم عمر بآن ألفاظ تلك مبدلة لما لم يتأمل كل ما 


45/1 ومسلم (4/ 0531151 (") درء التعارض‎ )7415(0١58 /9( رواه البخاري‎ )١( 
)١17 /1( بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية‎ )1( 
>53 


فيهاء والقرآن والسنة المتواترة يدلان على أن التوراة والإنجيل ال موجودين في زمن النبي 6 
فيهم| ما أنزله الله عز وجلء والجزم بتبديل ذلك في جميع النسخ التي في العالم متعذر, ولا 
حاجة بنا إلى ذكره» ولا علم لنا بذلك» ولا يمكن أحدا من أهل الكتاب أن يدعي أن كل 
نسخة في العالم بجميع الألسنة من الكتب متفقة على لفظ واحدء فإن هذا مما لا يمكن أحدا 
من البشر أن يعرفه باختياره) 77 
قال آخر: وهذا ليس موقفا خاصا بابن تيمية» فقد قال العلامة ابن العثيمين في تفسير 

سبب ضحك رسول الله : (سبب ضحك رسول الله يي هو سروره حيث جاء في القرآن 
ما يصدق ما وجد هذا الحبر في كتابه» لأنه لا شك أنه إذا جاء ما يصدق القرآن» فإن الرسول 
سوف يسر به» وإن كان الرسول ## يعلم علم اليقين أن القرآن من عند الله لكن تضافر 
البينات ما يقوي الشبيء)7) 

قام بعض الجالسين» وقال: لكن مع كل ما ذكرتموه عن كعب الأحبار» وفضله. 
ومكانته في الدين إلا أني قرأت أن من الصحابة أنفسهم من يتهمه بالكذبء والقاعدة التي 
نعرفها في التعامل مع هؤلاء هو أن من عرف الكذب عنه» ولو مرة واحدة يطرد من قائمة 
الرواة الموثوقين. 

قال أحد الحشوية: كل ذلك مدسوس وكذب؛ فكعب الأحبار وغيره» من العلماء 
العدول الثقاة» كانوا مقربين جدا من الصحابة» بل من كبارهم» ولسنا أحرص على الدين 
من الصحابة. 


قال آخر: لقد كتب بعض أصحابنا من الملتزمين بسنة رسول الله يلل والمنافحين عنها 


.717 دقائق التفسير (0/2/5) (؟) القول المفيد على كتاب التوحيد لابن عثيمين‎ )١( 





رسالة في الدفاع عنه سماها [كعب الأحبار المفترى عليه »22١(]‏ وقد قال في مقدمتها: (فهذا 
بحث أدفع فيه بعض الافتراءات على كعب الأحبارء التي ذكرها أبورية في كتابه (أضواء 
على السنة المحمدية)» وقلده بعد ذلك كثيرون» وهو في الأساس أخذ عن محمد رشيد رضا 
وبعض المستشرقينء وهؤلاء إنما أرادوا الطعن في السنة» وذلك لأن جمعاً من الصحابة رووا 
عن كعب الأحبار واحترموه, فأراد هؤلاء إظهار الصحابة في صورة السذج الذين خدعهم 
كعب)» ثم نقل النصوص الكثيرة عن أئمة السلف التي تمجده. وتجعله قطبا من أقطاب 
الدين» خاصة في تفسير القصص القرآني. 

قال أحد الجالسين: ف| تقولون في مقولة معاوية عنه» والتي تتهمه بالكذب» وهي 
قوله: (إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب». وإن كنا مع 
ذلك لنبلو عليه الكذب)202) 

قال أحد الحشوية: مع أن هذه المقولة صحيحة إلا أن المحققين من علمائنا استطاعوا 
أن يبينوا معناهاء وأن المراد ليس الكذب المعروف.. فقد قال ابن حجر: (وقوله (عليه 
الكذب) أي: يقع بعض ما يخبرنا عنه بخلاف ما يخبرنا به» قال ابن التين: وهذا نحو قول 
ابن عباس في حق كعب المذكور: (بدل من قبله فوقع في الكذب»» قال: والمراد بالمحدثين 
في قوله: (إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب) أنداد كعب 
من كان من أهل الكتاب وأسلمء فكان يحدث عنهمء وكذا من نظر في كتبهم فحدث عم| 
فيهاء قال: ولعلهم كانوا مثل كعبء إلا أن كعبا كان أشد منهم بصيرة» وأعرف با 


يتوقاه)0© 


(1) هو لعبد بن فهد الخليفي. (") فتح الباري 2747/17 


(١؟)‏ صحيح البخاري (17/ 50 7)) رقم (17/1771) 


775 


قال آخر: ومثل ذلك قال ابن حبان في كتاب الثقات: (أراد معاوية أنه يخطيع أحيانا 
فيا يخبر به» ولم يرد أنه كان كذاباء وقال غيره: الضمير في قوله: (لنبلو عليه) للكتاب لا 
لكعب. وإنما يقع في كتابهم الكذب لكونهم بدلوه وحرفوه)”١)‏ 

قال آخر: ومثل ذلك قال ابن الجوزي: (المعنى: أن بعض الذي يخير به كعب عن 
أهل الكتاب يكون كذبا لا أنه يتعمد الكذبء. وإلا فقد كان كعب من أخيار الأحبار)() 


إقضاء [اندس: 


ما إن انتهى حديث الحشوية إلى ذلك الموضع» وبعد أن رأوا جمهور الحاضرين قد 
خضعوا لهم؛ فلم يبدوا أي اعتراضء قال كبيرهم: إن لم يكن لديكم أي شبهة أخرى.. 
فسنعود لحديثنا الذي بدأنا به» وهو أن كعب الأحبار وتلاميذه هم الوحيدون الذين حلوا 
كل المعضلات»ء وأجابوا عن كل المشكلات» فلا يمكن لأحد أن يفهم القرآن الكريم من 
دون المرور عليهم» والتلمذة على أيديهم. 

قال آخر: وبا أننا لا نستطيع في هذا المجلس أن نذكر لكم تفاصيل ذلك.. فلذلك 
ندع لكم أن تسألونا عن أي إشكال في أي آية من القرآن الكريم لنذكر لكم كيف وجدوا 
حاولا نا 

ما إن قال ذلك» حتى رأيت سبعة من الفتيان الذين تلوح على ملا محهم أنوار الحكمة 
والإيهان» كما تلوح عليهم أنوار الشجاعة والجرأة والصدع بقول الحق» يقومون في المجلس» 
ثم يخاطب أحدهم الحضور قائلين: هل تعرفون هؤلاء الذين تجلسون إليهم؟ 

قال آخر: إنهم أولنك القشوية المدلسين المدنشين للدينء اولك الذية أرسلتهم 


2755/11 فتح الباري (7477/17) (؟) فتح الباري‎ )١( 


7/ 





الشياطين إلى الأمة ليحجبوها عن كتاب ربها وتدبره وتعظيمه. 

قال آخر: ويججبوها عن نبيها # وهدايته ورحمته. 

قال آخر: ويحجبوها عن ورثته الطاهرين الصادقين المخلصين. 

قال آخر: ويحجبوها عن كل صادق مخلص من هذه الأمة ابتداء من الصحابة 

قال آخر: وكل ذلك ليحل بدهم المنحرفون المحرفون. 

قال آخر: لقد أقصوا كل هؤلاءء, لهم يعلمون أن مؤامراتهم في تحريف الدين لا 
يمكن أن تتم في وجود هذه المصادر المقدسة. 

أ. إقصاء النبوة: 

قال أحد الحشوية: كيف تتهموننا زورا وبهتانا بأننا نقوم بإقصاء القرآن» وها أنت 
ترانا نرتل نفس أياته.. بل ندعو هؤلاء الحضور ليسمعوا معنا تفسيره. 

قال أحد الحكماء: فهل سمعتم وصايا النبوة في التحذير من خلط الإسلام بغيره من 
الأديان.. 

قال آخر: وهل رأيتم كيف غضب رسول الله : غضبا شديداء حين أتاه عمر بكتاب 
من كتب اليهود» فقال له رسول الله يَ: (أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب!؟ والذي نفسي 
بيده» لقد جئتكم بها بيضاء نقية» لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل 
فتصدقوا به والذي نفسي بيده لو أن موسى صل الله عليه وسلم كان حيا ما وسعه إلا أن 
يتبعنى)(1) 


قال آخر: فهذا الحديث العظيم يخبر أن دين الله أبيض نقي صاف ليس فيه أي دنس 


)١(‏ أحمد: ؟/ املاح (مواه1) 


58 





أو شبهة تمنع العقل السليم من التسليم له.. لكن هذا الأبيض يمكنه أن يتحول إلى أسود 
إذا ما اختلط بغيره.. فهو لشدة بياضه وجماله أسرع الأشياء إلى التلوث إذا لم يحافظ عليه. 

قال أحد الحشوية: لكن رسول الله يل الذي قال ذلك» هو نفسه الذي قال: (لا 
تكتبوا عني شيئا غير القرآن» فمن كتب عني شيئا غير القرآن فليمحه.. وحدثوا عن بني 
إسرائيل ولا حرج2120.. فهل تؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببضع؟ 

قال آخر: ألا ترون من العجيب أن ينهى رسول الله 2 عن كتابة حديثه» وفي نفس 
الوقت يجيز الحديث عن بني إسرائيل» وهو الذي غضب تلك الغضبة الشديدة» وأخبر أن 
دينه أبيض نقي» وأن خلطهم له بغيره من الآديان سيشوهه. ويدنسه. بل يحوله إلى دين 
بشريء بدلا أن يكون دينا إهيا. 

قال آخر: الفهم الصحيح للحديث عن (بني إسرائيل بلا حرج)» هو ما ذكره الإمام 
الصادق عندما سأله بعضهم قائلا: حديث يرويه الناس أن رسول الله # قال: (حدّثوا عن 
بني إسرائيل ولا حرج؟) قال: (نعم) قيل: فنحدّث بها سمعنا عن بني إسرائيل ولا حرج 
علينا؟ قال: (أما سمعت ما قال: كفى بالمرء كذبا أن يحدّث بكل ما سمع) قيل: كيف هذا؟ 
قال: (ما كان في الكتاب أنّه كان في بني إسرائيل فحدّث أنَّه كان في هذه الأمّة ولا حرج)(2) 

قال آخر: وبذلك فإن هذا الحديثء وبهذا الفهم الراقي» يجتمع مع ذلك التحذير 
الذي حذر منه رسول الله يل ؛ ففيها ورد في القرآن الكريم عن بني إسرائيل وقصصهم ما 
يغني عن غيرها.. والتعامل معها بعد ذلك بالاعتبار والتدبر» لا بالبحث فيه لا يغني ولا 
يجدي. 


قال آخر: وهكذا حصل مع الكثير من الأحاديث؛ فسلفكم من الحشوية المدلسين 


. 1417 البخاري (545/5) والترمذي (97/ 57"1) (؟) قصص الأنبياء ص‎ )١( 


4 





الذين تدعون لهم إما يسيئون فهمهاء أو يكذبون في روايتهم لها.. ولذلك دسوا باسم رسول 
الله يي الكثير من الأحاديث التي تشوه الدين وتحرفه. مستغلين تلك القوانين التي وضعها 
المحدثونء والتي تكتفي بالثقة في الرواة» دون محاكمة الأحاديث إلى ما أمرنا الله تعالى 
بالمحاكمة إليه. 

قال آخر: ومن الأمثلة على تلك الروايات التي تسللت إلى السنة النبوية» فشوهتها 
أعظم تشويه» ذلك الحديث الذي يعارض قوله تعالى: إن رَبَكُمُ اللهالَِّي حَلَقّ السَّمَاوَاتِ 
وَالْأَرْضَ في سِنَة أيّام4 [الأعراف: 104]» ويعارض معه الحقائق العلمية في الفلك والجيولوجيا 
وعلوم الحياة وغيرها من العلوم» وهو ما روي عن أب هريرة» أنه قال: أخذ رسول الله 2# 
بيدي فقال: (خلق الله عز وجل التربة يوم السبت» وخلق فيها الجبال يوم الأحد. وخلق 
الشجر يوم الاثنين» وخلق المكروه يوم الثلاثاء» وخلق النور يوم الأربعاء» وبث فيها 
الدواب يوم الخميس» وخلق آدم عليه السلام بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق في 
آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل) 217 

قال آخر: هذا الحديث مجرد مثال على تلك الأحاديث التي اختلط فيها المقدس 
بالمدنس» والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصرء وقد روى ابن كثير عن عروة بن الزبير بن 
العوام» قال: قال لى أبي الزبير: أدننى من هذا اليمانى (يعني أبا هريرة) فإنه يكثر الحديث 
عن رسول الله :# قال: فأدنيته منه فجعل أبو هريرة يحدث؛. وجعل الزبير يقول صدق كذب 
صدق كذبء قال: قلت يا أبة ما قولك صدق كذب. قال: يا بني أما أن يكون سمع هذه 
الأحاديث من رسول الله ## فلا أشك» ولكن منها ما يضعه على مواضعه ومنها ما وضعه 


على غير مواضعه)() 


.١٠١9ص مسلم (51789) (1) البدابة والنهاية ج8‎ )١( 





قال آخر: ومثله ما حدث به ابن كثير عن مسلم صاحب الصحيح بسنده عن بكير 
بن الأشجء قال: قال لنا بشر بن سعيد: (اتقوا الله وتحفظوا من الحديث. فوالله لقد رأيتنا 
تجالس أبا هريرة فيحدث عن رسول الله » ويحدثنا عن كعب الأحبار» ثم يقوم فأسمع 
بعض ما كان معنا يجعل حديث رسول الله 2 عن كعب وحديث كعب عن رسول الله 
6 

قال آخر: وهكذا أصبح لأي شخص يتزين أمام المحدثين أو علماء الجرح والتعديل 
بزينة التقوى والصلاح أن يروي أي حديث لرسول الله يه ثم يقبل ذلك الحديث من 
دون مناقشة. بل يتهم راده» بكل صنوف التهم.. لآ حرصا على النبوة» وإنما حرصا على 
قداسة الرواة. 

قال آخر: بل إن الأمر وصل بهم إلى حد القول بتخطئة رسول الله يي حرصا على 
صدق الرواة.. ومن الأمثلة على ذلك ما رواه محمد بن سيرين عن أبي هريرة» قال: قال 
رسول الله ##: (فقدت أمة من بني إسرائيل» لم يدر ما فعلت. وإني لا أراها إلا الفأر, ألا 
ترونها إذا وضع لا ألبان الإبل لا تشربه؛ وإذا وضعلا ألبان الشاء شربته؟»» قال أبو هريرة: 
حدثت بهذا الحديث كعباء فقال: سمعته من رسول الله ##؟ فقلت: نعم» فقال لي ذلك 
مراراء فقلت: أتقرأ التوراة!؟)27.. فمع أن هذا الحديث يتعارض معارضة تامة مع قوله 
#: (إن الله لم يجعل لمسخ نسلاً ولا عقب وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك)0©.. 
والأصل في هذه الحال؛ أي عند التعارض بين الأخبار» قبول أحدهما ورفض الآخر؛ إلا 


أنهم التمسوا حلا لدرء التعارض أدى بهم إلى أن المخطئ في الحديث ليس أبا هريرة» وإن| 


(1) البداية والنهاية ج/ ص؟ ٠١‏ . () فتح الباري 95 5/8. 
(1) رواه البخارى (7/ 07 :)١7‏ ومسلم (775915/5) 


7١ 


رسول الله 4# نفسه.. ذلك أخهم ى) يذكرون: اجتهد في ذلك, ولم يقل عن علم أو وحي. 

قال آخر: لقد عبر عن هذا المعنى ابن حجر بقوله: (وذكر عند النبي 22 القردة 
والخنازير فقال: (إن الله لم يجعل للمسخ نسلاً ولا عقب وقد كانت القردة والخنازير قبل 
ذلك)» وعلى هذا يحمل قوله ##: (لا أراها إلا الفآر). وكأنه كان يظن ذلك ثم أعلم بأنها 
ليست هي)(1) 

قال آخر: وهذا التعليل الحشوي المشوه لرسول الله يه عجيب جداء لأنه يتناقض 
مع كل تلك القيم التي دعا إليها لقرآن الكريم» وأوها تناقضه مع قوله تعالى: #وَلَا تَقفٌ 
ما لَيْسَ لَك به عِلْ إن السّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفوَاد كُلّ أُولَيِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْمُولَا4 [الإسراء: +50 . 
ويتناقض مع قوله تعالى: لوَمَا يَنْطِقُ عَنِ الَْوَى إِنْ هُوَ إِلّا وَحَيٌ يُوحَى > [النجم: ؟. 4].. 
ويتناقض مع كل تلك الأحاديث الصحيحة المتواترة» التي تبين أن رسول الله 4 لا يقول 
إلا حقاء ومنها قوله 2 في الحديث الذي رواه عبد الله بن عمروء قال: قلت: يا رسول الله» 
إنى أسمع منك أشياء أفأكتبها؟ قال: نعم» قلت: فى الغضب والرضا؟ قال: (نعم, فإنى لا 
أقول فيهما إلا حقا)7) 

ب. إقصاء القرآن: 

قال أحد الحضور: قد نقبل هذا منكم.. لكن لم ذكرتم أن هؤلاء يقومون بإقصاء 
القرآن» وها أنتم ترونهم يرتلون نفس آياته.. بل دعونا لنسمع منهم تفسيره. 

قال أحد الحكماء: تحريف القرآن وكلمات الله ليست قاصرة على تغيير ألفاظهاء بل 
الأخطر منها تغيير معانيهاء لتصبح ألفاظها بعد ذلك كسوة لكل أنواع الدنس. 

قال آخر: لقد قال الإمام الجواد محذرا من ذلك: (وكل أمة قد رفع الله عنهم علم 


)١(‏ فتح الباري: 7/ 019". (؟) الدارمي (540) وأبو داود(7757)» وابن خزيمة (37/0)) وغيرهم. 


7 





الكتاب حين نبذوه وولاهم عدوهم حين تولوه؛ وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه 
وحرفوا حدوده. فهم يروونه ولا يرعونه» والجهال يعجبهم حفظهم للرواية» والعلماء 
يحزنهم تركهم للرعاية)(١2‏ 

قال آخر: وهكذا حذر رسول الله ييه وكل أئمة ال هدى من التلاعب بالمعاني القرانية 
وتأويلها وتفسيرها با يخرجها عن مضامينها المقصودة. 

قال آخر: وقد وقع ذلك في هذه الأمة على يد أولئك الحشوية الذين وضعوا 
الأحاديث والروايات الكثيرة المزاحمة للقرآن الكريم» وبدل أن يحاكموها إليه» حاكموه 
إليها. 

قال آخر: أجل.. فمع أن الله تعالل وضع لنا معيارا مقدسا نتحاكم إليه في كل شيء؛ 
وهو ماعبر عنه قوله تعالى: #فَإِنْ تَتَارَعْتَمْ في سََيْءِ َرُدُوه إل اله وَالرَسُولٍ إِنَ كُْتَم تُؤْمِنُونَ 
بالله وَالْيَوْم الآخرٍ ذَلِكَ ره واي تَأَوِيلًا» [النساء: 54]؟ والذي من مستلزماته الرجوع إلى 
القرآن الكريم لمحاكمة أي رواية أو حديث أو رأي أو اجتهاد في أي قضية عقدية أو 
سلوكية.. بل كل ما يتعلق بجميع قضايا الحياة.. إلا أن الذين قاموا بهذا الإقصاء رفضوا 
هذا الاحتكام» لأنه يحطم كل مشروع الدين البشري الذي أسسته الفئة الباغية في مقابل 
الدين الإلحي الذي يقوم على مركزية القرآن الكريم ومرجعيته الكبرى في كل شيء. 

قال آخر: ولهذا فإنهم إن وردهم أي حديث ووجدوا فيه مخالفة صريحة للقرآن 
الكريم» فإنهم لا يستغربون من ذلكء ولا يتهمون رواة الحديثء. ولا يقولون باستحالة 
التعارض بين القرآن الكريم والسنة المطهرة.. وإن| يلجؤون إلى أنواع من التوفيق المتكلف. 


والذي ينتهي باعتبار الحديث هو الحاكم, أما ما ذكر في القرآن فهو مجرد إرشاد أو نصح أو 


.15 7/57 /4 الكافي:‎ )١( 


رض 





كلام عام لا يستفاد منه أي معنى تنفيذي. 

قال آخر: ولهذا اشتدوا في إنكار ما ورد في الدعوة إلى عرض الأحاديث على القرآن 
الكريم» كقوله ##: (إن الحديث سيفشو عنيء فا أتاكم عني يوافق القرآن فهو عني» وما 
أتاكم عني يخالف القرآن فليس عني)2(7.. وقوله: (ما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله 
ف| وافقه فأنا قلته» وما خالفه فلم أقله)(".. وقوله: (إذا حدثتم عني حديثا تعرفونه ولا 
تنكرونه» فصدقوا به قلته أو لم أقله فإني أقول ما تعرفونه ولا تنكرونه. وإذا حدثتم عني 
حديثا تنكرونه ولا تعرفونه فكذبوا به» فإني لا أقول ما تنكرونه» وأقول ما تعرفونه)0".. 
وقوله: (إني والله لا يمسك الناس على بثىء إلا أني لا أحل إلا ما أحل الله في كتابه ولا 
أحرم إلا ما حرم الله في كتابه)؟».. وغيرها من الأحاديث الكثيرة الواردة في مصادر 
المدارس الإسلامية المختلفة00». 

قام أجذن الحشوية» وقال: كل هذه الأحاديث الى أوردقها مكذوبة» وقد وضعها 
الطاعنون في السنة» ليجعلوها وسيلة لإنكارها.. ألم تسمع ما قال شيخنا الكبير العلامة ابن 
بطة» بعد عرض تلك الأحاديث: (قال ابن الساجي: قال أبي رحمه الله: هذا حديث موضوع 
عن النبى ‏ قال: وبلغنى عن على بن المدينى» أنه قال: ليس لهذا الحديث أصلء والزنادقة 
رحمه الله» لأن هذا الحديث كتاب الله يخالفه. ويكذب قائله وواضعه. والحديث الصحيح. 


والسئة الماضية عن زسول الله #2 ترده قال الله عز وجل: لاقلا وَرَبَكَ لا يُؤْمِنُونَ حَنّى 


)١(‏ البيهقي في (معرفة السنن والآثار) )4/١(‏ وابن المقرئ في معجمه (4) الشافعي في مسنده (1/ 174 )» رقم ))١١7(‏ والبيهقي في (معرفة السنن 
أذ احرقة والآثار) (”/ 85 
(1) البيهقي في (معرفة السنن والآثار) )١١7/1(‏ (5) ذكرت تلك الأحاديث بتفصيل في كتاب: منابع الهداية الصافية» ص 
(”) الطحاوي في (شرح مشكل الآثار) /1١5(‏ 7517 والدار قطني في سننه 0ء فيا بعدها. 
/8 0 () الإبانة الكبرى لابن بطة (5557/1) 


3 





كرك فيا 3 شَجَرَيَيْتَهُمْ ّم لا يحِدُوا في أنْفْسِهِمْ حَرّجا ا قَصَيْتَ وَيُسَلَّمُوا تَسْلِي 4 [الساء: 
14 والذي أمرنا الله عز وجل أن نسمع ونطيع» ولا نضرب لمقالته 4 المقاييس» ولا نلتتمس 
لها المخارجء ولا نعارضها بالكتاب, ولا بغيره» ولكن نتلقاها بالإييان والتصديق والتسليم 
إذا صحت بذلك الرواية)(0) 

قال آخر: وهكذا قال العلامة ابن عبد البر: (وهذه الألفاظ لا تصح عنه # عند أهل 
العلم بصحيح النقل من سقيمه» وقد عارض هذا الحديث قوم من أهل العلم فقالوا: نحن 
نعرض هذا الحديث على كتاب الله قبل كل شيء ونعتمد على ذلكء قالوا: فلما عرضناه على 
كتاب الله عز وجل وجدناه مخالفا لكتاب الله ؛ لأنالم نجد في كتاب الله ألا نقبل من حديث 
رسول الله يي إلا ما وافق كتاب الله بل وجدنا كتاب الله يطلق التأمي به والأمر بطاعته 
ويحذر المخالفة عن أمره جملة على كل حال)7) 

قال آخر: وبناء على هذاء وقف عاماؤنا الربانيون موقفا متشددا من كل داعية 
للرجوع إلى القرآن للتحاكم إليه عند التنازع في تصحيح الأحاديث» وقد صبوا جام 
غضبهم على الشيعة في هذاء واعتبارهم هم السبب في هذه الفتنة الخبيثة» | قال شيخنا 
الكبير العلامة الجامي عند حديثه عن هذه المسألة: (لقد حاول هؤلاء الزنادقة والروافض 
إزّالة السسن من الوجود والقضاء عليها لو استطاعوا - أو أن تجعلوا وجودها وجودا شكلياً 
فاقداً للقيمة» إلا أنهم لم ينالوا خيراً» ولم يستطيعوا أن ينالوا من السنة شيئاًء فانقلبوا خاسرين 
ومهزومين, مثلهم كمثل الذي يحاول قلع جبل أحد مثلاً فأخذ يحوم حوله وفي سفحه لينقل 


من أحجاره حجراً حجراً ظناً من أنه يمكنه بصنيعه هذا قلع الجبل وإزالته من مكانه» أو 


)١07//5( الإبانة الكبرى لابن بطة (75557/1) (؟) جامع بيان العلم وفضله‎ )١( 





كالذي يغترف من البحر اغترافاً بيده أو بدلوه محاولاً بذلك أن ينفد البحر أو ينقص)17) 

قال أحد الحكماء: هل تعرفون أها الحضور الكرام العواقب الخطيرة التي انجرت 
وراء هذه المقولات والأحكام التي عَزْل بها القرآن الكريم؟ 

قال آخر: لقد وصل بهم الأمر بعد أن قاموا بإقصاء التحاكم إلى القرآن الكريم إلى 
حد معارضة آياته بالروايات الواردة عن الصحابة والتابعين.. حتى لو ضعف سنئدها.. 
والأمثلة على ما رووه من روايات في نسخ القرآن الكريم كثيرة جداء وتنسخ أجمل القيم 
والمعاني القرانية. 

قال آخر: ومن الأمثلة على ذلك ما ذكروه من تعطيل قيم العفو والمصافحة المذكورة 
في قوله تعالى: لقَاعْفُواً وَاصْفََحُوا حَنَى يَأ الله بِأَمْرِهِ إِنَّ الله عل كل شَيْءٍ قَدِير» 
[البقرة:5١٠]»‏ فقد قال الشيخ مرعي بن يوسف المقدسي الحنبلى عنها: (أصل العفو الترك 
والمحو والصفح الإعراض والتجاوز نسخ بقوله تعالى: لأقَاتِنُواالَّذِينَ لا يُؤْمنُونَ بالله وَل 
ِالْيوْم الآخر وَلاَ يحْرّمُونَ مَا حَرَّمَ الله وَرَسُولهُ4 [التوبة:0» وأمر الله القتل والسبي لبني 
قريظة» والجلاء والنفي لبني النضيرء قال المحققون: إن مثل هذا لا يسمى منسوخاء لأن 
الله جعل العفو والصفح مؤقتا بغاية» وهو إتيان أمره بالقتال» ولو كان غير مؤقت بغاية 
لجاز أن يكون منسوخا)() 

قال آخر: ومثل ذلك قوهم في قوله تعالى: قل أَحَاجُوئَنَا في الله وَهُوَ ربْناوَرَبكُْ 
وَلَنَا أَغَلْنَا وَلَكُمْ أَغَالَكُمْ وَتَحْرّ لَهُ مخلصٌون* [البترة:1*9]» فقد اعتبروها أيضا منسوخة» 
نسختها آية السيف(".. فيا حاجة المسلمين إلى محاجة خصومهم ومجادلتهم وحوارهم بعد 


26 الصفات الإلهية في الكتاب والسنة النبوية في ضوء الإثبات والتنزيه» زفق قلائد المرجان في بيان الناسخ والمنسوخ في القرآن (ص‎ )١( 
. 149  ؟4 الناسخ والمنسوخ للنيسابوري ص؟‎ )©( "١ص‎ 


75 


أن أن أمدهم الله بقوة السيف؟ فكفى بالسيف شافياء وكفى بالسيف محاورا. 

قال آخر: ومثل ذلك قوهم في قوله تعالى: لإوقَاينُوا في سبل الله الَذِينَ يُقَاَلُوتكُمْ 
وَلاتَعْتَدُوأ إِنَّ الله لآ تحب امُحمَدِين4 [البقرة:140» فهي مثل أخواتها منسوخة آية السيف» 
وقد قال النيسابوري فيها: (قوله #وَلا تَعْتَدُوأ. هذا كان في الابتداء» عندما كان الإسلام 
شعن 

قال آخر: ومثل ذلك قوهم في قوله تعالى:لأولَيِكَ الَّذِينَ يعْلَمُ الله مَا في قُلويمْ 
َأَعْرض عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَفْل َم في أَنفْسِهِمْ قَوْلابَلِيغَا [الساء:*7]» فقد ذكروا أن هذا (كان 
في بدء الإسلام» ثم صار الوعظ والإعراض منسوخاً بآية السيف)7) 

قال آخر: ومثل ذلك قوهم في قوله تعالى:لفَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْمَحْ إِنَّ الله نب 
الحسنِين4 [الائدة:1]» فقد ذكروا أن سلفهم ذكر أنها (نزلت في اليهود» ثم نسخ العفو 
والصفح بآية السيف)”"© 

قال آخر: ومثل ذلك قولهم في قوله تعالى:أاذْعٌ إلى سَبِيلٍ وَبّكَ بالَكمَةٍ وَالْوعِظَةِ 
لحت وَجَادهُم بلي حِيّ أحْسَنْ إن رَبّكَ هُوَ عَم يمن صَل عَن مله وَهُوَ ألم 
ِالْتَدِين4 [النحل:5؟1]» فقد نصوا على أنها منسوخة نسختها آية السيف7؟).. فما حاجة 
المسلمين للحكمة والموعظة وقد من الله عليهم بنعمة القوة والعزة والتسلط. 

قال آخر: وهكذا نسخوا كل القيم القرآنية بآية السيف.. ولم يكتفوا بذلك» بل 
راحوا لغيرها من الآيات يخصوص عمومهاء ويقيدون مطلقها بالاجتهاد المجرد. أو با 
يروونه من الروايات» ومن الأمثلة على ذلك إقصاؤهم للآية الكريمة التي تضع قانون 


.١9١ الناسخ والمنسوخ للنيسابوري ص 57-59. (©) الناسخ والمنسوخ للنيسابوري» ص‎ )١( 
.7١١ الناسخ والمنسوخ للنيسابوري ص 178 . (5) قلائد المرجان. ص‎ )1( 


وذ 


التعامل مع المخالف في الدين أيا كان كتابيا أو غير كتابيء وهي قوله تعالى: #إلَا يَدْهَاكُمْ الله 
عَنِ لين يْقَاُوكُم في الدينِ وَل جخِجُوكُمْ من دِيارِكُمْ أن تَبدُوهُمْ وَْْسِطُوا لهم إن ل 
حب المْفَسِطِينَ4 [الستحة: ]؛ فالآية الكريمة تدعو إلى البر والقسط بين المسلمين وغيرهم 
من أهل الأديان المختلفة» بل حتى مع الملحدين منهم, لأن القيد فيها مرتبط بالمحاربة» ولا 
علاقة له بالدين» وهي بذلك تقسم الناس إلى معتدين ومسالمين» ىا تقسمهم آيات أخرى 
إلى مستضعفين ومستكبرين؛ لكن المفسرين ‏ وباسم علم أسباب النزول ‏ عطلوا الآية 
الكريمة تعطيلا تاماء حيث أنهم جعلوها خاصة بقوم مخصوصين في زمان مخصوص. وأن 
علاقتنا مها لا تتعدى الترتيل. 

قال آخر: ومن الأمثلة على ذلك قول مجاهد في تفسيره لها: (الذين آمنوا بمكة ولم 
مهاجروا).. وقال عبد الله بن الزبير» (عنى بها من غير أهل مكة من لم باجر).. وقد روى 
عنه الطبري وغيره في سبب نزول الآية قوله: (نزلت في أسماء بنت أبي بكرء وكانت لا أم 
فى الجاهلية يقال لما قتيلة ابنة عبد العزىء فأتتها مبدايا وصناب وأقط وسمن.ء فقالت: لا 
أقبل لك هدية» ولا تدخلي علي حتى يأذن رسول الله # فذكرت ذلك عائشة لرسول الله 
#» فأنزل الله الآية210.. ومنها قول بأنه عني بها من مشركي مكة من لم يقاتل المؤمنين ولم 
يخرجوهم من ديارهم؛ ونسخ الله ذلك بعد بالأمر بقتالهم» وهو قول ابن زيدء فقد قال: 
(هذا قد نسخ. نسخه القتال» أمروا أن يرجعوا إليهم بالسيوف. ويجاهدوهم بهاء 
يضربونهم» وضرب الله لهم أجل أربعة أشهرء إما المذابحة» وإما الإسلام)() 

قال آخر: وبناء على هذا فقد عطلت هذه الآية الكريمة تعطيلا تاما.. وعطل بنفس 


2 
ين 


السبب قوله تعالى في شأن رقة النصارى مقارنة باليهود: #لَتَجِدَنَ أَشَدٌَ انََّسِ عَدَاوَةََِّينَ 


073737 تفسير الطبري (7؟/‎ )١( 07757 /77( انظر هذه الروايات في تفسير الطبري‎ )١( 


لي 





ده 
0 لََجِدَنَ أ 


آمَنُوأ الْيَهُود وَالَذِينَ أَشْرَكُوأ وَلَتَجَدَنَ قرم مَوَدَ لََِّينَ آمنُوأ الّذِينَ قَانُوا نا نَصَارَى ذَلِكَ 
أن وق ققيويد و انا وى كم لا يَسْتكْبرٌُون4 [المائدة:87]» فقد ذكروا عن سلفهم أن هذا 
ليس عاما بكل النصارى» بل خاص بالنجاشي ووفده الذين أسلموا لما قدموا على النبي 26 
وهم اثنان وثلاثون أو أربعون أو سبعون أو ثانون رجلاء وليس المراد كل النصارى لأنهم 
في عداوتهم كاليهود20 . 

قال آخر: وهكذا عطلت هذه الآيات الكريمة بسلاح أسباب النزول» ىما عطل 
غيرها بسلاح الناسخ والمنسوخ. 

قال آخر: وهذا تحول القرآن الكريم إلى أضعف المصادر.. فيمكن لأي رواية أو 
حديث أن يعطل آياته.. كإجازتهم تعطيل قوله تعالى: #كُيِب عَلَيَكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ 
امْوْتُ إِنْ تَرَكَ حرا الوَصِية ِلْوَاِديْنٍ وَالْأَفْرَيينَ بِامُمْرُوفٍ حَمًا عَلَ التقِينَ4 [البقرة »]16١‏ 
والتي تجيز الوصية للوالدين والأقربين وهم من الورثة» بحديث يرفعونه إلى رسول الله :8 
هو (إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث)() 

قال آخر: وهم يصرحون بذلكء ويعتبرون السنة أقوى من القرآن الكريم» بل 
حاكمة عليه» وقد عقد الزركشي في ذلك فصلا بعنوان [مسألة حاجة الكتاب إلى السنة]» 
فقال: (قال الأوزاعي: الكتاب أحوج إلى السنة من السنة إلى الكتابء وقال أبو عمر: يريد 
أغباتة تقضي عليه» وتبين المراد منه. وقال حب ين أن كثير: السنة قاضية على الكتاب)20 

قال آخر: وبعد كل هذا الإقصاء للقرآن الكريم من دوره في قبول الأحاديث 
ورفضهاء مرروا الكثير من الروايات والأحاديث المدسوسة المدلسة المكذوبة» بحجة أن 


)١١/5( البحر المحيط في أصول الفقه‎ )"( 6٠١١ قلائد المرجان في بيان الناسخ والمنسوخ في القرآن (ص‎ )١( 


(؟) رواه أبوداود (358100)» والترمذي »)75١70(‏ وابن ماجة (11/17) 


3 


رواتها ثقاة» ولسنا ندري من أين لهم الثقة المطلقة بذلكء مع أن الله تعالى قال لرسول الله 6 
في شأن المنافقين : وَممّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابٍ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلٍ امد نَهِ مَرَدُوا عَلَ التْقَاقٍِ 
ا تَعلمُهُمْ نَحْنْ تَعْلَمُهُمْ سَْعَدَمهمْ مَرَتَْنِ َم يُرَذونَ إل عَذَابِ عَظِيم 4 [التوبة:١0٠]؟‏ فإن كان 
رسول الله 2 يخفى عليه . بحسب الآية الكريمة ‏ بعض المنافقين» فكيف لا يخفى على ابن 
معين أو ابن أبي حاتم أو البخاري بعض الرواة الذين تسللوا لكتب الحديث؛ ليجعلوها 
وسيلة لتحريف الدين وتشويه قيمه. 

ج. إقصاء الورثة: 

قال أحد الحضور: قد نقبل هذا منكم.. لكن لم ذكرتم أن هؤلاء يقومون بإقصاء 
الورثة.. فمن الورثة؟.. وكيف تم إقصاؤهم؟ 

قال أحد الحكاء: الورثة هم أولئك الذين أمرنا بالتسليم لهم: وأخذ الدين عنهم؛ 
أولئك الذين قال الله تعالى في شأهم: لاثم أَوْرَْنا الْكِتَاب الَِّينَ اصْطَمَيْنا مِنْ ِبَادِنَاك [فاطر: 
3] 

قال آخر: الورثة هم أولئك الذين حددهم رسول الله بدقة» بل عينهم بأعيانهم 
وأسمائهم وصفاتهم وكل ما يتعلق بهم.. لكن البغي الذي مارسته الأمم السابقة في حق 
ورثتها مارسته هذه الأمة؛ فبغت عليهم» وحسدتهم» وأعرضت عنهم, ثم أحلت بدهم 
كعب الأحبار وأمثاله من اليهود وتلاميذ اليهود. 

قال آخر: الورثة هم أولئك الذين وردت الأحاديث الصحيحة المتواترة» وفي كل 
المصادر الإسلامية بالوصية بهم» والدعوة إلى التمسك بحبلهمء ومنها قوله :#: (إني تارك 
فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي» أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل تمدود 


من السماء إلى الأرض» وعترتي أهل بيتي» ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض. فانظروا كيف 


تخلفوني فيهم|)(1).. وفي حديث آخر قال رسول الله ي: (أمها الناسء إني تارك فيكم أمرين 
لن تضلوا إن اتبعتموهماء وهما: كتاب الله» وأهل بيتي عترتي)(7) 

قال آخر: وسيد أولئك الورثة ذلك الذي قال رسول الله يل في حقه: (أنا مدينة 
العلم» وعلى بامهاء فمن أراد العلم فليأت الباب)7© 

قال آخر: بل ورد في تفسير قوله تعالى: للِتَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذكِرَةَ وَتَعِيََا دن وَاعِيّة 
[الحاقة:17] أن النبي قال له عند نزولا: (سألت الله أن يجعلها أذنك يا علّ).. وقد 
استجاب الله دعاء نبيه #» فقد كان الإمام علي يقول: (فم| نسيت شيئاً بعد ذلك وما كان لي 
أن انسى)6) 

قال آخر: لكن الأمة فرطت في هذه الوصاياء وبدل أن يأخذ الناس دينهم منه ومن 
أبنائه وأحفاده الذين أوصى مهم رسول الله يَي.. راحوا يأخذونه عن كعب الأحبار وغيره 
من اليهود الذين أسلمواء أو الصحابة الذين تتلمذوا عليهم» في نفس الوقت الذي 
يعرضون عن ذلك الذي أخبر رسول الله يد آنه مفتاح باب العلم والحكمة. 

قال آخر: ألم تسمعوا أمها الحضور الكرام للإمام علي» هو يقول متأسفا: (هاه إن ههنا 
لعلما جما وأشار بيده إلى صدره ‏ لو أصبت له حملة» بل أصيب لقنا غير مأمون عليه 
مستعملا آلة الدين للدنياء ومستظهرا بنعم الله على عباده وبحججه على أوليائه أو منقادا 
لحملة الحق لا بصيرة في أحنائه» ينقدح الشك في قلبه لأول عارض من شبهة, ألا لا ذا ولا 


ذلك أو منهوما باللذة سلس القيادة للشهوة» أو مغرما بالجمع شيء شبها به) الأنعام 


)١(‏ رواه الترمذي (/778)» والفسوي في (المعرفة والتاريخ)(97/1) وغيرهما. 
(؟) رواه الحاكم (/5011)؛ والشجري في (ترتيب الأمالي)(1١17)‏ (4) انظر: تفاسير: الطبريء والسيوطيء والرازيء وابن كثيرء والقرطبي» 
(؟) الترمذى (0/ لالت رقم 717377), والحاكم 178/9 رقم 5779): والشوكاني» وغيرهم عند تفسيرهم للآية. 


١ 





السائمة» كذلك يموت العلم بموت حامليه)7) 

قال آخر: ألم تسمعوا إلى ما حدث أبو الطفيل عنه» فقال: (شهدت عليا يخطب وهو 
يقول: (سلوني؛ فوالله لا تسألونٍ عن شيء إلا أخبرتكم به» وسلوني عن كتاب الله؛ فوالله 
ما من آية إلا وأنا أعلم: أبليل نزلت أم بنهار؟ أم في سهل أم في جبل ؟)27) 

قال آخر: ألم تسمعوا قوله محذرا من إقصاء الورثة والإقبال على المدلسين المدنسين: 
(لو تعلمون ما أعلم تمًا طوي عنكم غيبه» إذا لخرجتم إلى الضّعدات تبكون على أعمالكم» 
وتلتدمون على أنفسكم. ولتركتم أموالكم لا حارس لا ولا خالف عليهاء ولهمّت كل 
امرئ منكم نفسه لا يلتفت إلى غيرها.. ولكنكم نسيتم ما ذكّرتم وأمنتم ما حذّرتم, فتاه 
عنكم رأيكم» وتشتّت عليكم أمركم؛ ولوددت أن الله فرّق بيني وبينكم؛ وألحقني بمن هو 
أحق بي منكم: قوم والله ميامين الرَّأيء مراجيح الحلم» مقاويل بالحق» متاريك للبغي؛ 
مضوا قدما على الطّريقة» وأوجفوا على المحجّة. فظفروا بالعقبى الدّائمة» والكرامة 
الباردة)0) 

قال آخر: لقد استطاعت الفئة الباغية التي تحكمت في الأمور أن تحول دون وصول 
علم هؤلاء الورثة إلى جمهور الأمة» والحيلة التي احتالوها لذلك بسيطة» وهي أن كل من 
يتحدث عن هؤلاء الذين أوصى بهم رسول الله يي يعتبر شيعياء وكل شيعي مبتدع» وما 
دام كذلكء فإنه لا تحل الرواية عنه. 

قال آخر: في نفس الوقت الذي لم يقصوا فيه أولئك اليهود الذين تتلمذوا على 


أيديهم» لسبب بسيط» وهو علاقتهم الطيبة مع تلك السلطات الحاكمة» وكأن دين الله يحدده 


(1) غبج البلاغة (5/ 0983 () خيج البلاغة: الخطبة رقم (115) 
(5) الإصابة:ج 7ص 509. 


الحكام: لا رسول الله 5. 

د. إقصاء الصادقين: 

قال أحد الحضور: قد نقبل هذا منكم.. لكن لم ذكرتم أن هؤلاء يقومون بإقصاء 
السابقين الصادقين.. فمن هم هؤلاء؟.. وكيف تم إقصاؤهم؟ 

قال أحد الحكاء: لقد أشار رسول الله يل إلى ذلك الإقصاءء فقال مخاطبا الأنصار: 
(إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض)(221 

قال آخر: وقد حدث بعضهم عن وقوع ما أخبر عنه رسول الله َي فذكر أن أبا 
أيوب أتى معاوية فذكر حاجة له فجفاه ول يرفع به رأساء فقال أبو أيوب: أما ان رسول 
الله يي قد خبرنا أنه ستصيبنا بعده أثرة قال: فبم أمركم؟ قال: أمرنا أن نصبر حتى نرد عليه 
الحوض. قال: فاصيروا إذاء فغضب أبو أيوب». وحلف أن لا يكلمه أبدا2©0. 

قال آخر: وقد روي أن معاوية لما قدم المديئة لقيه أبو قتادة الأنصاري فقال: تلقاني 
الناس كلهم غيركم يا معشر الأنصار فا منعكم أن تلقوني؟ قال: لم تكن لنا دواب» قال 
معاوية: فآأين النواضح؟ قال أبو قتادة: عقرناها في طلبك وطلب أبيك يوم بدر ثم قال أبو 
قتادة: إن رسول الله 2 قال لنا إنا لنرى بعده أثرة» قال معاوية: فا أمركم؟ قال: أمرنا أن 
نصبر حتى نلقاه» قال: (فاصيروا حتى تلقوه!)09© 

قال آخر: فهذه الأحاديث لا تشير فقط إلى الأثرة المادية التي مارسها معاوية» وإن| 
إلى ما هو أخطر من ذلكء وهو توفير المنابر ومجالس العلم لليهود وتلاميذهم في نفس 


0 2 عِ 
الوقت الذي أبعد فيه خيرة المهاجرين والانصار. 


)1١15 /١١( رواه أحمد والبخاري ومسلم والبيهقي والترمذي والنسائي. سبل ال هدى (1) رواه الحاكم؛ سبل الحدى والرشاد‎ )١( 


والرشاد )١١6 /1١(‏ (7) مصنف عبد الرزاق (ج ١١‏ /, ص )5١‏ 


قال آخر: ولهذا؛ فإنا لو جمعنا الروايات والأحاديث الواردة عن جميع الصحابة 
الذين حضروا بدرا في تفسير القرآن الكريم, لم نجدها تعادل جزءا بسيطا من الروايات التي 
يروونها عن كعب الأحبار» وتلاميذه الذين تتلمذوا على يديه. 

قال آخر: ولهذا؛ فإن الذي يدعون إلى العودة إلى السلف في تفسير القرآن الكريم لا 
يقصدون أولئك الذين وصفهم الله تعالى بقوله: لوَالسَابِقُونَ الْأوَلُونَ مِنَ المَاجِرِينَ 
وَالْأَصَارِ وَالَّذِينَ البْحُوهُمْ ِإِحْسَانٍ © [التوية: ٠٠١‏ 

قال آخر: ولا يقصدون أولئك البسطاء المستضعفين الذين شهد الله تعالى على 
صدقهم, فقال ولا َطرْد الَّذِينَ يَدْعُونَ رَييُمْ بالْعَدَاةِ وَالْحَِيٌ يُرِيدُونَ وجَهَه 4 [الأنعام: 57] 

قال آخر: ولا أولئك الذين وصفهم بقوله :لوانتو ادنكب 
جبُونَ مَنْ هَاجَرَ َيه وَكَا يدون في صُدُورِهِمْ حَابةَ يا أوتُوا ويُؤئْرُونَ عَل أَْفْسِهمْ وَلَوْ 
كَانَّ ب تصَاصَةٌ وَمَنْيُوقَ شح تَفْسِهِ َأُولَيِكَ هُمُ الْلِحُونَ) [شهر:؛] 

قال آخر: وإنما يقصدون أولئك اليهود. أو الذين تتلمذوا عليهم من الصحابة 
الصغارء أو من الصحابة الذين أسلموا متأخرين, أو من الطلقاء الذين شغلوا أول حياتهم 
بحرب رسول الله ##» وشغلوا آخر حياتهم بحرب ورثته وتشويه دينه. 

قام بعض الحشوية» وقال: لكن الصحابة الذين تذكرهم هم أنفسهم من أثنى على 
كعب الأحبار» وقربه» واعتبره من أوعية العلم. 

قال أحد الحكاء: أنتم تنتقون من الصحابة من تشاؤون.. ولو تحاكمتم إلى القرآن 
الكريم لعرفتم أن الصحابة المنتجبين أولئك الذين امتثلوا وصايا نبيهم 4# في عدم خلط 
الإسلام بأي دين من الأديان. 


قال آخر: وهؤلاء كان موقفهم متشددا من كعب وأمثاله من الذين دسوا في الدين 


فك 


ما ليس منه.. لقد روي عن ابن مسعود أنه جاءه رجلء فقال له: من أين جئت؟» قال: من 
الشام» قال: من لقيت؟ قال: لقيت كعباء فقال: ما حدثك كعب؟ قال: حدثني أن 
السهاوات تدور على منكب ملكء. قال: فصدقته أو كذبته؟ قال: ما صدقته ولا كذبته» قال 
ابن مسعود: (لوددت أنك افتديت من رحلتك إليه» براحلتك ورحلها.. وكذب كعب!.. 
إن الله يقول: إإنَّاللهيُمْسِكٌ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَرُولا وَلَيْنْ زَالََاِنْ أَمْسَكَهُا مِنْ أَحَدٍ 
من بعل بَعْدِةِإِنَّهُ كَانَ حَلِيً) غَهُورً # [فاطر: .]4١‏ . ثم قال : (ما تتتكت اليهودية في قلب عبد فكادت 
أن تفارقه)» وقال: (كذب كعب.. ما ترك مهوديته)17) 

قال آخر: ومثل ذلك ما روي عن حذيفة بن اليهان أعلم الناس بالمنافقين» فقد روى 
قتادة قال: بلغ حذيفة أن كعبا يقول: (إن السماء تدور على قطب كالرحى)» فقال حذيفة: 
(كذب كعب! إن الله يقول: إن الله يُمْسِكٌ السَّمَاوَاتِ وَالْأَوْضٌ أَنْ تَرُولَا وَلَْنْ را الَنَا إن 
أَمْسَكَههَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْده إِنَّهُ كَانَ حَلِيَ) غَفُورًا4 [فاطر: )0]4١‏ 

قال آخر: ومثل ذلك ما روي عن ابن عباسء فقد روي عنه قوله: (يا معشر 
المسلمين» كيف تسألون أهل الكتاب وكتابكم الذي أنزل على نبيه أحدث الأخبار بالله 
تقرؤونه لم يشب!؟ وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب بدلوا ما كتب الله وغيروا بأيديهم 
الكتاب؛ فقالوا: هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلاء أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن 
مساءلتهم!؟ ولا والله ما رأينا منهم رجلا قط يسألكم عن الذي أنزل عليكم)7» 


"١‏ تحريف المقدس: 


)56٠ /6( قال ابن كثير في تفسيره (7/ 077): (؟) الإصابة في تمييز الصحابة‎ »)١5 5 /757( الطبري في تفسيره‎ )١( 
. 3771/17 (وهذا إسناد صحيح إلى كعب وإلى ابن مسعود)» وانظر: تفسير القرطبي () صحيح البخاري‎ 
لاه‎ 





ما إن انتهى الحكماء من أقوالهم تلك. حتى رأيت الظلمة بدأت تنقشع من وجوه 
الحاضرين» ليحل بدا نور الإيهان» وحينها قال أحد الحكاء: لا بأس.. دعونا نستمع 
لهؤلاء المشايخ الذين يريدون أن يفسروا القرآن لكم بحسب ما ورثوه عن أسلافهم.. 
لنحاكمهم للقرآن الكريم نفسه. 

قال أحد الحشوية متوجها للحضور: ها هم أخيرا يسلمون لناء ويعرفون أنه لا 
يمكن أن يفهم القرآن الكريم أو تعرف تفاصيل أخباره من دوننا.. ولذلك نقول لكم: 
سلونا ما شئتم من الأسئلة.. فستجدون عند سلفنا الأجوبة التي لا يمكن معرفتها من 
دونهم. 

قال آخر: وسترون كيف يتعمق فهمكم للقرآن الكريم» فليس من عرف التفاصيل 
كمن اكتفى بالعموميات التي يستوي فيها جميع الناس. 

من قصة نوح: 

قال أحد الحضورء متوجها لبعض الشيوخ: هيا حدثنا عن سفينة نوح عليه السلام» 
0 ل ا 


م عع تم 


ل د د ا ا 

للك بأعيْنِنَاوَوَحينَا ذا جَاء أمونَاوََارَ لور فَاْلّكُ فيا مِنْ كُلَ رَوْجَيْنِ انين وَأَمْكَ 

ا عراعوق ‏ . روق ‏ <0 و وبريت لس ل ا 7 020 5 ماع مه 

إِلَامَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا مَحَاطِبْنِي في الْذِينَ ظَلَّمُوا إِنَجُمْ مُعْرَقَونَ4 [المؤمنون: 59] 
قال أحد الحشوية: بورك فيك وني سؤالك الوجيه؛ والذي يدل على كونك من الذين 

يتلون القرآن الكريم حق تلاوته. ويتدبرونه حق تدبيره.. والحمد لله ورد في مصادرنا 


الإجابة على كل تلك الأسئلة» وبتفصيل. 


قال آخر: فمما ورد في ذلك من الأحاديث ما روي أن الحواريين قالوا لعيسى بن 
مريم عليه) السلام لو بعثت لنا رجلا شهد السفينة فحدثنا بها» فانطلق بهم حتى انتهى إلى 
كثيب من ترابء فأخذ كفا من ذلك التراب بكفه. ثم قال: أتدرون ما هذا؟ قالوا: الله 
ورسوله أعلم! قال: هذا كعب حام بن نوح! قال: فضرب الكثيب بعصاه. فقال: قم بإذن 
الله» فإذا هو قائم ينفض التراب عن رأسه قد شاب. قال له عيسى: هكذا هلكت؟ قال: لا» 
مت وأنا شاب ولكني ظننت أنها الساعة فمن ثم شبت» قال: حدثنا عن سفينة نوح» قال: 
كان طوما ألف ذراع ومئتي ذراع» وعرضها ستائة ذراع» وكانت ثلاث طبقات» فطبقة 
فيها الدواب والوحوش. وطبقة فيها الأنس. وطبقة فيها الطير»ء فلما كثرت أرواث 
الدواب» أوحى الله تعالى إلى نوح» أن اغمز ذنب الفيل» فغمزه فوقع منه خنزير وخنزيرة 
فأقبلا على الأرواث, فل وقع الفأر تجوز بالسفينة يقرضها وحبالهاء وذلك أن الفأر توالدت 
في السفينة» فأوحى الله تعالى إلى نوح أن اضرب بين عيني الأسد» فضرب فخرجت من 
منخره سنور وسنورة» فأقبلا على الفأر» قال له عيسى: كيف علم نوح أن البلاد قد غرقت؟ 
قال: بعث الغراب يأتيه بالخبر» فوجد جيفة فوق عليهاء فدعا عليه بالخوف؛ فلذلك لا 
يألف البيوت» ثم بعث الحامة فجاءت بورق زيتون بمنقارها وطين برجليهاء فعلم أن 
البلاد قد غرقت.. فطوقها الخضرة التي في عنقها ودعا لها أن تكون في أنس وأمان» فمن ثم 
تألف البيوت. فقالوا: يا رسول الله ألا ننطلق به إلى أهلنا فيجلس معنا ويحدثنا؟ قال: كيف 
يتبعكم من لا رزق له!؟ قال: فقال له عبد بإذن الله فعاد ترابا("© . 


قال آخر: وروي أنه كان في سفينة نوح ثانون إنساناء أحدهم جرهه©2». 


(1) رواه الطبري في تفسيره ١١/10‏ "؛ وني تاريخ الرسل والملوك /١‏ 185. أبي حاتم في تفسير القرآن العظيم ”/ .707١‏ 
(؟) الطبري في تفسيره 77/١‏ ؛ وني تاريخ الرسل والملوك »1817/١‏ وابن 


/ع 


قال آخر: وروي أن نوحا حمل معه جسد آدم جعله معترضا بين الرجال والنساءء 
وقصد نوح جميع الدواب من البهائم والوحوش والطيور وغيرها ليحملها(". 

قال آخر: وروي أن أول ما حمل نوح في الفلك من الدوابء الذرة» وآخر ما حمل 
الجمار» فلا دخل الار ودخل صدره. تعلق إبليس بذنبه» فلم تستقل رجلاه. فجعل نوح 
يقول: ويحك ادخل فينهض فلا يستطيع» حتى قال نوح: ويحك ادخل» ولو كان الشيطان 
معك. كلمة زلت على لسانه» فلا قالمها نوح خلى الشيطان سبيله فدخل» ودخل الشيطان 
معه فقال له نوح: ما أدخلك علي يا عدو الله؟ (فقال: ألم تقل: ادخل ولو كان الشيطان 
معك. قال: اخرج عني يا عدو الله)» قال: مالك بد من أن تحملني معك.. وكان فيا 
يزعمون في ظهر الفلك20©. 

قال آخر: وروي أن الحية والعقرب أتيا نوحاء فقالتا: ا حملناء فقال نوح: إنم| سبب 
الضر والبلايا والأوجاع لا أحملكماء قالتا: احملنا فنحن نضمن لك أن لا نضر أحدا ذكرك» 
فمن قرأ حين خاف مضرتما لسَلَامٌ عل نُوح في الْحَائَينَ إن كَذَلِكَ نَجْزِي المُحيينَإِنَهُمِنْ 
عِبَادِنًا المْؤْمِنِنَ 4 [الصافات: 10/8 41] ما ضرتاه9). 

قال آخر: وروي أن نوحالما أمر أن يصنع الفلك قال: يا رب» وأين الخشب؟ قال: 
اغرس الشجرء فغرس الساج عشرين سنة» وكف عن الدعاءء» وكفوا عن الاستهزاء» فل| 
أدرك الشجر أمره ربه فقطعهاء وجففهاء فقال: يا رب» كيف أتخذ هذا البيت؟ قال: اجعله 
على ثلاثة صور؛ رأسه كرأس الديك. وجؤجؤه كجؤجؤ الطيرء وذنبه كذنب الديك» 


واجعلها مطبقة» واجعل لما أبوابا في جنبهاء وشدها بدسر ‏ يعنى: مسامير الحديد .. وبعث 


.” 04 /7 معالم التنزيل للبغوي 4/ /17» لباب التأويل للخازن 7/ "037 ”. () معالم التنزيل للبغوي 5/ 1717. لباب التأويل للخازن‎ )١( 
.١88 /١ وفي تاريخ الرسل والملوك‎ ١5 /١ (؟) الطبري في تفسيره‎ 


الله جبريل» فعلمه صنعة السفينة» فكانوا يمرون به ويسخرون منه. ويقولون: ألا ترون إلى 
هذا المجنون, يتخذ بيتا يسير به على الماء» وأين الماء!؟ ويضحكون. وذلك قوله: #وكل) مر 
عليه ملا من قومه سخروا منه#. فجعل السفينة ستتائة ذراع طوطاء وستين ذراعا في 
الأرضء وعرضها ثلاثمائة ذراع وثلاثة وثلاثون, وأمر أن يطليها بالقار» ولم يكن ني الأرض 
قارء ففجر الله له عين القار حيث تنحت السفينة تغلي غليانا حتى طلاهاء فل| فرغ منها 
جعل ما ثلاثة أبواب وأطبقهاء فحمل فيها السباع والدوابء فألقى الله على الأسد الحمى. 
وشغله بنفسه عن الدواب» وجعل الوحش والطير في الباب الثاني ثم أطبق عليهاء وجعل 
ولد آدم أربعين رجلا وأربعين امرأة في الباب الأعلى» ثم أطبق عليهم» وجعل الدرة معه في 
الباب الأعلى؛ لضعفها ألا تطأها الدواب20. 

قال آخر: وروي أن نوحا اتخذ السفينة في سنتين» وكان طول السفينة ثلثائة ذراع» 
وعرضها خمسون ذراعاء وطوها في السماء ثلاثون ذراعاء وكانت من خشب الساج» وجعل 
لها ثلاثة بطون. فحمل في البطن الأسفل الوحوش والسباع والهوام» وفي البطن الأوسط 
الدواب والأنعام» وركب هو ومن معه في البطن الأعلى مع ما يحتاج إليه من الزاد0©. 

قال أحد الحضور: لكن هذا الذي ذكرته يتناقض مع ما ذكرتموه في روايات سابقة؛ 
فبآي رواية نصدقء أببذه الرواية أم بالرواية السابقة؟ 

قال أحد الحشوية بغضب: صدق بالجميع.. فا الضرر في أن تكون السفينة بتلك 
الأبعاد التي تراها أنت متناقضة.. بين| هي في الحقيقة ليست متناقضة.. التناقض في عقلك 
وليس في الرويات. 

قال آخر: دعنا من هذا.. ولنواصل وصف تلك السفينة العجيبة.. لقد ذكر رواتنا 


.7 58/557 ابن عساكر 58/557 7. (؟) ابن عساكر‎ )١( 





الكبار الثقاة العدول أن الله تعالى أمر نوحا عليه السلام أن يطليها بالقار» وهو الدهان 
الأسود الذي يطل به الخشب والإبل وهو ما يعرف بالزفت أو شيء من هذا المعنى» أمر أن 
يطليها بالقار» ولم يكن ني الأرض قار؛ ففجر الله له عين القار حيث تنحت السفينة تغلي 
غليانا حتى طلاها؛ فلا فرغ منها جعل لما ثلاثة أبواب» وأطبقها وحمل فيها السباع 
والدواب؛ فألقى الله على الأسد الحمى وشغله بنفسه عن الدواب» وجعل الوحش والطير 
في الباب الثاني» ثم أطبق عليهم|(1©. 

من قصة إبراهيم: 

بعد أن انتهوا من إيراد كل تلك الروايات العجيبة الغريبة المملوءة بالخرافات» قال 
أحد الحشوية: هل رأيتم العجائب الواردة في هذا الأحاديث العظيمة.. وهل يمكنكم من 
دونها أن تعرفوا تلك الأسرار العظيمة المتعلقة بعلم الحيوان» والتي عجز العلم الحديث عن 
الوصول إليهاء فلذلك راح يتبنى معلومات خاطئة بدهها؟.. وهل يمكنكم أن تعرفوا تلك 
المعارف التي تعينكم على تصور السفينة من دونها؟.. أليس ذلك وحده ما يجعلكم تفهمون 
القرآن الكريم حق فهمه. وتتدبرونه حق تدبره؟ 

قال أحد الحضور: فأخبرونا عما ورد في الكتب التي أشدتم بها عن تفسير قوله تعالى 


-ه 


عن إبراهيم عليه السلام: #قَلَ بَلَعَ مَعَهُ السَّعْيَّ قَالَ يَا بَْيّ إن أَرَى في الام أن أَذْبَحْكَ 
قالط مانا تَرَى قَالَ يا أَبَتِ افعَلَ ما تُؤْمَرُ سَتَحِدَُنٍ إِنْ شَاءَ الله مِنَ الصَّاب رين [الصافات: ؟١٠]‏ 
فمن المقصود في الآية الكريمة» هل هو إسماعيل أم إسحق عليهما السلام؟ 

قال أحد الحشوية: لاشك أنه إسحق عليه السلام.. وقد قال شيخنا ابن جرير 


الطبري في ذلك: (وكان فيم| ذكر أن إبراهيم عليه السلام نذر حين بشرته الملائكة بإسحاق 


.7548 /557 ابن عساكر‎ )١( 





ولدا أن يجعله إذا ولدته سارة لله ذبيحاء فل| بلغ إسحاق مع أبيه السعي أري إبراهيم في 
المنام» فقيل له: أوف لله بنذرك» ورؤيا الأنبياء يقين» فلذلك مضى لما رأى في المنام» وقال له 
ابنه إسحاق ما قال)1(7) 

قال آخر: ثم ذكر من الروايات التي تدل على هذا رواية عن السديء يقول فيها: 
(قال جبرائيل لسارة: أبشري بولد اسمه إسحاق» ومن وراء إسحاق يعقوب» فضربت 
جبهتها عجبا.. قالت سارة لجبريل: ما آية ذلك؟ فأخذ بيده عودا يابساء فلواه بين أصابعه» 
فاهتز أخضرء فقال إبراهيم: هو لله إذن ذبيح» فل) كبر إسحاق أتي إبراهيم في النوم» فقيل 
له: أوف بنذرك الذي نذرت,ء إن الله رزقك غلاما من سارة أن تذبحه» فقال لإسحاق: 
انطلق نقرب قربانا إلى الله» وأخذ سكينا وحبلا ثم انطلق معه حتى إذا ذهب به بين الجبال 
قال له الغلام: يا أبت أين قربانك؟ قَالَ يَابتَِيَ إن أَرَى في الْنَا َم أَنّْ أَدْبَْحُكَ فَانْظُرُ مَاذَا تَرَى 


-ه 


قَالَ يَأبَتِ افْعَل ما تُؤْمَرُ سَتَجِدَن إِنْ شَاءً الله منَ الصَّابرِينَ [الصافات: 1٠0١‏ فقال له إسحاق: 
يا أبت أشدد رباطي حتى لا أضطربء واكفف عني ثيابك حتى لا ينتضح عليها من دمي 
شيء» فتراه سارة فتحزن وأسرع مر السكين على حلقي؛ ليكون أهون للموت عليء فإذا 
أتيت تيت سارة فاقرأ عليها مني السلامء فأقبل عليه إبراهيم يقبله وقد ربطه وهو يبكي 
وإسحاق يبكي. حتى استنقع الدموع تحت خد إسحاقء ثم إنه جر السكين على حلقه فلم 
تحك السكين» وضرب الله صفيحة من النحاس على حلق إسحاقء فلم| رأى ذلك ضرب 
به على جبينه» وحز من قفاهء فذلك قوله (فل| أسل)|)يقول: سلا لله الأمر (وتله 
للجبين)فنودي يا إبراهيم (قد صدقت الرؤيا) با حق فالتفت فإذا بكبش» فأخذه وخلى عن 
ابنه» فأكب على ابنه يقبله» وهو يقول: اليوم يا بني وهبت لي؛ فلذلك يقول الله: (وفديناه 


0175 /7١( تفسير الطبري‎ )١( 


لمك 





بذبح عظيم)فرجع إلى سارة فأخبرها الخبر» فجزعت سارة وقالت: يا إبراهيم أردت أن 
تذبح ابني ولا تعلمني !2070 

قال آخر: وروى عن عبد الله بن عمير قال: (قال موسى: يا رب يقولون يا إله 
إبراهيم وإسحاق ويعقوب. فبم قالوا ذلك؟ قال: إن إبراهيم لم يعدل بي شيئا قط إلا 
اختارني عليه» وإن إسحاق جاد لي بالذبح» وهو بغير ذلك أجود. وإن يعقوب كلا زدته 
بلاء زادن حسن ظن)79) 

قال آخر: وروى عن عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن حارثة الثقفي» أخبره أن كعبا 
قال لأبي هريرة: ألا أخبرك عن إسحاق بن إبراهيم النبي؟ قال أبو هريرة: بلى» قال كعب: 
لا رأى إبراهيم ذبح إسحاقء قال الشيطان: والله لئن لم أفتن عند هذا آل إبراهيم لا أفتن 
أحدا منهم أبداء فتمثل الشيطان لهم رجلا يعرفونه» فأقبل حتى إذا خرج إبراهيم بإسحاق 
ليذبحه دخل على سارة امرأة إبراهيم» فقال لها: أين أصبح إبراهيم غاديا بإسحاق؟ قالت 
سارة: غدا لبعض حاجته؛ قال الشيطان: لا والله ما لذلك غدا به» قالت سارة: فلم غدا به؟ 
قال: غدا به ليذبحه! قالت سارة: ليس من ذلك شيء» لم يكن ليذبح ابنه! قال الشيطان: بلى 
والله! قالت سارة: فلم يذبحه؟ قال: زعم أن ربه أمره بذلك؛ قالت سارة: فهذا أحسن بأن 
يطيع ربه إن كان أمره بذلك» فخرج الشيطان من عند سارة حتى أدرك إسحاق وهو يمثي 
على إثر أبيه» فقال: أين أصبح أبوك غاديا بك؟ قال: غدا بي لبعض حاجته. قال الشيطان: 
لا والله ما غدا بك لبعض حاجته؛ ولكن غدا بك ليذبحكء؛ قال إسحاق: ما كان أبي 
ليذبحني! قال: بلى؛ قال: لم؟ قال: زعم أن ربه أمره بذلك؛ قال إسحاق: فوالله لئن أمره 


بذلك ليطيعنه؛ قال: فتركه الشيطان وأسرع إلى إبراهيم» فقال: أين أصبحت غاديا بابنك؟ 


(1) تفسير الطبري (11/ 1/0) )١(‏ تفسير الطبري (51/ 80) 


اك 





قال: غدوت به لبعض حاجتيء قال: أما والله ما غدوت به إلا لتذبحه. قال: لم أذبحه؟ قال: 
زعمت أن ربك أمرك بذلك؛ قال: الله فوالله لئن كان أمرني بذلك ربي لأفعلن؛ قال: فلا 
أخذ إبراهيم إسحاق ليذبحه وسلم إسحاقء أعفاه الله وفداه بذبح عظيمء قال إبراهيم 
لإسحاق: قم أي بنيء فإن الله قد أعفاك؛ وأوحى الله إلى إسحاق: إني قد أعطيتك دعوة 
أستجيب لك فيها؛ قال» قال إسحاق: اللهم إني أدعوك أن تستجيب ليء أيم| عبد لقيك من 
الأولين والآخرين لا يشرك بك شيئاء فأدخله الجنة .0١(‏ 

قال آخر: وروى عن أبي هريرة» عن كعب الأحبار أن الذي أمر إبراهيم بذبحه من 
ابنيه إسحاقء وأن الله لما فرج له ولابنه من البلاء العظيم الذي كان فيه» قال الله لإسحاق: 
إني قد أعطيتك بصبرك لأمري دعوة أعطيك فيها ما سألت» فسلني» قال: رب أسألك أن 
لا تعذب عبدا من عبادك لقيك وهو يؤمن بك. فكانت تلك مسألته التي سأل(©. 

قال آخر: وقد حكى الطبري وغيره هذا القول عن أعلام السلف كابن عباس وعبد 
الله بن مسعود وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة» بالإضافة لأكثر من عشرة من سادات 
التابعين9” . 

قال آخر: وبعد أن حكى الأقوال المختلفة في هذا عقب عليها مرجحا بقوله: (وأولى 
القولين بالصواب في المفدي من ابني إبراهيم خليل ال رحمن على ظاهر التنزيل قول من قال: 
هو إسحاقء. لأن الله قال: #أوَفَدَيبَاهُ ِذِبْح عَظِيم 4 [الصافات: 1107 فذكر أنه فدى الغلام 
اننم :الى يقر بدازير امير سين تله نايرب له ولاذا عالقا امن لانن فلؤت 


هَبْ لي مِنَ الصَّاِينَ4 [الصافات: 6٠٠١‏ فإذ كان المفدي بالذبح من ابنيه هو المبشر به» وكان 


2179 /71( انظر: تفسير الطبري‎ )"( )41/7١( تفسير الطبري‎ )١( 
)057 /؟١( تفسير الطبري‎ )١( 


0_3 


الله تبارك اسمه قد بين في كتابه أن الذي بشر به هو إسحاق» ومن وراء إسحاق يعقوب» 
فقال جل ثناؤه: لقَبََْنَاهَا بِإسْحَاقٌ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقٌ يَعْقُوبَ4 1هرد: 1١‏ وكان في كل 
موضع من القرآن ذكر تبشيره إياه بولد» فإن| هو معني به إسحاق. كان بينا أن تبشيره إياه 
بقوله: لقبَسَرْنَهُ بعْلَام حَلِيم4 [الصافات: 10١‏ في هذا الموضع نحو سائر أخباره في غيره من 
آيات القرآن» وبعد: فإن الله أخبر جل ثناؤه في هذه الآية عن خليله أنه بشره بالغلام الحليم 
عن مسألته إياه أن ميب له من الصالحين» ومعلوم أنه لم يسأله ذلك إلا في حال لم يكن له فيه 
ولد من الصا حين, لأنه لم يكن له من ابنيه إلا إمام الصالحين» وغير موهم منه أن يكون 
سأل ربه في هبة ما قد كان أعطاه ووهبه له فإذ كان ذلك كذلك فمعلوم أن الذي ذكر تعالى 
ذكره في هذا الموضع هو الذي ذكر في سائر القرآن أنه بشره به وذلك لا شك أنه إسحاق» 
إذ كان المفدي هو المبشر به)(21 

قال آخر: وقد فند كل الأدلة التي استدل بها القائلون بآن المفدى هو إسماعيل عليه 
السلام» فقال: (وأما الذي اعتل به من اعتل في أنه إسماعيلء أن الله قد كان وعد إبراهيم أن 
يكون له من إسحاق ابن ابن» فلم يكن جائزا أن يأمره بذبحه مع الوعد الذي قد تقدم؛ فإن 
الله إنما أمره بذبحه بعد أن بلغ معه السعي» وتلك حال غير ممكن أن يكون قد ولد لإسحاق 
فيها أولاد. فكيف الواحد؟ وأما اعتلال من اعتل بن الله أتبع قصة المفدي من ولد إبراهيم 


2+ > 


بقوله #وَبَشَّرْنَاهُ بِِسْحَاقٌ تيا مِنَ الصَّاحِينَ4 [الصافات: ]1١7‏ ولو كان المفدي هو إسحاق لم 
يبشر به بعد» وقد ولد وبلغ معه السعيء فإن البشارة بنبوه إسحاق من الله فيها جاءت به 
الأخبار جاءت إبراهيم وإسحاق بعد أن فدي تكرمة من الله له على صبره لأمر ربه فيا 


امتحنه به من الذبح» وقد تقدمت الرواية قبل عمن قال ذلكء وأما اعتلال من اعتل بأن 


)87/71١( تفسير الطبري‎ )١( 


2 





قرن الكبش كان معلقا في الكعبة فغير مستحيل أن يكون حمل من الشام إلى الكعبة» وقد 
روي عن جماعة من أهل العلم أن إبراهيم إنما أمر بذبح ابنه إسحاق بالشامء وبها أراد 
ذبحه)(1) 

من قصة يوسف: 

بعد أن انتهوا من إيراد كل تلك الروايات المخالفة لدلالة القرآن الكريم الواضحة 


في كون الذبيح هو إسماعيل عليه السلام» قال أحد الحضور: فأخبرونا عما ورد في الكتب 


- 


1 


التي أشدتم بها عن أسماء الكواكب الواردة في قوله تعالى: لإإذْ قَالَ يُوسُفْ لِأبيهِيَاأَبّتِ إن 
كانت اعتعقه كر كا والشقس والدقة رَأَينهُمْ لي سَاجِدِينَ4 [يوسف: 4] 

قال أحد الحشوية: بوركت في هذا السؤال» والجواب عنه وحده كاف للدلالة على 
أن كل ما ذكره هؤلاء المثرثرون ليس سوى جعجعة بلا طحين.. فلن تجدوا أسماء هذه 
الكواكب إلا في تفاسيرنا المعتمدة» تلك التي أثنى عليها شيخ الإسلام» واعتبرها الكتب 
الوحيدة المفسرة للقرآن الكريم بعيدا عن البدع والمبتدعة. 

قال آخر: وبخصوص سؤالكم المهم والوجيه؛ والدال على اهتمامكم بالمعارف 
القرآنية» فقد روى أثمتنا العظام أن بستانيا مهوديا جاء إلى النبي يل فقال: يا محمد أخبرني 
عن الكواكب التي رآها يوسف عليه السلام ساجدة له. ما أسماؤها؟ فسكت النبي 4# فلم 
يجبه بشيء؛ فنزل جبريل عليه السلام فأخبره بأسمائهاء فبعث رسول الله يك إلى البستاني 
اليهودي فقال: (هل أنت مؤمن إن أخبرتك بأسمائها»» قال: نعم: قال: (حرثان» والطارق 
والذيال وذو الكفتان» وقابسء ودنان» وهودان, والفيلق» والمصبح. والضروح. والفريخ» 


والضياءء والنور» رآها في آفق السماء ساجدة له فلم) قص يوسف على يعقوب قال: هذا أمر 


)87/71١( تفسير الطبري‎ )١( 


66 





مشتت يجمعه الله من بعد) فقال اليهودي: إي والله. إنها لأساؤها(0©. 


قال أحد الحضور: فا قالوا في تفسير قوله تعالى: ##لَقَدْ كَانَ في يُوسُفَ وَإِحْوَّتِه آيَات 
للع و انر 22 وء 3 ري ه اورهظ هع 3 1 ام 


لِلِسَائِلِينَ إذ ذَ قَالُوا آ يُوسُفَ وَأَخوة أَحَبٌ إِلَ أَبينَا نا وَتَحْنُ عضب عصبّة إن أَبَانَا لي ضَلالٍ مين 


روه سير رع عي 


قر عت راغي رق عل لق + جه يكم وَتكُويُوا به قَْما صَاحخينَ َل 
لب ا ار في عَيَابَتِ الْجُبٌ يَلتَقِطْهُ بَحْضُ السَّيّارَة إنْ كُنْتمْ فَاعِلِينَ 


ع 2ه 


: ا 0 وَإِنَا 


بو رن م هي 2 الل هاه ار 0 3 0 6و8ى له ل سابر 
حَافْظون قال إن يرق أن تذهَيوا به وَأحَاف أ لو اه 


َئْنْ أَكَلَهُ الذَّنْبُ وَتَحْنْ عُضْبَةٌ إن ذا خَايِرُونَ قَلَ ذَهَبُوا به وَأَحْمَعُوا أَنْ يْعَلُوهُ في 


كو هه 2ه امس 4ه توركو . 3 فق حم 6 عر 3 - ع ع ع 3 اح ممه 01 
الب وَأوَحَيْنَا إلبه ل ِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعْرُونَ وَجَاوًا أَبَاهُمْ عِشَاءَ 00 قالوا 
يا بان نا دّهَبَْانَسْتبقُ وَترَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَُ الذَهْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِن لَنَا وَلَوْ 5د 


2525000 -1] 
قال أحد الحشوية: في هذه الآيات عجائب كثيرة» لا يمكن معرفتها من دون علمائنا 

الربانيين الذين ذكرناهم لكم.. ومن تلك العجائب أن يعقوب أرسل يوسف معهمء 
فأخرجوه وبه عليهم كرامة» فل) برزوا إلى البرية أظهروا له العداوة» وجعل أخوه يضربه. 
فيستغيث بالآخر فيضربه» فجعل لا يرى منهم رحيماء فضربوه حتى كادوا يقتلونه. فجعل 
يصيح ويقول: يا ابتاه! يا يعقوب! لو تعلم ما يصنع بابنك بنو الإماء.. فلم| كادوا أن يقتلوه. 
قال لهم مهوذا: أليس قد أعطيتموني موثقا لا تقتلوه؛ فانطلقوا به إلى الجب ليطرحوه. فجعلوا 


)١(‏ الحديث سعيد بن منصور في سننه 5/ /ا/ا" والبيهقي في دلائل النبوة الفزاري الكوفي» وهو ضعيف باتفاق» وتركه البخاري وجماعة, واتهمه بعضهم» 
1/ الال ابن الجوزي في الموضوعات .١ 55 /١‏ والحديث ضعفه البزار والعقيلي» توفي سنة (180 ه) انظر: ت#بذيب الكمال للمزي 577/7» تقريب التهذيب لابن 
بل قال ابن حبان: لا أصل له من حديث رسول الله يه وقال أبو زرعة: هذا حجر »)١5554(‏ انظر: هامش تفسير الثعلبى )141١ /١5(‏ 


حديث منكر ليس بشيء»؛ وقال ابن الجوزي: موضوع.ء وتفرد به الحكم بن ظهير 
05 





يدلونه في البئر؛ فيتعلق بشفير البئر؛ فربطوا يديه ونزعوا قميصه؛ فقال: يا إخوتاه! ردوا علي 
القميص أتوارى به في الجبء فقالوا: ادع الشمس والقمر والأحد عشر كوكبا تؤنسك» 
قال: إني لم أر شيئاء فدلوه في البئر» حتى إذا بلغ نصفها ألقوه؛ إرادة أن يموت, فكان في البثر 
ماء فسقط فيه» ثم آوى إلى صحرة فيها فقام عليهاء فل| ألقوه في الجب جعل يبكيء فنادوه, 
فظن أنها رحمة أدركتهم فأجابهم» فأرادوا أن يرضخوه بالحجارة فيقتلوه» فقام مهوذا 
فمنعهم» وقال: قد أعطيتموني موثقا ألا تقتلوه» وكان بوذا يأتيه بالطعام("©. 

قال آخر: وروي أن الله تعالى أمر الصخرة حتى ارتفعت من أسفل البئر فوقع 
يوسف عليها وهو عريان» وكان إبراهيم الخليل عليه السلام حين ألقي في النار جرد من 
ثيابه وقذف في النار عرياناء فتاه جبريل بقميص من حرير الجنة فألبسه إياه» فكان ذلك 
القميص عند إبراهيم» فلم مات ورثه إسحاق. فلم| مات إسحاق ورثه يعقوب. فللا شب 
يوسف جعل يعقوب ذلك القميص في تعويذ وعلقه في عنقه. وكان لا يفارقه. فل) ألقي في 
البئر عريانا جاءه جبريل ‏ وكان عليه ذلك التعويذ ‏ فأخرج القميص منه. فألبسه إياه(©. 

كال أحل المضورة تأعرووتاعن لسر قولة تعال: لوَشّرَوْهُ بتَمَنِ بَحْسٍ َرَاهِمَ 
مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فيه من الزَاهِدِينَ# [يوسف: ]٠١‏ 

قال أحد الحضور: لقد رويت في ذلك روايات عديدة تبدو متعارضة:؛ لكنا نصدق 
بها جميعاء فعقولنا أقل من تفهم الدين.. ومن تلك الروايات ما روي عن ابن مسعود وابن 
عباس وقتادة والسدي أن المبلغ كان: عشرين درهماء فاقتسموها درهمين درهمين7".. ومنها 


(1) الطبري 07/4/١5‏ بعامه وابن أبي حاتم في تفسير القرآن العظيم () الطبري 0175/17 وابن أبي شيبة وابن المنذر والحاكم كما في الدر المنثور 
000 للسيوطي .١8/5‏ 
(؟) زاد المسير لابن الجوزي ١10/5‏ عن كعب. 


/اه0 





ما قال مجاهد. وهو أنها اثنان وعشرون درهما(١»..‏ وقال عكرمة: أربعون درهما(»). 

من قصة موسى: 

قال أحد الحضور: فأخبروناعما ورد في الكتب التي أشدتم بها عن تفسير قوله تعالى: 
وَمَا يِْكَ بيمِينِكَ يَا مُوسَى قَالَ هِيَّ عَصَايَ أنوكَا عَلََْاوَأمُْ بها عل عَنَوِي وَل فيا 
مَآرِبُ أُخْرَّى) [طه: 1610] 

قال أحد الحشوية: بورك فيك» وفي سؤالك الوجيه.. وقد ذكر علماؤنا لتلك العصا 
عجائب وأخبارا كثيرة.. ومنها أن موسى عليه السلام كان يحمل على عصاه زاده وسقاه 
فجعلت تماشيه وتحدثه. وكان يضرب بها الأرض فيخرج ما يأكل يومه» ويركزها فيخرج 
الماء» فإذا رفعها ذهب الماء» وكان يرد مها غنمه» وتقيه الهوام بإذن الله» وإذا ظهر له عدو 
حاربت وناضلت عنه؛ وإذا أراد الاستقاء من البئر أدلاها فطالت على طول البئر وصارت 
شعبتاها كالدلو حتى يستقيء وكان يظهر على شعبتيها كالشمعتين بالليل تضيء له ومبتدي 
بهاء وإذا اشتهى ثمرة من الثار ركزها في الأرض فتغصنت غصن تلك الشجرة وأورقت 
ورقها وأثمرت ثمرها فهذه المآرب0". 

قال أحد الحضور: فا معنى قوله تعالى: أقَألْقَاهًا وَإذَا هي حي تَسْعَى ‏ [طه: ]٠١‏ 

قال أحد الحشوية: روي عن أثمتنا الكبار في تفسيرها أنها صارت حية صفراء لها 
عرف كعرف الفرسء وجعلت تتورم حتى صارت ثعبانا وهو أكبر ما يكون من الحيات(؟). 


قال آخر: وروي أنه لما قيل لموسى عليه السلام: ألقها يا موسىء ألقاهاء فإذا هي 


)١(‏ الطبري 15/15. 577» مختصرا. قال ابن كثير في تفسير القرآن العظيم 4/ :”7١‏ ولكن كل ذلك 
(؟) ابن أبي حاتم في تفسير القرآن العظيم 1/ .71١17‏ من الأخبار الإسرائيلية. 
(1) معالم التنزيل للبغوي 9/0 5. مختصراء مفاتيح الغيب للرازي 71/77 (5) معالم التنزيل 779//8. 


بمعناه» الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 1417/١١‏ مختصراء لباب التأويل للخازن 


0 





حية تسعي » ولم تكن قبل ذلك حية» فمرت ب* بشجرة فأكلتهاء ومرت بصخرة فابتلعتهاء 
فجعل موسى يسمع وقع الصخرة في جوفهاء فولى مدبراء فنودي أن يا موسى خذهاء فلم 
يأخذهاء ثم نودي الثانية: أن خذها ولا تخف. فلم يأخذهاء فقيل له في الثالثة: إنك من 


الآمنين» فأخذه(١)‏ 5 


نَحْن لَك بِمُؤْمِننَ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهُمُ الطُوكَانٌ مَلْؤَاة وَالتْدل ره 8 
مَُصََّاتِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا جْرِمِينَ وَنَاوَقَمَ عَلَيْهِمُ الرّجْرُ قَالُوايا مُوسَى اذْعٌ لَنَا رك 
بها عَهِدَ عِنْدَكَ لَيِنْ كَشَفْتَ عَنَا الرَجْرَّلَنْؤْمئنَ لَكَ وَلَْرْسِكنَ مَعَكَ بَنِي إِشْرَاِيل قل كَسَفْنا 
عَنْهُمُ الرَجْرَإِلَ أْجَلٍ م هُمْ بَالْوه م إذَا هُمْ يدَكنُونَ4 [الأعراف: و 

قال أحد الحشوية7): بورك فيك» وفي سؤالك الوجيه» وقد روي عن أئمتنا الكبار 
في تفسيرها أنه لما آمنت السحرة» رجع فرعون عدو الله مغلوبا معلولاء ثم أبى هو وقومه 
إلا الإقامة على الكفر والتعادي في الشرء فتابع الله عز وجل عليهم بالآيات» وأخذهم 
بالسنين» ونقص من الثمرات. فلم| عالج موسى عليه السلام منهم بالآيات الأربع: العصا 
واليد والسنين ونقص من الثارء دعا فقال: يارب إن عبدك فرعون علا في الأرضء وبغى 
وعتا وإن قومه قد نقضوا عهدك, وأخلفوا وعدك, رب فخذهم بعقوبة تجعلها لهم نقمة) 
ولقومي عظة ولمن بعدهم من الأمم الباقية آية وعبرة» فبعث الله عز وجل عليهم الطوفان» 
وهو الماء أرسل الله تعالى عليهم السماء حتى كادوا أن بهلكواء وبيوت بني إسرائيل وبيوت 
القبط مشتبكة مختلطة بعضها في بعض. فامتلأت بيوت القبط ماء» حتى قاموا في الماء إلى 


تراقيهم» من جلس منهم غرقء. ولم يدخل بيوت بني ! سرائيل من الماء قطرة» وفاض الماء 


)487'/١5( تفسير الطبري (18/ 95؟) (1) تفسير الثعلبي‎ )١( 


امك 





على وجه أرضهم وركدء. لا يقدرون على أن يحرثوا ولا يعملوا شيئا حتى جهدواء ودام 
عليهم ذلك سبعة أيام من السبت إلى السبتء فقالوا لموسى عليه السلام: ادع لنا ربك 
يكشف عنا المطرء فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل» فدعا ربه فرفع عنهم الطوفان» 
فلم يؤمنوا ولم يرسلوا معه بني إسرائيل» وعادوا بشر ما بحضرتهم, فأنبت الله تعالى لحم في 
تلك السنة شيئا لم ينبته لحم قبل ذلك من الكل والزرع والثمر وأعشبت بلادهم وأخصبت» 
فقالوا: هذا ما كنا نتمنى» وما كان هذا الماء إلا نعمة علينا وخصباء وما يسرنا أنالم نمطر. 

قال آخر(): فأقاموا شهرا في عافية» فبعث الله تعاللى عليهم الجراد» فأكلت عامة 
زروعهم وثمارهم وأوراق الشجر وأنواع الزهر» حتى إن كانت لتأكل الأبواب» وسقوف 
البيت والخشب والثياب والأمتعة ومسامير الأبواب من الحديد» حتى تقع دورهم. وابتلي 
الجراد بالجوع فجعلت لا تشبعء غير أنه لايدخل بيوت بني إسرائيل» ولا يصيبهم من ذلك 
شيء» فعجوا وضجواء وقالوا: ياموسى ادع لنا ربك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك. 
ولنرسلن معك بني إسرائيل» وأعطوه عهد الله وميثاقه» فدعا موسى عليه السلام» فكشف 
الله تعالى عنهم الجراد بعد ما أقام عليهم سبعة أيام من السبت إلى السبت» وروي أن موسى 
عليه السلام برز إلى الفضاءء فأشار بعصاه نحو المشرق والمغرب» فرجعت الجراد من حيث 
جاءت. حتى كأن لم يكن قطء وكان قد بقيت من زروعهم وغلاتهم بقية» فقالوا: قد بقي 
لنا ما هو كافيناء وما نحن بتاركي دينناء ولا نرسل معك بني إسرائيل» ولم يفوا با عهدواء 
وعادوا إلى أعمالهم السوء. 

قال آخر<("): فأقاموا شهرا في عافية» ثم بعث الله عز وجل عليهم القمل» وأمر 


موسى عليه السلام أن يمشثي إلى كثيب أعفرء بقرية من قرى مصرء تدعى عين الشمس 


)5/805 /١7( تفسير الثعلبى (؟5١/585) () تفسير الثعلبى‎ )١( 





فمشى موسى عليه السلام إلى ذلك الكثيب وكان أهيل عظيماء فضربه بعصاه فانثال عليهم 
قملاء فتتبع ما بقي من حروثهم وأشجارهم ونباتهم» فأكله ولحس الأرض كلهاء وكان 
يدخل بين ثوب أحدهم وبين جلده فيعضه. وكان يأكل أحدهم الطعام» فيمتلئ قملاء 
حتى إن أحدهم ليبني الاسطوانة بالجصء فيزلقها حتى لا يرتقي فوقها شيء؛ يرفع فوقها 
الطعام» فإذا صعد إليه ليأكله» وجده ملآن قملا.. وكان الرجل يخرج عشرة أجربة إلى 
الرحاء فلا يرد منها ثلاثة أقفزة» فلم يصابوا ببلاء كان أشد عليهم من القمل» وأخذت 
أشعارهم وأبشارهم وأشفار عيونهم وحوا جبهم, ولزم جلودهم كأنه الجدري عليهم. 
ومنعتهم النوم والقرار» فلم يستطيعوا له حيلة» فصرخوا وصاحوا إلى موسى عليه السلام 
إنا نتوب ولا نعودء فادع لنا ربك فيكشف عنا هذا البلاء» فدعا موسى عليه السلام فرفع 
الله تعالى القمل عنهم بعد ما أقام عليهم سبعة أيام من السبت إلى السبت, فنكثوا وعادوا 
إلى أخبث أعمالهم» وقالوا: ما كنا قط أحق أن نستيقن أنه ساحر منا اليوم» يجعل الرمل 
دواب» وعزة فرعون لا نصدقه أبدا ولا نتبعه. 

قال آخر(١»:‏ فدعا موسى عليه السلام عليهم بعدما أقاموا شهرا في عافية» فأرسل 
الله عليهم الضفادع» فدخلت عليهم دورهم, وامتلأت منها بيوتهم وأطعمتهم وأفنيتهم 
وأنديتهم» فلا يكشف أحد ثوبا ولا إناء ولا طعاما ولا شرابا إلا وجد فيه الضفادع» وكان 
الرجل يجلس إلى ذقنه في الضفادع ويهم أن يتكلم فيب الضفدع في فيه» وكانت تثب في 
قدورهم تفسد عليهم طعامهم. وتطفئ نيرانهم» وكان أحدهم يضطجع. فتركبه الضفادع 
فتكون عليه ركاماء حتى ما يستطيع أن ينصرف إلى شقه الآخر» ويفتح فاه لأكلته فيسبق 


الضفدع أكلته إلى فيه ولا يعجن عجينا إلا تسدحت فيه» ولا يطبخ قدرا إلا أمتلأت 


)5/1//١17( تفسير الثعلبي‎ )١( 


1 





ضفادعء فلقوا منها أذى شديدا.. وروي أن الضفادع كانت برية» فلم أرسلها الله تعالى على 
آل فرعون سمعت وأطاعتء فجعلت تقذف أنفسها في القدور وهي تغلي وفي التنانير 
وهي تفورء فأثابها الله بحسن طاعتها برد الماء.. فلم| رأو ذلك بكوا وشكوا إلى موسى عليه 
السلام» وقالوا: هذه المرة نتوب ولا نعود» فأخذ عهودهم ومواثيقهم, ثم دعا ربه فكشف 
الله تعالى عنهم الضفادع» بعدما أقام عليهم سبعا من السبت إلى السبت» فأقاموا شهرا في 
عافية ثم نقضوا العهد. وعادوا لكفرهم وتكذيبهم. 

قال آخر(١»:‏ فدعا عليهم موسى عليه السلام» فأرسل الله تعالى عليهم الدم» فسال 
النيل عليهم دماء وصارت مياههم دما كلهاء فم يستقون من الآبار والأنهار إلا وجدوا دما 
عبيطا أحمر» فشكوا إلى فرعونء وقالوا: إنا قد ابتلينا بهذا الدم» وليس لنا شرابء فقال: إنه 
قد سحركم. فقالوا: من أين سحرنا؟ ونحن لا نجد في أوعيتنا شيئا من الماء إلا دما عبيطا 
أحمر» فكان فرعون يجمع بين الرجلين على الإناء الواحد» القبطي والآخر الإسرائيلٍ» 
فيكون ما يلٍ الإسرائيلٍ ماء» وما يلٍ القبطي دماء وكان القبطي والإسرائيلي يستقيان من 
ماء واحد. فيخرج ماء هذا القبطي دماء ويخرج للإسرائلٍ ماء عذباء فيقومان إلى الجر فيه 
الماء فيخرج للإسرائيل ماء وللقبطي دماء حتى إن المرأة من آل فرعون كانت تأتي المرأة من 
بني إسرائيل» حين جهدهم العطش فتقول: اسقيني من مائكء فتغرف لما من جرتهاء أو 
تصب لا من قربتهاء فيعود في الإناء دماء حتى إن كانت لتقول لمها: اجعليه في فيك ثم مجيه 
في في» فتأخذ في فيها ماء» فإذا محته في فيها صار دماء قالوا: والنيل على ذلك يسقي الزروع» 
فإذا ذهبوا ليستقوا من بين الزرع عاد الماء دما عبيطاء وإن فرعون اعتراه العطش. حتى إنه 


ليضطر إلى مضغ الأشجار الرطبة» فإذا مضغها يصير ماؤها في فيه ملحا أجاجاء فمكثوا في 


)48/8/17( تفسير الثعلبي‎ )١( 


1 





ذلك سبعة أيام لا يأكلون إلا الدم» ولا يشربون إلا الدم فأتوا موسى عليه السلام وقالوا: 
ياموسى ادع لنا ربك يكشف عنا هذا الدم؛ فنؤمن بك ونرسل معك بني اسرائيل» فدعا 
ربه عز وجل فكشف. فلم يؤمنوا ولم يرسلوا معه بني إسرائيل. 

ب ردود وإجابات: 

بعد أن ذكر الحشوية هذا وغيره ما سبق أن ذكرت أمثلة عنه في الرحلة السابقة 
بيان [القرآن وعقبات التأويل] التفت أحد الحشوية إلى الحكماء» وقال: بعد أن سمعتم كل 
هذه العلوم العظيمة» نتحداكم أمام هذه الجمع المبارك أن تأتوا بمثلها من غير هذه المصادر 
التي تنتقدوخهاء بل تنهمونهاء بل تحتقرونها.. بل نتحداكم أن تأتوا بأقصر قصة منها. 

قال أحد الحكاء: إن عجزنا عن جوابكم إلى ما طلبتم لا يعني أننا مبطلون» بل قد 
يعني أننا محقون.. فعدم إجابتك للص الذي يتحداك في أن تتقن اللصوصية كإتقانه لهاء أو 
القاتل الذي يتحداك بأن تقتل مثله وبدم بارد» لا يعني أنك فشلت.. بل يعني أنك 
انتصرت.. لأنك وقفت في صف الحقء ولم تقف في صف الجريمة والباطل. 

قال أحد الحشوية: هل وصل بكم الأمر إلى مقارنتنا ببؤلاء المجرمين؟ 

قال الحكيم: معاذ الله أن نقرنكم مهم؛ فهم مع جرائمهم الشديدة» أقل جرما منكم.. 
فجرائمهم ترتبط بحياة الناس الدنيوية المادية التي سرعان ما تنقضيء وجرائمكم ترتبط 
بالدين» وبالدار الآخرة. والحياة الأبدية. 


قال أحد الحضور: نرجو أن توضحوا لنا أدلتكم على ذلك» حتى لا ننزل بكم 


الأحكام الواردة في قوله تعالى: «#وَمَنْ يكيب حَطِيئَة 
ا مين [النساء: ]1١7‏ 


قال أحد الحكماء: معاذ الله أن نكون مدعين في ذلك.. فجرائم هؤلاء في حقكم وحق 


3 2 2 ع 


وَإِنَا ثم يرم 


2 


لذ 


الدين أكثر من أن يحصى خطرهاء وأدناها أربعة جرائم: الكذب والتزوير.. والتساهل 
والتمبيع.. والفضول والتكلف.. والغفلة والتناقض. 

الكذب والتزوير: 

قال أحد الحضور: فحدثنا عن أدلتكم على الجريمة الأولى.. جريمة الكذب 
والتزوير. 

قال الحكيم: لاشك أنكم تعلمون أن الكذب والتزوير يشتدان ويعظان كلما 
عظمت الجهة التي يتوجهان إليها. 

قال أحد الحضور: صحيح.. ولهذا اعتبر الله تعالى في آيات عديدة الكذب عل الله 
والافتراء على دينه أعظم أنواع الظلم» ذلك أنه يشبه من يضع السموم في الأدوية» فيصبح 
ملاذ الشفاء سبب الموتء قال تعالى: لإوَمَنْ أَظلَمُ يمن افْترَى عَلَ الله كَذِبًا َو كَذَّبَ بِآيَاتِه 
إنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَائُونَ4 [الأنعام: ١؟]..‏ ثم بين أن الكذب الذي أدمنوا عليه في الدنياء يبقى 
معهم في الآخرة» وأنهم يلجؤون إلى ما كانوا يلجؤون إليه في الدنيا من الاحتيال على تشويه 
الحقائق بالقسم ونحوه؛ قال تعالى: لوَيَوْمَ تَحْشْرْهُمْ جبيًا نم تَُولُ لِلَّذِينَ أشْرَكُوا أَيْنَ 
ُرَكَاؤْكُم الْذِينَ كُنكُمْتَرْعمُونَ م 1 تكن فِتتُمْإِلَا أن قَالُوا اله يناما كنا مشْرِكِينَ الْظز 
كَبْف كَدَبُوا عَلَ أَنْفْسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْمَا كَانُوا يَفْرُونَ4 [الأنعام: ١؟4؟]‏ 

قال آخر: وقبل هذه الآيات الكريمة أشار الله تعالى إلى أن تكذيب هؤلاء للحقائق 
ليس ناشئا عن ضعف أدلتهاء وإنما لما أدمنت عليه نفوسهم من الكذب؛ فصاروا يتصورون 
كل الخلق مثلهم» حتى أنبياء الله» قال تعالى: #الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَاب يَعْرِفُوئَهُ كه) يَْرِفُونَ 
أَبَْاءَهُمُ الْذَينَ حَبِرُوا أنْفْسَهُمْ فَهُمْ لا يؤْمِنُونَ4 [الأنعام: ]٠١‏ 


قال آخر: وفي آية أخرى ذكر الله تعالى أن الذين يفترون على الله الكذبء قد يتفاقم 


31 


وضعهم. إلى أن يدعو تنزل وحي الله عليهم» قال تعالى: و مَنْ أَظلَمُ يم افترَى عَل الله 
كَذِبًا أَوْ قَالَ ل أُوحِيّ إل وَيُوح َي نَيْءٌوَمَنْ قَالَ سَأَئلُ مغل ما َل الله [الأنعام: 14 ثم 
بين عاقبة هؤلاء لينفر النفوس منهاء فقال: ##وَلَوْ تَرَى إذ الطالود ي شرا المُوْتِ 
لفك ابطر اتنب م أخرجُوا أنْفُسَكُمْ البَوْمَ رَوْنَ عَذَاتَ المون نا كع كه َقولُونَ عل الله 
غَبْرَ الح وَكُنُمْ عَنْ آيَاتهِ تَسْتَكْرُونَ4 [الأنعام: 47].. وهي تبين أن المنبع الذي نبع منه هذا 
النوع من الكذب هو الكبرياء» ذلك أن المستكبر لا يستطيع أن يسلم لغيره» ولهذا يلجأ إلى 
الكذب والافتراء ليشكل دينا على مقاسه ومزاجه. 

قال الحكيم: ولهذا؛ فإن الكاذب على الله من أخطر المجرمين, لأنه لا يقتل أجساد 
الناس» وإنا يقتل أرواحهم» ويسمم منابع الحداية التي أنزها الله عليهم» وقد قال تعالى: 
لقَمَنْ أَظلَمْ يمن افترَى عَلَ الله كَذِب ات بآيَاتِهِ إِنّهُ لا يُفْلِحُ الجْرمُونَ# [يونس: ]1١‏ 

قال أحد الحشوية: لكن كيف تطبقون علينا كل تلك الآيات التي وصف الله بها 
الكفرة المضللين؛ فأين نحن منهمء وأين هم منا؟ 

قال الحكيم: ألم تسمعوا قوله ##: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا 
بذارع» حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم)» فقلنايا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: 
(فمن هما)(1) 

قالوا: بلى.. فما علاقتها ببذا؟ 

قال الحكيم: ى) أن أولئك قاموا بتحريف كتبهم وتبديل ألفاظها لتتناسب مع 
أمزجتهم؛ فقد قام أسلافكم الذين تدعون لهم أيضا بنفس الشيء؛ فقد راحوا يمارسون 
الكذب من خلال تصديقهم للكذبة؛ فتصديق الكاذب» ونشر كذبه كذب محقق.. بل إن 


)55579( البخاري (57"67) ومسلم‎ )١( 





ناشر الكذب أكثر جرما من الكاذب نفسه. 

قالوا: كيف ذلك؟ 

قال الحكيم: أنتم تعلمون أن الله تعالى أخبر عن كذب اليهود» وتزوريهم لكتبهم» 
فهل تشكون في ذلك؟ 

قال أحد الحضور: وكيف نشك في ذلك» وقد قال تعالى عنهم: #أَمَتَطْمَعُونَ أَنْ 
يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَكَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنّْهُمْ يَسْمَعُونَ كلام الله نَم حَرهوتَهُ من بَحْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ 
يَعْلَمُونَ4 البترة: 100» وقال: من الَّذِينَ مَادُوا حرُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقَولُونَ سَوِعْنَا 
وَعَصَيَْاوَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَع وَرَاعَِا لّاِأَلْسَِِهِمْ وَطَعْنَا في الدّينِ وَلَوْ أَنُّمْ قَالُوا سَوِعْنَا 
وأنتنا وطق والاكا لكان دا بكم رالؤه وكين لعلف لذ كارع 4ك ززرار نإل 
يلاك (انسء: <4]» وقال: ظقَيَا نَقْضِهِمْ مِيَاقَهُمْ لََنَاهُمْ وَجَعَلَنَا قُلُويُمْ قَاية حو 
الكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًَ نا ذكُوُوا به وََا ترَالُ تّلح عَلَ ححا منْهُمْ إَِّا فيلا مِنْهُمْ 
فَاعْفُ عَنْهُْ وَاضْمّح إِنَّ لمكب الُحْمِينَ) للمائدة: *1] 

الأسانيد: 

قال أحد الحكماء: وأنتم تعلمون أن أكثر تلك الروايات التي أوردتموها إما أنها نقلت 
عن كعب الأحبار وغيره من اليهود, أو من تلاميذهم الذي تتملذوا على أيديهم.. وهم في 
ذلك بين أمرين: إما أن يكونوا قد نقلوها من كتبهم التي أخبر الله تعالى عن تحريفها 
وتزويرهاء وإما أن يكونوا قد اخترعوها من عند أنفسهم. 

قال آخر: وفي كلا الحالتين هم كذبة ومزورونء لأن الذي ينقل من كتاب في كذب 
وتزوير» ولايبين ذلك» مشارك في جريمة الكذب والتزوير. 


قال أحد الحشوية: ولكن من تلك الروايات التي أوردناها ما روي عن ابن عباس 


11 


ذلك الذي دعا رسول الله يك بأن يعلم تأويل القرآن.. فهل تعتبرون ابن عباس كاذبا 
ومدلسا. 

قال آخر: ألم تعلموا أن كل جهابذة التفسير والحديث رووا أحاديثه» وزينوا بها 
تفاسيرهم؛ فهل أنتم أكثر ورعا وحرصا على الدين منهم؟ 

قال آخر: ألم تطلعوا على تفسيره العظيم المسمى [تنوير المقياس من تفسير ابن 
عباس ]ء ذاك الذي جمعه أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروز آبادى الشافعي» صاحب 
القاموس المحيط؟ 

قال الحكيم: وكيف لا نطلع عليه» وعلى ما في غيره من الروايات» وهل يمكن لأحد 
أن يرد أمرا دون أن يبذل كل جهده في البحث عنه؟ 

قال آخر: لقد وجدنا من خلال اطلاعنا على الكتاب المذكور أن جميع ما روي عن 
ابن عباس فيه يدور على محمد بن مروان السدى الصغير. عن محمد بن السائب الكلبى» عن 
أبى صالح» عن ابن عباس.. وقد قال الذهبي في ترجمته للسدي: (محمد بن مروان السدي 
الكوفيء وهو السدي الصغير يروي عن هشام بن عروة والأعمشء تركوه. واتهمه بعضهم 
بالكذب؛. وهو صاحب الكلبي)(21 

قال آخر: وأما الكلبي» فهو محمد بن السائب الكلبيء أبو النضر الكوفي المفسرء وهو 
وضاع مشهور.. قال سفيان: قال لي الكلبي: كل ما حدثتك عن أبي صالح فهو كذب.. 
وقال أحمد بن زهير: قلت لأحمد بن حنبل: يحل النظر في تفسير الكلبى ؟ قال: لا.. وقال 
ابن حبان: مذهبه في الدين ووضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه. 


يروي عن أبي صالح عن ابن عباس التفسير» وأبو صالح لم ير ابن عباسء ولا سمع الكلبي 


087 / 5( ميزان الاعتدال‎ )١( 


1/ 





من أبي صالح إلا الحرف بعد الحرف. لا يحل ذكره في الكتب» فكيف الاحتجاج به)20.. 
ومثل ذلك قال ابن معين: (بالعراق كتاب ينبغي أن يدفن: تفسير الكلبي عن أبى صالح)(7) 

قال آخر(": وهكذا لو تتبعنا أكثر الطرق التي رويت عن ابن عباس في التفسير 
لوجدنا صدق ما روي عن الشافعي بشأنه» فقد قال: (لم يثبت عن ابن عباس ف التفسير إلا 
شبيه بوائة حديث) 

قال أحد الحشوية: نحن نعرف ذلك أيضا.. ولهذا نحن ننتقي أجود الطرق إليه 
وأكثرها وثاقة؟ 

قال الحكيم: فا هي أجودها عندكم؟ 

قال الحشوي”؟»: طريق ابن إسحاق صاحب السير عن محمد بن أبى محمد مولى آل 
زيد بن ثابت» عن عكرمة؛ أو سعيد بن جبير عن ابن عباسء؛ وهى طريق جيدة وإسنادها 
حسن وقد أخرج منها ابن جرير وابن أبى حاتم كثيرء وأخرج الطبرانى منها فى معجمه 
الكبير. 

قال الحكيم: ما دمتم تعتبرون هذه الطريق أفضل الطرق عندكم.. فأخبروني عن 
موقفكم من مالك بن أنس» وهل تقبلونه حكم| بيننا؟ 

قال الحشوي: طبعا؛ فالإمام مالك من كبار أئمة السلف. وقد أشاد به به كل علمائنا 
الربانيين ابتداء من ابن تيمية» والذي اعتبره من كبار مراجع السنة» والذين يرجع إليهم عند 
الخلاف؛ ومما قاله عنه: (لا ريب عند أحد أن مالكا أقوم الناس بمذهب أهل المدينة رواية 


ورأيا؛ فإنه لم يكن في عصره ولا بعده أقوم بذلك منه كان له من المكانة عند أهل الإسلام 


.5١/١ ميزان الاعتدال (” / /اهه  009) (*) التفسير والمفسرون. الذهبى:‎ )١١ 
.5١ /١ التفسير والمفسرون. الذهبي:‎ )5( )550 / ١( (؟) ميزان الاعتدال‎ 


16 


الخاص منهم والعام ما لا يخفى على من له بالعلم أدنى إلمام..و لهذا قال الشافعي: ما تحت 
أديم السماء كتاب أكثر صوابا بعد كتاب الله من موطأً مالك» وهو كما قال الشافعي) 217 

قال الحكيم: لقد ذكر ابن حبان موقف مالك منه» وسببه» فقال: (.. لم صنف مالك 
الموطأ قال ابن إسحاق: اثتوني به فأنا بيطاره» فنقل إلى مالك فقال: هذا دجال من 
الدجاجلة» يروي عن اليهود وكان بينهم ما يكون بين الناس حتى عزم محمد بن إسحاق 
على الخروج إلى العراق فتصا حا حينئذ فأعطاه مالك عند الوداع خمسين دينارا ونصف 
ثمرته تلك السنة» ولم يكن يقدح فيه مالك من أجل الحديث إنما كان ينكر عليه تتبعه 
غزوات النبي يه عن أولاد اليهود الذين أسلموا وحفظوا قصة خيبر وبني قريظة. 
والنضيرء ما أشبهها من الغزوات عن أسلافهم, وكان ابن إسحاق يتتبع هذا عنهم ليعلم 
من غير أن يحتج بهم وكان مالك لا يرى الرواية إلا عن متقن صدوق فاضل يحسن ما 
يروي ويدري ما يحدث)(2.. وهذا يدل على أن مالكا ‏ على حسب هذه الرواية ‏ من الذين 
يشككون ني تلك القصص التي رواها ابن إسحق عن اليهود ذلك أنه كان ينقل عنهم» من 
غير أن يكون لهم كما يذكر مالك الإتقان والصدق والفضل. 

قال الحشوي: وما أدرانا بصدق ما أورده ابن حبان عنه.. فقد يكون من المتوهمين 
المخطئين في حقه. 

قال الحكيم: لم يكن اتهامه قاصرا على ما ذكره ابن حبان من اتهام مالك له بالكذب 
والأخذ عن اليهود وإنم| ذكره غيره أيضاء فهم يتفقون جميعا على موقف مالك المتشدد من 
كل روايات ابن إسحق» فقد حدث ابن إدريس قال: (قلت لمالك بن أنس وذكر المغازي 


فقلت: قال ابن إسحاق: أنا بيطارهاء فقال: قال لك: أنا بيطارها؟ نحن نفيناه عن 


)١(‏ مجموع الفتاوى 2077١ /5١(‏ (؟) الثقات. /ا/ 1 م7 


54 





المدينة)(١2..‏ وقال أبو جعفر العقيلي: (حدثني أسلم بن سهل» حدثني محمد بن عمرو بن 
عون» حدثنا محمد بن يحيى بن سعيد القطان قال: قال أبي: سمعت مالكا يقول: يا أهل 
العراق من يغت ‏ أي يفسد ‏ عليكم بعد محمد بن إسحاق)(2).. وقال محمد بن الحسين 
القطان: (أنبأنا دعلج بن أحمد. قال: أنبآنا أحمد بن علي الأبار قال: نبأنا إبراهيم بن زياد 
سبلان قال: نبأنا حسين بن عروة قال: سمعت مالك بن أنس يقول: محمد بن إسحاق 
كذاب)200 

قال آخر: ولم يكن ذلك موقف مالك لوحده.؛ بل شاركه فيه غيره من كبار العلماء 
والمحدثين المتقدمين» ومنهم هشام بن عروة؛ فقد روى الرازي عن يحبى بن سعيد القطان 
قال: (قال هشام بن عروة: هو كان يدخل على امرأقي؟ ‏ يعني محمد بن إسحاق ‏ كالمنكر). 
وقال في رواية أخرى قال: (أهو كان يصل إليها؟ وقال الرازي: قال عمر بن حبيب: قلت 
لهشام بن عروة: حدثنا محمد بن إسحاق قال: ذاك كذاب)(؟) 

قال آخر: ومنهم يحبى القطان» فقد روى الغلاس عنه قال: (كنا عند وهب بن 
جرير» فانصرفنا من عنده فمررنا بيحيى القطان فقال: أين كنتم؟ فقلنا: كنا عند وهب بن 
جرير. يعني نقرأ عليه كتاب المغازي عن أبيهء عن ابن إسحاق ‏ فقال: (تنص رفون من عنده 
بكذب كثير)» وقال عنه: (ما تركت حديثه إلا لله» أشهد أنه كذاب)2».. وقال ‏ يذكر 
مصادره على كذبه: (قال لي وهيب بن خالد: إنه كذاب» قلت لوهيب: ما يدريك؟ قال: 
قال لي مالك: أشهد أنه كذاب» قلت لمالك: ما يدريك؟ قال: قال لي هشام بن عروة: أشهد 


أنه كذاب» قلت لهشام: ما يدريك؟ قال: حدث عن امرأتي فاطمة بنت المنذر» ودخلت علي 


73717 /١ تاريخ () تاريخ بغداد‎ 2591١ /1/ الجرح والتعديل 9/ 197 2197 سير أعلام النبلاء‎ )١( 
.777 /١ الجرح والتعديل // 2197 تاريخ بغداد‎ )5( .777/١ بغداد‎ 
.57 49/17 سير أعلام النبلاء /ا/ "01. (0) سير أعلام النبلاء‎ )١( 





وهي ابنة تسع سنين» وما رآها حتى لقيت الله)(30) 

قال آخر: وهكذا قال عنه كبار علماء الجرح والتعديل» والذين ذكروا مدى صلته 
باليهود» فقد قال ابن المديني: (ثقة» لم يضعه عندي إلا روايته عن أهل الكتاب) 

قال الحشوي: لكن هناك الكثير من لم يتهمه بالكذب.. فلم تقبلون من اتهمه 
بالكذبء. وترفضون غيرهم من الذين وثقوه. 

قال آخر: لقد بحثنا في غير هؤلاء الذين اتبموه بالكذب؛ فوجدناهم يتهمونه بأخي 
الكذبء وهو التدليس» وهو لا يقل عن الكذب. ولعل الإجماع قائم على ذلك. فقد قال 
الرازي: (قال الأثرم لأبي عبد الله: ما تقول في محمد بن إسحاق؟ قال: هو كثير التدليس 
جداء فكان أحسن حديثه عندي ما قال: أخبرني وسمعت2(0.. وقال أبو داود: (سمعت 
أحمد بن حنبل ذكره فقال: كان رجلا يشتهي الحديث فيأخذ كتب الناس فيضعها في 
كتبه)27.. وقال ابن حبان: (وإنما أتى لأنه كان يدلس على الضعفاء فوقع المناكير في روايته 
من قبل أولئك. فأما إذا بين السماع فيا يرويه فيم| يرويه فهو ثبت يحتج بروايته)(؟» 

قال آخر: ولهذا ذكره ابن حجر في الطبقة الرابعة من طبقات المدلسين» وهم (من 
اتفق على أنه لا يحتج بشيء من حديثهم إلا بها صرحوا فيه بالسماع؛ لكثرة تدليسهم على 
الضعفاء والمجاهيل)2*0.. وقال عنه الذهبي: (إنه أول من دون العلم بالمدينة قبل مالك 
وذويه» وكان في العلم بحراً عَجَّاجِاَء ولكنه ليس بالمجود | ينبغي)22: وذكر أنه أهل 


الجرح والتعديل اعتبروه صدوقا يدلسء وأنه (يروي الغرائبء ويِحدّث عن المجهولين 


5 
بأاحاديث باطلة) 
)١(‏ سير أعلام النبلاء 44/17 07. (؟) الثقات لابن حبان /1/ 7"/7. 
(؟) الجرح والتعديل 1/ 1954» عيون الأثر /١‏ 17. (6) طبقات المدلسين ص 74-377 
(*) عيون الأثر 217/1١‏ التهذيب 47/9 . (5) سير أعلام النبلاء للذهبي» /1/ 51. 


الا 





قال آخر: ويظهر ذلك بوضوح لمن طالع سيرته» حيث أنه يعتمد على مجهولين في 
أسانيده» فيقول مثلا: (حدثني بعض أهل العلم) أو (حدثني بعض أهل مكة) أو (حدثني 
من لا أهم)» وإذا ما شك في صحة الرواية عبر عن ذلك بقوله: (في| يذكرون) أو (فيا 
يزعمون).. كا أنه يجمع الروايات أحياناً مع بعضها دون تمييز لهاء ويقدم لما بذكر الأسانيد 
مجموعة» ويسوق ملخصها . 

قال الحشوي: لكنا نروي أحاديث ابن عباس من طرق أخرى.. ومنها مثلا طريق 
عبد الملك بن جريج.؛ عن ابن عباس. 

قال الحكيم(): وهي أيضا تحتاج إلى دقة في البحث. ليُعرف الصحيح منها والسقيم» 
فإن ابن جريج لم يقصد الصحة فيها جمع» وإنما روى ما ذْكِرٌ فى كل آية من الصحيح والسقيم» 
فلم يتميز فى روايته الصحيح من غيره. 

قال الحشوي: لا بأس.. ف| تقول في طريق الضحاك بن مزاحم الحلالى عن ابن 
عاض نقد و اقواتير فروامن الود 

قال الحكيم(2): لكن طريقه إلى ابن عباس منقطعة, لأنه روى عنه ولم يلقه. فإن انضم 
إلى ذلك رواية بشر بن عمارة» عن أبى روقء عن الضحَاك وهي ضعيفة لضعف بشر» وقد 
أخرج من هذه النسخة كثيراً ابن جرير وابن أبى حاتم.. وإن كان من رواية جويبر عن 
الضحاك فأشد ضعفاًء لأن جويبر شديد الضعف متروك, ول تحرج ابن جرير ولا ابن أبى 
حاتم من هذه الطريق شيئاًء إنم| خرّجها ابن مردويه» وأبو الشيخ بن حبان. 


قال الحشوي”": لا بأس.. ف| تقول في طريق مقاتل بن سليمان الأزدى الخراسانى» 


.5١ /١ التفسير والمفسرون. الذهبي:‎ )"( .5١ /١ التفسير والمفسرونء الذهبي:‎ )١( 
.5١ /١ التفسير والمفسرون. الذهبي:‎ )( 
073 


وهو المفسّر الذى يُنسب إلى الشافعى أنه قال فيه: (إن الناس عيال عليه فى التفسير).. وله 
هو الآخر تفسير جميل للقرآن الكريم» ونحن ننقل منه كثيرا. 

قال الحكيم: أجل.. وقد قال ابن المبارك عنه: (ما أحسن تفسير مقاتل لو كان ثقة) 17 

قال آخر: ولو رجعنا إلى الكتب المؤرخة للملل والنحل نجد من أقواله العجب 
العجاب. فقد قال الأشعري ‏ والذي يرجع إليه ابن تيمية وغيره كثيرا عند إيراد أقوال 
أصحاب الفرق المختلفة .: (حكي عن أصحاب مقاتل أن الله جسم, وأن له جثةٌ» وأنه على 
صورة الإنسان لحم ودم وشعر وعظم وجوارح وأعضاء من يد ورجل ورأس وعينين 
مصمتء وهو مع ذلك لا يشبه غيره ولا يشبهه غيره)(7”) 

قال آخر: وقال ابن حبان عنه: (كان يأخذ عن اليهود والنصارى علم القرآن الذي 
يوافق كتبهم» وكان مشبهاً يشبه الرب بالمخلوقين وكان يكذب مع ذلك في الحديث)7) 

قال آخر: وقال الذهبي: (ظهر بخراسان الجهم بن صفوان ودعا إلى تعطيل صفات 
الله عز وجل.. وظهر في خراسان في قبالته مقاتل بن سليمان المفسر وبالغ في إثبات الصفات 
حتى جسم وقام على هؤلاء علماء التابعين وأئمة السلف وحذروا من بدعهم)7؟) 

قال الحشوي: لا بأس.. فا تقول فيا رواه تلميذه النجيب عكرمة عنه.. وما ترى في 
رواياته في تفسير القرآن الكريم» فهي من مصادرنا المعتبرة؟ 

قال الحكيم: ما أعرفه عنه هو ما روي عن ابن عمر أنه قال لنافع: (لا تكذب علي 
كما كذب عكرمة على ابن عباس).. وذكر عن جرير بن عبد الحميد عن يزيد بن أبي زياد. 


قال: دخلت على على بن عبد الله بن عباس وعكرمة مقيد» فقلت: ما لهذا؟ قال: إنه يكذب 


.157/1 ميزان الاعتدال للذهبى 5/ 19/7 (") الضعفاء لابن الجوزي‎ )١( 


.1١59/١ مقالات الإسلاميين 197و709. (:) طبقات الحفاظ‎ )١( 


ف 


على أبي(2. 

قال آخر: وليس ذلك فقطء بل كان كما يذكر الكثير من المؤرخين ‏ يرى رأي 
المتشددين من الخوراج» والذين يحكم عليهم أصحابكم بأنهم كلاب أهل النار ‏ فقد قال 
ابن حجر في (مقدمة فتح الباري): (وفد عكرمة على نجدة الحروري فأقام عنده تسعة أشهر 
ثم رجع إلى ابن عباس فسلم عليه» فقال: قد جاء الخبيث قال: فكان يحدث برأي نجدة. 
وكان يعني نجدة أول من أحدث رأي الصفرية وقال الجوزجاني قلت لأحمد بن حنبل أكان 
عكرمة إباضيا فقال: يقال: إنه كان صفرياً وقال أبو طالب عن أحمد كان يرى رأي الخوارج 
الصفرية» وقال يحيى بن معين كان يتتحل مذهب الصفرية ولأجل هذا تركه مالك» وقال 
مصعب الزبيري كان يرى رأي الخوارج)7) 

قال الحشوي: لا بأس.. فا تقولون فيما رواه محمد بن السائب الكلبى عن أبى صالح 
عن ابن عباس؟.. والكلبى مشهور بالتفسير» وليس لأحد تفسير أطول منه. 

قال الحكيم””": إن وَجِدَ من قال: رضوه فى التفسير» فقد وجد مّن قال: أجمعوا على 
ترك حديثه» وليس بثقة» ولا يكتب حديثه» واتهمه جماعة بالوضع.. ومن يروي عن 
الكلبى» محمد بن مروان السدى الصغير» وقد قالوا فيه: إنه يضع الحديثء؛ وذاهب الحديث 
متروك. 

قال آخر: ولهذا قال السيوطى: (إن انضم إلى ذلك أى طريق الكلبى ‏ رواية محمد 
بن مروان السدى الصغير» فهى سلسلة الكذب).. وقال: (الكلبى: اتهموه بالكذب وقد 


. 475 وتبذيب التهذيب 778:1 وسير أعلام (1) مقدمة فتح الباري‎ 077١ :١ انظر: وفيات الأعيان‎ )١( 
.5١/1١ النبلاء للذهبي 4: 57. () التفسير والمفسرون. الذهبي:‎ 


37” 


الكلبى فقد روى غته تفسيرء مثله أو أشد ضعفاء .وهو محمد بق مروان السندئ الصغير)(0 

التفاسير: 

قال الحشوي: لكنا لا ننقى نحن الروايات:. بل ننقلها من كبار المفسرين الذين 
شهد لهم أئمتنا بالصدق والوثاقة. 

تفسير البغوي: 

قال آخر: ومنهم الإمام الحافظ محبي السنة» أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد 
المعروف بالفراء البغوي الفقيه الشافعي المحدث المفسرء صاحب التصانيف الجليلة كشرح 
السنة» ومعالم التنزيل» والمصابيح» وغيرها.. ونحن ننقل كثيرا من تفسيره المسمى ب [معالم 
التنزيل]» والذي سكل عنه شيخ الإسلام والمسلمين ابن تيمية» فقيل له: (أي التفاسير أقرب 
إلى الكتاب والسنة الزمخشريء أم القرطبيء أم البغوي, أم غير هؤلاء؟)» فقال: (أما 
التفاسير الثلاثة المسئول عنها فأسلمها من البدعة» والأحاديث الضعيفة البغوي, لكنه 
مختصر من تفسير الثعلبي» وحذف منه الأحاديث الموضوعة» والبدع التي فيه» وحذف 
أشياء غير ذلك)(1) 

قال الحكيم””: اطلعنا عليه ودرسنا رواياته وأسانيدها؛ فقد ذكر في مقدّمة تفسيره 
أسانيده إلى تفسير كل من عبد الله بن عباس» ومجاهد بن جبر» وعطاء بن أبي رباح» والحسن 
البصريء وقتادة» وأبي العالية» ورفيع بن مهران» ومحمد بن كعب القرظيء وزيد بن أسلم» 


ومحمد بن السائب الكلبي» والضحاك بن مزاحم الهلالي» ومقاتل بن حيان» ومقاتل بن 


:. زّء (5) 
سليمان» والسدي :7 
)١(‏ الدرالمنثور (ج 7 ص 477) بين الطبرسي والبغويء الدكتور مرتضى الايرواني مجلة نصوص معاصرة» ع4. 
(1) مجموع الفتاوى 2787/1170 (5) معالم التنزيل 7078/1١‏ 


(”) انظر مقالا بعنوان: التفسير الأثري في التراث الإسلامي دراسة مقارنة 





قال آخر: وقد رأينا أنه اقتصر في تخريج تفسير ابن عباس على ما رواه معاوية بن 
صالح عن علي بن أبي طلحة الوالي عن عبد الله بن عباس مع ما في هذا الطريق من الانقطاع 
لأنْ ابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس التفسير, وإنم| أخذه عن مجاهد أو سعيد بن جبير. 

قال آخر: وهكذا اعتمد في تفسيره على ما روي عن طريق عطية العوفي وعكرمة عن 
ابن عباس» دون ذكر بقية الطرق التي تزيد على ذلك بكثير.. وقال عند ذكره سند تفسير 
الكلبي: (وأما تفسير الكلبي» فقد قرأت بمّرو على الشيخ أبي عبدالله محمد بن الحسن 
المروزي في شهر رمضان سنة أربع وستين وأربعمائة» قال: ثنا أبو مسعود محمد بن أحمد بن 
محمد بن يونس الخطيب الكشمهينيء في محرّم سنة حمسين وأربعائة» قال: ثنا أبو إسحاق 
بن إبراهيم بن أحمد بن محمد بن معروف الهرمروزيء ثنا محمد بن علي الأنصاري المفسّرء 
ثنا علي إسحاق وصالح بن محمد السمرقندي قالا: ثنا محمد بن مروان عن محمد بن السائب 
الكلبي عن أبي نضر عن أبي صالح. ثنا ذاذان مولى أم هانئ بنت أبي طالب» عن أبن 
عباس)(2.. وهذا طريق آخر لتفسير ابن عباس وليس طريقاً لتفسير الكلبي خاصّة. 

قال آخر: وهكذا نراه لا يلتزم ذكر السند كاملاً عندما ينقل عمّن لم يذكرهم في صدر 
كتابه» فهو كثيراً ما ينقل عن بعض الصحابة آراء تفسيرية دون ذكر سنده إليهم؛ لا في مقدّمة 
الكتباب» ولاعسد:ذكر الرأي: 

قال آخر: لكن مع ذلك كله صار محترما ومقبولا بسبب كثرة الإسرائيليات التي 
ذكرها في تفسيره» فمنها ‏ مثلا ‏ في موضوع دخول إبليس الجئة وإغواء آدم وحواء على حدٌ 
زعمه ‏ ذكر: دخول إبليس الجنّة بواسطة الحيّة.. صفة الحيّة.. محاورته آدم وحواء وبكاءه 


لخداعهم|.. أكلهم| من الشجرة والأقوال في كيفية أكل آدم.. هبوط آدم من الحئة.. تعليم الله 


79/١ معالم التنزيل‎ )١( 
ك7‎ 





آدم صنعة الحديد والزراعة.. جزاء حواء على إغوائها آدم بالأكل.. بدوٌ السوءات(2©. 

قال آخر: بالإضافة إلى الفضول والتكلف الذي ملا به تفسيره» فقد ذكر في تفسير 
قوله تعالى: وَسعَ كُرْيِيةُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَنُودْهُ حِفْظُها وَهُرَ الْعِنّ الْعَظِيم4 
[البقرة: 100] الروايات المكذوبة في عدد حَمَلةَ الكربيى؛ وعدد وجوه كل ملكء. ومكان 
أقدامهم» وصورة كل ملكء وما يسأله كل ملك من الله تعالى» والمسافة بين حمل العرش 
وحمّلة الكرسي.. وهكذا فعل في قصّة طالوت وجالوت وغيرها(). 

تفسير الثعلبي: 

قال أحد الحشوية: | تقولون في تفسير أبي إسحاق النيسابوري الثعلبي صاحب 
(تفسير الثعلبي) والذي هو في الحقيقة (الكشف والبيان في تفسير القرآن)» والذي قال عنه 
الصفدي: (كان أوحد زمانه في علم القرآن)0©. 

قال آخر: وقال عنه ياقوت: (المقرئ» المفسرء الواعظء الأديب. الثقة» الحافظء 
صاحب التصانيف الجليلة» من التفسير الحاوي أنواع الفرائد» من المعاني والإشارات» 
ولكمال أرباب الحقائق» ووجوه الإعراب والقراءات» ثم كتاب العرائس والقصصء وغير 
ذلك مما لا يحتاج إلى ذكره لشهرته» وهو صحيح النقل موثوق به)؟) 

قال آخر: وقال عنه ابن كثير: (المفسر المشهورء له التفسير الكبير» وله كتاب العرائس 
في قصص الأنبياء (عليهم السلام) وغير ذلك» وكان كثير الحديث واسع السماع» ولهذا 
يوجد في كتبه من الغرائب شيء كثير» وذكره عبد الغفار بن إسماعيل الفارسي في تاريخ 
نيشابور وأثنى عليه وقال: هو صحيح النقل موثوق به)0©» 

(1) معام التنزيل /١‏ 54. (4) معجم الأدباء (0: 763 0) 
(1) معالم التنزيل .7780775/١‏ (5) البداية والنهاية (17/ 58) 


(؟) الوافي بالوفيات (/1: 01" ترجمة 09799 


0غ 





قال آخر: وروى عنه السبكي ما يدل على صلاحه وتقواه» فمن أشعاره قوله (©: 
وإني لأدعو الله والأمر ضيق علي فما ينفك أن يتفرجا 
ورب فتى سدت عليه وجوهه أصاب له في دعوة الله مخرجا 
قال آخر: وفوق ذلك؛ فقد أثنى عليه شيخ الإسلام ابن تيمية كثيراء واعتبره من 
العلماء بالسنة» واعتبر تفسيره من تفاسيرهم المعتمدة. 
قال أحد الحكاء: أجل» هو قال ذلك عنه. لأن الأهم عنده هو تلك العقائد المرتبطة 
بالتجسيم والتشبيه وتخطئة الأنبياء عليهم السلام» لا صفاء القرآن الكريم وبعده عن كل 
شبهة وتدليس وتحريف. 
قال آخر: ولذلك هو نفسه من قال عنه: (ثم علماء الحديث متفقون على أن الثعلبي 
وأمثاله يروون الصحيح والضعيف. ومتفقون على أن مجرد روايته لا توجب اتباع ذلك» 
ولهذا يقولون في الثعلبي وأمثاله: إنه حاطب ليل يروي ما وجدء وسواء كان صحيحاً أو 
سقياًء فتفسيره وإن كان غالب الأحاديث التي فيه صحيحة ففيه ما هو كذب موضوع. 
باتفاق أهل العلم)() 
قال آخر: وقال عنه: (أما ما نقله من تفسير الثعلبي» فقد أجمع أهل العلم بالحديث 
أن الثعلبي يروي طائفة من الأحاديث الموضوعة. كالحديث الذي يرويه في أول سورة عن 
أبي أمامة في فضل تلك السورة» وكأمثال ذلكء. وهذا يقولون: هو كحاطب ليل» وهكذا 
الواحدي تلميذه؛ وأمثالهم| من المفسرين» ينقلون الصحيح والضعيف)07© 


قال آخر: وقال في وصف الثعلبي نفسه: (والثعلبي هو في نفسه كان فيه خير ودين» 


015/9 طبقات الشافعية الكبرى (4: /909-0/ ترجة 75317) () منهاج السئة‎ )١( 
69-0 /97( منهاج السنة‎ )1( 


7272 


وكان حاطب ليل ينقل ما وجد في كتب التفسير من صحيح وضعيف وموضوع. 
والواحدي صاحبه كان أبصر منه بالعربية» لكن هو أبعد عن السلامة» واتباع السلف. 
والبغوي تفسيره مختصر من الثعلبي» لكنه صان تفسيره عن الأحاديث الموضوعة. والآراء 
المبتدعة)(1) 

قال آخر: بل إنه شهد هذه الشهادة في كل التفاسير التي زعم أنها تفاسير تمثل السنة» 
فقد قال: (الثعلبي» والواحدي» وأمثاله|.. وهؤلاء من عادتهم يروون ما رواه غيرهم, 
وكثير من ذلك لا يعرفون هل هو صحيح أم ضعيف. ويروون من الأحاديث الإسرائيليات 
ما يعلم غيرهم أنه باطل في نفس الأمر لأن وظيفتهم النقل لما نقل» أو حكاية أقوال الناس» 
وإن كان كثير من هذا وهذا باطلآ» وربها تكلموا على صحة بعض المنقولات وضعفهاء لكن 
لا يطردون هذاء ولا يلتزمون)2(7) 

قال آخر: وبذلك؛ فإن المهم عند ابن تيمية ليس تنقية السنة من كل الأحاديث التي 
تشوههاء وإن) في تلك العقائد المرتبطة بالتجسيم والتشبيه وتشويه الدين» والتي جعلها 
معيارا من خلاله يحكم بكون المسلم سنيا أو مبتدعا . 

تفسير الطبري: 

قال أحد الحشوية: ف| تقولون في تفسير جامع البيان للطبري» ذاك الذي شهد له 
الخطيب البغدادي بأنه (جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره. وكان حافظا 
لكتاب الله عارفا بالقراءات بصيرا بالمعاني» فقيها في أحكام القرآن, عالما بالسنن وطرقها 
صحيحها وسقيمها وناسخها ومنسوخهاء عارفا بأقوال الصحابة والتابعين» ومن بعدهم 
من الخالفين في الأحكام؛ ومسائل الحلال والحرام» عارفا بأيام الناس وأخبارهم, وله 


)1١17ا/‎ /9( منهاج السنة‎ )١( 20704 /١( مجموع الفتاوى‎ )١( 


27” 





الكتاب المشهور في [تارخ الأمم والملوك]» وكتاب في التفسير لم يصنف أحد مثله» وكتاب 
سماه [تهذيب الآثار] لم أر سواه في معناه إلا أنه لم يتمه» وله في أصول الفقه وفروعه كتب 
كثيرة» واختيار من أقاويل الفقهاء.. وتفرد بمسائل حفظت عنه.. وسمعت علي بن عبيد 
الله بن عبد الغفار اللغوي المعروف بالسمساني يحكي: أن محمد بن جرير مكث أربعين سنة 
يكتب في كل يوم منها أربعين ورقة)(1) 

قال آخر: وقال عنه أبو حامد الإسفراييني: (لو سافر رجلٌ إلى الصين حتى يحصل 
على كتاب تفسير محمد بن جرير لم يكن ذلك كثيرًا)”") 

قال آخر: وذكر صاحب (لسان الميزان) أن ابن خزيمة استعار تفسير ابن جرير ممن 
كتبه عن الطبري فردّه بعد سنين ثم قال: (نظرتث فيه من أوله إلى آخره؛ فم| أعلم على أديم 
الأرض أعلم من ابن جرير)2» 

قال آخر: وقال فيه شيخ الإسلام ابن تيمية: (أما التفاسير التي في أيدي الناس 
فأصحها تفسير محمد بن جرير الطبري؛ فإنه يذكر مقالات السلف بالأسانيد الثابتة» وليس 
فيه بدعة» ولا ينقل عن الْتّهِِين)(؟) 

قال أحد الحكماء: وهو مع كل ما ذكرتم كان كسائر الحشوية حاطب ليل» مهمه 
الجمع أكثر من التحقيق.. وقد حكى الخطيب عنه أنه قال لأصحابه: أتنشطون لتفسير 
القرآن» قالوا: كم يكون قدره؟ فقال ثلاثون ألف ورقة» فقالوا: هذا مما تفنى الأعمار قبل 
تمامه. فاختصره في نحو ثلاثة آلاف ورقة» ثم قال: هل تنشطون لتاريخ العالم من آدم إلى 


وقتنا هذا؟ قالوا: كم يكون قدره؟ فذكر نحوا مما ذكره في التفسير فأجابوه بمثل ذلك.. 


)١(‏ تاريخ بغدادت بشار (05//7) (") لسان الميزان» ت: أبو غدة (/1/ 0؟) 


(؟) سير أعلام النبلاء (5 0371/7/١‏ (5) مقدمة في أصول التفسير (ص )5١‏ 


فقال: إنا لله» ماتت الهمم (©. 

قال آخر: ولذلك كان يهتم بجمع أكبر عدد من الروايات حتى لو كان هو نفسه 
يعلم كذبهاء وكمثال على ذلك أنه كان يعلم عدم أهلية سيف بن عمر( للرواية» لكنه مع 
ذلك روى له.. لأنه لو أزال من كتابه تلك الروايات فسينقص عدد صفحات كتابه. 
وسينقص معها تقدير المحدثين له. 

التساهل والتميبع: 

بعد أن ذكر الحكاء الأدلة الكثيرة على الكذب والتزوير الذي وقع فيه الحشوية نتيجة 
اهتامهم بالرواية أكثر من الدراية» وبالجمع أكثر من التحقيق» والذي اكتفيت ببعضه هناء 
قام أحد الحضورء وقال: وعينا هذا.. ف| الجريمة الثانية؟ 

قال أحد الحكماء: الجريمة الثانية هي التساهل في الروايات المرتبطة بتفسير القرآن 
الكريم» مع أن الاحتياط فيها أوجب.. لكنهم لم يبالوا بذلك» بل راحوا يتشددون في 
الأحاديث التي تصف الجزئيات البسيطة في الوضوء والغسلء مع كون الأمر فيها بسيطاء 
ويتساهلون في نفس الوقت في تلك الروايات التي تشوه الدين بكل أجزائه. 

قال آخر: وقد شهد كبار العلماء على أنفسهم بذلكء ومن الأمثلة على ذلك ما روي 
أن الإمام أحمد بن حنبل سئل عن موسى بن عبيدة الربَديء وعن محمد بن إسحاق. فقال: 
(أما محمد بن إسحاق فهو رجل تكتب عنه هذه الأحاديث ‏ كأنه يعني المغازي ونحوها ‏ 


وأما موسى بن عبيدة فلم يكن به بأسء ولكنه حدث بأحاديث مناكير عن عبد الله بن دينار» 


(1) تاريخ بغداد وذيوله (؟/ 171) النسائي صاحب السئن (المتوفى ٠٠‏ ه)»ء والمعاصر للطبري: (ضعيف متروك 

(1) هو سيف بن عمر الأسديّ التميمي وهو مؤرخ كوفي كتب ما كتبه زمن الحديث. ليس بثقة» ولا مأمون)(الضعفاء والمتروكين: 141) لكنّ الطبري استند 
هارون الرشيد وقد تجاهله أغلب المؤرخين المبكرين؛ كالبلاذري وعمر بن شبة» إليه استناداً واسعاً فيه| تعلق بتاريخ الخلافة المبكرة من أبي بكر إلى علي . وعبر نقول 
بالإضافة إلى أن أصحاب الجرح والتعديل ضعفوه واتهموه بالكذبء فقد قال فيه الطبري عنه أثرت رواية سيف هذا تأثيراً بالغاً في الكتابة التاريخية. 


لله 





عن ابن عمرء عن النبي يي فأما إذا جاء الحلال والحرام أردنا قوما هكذا)» وقبض الراوي 
على أصابع يديه الأربع من كل يدء ول يضم الإمهام(2©.. أي أنهم يتشددون في الروايات 
المرتبطة بالأحكام» ويتساهلون في غيرهاء ولذلك ذكر أنه يمكن الرواية عن ابن إسحق» 
لكن في| يتعلق بالسيرة فقطء أما ما عداهاء فلا تقبل روايته. 

قال آخر: وهكذا قال الحاكم في الأحاديث التي أراد استدراكها على الصحيحين» 
فقد قال: (وأنا بمشيئة الله أجري الأخبار التي سقطت على الشيخين في كتاب الدعوات 
على مذهب أب سعيد عبد ال رحمن بن مهدي في قبولماء فإنٍ سمعت أبا زكريا يحيى بن محمد 
العنبري» يقول: سمعت أبا الحسن محمد بن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي» يقول: كان أبي 
يحكيء عن عبد الرحمن بن مهديء يقول: إذا رويناء عن النبي 32 في الحلال والحرام 
والأحكام: شددنا في الأسانيد» وانتقدنا الرجالء وإذا روينا في فضائل الأعمال» والثواب 
والعقاب, والمباحات والدعوات: تساهلنا في الأسانيد)27) 

قال آخر: وهكذا اتفق جميع المحدثين على التساهل في الرواية فيها عدا الحلال 
والحرام» ولهذا نرى كتب التفسير والتاريخ والسيرة مملوءة بالأحاديث التي لا سند لهاء بل 
الأحاديث الموضوعة. باعتبارهم لا يلقون كبير بال لها. 

قال آخر: وقد عقد الخطيب البغدادي في كتابه [الكفاية في علم الرواية] الذي يعتبر 
مصدرا من مصادر علم الحديث الأولىء بابا بعنوان [باب التشدد في أحاديث الأحكام, 
والتجوز في فضائل الأعمال]» وقد قال في مقدمته: (قد ورد عن غير واحد من السلف أنه 


لا يجوز حمل الأحاديث المتعلقة بالتحليل والتحريم إلا عمن كان بريئا من التهمة» بعيدا من 


)577/1( تاريخ ابن معين برواية الدوريء ابن معين (7/ 50) (؟) رواه الحاكم في المستدرك‎ )١( 


لله 





الظنة» وأما أحاديث الترغيب والمواعظ ونحو ذلك فإنه يجوز كتبها عن سائر المشايخ)(2, 
وهم يعتبرون أن التفسير والسيرة والتاريخ ونحوها من أبواب المواعظ والقتصصء وهي 
بذلك أدنى درجة من أحاديث الترغيب والترهيب نفسها. 

قال آخر: وقد نقل البغدادي عن سفيان الثوري» وهو من يعتبرونه أمير المؤمنين في 
الحديث قوله: (لا تأخذوا هذا العلم في الحلال والحرام إلا من الرؤساء المشهورين بالعلم» 
الذين يعرفون الزيادة والنقصانء ولا بأس بها سوى ذلك من المشايخ)27) 

قال آخر: ونقل عن ابن عيينة قوله: (لا تسمعوا من بقية ما كان في سنة» واسمعوا 
منه ما كان في ثواب وغيره)09) 

قال آخر: وبناء على هذاء فإن كل من رووا أحداث التفسير والسيرة ابتداء من العصر 
الأول كانوا من المتساهلين في روايتهاء حيث غلب عليهم التدليس وغيره» حتى لو كانوا 
ثقاة في مسائل الحلال والحرام» وقد عبر عن ذلك ابن تيميّة في [مقدمة أصول التفسير] 
بقوله: (ومعلوم أن المنقول في التفسير أكثره كالمنقول في المغازي والملاحم؛ ولهذا قال الإمام 
أحمد: ثلاثةٌ أمور ليس ها إسناد: التفسيتء والملاحمٌ» والمغازي» ويروى: ليس له أصل» أي: 
إسنادٌ؛ لآن الغالبَ عليها المراسيل» مثل ما يذكره عروة بن الزبير» والشعبي» والزهري. 
وموسى بن عقبة» وابن إسحاقء ومَنْ بعدهم؛ كيحيى بن سعيد الأمويء والوليد بن 
مسلمء والواقدي ونحوهم في المغازي)؟) 

قال آخر: وهذا كله خلاف لما ورد في القرآن الكريم والسنة المطهرة من ضرورة 
التثبت في الأحاديث والأخبار» بغض النظر عن القضايا المطروحة فيها.. فالكذب كذب 


. 175 الكفاية في علم الرواية (ص 23177 (7) الكفاية في علم الرواية» ص‎ )١( 
07 57/11( (؟) الكفاية في علم الرواية» ص1754. (4) مجموع الفتاوى‎ 


3 


سواء كان في التفسير والسيرة» أو في الطهارة والصلاة. 
قال آخر: ولهذا استطاع المدلسون والحقدة أن يدخلوا من هذه الأبواب لتشويه 


الدين» بل وتحريفه» وتحويل القرآن الكريم من كتاب للعلم والحكمة إلى مصدر للدجل 


والخرافة . 
الفضول والتكلف: 


بعد أن ذكر الحكماء الأدلة على التمييع والتساهل الذي وقع فيه الحشوية» قام أحد 
الحضورء وقال: وعينا هذا.. فا الجريمة الثالغة؟ 

قال أحد الحكاء: الجريمة الثالثة هي الفضول والتكلف والبحث فيا لايجدي وهو 
ما نهى عنه القرآن الكريم» والذي دعانا إلى الاعتبار بالقتصص لا بالبحث في تفاصيل 
أجذاتها: وفك قال قحال عند حرفي لقضة أصيماي الكيقك: شر رن كلذ نَّهَ رَابِعَهُمْ 
كَلْبهُمْ وَيََولُونَ حْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبّهُمْ رَجْما ِالْعَيْبٍ وَيَقَولُونَ سَبْعَة وَثَامِئهُمْ َلبْهُمْ فل رَيٍّ 
أعلم يعد تايتلتق إلا كزيل أل كر زيمن لاوراة طون كتفت فهة ينف أعذا4 
[الكهف: 7؟] 

قال آخر: وقد علق بعض العلماء على الآية الكريمة بقوله: (ومرٌ التاريخ» وبداً 
الناس يتناقشون في أمور لا فائدة فيها ولا غنى» بين| كان من المفترض أن يكون نقاشهم في 
دراسة تجربتهم» وموقفهم» وطبيعة الدرس الذي يمكن استفادته للمستقبل.. وهذا هو ما 
يفعله التخلّف في حياة الناس» عند ما يتجمدون في مسألة المعرفة على الأمور التافهة التي 
لامثل شيئا في مصلحة الإنسان في ما يتصل بحياته العملية» فيغر قون في الأمور التجريدية» 
أو في الخلافات اللفظية» أو في القضايا الشكلية» أو في الأعداد التي لا تعني شيئاء أو في 


الأسماء أو الأنساب التي لا توحي بثيء» وغير ذلك مما لا ينفع من علمه ولا يضرٌ من 


1: 


جهله.. وهذا ما يحدثنا القرآن عنهء كمظهر من مظاهر التخلّف التي ينبغي للإنسان أن 
يتعهاء لاز ل أكلانا رركق كلقع ووطرزرة كلقا لاو كلو وم رن 
الكثير تما قد يعلمون منه القليل» ويجهلون منه الكثير» ويريد الله لرسوله. وللمسلمين من 
خلاله» أن يختصروا المسألة بكلمة حاسمة تنهي الخلاف: #قل رَيُّ أَعْلَّمُ بعِدَمِمْ4 فلنترك 
الأمر لله» في ما يعلمه من خفايا الأشياء التي لا نملك أساسالمعرفتهاء ولا نجد أيّة فائدة في 
البحث عنها «إما يَعْلَمُهُمْ إِلّا فَِلٌ4 ممن استطاعوا التعرّف على مصادر التاريخ الموثوقة 
من وحي أو غير ذلك)2(7© 

قال آخر: وقد أشار إلى هذا بعض العلماء فقال: (وقد فتن كثير من المتأخرين مبذا ‏ 
أي بكثرة الكلام ‏ فظنوا أن من كثر كلامه وجداله وخصامه في مسائل الدين» فهو أعلم 
من ليس كذلكء وهذا جهل محض ! وانظر إلى أكابر الصحابة وعلمائهم» كيف كان كلامهم 
أقل من كلام التابعين» والصحابة أعلم منهم» وكذلك تابعو التابعين كلامهم أكثر من كلام 
التابعين» والتابعون أعلم منهم.. فليس العلم بكثرة الرواية» ولا بكثرة المقال» ولكنه نور 
يقذف في القلبء يفهم به العبد الحق» ويميز به بينه وبين الباطل» ويعبر عن ذلك بعبارات 
وجيزة محصلة للمقاصد. وقد كان النبي ## أوتيٍ جوامع الكلم» واختصر له الكلام 
اختصاراء ولهذا ورد النهي عن كثرة الكلام» والتوسع في القيل والقال.. وقد ابتلينا بجهلة 
من الناس يعتقدون في بعض من توسع في القول من المتأخرين أنه أعلم تمن تقدم)”") 

قال آخر: وأشار آخر إلى هذه الظاهرة في العقل الحشويء, فقال منكرا لها: (وأكثر 
طالبي الحديث في هذا الزمان يغلب على إرادتهم كتب الغريب دون المشهورء وساع المنكر 
دون المعروفء والاشتغال با وقع فيه السهو والخطأ من روايات المجروحين والضعفاء. 


)١(‏ تفسير من وحي القران )598/١5(‏ (؟) فضل علم السلف على الخلف. ص 5 "و78و57. 





حتى لقد صار الصحيح عند أكثرهم مجتنباء والثابت مصدوفا عنه مطرحاء وذلك كله لعدم 
معرفتهم بأحوال الرواة ومحلهم؛ ونقصان علمهم بالتمييزء وزهدهم في تعلمه» وهذا 
خلاف ما كان عليه الأئمة من المحدثين والأعلام من أسلافنا الماضين) 217 

قال آخر: ثم روى عن أحمد قوله: (شر الحديث الغرائب التي لا يعمل بها ولا يعتمد 
عليها)» وقوله: (تركوا الحديث وأقبلوا على الغرائب.ما أقل الفقه فيهم)(2) 

قال آخر: وما ذكره أحمد صحيح ودقيق» ولكن العقل الحشوي لا يقبل من أحمد إلا 
ما يوافق مزاجه.. لآن كل عقل ممتلئ بالحشو لابد أن يكون عقلا مزاجياء ذلك أنه لا ينطلق 
للوصول إلى الحقيقة من البحث العلمي الجاد» وإنما ينطلق من إرضاء غريزته وفضوله. 

قال أحد الحضور: لكن مع ما ذكرتموه؛ فإن تلك التفاسير تلبي الكثيرمن الحاجات 
الفطرية؛ فكل البشر يحبون التفاصيل» ولا نستطيع أن نمنعهم منها. 

قال آخر: وقد أشار إلى ذلك ابن خلدون في الاعتذار لؤلاء» فقد قال: (وصار 
التفسير على صنفين: تفسير نقلي مسند إلى الآثار من النصارىء وأهل التوراة الذين بين 
العرب يومئذ بادية مثلهم ولا يعرفون من ذلك إلا ما تعرفه العامة من أهل الكتاب 
ومعظمهم من حمير الذين أخذوا بدين اليهودية» فل| أسلموا بقوا على ما كان عندهم ما لا 
تعلق له بالأحكام الشرعية التي يحتاطون لها مثل أخبار بدء الخليقة وما يرجع إلى الحدثان 
والملاحم وأمثال ذلك.. وهؤلاء مثل كعب الأحبار ووهب بن منبه وعبد الله بن سلام 
وأمثالهم؛ فامتلآت التفاسير من المنقولات عندهم في أمثال هذه الأغراض أخبار موقوفة 
عليهم» وليست مما يرجع إلى الأحكام فيتحرى في الصحة التي يجب بها العمل» وتساهل 
المفسرون في مثل ذلك وملئوا كتب التفسير بهذه المنقولات.. وأصلها ى) قلناه عن أهل 


(1) الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (ص )١4١‏ (1) الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (ص )١4١‏ 


الله 





التوراة الذين يسكنون البادية» ولا تحقيق عندهم بمعرفة ما ينقلونه من ذلك إلا أنهم بعد 
صيتهم وعظمت أقدارهم.ء لما كانوا عليه من المقامات في الدين والملة» فتلقيت بالقبول من 
و ل)0) 

قال الحكيم: لكن ذلك يشبه ما ورد في قوله تعالى: لوَمِنَ النَّآسِ مَنْ يَسْترِي َو 
الحدِيثِ لِيْضِلٌ عَنْ سيل اللهبكَير ْم وَيَتَحِدَهَا هُُوا لِك كُمْ عَذَابٌ مهِينٌ4 العان: :1 
ثم قوله بعدها: #وَإدًَا تثْل عَلَيْهِ آيَاثنَا وَلّْ مُستكْيرا كَأَنْ 1ِيَسْمَعْهَا كن في أَدْيْهِ وَهْوًا َه 
بِعَدَّابٍ أَلِيم4 التان:7].. فقد روي في سبب نزوها أنها نزلت في النضر بن الحارث» وذلك 
أنه كان يخرج تاجرا إلى فارس» فيشتري أخبار الأعاجم, فيرويها ويحدّث بها قريشا ويقول 
لهم: إن محمدا يحدثكم بحديث عاد وثمود, وأنا أحدثكم بحديث رستم وإسفنديار وأخبار 
الأكاسرة فيستمعون حديثه ويتركون استاع القرآن(».. وهو نفس ما يستعمله هؤلاء حين 
يشغلون قراء القرآن الكريم بتلك الأساطير المملوءة بالخرافات والتناقضات عن التدبر 
والاعتبار. 

قال أحد الحضور: إن ما ذكرته من الاستدلال بالآية الكريمة جميل.. ونحن نريد 
منكم أن تفسروا لنا تلك الآيات الكريمة التي فسرها لنا هؤلاء المشايخ بحسب الرؤية التي 
تذكرها:: لنقارن بعد ذلك بين ما ذكروه وما ذكرقوه. 

قال أحد الحكاء: لا بأس.. ولنبدأ بول ما سألتموهم عنه» وهو سفينة نوح عليه 
السلام.. فبدل البحث في طوا وعرضهاء والحيوانات التي ركبت فيهاء والخرافات 
المرتبطة بذلك.. يمكن فهم الآيات الكريمة با يعمق الإيمان» وبا يعلمنا كيف نسير في 
حياتنا على منهج الأنبياء عليهم السلام. 


. 1١937 (؟) النيسابوريء أسباب النزول» ص‎ )05 /١1( تاريخ ابن خلدون‎ )١( 


ا 





قال آخر: ومن الأمثلة على التأويلات النافعة التي يمكن أن تؤول بها تلك الآيات 
الكريمة المرتبطة بنوح عليه السلام وسفينته» ما عبر عنه بعضهم بقوله: (انتهت مهمة نوح 
في الدعوة» فقد استنفذ كل التجارب والأساليبء فلم يؤمن له إلا نفر من قومه. أما الباقون 
فقد ازدادوا تمردا وطغياناء فلم ينفع ترغيب معهم أو ترهيب» بحيث لم يبق أمل في هدايتهم 
وإيمامهم» وجاء دور العذابء. ولكن الله أراد أن يعلن ذلك لنوح بأسلوب ينعش روحيته 
ولا يشعر معه بالهزيمة» أو بالتقصيرء لقيامه بمهمته كنبيٌ خير قيام» وصبره علي ما لا يملك 
عليه أحد صبرا خلال مسيرة دعوته التي امندت طويلاء امتداد عمره» دون تأفف أو ضجرء 
ولم يسقط أمام كل تحديات الكفار لوَأُوحِيّ ِل نُوح أَنَهُ كن يُؤِْنَ من قَوْمِكَ إلا مَنْ قد 
آمَنَ فا تَبْئِسُ با كَانُوا يَفعَلُونَ4 [هود: +1 من كفر وعصيان. لأنّك قد أقمت عليهم الحجة 
بمختلف الوسائل» ويسّرت لهم كل سبل الهداية فامتنعوا عن السير فيهاء وبذلك فإنهم 
يتحملون مسئولية أفعالهم كلها)(1» 

قال آخر("©: وبعدها جاءه الأمر الإلمهي بصنع السفية.. #وَاصْئَع الْقُلْكَ» أى 
السفينة مبأَعْيِناك أى برعايتناء باعتبار أن عمله كان بنظر الله بحيث لا يستطيع أن يمنعه 
أحد من ذلك لوو حينا» في ما أمره الله» وني ما علّمه من طريقة الصنع. ومهّد له من تبيان 
وسائله. طإوَّلا تَحَاطِبنِي في الَذِينَ ظَلَمُوا4 بالعفو عنهمء انطلاقا من طهارة مشاعرك وطيبة 
قلبك» فقد صدر الحكم عليهم من الله» وانتهى أمرهم بذلكء لأنهم لا يستحقون الرحمة 
من الله بعد أن رفضوا رحمته في رسالته وفي شريعته» فحق عليهم العذاب, لإِنَُّم مُخْرَقُونَ* 
بطريقة عجيبة معجزة لا يتصورها أحد منهم» ولا تخطر لهم على بال. 


)514/15( تفسير من وحي القران‎ )١( )57”/١15( تفسير من وحي القران‎ )١( 


لم4 





قال آخر(": ثم ذكر الله تعالى سخريتهم منه» وهو يصنع السفينة» فقال: #وَيَصنَع 
الْفُلْكَ4» أي ويستمر في صناعته بجدّ واجتهاد في الليل والنهار.. لكن عمله ذاك كان محل 
استغرابء لأن المنطقة التي يعيش فيها كانت فلاة لا وجود للاء فيهاء أو في المواقع القريبة 
منهاء بء| يوحي أن عمله ذاك كان حالة من العبث, أو مظهرا لغياب العقلء لذا كان موضع 
سخرية قومه.. لوَكُلّ مرِّعَلَيِْ َم قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنُّْ4 بها يحملونه من عقد خبيثة ضدّه 
تجعلهم يعملون على إذلاله» وبا يحمله حكمهم على الأشياء من سطحية وتسرع لا ينفذ إلى 
أعماق الأمورء فلو فكروا بطريقة موضوعيّة» لنظروا إلى تاريخ حياته الذي يكشف لهم عن 
قوّة فكره» وسلامة نظره» ولسألوه عن سرٌ عمله الغامض في الظاهر»ء باعتباره صادرا عن 
شخص يملك العقل الكامل» والذهنية المتوازنة ليتمكنوا بعد استجماع كل عناصر 
الموضوع الحكم. ولكنهم ينطلقون من موقع الرغبة في تحطيمه. لا من موقع الرغبة في الفهم 
الصحيح للآمور. 

قال آخر(": لكن الله أراد لنوح عليه السلام أن يرد الأسلوب بمثله, لأن الفكر إن| 
يكون لمن يحترمون الفكر» والحوار ينشأ مع من يريدون الحوار» أما من يريدون التحطيم 
والتدمير» عن قصد وتصميم شرّير فلا بد من مواجهتهم بأسلوبهم, لأن ذلك ما تقتضيه 
الحكمة في مواجهة الموقف با يتطابق مع مقتضى الحال» وهكذا أراد الله له أن يقولء في ما 
ألهمه من وحي الحكمة: لقال إِنْ تَسْحَرُوا من قَإِنَانَسْخَرُ مِنَكُمْ | تَسْخَرُونَ4)» فذلك هو 
ردّ الفعل على ا موقف. ولكنه يختلف في دوافعه عم| انطلقتم فيه» فإذا كانت سخريتكم ناشئة 
عن عقدة» أو عن جهل لطبيعة العمل الذي أقوم به» فإنا نسخر منكم من موقع اطلاعنا 
على النهاية السيئة التي ستتتهون إليهاء لقَسَوْفَ تَْلَمُونَ مَنْ يَأنِيهِ عَذَابٌُ مخزِيه َيِل لبه 


)515/15( تفسير من وحي القران‎ )"( )515/١5( تفسير من وحي القران‎ )١1( 


4 





عَذَابٌ مُقِيعٌ# من دون أن تشعرواء أو تفكرواء أو تواجهوا ذلك بجدية ومسئوليّة. 

قال آخر: وهكذا اكتفى القرآن الكريم بذكر ما ينفعنا ويفيدناء ويعلمنا كيف نسلم 
للحق» ونستسلم له. حتى لا ينزل بنا العذاب الذي نزل بالمعاندين؛ ف (هذه القصة واضحة 
الدلالة كغيرها من القصص القرآني على أن نزول العذاب ‏ عذاب الاستئصال والهلاك ‏ 
كان بسبب العناد والإصرار على الكفر» وملازمة الشرك والوثنية)(22) 

قال أحد الحضور: إن ما ذكرتموه جميل جدا.. وهو أنفع لنا من تلك التفاصيل التي 
ذكرها هؤلاء المشايخ.. فحدثونا عم| فسروه لنا من قصة يوسف عليه السلام لنقارن بين ما 
تذكرونه» وما يذكرونه. 

قال أحد الحكماء: قصة يوسف عليه السلام مجال رحب للكثير من العلوم والحقائق 
والقيم النافعة التي يغنينا التدبر فيها عن كل ذلك الفضول والتكلف الذي لا حاجة إليه. 

قال آخر: ومن الأمثلة على ذلك ما ورد في رؤياه.. فهي مجال للبحث في سر الرؤى 
وحقيقتها ودورها في الحياة.. وقد قال بعض المفسرين عند ذكره لتلك الآيات الكريمة: 
(إن مسألة الرؤيا في المنام من المسائل التي تستقطب أفكار الأفراد العاديين من الناس 
والعلماء في الوقت نفسه.. فم| هذه الأحلام التي يراها الإنسان في منامه من أحداث سيئة أو 
حسنة» وميادين موحشة أو مؤنسة» وما يثير السرور أو الغم في نفسه!؟.. أهي مرتبطة 
بالماضي الذي عشعش في أعماق روح الإنسان وبرز الى الساحة بعد بعض التبديلات 
والتغييرات؟.. أم هي مرتبطة بالمستقبل الذي تلتقط صوره عدسة الروح برموز خاصة من 
الحوادث المستقبلية!؟.. أو هي أنواع مختلفة» منها ما يتعلق بالماضي» ومنها ما يتعلق 
بالمستقبل» ومنها ناتج عن الميول النفسية والرغبات وما الى ذلك!؟)(2.. ثم أجاب على 


118 /1( الأمثل» ناصر مكارم الشيرازي‎ )١( 075 /1( التفسير المنير‎ )١١ 





هذه الأسئلة جميعا. 

قال آخر: أرأيتم.. هذه التساؤلات هي التي يمكنها أن تفيد في البحث والتحقيق» 
لنصل إلى المعارف التي تفيدنا في ديننا وحياتنا.. أما أسماء الكواكب. فه) فائدتها؟ 

قال أحد الحضور: وما ضررها؟ 

قال الحكيم: هي تضر.. لأنها معلومات غير صحيحة؛ والكذب ضار مطلقا.. 
بالإضافة إلى أنه لو قرأ تلك الأسماء فلكي فسيجعلها وسيلة للتفكه والسخرية بالدين؛ وقد 
أمرنا ألا نكون حجابا بين الخلق والإيمان. 

قال أحد الحضور: ما ذكرتموه جيد جدا.. فا قال هؤلاء الذين ذكرتموهم في تفسير 
تلك الآيات الكريمة التي تتحدث عن موسى عليه السلام وعصاه؟ 

قال أحد الحكاء: لقد قال أحدهم في تفسيره للآيات التي تتحدث عن ذلك: (لا 
شك أن الأنيباء يحتاجون إلى المعجزة لإثبات ارتباطهم بالله» وإلا فإن أي واحد يستطيع أن 
يدعي النبوة» وبناء على هذا فإن معرفة الأنبياء الحقيقيين من المزيفين لا يتيسر إلا عن طريق 
المعجزة.. وهذه المعجزة يمكن أن تكون بذاتها دعوة وكتابا سماويا للنبي» ويمكن أن تكون 
أمورا أخرى من قبيل المعجزات الحسية والجسمية» إضافة إلى أن المعجزة مؤثرة في نفس 
النبي» فهي تزيد من عزيمته وإيانه وثباته.. على كل حالء فإن موسى عليه السلام بعد 
تلقيه أمر النبوة» يجب أن يتلقى دليلها وسندها أيضا)(1) 

قال آخر: ثم ذكر نوع المعجزة التي تلقاها موسى عليه السلام» فقال: (تلقى موسى 
عليه السلام في تلك الليلة المليئة بالذكريات والحوادث معجزتين كبيرتين من الله» وييين 


القرآن الكريم هذه الحادثة فيقول: وما تِلِكَ بِيَمبِنِكَ يا مُوسَى # [ه: 17].. إن هذا السؤال 


6 سر سل 


)5194 /9( الأمثل» ناصر مكارم الشيرازي‎ )١( 


4١ 





البسيط المقترن باللطف والمحبة» إضافة إلى أنه بث الطمانينة في نفس موسى عليه السلام 
الذي كان غارقا حينئذ في دوامة من الاضطراب والحيجان فإنه كان مقدمة لحادثة مهمة.. 
فأجاب موسى عليه السلام: #هيّ عَصَايَ # [مه:18]» ولما كان راغبا في أن يستمر في حديثه 
مع محبوبه الذي فتح الباب بوجهه لأول مرة» وربم| كان يظن أيضا أن قوله: هي عَصَايَ * 
غير كافء فأراد أن يبين آثارها وفوائدها فأضاف: قَالَ هيّ عَصَايَ ا انها وَأَمْسُ 
با عل عَنّمِي # [طه:18] أي أضرب بها على اغصان الشجر فتتساقط اوراقها لتأكلها الأغنام 

قال أحد الحشوية: كل هذه الفوائد للعصا معروفة.. لكن المهم ما قاله بعدهاء وهو 
الذي كان سببا في تلك التفاصيل التي ذكرها السلف. وهو قوله تعالى: وَل فِيهًا مَآرِبٌ 
أخرَى 4 [طه: 14 017 

قال الحكيم: ذلك أيضا واضح وبسيطء ولا يحتاج كل ذلك التكلف.. فمن المعلوم 
ما للعصا لأصحايها من فوائد» وخاصة للبدو والرعاة؛ فهم يستعملونها أحيانا كسلاح 
للدفاع عن أنفسهم أمام الحيوانات المؤذية والأعداء» وأحيانا يصنعون منها مظلة في 
الصحراء تقيهم حر الشمسء وأحيانا أخرى يربطون بها وعاء أو دلوا ويسحبون الماء من 
الي العيف ار 

قال آخر: أليس هذا أكثر تأثيرا في موسى عليه السلام وغيره» وأكثر دلالة على 
القدرة.. من أن تكون العصا التي خصت بتلك الآيات عصا خاصة.. فأمها أكثر إعجازا 
أن تكون تلك الآيات مرتبطة بأي عصاء أو بعصا معينة محدودة؟ 

قال أحد الحضور: ف| تقولون في| ذكره هؤلاء المشايخ من أن الذبيح هو إسحق 
وليس إسماعيل عليهم| السلام؟ 


)015٠ /9( الأمثل» ناصر مكارم الشيرازي‎ )١( )51 4 /9( الأمثل» ناصر مكارم الشيرازي‎ )١( 


0 





قال أحد الحكاء: مع أن كليهما نبي من الأنبياء المحترمين إلا أن تدبر القرآن الكريم 
وحده كاف للدلالة على أن المقصود هو إسماعيل عليه السلام.. ومن أهم الأدلة على ذلك 
قوله تعالى بعد قصة الذبح: #وَبَشَرَْاةُ بإِسْحَاقٌ 8 مِنَّ الصَّاِينَ* [الصافات: »]1١7‏ (وهذه 
الآية توضح بصورة جيدة: أن الله سبحانه وتعالى بشر إبراهيم بولادة إسحاق بعد قضية 
الذبح» نتيجة تضحياته؛ ولهذا فإن قضية الذبح لا تخصه أبداء إضافة إلى أن الباري عزوجل 
عندما يبشر أحدا بالنبوة» فذلك يعني بقاء ذلك الشخص حياء وهذا لا يتناسب مع قضية 
الذبح التي خصت غلاما)(1) 

قال آخر: ويدل لذلك من القرآن الكريم أيضا قوله تعالى: #وَامِرَاتُُ قَائِمَةٌ 
فَصَحِكتْ قَبَشَّرنَاهَا بإِسْحَاقٌ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقٌ يَعْقُوبَ4 هرد: 050١‏ فهذه الآية الكريمة 
توضح أن إبراهيم عليه السلام كان مطمئنا على بقاء ولده إسحاقء وأن الله سيرزق إسحاق 
ولدا اسمه يعقوبء وهذا يعني أن الذبح لا يشمله أبدا.. فالذين اعتبروا إسحاق هو 
الذبيح» يبدو أنهم م يأخذوا بنظر الإعتبار حقيقة هذه الآيات)2(7) 

قال آخر: وهكذا ترون كيف أثرت غلبة الرواية والحشو على التدبر البسيط» والذي 
يمكننا من الوصول إلى الحقيقة من غير أي تكلف. 

الغفلة والتناقفض: 

بعد أن ذكر الحكماء الأدلة على الفضول والتكلف الذي وقع فيه الحشوية» قام أحد 
ال حضورء وقال: وعيئنا هذا.. فا الجريمة الرابعة؟ 

قال أحد الحكاء: الجريمة الرابعة هي الغفلة والتناقض.. وذلك ما يمكن لأي عاقل 
أن يكتشفه.. ولعلكم معشر الحضور قد مررتم ببعض ذلك. 


0779/١ 5( (؟) الأمثل» ناصر مكارم الشيرازي‎ 0979 /١5( الأمثل» ناصر مكارم الشيرازي‎ )١( 


0 





قال أحد الحضور(: إن شئتم الصدق.. فقد مررت أثناء دراستي لهذه التفاسير على 
الكثير من ذلك, لكني لم أكن أجرؤ على الإفصاح عنها خشية أن أكون من الذين يستعملون 
ع ا ا ل بتي ات 
عليه السلام: رَأَنبْكُمْ ي] تَأَكُلُونَ وَمَا تَدّخِرُونَ في ييُوَكُمْ إِنَّ في ذَلِكَ ديه لَكُمْ إن كنم 
مُؤْمِنِينَ 4 [آل عمران: 44]» فقد قرأت قول السدّي: (كان عيسى عليه السلام في الكتاب يحدّث 
الغلمان بها يصنع آباؤهم» ويقول للغلام: انطلق فقد أكل أهلك كذا وكذا ورفعوا لك كذا 
وكذاء فينطلق الصبي إلى أهله ويبكي عليهم حتى يعطوه ذلك الشيء» فيقولون: من أخبرك 
بهذا؟ فيقول: عيسى» فحبسوا صبياهم عنه وقالوا: لا تلعبوا مع هذا الساحر فجمعوهم 
في بيت» فجاء عيسى يطلبهم فقالوا: ليسوا ها هناء فقال: فم| في هذا البيت؟ قالوا: خنازير» 
قال عيسى: كذلك يكونونء ففتحوا عليهم فإذا هم خنازير..)(2).. ولا أدري كيف جمع 
الصبيان كلّهم في بيت واحدء ولو قال: حبست كل عائلة صبيّها عنه لكان مقبولاً!؟ 
قال آخر: ومثل ذلك ما روي عن وهب بن منبّه أنه قال عند تفسير قوله تعالى: #أو 
0 َالَ أَنّى نحي هَذِه الله بَعْدَ مَوْجَا َأمَانَهُ الله 


عو الل بترا نش 


ل 


6 
اك 


م 


طَعَامِكَ وَ وَشَرَابكَ 1 يَتَسَنْه الك إِلّ حمَارِكَ وَلِتَجْعَلَكَ آي لِلنَّاسِ وَانْظَرْإِلَ الْعِظَام كيف 
نُشِرُْهَا نم َكْسُوهًَا لح قَلَ) ب ين لَهُقَالَ أَعْلَمُ أن الله عَلَ كل شَّيْءِ قَدِيرٌ؛ [البقرة: 155].. فقد 
ذكر خبرا طوبلا ورد فيه أن بختنصر اختار من صبيان بني إسرائيل (سبعين ألف صبي 


فقسّمهم بين الملوك الذين كانوا معه. فأصاب كل رجل منهم أربعة غلمة)0©.. وهذا يعني 


.7505 /١ انظر مقالا بعنوان: التفسير الأثري في التراث الإسلامي دراسة مقارنة (؟) معالم التنزيل‎ )١( 
.7 55 /١ بين الطبرسي والبغويء الدكتور مرتضى الايرواني» مجلة نصوص معاصرة؛ ع1. (*) معالم التنزيل‎ 


1: 


أن الملوك الذين كانوا معه يزيد عددهم على سبعة عشر ألف ملك. فهل يعقل أن يكون معه 
هذا العدد من الملوك؟ 

قال آخر: ومثل ذلك قوله في ذلك الخبر: (ثم ربط أرمياء حماره بحبل جديد» فألقى 
الله تعالى عليه النوم» فلًا قام نزع الله منه الروح مائة عام.. فلم| مضى من موته سبعون سنة 
أرسل الله ملكاً إلى ملك من ملوك فارس يقال له: نوشك» فقال: إِنْ الله يأمرك أن تنفر 
بقومك فتعمر بيت المقدس وإيليا حتى يعود أعمر ما كان فانتدب الملك بألف قهرمان مع 
كل قهرمان ثلاثاثة ألف عامل وجعلوا يعمرونه..)١20»‏ فهل يُعقل أن ينتدب الملك ألف 
قهرمان مع كل قهرمان ثلاثمائة ألف عاملء أي ثلاثماتة مليون عامل لبناء بيت المقدس 
وإعماره!؟ فمن أين جيئ ببؤلاء الععال؟ وأين أسكنوهم ليعملوا؟ وكيف أطعموهم؟ 
وكيف نسّقوا العمل بينهم؟ وهل يحتاج بناء مدينة إلى مثل هذا العدد من العّال؟ 


بعد أن أجاب الحكماء على كل الإشكالات التي طرحها الحضور قام أحد الحشوية» 
وقال: ولكن ‏ مهما يكن فقد كان لتلك القصص والروايات دورها في توضيح وتفصيل 
ما ورد في القرآن الكريم» وهو ما يميل إليه أكثر الناس.. بالإضافة إلى أنه لولاها لكانت 
تفاسير القرآن الكريم مختصرة جداء وكان التراث الإسلامي الذي نفتخر به محدودا أيضا. 

قال أحد الحكاء: إن مثلكم أيها الشيخ الجليل مثل شخص استدعى ضيوفا ليقدم 
لهم وليمة» وكان لديه طعام طيب يكفيهم.. لكنه لشرهه للكثرة» وحبه للتمدح بهاء راح 
يضيف إليها طعاما كثيرا خبيثا.. فهل تراكم تأكلون ذلك الطعام؟ 


.548 /١ معالم التنزيل‎ )١( 





قال الحشوي: سننتقي منه الطيب ونأكله. 

قال الحكيم: فإن عسر عليكم التمييز؟ 

سكت الحشويء فقال الحكيم: طبعا لو تجرأتم فأكلتموه؛ فستتسممون بذلك.. 
وسيكون ذلك الطعام وبالا عليكم لا منفعة لكم. 

قال الحشوي: لكن ما علاقة ذلك بها نحن فيه؟ 

قال الحكيم: هذا ما فعله أسلافكم الذين تقدسونهم» فقد جرهم التساهل مع 
الكذب في الأخبار إلى التساهل من المتجرئين على الكذب عل الله؛ فالمدمن على الكذب, لا 
يكتفي بالكذب على الخلق والافتراء عليهم» وإن| تطالبه نفسه بالمزيد والمزيد إلى أن يفتري 
على الله نفسه. مثل| تفعل المخدرات بأصحابهاء والذين يحتاجون إلى زيادة الجرعات كل 
حين حتى يلبوا الحاجات التي لا تنقطع لإدمانهم 

قال آخر: لقد قال الله تعالى يشير إلى ذلك عند إخباره عن افتراءات اليهود على الله 
تعالى: لَقَد سَيِعَ الله قَْلَ الَّذِينَ كَانُوا إنَ الله َقِيد وَتَحْنٌ أَعْيَاء ه سَتَكْدُبُ مَا قَالُوا وََتْلَهُمُ 
ْنَا بعَيْرِ حَقٌّ وَتَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ حرق [آلعمران: 114١‏ وقال: #وَقَالَتٍ الْيَهُودُ يَدُ 


لله مَغْلُوكٌ لت دِيم وَلْعِنُوا ما َالُوا َل يدَاهُ مب مَبْسُوَطئَانِ يُنْفِقٌ كيف يَقَاء وَليرِيدَنَ كديرا 
ةا ار يْكَ مِنْ رَبّكَ طُغْينَا وَكُفْرَا وَآلْقَيْنَا َْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالبَْضَاءَ إِلَ يَوْم الِْيامَة 
كُلَّ أَوْمَدُوا َارَا لِلْحَرْبٍ أَطْفَأهَا الله وَيَسْعَوْنَ في الْأَرْضٍ قَسَادًا واه لا نْب الفْسِدِينَ* 
[المائدة: 74].. وهي تشير إلى أن اليهود ‏ مع كثرة الأنبياء الذين أرسلهم الله إليهم ‏ إلا أن 
نفوسهم الأمارة الممتلئة بالكذب وتزوير الحقائق جعلتهم لا يستفيدون منهم» وهو ما يدل 
على أن الكذب والافتراء هو الحجاب الأعظم بين الإنسان والحقائق 


بعد أن قال الحكاء هذاء دب صمت في ذلك المجلس» وقد رأيت خلاله وجوه 


15 


الحشوية قد تغيرت» ورأيت عليها بعض الأنوار التي لم أرها من قبل» وبعد لحظات قليلة» 
قام كبيرهم» وقال: لست أدري ما أقول لكم معشر الحكاء» لكن ماذكرتموه صحيح جدا.. 
وأنا الآن بين زملائي الشيوخ؛ وبين هؤلاء الحضور الكرام أقر وأشهد بأني كنت ضحية 
لكل تلك الإسرائيليات والخرافات التي دست في الدين.. والتي كنت أحسن الظن بها 
بسبب ثقتي الزائدة في رواتهاء بل قولي بعصمتهم من حيث لا أشعر.. لكني الآن وبعد أن 
سمعت هذه الكلمات الطيبة» أقر أمامكم بأن كنت أحمل الكثير من العقائد المشوهة» والتي 
لا تتناسب مع جلال الله وجماله» ولا مع رسل الله عليهم السلام وكالهم؛ ولا مع الدين 
وقيمه. 

قال آخر: ليس هناك أجمل من الحقيقة.. وأنا أشكر كثيرا شيخنا الشجاع الذي 
استطاع أن يقهر نفسه الأمارة» ويعلن توبته أمامكم.. وأنا بدوري أفعل ذلك.. ومستعد 
لأن أبين أمامكم كل الأخطاء التي كنا نمارسها من حيث لا نشعر في تخريب الإسلام 
وتشويهبه. 

وهكذا نطق جميع الحشوية بذلكء وأمثاله» وبعد أن انتهوا من حديثهم» قال بعض 
الحكاء: بارك الله فيكم» وفي إيوانكم وتقواكم وورعكم, ونحن نلتمس منكم أن تذكروا 
للحاضرين ما يحميهم من الشبهات التي قد تعرض طم أو لأمثالهم في المستقبل؛ فلعل هناك 
من بيننا من يكتب ما تقولونه لينقله لغير أهل هذه المدينة. 

قام كبير الحشوية» وقال: الأباطيل والخرفات التي دسها قومنا من الحشوية في 
الدين» لا يمكن إحصاؤها في هذا المجلس», ولذلك ستكتفي بذكر خمسة منهاء ترتبط 
بالحقائق الكبرى التي جاء القرآن الكريم بالتعريف بها.. أما أولاها؛ فيرتبط بالعقيدة في 
الله.. وأما الثاني؛ فيرتبط بالعقيدة في رسله.. وأما الثالث؛ فيرتبط بالعقيدة في ملائكته.. 


437 


وأما الرابع؛ فيرتبط بالعقيدة في المعاد.. وأما الخامسء فيرتبط بحقائق الكون, وعلاقتها 
بالعلم. 

أ. الحشوية.. والله 

قام بعض الحاضرين» وقال: فحدثونا عن الأول.. حدثونا عن التشويه المتعلق 
بالعقيدة في الله. 

قال كبير الحشوية: الأمثلة والأدلة على ذلك أكثر من أن تحصر.. وهي تمتلئ بها تلك 
الكتب التي نعظمها ونقدسهاء بل نقدمها على القرآن الكريم نفسه.. ومنها كتب التفسير 
وكتب السنة وكتب ذلك الذي كنا لا نسميه إلا بشيخ الإسلام. 

قال أحد الحضور: فهلا ذكرت لنا بعضها لنتجنبه ونحذر منه. 

قال كبير الحشوية: منها (كتاب السنة) لابن أبي عاصم. ففي هذا الكتاب الكثير من 
الأخبار المنكرة الغريبة» مثل خلق الله آدم على صورة وجهه. أو على صورة ال رحمن, وأن الله 
تعالى تجلى للجبل منه مثل الخنصرء وأن العرش يئط به من ثقلهء وأنه يقعد محمداً ب معه 
على العرشء وأن المؤمنين يجالسون الله عز وجل في الجنة وغير ذلك.. وقد عقد بابا في هذا 
الكتاب يذكر فيه أن الله يمكن أن يسمى شخصا أورد فيه هذا الحديث: (لا شخص أغير 
من الله تعالى» ولا شخص أحب إليه العذر من الله عز وجل» ومن أجل ذلك بعث الرسل 
مبشرين ومنذرين» ولا شخص أحب إليه المدح من الله تعالى» ومن أجل ذلك وعد 
الحنة)(1) 

قال آخر: ومنها (كتاب السنة) المنسوب إلى عبد الله بن أحمد بن حنبل.. فمما اشتمل 


عليه هذا الكتاب من التجسيم: وصفه الله تعالى بالجلوس على العرش» وإثبات صدر له 


)77١ /١( السنة لابن أبي عاصم‎ )١( 


1/7 





وذراعين» وإثبات الثقل والصورة التي صور عليها آدم» وأنه على كرسي من ذهب تحمله 
أربعة من الملائكة» وأنه واضع رجليه على الكرسيء وأن الكرسي قد عاد كالنعل في قدميه» 
وأنه إذا أراد أن يخوف أحداً من عباده أبدى عن بعضه. وأنه قرّب داودَ عليه السلام حتى 
مس بعضه وأخذ بقدمه وغير ذلك ما سيكشف عنه البحث. 

قال آخر: ومنها (كتاب السنة) لأبي بكر الخلال» والذي قرر فيه قعود النبي #2 مع 
الباري سبحانه على الفضلة التي تفضل من العرش.. وفيه أن الله عز وجل ينادي: يا داود 
أدن مني فلا يزال يدنيه حتى يمس بعضه ويقول: كن أمامي فيقول رب ذنبي ذنبي» فيقول 
الله له كن خلفي خذ بقدمي27. 

قال آخر: ومنها (كتاب التوحيد) لأبي بكر بن خزيمة.. والذي عقد فيه بابا بعنوان 
إثبات الأصابع لله عز وجلء وبابا في إثبات القدم» ونحو ذلك.. ومنها ما جاء ني أن 
الكرسي موضع قدميه» وأن العرش يئط به وأنه تجى منه مثل طرف الخنصرء وأنه هبط ثم 
يرتفع» وأنه ينزل إلى سماء الدنيا بروحه وملائكته فينتفض تعالى عن ذلك علواً كبيراً وأن 
جنة عدن مسكنه» وأن محمداً ## رآه في روضة خضراء دونه فراش من ذهب يحمله أربعة 
من الملائكة» وغير ذلك. 

قال آخر: ومنها كتاب (إبطال التأويلات) لأبي يعلى الفراء» والذي شحنه بأوصاف 
كثيرة لله يعف اللسان عن قوهاء من أمثال("2: (شابء أمرد» أجعد, في حلة حمراء» عليه 
تاج» ونعلان من ذهبء وعلى وجهه فراش من ذهب).. وهو ينص كل حين على أن من لم 
يؤمن ببذه الصفات العظيمة فهو (زنديق)» (معتزلي)» (جهمي)) (لا تقبل شهادته). (لا 
يسلم عليه)» (لا يعاد»» ثم يقول:(وليس في قوله: شاب وأمرد وجعد وقطط وموفور 


.117 /١ السنة لأبي بكر بن الخلال (777/1) (؟) إبطال التأويلات:‎ )١( 


14 





إثبات تشبيه» لأننا نثبت ذلك تسمية كما جاء الخبر لا نعقل معناهاء | أثبتنا ذاتا ونفساء 
ولأنه ليس في إثبات المَرّاش والنعلين والتاج وأخضر أكثر من تقريب المحدث من القديم» 
وهذا غير ممتنع كا لم يمتنع وصفه بالجلوس على العرش..)217 

قال آخر: وهو يرجع كثيرا إلى اليهود وتلاميذهم» فينقل عن كعب الأحبار أنه 
قال:(إن الله تعالى نظر إلى الأرض فقال: إني واطئ على بعضك. فانتسفت إليه الجبال 
فتضعضعت الصخرة فشكر الله لحا ذلك فوضع عليها قدمه)(2» ثم يعتبر هذا لإفك حقيقة 
عقدية» يدلل لها بالرواية التالية:(آخر وطأة وطئها رب العالمين بِوّجٌ)» ثم يذكر قول كعب 
الأحبار:(وحّ مقدس. منه عَرَيَ الرب إلى السماء يوم قضى خلق الأرض»» ويعلق على هذه 
الترهات بقوله:(اعلم أنه غير ممتنع على أصولنا حمل هذا الخبر على ظاهره» وأن ذلك على 
معنى يليق بالذات دون الفعل)0© 

قال أحد الحضور: فهل هناك من خص هذه المعاني بالتأليف؟ 

قال كبير الحشوية: أجل.. وكثيرون هم.. ومن أمثلتها ما كتب حول إثبات الجهة 
والمكان لله تعالى» كالكتب المؤلفة حول العرشء مثل (كتاب العرش وماروي فيه) لمحمد 
بن عثمان بن أبي شيبة.. وقد ذكر في هذا الكتاب أن أقرب الخلق إلى الله جبريل وميكائيل 
وإسرافيل» بينهم وبين ربهم مسيرة خمسمائة عام» وأن السماء منفطرة من ثقل الله وأن محمداً 
رأى ربه في روضة خضراء وغير ذلك. 

قال آخر: ومنها (كتاب إثبات الحد لله عز وجل وبأنه قاعد وجالس على عرشه)» 


لأبي محمد محمود بن أبي القاسم بن بدران الآنمي الدشتيء والذي ذكر في مقدمته دوافعه 


717/4 إبطال التأويلات (ص‎ )"( .١55 7/١ إبطال التأويلات:‎ )١( 


.7١17 /١ إبطال التأويلات:‎ )؟١‎ 


لتأليفه» فقال: (فإن سائلاً سألني» وقال: أحب أن تجمع ما جاء في إثبات الحد لله تعالى» 
ويعني بذالك حدٌّ لا يعلمه إلا الله» وأما من زعم أن لله عز وجل حداً يعلمه غيره فهو ضالٌ 
مضل مبتدع» فأجبت إلى ذلك» وجمعت في كتابي هذا شيئاً يسيراً من مذهب علماء السلف 
وأئمتهم» وما روي وصح عنهم, وما احتجوا في ذالك من الكتاب والسنة» وما ذكروه في 
كتبهم وتصانيفهم» منهم: الإمام عبدالله بن المبارك» والإمام أبو عبدالله أحمد بن حنبل» 
وإسحاق بن راهويه» وعثمان بن سعيد الدارميء وأبو عبد الله ابن بطة» وأبو إسماعيل 
الأنصاريء وأبو القاسم بن منده» وإسماعيل بن الفضل الأصبهاني» والقاضي أبو يعلى بن 
الفراء» والإمام أبو الحسن ابن الزاغوني» والحافظ أبو العلاء الهمذاني» رضي الله عنهم» وكل 
واحد منهم له تصانيف كثيرة» وإمام من أئمة الإسلام» وحافظ من الحفاظ» وعالم من 
العلماء» وفقيه من الفقهاء» وشيخ من المشايخ فكلهم من أصحاب الحديثء يعرفون تفسير 
القرآن العظيم» والأحاديث عن النبي 0# وتأويلهاء واحتجوا في إثبات الحد لله عز وجل 
بنص الكتاب والسنة» وما قالوا في ذلك بالمقاييس والآراء» ولا بأهواء أنفسهم, وإنا قالوا 
بدلائل وبراهين من الكتاب والسنة» ولا يكون على وجه الأرض أحدٌ أعلم بالكتاب 
والسنة من أصحاب الحديث, فمن يخالفهم ولا يقول ما قالوه» ولا يعتقد ما اعتقدوه؛ فهو 
مبتدع ضال مضل )07 

قال آخر: ومنها كتاب (عقيدة أهل الإيهان في خلق آدم على صورة الرحمن)» للشيخ 
حمود بن عبدالله بن حمود التويجري» وهو منتشر كثيراء وقد ذكر مؤلفه دوافع تأليفه. فقال: 
(ولا يزال القول بمذهب الجهمية مستمرا إلى زماننا.. وقد رأيت ذلك في بعض مؤلفات 


المعاصرين وتعليقاتهم الخاطئة» وذكر لي عن بعض المنتسبين إلى العلم أنه ألقى ذلك على 


)١(‏ إثبات الحد لله عز وجل.ء ص8. 





الطلبة في بعض المعاهد الكبار في مدينة الرياض. ولما ذكر له بعض الطلبة قول أهل السنة 
أعرض عنه وأصر على قول الجهمية. عافانا الله وسائر المسلمين ما ابتلاه به(١2»‏ وهو يقصد 
بالجهمية كل منزهة الأمة» لأنهم جميعاء حتى مع تصحيح الحديث لا يقولون بمقتضاه 
الظاهرء بل يؤولونه بمختلف صنوف التأويلات. 

قال أحد الحضور: بورك فيكم.. فهلا ذكرتم لنا بعض الأمثلة والناذج عنها. 

قال كبير الحشوية: هي كثيرة جدا.. لكنا سنقتصر لكم على سبعة ناذج منها(» 


لتتأكدوا مما نقول. 
الحدود والجسمية: 


قال أحد الحضور: فحدثونا عن النموذج الأول منها؟ 

قال كبير الحشوية: النموذج الأول» وهو أخطرهاء إثبات الحدود والجسمية لله تعالى 
وذلك خلافا لما يعتقده جميع المسلمين من أن الله مطلق لا حدود له. بين كنا نرى عكس 
ذلك.. بل كنا نرى أن المطلق عدم محض لا وجود له ولذلك كنا نكفر جميع مخالفينا بسبب 
ذلك. ونسميهم جهمية ومعطلة. 

قال آخر: وقد أولى شيوخنا هذا الركن اهتماما كبيراء بل جعلوه المقدمة الأولى لكل 
صفات الله تعالى» بل اعتبروه من أصول العقائد التي تفرق بين السني والبدعي, بل بين 
المؤمن والكافر.. فالمؤمن والسني هو الذي يقول بمحدودية الله.. والكافر والبدعي هو من 
يقول بعدم محدوديته. 


قال آخر: ومن الكتب التى ألفها شيوخنا في تقرير هذا المعنى والبرهنة عليه ما كتبه 


)١(‏ عقيدة أهل الإيهان في خلق آدم على صورة الرحمن )7/1١(‏ وهو بعض ما سنذكره ونرد عليه بتفصيل في كتاب: القرآن وتأويل الجاهلين. 
(؟) سنكتفى هنا بذكر بعض ما يذكره الحشوية مما يتعلق بصفات الله تعالى» 


الحافظ محمود الدشتي بعنوان [إثبات الحد لله عز وجل وبأنه قاعد وجالس على عرشه]ء 
والذي لقي العناية الكبيرة من المتأخرين من أصحابنا تحقيقا وطبعا ونشرا. 

قال آخر: وقد قال شيخنا عثمان بن سعيد الدارمي في ذلك: (زعمت الجهمية أن 
ليس لله حدء وإنم| يعنون بهذه الكلمة أن الله تعالى لا شيء؛ إذ كان معلوما عند الخلق كلهم 
أنه ليس شيء يقع عليه اسم الشيء إلا وله حد وصفة» فقوهم: لا حد له أنه لا شيء» وقد 
قال الله تعالى: #قل أَىّ شَِيْءِ 1 شَهَادَة قل الله [الأنعام: 19]» ومذهب علماء السلف: أن 
الله هو الأول القديم» وله حد لا يعلمه غيره» ولكن ليس لأحد أن يتوهم لحده غاية في 
نفسه» ولكن عليهم أن يؤمنوا بذلك» ويكلوا علم ذلك إلى الله تعالى) 17 

قال آخر: وقد خص شيخنا ابن تيمية ‏ الذي كنا نعتبره ناطقا باسم الإسلام ‏ هذه 
المسألة بالكثير من التفاصيل في كتبه ورسائله» ومنها ما ذكره في كتابه [بيان تلبيس الجهمية 
في تأسيس بدعهم الكلامية] حيث اعتبر إثباب الحد لله من العقائد الأساسية التي يقتضيها 
الإييمان. 

قال آخر: ومن ذلك ما نقله عن الدارمي ‏ مقرا له في كتابه [نقض عثان بن سعيد 
على المريسي الجهمي العنيد فيا افترى على الله تعالى في التوحيد] قوله فيه: (باب الحد 
والعرش: وادعى المعارض أيضا أنه ليس له حد ولا غاية ولا نهاية» قال: وهذا الأصل 
الذي بنى عليه جهم جميع ضلالاته واشتق منه أغلوطاته» وهي كلمة لم يبلغنا أنه سبق جههم| 
إليها أحد من العالمين» فقال له قائل ممن يحاوره: قد علمت مرادك أيها الأعجميء تعني أن 
الله تعالى لاشيء, لأن الخلق كلهم علموا أنه ليس شيء يقع عليه اسم الشيء إلا وله حد 


وغاية وصفة» وأن لاشىء ليس له حد ولاغاية ولا صفة» فالثىء أبدا موصوف لامحالة» 


.١7ص إثبات الحد لله عز وجلء الدشتي»‎ )١( 





ولا شيء يوصف بلا حد ولاغاية» وقولك لا حد له تعني أنه لا شبيء)(2) 

قال آخر: ونقل عن الخلال وعن أب يعلى وغيرهم من يسميهم أهل السنة () النقول 
الكثيرة التي تنص على أن من ضروريات المعرفة الإلحية إثبات الحد لله» ومن تلك الروايات 
ما رواه الخلال عن محمد بن إبراهيم القيسي» قال: قلت لأحمد بن حنبل: يحكى عن ابن 
المبارك ‏ وقيل له: كيف نعرف ربنا؟ ‏ قال: (في السماء السابعة على عرشه بحد)» فقال أحمد: 
(هكذا هو عندنا)20 

قال آخر: ومنها ما رواه عن حرب بن إسماعيل قال: قلت لإسحاق بن راهويه: (هو 
على العرش بحد؟) قال: (نعم بحد)» وعن ابن المبارك أنه قال: (هو على عرشه بائن من 
خلقه بحد)9؟) 

قال آخر: وقد علق ابن تيمية على هذه الروايات بقوله: (ولما كان الجهمية يقولون ما 
مضمونه إن الخالق لا يتميز عن الخلق فيجحدون صفاته التي تميز بهاء ويجحدون قَدَرَهُ؛ 
حتى يقول المعتزلة إذا عرفوا أنه حيء عالم» قدير: قد عرفنا حقيقته وماهيته» ويقولون إنه 
لا يباين غيره. بل إما أن يصفوه بصفة المعدوم؛ فيقولوا: لا داخل العالم ولا خارجه. ولا 
كذا ولا كذاء أو يجعلوه حالاً في المخلوقات أو وجوده وجود المخلوقات. فبين ابن المبارك 
أن الرب سبحانه وتعالى على عرشه مباين لخلقه منفصل عنه؛ وذكر الحد.. لأن الجهمية 
كانوا يقولون ليس له حد. وما لا حد له لا يباين المخلوقات ولا يكون فوق العالم لأن ذلك 
مستلزم للحد)0©» 

قال آخر: وهكذا كنا نرى أنه لا يمكن فهم الروايات والأحاديث الكثيرة إلا من 

(1) بيان تلبيس الجهمية (؟/ 505) (5) نقض تأسيس الجهمية (؟/ 075 


(1) بيان تلبيس الجهمية (؟/ 517) (0) نقض تأسيس الجهمية /١1(‏ 457 517 4) 


(") نقض تأسيس الجهمية )578//١(‏ 





خلال إثبات المحدودية والتجسيم.. ومن الأمثلة على ذلك ما كنا نرويه عن عبد الله بن 
سلمة أنه قال: أرسل ابن عمر إلى ابن عباس يسأله» هل رأى محمد ربه» فأرسل إليه ابن 
عباس : أن نعم» قال: فرد عليه ابن عمر رسوله: أن كيف رآه» قال: (رآه في روضة خضراء 
روضة من الفردوس دونه فراش من ذهب. على سرير من ذهبء يحمله أربعة من الملائكة, 
ملك في صورة رجلء وملك في صورة ثور» وملك في صورة أسد. وملك في صورة نسر)1(7) 

قال آخر: فقد كنا نروي هذا الحديث» ونستعمل كل الوسائل لإثبات صحته؛ ثم 
نذكر للمتبعين لناء أنه لا يمكن حمله إلا على محدود ومن الجهات الست» لأنه يِ رآه فى ف 
روضة خضراء تحيط به من كل الحوانب. 

قال آخر: ومثل ذلك كنا نردد في كل المجالس تلك الرواية التجسيمية الغريبة» والتي 
نرويها عن أنس بن مالك أنه قال: سمعت رسول الله ## يقول: (أتاني جبريل فقال: إن الرب 
اتخذ في الجنة واديا من مسك أفيح» فإذا كان يوم الجمعة فينزل عن كرسيه من عليين» وحف 
الكرسي بمنابر من ذهب مكللة بالجواهر» ويجيء النبيون فيجلسون على تلك المنابر» ثم 
ينزل أهل الغرف فيجلسون على ذلك الكثيب» ويتجلى لهم رمهم» فيقول: أنا الذي صدقتكم 
وعديء وأتهمت عليكم نعمتي» وهذا محل كرامتي فاسألوني قال: فيسألونه الرضاء قال: 
فليسوا إلى شيء أحوج منهم إلى يوم الجمعة ليزدادوا النظر إلى وجه رمهم عز وجل(" وقد 
كنا نذكر عند شرحنا للحديث أنه واضح في دلالته على كون الله تعالى محدودا من الجهات 
جنيعا. 


قال آخر: ومن الروايات التي كنا نوردها في هذاء ما نرويه عن أبي النضرة قال: 


)١(‏ رواه ابن خزيمة في كتاب التوحيد: ص 198» والآجري في الشريعة: (؟) الدارمي في الرد على الجهمية: ص © 5» وعبد الله بن الإمام أحمد في كتاب 
ص 45 5» وعبد الله بن الإمام أحمد في كتاب السنة: ص © ”2 والبيهقي في الأسماء السنئة: ص 58». 54. والذهبي في العلو: ص 18. قال الذهبي: هذا حديث 
والصفات: ص /008-501. مشهور وافر الطرق. 


م0 





خطبنا ابن عباس بالبصرة على هذا المنبر فقال: قال رسول الله ##: (آتي باب الجنة فآخذ 
بحلقة الباب» فأقرع الباب» فيقال لي: من أنت؟ فأقول: أنا محمد؟ فيفتح لي» فيتجلى لي ربي 
عز وجل فأخر له ساجدا وهو على سريره أو على كرسيه)(2» وفي رواية: (حتى آي الجنة 
فأخذ بحلقة الباب» فأستفتح» فيفتح لي» وأحيا ويرحب بي؟ فإذا دخلت الجنة نظرت إلى 
ربي ‏ عز وجل على عرشه فخررت ساجدا) 

قال آخر: ومثل ذلك تلك الرواية التجسيمية الغريبة الواردة في صحيح البخاري 
من أن النبي ‏ يستأذن على الله في داره» فقد ورد فيها الحديث ببذه الصيغة» قال ابن القيم: 
(وفي بعض ألفاظ البخاري في صحيحه (فاستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه)<21» قال 
عبد الحق في الجمع بين الصحيحين هكذا قال في داره في المواضع الثلاث يريد مواضع 
الشفاعات التي يسجد فيها ثم يرفع رأسه)(©) 

قال آخر: وقد قال شيخنا ابن عثيمين في شرحه على كتاب التوحيد من صحيح 
البخاري معلقا عليها: (هذا الحديث ليس فيه إشكال إلا قوله: (أستأذن على ربي في داره)» 
فيقال: إن دار الله عزوجل التي جاءت في هذا الحديث لا تشبه دور البشرء تكنه من الحر 
ومن البرد ومن المطرء ومن الرياح» لكن هي دار الله أعلم بها)©) 

قال آخر: وهكذا ذكر شيخنا ابن تيمية في غرائب حديث النزول هذه الرواية التي 
تثبت الحد لله تعالى ومن جميع الجهات. وهي: (ثم تبعث الصيحة فلعمر إلهك ما تدع على 
ظهرها من شيء إلا مات والملائكة الذين مع ربك عز وجل فأصبح ربك يطوف في الأرض 
وخلت عليه البلاد فأرسل ربك عز وجل السماء.. قلت: يا رسول الله فه| يعمل بنا ربنا جل 

)07( الدارمي في الرد على بشر المريسي: ص 5 7 أحمد: (1/ 7481 347 (") اجتماع الجيوش الإسلامية‎ )١( 


)0 (4) ابن عثيمين في شرحه على كتاب التوحيد من صحيح البخاري؛ 5 .٠١‏ 
(؟) البخاري (7 03٠٠١‏ معلّقَا. 





وعز إذا لقيناه؟ قال: تعرضون عليه بادية له صفحاتكم لا تخفى عليه منكم خافية فيأخذ 
ربك عز وجل بيده غرفة من الماء فينضح قبلكم بها فلعمر إلهك ما بخطىء وجه أحدكم منها 
قطرة)(1) 

قال آخر: فهذه الرواية تذكر أن الله العلي العظيم يطوف في الأرض.ء وأنه يأخذ بيده 
غرفة من الماء فينضح بها.. وقد قال شيخنا ابن القيم بعد إيراده الرواية: (هذا حديث كبير 
جليل تنادي جلالته وفخامته وعظمته على أنه قد خرج من مشكاة النبوة لا يعرف إلا من 
حديث عبد الرحمن بن المغيرة بن عبد الرحمن المدني رواه عنه إبراهيم بن حمزة الزبيري» وهما 
من كبار علماء المدينة ثقتان محتج بها في الصحيحء احتج به إمام أهل الحديث محمد بن 
إسماعيل البخاري» ورواه أئمة أهل السنة في كتبهم وتلقوه بالقبول وقابلوه بالتسليم 
والانقياد ولم يطعن أحد منهم فيه ولا في أحد من رواته. فممن رواه الإمام ابن الإمام أبو 
عبد ال رمن عبد الله بن أحمد بن حنبل في مسند أبيه وفي كتاب السنة.. ومنهم الحافظ الجليل 
أبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل في كتاب السنة له. ومنهم الحافظ أبو أحمد محمد 
بن أحمد بن إبراهيم بن سليمان العسال في كتاب المعرفة» ومنهم الحافظ أبو محمد عبدالله بن 
محمد بن حيان أبو الشيخ الأصبهاني في كتاب السنة» ومنهم الحافظ أبو عبدالله محمد بن 
إسحاق بن محمد بن يحيى بن مندة حافظ أصبهان...وجماعة من الحفاظ سواهم يطول 
ذكرهم)(") 

قال آخر: بل إنه لم يكتف بذلك. وإنما راح ينقل عن شيخنا أبي عبد الله بن منده مقرا 


له قوله: (ولا ينكر هذا الحديث إلا جاحد أو جاهل أو مخالف للكتاب والسنة)9) 


.5407  ”ا/ا/‎ /9* مجموع الفتاوى (5/ :064 (") زاد المعاد‎ )١( 


.541  ”5ا/ا/‎ /9* زاد المعاد‎ )١( 


قال آخر: بل إنه لم يكتف بذلك.. وإنما راح يفسر الحديث حرفا حرفا يستنبط منه 
الكثير من الصفات التي ينكرها أهل التجهيل والتعطيل والتأويل» فيقول: (وقوله فيظل 
يضحك هو من صفات أفعاله سبحانه وتعالى التي لا يشبهه فيها شيء من مخلوقاته كصفات 
ذاته» وقد وردت هذه الصفة في أحاديث كثيرة لا سبيل إلى ردها | لا سبيل إلى تشبيهها 
وتحريفها.. وكذلك فأصبح ربك يطوف في الأرض هو من صفات فعله..والكلام في 
الجميع صراط واحد مستقيم إثبات بلا تمثيل بلا تحريف ولا تعطيل.. وقوله: فيأخذ ربك 
بيده غرفة من الماء فينضح بها قبلكم فيه إثبات صفة اليد له سبحانه بقوله وإثبات الفعل 
الذي هو النضح)(2 

قال آخر: ومثله شيخنا الدارمي الذي رد بشدة على إشكالات المعطلة التي 
يطرحونها على هذه الرواية» فقال: (يقال لهذا البَقبّاق النفاخ إن الله أعظم من كل شيء وأكبر 
من كل خلق, ولم يحمله العرش عِظً ولاقوة ولا حملة العرش حملوه بقوتهم ولا استقلوا 
بعرشه ولكنهم حملوه بقدرته؛ وقد بلغنا أنهم حين حملوا العرش وفوقه الجبار في عزته وبهائه 
ضَعفوا عن مله واستكانوا وجَنّوا على رُكَبهم حتى لَقّنوا لااحول ولا قوة إلا بالله فاستقلوا 
به بقدرة الله وإرادته ولولا ذلك ما استقلٌ به العرشء ولا الحملة» ولا السموات والأأرض 
ولامن فيهن ولو قد شاء لاستقر على ظهر بعوضة فاستقلت به)(2) 

قال آخر: وبناء على هذا؛ فإننا مع عدم اعتبارنا [الجسم] صفة لله تعالى» إلا أنا كنا 
نعتبر أن نسبة الجسمية لله كمعنى صحيحة. وإن لم يصح إطلاق الجسمية عليه كاسم أو 


صفة.. وقد قال شيخنا ابن تيمية في تفسير قوله تعالى: لإلَيْسَ كَوثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّحِيعٌ 


)١(‏ زاد المعاد *9/ /ا/ا ”5‏ 541. ةا 


(5) نقض الدارمي على المريسبي /١(‏ 491)» وبيان تلبيس الجهمية (؟/ 


المَصِد » [الشورى: »]١١‏ وقوله: #هل تَعْلَمُ لَهُ سما [مريم: 16]: (فإنه لا يدل على نفي 
الصفات بوجه من الوجوه؛ بل ولا على نفي ما يسميه أهل الاصطلاح جسم) بوجه من 
الوجوه)(21.. ومراده من الصفات اليد والوجه والساق» وغيرهاء فهو يعتقد أن الجميع 
يوصف به سبحانه من غير تأويل ولا تعطيل؛ بل بنفس المعنى اللغوي. 

قال آخر: وورد في نفس الكتاب: (وأما ذكر التجسيم وذم المجسمة» فهذا لا يعرف 
في كلام أحد من السلف والأئمة» ى) لا يعرف في كلامهم أيضا القول بأن الله جسم أو 
ليس بجسه)() 

قال آخر: وعندما راح يبين سبب عدم إطلاق السلف لفظ الجسم لا نفيا ولا إثباتا 
لله تعالى لم يذكر أن ذلك لتناقضه مع العقل أو مع القرآن» وإنما ذكر لذلك وجهين: 
(أحدهما: أنه ليس مأثورا لا في كتاب ولا سنة» ولا أثر عن أحد من الصحابة والتابعين لهم 
بإحسانء ولاغيرهم من أئمة المسلمين» فصار من البدع المذمومة.. والثاني: أن معناه يدخل 
فيه حق وباطلء فالذين أثبتوه أدخلوا فيه من النقص والتمثيل ما هو باطل» والذين نفوه 
أدخلوا فيه من التعطيل والتحريف ما هو باطل)(2» ومراده من التعطيل والتحريف ‏ ى| 
هو معلوم ‏ تعطيل الله عن لوازم الجسمية كالحيز والحدود ونحوها. 

قال آخر: بل إنه كان يستعمل كل ما أوتيٍ من قوة المنطق أن يبرهن على ضرورة أن 
يكون الله جس) حتى يكون موجودا.. فالوجود عنده يقتضي الجسمية» وقد قال في 
ذلك:(فالمثبتة يعلمون بصريح العقل امتناع أن يكون موجوداً معيناً خصوصاً قائ) بنفسه 
ويكون مع ذلك لا داخل العالم ولا خارجه. وأنه في اصطلاحهم لا جسم ولا عرض ولا 


71780 /7 منهاج السنة النبوية‎ )'( .٠٠١ /١ درء تعارض العقل والنقل»‎ )١( 
.149 /١:لقنلاو درء تعارض العقل‎ )١( 


متحيز» كما يعلمون أنه يمتنع أن يقال إنه لا قائم بنفسه ولا قائم بغيره.. فإنك إذا استفسرتهم 
عن معنى التحيز ومعنى الجسم فسروه با يعلم أنه الموصوف بأنه القائم بنفسه؛ ولهذا لا 
يعقل أحد ما هو قائم بنفسه إلا ما يقولون هو متحيز وجسم.. فدعوى المدعين وجود 
موجود ليس بمتحيز ولا جسم ولا قائم بمتحيز أو جسم مثل دعواهم وجود موجود ليس 
قائ| بنفسه ولا قائما بغيره.. ومن قيل له هل تعقل شيئاً قائاً بنفسه ليس في محل وهو مع هذا 
ليبس بجسم ولا جوهر ولا متحيز ومع هذا إنه لا يجوز أن يكون فوق غيره ولا تحته ولا 
يمينه ولاعن يساره ولا أمامه ولا وراءه وأنه لا يكون مجامعا له ولا مفارقا له ولا قريبا 
منه ولا بعيدا عنه ولا متصلا به ولا منفصلا عنه ولا مماسا له ولا محايثا له وأنه لا يشار إليه 
بآنه هنا أو هناك ولا يشار إلى شيء منه دون شيء ولا يرى منه شيء دون شيء ونحو ذلك 
من الأوصاف السلبية التي يجب أن يوصف بها ما يقال إنه ليس بجسم ولا متحيز لقال 
حاكاً بصريح عقله هذه صفة المعدوم لا الموجود)7) 

قال آخر: وهذا نراه يطبق جميع أوصاف الأجسام على كل الموجودات,. لا يفرق في 
ذلك بين الله تعالى واجب الوجوب. وبين الممكنات التي خلقهاء فيقول: (الوجه السادس 
أن يقال ما علم به أن الموجود الممكن والمحدث لا يكون إلا جسم أو عرضا أو لا يكون إلا 
جوهرا أو جسا أو عرضا أو لا يكون إلا متحيزاً أو قائ| بمتحيز أو لا يكون إلا موصوفا 
أو لا يكون إلا قائ) بنفسه أو بغيره يُعلم به أن الموجود لا يكون إلا كذلك.. فإن الفطرة 
العقلية التي حكمت بذلك لم تفرق فيه بين موجود وموجود. ولكن لما اعتقدت أن الموجود 
الواجب القديم يمتنع فيه هذا أخرجته من التقسيم, لا لأن الفطرة السليمة والعقل الصريح 
مما يخرج ذلك؛ ونحن لم نتكلم فيها دل على نفي ذلك عن الباري؛ فإن هذا من باب المعارض» 


(1) بيان تلبيس الجهمية (؟/ 835) 





وسنتكلم عليه؛ وإنا المقصود هنا بيان أن ما به يعلم هذا التقسيم في الممكن والمحدث هو 
بعينه يعلم به التقسيم في الموجود مطلقا)17) 

قال آخر: وهو لا يكتفي مبذه التصريحات فقطء بل إنه في كتابه [بيان تلبيس الجهمية] 
يكاد يدافع عن لفظ [الجسم] بعينه» فيقول: (وليس في كتاب الله ولا سئة رسوله. ولا قول 
الجقزمن شل الأمة و أئمعها الهاللين سو و أن ضقاء لبيك اعنام وافرا )1 

قال آخر2»: وسبب ذلك أن الإخبار عن الله تعالى ‏ كما يذكر أصحابنا ‏ لا يشترط 
فيه التوقيف» وهو أوسع ما يدخل في باب أسمائه وصفاته» ك (الشبيء) و(الموجود) 
و(القائم بنفسه). فإنه يخبر به عنه» ولا يدخل في أسمائه الحسنى وصفاته العلياء فالإخبار 
عنه قد يكون باسم حسنء أو باسم ليس بسيء, أي باسم لا يناني الحسنء ولا يجب أن 
يكون حسناًء ولا يجوز أن يخبر عن الله باسم سيء؛ فيخبر عن الله با لم يرد إثباته ونفيه9؟». 

قال آخر: لقد كنا نردد كل ذلك وندافع عنه في نفس الوقت الذي نعرض فيه على 
الآدلة الكثيرة التي تكذب ذلكء وأوها ما ورد عن العترة الطاهرة الذين استبدلناهم 
باليهود وتلاميذ اليهود. 

قال آخر: ولهذا كنا تكذب ما روي عن الإمام علي الذي صرح بنفي الحد عن الله 
تعالى» فقال: (ليس له حد ينتهي إلى حده)2*0.. وقال: (وحد الأشياء كلها عند خلقه. إبانة 
لها من شبهه. وإبانة له من شبههاء لا تقدره الأوهام بالحدود والحركات, ولا بالجوارح 
والأدوات.. تعالى الله عما ينحله المحددون من صفات الأقدار» ونهايات الأقطار» وتأثل 


المساكن, وتمكن الأماكن, فالحد لخلقه مضروبء وإلى غيره منسوب)77) 


2١57157 /5( مجموع الفتاوى‎ ».)١171/1( بدائع الفوائد‎ )5( 0931٠١ بيان تلبيس الجهمية (؟/‎ )١( 
.١ /3” /اء التوحيد:‎ / ١57 / ١ بيان تلبيس الجهمية:١1/١١٠١. (5) الكافي:‎ )( 
177 نبج البلاغة: الخطبة‎ )5( 2779 /١( العرش للذهبي‎ )7( 


ارا 





قال آخر: ومثله ذكر كل الأئمة من العترة الطاهرة الذين لم يخلطوا دينهم با تسرب 
إلى الأمة من تحريفات الأمم» ومنهم الإمام الحسين الذي قال: (لا يقدر الواصفون كنه 
عظمته. ولا يخطر على القلوب مبلغ جبروته؛ لأنه ليس له في الأشياء عديل» ولا تدركه 
العلماء بألبامهاء ولا أهل التفكير بتفكيرهم إلا بالتحقيق إيقانا بالغيب؛ لأنه لايوصف بشيء 
من صفات المخلوقين» وهو الواحد الصمدء ما تصور في الأوهام فهو خلافه» ليس برب 
من طرح تحت البلاغ» ومعبود من وجد في هواء أو غير هواء)(© 

قال آخر: ومنهم الإمام السجاد الذي قال: (إن الله لا يوصف بمحدودية» عظم ربنا 
عن الصفة» فكيف يوصف بمحدودية من لا يحد, و#لا تُذْرِكةُ الْأَبُصَارٌُ وَهُوَ درل 
الالمادويةه اللطيفت لبي [الأنعام: 2100810 

قال آخر: وقال في دعائه: (ضلت فيك الصفات» وتفسخت دونك النعوت» 
وحارت في كبريائك لطائف الأوهام)(”.. وقال: (اللهم يا من لا يصفه نعت 
الواصفين)(؟».. وقال: (الحمد لله الذي قصرت عن رؤيته أبصار الناظرين» وعجزت عن 
نعته أوهام الواصفين)*.. وقال في دعائه يوم عرفة: (أنت الذي لا تحد فتكون محدوداء وم 
تمثل فتكون موجوداء ولم تلد فتكون مولودا)297 

قال آخر: ومنهم الإمام الصادق الذي قال: (هو الخالق للأشياء لا الحاجة» فإذا كان 
لا لحاجة استحال الحد والكيف فيه)202.. وقال: (إن الله لا يوصفء. وكيف يوصف وقد 


قال في كتابه: #وَمًا قَدَرُوا الله حَنّ قَدْرِِ؟ [الزمر: 70]» فلا يوصف بقدر إلا كان أعظم من 


.١ الدعاء‎ ١9 الصحيفة السجادية:‎ )5( .":1١ / 5 تحف العقول: 54 7ء بحار الأنوار:‎ )١( 
. الصحيفة السجادية: /181 الدعاء /ا5‎ )5( 75/3٠١ /1 الكافي:‎ )5( 
.5/150 / 1١ الدعاء 7". 0 الكافي:‎ ١79 الصحيفة السجادية:‎ )*( 


(5) الصحيفة السجادية: ١71"‏ الدعاء 31 


١1١ 





ذلك)(0) 

قال آخر: وقال: (إن الله عظيم رفيع لا يقدر العباد على صفته» ولا يبلغون كنه 
عظمته يلا تُذركَةُ الأضاة وَهوَّ يدرك لانم 087 اللَطِيفُ الخبير # [الأنعام: ]4 ولا 
يوصف بكيف ولا أين وحيث» وكيف أصفه بالكيف!؟ وهو الذي كيف الكيف حتى صار 
كيفاء فعرفت الكيف با كيف لنا من الكيف. أم كيف أصفه بأين!؟ وهو الذي أين الأين 
حتى صار أيناء فعرفت الأين بما أين لنا من الأين» أم كيف أصفه بحيث!؟ وهو الذي حيث 
الحيث حتى صار حيثاء فعرفت الحيث بها حيث لنا من الحيث. فالله ‏ تبارك وتعالى ‏ داخل 
في كل مكان وخارج من كل شيء. #طالا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارٌ وَهُوَ يُدْرِكَ الْأَبُصَارَ [الأنعام: 
0 لا إله إلا هو العلي العظيم» لوّهُوَ اللَِّيفُ اليد 4 [الملك: 14] 050 

قال آخر: وقال لبعض أصحابه: (أي شيء (الله أكبر)؟ قال: الله أكبر من كل شيء؛ 
فقال: (وكان ثم شيء فيكون أكبر منه؟)» قيل: وما هو؟ قال: (الله أكبر من أن يوصف)0© 

قال آخر: ومنهم الإمام الكاظم الذي قال: (من ظن بالله الظنون هلك» فاحذروا في 
صفاته من أن تقفوا له على حد تحدونه» بنقص أو زيادة» أو تحريك أو تحرك, أو زوال أو 
استنزال» أو بوض أو قعود؛ فإن الله جل وعز عن صفة الواصفين ونعت الناعتين وتوهم 
المتوهمين)(5) 

قال آخر: ومنهم الإمام الرضا الذي قال: (ولو حد له وراء؛ إذا حد له أمام» ولو 
التمس له التمام؛ إذا لزمه النقصان)02».. وقال: (لا يتغير الله بانغيار المخلوقء كما لا يتحدد 


بتحديد المحدود)0) 


.18 /1417 التوحيد:‎ »١ / 176 / ١ الكاني:‎ )5( ل1١‎ 7337 / ١:يفاكلا‎ )١١ 
.01 /187 / ١ عيون أخبار الرضا:‎ »7 / 5٠ التوحيد:‎ )0( .15 /1١١6 التوحيد:‎ 17/1١7 / ١ الكاني:‎ )( 
.01١ /18١ / ١ التوحيد: // 7» عيون أخبار الرضا:‎ )5( .1 /11١8 / ١ الكاني:‎ )©( 


1١11 





قال آخر: ولما سمع كلاما في التشبيه. خر ساجداء وقال: (سبحانك ما عرفوك ولا 
وحدوكء فمن أجل ذلك وصفوكء سبحانك لو عرفوك لوصفوك با وصفت به 
نفسك)(1) 

قال آخر: وقال الإمام الجواد: قام رجل إلى الإمام الرضاء فقال له: يا ابن رسول الله» 
صف لنا ربك؛ فإن من قبلنا قد اختلفوا عليناء فقال: (إنه من يصف ربه بالقياس لا يزال 
الدهر في الالتباس» مائلا من المنهاج» ظاعنا في الاعوجاج» ضالا عن السبيل» قائلا غير 
الجميل» أعرفه بها عرف به نفسه من غير رؤية» وأصفه با وصف به نفسه من غير صورة؛ 
لا يدرك بالحواس» ولا يقاس بالناس» معروف بغير تشبيه)() 

قال آخر: ومنهم الإمام الحادي الذي قال: (سبحان من لا يحد ولا يوصف! و#لَيْسَ 
كَمثْلِهِ َي [الشورى: 000 

قال آخر: وقبل ذلك ما ورد في الحديث عن رسول الله يل أنه قال: (إن الخالق لا 
يوصف إلا با وصف به نفسه؛ وكيف يوصف الخالق الذي تعجز الحواس أن تدركه؛ 
والأوهام أن تناله» والخطرات أن تحده. والأبصار الإحاطة به!؟.. جل عما يصفه 
الواصفونء نأى في قربه وقرب في نأيه» كيف الكيفية؛ فلا يقال له: كيف. وأين الأين؛ فلا 
يقال له أين» وهو منقطع الكيفية فيه والأينونية» فهوالأحد الصمد ىا وصف نفسهء 
والواصفون لا يبلغون نعته» لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد)7؟» 

قال آخر: وكان من دعاء رسول الله يي » وهو سيد العارفين في دعائه: (اللهم إن 
أسألك بكل اسم هو لك» سميت به نفسكء أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك. 


)١(‏ الكاني: ٠١١ / 1١‏ / "”ء التوحيد: .١ / 1١١5‏ (5) كفاية الأثر: 2١١‏ كشف الغمة: ” / 1/5١ء‏ الكافي: ١78 / ١‏ / "ا 
(؟) التوحيد: لا5 / 94. والتوحيد: .١18 /51١‏ 


.0 /1١7 /1 الكافي:‎ )©( 


١15 





أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني 
وذهاب همي وغمي)(2.. فأساء الله الحسنى فيض من فيوضات كال الله.. وبها أن كمال 
الله لا حد له.. فأسماؤه لا نهاية لها. 

قال آخر: بل كنا نعرض عن القرآن الكريم نفسه. فقد قال تعالى في الأمر بتكبيره: 
وَقلٍ الحم له الَّذِي ل يَتَحِد وَلَدَا وََيَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ في اخُْتِ و يكُنْ لَهُ وَل مِنَ اذل 
وَكَبرْهُ تَكبيرً © [الإسراء: ..]1١١‏ وتكبير الله يعني أنه أكبر من كل وهم وتصور وحدود.. وهو 
يعني أن الله أكبر من تصوراتنا وتعقلاتنا وتوهماتنا وأفكارنا وتأملاتنا.. وأنه أكبر من أن 
ينحصر في حيز محدودء أو أمد معدودء أو مكان أو زمان.. وأنه أكبر من أن تجري عليه 
القوانين التي تجري عليناء أو تحكمه السنن التي تقيدنا.. وأنه أكبر في ذاته وصفاته وكل ما 
يرتبط به. 

قال آخر: ولهذا كان التحديد والتقدير من عقائد المشركين الذين اعتبروا الله جرما 
من الأجرام له غباية ومقادر وحدود؛ وقد قال تعالى يذكرهم: لما قَدَرُوا اللهحَنَّ قَدْرِِ إن 
ل و ا لو د 

َتِيَامَة وَالسََاوَاتُ مَطْويّاتٌ بيمِبنِهِ سُبْحَاَهُ وَتَعَالَ عَم يُشْرِكُونَ © [الزمر: 5] 

قال آخر: وهكذا لو رجعنا إلى العلماء العدول لوجدنا الكثير من الأدلة القرآنية التي 
تنفي ما كنا نتوهمه من تحديد الله وتجسيمه. ومن الأمثلة على ذلك ما استنبطه بعضهم من 
قوله تعالى: هوَ الْأَوَلُ وَالْآخد وَالظاهمُ وَالْبَاطِنُ الحديد: *]» حيث ذكر أن (الله تعالى 
وصف نفسه بكونه ظاهرا وباطناء ولو كان جسم لكان ظاهره غير باطنه» فلم يكن الشيء 
الواحد موصوفا بأنه ظاهر وبأنه باطن لأنه على تقدير كونه جس| يكون الظاهر منه سطحه 


)1818():57/1١( )"ا/1١()9891/1١(دجحأ‎ )١( 





والباطن منه عمقه» فلم يكن الشيء الواحد ظاهرا وباطنا.. وأيضا المفسرون قالوا إنه ظاهر 
بحسب الدلائل» باطن بحسب أنه لا يدركه الحس ولا يصل إليه الخيال» ولو كان جسا لما 
أمكن وصفه بأنه لا يدركه الحس ولا يصل إليه الخيال)217 

قال آخر: ومن الأمثلة على ذلك ما استنبطه من قوله تعالى: #إهُوَ الْأهَوَّلْ وَالكخد» 
[الحديد: 7]» حيث ذكر أن (هذا يقتضي أن يكون ذاته متقدما في الوجود على كل ما سواه وأن 
يكون متأخرا في الوجود عن كل ما سواه وذلك يقتضي أنه كان موجودا قبل الحيز والجهة» 
ويكون موجودا بعد فناء الحيز والجهة)7") 

قال آخر: ومن الأمثلة على ذلك ما استنبطه من قوله تعالى: لوَلَا تِيطُونَ به عِلّا * 
[طه: ]٠٠١‏ وقوله: لا تذركة الْأَيَضَارُ) [الأنعابه 0]» حيث ذكر أن (ذلك يذل عل كوئة 
تعالى منزها عن المقدار والشكل والصورة: وإلا لكان الإدراك والعلم محيطين به. وذلك 
على خلاف هذين النصين.. فإن قيل لم لا يجوز أن يقال إنه وإن كان جس| لكنه جسم كبير» 
فلهذا المعنى لا يحيط به الإدراك والعلم قلنا لو كان الأمر كذلك لصح أن يقال بأن علوم 
الخلق وأبصارهم لا تحيط بالسماوات ولا بالجبال ولا بالبحار ولا بالمفاوز» فإن هذه الأشياء 
أجسام كبيرة والأبصار لا تحيط بأطرافها والعلوم لا تصل إلى تمام أجزائهاء ولو كان الأمر 
كذلك لما كان في تخصيص ذات الله تعالى بهذا الوصف فائدة)9) 

قال آخر: ومن الأمثلة على ذلك ما استنبطه من قوله تعالى: #قَلٌ كَّنْ مَافي السَّمَاوَاتِ 
وَالْأَرْضٍ قل لله [الأنعام: 117 حيث ذكر أن (هذا مشعر بأن المكان وكل ما فيها ملك لله 


تعالى» ومثله قوله تعالى: وَلَهُ ما سَكَنَ في اللَيّل وَالنَهَارِك [الأنعام: +1]» وذلك يدل على أن 


.7١ أساس التقديس في علم الكلام» ص79. (؟) أساس التقديس في علم الكلام» ص‎ )١( 
أساس التقديس في علم الكلام؛ ص77.‎ )1( 


1١15 


الزمان وكل ما فيه ملك لله تعالى.. ومجموع الآيتين يدلان على أن المكان والمكانيات والزمان 
والزمانيات كلها ملك لله تعالى» وذلك يدل على تنزيهه عن المكان والزمان) 227 

قال أخرة .ومن الأمكلة عل ذللك«ما الستديطة مخ قوله تعاق: #و نيل غز كن ويلك 
فَوْقَهُمْ يَوْمَكذِتَنِية 4 [الحاقة: 10]» وقوله: #الَّذِينَ يَْمِلُونَ الْعَرضّ4 اغافر: 9]» حيث ذكر أنه 
(لو كان الخالق في العرش لكان حامل العرش حاملا لمن في العرش» فيلزم إحتياج الخالق 
إلى المخلوق)2) 

الجهات والأماكن: 

قال أحد الحضور: وعينا هذا.. فحدثونا عن النموذج الثاني. 

قال كبير الحشوية: النموذج الثاني هو ما كنا نعتقده من لوازم الجسمية والحدود. 
وهو إثبات الجهة لله تعالى» حيث كنا نعتبر هذه المسألة من أهم المسائل العقدية» والتي ينبني 
عليه الويان والكفر. 

قال آخر: ومن الأمثلة على ذلك ما كنا نرويه عن هشام بن عبيد الله الرازي صاحب 
محمد بن الحسن ‏ قاضي الري ‏ أنه حبس رجلاً في التجهم فتاب فجيء به إلى هشام ليطلقه 
فقال: الحمد لله على التوبة» فامتحنه هشام فقال: أتشهد أن الله على عرشه بائن من خلقه؟ 
قال: أشهد أن الله على عرشه. ولا أدري ما بائن من خلقه. فقال: (ردوه إلى الحبس فإنه ل 
يتب)0) 

قال آخر: وكنا نروي عن عبدالله بن أبي جعفر الرازي أنه كان يضرب قرابة له بالنعل 


على رأسه يرمي برأي جهم ويقول: (لا حتى تقول (الرحمن على العرش استوى بائن من 


)١50( أساس التقديس في علم الكلام» ص١ 7. () اجتماع الجيوش الإسلامية‎ )١( 
.77 أساس التقديس في علم الكلام؛ ص‎ )1( 


١1١ا/‎ 


خلقه)(20) 

قال آخر: وهكذا كنا ننقل من شيوخنا الكثير من النصوصء والتي كنا نعتبرها مثل 
آيات القرآن الكريم تماماء ومنها ما ذكره ابن أبي شيبة» حيث قال: (توفرت الأخبار على أن 
الله تعالى خلق العرش فاستوى عليه بذاته» ثم خلق الأرض والسموات» فصار من الأرض 
إلى السماء» ومن السماء إلى العرش» فهو فوق السموات وفوق العرش بذاته)7") 

قال آخر: وقال الدارمي: (الآثار التي جاءت عن رسول الله في نزول الرب تبارك 
وتعالى تدل على أن الله عز وجل فوق السموات على عرشه بائن من خلقه)2(0.. وقال: (إن 
الآمة كلهاء والأمم السالفة قبلهاء لم يكونوا يشكون في الله تعالى أنه فوق السماء» بائن من 
خلقه. غير هذه العصابة الزائغة عن الحق المخالفة للكتاب وأثارات العلم كلها)7؟» 

قال آخر: وقال ابن خزيمة: (من لم يقرٌ بأن الله على عرشه. استوى فوق سبع 
سمواته؛ بائن من خلقه؛ فهو كافر يستتاب» فإن تاب وإلا ضُربت عنقه)0*» 

قال آخر: بالإضافة إلى ذلك إجماعهم على معنى القرب والبعد» وأنهها على معناهما 
الظاهر الواضح.؛ على عكس ما يقوله المؤولة المعطلة» وقد عبر عن هذا شيخنا الدارمي 
بقوله: (..فيقال لهذا المعارض المدعي ما لا علم له من أنبآك أن رأس الجبل ليس بأقرب إلى 
الله تعالى من أسفله؟ لأنه من آمن بأن الله فوق عرشه فوق سمواته علم يقيناً أن رأس الجبل 
أقرب إلى الله من أسفله. وأن السماء السابعة أقرب إلى عرش الله تعالى من السادسة 


والسادسة أقرب إليه من الخامسة ثم كذلك إلى الأرض)57) 


)7171( الذهبي في العرش (779) (5) الذهبي ني العرش‎ )١( 
(؟) كتاب العرشء لابن أبي شيبة (١91؟) (7) نقض عثان بن سعيد١/ 5 50. وانظر الفواكه العذاب لحمد بن ناصر‎ 
/5 الرد على الجهمية (1/7) 7 وإثبات علوالله لحمود التويجري‎ )( 


(5) الرد على الجهمية(ص١7)‏ 


١18 





قال آخر: وبناء على هذا اتفقوا على أن أقرب الخلق إلى الله هو العرشء ثم الملائكة 
الحاملين للعرش.. وهكذا.. وقد استدلوا على ذلك بها روي مرفوعا إلى النبي ##: (ولكن 
ربنا تبارك وتعالى اسمه إذا قضى أمرا سبح حملة العرشء ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم» 
حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنياء ثم قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش 
ماذا قال ربكمء فيخبرونهم ماذا قال)(0) 

قال آخر: وقد استدل شيوخنا بهذا الحديث على أن (حملة العرش هم أول من يتلقى 
أمر الله» ثم يبلغونه للذين يلونهم من أهل السموات» فكونهم أقرب الخلق إلى الله دليل على 
أن العرش أقرب منهم إليه سبحانه لأنهم إنم| يحملونه)0©) 

قال آخر: بل ورد في بعض الروايات ما يدل على المسافة التي تفصل الله تعالى عن 
أقرب الخلق إليه» ففي الحديث عن رسول الله يي قال: (إن أقرب الخلق إلى الله تعالى 
جبرائيل وإسرافيل وميكائيل وإهم من الله تعالى بمسيرة خمسين ألف سنة)0© 

قال آخر: وقد ذكر سلفنا الذين كنا نرجع إليهم الكثير من الشروح والتوضيحات 
المرتبطة بذلك» ومنها ما روي عن وهيب بن الوردء أنه قال: (بلغني أن أقرب الخلق من الله 
عز وجل إسرافيل العرش على كاهله.. فإذا نزل الوحي دلي لوح من تحت العرشء فيقرع 
جبهة إسرافيل؛ فينظر فيه فيدعو جبريل فيرسله؛ فإذا كان يوم القيامة أتى بإسرافيل ترعد 
فرائصه. فيقال: ما صنعت فيا أدى إليك اللوح؟ فيقول: بلغت جبريل. فيدعى جبريل 
ترعد فرائصه فيقال: ما صنعت فيم| بلغك إسرافيل؟ فيقول: بلغت الرسل. فيؤتى بالرسل 


ترعد فرائصهم فيقال: ما صنعتم فيه| أدى إليكم جبريل؟ فيقولون: بلغنا الناس)(؟) 


2715( 585 أبو الشيخ في العظمة ؟/‎ .4١ /١ رواه مسلم (51759) () العلو للعلي الغفار‎ )١( 
)847 /7( العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني‎ )5( /١ محمد بن عثمان بن أبي شيبة وكتابه العرش‎ )١( 


11 


م 


قال آتحر: وبئاء على هذا فسروا قوله تعال : لفَاتَسَالنَ الّذِينَ أ أَرْسِل إِلَيْهِمْ وَلَمَسأ 
الموْسَلِينَ لصن لصن عَلَيْهمْ بعلم وَمَا كنا غَائِيينَ 4 [الأعراف: /] 

قال آخر: فقد روي عن وهب بن منبه أنه قال: (إذا كان يوم القيامة يقول الله عز 
وجل: يا إسرافيل» هات ما وكلتك به فيقول: نعم يا رب في الصور كذا وكذا ثقبة» وكذا 
وكذا روحاء للانس متها كذا وكذاء وللجن مدها كذا وكذاء وللشياظين منها كذا وكذاء 
وللوحوش منها كذا وكذاء وللطير كذاء ومنها كذا وكذا للحيتان» وللبهائم منها كذا وكذا 
وللهوام منها كذا وكذاء فيقول الله عز وجل: خذه من اللوح فإذا هو مثلا بمثل لا يزيد ولا 
ينقصء ثم يقول الله عز وجل: هات ما وكلتك به يا ميكائيل فيقول: نعم يا رب أنزلت من 
السماء كذا وكذا كيلة كذا وكذا مثقالا وزنة كذا وكذا مثقالا وزنة كذا وكذا قيراطا وزنة كذا 


اع 


وكذا خردلة وزنة كذا وكذا ذرة» أنزلت في سنة كذا وكذاء وفي شهر كذا وكذا كذا وكذاء 
وفي جمعة كذا وكذاء وفي يوم كذا وكذا للزرع كذا وكذا وأنزلت منه للشياطين كذا وكذا في 
يوم كذا وكذاء وأنزلت للإنس منه كذا وكذا في يوم كذا وكذا كذا وكذاء وأنزلت للبهائم 
كذا وكذا وزنة كذا وكذاء وأنزلت للوحوش كذا وكذا وزنة كذاء وكذاء وللطير منه كذا 
وكذاء وللباد منه كذا وكذاء وللحيتان منه كذا وكذا وللهوام منه كذا وكذا فذلك كذا وكذا 
فيقول: خذه من اللوح. فإذا هو مثلا بمثل لا يزيد ولا ينقص. ثم يقول: يا جبريل هات ما 
وكلتك به فيقول: نعم يا رب أنزلت على نبيك فلان كذا وكذا آية في شهر كذا وكذا في 
جمعة كذا وكذا في يوم كذا وكذاء وأنزلت على نبيك فلان كذا وكذا آية وعلى نبيك فلان كذا 
وكذا سورة فيها كذا وكذا آية» فذلك كذا وكذا أحرفاء وأهلكت كذا وكذا مدينة» وخسفت 
بكذا وكذاء فيقول: خذه من اللوح فإذا هو مثلا بمثل لا يزيد ولا ينقصء ثم يقول عز 


وجل: هات ما وكلتك به يا عزرائيل. فيقول: نعم يا رب قبضت روح كذا وكذا إنسي وكذا 


وكذا جني» وكذا وكذا شيطان وكذا وكذا غريق» وكذا وكذا حريق» وكذا وكذا كافر» وكذا 
وكذا شهيد وكذا وكذا هديم وكذا وكذا لديغ وكذا وكذا في سهلء وكذا وكذا في جبل» 
وكذا وكذا طير» وكذا وكذا هوام» وكذا وكذا وحش فذلك كذاء وكذا جملته كذا وكذا 
فيقول: خذه من اللوح فإذا هو مثلا بمثل لا يزيد ولا ينقص فالله تبارك وتعالى علم قبل أن 
يكتب وأحكم)() 

قال آخر: وبهذا الحديث فسروا قوله تعالى: 8 هُوَ الْأَوّلُ وَالْخَرٌ وَالظاهرُ وَالَْاطِنُ 
وَهُوَ يكل قَيْءِ عَلِيحٌ ‏ الحديد: ]4 بل ذكروا أن جبريل عليه السلام كان إذا احتاج إلى سؤال 
الله رحل إليه» ودنا منه» ليسأله. 

قال آخر: ومن تلك الروايات أن رسول الله # سأل جبريل عليه السلام: أي بقاع 
الأرض أشر؟» قال: الله أعلم» قال: ألا تسل ربك عز وجل؟ قال: ما أجرأكم يا بني آدم 
إن الله لا يسئل عما يفعل» ثم عاد إلى رسول الله 2#» فقال: (إني دنوت من ربي حتى كنت 
منه بمكان لم أكن قط أقرب منه. كنت بمكان بيني وبينه سبعون حجابا من نور» فأوحى 
الله تبارك وتعالى إلي أن شر بقاع الأرض السوق)2) 

قال آخر: وفي رواية أخرى أن جبريل عليه السلام قال لرسول الله # بعد رحلته 
الطويلة: (يا محمد لقد وقفت اليوم موقفا لم يقفه ملك قبل ولا يقفه ملك بعديء كان بيني 
وبين الجبار تبارك وتعالى سبعون ألف حجاب من نور الحجاب يعدل العرش والكرسي 
والسماوات والأرض بكذا وكذا ألف عام, فقال: أخبر محمدا ## أن خير البقاع المساجدء 


وخير أهلها أولهم دخولاء وآخرهم خروجاء وشر البقاع الأسواق» وشر أهلها أولهم 


)717/7 العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (؟/‎ )١( 681517 /( العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني‎ )١( 
1 





دخولاء وآخرهم خروجا)(2 

قال آخر: وهكذا فسروا قوله تعالل عن موسى عليه السلام: #وَقَرَبْناه نَجيا» [مريم: 
فعن مجاهد قال: (بين السماء السابعة» وبين العرش سبعون ألف حجاب: حجاب نور 
وحجاب ظلمة» وحجاب نور. وحجاب ظلمة. فما زال موسى عليه السلام يقرب حتى 
كان بينه وبينه حجابء فلم| رأى مكانه وسمع صريف القلم, قال: #رَبٌُأَرِن أَنْظْرْ إِلَيِْكَّ» 
[الأعراف: 57 100]1) 

قال آخر: وهكذا فسروا قوله تعالى: #وَإِنَ لَهُ عِدْدَنا لرُْمَى وَحُْسْنَ مَآب4 [ص:ه"] 
فقد رووا عن مجاهد قوله: (إن داود عليه السلام يجيء يوم القيامة خطيئته مكتوبة في كفه. 
فيقول: يا رب خطيئتي مهلكتيء فيقول له: كن بين يدي, فينظر إلى كفه فيراهاء فيقول: يا 
رب خطيئتي مهلكتي» فيقول: خذ بحقوي, فذلك قوله. عز وجل: #وَإِنَلَهُ عِنْدَنا لَرُْمَى 
وحن مَآب 4# [ص: 00)]05) 

قال آخر: وهكذا فسروا قوله تعالى عن المعراج: ا ثُمَّ دنا قَتَدَلّ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنٍ 
أو أَدْنَى 4 [النجم: 1٠0.‏ فقد رووا عن أنس بن مالك قوله: (ثم عرج به إلى السماء السابعة 
فقالوا له مثل ذلك كل ساء فيها أنبياء قد سماهم فوعيت منهم إدريس في الثانية وهارون 
في الرابعة وآخر في الخامسة لم أحفظ اسمه وإبراهيم في السادسة وموسى في السابعة بتفضيل 
كلام الله» فقال موسى: رب لم أظن أن ترفع علي أحداً» ثم علا به فوق ذلك بم لا يعلمه إلا 
الله حتى جاء سدرة المنتهى» ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى» 


فأوحى الله فيها أوحى إليه خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة» ثم هبط حتى بلغ موسى. 


.508 العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (؟/ 2717/0 7 40 والبيهقي في الأسماء والصفات‎ )١( 
)0٠07 وأخرجه الطبري في تفسيره (") السنة لعبد الله بن أحمد (؟/‎ »)14٠0 /7( العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني‎ )1( 


١7 


فاحتبسه موسى فقال: يا محمد ماذا عهد إليك ربك؟ قال عهد إلي خمسين صلاة كل يوم 
وليلة. قال إن أمتك لا تستطيع ذلك فارجع فليخفف عنك ربك وعنهم. فالتفت النبي إلى 
جبريل كأنه يستشيره في ذلك فأشار إليه جبريل أن نعم إن شئت فعلا به إلى الجبار فقال 
وهو مكانه يا رب خفف عنا فإن أمتي لا تستطيع هذا فوضع عنه عشر صلوات..)(20© 

قال آخر: وقد ذكر شيخنا ابن تيمية قصة عجيبة ذكرها البغوي في تفسيره عن أيوب 
عليه السلام» رواها عن وهب بن منبه» كتفسير لقوله تعالى: #وَاذْكُر عَبْدَنَا أَيُوبٌ إِذْنَادَى 
بَّهُ أن مَسّنِيَ الشَّيْطَانَ بِنُضْبٍ وَعَذَّابٍ» [ص: 4١‏ فقد ذكر أن أيوب لم يقل تلك الكلمة 
التي ذكرها القرآن الكريم فقطء وإنا قال أيضا: (لو أن ربي نزع الهيبة التي في صدري 
وأطلق لساني حتى أتكلم بملء فمي بما كان ينبغي للعبد أن يحاج عن نفسه لرجوت أن 
يعافيني عند ذلك مما بي» ولكنه ألقاني وتعالى عني» فهو يراني ولا أراه» ويسمعني ولا 
أسمعه فلا نظر إلي فير حمني, ولا دنا مني» ولا أدناني فأدل بعذري» وأتكلم ببراءق» 
وأخاصم عن نفسي)2) 

قال آخر: ويروي أن الله تعالى أجابه بنزوله على الغمام وخطابه له قال وهبه بن منبه: 
(فلم| قال ذلك أيوب وأصحابه عنده أظله غعام حتى ظن أصحابه أنه عذاب أليم» ثم نودي 
يا أيوب إن الله عز وجل يقول: ها أنا قد دنوت منك ولم أزل منك قريبا ثم فأدل بعذرك 
وتكلم ببراءتك وخاصم عن نفسك واشدد إزارك» وقم مقام جبار يخاصم جبار إن 
استطعت. فإنه لا ينبغي أن يخاصمني إلا جبار مثلٍ ولا شبه لي لقد منتك نفسك يا أيوب 
أمرا ما تبلغه بمثل قوتك أين أنت مني يوم خلقت الأرض فوضعتها على أساسها هل كنت 
معي تمد بأطرافها وهل علمت بأي مقدار قدرتها أم على أي شيء وضعت أكنافها أبطاعتك 


.4514 /9 كتب ورسائل ابن تيمية في العقيدة‎ )١( )0071794( 37317١ البخاري5/‎ )١( 


1١71 





حمل الماء الأرض أم بحكمتك كانت الأرض للماء غطاء أين كنت مني يوم رفعت السماء 
سقفا محفوظا في ال حواء..) 217 

قال آخر: وقد استدل شيخنا شيخ الإسلام ابن تيمية مهذه القصة على دنو الله من 
خلقه» فقال: (وقد جاء أيضاً من حديث وهب بن هبه وغيره مين الاسرائيليات قربه من 
أيوب عليه السلام وغيره من الأنبياء عليهم السلام» ولفظه الذي ساقه البغوي أنه أظله 
غمام ثم نودى يا أيوب أنا الله» يقول أنا قد دنوت منك أنزل منك قريباء لكن الاسرائيليات 
إنا تذكر على وجه المتابعة لا على وجه الاعتماد عليها وحدها)() 

قال آخر: وبناء على هذا المفهوم للقرب اتفق سلفنا على أن معنى قرب أهل الجنة من 
الله هو القرب الحسي لا كا يتوهمه المنزهة من القرب المعنوي.. وقد روي في ذلك عن عبد 
الله بن مسعود قوله: (سارعوا إلى الجمع في الدنيا فإن الله تعالى ينزل لأهل الجنة كل جمعة في 
كثيب من كافور أبيضء فيكونون في القرب منه على قدر تسارعهم إلى الجمع في الدنيا) 9 

قال آخر: وبناء على هذا أيضا فسروا المقام المحمود الذي وعد الله تعالى به رسوله 6 
في قوله: #عَسَى رَبّكَ أَنْ يَبْعَتَكَ مََامًا عحْمُوْدًا4[الإسراء:05]ء حيث ذكروا أن معناه إقعاد الله 
تعالى لنبيه # على العرشء فقد روي عن أب هريرة؛ أنه قال: سئل رسول الله 6 عن قول 
الله: عَسَى أَنْ يَْعَنَكَ رَبك مَقَاما عحْمُودًَا 4 [الإسراء: 524 قال: (نعمء إذا كان يوم القيامة 
نادى مناد: أين حبيب الله؟ فأتخطى صفوف الملائكة حتى أصير إلى جانب العرشء ثم يمد 
يده فيأخذ بيدي فيقعدني على العرش)(؟) 


قال آخر: وقد كنا نعرض أيم| إعراض على ما ورد في القرآن الكريم من الأدلة الكثيرة 


.590 /١ تفسير البغوي (9/ "0707 (*) العلو‎ )١( 
. ١ كتب ورسائل ابن تيمية في العقيدة 9/ 5715 . (5) انظر: الرد بالعدة والعتاد على من أنكر أثر مجاهد في الإقعاد» ص5‎ )١( 


١1 


على تنزيه الله تعالى عن الجهة والمكان» ومن الأمثلة على ذلك ما ورد في قصة إبراهيم عليه 
السلام مع قومه. واستدلاله بحصول التغير في الكواكب على ذلك؛ وقد عبر عن هذا 
الدليل الفخر الرازي بقوله: (فقد حكى الله تعالى عنه في كتابه بأنه استدل بحصول التغير 
في أحوال الكواكب على حدوثهاء ثم قال عند تمام الإستدلال: #وّجَهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ 
السََّاوَات ارظن حَنِيفًا# [الأنعام: 2100078 

قال آخر: ثم ذكر وجوه دلالة الآية الكريمة على تنزيه الله تعالى وتقديسه عن التحيز 
والجهة» ومنها أنه ما دام قد ثبت بالبرهان أن (الأجسام متاثلة.. فإنه ما صح على أحد 
المثلين وجب أن يصح عل المثل الآخر» فلو كان تعالى جسماء أو جوهرا وجب أن يصح 
عليه كل ما صح على غيره» وأن يصح على غيره كل ما صح عليه» وذلك يقتضي جواز التغير 
عليه ولما حكم الخليل يي بأن المتغير من حال إلى حال لا يصلح للإلهية» وثبت أنه لو كان 
جسم لصح عليه التغير لزم القطع بأنه تعالى ليس بمتحيز أصلا)0) 

قال آخر(": ومنها أن إبراهيم عليه السلام قال عند تمام الإستدلال: #وَجَهْتٌ 
وَجْهِيَ لِلَِّي قَطَرٌ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَزِيقًاك [الأنعام: 504 فلم يذكر من صفات الله تعالى 
إلا كونه خالقا للعالم» والله تعالى مدحه على هذا الكلام وعظمه. فقال: #وَتِلْكَ حجنا 
آتيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَ قَوْمِهِ تَرْفَعْ دَرَجَاتِ مَنْ َشَاءُ» [الأنعام: 4]» (ولو كان إله العالم جسم| 
موصوفا بمقدار محصوص وشكل مخصوص لا كمل العلم به تعالى إلا بعد العلم بكونه 
جسم متحيزاء ولو كان كذلك لما كان مستحقا للمدح والتعظيم بمجرد معرفة كونه خالقا 


للعالم» فلم| كان هذا القدر من المعرفة كافيا في كال معرفة الله تعالى دل ذلك على أنه تعالى 


. أساس التقديس في علم الكلام» ص"7. (") أساس التقديس في علم الكلام» ص77‎ )١( 


(1) أساس التقديس في علم الكلام؛ ص75. 


ليس بمتحيز)(1) 

قال آخر: ومنها أنه تعالى لو كان جس] (لكان كل جسم مشاركا له في تمام الماهية 
فالقول بكونه جسا يقتضي إثبات الشريك لله تعالى» وذلك ينافي قوله: # وَمَا أَنَا مِنَ 
امُمْرِكِينَ4 [الأنعام: 4/]» فثبت با ذكرناه أن العظماء من الأنبياء عليهم السلام كانوا قاطعين 
بتنزيه الله تعالى وتقديسه عن الجسمية والجوهرية والجهة)() 

قال آخر: بالإضافة إلى ذلك؛ فإن كل ما ذكر شيوخنا من الحشوية من الآيات 
والأحاديث التي يرون كونها مثبتة للجهة معارضة بآيات وأحاديث كثيرة تبين تنزهه عنهاء 
ولذلك هم يضطرون لتأويلهاء وبذلك يقعون فيم| ينهون عنه. 

قال آخر: ومن الأمثلة على ذلك ما ورد في القرآن الكريم من الآيات الكثيرة التي 
تخبر عن قرب الله تعالى من خلقه. ومعيته ل هم» وفي كل الأحوال.. وأنه أدنى إليهم من حبل 
الوريد. كما قال تعالى: #وَلَقَدْ حَلَّقَا الِْنْسَانَ وَتَعْلَمُ ما نوَسْوِْسٌ به تَفْسَهُ وََحْنْ أَقَرَبُ إِلَيْه 
مِنْ حَبّل الْوَرِيدِ» [ق:1] 

قال آخر: ومنها الآيات التي تذكر حضور الله ومعيته مع كل شيء. كما قال تعالى: 
لهُرَ الذي حَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضٌ في َه يام لوا وي 
الأزض وَمَا يرح مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ من السّّاء وَمَ يرج فيا وهو مَعَكُمْ أَيْنَّ مَا كُنتَمْ وَالله )ا 


تَعْمَلُونَ بَصِر#احديد 4]» وقال: ما يَكُونُ مِنْ تَجْوَى تَكَانَّ إلا هُوَ رَابحُهُمْ وَلَا عمْسَة إل 


5 


اراس ار سخ 


ل 
و اوضق ولا أذت وخ ذلك ولاك إلا هو مَعَهُمْ أَيْنَ ما كَانُوا نه يتنهم يا عَمِلُوا يَوْمَ 
الام م إن الله بكُلٌ قَيْءٍ عَلِيٌ) [المجادلة /1] 

قال آخر: ومثل ذلك ذكره لمعيته مع المؤمنين الصالحين» حيث قال تعالى: # وَقَالَ 


. أساس التقديس في علم الكلام؛ ص77 . (1) أساس التقديس في علم الكلام» ص77‎ )١( 


١75 





لله إِنْ مَعَكُمْ لَيِنْ أََمْثمُ لصَّلاة ود بم الزّكَاة وَآمدنَمْ رَسلٍ وَعَرَرعُوهُمْ وَأَفْرَضْتُمُ الله قَرْضًا 
حسما [المائدة: 17]» ا وقال: 8 إِذْ 
يُوحِي رَبُكَ إلى الملائكة أن مَعَكُمْ فتبْتُوا الِّينَ آمُوا سَأَلقِي في قُلُوبٍ الّذِينَ كَمَرُوا الرُعْبَ 
[الأنفال: 17] 

قال آخر: ومثل ذلك ذكر قرب المؤمنين» والصالحين منهم خصوصاء فقال:# وَمَا 
أَنوَاْكُمْ وا أَوْكَادكُمْ التي قربكُمْعِنْدَئَارُلْفَى إلا مَنْ آمَنَوعَوِلَ صَايِتادَأولِكَ َم جَرَء 
الضَّعْفِ با عَمِلُوا وَهُمْ في الْعْرّقَاتِ آمِنُونَ 4 [سبا: 00] 

قال آخر: وبهذا تفسر الآيات التي تدل على البعد في حق الله تعالى» فقد ذكر الله تعالى 
بعد الكفار عن ربهم وحجابهم عنه. فقال اوور ععلناة 5 انا كينا لقائوا أزلا نكيلف 
يانه أَعْجَوِىٌ وَعَرٍَّ كل هُوَ ِلَِّينَ آمنُوا هُدَى وَشِفَاءوَالَِّينَلَايُؤْمنُونَ في آذَاِمْ ور وَهْوَ 
عَلَيِْمْ عَمّى لِك يُتَادَوْنَ منْ مَكَانِ يعي لفصلت: 4؛] 

قال آخر: وكل ذلك يستحيل أن يراد به المكان والجهة» ولذلك» نرى مث, مثبتو الحهة 
مضطرين لتأويل كل تلك النصوص في سبيل إثبات ما رأوا إثباته» فوقعوا في التناقضات 
الكثيرة. 

قال آخر: ولو أنهم نزهوا الله تعالى عن المكانء لما احتاجوا إلى كل ذلك التكلف في 
الإثبات والتأويل. 

التركيب والأبعاض: 

قال أحد الحضور: وعينا هذا.. فحدثونا عن النموذج الثالث. 

قال كبير الحشوية: النموذج الثالث هو ما كنا نعتقده من لوازم الجسمية والحدود. 


وهو عدم استحالة التركيب على الله تعالى» على عكس ما يقوله المنزهة» ذلك أننا مع عدم 


١7 / 


اعتبار هذا من صفات الله تعالى؛ إلا أنا كنا نعتبر معناه صحيحا. 
قال آخر: وقد كنا نستدل على ذلك بإجماع سلفنا الذين كنا نعتبرهم قدوتنا في دينناء 
والذين ذكروا أن صفة الأنامل مرتبطة بصفة الأصابع» والأصابع مرتبطة بصفة اليدء وأن 
لله تعالى يدين» وغيرهاء ولذلك لا يمكن معرفة صفات الله تعالى من دون الإيمان بالتركيب. 
قال آخر: ومن الأحاديث التي كنا نستدل بها على جواز البعضية والتركيب على الله 


54 


ءِ م 50 ل 2ك عع ك6 ل كلم كمي 16 1ه سس سكس ها 
ما أورده علماؤنا في تفسير قوله تعالى: # قَالَ رَبّ أربي أنظر إِلَيّكَ قَالَ لَْنْ تَرَاني وَلَكِنْ انظر 


اين 


ا 


ِلَ اجبلٍ ون اسْتَفرٌ مَكَانَهُ َسَوْفَ ترَانِ قََ تل رَبْه للَْبلٍ جَعَلَُ دكا وَحَرٌ مُوسَى صَعِقاً 
[الأعراف: 146] فقد رووا عن أنس عن النبي :4 في قوله تعالى: « قَلَا تل رَبْهُ ِْجَبَلٍ * 
[الأعراف: ]١47‏ قال: هكذاء يعني أنه أخرج طرف الخنصرء قال أحمد: أرانا معاذ» فقال له حميد 
الطويل: ما تريد إلى هذا يا أبا محمد» قال: فضرب صدره ضربة شديدة» وقال: (من أنت يا 
حميد؟ وما أنت يا حميد؟ يحدثني به أنس بن مالك عن النبي 4 فتقول أنت ما تريد إليه)17).. 
وني رواية أخرى عن أنس: أنَّ النبي 2 قرأ هذه الآبة « ََا تل رَبَهُ للْجَبلٍ جعَلَهُ د45 
[الأعراف: ]١57‏ قال حماد هكذا وأمسك سليان بطرف إبهامه على أنملة إصبعه اليمنى» قال: 
(فساخ الجبل وحَرَّ موسى صعقاً)() 

قال آخر: ومن تلك الروايات ما يذكره علماؤنا عند حديثهم عن صفتي [الحَجْرَةٌ 
وَاَْقَوَآه واللذان يعنيان في ظاهرهما [موضع عقد الإزار وشده]ء فهم يذكرون أنم| 
(صفتان ذاتيان خبريتان ثابتتان بالسنة الصحيحة)» ويستدلون لما با روي عن ابن عباس 


قال: (إن الرحم شجنة آخذة بحجزة الرحمن؛ يصل من وصلهاء ويقطع من قطعها)(”© 


))07( وابن أبي عاصم في السنة‎ )١9157( أحمد: 0116/8 (؟) أحمد‎ )١( 
)١١5 (؟) الترمذي: (ه/‎ 


١8 


قال آخر: ويستدلون لذلك أيضا بها روي عن أب هريرة قال: (خلق الله الخلق فلا 
فرغ منه؛ قامت الرحمء فأخذت بحقو الرحمن, فقال: مه!.. قالت: هذا مقام العائذ بيك من 
القطيعة)(١2»‏ وهم يذكرون أن هذا الحديث صريح في اعتبار الحقو بعضا من الله ولهذا 
تمسكت به الرحمء ى| يتمسك أحدنا بآخر عند التوسل إليه» وقد قال بعض شيوخنا في 
شرحه: (وهذا الحديث في الجملة من أحاديث الصفاتء التي نص الأئمة على أنه يمر ىا 
جاء» وردوا على من نفى موجبه؛ وما ذكره الخطابي وغيره أن هذا الحديث مما يتأول 
بالاتفاق؛ فهذا بحسب علمه. حيث لم يبلغه فيه عن أحد من العلماء أنه جعله من أحاديث 
الصفات التي تمر ىا جاءت)("» ثم نقل عن ابن حامد قوله: (وتما يجب التصديق به أن لله 
حقوا)» وعن المروزي قوله: قرأت على أبي عبد الله كتاباء فمر فيه ذكر حديث أبي هريرة عن 
النبي : (إن الله خلق الرحمء حتى إذا فرغ منها؛ أخذت بحقو الرحمن)» فرفع المحدث 
رأسه. وقال: أخاف أن تكون كفرت. قال أبو عبد الله: هذا جهمي)0© 

قال آخر: ونقل عن القاضي أبو يعلى قوله: (اعلم أنه غير ممتنع حمل هذا الخبر على 
ظاهره» وأن (الحقو) و(الحجزة) صفة ذات, لا على وجه الجارحة والبعضء وأن الرحم 
آخذة مهاء لا على وجه الاتصال والماسة» بل نطلق ذلك تسمية ى] أطلقها الشرع» وقد ذكر 
شيخنا أبو عبد الله هذا الحديث في كتابه» وأخذ بظاهره» وهو ظاهر كلام أحمد)7؟» 

قال آخر: ثم عقب عليه بقوله: (قلت: قوله: (لا على وجه الجارحة والبعض)» 
وقوله: (لا على وجه الاتصال والماسة)؛ قول غير سديد» وهو من أقوال أهل البدع التي 
أفسدت عقول كثير من الناس؛ فمثل هذا الكلام المجمل لا يجوز نفيه مطلقاء ولا إثباته 


20787 رواه البخاري (58750) وغيره. (*) شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري (؟/‎ )١( 
207/17 (؟) شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري (؟/ 2787 (4) شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري (؟/‎ 


205 


مطلقا؛ لأنه يحتمل حقا وباطلاء فلا بد من التفصيل في ذلكء. والإعراض عنه أولى؛ لأن 
كلام رسول الله : خال منه» وليس هو بحاجة إليه؛ فهو واضح. وليس ظاهر هذا الحديث 
أن لله إزارا ورداء من جنس الأزر والأردية التي يلبسها الناسء ما يصنع من الجلود والكتان 
والقطن وغيره. بل هذا الحديث نص في نفي هذا المعنى الفاسد؛ فإنه لو قيل عن بعض 
العباد: إن العظمة إزاره والكبرياء رداؤه؛ لكان إخباره بذلك عن العظمة والكبرياء اللذين 
ليسا من جنس ما يلبس من الثياب. فإذا كان هذا المعنى الفاسد لا يظهر من وصف 
المخلوق؛ لأن تركيب اللفظ يمنع ذلك» وبين المعنى المراد؛ فكيف يدعى أن هذا المعنى 
ظاهر اللفظ في حق الله تعالى» فإن كل من يفهم الخطاب ويعرف اللغة؛ يعلم أن الرسول 6 
لم يخبر عن ربه بلبس الأكسية والثياب)17) 

قال آخر: ومن الآثار التي كنا نستدل بها على جواز التركيب على الله ما كنا نرويه عن 
عكرمة أنه قال: (إن الله عز وجل إذا أراد أن يخوف عباده أبدى عن بعضه إلى الأرض فعند 
ذلك تزلزل» وإذا أراد أن تدمدم على قوم تجلى لها)("2» وقد صرح ابن القيم بصحة هذه 
الرواية» بل اعتبر ما ورد فيها من العقائد التي أثبتها في نونيته المشهورة 0©. 

قال آخر: وقد استشهد شيخنا ابن تيمية بهذه الرواية على صحة إطلاق القول بأن 
الصفة بعض الموصوفء. فقال: (وأما إطلاق القول بأن الصفة بعض الموصوف وأنها ليست 
غيره» فقد قال ذلك طوائف من أئمة أهل الكلام وفرسانهم» وإذا حقق الأمر في كثير من 
هذه المنازعات لم يجد العاقل السليم العقل ما يخالف ضرورة العقل لغير غرضء بل كثير 
من المنازعات يكون لفظيا أو اعتبارياء فمن قال إن الأعراض بعض الجسم أو أنها ليست 
)١(‏ شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري (7/ 7/77 السنة. 


(؟) السنة 9(5920/5 23١‏ الفردوس بمأثور الخطاب للديلمي (*) انظر شرح قصيدة ابن القيم لأحمد بن إبراهيم 77٠/١‏ 


وعزاه ابن تيمية في الفتاوى الكبرى 87/5 إلى الطبراني في كتاب 





غيره» ومن قال إنها غيره يعود النزاع بين محققيهم إلى لفظ واعتبار واختلاف اصطلاح في 
مسمى (بعض) و(غير) كما قد أوضحنا ذلك في بيان تلبيس الجهمية الذي وضعه أبو عبد 
الله الرازي في نفي الصفات الخبرية وبنى ذلك على أن ثبوتها يستلزم افتقار الرب تعالى إلى 
غيره وتركيبه من الأبعاض.ء وبينا ما في ذلك من الألفاظ المشتركة المجملة.. فهذا إن كان 
أحد أطلق البعض على الذات وغيره من الصفات وقال إنه بعض الله وأنكر ذلك عليه لأن 
الصفة ليست غير الموصوف مطلقاء وإن كان الإنكار لأنه لا يقال في صفات الله لفظ 
البعضء فهذا اللفظ قد نطق به آئمة الصحابة والتابعين وتابعيهم ذاكرين وآثرين)22(7 
قال آخر: ثم نقل الرواية التي ذكرناهاء ثم قال: (وقد جاء في الأحاديث المرفوعة في 
تجليه سبحانه للجبل والتي فيها أنه ما تجلى منه إلا مثل الخنصر» وفي قصة داود: قال: يدنيه 
حتى يمس بعضه. وهذا متواتر عن هؤلاء.. ولاريب أن لفظ البعض والجزء والغير ألفاظ 
مجملة فيها إهام وإمهام» فإنه قد يقال ذلك على ما يجوز أن يوجد منه شيء دون شيء بحيث 
كوو انتانق عع عقا ووانصال نعقه عو عقو أ رويك دلق قيدا كرا يفال جد 
الغيرين ما جاز مفارقة أحدهما للآخر كصفات الأجسام المخلوقة من أجزائها وأعراضها 
فإنه يجوز أن تتفرق وتنفصل والله سبحانه منزه عن ذلك كله مقدس عن النقائص 
والآفات.. وقد يراد بذلك ما يعلم منه شيء دون شيء فيكون المعلوم ليس هو غير المعلوم 
وإن كان لازما له لا يفارقه والتغاير بهذا المعنى ثابت لكل موجود فإن العبد قد يعلم وجود 
الحق ثم يعلم أنه قادر ثم أنه عالم..فمن نفى عنه وعن صفاته التغاير والتبعيض بهذا المعنى 
فهو معطل جاحد للرب فإن هذا التغاير لا ينتفي إلا عن المعدوم..فقول السلف والآئمة 


)١(‏ الفتاوى الكبرى 0/ 85 47 وانظر كلام الفراء في إبطال التأويلات ا 


17١ 





وإن قال قائل معناها التبعيض فهو تبعيض ببذا الاعتبار كى| يقال إنه تغاير بهذا الاعتبار) 217 

قال آخر: ومن الروايات التي استدل مها سلفنا كذلك ما أوردوه عند تفسير قوله 
تعالى: #وَإِنَ لَهُ عِنْدَنَا لرُلمَى وَحُسْنَ مَآبِ * [ص: 155 فقد رووا عن مجاهد عن عبيد بن 
عمير قوله: (حتى يضع بعضه عليه)("» وفي رواية: (ذكر الدنو منه حتى ذكر أنه يمس 
بعضه)20) وني رواية:(ما يأمن داود عليه السلام يوم القيامة حتى يقال له أدنه فيقول ذنبي 
ذنبي حتى بلغ فيقال أدنه فيقول ذنبي ذنبي فيقال له أدنه فيقول ذنبي ذنبي حتى بلغ مكاناً 
الله أعلم به قال سفيان كأنه يمسك شيئا)”؟»» وفي رواية عن مجاهد: (حتى يأخذ بقدمه)(*, 
وفي رواية عن مجاهد: (إذا كان يوم القيامة ذكر داود ذنبه فيقول الله عز وجل له كن أمامي 
فيقول رب ذنبي ذنبي فيقول الله له كن خلفي فيقول رب ذنبي ذنبي فيقول الله عز وجل 
خلذ بقدمي2106 وني رواية: (حتى يضع يده في يده 7" 

قال آخر: وغيرها من الروايات» والتي لا يستفاد منها غير تركيب الله تعالى من 
أجزاء وأبعاض.. ولهذا قال القاضي أبو يعلى تعليقا عليها:(اعلم أنه غير متنع مل هذا الخبر 
على ظاهره إذ ليس فيه ما يحيل صفاته ولا يخرجها عا تستحقه لأنا لا نثبت قدماً وفخذاً 
وجارحة ولا أبعاضاً» بل نثبت ذلك صفة كا أثبتنا الذات والوجه واليدي)20) 

قال آخر: وقال ابن القيم مشيرا إلى أمثال هذه الروايات معتبرا المنكر لها جهميا 
معطلا: (وقد قال غير واحد من السلف: كان داود بعد التوبة خيراً منه قبل الخطيئة» قالوا 


0ن 
عير بتر -ه بسر 


ولهذا قال سبحانه: #فَعَمَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ لَهُ عِنْدَنًا لَزْلْمَى وَحْسْنَ مَآب 4# [ص: 00]» فزاده 


)1١187( 501/ /7 الفتاوى الكبرى 0/ 426 437. (5) السنة‎ )١( 

(؟) السنة ؟9/6/7ا85(5١٠)‏ و5/لامه )١118(‏ الخلال في السنة (5) السنة /١‏ 77(777) ابن أبي شيبة في المصنف7/ 757 (71884) 
لتتطدت لضف () السنة ؟/ )١١5(6٠05‏ 

(*") السنة 7/ )١156(6 ٠7‏ (8) انظر حاشية المرجع السابق 71١ 7١1//١‏ 


)١1١51( 6057/5 السنة‎ )( 


1 





على المغفرة أمرين الزلفى وهي درجة القرب منه. وقد قال فيها سلف الأمة وأئمتها ما لا 
تحتمله عقول الجهمية وفراخهم؛ ومن أراد معرفتها فعليه بتفاسير السلف) 27 

قال آخر: وسبب كل هذا الذي حصل لنا من الانحراف هو إعرضنا عن أئمة الهدى 
الذين أوصانا مهم رسول الله يي فمن الأحاديث الصريحة عنهم في ذلك, قول الإمام علي 
في وصف الله تعالى: (لا يتغير بحال» ولا يتبدل في الأحوال. ولا تبليه الليالي والأيام» ولا 
يغيره الضياء والظلام» ولا يوصف بشيء من الأجزاء ولا بالجوارح والأعضاءء ولا بعرض 
من الأعراضء ولا بالغيرية والأبعاضء ولا يقال: له حد ولا نباية» ولا انقطاع ولا غاية» 
ولا أن الأشياء تحويه فتقله أو تهويه» أو أن شيئا يحمله فيميله أو يعدله)77) 

قال آخر: وسئل الإمام الصادق: (كيف هو الله؟)» فقال: (واحد في ذاته» فلا واحد 
كواحد؛ لأن ما سواه من الواحد متجزئ. وهو تبارك وتعالى واحد لا يتجزأء ولا يقع عليه 
العد)220) 

قال آخر: وعن يونس بن ظبيان»: دخلت على الإمام الصادق» فقلت له: إن هشام 
بن الحكم يقول قولا عظيماء إلا أني أختصر لك منه أحرفاء فزعم أن الله جسم؛ لأن الأشياء 
شيئان: جسم وفعل الجسم, فلا يجوز أن يكون الصانع بمعنى الفعل» ويجوز أن يكون 
بمعنى الفاعل» فقال الإمام الصادق: (ويحه.. أما علم أن الجسم محدود متناه» والصورة 
محدودة متناهية» فإذا احتمل الحد احتمل الزيادة والنقصان, وإذا احتمل الزيادة والنقصان 
كان مخحلوقا)» قلت: فا أقول؟ قال: (لا جسم ولا صورة وهو مجسم الأجسام ومصور 
الصورء لم يتجزأ ولم يتناه ولم يتزايد ولم يتناقصء لو كان كما يقولون لم يكن بين الخالق 


.1517/ / ٠١ الاحتجاج: 7 / 7117 / 23377 بحار الأنوار:‎ )7( 7801 /١ طريق الحجرتين‎ )١( 


١15 / نبج البلاغة: الخطبة 2185 الاحتجاج: ١م للا‎ )١( 


ونا 


والمخلوق فرقء ولا بين المنشئ والمنشأء لكن هو المنشئ» فرق بين من جسمه وصوره 
وأنشأه إذ كان لا يشبهه شيء ولا يشبه هو شيئا) 7 

قال آخر: ويروى أنه دخل رجل من الزنادقة على الإمام الرضاء فقال: دلي ربيك» 
فقال: لا حد له قال: ولم؟ قال: (لأن كل محدود متناه إلى حد. وإذا احتمل التحديد احتمل 
الزيادة» وإذا احتمل الزيادة احتمل النقصانء, فهو غير محدود ولا متزايد ولا متناقص ولا 
متجزي ولا متوهم)0) 

قال آخر: وقال الإمام الجواد: (كل متجزى أو متوهم بالقلة والكثرة فهو مخلوق دال 
على خالق له)() 

قال آخر: ولهذاء فإن العلماء الذين لم يتآثروا بمن تأثرنا بهم من المجسمة وجد في 
القرآن الكريم الأدلة الكثيرة على تنزيه الله تعالى عن ذلك» ومن الأمثلة على ذلك ما ذكره 
بعضهم من الآيات الكريمة الدالة على نفي التركيب والأبعاض عن الله فقال: (ولم يكتف 
القرآن حتى صرح بهذه اللوازم تفصيلا لمن تدبره مستدلا بها لعباده فقال: #وّالسََّءَ 
رَفَعَهَاك [الرحن: 1 لوَالْأَرْضَ وَضَعَهَاك [الرحن: ٠١‏ فهذا بين لك أن الارتفاع والانضاع 
الحسيين كما يشاهد في السماء والأرض هما من صفات الحادثات الممكنات لا بد لما من 
فاعل» وأنه فاعل ذلك فهو الرافع الخافضء وما هو من دلائل الحدوث يستحيل أن يكون 
وصفا للواجب المتعالي» وكذلك قال سبحانه #الله الَذِي رَقَمَ السَّاوَاتِ4 [الرعد: ؟! وَهُوَ 
الذي مَدَّ الَْرْضَّى» /الرعد: *] أي خفضها وجعلها بحيث تصلح للمشى في مناكبها قال 
لوّجَعَلٌ فيهًارَوَايِي وَأَثْجَارَا وَمِنْ كُلّ الثمَرَاتِ جَعَلَ فيا زَوْجَيْنِ انين [الرعد: *] ثم ذكر 


)١(‏ الكاني: 5/1١5 / ١‏ التوحيد: 19 / لا. (") الكافني: 1١١7 / ١‏ / لء التوحيد: 1917 / /ا. 
(1) التوحيد: 76٠‏ و707/ ”ء عيون أخبار الرضا: /١‏ 57 78/11. 


1 


انقسام الأرض إلى أجزاء مختلفة واتصاف ثار الجنات والزروع بتفاضل بعضها على بعض 
في الأكل» وأنه هو فاعل ذلك ومجزئه ومقسمه. كما أشار في آية أخرى إلى أنه مجزئ جسم 
الإنسان إلى أجزاءء وجاعل لكل منها وظيفة» فقال #ا] تَجْعَلٌ لَهُ عَيْئينِ وَلِسَانًا وَسَمَتَينِ» 
[البلد: 8 4] واحتج على الإنسان بوجوده على القدر المخصوص وتجزئته إلى الأجزاء المسماة 
المعدولة عم يجوز عليها من الصفات إلى ما هي عليه من الحسن والنظام وتركبه» فقال: 
ليَايجا الْإِنْسَانُ مَا عَرَّكَ بِرَيّكَ الْكَريم الَّذِي حَلَقَكَ قَسَوَّاكَ فَحَدَلَكَ في أي صُورَةٍ مَا ضَاءَ 
رَكَبَكَ4 [الانفطار: 1-7 فالعقول تفهم ببداهتها أن الانقسام إلى الأجزاء لا سيا إذا كانت 
مسواة» والتركب من الجوارح والأعضاء لا بد له من موجد مقسم مركبء ولذلك احتج 
الله به على ابن آدم» وحال أن يحتج الله على الحدوث بوصفء ثم يكون هذا الوصف في ذاته 
عز وجلء فمن قال بتركب ذات الله من الأجزاء وحمل اليدين والعين والأعين والوجه 
واليمين الواردة في كتاب الله في وصف الله والقدمين والساق في الحديث على الأعضاء 
والأجزاءء وحمل العلو الوارد في وصفه تعالى على العلو الحسى المكاني» والنزول على مثل 
ذلكء وأن ذلك مقتضى الكتاب والسنة» وأنه بذلك يكون سلفياء ف| فهم الكتاب ولا السنة 
ولا تابع السلف الصالح.ء فهذا كتاب الله يرد عليه أبلغ رد( 

قال آخعرة وبعد أذ ساق نصا لناصر الدين البيضاوي ف تفسين قوله تعاق: او جعلوا 
لَهُ مِنْ عِبَادِِ جُزْءً# [الزخرف: ]1١‏ قال: (فإنه تعالى لو جاز عليه الانقسام أو صح عليه الصغر 
أو الامتداد لكان مقدراء وقد علمت أن كتابه سبحانه ينادي بأن كل مقدر حادث مخلوق» 
فيكون ممكناء والممكن يستحيل أن يكون خالقا وموجداء وقد ثبت أنه الخلاق فيجب أن 


.5١ فرقان القرآن بين صفات الخالق وصفات والأكوان» ص‎ )١( 


كا 





أن يكون منزها عن التركب وقبول الانقسام» وكل ما هو من خصائص المادة والأجسامء 
بذلك نطق كتاب الله لقوم يسمعون, ونادت بهذا آياته من ألقى إليها السمع وهو شهيد. 
وعلى ذلك أطبق أهل السنة الذين لم يصابوا با أصيب به أهل الحوى من مرض التشبيه 
والتجسيم الذي أصيب به اليهود من قبلهم» ووقع فيه النصارى من بعدهم)(22 

قال آخر: ثم ذكر موقف المخالفين متعجبا منه» فقال: (والعجب أنك ترى إمام 
المدافعين عن بيضة أهل التشبيه وشيخ إسلام أهل التجسيم ممن سبقه من الكرامية وجهلة 
المحدثين الذين يحفظون وليس هم فقه فيا يحفظون, أحمد بن عبد الحليم المعروف بابن 
تيمية» يرمي إمام الحرمين وحجة الإسلام الغزالي بأنه| أشد كفرا من اليهود والنصارى. 
لقوهم بالتنزيه» وهمالم ينفردا به» بل هو قول المحققين من علماء الملة الإسلامية من الصحابة 
فمن بعدهم إلى زمانه وإلى زمانناء وإلى أن يأتي أمر الله) 90 

التغير والحركة: 

قال أحد الحضور: وعينا هذا.. فحدثونا عن النموذج الرابع. 

قال كبير الحشوية: النموذج الرابع هو ما كنا نعتقده من لوازم الجسمية والحدود. 
وهو إثبات التغير والحركة على الله تعالم» على عكس ما يقوله المنزهة» ذلك أننا مع عدم 
اعتبار الحركة والتغير من صفات الله تعالى؛ إلا أنا كنا نعتبر معناها صحيحا في حق الله تعالى. 

قال آخر: وقد كنا نستدل لذلك بإجماع سلفنا الذين اعتبروا المجيء والنزول 
وال هرولة من صفات الله تعالى» وهي صفات لا يمكن فهمها من دون إثبات الحركة لله تعالى. 

قال آخر: ولذا اعتبر شيوخنا نفي الحركة والانتقال عن الله حكم عليه بالإعدام 


كما قال ابن القيم: (وقد دل القرآن والسنة والإجماع على أنه سبحانه يجيء يوم القيامة» 


.5١ (؟) فرقان القرآن بين صفات الخالق وصفات والأكوان» ص‎ .5١ فرقان القرآن بين صفات الخالق وصفات والأكوان» ص‎ )١( 


حرا 





وينزل لفصل القضاء بين عباده» ويأي في ظلل من الغمام والملائكة» وينزل كل ليلة إلى سماء 
الدنياء وينزل عشية عرفة» وينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة» وينزل إلى أهل الجحنة.. وهذه 
أفعال يفعلها بنفسه في هذه الأمكنة فلا يجوز نفيها عنه بنفي الحركة والنقلة المختصة 
بالمخلوقين» فإنها ليست من لوازم أفعاله المختصة به» فم| كان من لوازم أفعاله لم يجز نفيه 
عنه» وما كان من خصائص الخلق لم يجز إثباته له وحركة ال حي من لوازم ذاته» ولا فرق بين 
الحي والميت إلا بالحركة والشعورء فكل حي متحرك بالإرادة وله شعورء فنفي الحركة عنه 
كنفي الشعور وذلك يستلزم نفي الحياة) 77 

قال آخر: وقال شيخنا ابن تيمية مشيرا إلى ذلك: (وهكذا يقال لهم فى أنواع الفعل 
القائم به كالإتيان والمجيء والنزول وجنس ا حركة: إما أن يقبل ذلك وإما أن لايقبله؛ فإن 
م يقبله كانت الأجسام التى تقبل الحركة ولم تتحرك أكمل منه. وإن قبل ذلك ولم يفعله كان 
ما يتحرك أكمل منه؛ فإن الحركة كال للمتحرك» ومعلوم أن من يمكنه أن يتحرك بنفسه 
أكمل تمن لا يمكنه التحرك وما يقبل الحركة أكمل ممن لايقبلها)() 

قال آخر: وقال في شرح حديث النزول: (لفظ [الحركة] هل يوصف الله بها أم يجب 
نفيه عنه؟ اختلف فيه المسلمون وغيرهم من أهل الملل وغير أهل الملل من أهل الحديث 
وأهل الكلام وأهل الفلسفة وغيرهم على ثلاثة أقوال» وهذه الثلاثة موجودة في أصحاب 
الآئمة الأربعة من أصحاب الإمام أحمد وغيرهم)(”© 

قال آخر: ثم ذكر معنى الحركة عند المدارس المختلفة» مبتدئا بمن يطلق عليهم 
المعطلة» فقال: (والمقصود هنا أن الناس متنازعون في جنس الحركة العامة التي تتناول ما 


5765 /0 مختصر الصواعق (75908-751//5) () مجموع الفتاوى‎ )١( 
77” /8 (؟) مجموع الفتاوى‎ 
1 


ينوم يناك الوسرخمن اموي كيار كال لغضب والرضى والفرح» وكالدنو والقرب 
والانعؤاء والترول» بل والأفغال المنعدية كاشاق والأحسان وغ ذلك عل قلؤثة ثة أقوال: 
أحدها: قول من ينفي ذلك مطلقاً وبكل معنى.. وهذا أول من عرف به هم الجهمية 
والمعتزلة) 217 

قال آخر: ثم ذكر قول السلف الثبتين للحركة» فقال: (والقول الثاني: إثبات ذلك» 
وهو قول الشامية والكرامية وغيرهم من طوائف أهل الكلام الذين صرحوا بلفظ 
الحركة.. وذكر عثمان بن سعيد الدارمي إثبات لفظ الحركة في كتاب نقضه على بشر المريسي» 
ونصره على أنه قول أهل السنة والحديث» وذكره حرب بن إسماعيل الكرماني لما ذكر 
مذهب أهل السنة والأثر عن أهل السنة والحديث قاطبة» وذكر تمن لقي منهم على ذلك: 
أحمد بن حنبل» وإسحاق بن راهويه؛ وعبد الله بن الزبير الحميدي» وسعيد بن منصور» وهو 
قول أب عبد الله بن حامد وغيره.. وكثير من أهل الحديث والسنة يقول: المعنى صحيحء 
لكن؛ لا يطلق هذا اللفظ؛ لعدم مجيء الآثر به؛ ى| ذكر ذلك أبو عمر بن عبد البر وغيره في 
كلامهم على حديث التّرول» والقول المشهور عن السلف عند أهل السنة والحديث: هو 
الإقرار با ورد به الكتاب والسنة؛ من أنه يأتي وينزل وغير ذلك من الأفعال اللازمة)() 

قال آخر: ثم نقل عن أبي عمرو الطلمنكي قوله: أجمعوا (يعني: أهل السنة 
والجماعة) على أن له يأني يوم القيامة والملائكة صق صقا حساب الأمم وعرضها كما يشاء 
وكيف يشاء؛ قال تعالى: اهَل يَنْظَرُونَ إلا أنْ َيَأتِهُمُ لني ظَللٍ يِنَ الْهام وَامْكائكة وَقْضِيَ 
لمر [البقرة: بعاء قال سان : عزو جا 7ك وَاتَلَكَ مْنَاصُنَا 4 الس 15].. وأجمعوا 
عل أن الله ينول كل ليلة إلى سماء الدنيا عل ما أنت به الآثار كيف شاء لا دوق ف ذلك 


)١(‏ مجموع الفتاوى (5/ /الا5) )١(‏ مجموع الفتاوى (5/ لالاه) 


18 





كان تروف السام وغ برح وفع ةقانا ومالك فى بن موعن الدرول؟ 
فقال: نعم؛ أقر به» ولا أَجِدٌ فيه حَدَا)(0) 

قال آخر: ثم ذكر القول الثالث» وهو الذي لا ينفي إطلاق وصف الحركة على الله 
ولا يثبته» وإن لم ينف معناهاء فقال: (القول الثالث: الإمساك عن النفي والإثبات» وهو 
اختيار كثيرٌ من أهل الحديث والفقهاء والصوفية؛ كابن بطة وغيره» وهؤلاء فيهم من 
يعرض بقلبه عن تقدير أحد الأمرين» ومنهم من يميل بقلبه إلى أحدهماء ولكن؛ لا يتكلم 
لا بنفي ولا بإثبات)7) 

قال آخر: وهكذا عبر عن إثبات الحركة لله تعالى شيخنا ابن عثيمين بقوله: 
(النصوص في إثبات الفعل والمجيء والاستواء والتّزول إلى السماء الدنيا إن كانت تستلزم 
الحركة لله؛ فالحركة له حق ثابت بمقتضى هذه النصوص ولازمهاء وإن كنا لا نعقل كيفية 
هذه ال حركة)9) 

قال آخر: وسبب كل هذا الذي حصل لنا من الانحراف هو إعرضنا عن أئمة المدى 
الذين أوصانا مهم رسول الله يي فمن الأحاديث الصريحة عنهم في ذلك, قول الإمام علي 
في وصف الله تعالى: (ولا يتغير بحال» ولا يتبدل في الأحوال. ولا تبليه الليالي والأيام» ولا 
يغيره الضياء والظلام)(؟) 

قال آخر: وقال في تنزيه الله تعالى: (المشاهد لجميع الأماكن بلا انتقال إليها)0*.. 
وقال: (لا يجري عليه السكون والحركة» وكيف يجري عليه ما هو أجراه» ويعود فيه ما هو 


أبداه» ويبحدث فيه ما هو أحدثه إذا لتفاوتت ذاته» ولتجزأ كنهه. ولامتنع من الأزل معناه» 


.15 / مجموع الفتاوى (5/ /ا01) (5) نبج البلاغة: الخطبة الاحتجاج: ١م للا‎ )١( 
.37” لاء التوحيد:‎ / ١57 / ١ (؟) مجموع الفتاوى (5/ /ال01) (5) الكافني:‎ 
)”” إزالة الستار عن الجواب المختار (ص‎ 


1 





ولكان له وراء إذ وجد له أمام» ولالتمس التمام إذ لزمه النقصانء وإذا لقامت آية المصنوع 
فيه» ولتحول دليلا بعد أن كان مدلولا عليه» وخرج بسلطان الامتناع من أن يؤثر فيه ما 
يؤثر في غيره!؟)17) 

قال آخر: وقال: (إن ربي لا يوصف بالبعد ولا بالحركة ولا بالسكونء ولا بالقيام 
قيام انتتصابء ولا بجيئة ولا بذهاب.. هو في الأشياء على غير ممازجة» خارج منها على غير 
مباينة.. داخل في الأشياء لا كثيء في شيء داخل وخارج منها لا كشيء من شيء 
خارج)2»..وقال: (الخالق لا بمعنى حركة)”) 

قال آخر: وقال الإمام الحسين: (لا تتداوله الأمورء ولا تجري عليه الأحوالء ولا 
تنزل عليه الأحداث)(؟) 

قال آخر: وسئل الإمام الباقر عن قول الله تبارك وتعالى: لوَلَا تَطْكَوَا فيه بحل 
عَلَيَكُمْ عَضَبِي وَمَنْيحْللُ عَلَيْه غَضَّبِي فَقَد هَوَى 4 10١:3‏ ما ذلك الغضب؟.. فقال: (هو 
العقابء إنه من زعم أن الله قد زال من شيء إلى ثيء فقد وصفه صفة مخلوقء وإن الله تعالى 
لا يستفزه شيء فيغيره)0”) 

قال آخر: وقال الإمام الصادق في قول الله عز وجل: قا آسَهُونَا الْتَقَمْنَا مِنْهُمْ 
َأَغْرَقنَاهُمْ أجْمَعِينَ4 [الزخرف: 55]: (إن الله عز وجل لا يأسف كأسفناء ولكنه خلق أولياء 
لنفسه يأسفون ويرضون وهم مخلوقون مربوبون» فجعل رضاهم رضا نفسه وسخطهم 
سخط نفسه؛ لأنه جعلهم الدعاة إليه والأدلاء عليه» فلذلك صاروا كذلكء, وليس أن ذلك 
يصل إلى الله ما يصل إلى خلقه» لكن هذا معنى ما قال من ذلكء وقد قال: (من أهان لي وليا 

(1) نبج البلاغة: الخطبة 0185 الاحتجاج: ١‏ / 417. () تحف العقول: 754. 


.١ /3154 التوحيد:‎ 0 / 1١١ / ١ الأمالي للصدوق: "5371 . (5) الكافي:‎ ١ / ٠8 التوحيد:‎ )١( 


.0 /150 /1١ الكافي:‎ )©( 





فقد بارزني بالمحاربة ودعاني إليها)» وقال: لمَنْ يْطِع ال سول فَقَدُ أْطَعَ اللهكة [النساء: »]4٠‏ 
وقال: إن الّذِينَ يُبَايحُوكَ إن يَبَايعُونَ اله يد الله فَوْقَ ف أيْدِمْ» [الفتح: »]٠١‏ فكل هذا 
مدهل ما كرت اكه ومكذا الرنا والتقب وعررسبا م الأقاد قا باك ؤللنه 
ولو كان يصل إلى الله الأسف والضجرء وهو الذي خلقههما وأنشأهما لجاز لقائل هذا أن 
يقول: إن الخالق يبيد يوما ما؛ لأنه إذا دخله الغضب والضجر دخله التغيير» وإذا دخله 
التغيير لم يؤمن عليه الإبادة» ثم لم يعرف المكون من المكونء ولا القادر من المقدور عليه 
ولا الخالق من المخلوق. تعالى الله عن هذا القول علوا كبيرا)12) 

قال آخر: وقال: (إن الله تبارك وتعالى ‏ لا يوصف بزمان ولا مكان ولا حركة ولا 
انتقال ولا سكون. بل هو خالق الزمان والمكان والحركة والسكون. تعالى الله عما يقولون 
علوا كبيرا!)27) 

قال آخر: وقال الإمام الكاظم: (أما قول الواصفين: إنه ينزل ‏ تبارك وتعالى ‏ فإن| 
يقول ذلك من ينسبه إلى نقص أو زيادة» وكل متحرك محتاج إلى من يحركه أو يتحرك به 
فمن ظن بالله الظنون هلك؛ فاحذروا في صفاته من أن تقفوا له على حد تحدونه بنقص أو 
زيادة» أو تحريك أو تحركء أو زوال أو استنزال» أو خبوض أو قعود. فإن الله جل وعز عن 
صفة الواصفين» ونعت الناعتين» وتوهم المتوهمين)2"7 

قال آخر: وقال الإمام الرضا: (ل يتغير عز وجل بخلق الخلق» ولكن الخلق يتغير 
بتغييره)(1) 


قال آخر: وقال: (فاعل له بمعنى الحركات والآلة)(20 وقال: (مدبر له بحركة)0) 


.١ / 1١1/1 / ١ التوحيد: 154 / ”. (5) التوحيد: 57 / ١ء عيون أخبار الرضا:‎ 6 / 155 / ١ الكافي:‎ )١( 
.419 / ١ الاحتجاج:‎ ١ الأمالي للصدوق: 08". (0) نبج البلاغة: الخطبة‎ ٠١ / 184 (؟) التوحيد:‎ 
.61 /161١ / ١ التوحيد: 187 / 18. (5) التوحيد: /819/ ”2 عيون أخبار الرضا:‎ ١ / 1١5 / ١ الكافي:‎ )( 


١:١ 





النظير والمثيل: 

قال أحد الحضور: وعينا هذا.. فحدثونا عن النموذج الخامس. 

قال كبير الحشوية: النموذج الخامس هو ما كنا نعتقده من لوازم الجسمية والحدود 
وهو إثبات النظير والمثيل» وقد كنا نستدل لذلك بإجماع سلفنا الذين كنا نعتبرهم قدوتنا في 
دينناء والذين اعتبروا اليد والساق والعين والوجه وغيرها من صفات الله تعالى.. ولا يمكن 
فهمها من دون إثبات أمثالها في كلامناء وإن كنا ننزه الله تعالى عن كونها مشابهة لنا. 

قال آخر: وقد شرح ذلك بتفصيل إمام أثمتنا ابن خزيمة عند رده على من يتهمنا 
بالتشبيه» حيث قال: (زعمت الجهمية عليهم لعائن الله أن أهل السنة ومتبعي الآثار, 
القائلين بكتاب رمهم وسنة نبيهم يي المثبتين لله عز وجل من صفاته ما وصف الله به نفسه 
في محكم تنزيله المثبت بين الدفتين وعلى لسان نبيه المصطفى يي بنقل العدل عن العدل 
موصولا إليه مشبهة» جهلا منهم بكتاب ربنا وسنة نبينا يَ وقلة معرفتهم بلغة العرب» 
الذين بلغتهم خوطبنا)(7) 

قال آخر: ثم رد على هذا بذكر مثال عن صفة الوجه لله تعالى» وأن هناك فرقا بين 
من يثبتها كصفة, وبين من يشبه وجه الله بوجوه عباده» فقال: (اسمعوا الآن أيها العقلاء» 
ما نذكر من جنس اللغة السائرة بين العرب» هل يقع اسم المشبهة على أهل الآثار ومتبعي 
السنن؟.. نحن نقول ‏ وعلم|ؤنا جميعا في جميع الأقطار : إن لمعبودنا عز وجل وجها كما 
أعلمنا الله في محكم تنزيله» فذواه بالجلال والإكرام» وحكم له بالبقاء» ونفى عنه الهلاك, 
ونقول: إن لوجه ربنا عز وجل من النور والضياء والبهاء ما لو كشف حجابه لأحرقت 


سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره؛ محجوب عن أبصار أهل الدنياء لا يراه بشر ما دام في 


)015 /١( التوحيد لابن خزيمة‎ )١( 


1 





الدنيا الفانية ونقول: إن وجه ربنا القديم لا يزال باقياء فنفى عنه الحلاك والفناء)17) 

قال آخر: ثم ذكر الفرق بين وجه الله تعالى ووجوه خلقه. فقال: (ونقول: إن لبني 
آدم وجوها كتب الله عليها الهلاك» ونفى عنها الجلال والإكرام» غير موصوفة بالنور 
والضياء والبهاء التي وصف الله مها وجهه. تدرك وجوه بني آدم أبصار أهل الدنياء لا تحرق 
لأحد شعرة فا فوقهاء لنفي السبحات عنهاء التي بينها نبينا المصطفى يي لوجه خالقنا 
ونقول: إن وجوه بني آدم محدثة محلوقة, لم تكن فكونها الله بعد أن لم تكن مخلوقة» أوجدها 
بعد ما كانت عدماء وإن جميع وجوه بني آدم فانية غير باقية» تصير جميعا ميتاء ثم تصير 
رميهماء ثم ينشئها الله بعد ما قد صارت رميماء فتلقى من النشور والحشر والوقوف بين يدي 
خالقها في القيامة» ومن المحاسبة بم| قدمت يداه وكسبه في الدنيا ما لا يعلم صفته غير الخالق 
البارئ» ثم تصير إما إلى جنة منعمة فيهاء أو إلى النار معذبة فيها)() 

قال آخر: وبناء على هذا بين مدى الفرق بين وجه الله ووجوه عباده» وأن ذلك هو 
المراد بنفي المثلية عن الله في قوله تعالى: ليس كَوِثْلِهِ قَيْء4 [الشورى: 011١‏ فقال: (فهل يخطر 
يا ذوي الحجا ببال عاقل مركب فيه العقل» يفهم لغة العرب» ويعرف خطابهاء ويعلم 
التشبيه» أن هذا الوجه شبيه بذاك الوجه؟.. وهل هاهنا أيها العقلاء» تشبيه وجه ربنا جل 
ثناؤه الذي هو ى) وصفنا وبينا صفته من الكتاب والسنة بتشبيه وجوه بني آدمء التي 
ذكرناها ووصفناها؟ غير اتفاق اسم الوجه. وإيقاع اسم الوجه على وجه بني آدم» كما سمى 
الله وجهه وجهاء ولو كان تشبيها من علمائنا لكان كل قائل: أن لبني آدم وجهاء وللخنازير 
والقردة» والكلابء والسباع» والحمير» والبغال» والحيات» والعقارب» وجوهاء قد شبه 


وجوه بني آدم بوجوه الخنازير والقردة» والكلاب وغيرها ما ذكرت» ولست أحسب أن 


(1) التوحيد لابن خزيمة /١(‏ 04) (؟) التوحيد لابن خزيمة /١(‏ 05) 


1 





عقل الجهمية المعطلة عند نفسه» لو قال له أكرم الناس عليه: وجهك يشبه وجه الخنزير 
والقرد» والدبء والكلبء والحمار» والبغل ونحو هذا إلا غضب. لأنه خرج من سوء 
الأدب في الفحش في المنطق من الشتم للمشبه وجهه بوجه ما ذكرناء ولعله بعد يقذفه» 
ويقذف أبويه ولست أحسب أن عاقلا يسمع هذا القائل المشبه وجه ابن آدم بوجوه ما ذكرنا 
إلا ويرميه بالكذبء والزورء والبهت أو بالعته» والخبلء أو يحكم عليه بزوال العقل» ورفع 
القلم» لتشبيه وجه ابن آدم بوجوه ما ذكرنا فتفكروا يا ذوي الأآلباب» أو وجوه ما ذكرنا 
أقرب شبها بوجوه بني آدم» أو وجه خالقنا بوجوه بني آدم؟ فإذا لم تطلق العرب تشبيه 
وجوه بني آدم بوجوه ما ذكرنا من السباع واسم الوجه. قد يقع على جميع وجوهها ى| يقع 
اسم الوجه على وجوه بني آدم؛ فكيف يلزم أن يقال لنا: أنتم مشبهة؟ ووجوه بني آدم 
ووجوه ما ذكرنا من السباع والبهائم محدثة» كلها مخلوقة» قد قضى الله فناءها وهلاكها وقد 
كانت عدماء فكونها الله وخلقها وأحدثهاء وجميع ما ذكرناه من السباع والبهائم لوجوهها 
أبصار» وخدود وجباة» وأنوف وألسنة» وأفواه» وأسنان» وشفاه ولا يقول مركب فيه العقل 
لأحد من بني آدم: وجهك شبيه بوجه الخنزير» ولا عينك شبيه بعين قردء ولا فمك فم 
دبء ولا شفتاك كشفتي كلبء ولا خدك خد ذتب إلا على المشاتمة» كما يرمي الرامي 
الإنسان با ليس فيه)17) 

قال آخر: وبناء على هذه الأوهام التي اعتبرها أدلة» قال: (فإذا كان ما ذكرنا على ما 
وصفنا ثبت عند العقلاء وأهل التمييز» أن من رمى أهل الآثار القائلين بكتاب رمهم وسنة 
نبيهم ييل بالتشبيه فقد قال الباطل والكذبء والزور والبهتان» وخالف الكتاب والسنة 


وخرج من لسان العرب)0) 


010 /١( التوحيد لابن خزيمة‎ )1( )01 /١( التوحيد لابن خزيمة‎ )١( 


1١55 





قال آخر: ثم ذكر الانحرافات التي وقع فيها المنزهة بسبب عدم سوء فهمها لنفي 
الشبيه عن الله تعالى» فقال: (وزعمت المعطلة من الجهمية: أن معنى الوجه الذي ذكر الله في 
الآي التي تلونا من كتاب الله وفي الأخبار التي روينا عن النبي يَيه ى| تقول العرب: وجه 
الكلام» ووجه الدار» فزعمت لجهلها بالعلم أن معنى قوله: وجه الله: كقول العرب: وجه 
الكلام» ووجه الثوب. ووجه الدار» ووجه الثوب» وزعمت أن الوجوه من صفات 
المخلوقين وهذه فضيحة في الدعوى, ووقوع في أقبح ما زعموا أنهم بهربون منه» فيقال لهم: 
أفليس كلام بني آدمء والثياب والدور مخلوقة؟» فمن زعم منكم أن معنى قوله: #وّجَهُ 
لله [البقرة: ]1١5‏ كقول العرب: وجه الكلام؛ ووجه الكلام» ووجه الثوب؛ ووجه الدار, 
أليس قد شبه ‏ على أصلكم ‏ وجه الله بوجه الموتان؟ لزعمكم يا جهلة ‏ أن من قال من 
أهل السنة والآثار» القائلين بكتاب رمهم وسنة نبيهم يك لله وجه وعينان» ونفس» وأن يبصر 
ويرى ويسمع: أنه مشبه عندكم خالقه بالمخلوقين» حاشا لله أن يكون أحد من أهل السنة 
والآثر شبه خالقه بأحد من المخلوقين فإذا كان على ما زعمتم بجهلكم. فأنتم شبهتم 
معبودكم بالموتان)(21 

قال آخر: ثم ذكر الفرق الكبير بين المثبتة ومن يسميهم المعطلة في هذاء فقال: (نحن 
نثبت لخالقنا جل وعلا صفاته التي وصف الله عز وجل بها نفسه في محكم تنزيله» أو على 
لسان نبيه المصطفى يي نما ثبت بنقل العدل عن العدل موصولا إليه ونقول كلاما مفهوما 
موزوناء يفهمه كل عاقل نقول: ليس إيقاع اسم الوجه للخالق البارئ بموجب عند ذوي 
الحجا والنهى أنه يشبه وجه الخالق بوجوه بني آدم قد أعلمنا الله جل وعلا في الآي التي 
تلوناها قبل أن الله وجهاء ذواه بالجلال والإكرام» ونفى الهلاك عنه» وخبرنا في محكم تنزيله 


)١(‏ التوحيد لابن خزيمة /١(‏ /ا0) 





أنه يسمع ويرى» فقال جل وعلا لكليمه موسى ولأخيه هارون عليهما السلام: ل#إنَني 
اه سْمَعَ وَأَرَى 4 [ل: 7 وما لا يسمع ولا يبصر: كالأصنامء التي هي من الموتان, ألم 
تسمع مخاطبة خليل الله يي أباه: يا أبَتِ ل تَعْبْدٌ مَا لا يَسْمَعٌ وَلَا يُبْصرُ وَلَا يُعْنِي عَنْكَ 
شَيْنَا؛ك [مريم: ؟4]؟ أفلا يعقل يا ذوي الحجا ‏ من فهم عن الله تبارك وتعالى هذا: أن خليل 
الله يي وسلامه لا يوبخ أباه على عبادة ما لا يسمع ولا يبصرء ثم يدعو إلى عبادة من لا 
يسمع ولا يبصرء ولو قال الخليل يك لأبيه: أدعوك إلى ربي الذي لا يسمع ولا يبصرء لأشبه 
أن يقول: فا الفرق بين معبودك ومعبودي؟ والله قد أثبت لنفسه أنه يسمع ويرىء والمعطلة 
من الجهمية تنكر كل صفة لله جل وعلا وصف بها نفسه في محكم تنزيله» أو على لسان نبيه 
يي لجهلهم بالعلم» وقال عز وجلّ: لأآَرَآَيْتَ مَنِ اكد إَِهُ َوَاهُ أََنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلا آَم 
كنب أن اراقع يتعقرة أزينقلرة إذخ لا اللغارول هن آمل قله اعرد 
فأعلم الله عز وجل أن من لا يسمع ولا يعقل كالأنعام» بل هم أضل سبيلاء فمعبود الجهمية 
عليهم لعائن الله كالأنعام التي لا تسمع ولا تبصر والله قد ثبت لنفسه: أنه يسمع ويرى» 
والمعطلة من الجهمية تنكر كل صفة لله وصف بها نفسه في محكم تنزيله» أو على لسان نبيه 
يي لجهلهم بالعلم» وذلك أنهم وجدوا في القرآن أن الله قد أوقع أسماء من أسماء صفاته 
على بعض خلقه. فتوهموا لجهلهم بالعلم أن من وصف الله بتلك الصفة التي وصف الله بها 
نفسه. قد شبهه بخلقه)(1) 

قال آخر: ثم ذكر ما ورد في القرآن الكريم من إثبات المثلية بين الله وعباده في أصول 
الصفات لا في كيفياتهاء فقال: (فاسمعوا يا ذوي الحجا ما أبين من جهل هؤلاء المعطلة 
أقول: وجدت الله وصف نفسه في غير موضع من كتابه» فأعلم عباده المؤمنين أنه سميع 


)١(‏ التوحيد لابن خزيمة /١(‏ /ا0) 


١55 





بصيرء فقال: ##وَه هو السَّمِيعٌ الْبَصِيدُ» الشورى: »]1١‏ وذكر عز وجل الإنسان فقال: 
#فَجَعَلْبَاهُ سَمِيعًا يَصِيرًا# [الإنسان: ؟]» وأعلمنا جل وعلا أنه يرى» فقال: #وقل اعْمَلُوا 
قَسَيرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولَّهُ وَامُؤْمنُونِ4 التوبة:00٠]»‏ وقال لموسى وهارون عليهم| السلام: 
إنَنِي مَعَك)) أَسْمَعُ وَأَرَى 4 [ط:4]» فأعلم عز وجل أنه يرى أعمال بني آدم» وأن رسوله 
وهو بشر يرى أعمالهم أيضاء وقال: أَكيَرَوْا إِلَ الطَْر مُسَخَّرَاتِ في جُوٌ السّماءِ4 [النحل: 4/] 
وبنو 7 يرون أيضا الطير 0 في جو السماء» وقال عز 0 6ه 0 


إل سه سس ل سه 


باغ [الطور: 44]» فثبت ربنا عز 5 لنفسه عيناء وثبت لبني 8 أعيناء فقال: 0 
أَعيْنَّهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْع 4 الائدة: 4] فقد خيرنا ربنا: أن له عيناء وأعلمنا أن لبني آدم أعيناء 
وقال لإبليس عليه لعنة الله: "ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ كا حَلَفَتُ بِيّدِي* اص: 500» وقال: #بل 
يدَاهُ مَبْسُوطتَانٍ يق كَيْففَ يَشَاء4 [للائدة: 4<]» وَقَالَ: لالْأَرْضُ عَِيعًا قَبْضَنْهُ يَوْمَ الْقَِامَة 
وَالسَّمَاوَاتُ مَطُويّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر:30]» فثبت ربنا جل وعلا لنفسه يدين» وخبرنا أن لبني 
آدم يدين» فقال: #ذَلِكٌ با قَدَمَتْ أَيديِكُمْ4 [العمران: 181]» وقال: #ِذَلِكَيَا قَدَّمَتْ يداك 
1ه وقال: إن الَْذِينَ يبَايعَونَكٌ إن يَبَايعُونَ الله يَدُ الله فَوْقَ ف يدم * [الفتم: ٠‏ 
وقال: #الرَّحمَنْ من عَلَ الْعَرشٍ اسْتَوّى* [طه: ه] وخبرنا: أن ان الدواب يبفوون عل 
ظهورهاء وقال في ذكر سفينة نوح: الوَاسْتَوَتْ عَلَ الْجُودِيٌ 4 [هرد: 0170144 

قال آخر: وبعد استعراضه لحذه الآيات الكريمة الواضحة. قال: (أفيلزم - ذوي 
الحجا ‏ عند هؤلاء الفسقة أن من ثبت لله ما يثبت الله في هذه الآي أن يكون مشبها خالقه 


ال ع ا ا ل لح ل ا 


)١(‏ التوحيد لابن خزيمة /١(‏ /ا0) 


1١5 /ا‎ 





بصير كم] أعلمنا خالقنا وبارتناء ونقول من له سمع وبصر من بني آدم: فهو سميع بصيرء 
ولا نقول: إن هذا تشبيه المخلوق بالخالق ونقول: إن لله عز وجل يدينء يمينين لا شمال 
فيهماء قد أعلمنا الله تبارك وتعالى أن له يدين» وخبرنا نبينا يل أنب|: يمينان لا شمال فيهماء 
ونقول: إن من كان من بني آدم سليم الجوارح والأعضاء فله يدان: يمين وشمال ولا نقول: 
إن يد المخلوقين كيد الخالق» عز ربنا عن أن تكون يده كيد خلقه» وقد سمى الله لنا نفسه 
عزيزاء وسمى بعض الملوك عزيزاء فقال: وَقَالَ نِسْوَةٌ في امْدِيئةِ امْرَأةٌ الْعَِيز تُرَاودُ قتَاهَا 
ا ا ا 


لَد ب - 2 كاه 


إِنَلَهُ با شيا كبيرًا4 [يوسف: 0108 وقال: قَانُوا يا يما الْعَزِيرٌ مما وَأَهْلَما الضّحُ 4 [يوسف: 
000 
الله مها)(1) 

قال آخر: ولو أنا عدنا إلى أحاديث رسول الله جَيِ وأحاديث عترته الطاهرة لما وقعنا 
في هذاء فمن الأحاديث الصريحة في نفي المثيل والنظير عن الله تعالى ما روي عن رسول الله 
يه أنه قال: (ليس شيء إلا وله شيء يعدله. إلا الله عز وجلء فإنه لا يعدله شيء)("©.. وقال: 
(قال الله جل جلاله: ما عرفني من شبهني بخلقي)7"© 

قال آخر: وقال الإمام علي: (لا له مثل فيعرف بمثله)7؟2.. وقال: (الذي نأى من 
الخلق فلا شيء كمثله)*».. وقال: (اتقوا الله أن تمثلوا بالرب الذي لا مثل له أو تشبهوه 
بشيء من خلقه؛ أو تلقوا عليه الأوهام» أو تعملوا فيه الفكرء أو تضربوا له الأمثال» أو 


تنعتوه بنعوت المخلوقين؛ فإن لمن فعل ذلك نارا)9».. وقال: (من وحد الله سبحانه لم يشبهه 


() التوحيد لابن خزيمة )57/1١(‏ (5) الكافي: ١57 / ١‏ / /ء التوحيد: "73/ .١‏ 
(5) ثواب الأعمال: 317 / 5. (5) الكافي: ١5١ / ١‏ / /ء التوحيد: 37”. 
(") التوحيد: 58 / *77» عيون أخبار الرضا: .١١5 / ١‏ (5) روضة الواعظين: 45. 


١8 





شق )0 
قال آخر: وقال في تنزيه الله تعالى: (وأشهد أن من ساواك بشبىء من خلقك فقد عدل 
بك» والعادل بك كافر با تنزلت به محكمات آياتك» ونطقت عنه شواهد حجج بيناتك (2) 
قال آخر: وقال: (فأشهد أن من شبهك بتباين أعضاء خلقك وتلاحم حقاق 
مفاصلهم المحتجبة لتدبير حكمتك لم يعقد غيب ضميره على معرفتك, ول يباشر قلبه اليقين 
بأنه لاند لك, وكأنه لم يسمع تبرؤ التابعين من المتبوعين إذ يقولون: تاه إن كُنا َي ضَلَالٍ 
مين إذ 2 الْعَاكْنَ # [الشعراء: 9107 5()]91) ْ 
قال آخر: وقال في تفسير قوله تعالى: #الله الصَّمَدُ) [الإخلاص: :]١‏ (تأويل الصمد لا 
اسم ولا جسم ولا مثل ولا شبه ولا صورة ولا تمثال ولا حد ولا حدود ولا موضع ولا 
مكان ولا كيف ولا أين ولا هنا ولا ثمة ولا ملأ ولا خلأ ولا قيام ولا قعودء ولاسكون 
ولا حركة, ولا ظلانيٍ ولا نوراني» ولا روحاني ولا نفساني ولا يخلو منه موضع ولا يسعه 
موضع ولا على لونء ولا على خطر قلب, ولا على شم رائحة» منفي عنه هذه الأشياء)(؟) 
قال آخر: وقال الإمام الحسين: (أيها الناسء اتقوا هؤلاء المارقة الذين يشبهون الله 
بأنفسهم. يضاهؤون قول الذين كفروا من أهل الكتابء بل هو الله ليس كمثله شيء وهو 
السميع البصيرء لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصارء وهو اللطيف الخبير» استخلص 
الوحدانية والجبروتء وأمضى المشيئة والإرادة والقدرة والعلم بما هو كائن, لا منازع له في 


شيء من أمره. ولا كفو له يعادله» ولا ضد له ينازعه. ولا سمي له يشابهه. ولا مثل له 


يشاكله)(5) 
)١(‏ غرر الحكم: 8544. (5) بحار الأنوار ج "ص ٠‏ 7. 
(1) نبج البلاغة: الخطبة »4١‏ التوحيد: 54. (5) تحف العقول: 755. 


(9) نيج البلاغة: الخطبة .41١‏ 


0 





قال آخر: وقال الإمام الصادق: (من شبه الله بخلقه فهو مشركء إن الله تبارك 
وتعالى ‏ لا يشبه شيئاء ولا يشبهه شيء» وكل ما وقع في الوهم فهو بخلافه(21 

قال آخر: وقال لمحمد بن مسلم: (يا محمد, إن الناس لا يزال مهم المنطق حتى 
يتكلموا في الله» فإذا سمعتم ذلك فقولوا: لا إله إلا الله الواحد الذي ليس كمثله شيء)7") 

قال آخر: وقال الإمام الرضا ‏ في تمجيد الله جل وعلا -: (إلمي بدت قدرتك ولم تبد 
هيئة» فجهلوك وقدروك والتقدير على غير ما به وصفوك,. وإني بريء يا لهي من الذين 
بالتشبيه طلبوك؛ ليس كمثلك شيء. إلهي ولن يدركوك,. وظاهر ما مهم من نعمتك دليلهم 
عليك لو عرفوك» وفي خلقك يا إللهي مندوحة أن يتناولوك بل سووك بخلقكء فمن ثم م 
يعرفوك» واتخذوا بعض آياتك ربا فبذلك وصفوك,ء تعاليت ربي عما به المشبهون نعتوك)7© 

قال آخر: وقام إليه رجل فقال له: يا ابن رسول الله صف لنا ربك؛ فإن من قبلنا قد 
اختلفوا عليناء فقال الإمام الرضا: (إنه من يصف ربه بالقياس لا يزال الدهر في الالتباس» 
مائلا عن المنهاج» ظاعنا في الاعوجاج» ضالا عن السبيل» قائلا غير الجميل» أعرفه بها عرف 
به نفسه من غير رؤية» وأصفه بها وصف به نفسه من غير صورة, لا يدرك بالحواس. ولا 
يقاس بالناس» معروف بغير تشبيه» ومتدان في بعده لا بنظير» لا يمثل بخليقته)(؟) 

قال آخر: وقال الإمام الجواد: (ربنا ‏ تبارك وتعالى ‏ لا شبه له» ولا ضد ولا ند ولا 
كيف ولا نهاية ولا تبصار بصر)0*» 

قال آخر: وهكذا انطلق علم|ؤنا من تدبرهم للقرآن الكريم» ولأمثال هذه الأحاديث 
الواردة عن أئمة الهدى» واستنبطوا البراهين العقلية الكثيرة الدالة على استحالة المثلية على 

.50 التوحيدة 4 (4) التوحيد:‎ )١( 


(0) الكاني: ١‏ / 47/ "2 التوحيد: 505. (5) الكاني: 1١17 / ١‏ / لاء التوحيد: 195. 


(") التوحيد: ١١٠5‏ / ”» عيون أخبار الرضا: .1١١1/ / ١‏ 





الله تعالى» وقد صاغوا براهينهم بأشكال مختلفة. 

قال آخر: ومن الأمثلة على ذلك ما ذكره الرازي في تفسير قوله تعالى: «لَيْسَ كُوِدْلهِ 

َيْءٌ وَهوَّ السّحِيعٌ الْبَصِيرُ4 [الشورى: »]1١‏ فقد ذكر في تفسيرها الكثير من وجوه دلالتها على 

ذلك فقال: (احتج علماء التوحيد قديم| وحديثا ببذه الآية في نفي كونه تعاللى جس) مركبا 
من الأعضاء والأجزاء وحاصلا في المكان والجهة» وقالوا لو كان جسم لكان مثلا لسائر 
الأجسامء فيلزم حصول الأمثال والأشباه له» وذلك باطل بصريح قوله تعالى: #لَيْسَ 
كَوِْلهِ شَىٌْ وَهُوَ السَّحِيعٌ اضر » [الشورى: )1()]1١‏ 

قال آخر: ثم فصل وجه الاستدلال بهاء فقال: (ويمكن إيراد هذه الحجة على وجه 
آخرء فيقال إما أن يكون المراد ليس كمثله شيء في ماهيات الذات» أو أن يكون المراد ليس 
كمثله في الصفات شيء. والثاني باطل» لأن العباد يوصفون بكونهم عالمين قادرين» كا أن 
الله تعالى يوصف بذلكء وكذلك يوصفون بكونهم معلومين مذكورينء مع أن الله تعالى 
يوصف بذلك. فثبت أن المراد بالماثلة المساواة في حقيقة الذات» فيكون المعنى أن شيئا من 
الذوات لا يساوي الله تعاللى في الذاتية» فلو كان الله تعالى جسماء لكان كونه جسا ذاتا لا 
صفة» فإذا كان سائر الأجسام مساوية له في الجسمية» أعني في كونها متحيزة طويلة عريضة 
عميقة» فحينئذ تكون سائر الأجسام فحينئذ تكون سائر الأجسام ماثلة لذات الله تعالى في 
كونه ذاتاء والنص ينفي ذلك فوجب أن لا يكون جسما)77) 

قال آخر: وقد رد على ما ذكره ابن خزيمة الذي ذكرتم أقواله في وجه نفي الماثلة بين 
الله وعباده» فقال: (هذا المسكين الجاهل إنم| وقع في أمثال هذه الخرافات لأنه لم يعرف حقيقة 
المثلين وعلماء التوحيد حققوا الكلام في المثلين» ثم فرعوا عليه الاستدلال مهذه الآية» فنقول 


)١(‏ مفاتيح الغيب (71/ مهم (؟) مفاتيح الغيب (71/ مه 


١6١ 





المثلان هما اللذان يقوم كل واحد منههم| مقام الآخر في حقيقته وماهيته وتحقيق الكلام فيه 
مسبوق بمقدمة أخرى فنقول: المعتبر في كل شيء. إما تمام ماهيته وإما جزء من أجزاء ماهيته 
وإما أمر خارج عن ماهيته» ولكنه من لوازم تلك الماهية» وإما أمر خارج عن ماهيته ولكنه 
ليس من لوازم تلك الماهية» وهذا التقسيم مبني على الفرق بين ذات الشيء وبين الصفات 
القائمة به)(1) 

الشكل والصورة: 

قال أحد الحضور: وعينا هذا.. فحدثونا عن النموذج السادس. 

قال كبير الحشوية: النموذج السادس هو ما كنا نعتقده من لوازم الجسمية والحدود. 
وهو إثبات الشكل والصورة لله تعالى» وقد كنا نستدل على ذلك باتفاق أثمتنا على إثباتهاء 
وقد قال ابن قتيبة: (والذي عندي ‏ والله تعالى أعلم ‏ أن الصّورة ليست بأعجب من اليدين 
والأصابع والعين» وإنما وقع الإلف لتلك لمجيئها في القرآن» ووقعت الوحشة من هذه لأنها 
م تأت في القرآن. ونحن نؤمن بالجميع» ولا نقول في شيء منه بكيفية ولا حدٌ)0) 

قال آخر: وقال شيخنا ابن تيمية في ذلك: (الأحاديث مع آيات القرآن أخبرت بأنه 
تعالى يأ عباده يوم القيامة على الوجه الذي وصف. وعند هؤلاء هو كل آتِء وما في الدنيا 
والآخرة» وأما أهل الإلحاد والحلول الخاصء كالذين يقولون بالاتحاد أو الحلول في المسيح 
أو علي أو بعض المشايخ أو بعض الملوك أو غير ذلك ما قد بسطنا القول عليهم في غير هذا 
الموضع؛ فقد يتأولون أيضاً هذا الحديث كما تأوله أهل الاتحاد والحلول المطلق؛ لكونه قال: 
فيأتيهم الله في صورة» لكن يقال لهم: لفظ (الصّورة) في الحديث كسائر ما ورد من الأسماء 
والصفات التي قد يسمى المخلوق بها على وجه التقييد» وإذا أطلقت على الله مختصة به؛ مثل 


.75١ مفاتيح الغيب (1؟/ 60417 (1) تأويل مختلف الحديث؛ ص‎ )١( 





العليم والقدير والرحيم والسميع والبصيره ومثل خلقه بيديه واستوائه على العرش ونحو 
ذلك)(200) 

قال آخر: وقال: (لفظ الصورة في الحديث كسائر ما ورد من الأسماء والصفات التي 
قد يسمى المخلوق بها على وجه التقييد» وإذا أطلقت على الله اختصت به مثل العليم» 
والقدير. والرحيم. والسميع» والبصيرء ومثل خلقه بيديه» واستوائه على العرش» ونحو 
ذلك)00) 

قال آخر: والأعجب من هذاء أنا كنا نروي من الأحاديث ما يحدد تلك الصورة 
بدقة» ومن الأمثلة على ذلك ما كنا نرويه عن أب هريرة أن رسول الله # قال: (خلق الله آدم 
على صورته؛ طوله ستون ذراعا)(2.. وكنا نروي وعن ابن عمر أن رسول الله يك قال: (لا 
تقبحوا الوجه؛ فإن الله خلق آدم على صورة الرحمن)7؟) 

قال آخر: والحديث الأخير» وإن ضعفه كبار أئمتنا كابن خزيمة 2, والألباني() إلا 
أغهم تلقوا معناه بالقبول.. بالإضافة إلى ذلك كنا نذكر أن للحديث شواهد تقويه» ومنها ما 
كنا نرويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله #: (إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه؛ فإن الله 
- تعالى ‏ خلق آدم على صورة وجهه)”" 


قال آخر: ولهذا رد علماؤنا على ما ذكره ابن خزيمة في هذا الموضع. حيث قال: 


)١(‏ بيان تلبيس الجهمية (10/ 1١1‏ ثابت. والثالثة: لا يعلم لحبيب بن أبي ثابت سماع من عطاء. 

(؟) نقض التأسيس "9 9”. (1) بالإضافة للعلل السابقة ذكر الألباني علة رابعة» وهي تغير جرير بن 

(") البخاري (773757) ومسلم (5851) عبدا حميد وسوء حفظه» وقد اضطربت روايته برواية لفظ (على صورته) عند ابن 

(5) عبدالله بن أحمد في السنة 444» وابن أبي عاصم في السنة 2074 وابن أبي عاصم ٠‏ 251 واللالكائي .7١7‏ وقد قوى الشيخ طارق عوض الله هذه العلة 
خزيمة في التوحيد /١‏ 85» والدارقطني في الصفات 45. في حاشيته على [المنتخب من العلل] للخلال بذكر الإمام الدارقطني لتفرد جرير 

(5) ضعف هذا الحديث ابن خزيمة في كتاب [التوحيد /١‏ /41]: وقد أعله بن عبدالحميد عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء؛ انظر [المتتخب من 
بثلاث علل: الأولى: أن الثوري قد خالف الأعمش في إسناده فأرسله. الثانية: علل الخلال» لابن قدامة ص 7794]. والخامسة: الانقطاع بين عطاء وابن عمر. 
عنعنة الأعمشء وهي مردودة؛ لأنه مدلس مالم يصرح بالسماع من حبيب بن أبي () السنة لابن أبي عاصم /١(‏ /5378-711) 


1١017 





(توهم بعض من لم يتحر العلم أن قوله (على صورته) يريد صورة ال رحمن» عز ربنا وجل 
عن أن يكون هذا معنى الخبر» بل معنى قوله (خلق آدم على صورته) الهاء في هذا الموضع 
كناية عن اسم المضروب والمشتومء أراد #: أن الله خلق آدم على صورة هذا المضروب الذي 
أمر الضارب باجتناب وجهه بالضربء والذي قبح وجهه)(2 

قال آخر: ومن الأمثلة على ردودهم ما عبر عنه ابن قتيبة بقوله في [تأويل غتلف الحديث] 
بعد سرد الأقوال في تأويل هذا الحديث: (ومنها أن المراد أن الله خلق آدم على صورة الوجه. 
قال: وهذا لا فائدة فيه» والناس يعلمون أن الله تبارك وتعالى خلق آدم على خلق ولده. 
وجهه على وجوههم. وزاد قوم في الحديث أنه يي مر برجل يضرب وجه رجل آخرء فقال 
(لا تضربه؛ فإن الله تعالى خلق آدم على صورته) أي صورة المضروبء وني هذا القول من 
الخلل ما في الأول)7) 

قال آخر: ومثله الطبراني فقد اعتبر هذا التأويل تجهماء فقال في كتاب السنة: (حدثنا 
عبدالله بن أحمد بن حنبل قال (قال رجل لأبي: إن رجلا قال: خلق الله آدم على صورته. أي 
صورة الرجلء» فقال: كذبء هذا قول الجهمية» وأي فائدة في هذا)9) 

قال آخر: ومثله الذهبي» فقد قال معاتبا من يشتدون على ابن خزيمة بسبب ذلك: 
(وكتابه في التوحيد مجلد كبير» وقد تأول في ذلك حديث الصورة: فليعذر من تأول بعض 
الصفات» وأما السلف ف| خاضوا في التأويل بل آمنوا وكفواء وفوضوا علم ذلك إلى الله 
ورسوله؛ ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده مع صحة إيهانه وتوخيه لاتباع الحق أهدرناه» 
وبدعناه لقل من يسلم من الأئمة معناء رحم الله الجميع بمنه وكرمه)9؟» 


)30 /1( ميزان الاعتدال‎ )( )80 45 /١( التوحيد‎ )١( 


(؟) تأويل مختلف الحديث ص )7١9(‏ (5) سير أعلام النبلاء (5 /١‏ 73/4 


16 


قال آخر: ومثلهم جميعا شيخنا ابن تيمية؛ فقد ذكر ثلاثة عشر وجهاً للرد على هذا 
التأويل» وقد قدم لها بقوله: (والكلام على ذلك أن يقال هذا الحديث لم يكن بين السلف 
من القرون الثلاثة نزاع في أن الضمير عائد إلى الله فإنه مستفيض من طرق متعددة عن عدد 
من الصحابة وسياق الأحاديث كلها يدل على ذلك وهو أيضاً مذكور فيه| عند أهل الكتابين 
من الكتب كالتوراة وغيرهاء ولكن كان من العلاء في القرن الثالث من يكره روايته 
ويروي بعضه كما يكره رواية لعض الأحاديث لمن يخاف على نفسه ويفسد عقله أو دينه كما 
قال عبد الله بن مسعود: (ما من رجل يحدث قوماً حديثاً لم تبلغه عقوم إلا كان فتنة 
لبعضهم) وني البخاري عن علي بن أبي طالب أنه قال: (حدثوا الناس ب| يعرفون ودعوا ما 
ينكرون أتحبون أن يكذب الله ورسوله)» وإن كان مع ذلك لا يرون كتمان ما جاء به الرسول 
مطلقاًء بل لابد أن يبلغوه حيث يصلح ذلك)7© 

قال آخر: ثم ذكر اتفاق الأمة على ثبوته» فقال: (وهذا اتفقت الأمة على تبليغه 
وتصديقه. وإن|ا دخلت الشبهة في الحديث لتفريق ألفاظه فإن من ألفاظه المشهورة إذا قاتل 
أحدكم فليتق الوجه. فإن الله خلق آدم على صورته. ولايقل أحدكم قبح الله وجهك ووجه 
من أشبه وجهك. فإن الله خلق آدم على صورته؛ وهذا فيه حكم عملي يحتاج إليه الفقهاء, 
وفيه الجملة الثانية الخبرية المتعلقة بلا وكثير من الفقهاء روى الجملة الأولى فقط وهي قوله 
فإذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه. ولم يذكر الثانية وعامة أهل الأصول والكلام إنم| يروون 
الجملة الثانية وهي قوله خلق الله آدم على صورته ولا يذكرون الجملة الطلبية فصار الحديث 
متواتراً بين الطائفتين وصاروا متفقين على تصديقه لكن مع تفريق بعضه عن بعض وإن 


71/0 /5( بيان تلبيس الجهمية (5/ 737/7 (1) بيان تلبيس الجهمية‎ )١( 





قال آخر: ثم ذكر كيف تصرف المتأخرون في تأويله وتحريفه» حتى من أهل الحديث 
أنفسهم» فقال: (وقد ذكره النبي 2 ابتداء في إخباره بخلق آدم في ضمن حديث طويل إذا 
ذكر على وجهه زال كثير من الأمور المحتملة» ولكن ظهر لما انتشرت الجهمية في المائة الثالثة 
جعل طائفة الضمير فيه عائداً إلى غير الله تعالى حتى نقل ذلك عن طائفة من العلماء 
المعروفين بالعلم والسنة في عامة أمورهم كأبي ثور وابن خزيمة وأبي الشيخ الأصبهاني 
وغيرهم)(1) 

قال آخر: وبناء على هذا المعنى كتب شيخنا الكبير مود بن عبدالله بن حمود التويجري 
كتابه العظيم [عقيدة أهل الإييان في خلق آدم على صورة ال رحمن]» والذي قدم له شيخنا 
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز» بقوله: (اطلعت على ما كتبه صاحب الفضيلة الشيخ حمود بن 
عبدالله التويجري وفقه الله وبارك في أعماله فيا ورد من الأحاديث في خلق آدم على صورة 
الرحمن.. فألفيته كتاباً قا كثير الفائدة قد ذكر فيه الأحاديث الصحيحة الواردة في خلق آدم 
على صورة ال رحمن» وفي| يتعلق بمجيء ال رحمن يوم القيامة على صورته» وقد أجاد وأفاد. 
وأوضح ما هو الحق في هذه المسألة» وهو أن الضمير في الحديث الصحيح في خلق آدم على 
صورته يعود إلى الله عز وجل» وهو موافق لما جاء في حديث ابن عمر أن الله خلق آدم على 
صورة ال رحمن» وقد صححه الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه والآجري وابن تيمية 
وآخرون من الأئمة رحمة الله عليهم جميعاً» وقد بين كثير من الأئمة خطأ الإمام ابن خزيمة 
في إنكار عود الضمير إلى الله سبحانه في حديث ابن عمر والصواب ما قاله الآئمة 
المذكورون وغيرهم في عود الضمير إلى الله عز وجل بلا كيف ولا تمثيل» بل صورة الله 
سبحانه تليق به وتناسبه كسائر صفاته ولا يشابهه فيها شيء من خلقه سبحانه وتعالى)(”) 


)017( بيان تلبيس الجهمية (5/ 71/7 (1) عقيدة أهل الإيوان في خلق آدم على صورة الرحمن‎ )١( 


١65 





قال آخر: وقد ذكر شيخنا التويجري دوافع تأليفه» وهي الدوافع التي لا تختلف كثيرا 
عن تلك الدوافع التي كان ينطلق منها شيوخنا وأئمتنا من أمثال الدارمي وابن خزيمة وابن 
تيمية وغيرهم» فقال: (ولا يزال القول بمذهب الجهمية مستمرا إلى زمانناء وقد رأيت ذلك 
في بعض مؤلفات المعاصرين وتعليقاتهم الخاطئة» وذكر لي عن بعض المنتسبين إلى العلم أنه 
ألقى ذلك على الطلبة في بعض المعاهد الكبار في مدينة الرياض» ولما ذكر له بعض الطلبة 
قول أهل السنة أعرض عنه وأصر على قول الجهمية» عافانا الله وسائر المسلمين مما ابتلاه 
به)(1) 

قال آخر: بل إننا كنا نورد الأحاديث التي اتفق على صحتها علماؤنا ما يعرض صورة 
الله تعالى بالتدقيق» سواء تلميحا أو تصريحا.. وبا أن ذكر ذلك من الصعب تقبله» فلذلك 
كنا نقدم لذلك بالكثير من المقدمات» ومنها المباحث الكثيرة الواردة في كتب التوحيد 
والسنة من المسألة المعروفة ب [رؤية رسول الله :# لربه]» وهي مسألة حظيت باهتمام كبير 
من شيوخنا وأئمتنا.. وأكثرهم يميل إلى أنها وقعت. 

قال آخر: وحتى الذي لا يميل إلى ذلك يذكر بأن رسول الله #6 رأى ربه في الرؤيا.. 
ثم يعقب على ذلك بآن رؤيا الأنبياء حق.. وبذلك فإن ما وصف رسول الله 4 ربه من 
الصفات الحسية مقبول سواء قيل برؤية اليقظة. أم بالرؤيا المنامية. 

قال آخر: ولآن النتيجة في كليهم| واحدة» فقد تعامل شيوخنا بهدوء مع هذه المسألة 
على الرغم من وجود آثار كثيرة تثبت الرؤية» والمثبت عندهم مقدم على النافي» قال الذهبي: 
(ولا نعنف من أثبت الرؤية لنبينا في الدنياء ولا من نفاهاء بل نقول الله ورسوله أعلم؛ بل 
نعنف ونبدع من أنكر الرؤية في الآخرة» إذ رؤية الله في الآخرة ثبتت بنصوص متوافرة)27) 


١١5/٠١ عقيدة أهل الإيهان في خلق آدم على صورة الرحمن (5) (؟) سير أعلام النبلاء‎ )١( 


١ /وا6‎ 





قال آخر: أما الفريق الذي يرى أنها قد وقعت» ويصف بالضبط صورة الله بدقة» 
فهم أكثر شيوخناء كما قال ابن تيمية: (وأكثر علماء أهل السنة يقولون: إن محمدًا # رأى 
ربه ليلة المعراج)217 

قال آخر: ويستند هذا الفريق إلى بعض الآثار عن الصحابة والتابعين» والتي يجزمون 
فيهاء ويحلفون برؤية رسول الله # لربه. وأهمها ما رووه عن عكرمة عن ابن عباس قال: 
(أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم والكلام لموسىء والرؤية لمحمد )27 

قال آآخر: ومنها ما رووه عن قتادة أن أنسًا قال: (رأى محمد ربّه)20.. ومنها ما رووه 
أن مروان سأل أبا هريرة: هل رأى محمد :# ربّه عز وجل؟ فقال: (نعم» قد رآه)؛) 

قال آخر: ومثل ذلك رووا عن التابعين أن عكرمة سئل عن قوله تعالى: ما كَذَّبَ 
الْفُوَادُ مَا رَأَى 4 [النجم »]1١‏ فقال: (أتريد أن أقول لك: قد رآه.. نعم قد رآه» ثم قد رآه؛ ثم 
قد رآه» حتى ينقطع النفس)20».. ورووا عن المبارك بن فضالة قال: (كان الحسن يحلف 
ثلاثة لقد رأى محمد يق ربه)77) 

قال آخر: وقد ورد في بعض تلك الروايات وصفا دقيقا لكيفية رؤيته له وهو ما 
روي عن عطاء عن ابن عباس في قوله تعالى: #وَلَقَدُ َم دل أخرَى » [النجم 1]» حيث 
روي عن عبد الله بن عمر أنه بعث إلى عبد الله بن عباس يسأله: هل رأى محمد 4# ربه؟ 


فبعث إليه: (أن نعم قد رآه)» فرد رسوله إليه وقال: كيف رآه؟ فقال: (رآه على كرسي من 


)١(‏ مجموع الفتاوى 7/ 7785. (4) عبد الله بن أحمد في السنة 2718177١‏ واللالكائي في شرح أصول 

(؟) ابن أبي عاصم في السنة »)١97/١(‏ وعبد الله بن أحمد في السنة اعتقاد أهل السنة "/ 1لاه 10/8. 
(244/1» والنسائي في الكبرى (5/ »)١178‏ وابن خزيمة في التوحيد /١(‏ 414 (5) ابن جرير في تفسيره /71/ 58 . وعبد الله بن أحمد في السنة 7171١ 11/8/1١‏ 
ح7077)» والآجري في الشريعة (/ 0951١‏ ح171١1)‏ 48/50 ١03ح3717)‏ واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد 9/ ١/اه‏ 917 

(7) ابن أبي عاصم في السنة 18/8/1١‏ 577 . وابن خزيمة في كتاب التوحيد (1) ابن خزيمة في التوحيد 5488/7 .18١‏ وتفسير عبد الرزاق ؟/ .7١5‏ 
الاق 580 والشفا للقاضي عياض .75//١‏ 


١ 





ذهبء تحمله أربعة من الملائكة» ملك في صورة رجلء وملك في صورة أسد. وملك في 
صورة ثورء وملك في صورة نسر» في روضة خضراء. دونه فراش من ذهب)7١)‏ 

قال آخر: وبعد تثبيت شيوخنا لهذه المقدمات بمختلف أنواعهاء يذكرون أهم 
نتيجة» وهي تحديد صورة الله تعالى بدقة» حتى إذا ظهر للمؤمنين المثبتين يوم القيامة م 
يخطئوا فيه. 

قال آخر: والحديث الذي يدل على هذا هو ما رووه عن أم الطفيل امرأة أبي بن كعب 
أنها قالت: (سمعت رسول الله :4 يذكر أنه رأى ربه عز وجل في المنام في صورة شاب موفر 
في خضر على فراش من ذهب في رجليه نعلان من ذهب»» وفي رواية (رأيت ربي في المنام 
في صورة شاب موقر في خضرء عليه نعلان من ذهب, وعلى وجهه فراش من ذهب»» وفي 
رواية: (أنه رأى ربه عز وجل في النوم في صورة شاب ذي وفرة» قدماه في الخضرة:, عليه 
نعلان من ذهبء على وجهه فراش من ذهب)2) 

قال آخر: وفي رواية عن ابن عباس عن رسول الله # أنه قال: (رأيت ربي» عز وجل» 
في حلة خضراء في صورة شاب عليه تاج يلمع منه البصر)» وفي وراية: (أن محمداً :# رأى 
ربه في صورة شاب أمرد من دونه ستر من لؤلؤء قدميه» أو قال: رجليه في خضرة)» وفي 
رواية (رأيت ربي جعداً أمرد عليه حلة خضراء)0© 


قال آخر: وقد دافع شيخنا ابن تيمية عن هذا الحديث والروايات الواردة فيه أيا 





)١(‏ ابن أبي شيبة في كتاب العرش ص 741 78 وابن خزيمة في التوحيد 
؟/ 5487 ب7070”ء وعبد الله بن أحمد في السئة /١‏ 115. والآجري في الشريعة 
"6 1. 

(1) ابن أبي عاصم في السنة .57١ 700/١‏ والطبراني في المعجم الكبير 
15760 51". والبيهقي في الأسماء والصفات ؟// ”51‏ 59" 457. 
والدارقطني في الرؤية ص ١9٠‏ 715. 


(”) هذا الحديث صححه جمعٌ من أعلام السلفية الكبار منهم: الإمام أحمد 


(المنتتخب من علل الخلال: ص ”787» وإبطال التأويلات لأبي يعلى ,)1794/١‏ 
وأبو زرعة الرازي (إبطال التأويلات لأبي يعلى .)2١55 /١‏ والطبراني (إبطال 
التأويلات لأبي يعلى :.)١57/١‏ وأبو الحسن بن بشار (إبطال التأويلات /١‏ 
5771571)» وأبو يعلى في (إبطال التأويلات :)١57 0357 2141١ /١‏ 
وابن صدقة (إبطال التأويلات )١5 15/١‏ (تلبيس الجهمية /1/ 73705)» وابن تيمية 
في (بيان تلبيس الجهمية /ا/ 0705:59٠١‏ 


1١ 


دفاع» فقال: (قال الخلال أبوبكر المروذي: قرئ على أبي عبد الله شاذان حدثنا حماد بن سلمة 
عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس أن محمدًا رأى ربه» فذكر الحديث, قلت إخهم يطعنون 
في شاذان يقولون ما رواه غير شاذان» قال بلى قد كتبته عن عفان عن رجل عن حماد عن 
سلمة عن قتادة عن ابن عباسء قال: قال رسول الله يَي: رأيت ربيء وقال المروذي في 
موضع آخر قلت لأبي عبد الله: فشاذان كيف هو؟ قال: ثقة» وجعل يثبته» وقال: في هذا 
يشنع به عليناء قلت: أفليس العلاء تلقته بالقبول» قال بلى قلت إنهم يقولون إن قتادة لم 
يسمع من عكرمة قال هذا لايدري الذي قال وغضب وأخرج إليّ كتابه فيه أحاديث با 
سمع قتادة من عكرمة» فإذا ستة أحاديث سمعت عكرمة حدثنا بهذا المروذي عن أَبٍ عبد 
الله قال أبو عبد الله: قد ذهب من يحسن هذا وعجب من قول من قال لم يسمع وقال سبحان 
الله هو قدم البصرة فاجتمع عليه الخلق)27 

قال آخر: وقال في موضع آخر: (شاذان يقول أرسلت إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل 
أستأذنه في أن أحدث بحديث قتادة عن عكرمة عن ابن عباسء قال: رأيت ربي» قال: حدث 
به فقد حدث به العلماء» قال الخلال أبنا الحسن بن ناصح قال: حدثنا الأسود بن عامر 
شاذان ثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي يل رأى ربه جعدًا 
قططا أمرد في حلة حمراء والصواب حلة خضراء)() 

قال آخر: ثم روى أحاديث الرؤية المنامية» ويبين انطباقها على الأحاديث الدالة على 
الرؤية في اليقظة» فقد روى عن امرأة أبي بن كعب أنها سمعت رسول الله يي يقول: (رأيت 


ربي في المنام في خضر من الفردوس إلى أنصاف ساقيه في رجليه نعلان من ذهب)7"© 


)١915 /17( بيان تلبيس الجهمية‎ "١ )١95 /7( بيان تلبيس الجهمية‎ )١( 
)195 /9( (؟) بيان تلبيس الجهمية‎ 


قال آخر: ثم علق عليه بقوله: (وهذا الحديث الذي أمر أحمد بتحديثه قد صرح فيه 
بأنه رأى ذلك في المنامء وهذه الألفاظ نظير الألفاظ التي في حديث ابن عباس)0) 

قال آخر: بل إن ابن تيمية فوق ذلك» وحتى يبين إمكانية الاستدلال بحديث الرؤية 
المنامية على صفة الله قال: (وإذا كان كذلك فالإنسان قد يرى ربه في المنام ويخاطبه فهذا 
حق في الرؤياء ولا يجوز أن يعتقد أن الله في نفسه مثل ما رأى في المنام فإن سائر ما يرى في 
المنام لا يجب أن يكون مماثلاء ولكن لا بد أن تكون الصورة التي رآه فيها مناسبة ومشابهة 
لاعتقاده في ربه» فإن كان إيانه واعتقاده مطابقا أتي من الصور وسمع من الكلام ما يناسب 
ذلك. وإلا كان بالعكس.. وليس في رؤية الله في المنام نقص ولا عيب يتعلق به سبحانه 
وتعالى وإنما ذلك بحسب حال الرائي وصحة إيمانه وفساده واستقامة حاله وانحرافه)(2) 

قال آخر: وما يريده شيخنا ابن تيمية من هذا الكلام واضح.ء ذلك أنه يعرف أن 
المسلمين جميعا يعرفون أن محمدا يَ أعرف الخلق بربه» ولذلك رؤيته مقاربة أو مطابقة لله 
نفسه.. خاصة إذا انضم إليها ما صححه من الأحاديث المتعلقة بالرؤية الحسية. 

قال آخر: ولو أنا رجعنا إلى أئمة الهدى الذين عزلناهم» واستبدلناهم بأولئك 
المشايخ ما وقعنا فيما وقعنا فيه» ومن ذلك قول الإمام الصادق في تنزيه الله تعالى: (سبحان 
من لا يعلم أحد كيف هو إلا هوء ليس كمثله ثيء وهو السميع البصير لا يحد ولا يحس 
ولايجس27» ولا تدركه الأبصار ولا الحواسء ولا يحيط به شيء ولا جسم ولا صورة ولا 
تخطيط ولا تحديد)(؟) 


قال آخر: وقال في تنزيه الله: (لا جسم ولا صورة» وهو مجسم الأجسام ومصور 


(1) بيان تلبيس الجهمية (9/ 1915) (5) الجس: المس باليد. 
(؟) بيان تلبيس الحهمية /١(‏ 0078 (5) الكافي: 1/ .١ 1١4‏ 


11١ 


الصورء لم يتجزأ ولم يتناه ولم يتزايد ولم يتناقصء لو كان كما يقولون لم يكن بين الخالق 
والمخلوق فرقء ولا بين المنشيو المنشا؛ لكن هو المنشى» فرق بين من جسمه وصوره وأنشأه» 
إذ كان لا يشبهه شيء ولا يشبه هو شيئا) 217 

قال آخر: وسئل الإمام الكاظم عن الجسم والصورة» فقال: (سبحان من ليس 
كمثله شيء؛ لا جسم ولااصورة)(© 

قال آخر: وسئل الإمام الرضا عن التوحيد» فقال: (الحمد لله فاطر الأشياء إنشاء» 
ومبتدعها ابتداعا بقدرته وحكمته. لا من شيء فيبطل الاختراع. ولا لعلة فلا يصح 
الابتداع» خلق ما شاءء كيف شاءء متوحدا بذلك لإظهار حكمته وحقيقة ربوبيته» لا 
تضبطه العقول ولا تبلغه الأوهام ولا تدركه الأبصار ولا يحيط به مقدار» عجزت دونه 
العبارة وكلت دونه الأبصار. وضل فيه تصاريف الصفات» احتجب بغير حجاب 
محجوبء. واستتر بغير ستر مستور» عرف بغير رؤية» ووصف بغير صورة» ونعت بغير 
جسم. لا إله إلا الله الكبير المتعال)7© 

قال آخر: وقيل له: يا ابن رسول الله» إن الناس يروون أن رسول الله يل قال: (إن 
الله خلق آدم على صورته)» فقال: (قاتلهم الله» لقد حذفوا أول الحديث, إن رسول الله 42 
مر برجلين يتسابان» فسمع أحدهما يقول لصاحبه: قبح الله وجهك ووجه من يشبهك! 
فقال يَ: يا عبد الله» لا تقل هذا لأخيك؛ فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته)7؟» 

الرؤية والإدراك: 


قال أحد الحضور: وعينا هذا.. فحدثونا عن النموذج السابع. 


.” /3١6 / ١ الكافني:‎ )7( .5/1١5 /1 الكافي:‎ )١( 
.17/11١9/1١ عيون أخبار الرضا:‎ ء»1١‎ /1١67 التوحيد:‎ )5( .7/31١ 5 /1 (؟) الكافي:‎ 


1١1 


قال كبير الحشوية: النموذج السابع هو ما كنا نعتقده من لوازم الجسمية والحدود. 
وهو إثبات الرؤية الحسية لله تعالى؛ وقد اتفق جميع أتمتنا على ذلك» وقد قال شيخنا ابن 
تيمية في ذلك: (وإن| يكذب بها أو يحرفها ‏ أي: أحاديث الرؤية في الآخرة ‏ الجهمية» ومن 
تبعهم من المعتزلة والرافضة ونحوهمء من الذين يكذبون بصفات الله تعالى وبرؤيته» وغير 
ذلك وهم المعطلة شرار الخلق والخليقة) 227 

قال آخر: وقد نقل أثمتنا الإجماع على ذلك» فقد قال عبدالغني المقدمي: (وأجمع 
أهل الحق واتفق أهل التوحيد والصدق أن الله تعالى يرى في الآخرة ىا جاء في كتابه وصح 
عن رسوله)07) 

قال آخر: وقال ابن أبي العز الحنفي: (وقد قال بثبوت الرؤية الصحابة والتابعون» 
وأئمة الإسلام المعروفون بالإمامة في الدين» وأهل الحديث» وسائر طوائف أهل الكلام 
المنسوبون إلى السنة واللحاعة)09© 

قال آخر: ولهذا حكم أئمتنا على كفر جاحد الرؤية» وقد قال شيخنا ابن تيمية في 
ذلك: (والذي عليه جمهور السلف أن من جحد رؤية الله في الدار الآخرة» فهو كافر» فإن 
كان من لم يبلغه العلم ذلك» عرف ذلك كما يعرف من لم تبلغه شرائع الإسلام» فإن أصر 
على الجحود بعد بلوغ العلم له فهو كافر)؟) 

قال آخر: وقال العلامة ابن باز: (رؤية الله في الآخرة ثابتة عند أهل السنة والجماعة 
من أنكرها كفرء يراه المؤمنون يوم القيامة ويرونه في الجنة ى) يشاء بإجماع أهل السنة)(0» 

قال آخر: وقد اتفق أثمتنا على أن رؤية الله تعالى هي أعظم نعيم لأهل الجنة» وقد 

)4857/ 5( مجموع الفتاوى (7/ 391 08437 (:) مجموع الفتاوى‎ )١( 
)41١ /78( عقيدة الحافظ عبدالغني المقدسي (58) (5) مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز‎ )1( 


(؟) شرح الطحاوي )١57(‏ 


16 





قال ابن القيم في ذلك: (فأعظم نعيم الآخرة ولذاتهاء هو النظر إلى وجه الرب جل جلاله» 
وسماع كلامه منه» والقرب منه؛ كما ثبت في الصحيح في حديث الرؤية)(27» وقال: (فأطيب 
ما في الدنيا معرفته ومحبته» وألذ ما في الآخرة رؤيته ومشاهدته) 

قال آخر: وأما رؤية الله تعالى في الدنياء فقد قال فيها شيخنا ابن تيمية: (وإن) لم نره 
في الدنيا لعجز أبصارناء لا لامتناع الرؤياء فهذه الشمس إذا حدق الرائي البصر في شعاعهاء 
ضعف عن رؤيتها لا لامتناع في ذات المرئي» بل لعجز الرائيء فإذا كان في الدار الآخرة 
أكمل الله قوى الآدميين حتى أطاقهم رؤيته» وهذا لما تجلى الله للجبل خر موسى صعقا؛ 
قال: سبحانك تبت إليك» وأنا أول المؤمنين بأنه لا يراك حي إلا مات ولا يابس إلا تدهده» 
ولهذا كان البشر يعجزون عن رؤية الملك في صورته إلا من أيده الله | أيد نبينا :)200 

قال آخر: ولو أنا رجعنا إلى أئمة الهمدى الذين عزلناهم» واستبدلناهم بأولئك 
المشايخ ما وقعنا فيم| وقعنا فيه. ومن ذلك ما روي عن هشامء قال: كنت عند الإمام الصادق 
إذ دخل عليه معاوية بن وهبء وعبد الملك بن أعين» فقال له معاوية بن وهب: يا ابن 
رسول الله» ما تقول في الخبر الذي روي أن رسول الله يل رأى ربه» على أي صورة رآه؟.. 
وعن الحديث الذي رووه أن المؤمنين يرون ربهم في الجنة» على أي صورة يرونه؟ فتبسم, ثم 
قال: يا فلان» ما أقبح بالرجل يأ عليه سبعون سنة» أو ثانون سنة» يعيش في ملك الله 
ويأكل من نعمه» لا يعرف الله حق معرفته. ثم قال: يا معاوية» إن محمدا يي لم ير ربه تبارك 
وتعالى بمشاهدة العيان» وإن الرؤية على وجهين: رؤية القلب ورؤية البصر؛ فمن عنى 


برؤية القلب فهو مصيبء ومن عنى برؤية البصر فقد كفر بالله وبآياته؛ لقول رسول الله 


6985 / الداء والدواء («58578) (1) منهاج السنة النبوية (؟‎ )١( 


1 





يَي: من شبه الله بخلقه فقد كفر)(1) 

قال آخر: وقيل له: أخبرني عن الله عز وجل هل يراه المؤمنون يوم القيامة؟.. فقال: 
نعم» وقد رأوه قبل يوم القيامة» قيل: متى؟ قال: حين قال لهم: أَلَسْتُ يِرَيّكُمْ فَالُوابَل * 
[الأعراف: 7 ثم سكت ساعة. ثم قال: (وإن المؤمنين ليرونه في الدنيا قبل يوم القيامة 
ألست تراه في وقتك هذا؟) قال السائل: فقلت له: جعلت فداك؛ فأحدث ببذا عنك؟ فقال: 
(لا» فإنك إذا حدثت به فأنكره منكر جاهل بمعنى ما تقوله» ثم قدر أن ذلك تشبيه كفرء 
وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين» تعالى الله عما يصفه المشبهون والملحدون)7») 

قال آخر: وقال: (رأته القلوب بنور الإيانء وأثبتته العقول بيقظتها إثبات العيان» 
وأبصرته الأبصار با رأته من حسن التركيب» وإحكام التأليف. ثم الرسل وآياتهاء والكتب 
ومحكماتباء واقتصرت العلماء على ما رأت من عظمته دون رؤيته)27) 

قال آخر: وقال لمن سأله: هل رأى رسول الله # ربه؟: (نعمء رآه بقلبه» فآما ربنا ‏ 
جل جلاله ‏ فلا تدركه أبصار الناظرين» ولا تحيط به أسماع السامعين)(؟» 

قال آخر: وهكذا روي عن إمام آئمة ال هدى الإمام علي» فقد روي أنه كان يخطب 
على منبر الكوفة» إذ قام إليه رجل يقال له ذعلب. ذو لسان بليغ في الخطب شجاع القلب؛ 
فقال: يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك؟ قال: ويلك يا ذعلبء ما كنت أعبد ربا لم أره» فقال: 
يا أمير المؤمنين كيف رأيته؟ قال: ويلك يا ذعلب» ل تره العيون بمشاهدة الأبصار ولكن 
رأته القلوب بحقائق الإيهان» ويلك يا ذعلبء إن ربي لطيف اللطافة لا يوصف باللطف» 
عظيم العظمة لاايوصف بالعظم. كبير الكبرياء لا يوصف بالكبرء جليل الجلالة لا يوصف 


.7 /١55 / ٠١ كفاية الأثر: 765. (؟) الاحتجاج: ؟/ ؟١5/ 777 بحار الأنوار:‎ )١( 
.4 ١ روضة الواعظين:‎ »٠١ / ١ بحار الأنوار: 5 / 55 / 75. (5) الأمالي للسيد المرتضى:‎ ء»”١‎ /1١1١1/ التوحيد:‎ )1( 


١6 


بالغلظ» قبل كل شيء لا يقال شيء قبله» وبعد كل شيء لا يقال له بعد» شاء الأشياء لا 
بهمة» دراك لا بخديعة في الأشياء كلهاء غير متمازج بها ولا بائن منهاء ظاهر لا بتأويل 
المباشرة» متجل لا باستهلال رؤية» ناء لا بمسافة» قريب لا بمداناة )١(‏ 

قال آخر: وروي أن رجلا من اليهود أتاه» فقال: يا علي» هل رأيت ربك؟ فقال: ما 
كنت بالذي أعبد إها لم أره» ثم قال: لم تره العيون في مشاهدة الأبصارء غير أن الإيمان 
بالغيب بين عقد القلوب20. 

قال آخر: وهكذا روي عن سائر أئمة الهدى» فعن سنان, قال: حضرت الإمام 
الباقر. فدخل عليه رجل من الخوارجء فقال له: يا أبا جعفر» أي شيء تعبد؟ قال: الله تعالى» 
قال: رأيته؟ قال: (بل لم تره العيون بمشاهدة الأبصارء ولكن رأته القلوب بحقائق 
الإيهان)0) 

قال آخر: وعن المدائني» قال: بين| محمد بن علي بن الحسين (الإمام الباقر) في فناء 
الكعبة» فإذا أعرابي فقال له: هل رأيت الله حيث عبدته؟ فأطرق وأطرق من كان حوله. ثم 
رفع رأسه إليه فقال: (ما كنت لأعبد شيئا لم أره» فقال: وكيف رأيته؟ قال: لم تره الأبصار 
بمشاهدة العيان» ولكن رأته القلوب بحقائق الإيان» لا يدرك بالحواس» ولا يقاس 
بالناس» معروف بالآيات» منعوت بالعلامات, لا يجور في قضيته» بان من الأشياء وبانت 
الأشياء منه» ليس كمثله شيء, ذلك الله لا إله إلا هو)» فقال الأعرابي: الله أعلم حيث يجعل 
رسالاته0). 


ب. الحشوية والنبوة: 


.5 / ٠١8 التوحيد:‎ 0 / 91 / ١ التوحيد: 7/704 () الكافي:‎ »4 / 18 / ١ الكافي:‎ )١( 


(؟) المحاسن: ١‏ / ”الا (؟) تاريخ دمشق: 5 / ”8 1!؛الإرشاد: /١‏ 56 الاحتجاج: لس" 


١ ل‎ 


بعد أن انتهى الحشوية التائبون من ذكر الأدلة على ما في كتبهم من تجسيم وتشبيه» 
قام بعض ال حضورء وقال: وعينا هذا.. فحدثونا عن التشويه الذي تعرضت له النبوة؟ 

قال كبير الحشوية: أجل.. ورب| يكون أعظم خطرا مما ذكرناه؟ 

قال أحد الحضور: فهل هناك ما هو أخطر من تشويه العقيدة في الله؟ 

قال الحشوي: نعم إن تشويه العقيدة في الله خطير جداء وهي تجعل صاحبها وثنيا 
من حيث لا يشعر لكن تشويه الأنبياء والرسل وأعلام الهداية خطير أيضاء لأنه يرفع كل 
القيم النبيلة.. فالأنبياء هم الهداة؛ فإذا استطاع المدلسون تشويههم استطاعوا بعد ذلك أن 
ينسخوا ويمحوا كل القيم النبيلة التي دعوا إليها. 

قال الحضور: فهل حصل هذا؟ 

قال الحشوي: أجل.. ذلك أننا لم نترك نبيا من الأنبياء عليهم السلام إلا وأغرقنا 
تفاسيرنا بالروايات والأخبار والأساطير التي تجعل القارئين يغفلون عنه وعن المعاني 
القرآنية النبيلة التي ارتبطت به» لينشغلوا با نذكره» من غير تمييز بين الغث والسمين(2©. 

الحشوية وآدم: 

قال أحد الحضور: فحدثونا عن آدم عليه السلام؟ 

قال الحشوي: مع أن القرآن الكريم اقتصر عند ذكره له على تلك المعاني العظيمة 
التي تعرف بحقيقة الإنسان وكرامته ووظائفه إلا أن رواياتنا الكثيرة أغرقت قصته 
بالأساطير والتفاصيل التي لا حاجة لماء بل إنها تشوهه» وتشوه كل المعاني القرآنية التي 
وردت في حقه باعتبار الأب الأول للبشرية. 


)١(‏ سنكتفي هنا بذكر بعض ما يذكره الحشوية ما يتعلق بالأنبياء عليهم الجاهلين. 
السلام» وهو بعض ما سنذكره ونرد عليه بتفصيل في كتاب: القرآن وتأويل 


1١ 1/ 


قال آخر: ومن تلك الروايات ما رووه عن أبي بن كعب عن النبي يل قال: (إن آدم 
عليه السلام كان رجلا طوالا؛ كأنه نخلةٌ سحوق كثير شعر الرأسء فلم| وقع بم| وقع به 
بدت له عورته» وكان لا يراها قبل ذلك فانطلق هارباء فأخذت برأسه شجرة من شجر 
الجنة» فقال لها: أرسليني قالت: لست مرسلتك قال: فناداه ربه عز وجل: أمني تفر؟ قال: 
أي رب لا؛ أستحييكء قال: فناداه: وإن المؤمن يستحيي ربه عز وجل من الذنب إذا وقع 
به ثم يعلم بحمد الله أين المخرج؛ يعلم أن المخرج في الاستغفارء والتوبة إلى الله عز 
وجل)(2) 

قال آخر: ومنها ما روي عن ابن عباس» وابن مسعود. وغيرهما من أصحاب رسول 
الله ة قالوا: (بعث الله عزوجل جبريل في الأرض ليأتيه بطين منهاء فقالت الأرض: أعوذ 
بالله منك أن تنقص مني أو تشينني» فرجع ولم يأخذ» وقال: رب إنها عاذت بك فأعذتهاء 
فبعث ميكائيل فعاذت منه فأعاذهاء فرجع فقال كا قال جبريل.. فبعث ملك الموت فعاذت 
منه» فقال: وأنا أعوذ بالله أن أرجع ول أنفذ أمره. فأخذ من وجه الأرض وخلطه ولم يأخذ 
من مكان واحدء وأخذ من تربة بيضاء وحمراء وسوداءء فلذلك خرج بنو آدم مختلفين.. 
فصعد به فبل التراب حتى عاد طينا لازبا.. ثم قال للملاتكة: 8 إن حَالِقٌ بَشَرَا مِنْ طِينٍ 
َإِذَا سَوَيْتَهُ وَنَفَخْتٌ فيه مِنْ رُوحِي فَفَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ4 [ص: 07/١‏ 01]» فخلقه الله بيده لثلا 
يتكبر إبليس عنه. فخلقه بشراء فكان جسدا من طين أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة» 
فمرت به الملائكة ففزعوا منه لما رأوه» وكان أشدهم منه فزعا إبليس» فكان يمر به فيضربه» 
فيصوت الجسد كما يصوت الفخار يكون له صلصلة» فذلك حين يقول: من صَلْضَالٍ 


كَالْمَخَارِ [الرحن: 14» ويقول: لامر ماخلقت» ودخل من فيه وخرج من دبره» وقال 


)7:07/( )7١8/4 /7( الزهد لأحمد بن حنبل (ص: ”57) (1510) والبعث والنشور للبيهقي (ص: 14) (176) والمستدرك على الصحيحين‎ )١( 


لاا 





للملائكة: لا ترهبوا من هذا فإن ربكم صمدٌ وهذا أجوفء لئن سلطت عليه لأهلكنه.. 
فلم| بلغ الحين الذي يريد الله عز وجل أن ينفخ فيه الروح» قال للملائكة: إذا نفخت فيه من 
روحي فاسجدوا له فلم| نفخ فيه الروح فدخل الروح في رأسه عطسء فقالت الملائكة قل: 
الحمد لله» فقال: الحمد لله فقال له الله: رمك ربك. فللم| دخلت الروح في عينيه نظر إلى 
ثهار الجنة» فلم| دخلت الروح في جوفه اشتهى الطعام» فوثب قبل أن تبلغ الروح إلى رجليه 
عجلان إلى ثمار الجنة» وذلك حين يقول الله تعالى: لق الْإِنْسَانَ مِنْ عَجَل [الأنياء: 50.] 
إلى آخر القصة الطويلة. 

قال آخر: ومن تلك الأحاديث والآثار ما يتناقض مع الأدلة التاريخية» وخاصة من 
علم الآثار؛ فتلك الروايات تذكر أن تاريخ البشرية جميعا من مبتدثه إلى منتهاه لا يتعدى 
سبعة آلاف سنة» ى) عبر عن ذلك بعض مشايخنا بقوله ‏ تحت عنوان [الباب الخامس في 
مدة العالم وعدة الرسل] -: (مدة الدنيا من ابتداء خلق العالم إلى انقضائه وفنائه سبعة آلاف 
سنة على ما جاءت به التوراة المنزلة على موسى عليه السلام وذكره أنبياء بني إسرائيل» وقد 
وافق عليه من قال بتسيير الكواكب» وأنها مسير الكواكب السبعة فسير كل كوكب منها 
ألف سنةء وقد روي عن رسول الله # أنه قال: (الدنيا سبعة آلاف سنة أنا في آخرها 
ألفا)وقال #: (بعثت والساعة كهاتين)» وجمع بين أصبعيه الوسطى والسبابة يعني أن 
الباقي منها كزيادة الوسطى على السبابة» وروى سلمة بن عبد الله الجهنى عن أبى مسجعة 
الجهني عن أبي رحاب الجهني أنه قال للنبي يدل رأيتك على منبر فيه سبع درجات وأنت 
على أعلاها فقال: (الدنيا سبعة الاف سنة أنا في آخرها ألفا)» وروى أبو نضرة عن أبي سعيد 


.79 /١ رواه السدي. قصص الأنبياء لابن كثير»‎ )١( 


184 





الخدري قال: سمعت رسول الله يل بعد صلاة العصر يقول: (أيها الناس إن الدنيا خضرة 
حلوة وأن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون)» وأخذ في خطبته إلى أن قال: (لأعرفن 
رجلا منعته مهابة الناس أن يتكلم بحق إذا رآه وشهده)ثم قال: (وقد أزف غروب الشمس 
أن مثل ما بقي من الدنيا فيها مضى منه كبقية يومكم هذا فيه| مضى منه يوفى بكم سبعون أمة 
قد توفي تسع وستون وأنتم آخرها)؛ فصارت هذه المدة المقدرة في عمر الدنيا سبعة آلااف 
سنة متفقا عليها فيي| تضمنته الكتب الإلهية ووردت به الأنباء النبوية مع ما سلك به الموافق 
من تسيير الكواكب السبعة» وإن كان المعول في المغيب على الأنباء الصادقة الصادرة عن 
علام الغيوب الذي لم يشرك في غيبه إلا من أطلعه عليه من رسله فخلق العالم في ستة أيام 
ابتداؤها يوم الأحد وانقضاؤها يوم الجمعة)(© 

قال آخر: وكل هذه النصوص التي أوردها من الأحاديث التي دلست عل النبوة» 
وأضيفت ا في الفترة التي سيطر فيها اليهود وتلاميذ اليهود على الرواية والأخبار» ولذلك 
لا تعتبر سندا دينيا ولا تاريخياء وهي مردودة جملة وتفصيلا. 

قال آخر: ومن تك الروايات ما ورد حول طول آدم عليه السلام» هو ونسله من 
بعده» وهو ما يتنانى مع ما دل عليه العلم» ومن تلك الروايات ما روي عن أب هريرة أن 
رسول الله 4 قال: (خلق الله آدم وطوله ستون ذراعاء ثم قال: اذهب فسلم على أولئك من 
الملائكة فاستمع ما يحيونك» فإنها تحيتك وتحية ذريتك. فقال السلام عليكم فقالوا: السلام 
عليكم ورحمة الله» فزادوه: ورحمة الله فكل من يدخل الجنة على صورة آدم» فلم يزل الخلق 
ينقص حتى الآن)("» وني رواية: (خلق الله آدم وطوله ستون ذراعاء فلم يزل الخلق ينقص 


حتى الآن)» وفي رواية: (فكل من يدخل الجنة على صورة آدم وطوله ستون ذراعاً فلم يزل 


)5841( رواه البخاري (7777) ومسلم‎ )١( )07/1( أعلام النبوة:‎ )1١( 


16 





الخلق ينقص حتى الآن)1(7) 

قال آخر: والحديث يدل كما يذكر شارحوه(". على أن كل قرن يكون له أقصر من 
القرن الذي قبله؛ إلى انتهى تناقص الطول إلى هذه الأمة واستقر الأمر على ذلك. 

قال آخر: وقد حسب بعضهم طول آدم ‏ بناء على اختلاف حساب الذراع ‏ فقال: 
(تما جاء حول الذراع في ملحق الموازين والمكاييل والأطوال التالي: الذراع عند الحنفية 
يساوي 55,7376 ستتيمترا.. الذراع عند المالكية يساوي 07 ستتيمترا.. الذراع عند 
الشافعية والحنابلة يساوي 5١/775‏ ستتيمترا.. وبعد إجراء معادلة رياضية بسيطة يتبين 
بان طول آدم (560 ذراعا »ا 5١/4175‏ ستتيمترا - 5 17٠١١ , ٠‏ سنتيمترا)» وهو ما يعادل 
”,٠١5(‏ مترا». وبعبارة اخرىء يبلغ طول أدم عليه السلام حوالي سبعة وثلاثين مترا 
0 مترا).. أما عرضه (فإنه (/ ذع ؟ا 71/175 سم 577,178 سم)» وهو ما يعادل 
1783م 

قال آخر: وكل هذا لم يثبت بدليل قطعي من العلم» ولا من النصوص القطعية 
المتواترة» ولذلك فإنه من الأساطير التي يرددها اليهود وغيرهم, والذين بهتمون لأمثال 
هذه القضايا الغريبة. 

قال آخر: وكانت آخر جناية جناها قومنا عليه اتبامه بالحرص على الحياة بعد أن 
ذكروا أنه عاش ألف سنة كاملة.. وقد رووا في ذلك الروايات الكثيرة.. والتي تعاملوا معها 
جميعاء وكأنها حقائق قطعية مقدسة لا يصح نقدهاء ولا الكلام فيها. 


قال آخر: ومن تلك الروايات ما رووه عن ابن عباس أنه قال: قال رسول الله 4#: 


)١(‏ مسلم 007١97(‏ نشأته في الطول أقصر من القرن الذي قبله؛ فانتهى تناقص الطول إلى هذه الأمة 
(1) قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (0771/7): (أي أن كل قرن يكون واستقر الأمر على ذلك) 


١/١ 


(أول من جحد آدم عليه السلام قالمها ثلاث مرات. إن الله لما خلقه مسح ظهره فأخرج ذريته 
فعرضهم عليه فرأى فيهم رجلا يزهر فقال: أى رب من هذا؟ قال ابنك داود قال: كم 
عمره؟ قال: ستون» قال: أى رب زد فى عمره. قال: لا إلا أن تزيده أنت من عمركء فزاده 
أربعين سنة من عمره فكتب الله عليه كتابا وأشهد عليه الملاتكة» فلما أراد أن يقبض روحه. 
قال: بقى من أجلى أربعون فقيل له: إنك جعلته لابنك داود قال: فجحدء قال: فأخرج الله 
عز وجل الكتاب وأقام عليه البينة فأتمها لداود. عليه السلام» مائة سنة وأتمها لآدم عليه 
السلام عمره ألف سنة) 227 

قال آخر: وفي رواية عن أبي هريرة يرفعها لرسول الله » اتفق السلفيون على 
صحتها: (للا خلق الله آدم مسح ظهره. فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى 
يوم القيامة» وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصا من نور» ثم عرضهم على آدم فقال: 
أي رب من هؤلاء؟ قال: هؤلاء ذريتك» فرأى رجلا فأعجبه وبيص مابين عينيه» فقال: أي 
رب من هذا؟ قال هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك يقال له داود» قال: رب وكم جعلت 
عمره؟ قال ستين سنة» قال: أي رب زده من عمري أربعين سنة. فلم| انقضى عمر آدم جاءه 
ملك الموتء قال: أو لم يبق من عمرى أربعون سنة؟ قال: أو لم تعطها ابنك داود؟ قال: 
فجحد فجحدت ذريته» ونسي آدم فنسيت ذريته» وخطئ آدم فخطئت ذريته)(”) 

قال آخر: غهذه الرواية العجيبة تصور آدم عليه السلام مهذه الصورة الحقيرة التي لا 
تتناسب مع عامة الناس» فكيف بنبي كريم علمه الله أسماء كل شيء؛ ورضيه خليفة» 


وأسجد له ملائكته» ومع ذلك وبعد أن نزل من الجنة» وتألم بآلام الأرض يصورونه وكأنه 


)١(‏ أحجد١1/‏ 0710001 صحيح الترمذي (7717) وأخرجه الحاكم ني المستدرك 7 / 70 وقال: صحيح 
(؟) الترمذي (3707) قال الترمذي: حسن صحيح. وصححه الألبانٍ في على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. 


١ 


حريص على البقاء مدة أطول.. ومن الملاحظات الجديرة بالانتباه في الرواية زيادة على 
تشويبها لآدم عليه السلام هو ما يبدو فيها من علامات اليهودية.. فالروايات بطرقها 
المختلفة تنص على أنه عندما عرضت ذريته جميعا عليه بم| فيهم رسول الله #» لم يشد انتباهه 
إلا لداود عليه السلام لأنه كان بميزا بكثرة نوره.. والنوريعني القرب والكمال.. وهم بذلك 
يصورون داود عليه السلام بأنه الأقرب والأكمل.. وهو موقف اليهود الذي لا زالوا 
يؤمنون به» فهم يعتبرون داود هو مثلهم الأعلى؛ بل يعتبرونه أكثر من موسى, لأن ال هدف 
عندهم هو الملك» وقد تحقق في داود, ولم يتحقق في موسى عليهم السلام جميعا. 


الحشوية وإدريس: 

قال أحد الحضور: وعينا هذا.. فحدثونا عن إدريس عليه السلام؟ 

قال الحشوي: مع أن القرآن الكريم اقتصر عند ذكره له على ذكر اسمه وفضله 
وصبره ورفعة مكانته» كا قال تعالى: #وَإِسَْاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الكفْلٍ كُلْ مِنَ الصَّابرِينَ 
وَأَدْحَلَْاهُمْ في رَحْمَتِنا ِنّجُمْ مِنَ الصَّالِينَ4 [الأبياء: :8٠‏ 0187 وقال وَاذْكُرْ في الْكِتَاب إِدْرِيسَ 
إِنَهُ كَانَ صِدَّيمًا نيا وَرَفَْناهُ مَكَانَا ليا [مريم: :107.5 إلا أن مفسرينا ومؤرخينا أغرقوا 
حياته بتفاصيل كثيرة لا أثارة من العلم تدل عليها. 

قال آخر: ومن الأمثلة على ذلك ما ذكروه من أن اسمه (خنوخ)» و(هرمس 
الحرامسة)» وأنه في عمود نسب رسول الله 0# وأنه أول بني آدم أعطي النبوة بعد آدم وشيث 
عليهما السلام.. وأنه أول من خط بالقلم.. وأنه أدرك من حياة آدم ثلاثائة سنة وثاني 
سنين.. وأنه المشار إليه في حديث رسول الله #2 عندما سئل عن الخط بالرمل فقال: (إنه 


رفن 


كان نبي يخط به فمن وافق خطه فذاك)(2.. وغيرها من البيانات الكثيرة المرتبطة بحياته» 
والتي لم يدل الدليل عليها. 

قال آخر: ومثل ذلك ما ينسب للإمام الباقر من القصة الطويلة عن حياته» والتي لا 
يمكن الوثوق با ورد فيها جميعاء فقد نسب إليه أنه قال: (كان نبوة إدريس عليه السلام أنه 
كان في زمنه ملك جبار وأنه ركب ذات يوم في بعض نزهة» فمر بأرض خضرة نضرة لعبد 
مؤمن فأعجبته» فسأل وزراءه لمن هذه؟ فقالوا: لفلان» فدعا به» فقال له: أمتعني بأرضك 
هذه. فقال: عيالي أحوج إليها منك» فغضب الملك وانصرف إلى أهله.. وكانت له امرأة 
يشاورها في الأمر إذا نزل به» فخرجت إليه فرأت في وجهه الغضب. فقالت: أيها الملك إن| 
يغتم ويأسف من لا يقدر على التغيير» فان كنت تكره أن تقتله بغير حجة» فنا أكفيك أمره 
وأصير أرضه بيدك بحجة لك فيها العذر عند أهل تملكتكء فقال: ما هي؟.. قالت: أبعث 
أقواما من أصحابي حتى يأتوك به فيشهدون لك عليه عندك أنه قد برئ من دينكم» فيجوز 
لك قتله وأخذ أرضه. قال: فافعلي وكان أهلها يرون قتل المؤمنين» فأمرتهم بذلك» فشهدوا 
عليه أنه برئ من دين الملك» فقتله واستخلص أرضه. فغضب الله تعالى للمؤمن فأوحى إلى 
إدريس عليه السلام أن ائت عبدي الجبار فقل له: أما رضيت أن قتلت عبدي المؤمن ظلم| 
حتى استخلصت أرضه. فأحوجت عياله من بعده وأجعتهم, أما وعزتي لأنتقمن له منك 
في الآجلء. ولأسلبنك ملكك في العاجل» ولأطعمن الكلاب ولحمكء» فقد غرك 
حلم )260 

قال آخر: ثم ذكرت الرواية أن إدريس عليه السلام أتته رسالة ربه» وهو في مجلسه 


0 


وحوله أصحابه فقال الجبار: اخرج عني يا إدريسء ثم أخبر امرأته بها جاء به إدريس عليه 


١ص (؟) قصص الأنبياء للراوندي»‎ 1/1/١ قصص الأنبياء لابن كثير»‎ :)١( 


1: 





السلام» فقال: لا تهولنك رسالة إدريس أنا أرسل إليه من يقتله وأكفيك أمرهء وكان 
لإدريس عليه السلام أصحاب مؤمنون يأنسون به ويأنس بهمء فأخبرهم بوحى الله 
ورسالته إلى الجبار» فخافوا على إدريس منه.. ثم بعثت امرأة الجبار أربعين رجلا ليقتلوا 
إدريسء فأتوه فلم يجدوه في مجلسه. فانصرفوا ورآهم أصحاب إدريسء فأحسوا بأنهم 
يريدون قتل إدريس عليه السلام» فتفرقوا في طلبه وقالوا له: خذ حذرك يا إدريسء فتنحى 
عن القرية من يومه ذلك ومعه نفر من أصحابه؛ فلم| كان في السحر ناجى ربه. فأوحى الله 
إليه أن تنح عنه وخلني وإياه» فقال إدريس عليه السلام: أسألك أن لا تمطر السماء على أهل 
هذه القرية» وإن خرجت وجهدوا وجاعواء قال الله تعالى: إني قد أعطيتك ما سألته» فأخبر 
إدريس أصحابه با سآل الله من حبس المطر عليهم وعنهم» وقال: اخرجوا من هذه القرية 
إلى غيرها من القرىء فتفرقوا وشاع الخبر بها سأل إدريس عليه السلام ربه0©. 

قال آخر: ثم ذكرت الرواية أن إدريس عليه السلام تنحى إلى كهف في جبل شاهق. 
وظهر في المدينة جبار آخرء فسلب ملك الأول وقتله وأطعم الكلاب لحمه وحم امرأته 
فمكثوا بعد إدريس لم تمطر السماء عليهم» فل) جهدوا ومشى بعضهم إلى بعض قالوا: إن 
الذي نزل بنا مما ترون بسؤال إدريس عليه السلام ربه» وقد تنحى عنا ولا علم لنا بموضعه. 
والله أرحم بنا منه» فأجمعوا أمرهم على أن يتوبوا إلى الله تعالى» فقاموا على الرماد» ولبسوا 
المسوح. وحثوا على رؤوسهم التراب. وعجوا إلى الله بالتوبة والاستغفار والبكاء والتضرع 
إليه(2. 

قال آخر: ثم ذكرت الرواية أن إدريس عليه السلام مضى حتى جلس على موضع 
مدينة الجبار الأول وهي تل» فاجتمع إليه الناس من أهل قريته» فقالوا مسنا اجوع والجهد 


./١ (؟) قصص الأنبياء للراوندي» ص‎ ./١ قصص الأنبياء للراوندي» ص‎ )١( 


١ا/ه‎ 





في هذه العشرين سنة» فادع الله تعالى لنا أن يمطر عليناء قال إدريس عليه السلام: لا أدعوا 
حتى يأتيني جباركم وجميع أهل قريتكم مشاة حفاة» فبلغ الجبار قوله» فبعث إليه أربعين 
رجال يأتوه بادريس» فأتوه وعنفوا به» فدعا عليهم فاتواء فبلغ الجبار الخبر» فبعث إليه 
خمساثة رجلء فقالوا له: يا إدريس إن الملك بعثنا إليك لنذهب بك إليه» فقال لهم إدريس 
عليه السلام: انظروا إلى مصارع أصحابكم قالوا: متنا بالجوع فارحم وادع الله أن يمطر 
علينا فقال: حتى يأتي الجبار» ثم إنهم سألوا الجبار أن يمضي معهم, فأتوه وقفوا بين يديه 
خاضعين» فقال إدريس عليه السلام: الآن» فنعم.. فسأل الله أن يمطر عليهم فاظلتهم 
سحابة من السماء» فارعدت وأبرقت وهطلت عليهم)227 

قال آخر: ومثل ذلك ما ينسب إلى ابن عباس أنه قال: (كان إدريس النبي صلوات 
الله عليه يسيح النهار ويصومه؛ ويبيت حيث ما جنه الليل» ويأتيه رزقه حيث ما أفطرء وكان 
يصعد له من العمل الصالح مثل ما يصعد لأهل الأرض كلهم» فسأل ملك الموت ربه في 
زيارة إدريس عليه السلام وأن يسلم عليه» فآذن له فنزل وأتاه» فقال: إني أريد أن أصحبك» 
فأكون معك فصحبه. وكانا يسيحان النهار ويصومانه» فإذا جنهما الليل أتى إدريس فطره 
فيأكل» ويدعو ملك الموت إليه فيقول: لا حاجة لي فيه» ثم يقومان يصليان وإدريس يفتر 
وينام» وملك الموت يصلي ولا ينام ولا يفترء فمكثا بذلك أيام.. ثم إنها مرا بقطيع غنم 
وكرم قد أينع» فقال ملك الموت: هل لك أن تأخذ من ذلك حملاء أو من هذا عناقيد فتفطر 
عليه؟ فقال: سبحان الله أدعوك إلى مالي فتأبى» فكيف تدعوني إلى مال الغير؟.. ثم قال 
إدريس عليه السلام: قد صحبتني وأحسنت فيم| بيني وبينك من أنت؟ قال: أنا ملك الموت 


قال إدريس: لي إليك حاجة فقال: وما هي؟ قال: تصعد بي إلى السماء فاستأذن ملك الموت 


./١ قصص الأنبياء للراوندي» ص‎ )١( 


١ا/لك‎ 





ربه في ذلك» فأذن له فحمله على جناحه فصعد به إلى السماء.. ثم قال له إدريس عليه 
السلام: إن لي إليك حاجة أخرى قال: وما هي؟ قال: بلغني من الموت شدة فأحب أن 
تذيقني منه طرفا فانظر هوك بلغني؟ فاستأذن ربه له فأخذ بنفسه ساعة ثم خلى عنه فقال 
له: كيف رأيت؟ قال: بلغنى عنه شدة» وأنه لأشد مما بلغنى ولى إليك حاجة اخرى ترينى 
النار فاستأذن ملك الموت صاحب النار» ففتح له» فل| رآها إدريس عليه السلام سقط 
مغشيا عليه.. ثم قال له: لي إليك حاجة اخرى تريني الجنة» فاستأذن ملك الموت خازن 
الجنة فدخلها فل| نظر إليها قال: يا ملك الموت ما كنت لأخرج منها إن الله تعالى يقول: 
#كل نفس ذَائقَة الْموْتِ# [آل عمران: 6 وقد دذقته ويقول: #وَإِنَ مِنْكُمْ إلا وَارِدْهَا» [مريم: 


)10)]: وقد وردتها ويقول في الْحنة: #وَمَا هُمْ مِنْهَا بمُخْرَحِينَ 4 [الحجر: م‎ »]١ 


ال حشوية ونوح: 

قال أحد الحضور: وعينا هذا.. فحدثونا عن نوح عليه السلام؟ 

قال الحشوي: مع أن القرآن الكريم اقتصر عند ذكره له على تلك المعاني العظيمة 
التي تعرف بجهوده العظيمة في الدعوة إلى الله ومن غير كلل ولا ملل» وبكل الوسائل 
والأساليب» حتى استحق أن يكون من أولي العزم من الرسل إلا أن رواياتنا الكثيرة أغرقت 
قصته بالأساطير والتفاصيل التي لا حاجة لهاء بل إنها تشوهه» وتشوه كل المعاني القرآنية 
التي وردت في حقه. 

قال آخر: ومن الأمثلة على ذلك ما ذكر من التفاصيل المرتبطة بنسبه وتاريخ ميلاده.. 
والتي لا دليل عليها من القرآن الكريم ولا من السنة المطهرة» ولا من التاريخ» بل هي مجرد 


)١(‏ قصص الأنبياء للراوندي. ص/لا. 


1 





أراجيف نقلها مفسرونا ومؤرخونا من اليهود وتلاميذ اليهود. فقد ذكروا أنه (نوح بن 
لامك بن متوشلخ بن خنوخ ‏ وهو إدريس بن يرد بن مهلاييل بن قينن بن أنوش بن شيث 
بن آدم أبى البشر عليه السلام.. وكان مولده بعد وفاة آدم بائة سنة وست وعشرين سنة» 
فيها ذكره ابن جرير وغيره.. وعلى تاريخ أهل الكتاب المتقدم يكون بين مولد نوح وموت 
آدم مائة وست وأربعون سنة» وكان بينهما عشرة قرون كما قال الحافظ أبو حاتم ابن حبان 
في صحيحه)(1) 

قال آخر: وقد أقر ابن كثير أن كل ذلك أو أكثره مروي عن أهل الكتاب» وهو يقصد 
بذلك اليهود طبعاء فقد ساق حديثا يرفعونه إلى رسول الله ##. وهو (مكث نوح عليه 
السلام في قومه ألف سنة ‏ يعني إلا خمسين عاما ‏ وغرس مائة سنة الشجرء فعظمت وذهبت 
كل مذهبء ثم قطعها ثم جعلها سفينة» ويمرون عليه ويسخرون منه. ويقولون: تعمل 
سفينة في البر كيف تجري؟ قال: سوف تعلمون.. فلا فرغ ونبع الماء وصار السكك خشيت 
أم الصبي عليه وكانت تحبه حبا شديدا فخرجت به إلى الجبل حتى بلغت ثلثه» فلم| بلغها 
الماء خرجت به حتى استوت على الجبل» فل)| بلغ الماء رقبتها رفعته بيديها فغرقاء فلو رحم 
الله منهم أحدا لرحم أم الصبى("» ثم علق عليه بقوله: (وهذا حديث غريب» وقد روي 
عن كعب الأحبار وجاهد وغير واحد. شبيه لهذه القصة. وأحرى بهذا الحديث أن يكون 
موقوفا متلقى عن مثل كعب الأحبار)0؟» 

قال آخر: ومثل ذلك ما ورد من التفاصيل المرتبطة بأولاده والآنساب المتعلقة بهاء 
وكلها ما لا دليل عليه وللأسف فإن علم الأنساب قائم عليهاء مع عدم وجود ما يدل 


)١(‏ قصص الأنبياء لابن كثير» /١‏ 74 ربيعة أخبره أن عائشة أم المؤمنين» أخبرته. وساق الحديث» قصص الأنبياء لابن 
(؟) رواه بن جرير وابن أبى حاتم في تقسيريم| من طريق يعقوب بن محمد كثير 166/١‏ 
الزهريء عن قائد مولى عبد الله ابن أبي رافع» أن إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي (") قصص الأنبياء لابن كثير» .١١8 /١‏ 


1١7 





عليها من المصادر المعصومة الموثوقة. 

قال آخر: ومن الأمثلة عنها ما عبر عنه ابن كثير بقوله: (وأما امرأة نوح وهي أم 
أولاده كلهم: وهم حام وسام» ويافثء ويام» ويسميه أهل الكتاب كنعان وهو الذي قد 
غرق» وعابر» فقد ماتت قبل الطوفان» وقيل إنها غرقت مع من غرقء وكانت ممن سبق 
عليه القول لكفرها.. وعند أهل الكتاب أنها كانت في السفينة» فيحتمل أنها كفرت بعد 
ذلك. أو أنها أنظرت ليوم القيامة)(١2»‏ وقال: (وقد اختلف العلماء في عدة من كان معه في 
السفينة: فعن ابن عباس: كانوا ثمانين نفسا معهم نساؤهم» وعن كعب الأحبار كانوا اثنين 
وسبعين نفسا.. وقيل كانوا عشرة.. وقيل إنما كانوا نوحا وبنيه الثلاثة وكنائنه الأربع بامرأة 
يام الذى انخزل وانعزل» وسلك عن طريق النجاة فها عدل إذ عدل)””) 

قال آخر: بل إنهم يروون في ذلك أحاديث عن رسول الله 2» وأنه قال: (سام أبو 
العرب» وحام أبو الحبشء ويافث أبو الروم)(©» ويروون أنه قال: (ولد لنوح: سام وحام 
ويافث» فولد لسام: العرب وفارس والروم والخير فيهم.. وولد ليافث: يأجوج ومأجوج 
والترك والصقالبة ولا خير فيهم.. وولد لحام: القبط والبربر والسودان)7؟» 

قال آخر: والحديث تخالف لقوله تعالى: ييا النّاسٌ إِنَا حَلَْنَاكُمْ مِنْ ذَكَر وََلنَى 
وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُويا وَقَبَائِلَلِتَعَارَقُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَنْقَاكُْ4 [الحجرات: 4118 وذلك في 
اعتباره جنسا كاملا من أجناس البشرية» لا خير فيه» وهم من يطلق عليهم (ولد يافث)» 
ويقصد مهم يأجوج ومأجوج والترك والصقالبة. 

قال آخر: لكن مع هذه المخالفة الصريحة إلا أن ابن كثير التفت في تعليقه عليه إلى 


.1١8/١ رواه الترمذيء قصص الأنبياء لابن كثين‎ )"( .١٠١ /١ قصص الأنبياء لابن كثين‎ )١( 
.١١9 /١ قصص الأنبياء لابن كثي‎ ):( .1١١ /١ (؟): قصص الأنبياء لابن كثير»‎ 


17 


السند» ولم يلتفت إلى تلك المعاني الخطيرة» فقال: (لا نعلم يروى مرفوعا إلا من هذا 
الوجه.. تفرد به محمد بن يزيد بن سنان عن أبيه» وقد حدث عنه جماعة من أهل العلم 
واحتملوا حديثه.. ورواه غيره عن يحيى بن سعيد مرسلا ولم يسنده. وإن| جعله من قول 
سعيد.. قلت: وهذا الذي ذكره أبو عمرء هو المحفوظ عن سعيد قوله. وهكذا روي عن 
وهب بن منبه مثله والله أعلم)(2© 

قال آخر: بل إن ابن كثير ‏ ومثله كل من أرخوا للأنبياء عليهم السلام ‏ يقعون في 
طامات عظيمة عندما يصورونهم بصورة لا تليق» بل يصورون أن الأنبياء عليهم السلام 
ليسوا رحمة للبشرية» وإنما سبب نقمتهم» فقد قال: (وقد ذكر أن حاما واقع امرأته في 
السفينة» فدعا عليه نوح أن تشوه خلقة نطفته» فولد له ولد أسود وهو كنعان بن حام جد 
السودان.. وقيل بل رأى أباه نائما وقد بدت عورته فلم يسترها وسترها أخواه. فلهذا دعا 
عليه أن تغير نطفته» وأن يكون أولاده عبيدا لإخوته)() 

قال آخر: وهكذا نجد في هذه المصادر الكثير من الخرافات المبنية على هذه الأسس 
المشة» وهي تتقبل بكل سهولة:؛ لأن رواتها ثقاة مفسرون للقرآن الكريم» ورواة للحديث 
الشرنيفت: 

قال آخر: ومن الأمثلة على ذلك قول قتادة: (عمران الأرض المقسم أربعة وعشرون 
ألف فرسخ في مثلهاء فالسند والهند من ذلك اثنا عشر ألف فرسخ في مثلهاء وهم ولد حام 
بن نوح» والصين من ذلك ثانية آلاف فرسخ في مثلهاء وهم ولد يافث» والروم من ذلك 
ثلاثة آلاف فرسخ في مثلهاء والعرب ألف فرسخ في مثلهاء وهم والروم جميعا من ولد سام 


)١٠١١ /1( قصص الأنبياء‎ )؟١(‎ .١٠١9 /١ قصص الأنبياء لابن كثير»‎ )١( 





بن نوح.. والمخراب أكثر)(1) 

قال آخر: ولم يكتف سلفنا بنسبة تلك الأوهام والخرافات إلى شيوخهم, بل راحوا 
يدسون أمثاها إلى أئمة الهدى» ومن الأمثلة على ذلك ما ينسب إلى الإمام العسكري أنه قال: 
(عاش نوح عليه السلام ألفين وخمسائة سنة» وكان يوما في السفينة نائما فهبت ريح 
فكشفت عورته فضحك حام ويافث فزجرهما سام ونهاهما عن الضحكء وكان كلما عطى 
سام شيئا تكشفه الريح كشفه حام ويافث. فانتبه نوح عليه السلام فرآهم وهم يضحكون» 
فقال: ماهذا؟ فأخبره سام با كان» فرفع نوح عليه السلام يده إلى السماء يدعو ويقول: 
(اللهم غيرماء صلب حام حتى لا يولد له إلا السودان» اللهم غير ماء صلب يافث) فغير 
الله ماء صلبيهماء فجميع السودان حيث كانوا من حام؛ وجميع الترك والصقالبة ويأجوج 
ومأجوج والصين من يافث حيث كانواء وجميع البيض سواهم من سامء وقال نوح عليه 
السلام لحام ويافث: جعل ذريتك] خولا لذرية سام إلى يوم القيامة» لانه بر بي وعققتاني» 
فلا زالت سمة عقوقكا لي في ذريتكى] ظاهرة» وسمة البر بي في ذرية سام ظاهرة ما بقيت 
الدينا)(20, وهي منافية تماما للقرآن الكريم» بل معارضة له أشد المعارضة. 

قال آخر: ومثلها تلك الروايات التي تصور الشيطان بصورة الناصحء لخلافها 
الواضح لقوله تعالى: إإنَّ الشَّيِطَانَ لَكُمْ عَدُوٌ) [فاطر: *]» ومن الأمثلة عنها ما ينسب للإمام 
الباقر أنه قال: (إن نوحا عليه السلام حين أمر بالغرس كان إبليس إلى جانبه» فلا أراد أن 
يغرس العنب قال: هذه الشجرة لي» فقال له نوح عليه السلام: كذبت» فقال إبليس: فالي 
منها؟ فقال نوح عليه السلام: لك الثلثان» فمن هناك طاب الطلاء على الثلث)7) 


.157* المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (1/ 2179 (؟) علل الشرائع:‎ )١( 
7١ علل الشرائع:‎ )1( 
ليلا‎ 


قال آخر: وقريب من هذه الرواية ‏ وهو ما يدل على أصلها الإسرائيلٍ ما روي عن 
وهب بن منبه أنه قال: (لما خرج نوح عليه السلام من السفينة غرس قضبانا كانت معه في 
السفينه من النخل والاعناب وسائر الغار فأطعمت من ساعتها وكانت معه حبلة العنب 
وكانت آخر شئ أخرج حبلة العنب فلم يجدها نوح عليه السلام» وكان إبليس قد أخذها 
فخبأهاء فنهض نوح عليه السلام ليدخل السفينة فيلتمسها فقال له الملك الذي معه: اجلس 
يا نبي الله ستؤتى بهاء فجلس نوح عليه السلام فقال له الملك: إن لك فيها شريكا في 
عصيرها فأحسن مشاركته» قال: نعم له السبع ولي ستة أسباع» قال له الملك: أحسن فأنت 
محسنء قال نوح عليه السلام: له السدس ولي خمسة أسداس. قال له الملك: أحسن فأنت 
محسنء قال نوح عليه السلام: له الخمس ولي الاربعة الاخماسء قال له الملك: أحسن فأنت 
محسن» قال نوح عليه السلام: له الربع ولي ثلاثة أرباع» قال له الملك: أحسن فآنت محسن» 
قال: فله النصف ولي النصف ولي التصرف. قال له الملك: أحسن فأنت محسن. قال عليه 
السلام: لي الثلث وله الثلثان فرضيء فما كان فوق الثلث من طبخها فلابليس وهو حظه. 
وما كان من الثلث ف| دونه فهو لنوح عليه السلام وهو حظه وذلك الحلال الطيب ليشرب 
منه) 017 

قال آخر: وقريب منها ما ينسب للإمام الباقر أنه قال: (لما هبط نوح عليه السلام من 
السفينة غرس غرسا فكان فيه| غرس النخلة ثم رجع إلى أهله فجاء إبليس لعنه الله فقلعهاء 
ثم إن نوحا عليه السلام عاد إلى غرسه فوجده على حاله ووجد النخلة قد قلعت ووجد 
إبليس عندها فآتاه جبريل عليه السلام فأخبره أن إبليس لعنه الله قلعهاء فقال نوح عليه 
السلام لابليس لعنه الله: ما دعاك إلى قلعها فوالله ما غرست غرسا أحب إِلِي منهاء ووالله لا 


.. ١71 علل الشرائع:‎ )١( 
108 





أدعها حتى أغرسهاء وقال إبليس لعنه الله: وأنا والله لا أدعها حتى أقلعهاء فقال له: اجعل 
لي منها نصيباء قال: فجعل له منها الثلث» فأبى أن يرضى فجعل له النصف فأبى أن يرضى 
وأبى نوح عليه السلام أن يزيده» فقال جبريل عليه السلام لنوح: يا رسول الله أحسن فإن 
منك الاحسان, فعلم نوح عليه السلام أنه قد جعل الله له عليها سلطانا فجعل نوح له 
الثلئين» فقال أبوجعفر عليه السلام: فإذا أخذت عصيرا فاطبخه حتى يذهبا الثلثان نصيب 
الشيطان فكل واشرب حينئذ) 217 

قال آخر: وقريب منها ما ينسب للإمام الصادق أنه قال: (إن إبليس نازع نوحا في 
الكرم فأتاه جبريل عليه السلام فقال له: إن له حقا فأعطه فأعطاه الثلث فلم يرض إبليس» 
ثم أعطاه النصف فلم يرضء فطرح جبريل نارا فأحرقت الثلثين وبقي الثلثء فقال: ما 
أحرقت النار فهو نصيبه» وما بقي فهولك يا نوح)0) 

قال آخر: وقريب منها ما ينسب لابن عباس أنه قال: (قال إبليس لنوح عليه السلام: 
لك عندي يد ساعلمك خصالاء قال نوح: ومايدي عندك؟ قال: دعوتك على قومك حتى 
أهلكهم الله جميعاء فإياك والكبرء وإياك والحرص. وإياك والحسدء فإن الكبر هوالذي 
حملني على أن تركت السجود لآدم فأكفرني وجعلني شيطانا رجيماء وإياك والحرص فإن 
آدم أبيح له الجنة ونبي عن شجرة واحدة فحمله الحرص على أن أكل منهاء وإياك والحسد 
فإن ابن آدم حسد أخاه فقتله» فقال نوح: فأخبرني متى تكون أقدر على ابن آدم؟ قال: عند 
الغضب)7) 


قال آخر: وقريب منها ما ينسب للإمام الباقر أنه قال: (لما دعا نوح عليه السلام ربه 


)197 /١11١( فروع الكافى 189:7. (") بحار الأنوار‎ )١( 
.1894:7 فروع الكافى‎ )١( 


تدا 


عز وجل على قومه. أتاه إبليس لعنه الله فقال: يا نوح.. إن لك عندي يدا أريد أن أكافيك 
عليها.. فقال له نوح عليه السلام: إنه ليبغض إِلِي أن يكون لك عندي يد فم| هي؟.. قال: 
بلى دعوت الله على قومك فأغرقتهم فلم يبق أحد أغويه» فأنا مستريح حتى ينسق قرن آخر 
وأغويهم.. فقال له نوح عليه السلام: ما الذي تريد أن تكافيني به؟.. قال: اذكرني في ثلاث 
مواطن. فإني أقرب ما أكون إلى العبد إذا كان في إحداهن: اذكرني إذا غضبت,. واذكرني إذا 
حكمت بين اثنين» واذكرني إذا كنت مع امرأة خاليا ليس معكى| أحد)(2) 

الحشوية وهود: 

قال أحد الحضور: وعينا هذا.. فحدثونا عن هود عليه السلام؟ 

قال الحشوي: مع أن القرآن الكريم اقتصر عند ذكره له على جهوده العظيمة التي 
بذهها في دعوته لقومه. والأساليب التي استعملها في ذلك إلا أن مفسرينا ومؤرخينا راحوا 
يغرقون حياته بالتفاصيل التي لا دليل عليها. 

قال آخر: ومن الأمثلة على ذلك ما ورد في نسب هود عليه السلام» وأنه (هود بن 
شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام.. ويقال إن هودا هو عابر بن شالخ بن 
أرفخشذ بن سام بن نوح..ويقال هود بن عبد الله بن رباح الجارود بن عاد بن عوص بن 
إرم بن سام بن نوح عليه السلام.. وأنه من قبيلة يقال لهم عاد بن عوض بن سام بن 
نوح)(2., فكل هذه التفاصيل التي ترد في كتب التفسير والحديث وغيرهاء لا دليل يدل 
عليهاء بالإضافة إلى أنها تصرف عن الحقائق القرآنية. 

قال آخر: ومثل ذلك ما ورد حول قوم هود عليه السلام» و(أنهم قبائل كثيرة: منهم 


عاد» وثمود» وجرهمء» وطسمء وجديس» وأميم» ومدين» وعملاق» وعبيل» وجاسمء 


.١7١ /١ قصص الأنبياء لابن كثير»‎ )؟١(‎ .59 /١ والمتصال‎ 18/1١ بحار الأنوار:‎ )١( 


10 





وقحطان. وبنو يقطن, وغيرهم(1) 

قال آخر(: ومثل ذلك ما ذكروه من الخلاف في أجسامهم» حيث ذكر بعضهم أن 
طول كل رجل اثنا عشر ذراعاء وذكر آخر أن أطوم مائة ذراع وأقصرهم ستين ذراعا.. 
وذكر آخر أن طوهم سبعون ذراعا وذكر آخر أن طوهم ثانون وذكر آخر أن رأس أحدهم 
مثل قبة عظيمة وكان عين الرجل يفرخ فيها السباع» وكذلك مناخرهم. 

قال آخر(": ومثل ذلك ما ذكروه من أن الناس في ذلك الزمان كانوا إذا نزل بهم 
بلاء أو جهد. فطلبوا إلى الله الفرج منه» كانت طلبتهم إلى الله تعالى عند بيته الحرام بمكة 
مسلمهم ومشركهم, فيجتمع بمكة ناس كثير شتى» مختلفة أديائهم وكلهم معظم لمكة 
عارف بحرمتها ومكانها من الله.. وأهل مكة يومئذ العماليق» وإنما سموا العماليق لأن أباهم 
عمليق بن لاوذ ابن سام بن نوح» وكان سيد العماليق إذ ذلك بمكة رجل يقال له: معاوية 
بن بكرء وكانت أم معاوية كلهدة بنت الخيبري رجل من عاد فلما قحط المطر عن عاد 
وجهدواء قالوا: جهزوا منكم وفدا إلى مكة فيستسقوا لكم, فبعثوا قيل بن عنز» ولقيم بن 
هزال بن هزيل؛ وعثيل بن ضد بن عاد الأكبر» ومرئد بن سعد بن عفير» وكان مسلم| يكتم 
إسلامه» وجلهمة بن الخيبري» خال معاوية بن بكر ثم بعثوا لقمان بن عاد الاصغر بن صد 
بن عاد الأكبر» فانطلق كل واحد من هؤلاء القوم ومعه رهط من قومه. حتى بلغ عدد 
وفدهم سبعين رجلا. 

قال آخر”؟»: ثم ذكروا أخهم لما قدموا مكة نزلوا على معاوية بن بكر» وهو بظاهر مكة 


خارجا من الحرم, فأنزههم وأكرمهم وكانوا أخواله وأصهاره. فأقاموا عنده شهرا يشربون 


07947 /11( (؟) تفسير الثعلبي‎ .17١ /١ قصص الأنبياء لابن كثير»‎ )١( 
0991 /1١7( تفسير الثعلبي (5/ 59؟) (5) تفسير الشعلبي‎ )5( 


ه18 


الخمرء وتغنيهم الجرادتان: قينتان لمعاوية بن بكرء وكان مسيرهم شهراء ومقامهم شهرا؛ 
فلما رأى معاوية بن بكر طول مقامهم» وقد بعثهم قومهم يتغوثون من البلاء الذي أصابهم 
شق ذلك عليه؛ وقال: هلك أخوالي وأصهاري! وهؤلاء مقيمون عندي» وهم ضيفي! والله 
ما أدري كيف أصنع بهم؟ أستحي أن آمرهم بالخروج إلى ما بعثوا إليه» فيظنون أنه ضيق 
مني بمقامهم عندي» وقد هلك من وراءهم من قومهم جهدا وعطشا! فشكا ذلك من 
أمرهم إلى قينتيه الجرادتين» فقالتا: قل شعرا نغنيهم به» لا يدرون من قاله» لعل ذلك أن 
يحركهم! فقال معاوية بن بكر: 

ألايا قيل ويحك! قم فهينم... لعل الله يصبحنا غماما 

فيسقي أرض عاد إن عادا... قد أمسوا ما يبيتون الكلاما 

من العطش الشديد فليس نرجو... به الشيخ الكبير ولا الغلاما 

وقد كانت نساؤهم بخير... فقد أمست نساؤهم عيامى 

وإن الوحش يأتيهم جهارا... ولا يخشى لعادي سهاما 

وأنتم ها هنا فيهم| اشتهيتم ... باركم وليلكم التماما 

ان 0 

قال آخر(©: ثم ذكروا أنه لما غنتهم الجرادتان مهذاء قال بعضهم لبعض: ياقوم, إن| 
بعنكم قومكم يتغوثون بكم من هذا البلاء الذي نزل بهم» فقد أبطأتم عليهم فادخلوا هذا 
و ا ا الا ا 
سرامن قومه ‏ : إنكم لا ت تسقون بدعائكم» ولكن إن أطعتم نبيكم, وأنبتم تم إلى ربكم سقيتم 


ا 00 


)9949 /١11( تفسير الثعلبي‎ )1١( 


كما 





وعرف أنه قد اتبع دين هود عليه السلام قال: 

أبا سعد فإنك من قبيل... ذوي كرم وأمك من ثمود 

فإنا لن نطيعك ما بقينا... ولسنا فاعلين لما تريد 

(أبا سعد أتأمرنا لنترك... دين قوم أطارق معيد) 

أتأمرنا لنترك دين رفد... ورمل وآل صد والعبود 

ونترك دين آباء كرام... ذوي رأي ونتبع دين هود 

قال آخر(١©:‏ ثم ذكروا أغهم قالواالمعاوية بن بكر وأبيه» وكان حبيا شيخا كبيرا: احبسا 
عنا مرثد بن سعدء فلا يقدمن معنا مكة. فإنه قد اتبع دين هود وترك دينناء ثم خرجوا إلى 
مكة يستسقون بها لعاد» فلم| ولوا إلى مكة خرج مرئد بن سعد من منزل معاوية حتى أدركهم 
مهاء قبل أن يدعو الله بثبيء ما خرجوا له» فل) انتهى قام يدعو الله» وبها وفد عاد قد اجتمعوا 
يدعون» فجعل يقول: اللهم أعطني سؤلي وحدي ولا تدخلني في شيء ما يدعونك به وفد 
عادء وكان قيل بن عنز رأس وفد عاد وقال وفد عاد: اللهم أعط قيلا ما سألك» واجعل 
سؤلنا مع سؤله. وقد كان تخلف عن وفد عاد حين دعاء لقمان بن عاد» وكان سيد عاد.. 
حتى إذا فرغوا من دعوتهم قام فقال: اللهم إن جئتك وحدي في حاجتيء فأعطني سؤلي» 
وسأل الله طون الي تمي عار تع اي 

قال آخر<»: وذكروا أن قيل بن عنز قال: يا إلناء إن كان هود صادقا فاسقناء فإنا قد 
هلكناء وقال: اللهم إني لم أجئ لمريض فأداويه ولا لأسير فأفاديه» اللهم اسق عادا ما كنت 
تسقيه» فأنشأ الله له سحائب ثلاثا: بيضاء» وحمراء» وسوداءء ثم نادى مناد من السماء: يا 


قيل اختر لنفسك ولقومك من هذا السحاب. فقال قيل: اخترت السحابة السوداء, فإنها 


(1) تفسير الثعلبي (15/ 401) (1) تفسير الثعلبي )5٠١ /١5(‏ 


1١ /ا4‎ 





أكثر السحابات ماءء فناداه مناد اخترت ياقيل رمادا رمدداء لا تبقي من آل عاد أحداء لا 
والدا تترك ولا ولداء إلا جعلتهم همداء إلا بني اللوذية المهدا.. وبنو اللوذية: رهط بنو لقيم 
بن هزال بن هزيلة بن بكرء وكانوا سكانا بمكة مع أخوالهم, لم يكونوا مع عاد بأرضهمء 
فهم عاد الآخرة» من كان من نسلهم الذي بقوا من عاد. 

قال آخر(): ثم ذكروا أن الله تعالى ساق السحابة السوداءء التي اختارها قيل با فيها 
من النقمة والعذاب إلى عاد حتى خرجت عليهم من واد لهم يقال له: المغيث؛ فلم| رأوها 
استبشروا بهاء وقالوا: #قَانُوا هَذَا عَارِضٌ ممطِرْنَا؛ [الأحقاف: 4؟] يقول الله تعالى: ##بل هُوٌ 
مَا اسْتَحْجَلتَمْ به ِبحٌ فيهًا عَدَابٌ أَلِيم تَدَمَرُ كُل مَيْءِ بأَمْرِ رَيجَاك [الأحقاف: 015574 أي: كل 
شيء مرت به وكان أول من أبصر ما فيها وعرفت إنها ريح» امرأة من عاد يقال لها: مهدد. 
فلما تبينت ما فيها صاحتء ثم صعقت. فلا أفاقت قالوا: ما رأيت؟.. قالت: رأيت ريحا 
فيها كشهب النار أمامها رجال يقودوها؛ فسخرها الله عليهم سبع ليال وثانية أيام حسوماء 
أي: دائمة فلم تدع من عاد أحدا إلا هلك, فاعتزل هود عليه السلام» ومن معه من المؤمنين 
في حظيرة» وما يصيبه ومن معه من الريح إلا ما تلين عليه الجلود. وتلتذ الأنفس» وإنها 
لتمر على عاد بالظعن فتحملهم ما بين السماء والأرضء وتدمغهم بالحجارة. 

قال آخر<): ثم ذكروا أن وفد عاد خرج من مكة حتى مروا بمعاوية بن بكر فنزلوا 
عليه فبينا هم عندهء إذ أقبل رجل على ناقة له في ليلة مقمرة مسيرة ثلاثة أيام من مصاب 
عاد فأخبرهم الخبر» فقالوا: فآين فارقت هودا وأصحابه؟ قال: فارقتهم بساحل البحر؛ 
فكأنهم شكوا فيا حدثهم به» فقالت هزيلة بنت بكر: صدق ورب مكة! وذكروا أن مرثد 


بن سعد ولقمان بن عاد وقيل بن عنز حين دعوا بمكة قيل لهم: قد أعطيتم مناكم» فاختاروا 


)401" /١1( تفسير الثعلبي (11/ 507) (؟) تفسير الثعلبي‎ )١( 


184 





لأنفسكم. إلا أنه لا سبيل إلى الخلود. ولابد من الموتء فقال مرثئد: اللهم أعطني برا 
وصدقاء فأعطي ذلكء وقال لقمان: أعطني يارب عمراء فقيل له: أختر لنفسكء بقاء أبعار 
ضأن عفر في جبل وعر لا يلقى به القطر» أم سبعة أنسر إذا مضى نسر تحول إلى نسرء 
فاستحير لقان عمر الأبعارء فاختار عمر النسور)» فعمر لقان عمر سبعة أنسرء يأخذ 
الفرخ حين يخرج من بيضه. فيأخذ الذكر منها لقوته ويربيه» حتى إذا مات أخذ غيره؛ فلم 
يزل يفعل ذلك حتى أتى على السابع» وكان كل نسر يعيش ثانين سنة» وكان آخرها لبد. 
فلما مات لبد مات لقمان معه.. وأما قيل فإنه قال: أختار أن يصيبه ما أصاب قومهء فقيل له: 
إنه الحلاك» فقال: لا أبالبي لا حاجة لي في البقاء بعدهم» فأصابه الذي أصاب عادا من العذاب 
والهلاك فهلك. 

قال آخر: وذكروا أن الله تعالى أوحى إلى الريح العقيم أن يخرج على قوم عاد فتنتقم 
له منهم» فخرجت بغير كيل على قدر منخر ثور» حتى رجفت الأرض ما بين المشرق إلى 
المغربء. فقال الخزان: يارب لن نطيقهاء ولو خرجت على حالما لأهلكت ما بين مشارق 
الأرض ومغاربها فأوحى الله تعالى إليها أن ارجعي فاخرجي على قدر خرت الخاتم» 
فرجعت فخرجت على قدر خرت خاتم. وهي الحلقة(2. 

الحشوية وصالح: 

قال أحد الحضور: وعينا هذا.. فحدثونا عن صالح عليه السلام؟ 

قال الحشوي: مع أن القرآن الكريم اقتصر عند ذكره له على جهوده العظيمة التي 
بذلا في دعوته لقومه» والأساليب التي استعملها في ذلك» وذلك حتى يكون أسوة لنا في 


صبره ورساليته إلا أن مفسرينا ومؤرخينا أغرقونا في التفاصيل الكثيرة التي تنسينا كل 


(1) ذكره السيوطي في الدر المنثور / 174 وابن الجوزي في المتتظم /١‏ ا 
11 





ذلك. 

قال آخر: ومن الأمثلة على ذلك ما ذكروا من نسبه» وأنه صالح بن عبيد بن آسف 
بن ماشج بن عبيد بن حادر بن ثمود7"). 

قال آخر: ومثل ذلك ما ذكروه من قصته. مما لم يرد فيه أي دليل» وقد ذكر ذلك ابن 
إسحاق والسدي ووهب بن منبه وكعب وغيرهم من اليهود وتلاميذهم(2. 

قال آخر(”: فقد ذكروا أن عادا لما هلكت وتقضى أمرها عمرت ثمود بعدها 
واستخلفوا في الأرض فربلوا فيها وكثروا وعمرواء حتى جعل أحدهم يبني المسكن من 
المدر فينهدم والرجل منهم حيء فل رأوا ذلك اتخذوا من الجبال بيوتا فنحتوها وجابوها 
وجوفوهاء وكانوا في سعة من معائشهم, فعتوا على الله وأفسدوا في الأرض وعبدوا غير 
الله فبعث الله إليهم صا حا وكانوا قوما عرباء وكان صالح من أوسطهم نسباء وأفضلهم 
موضعاء فبعثه الله سبحانه إليهم شابا فدعاهم إلى الله عز وجل حتى شمط وكبر لا يتبعه 
منهم إلا قليل مستضعفون. 

قال آخر”؟»: وذكروا أنه لما ألح عليهم صالح بالدعاء والتبليغ» وأكثر لهم التخويف 
والتحذير» سألوه أن يرهم آية تكون مصداقا لقوله» فقال لهم: أي آية تريدون؟ قالوا: تخرج 
معنا إلى عيدنا هذاء وكان لهم عيد يخرجون إليه بأصنامهم» في يوم معلوم من السنة» فتدعو 
إلهك وندعو المتناء فإن أستجيب لك اتبعناك وإن استجيب لنا اتبعتناء فقال لهم صالح: 
نعم. فخرجوا بأوثانهم إلى عيدهم ذلك» وخرج صالح معهم فدعوا أوثانهم وسالوها أن 
لا يستجاب لصالح في شيء ما يدعو به» ثم قال جندع بن عمرو بن حواس وهو سيد ثمود 

)١(‏ ذكره البغوي في معالم التنزيل ”/ 51 7. (”) المراجع السابقة. 


(") انظر: جامع البيان للطبري // 5 57. تاريخ الرسل والملوك للطبري /١‏ (5) المراجع السابقة. 
5 البداية والنهاية لابن كثير 217٠ /١‏ الكامل في التاريخ لابن الأثير /١‏ 84. 





يومئذ: يا صالح أخرج لنا من هذه الصخرة» لصخرة منفردة في ناحية الحجر يقال لها: 
الكاثبة» ناقة مخترجة جوفاء وبراء» والمخترجة ما شاكل البخت من الإبل» فإن فعلت ذلك 
صدقناك وآمنا بك» فأخذ صالح عليهم مواثيقهم لإن فعلت لتصدقني ولتومنن بيء قالوا: 
م 

قال آخر(١»:‏ وذكروا أن صالح عليه السلام صلى ركعتين ودعا ربه فتنمخضت 
الصخرة تمخض النتوج بولدها ثم تحركت الهضبة» فانصدعت عن ناقة عشراء جوفاء 
وبراء» كما وصفوا لا يعلم ما بين جنبيها إلا الله عز وجل عظماء وهم ينظرون ثم نتجت 
سقبا مثلها في العظم» فآمن به جندع بن عمرو ورهط من قومه. وأراد أشراف ثمود أن 
يؤمنوا به ويصدقوه. فنهاهم عن ذلك ذؤاب بن عمرو بن لبيد والحباب صاحب أوثانهم» 
ورباب بن صمعر وكانوا من أشراف ثمود. 

قال آخر(©: وذكروا أنه كان لجندع بن عمرو ابن عم يقال له شهاب بن خليفة بن 
مخلاة بن لبيد فأراد أن يسلم فنهاه أولئك الرهط فأطاعهم, فقال رجل من ثمود: 

وكانت عصبة من آل عمرو ... إلى دين النبي دعوا شهابا 

عزيز ثمود كلهم جميعا ... فهم بأن يجيب ولو أجابا 

لأصبح صالح فينا عزيزا ... وما عدلوا بصاحبهم ذؤابا 

ولكن الغواة من آل حجر ... تولوا بعد رشدهم ذيابا 

قال آخر(»©: وذكروا أنه لما خرجت الناقة قال صالح عليه السلام: هذه ناقة للها شرب 


ولكم شرب يوم معلوم» فمكثت الناقة ومعها سقبها في أرض ثمود ترعى الشجر, وتشرب 


(1) المراجع السابقة. (7) المراجع السابقة. 
(1) المراجع السابقة. 
05 


الماء فكانت ترد الماء غباء فإذا كان يومها وضعت رأسها في بئر من الحجر يقال لا بئر الناقة 
فا ترفعه حتى تشرب كل ماء فيها فلا تدع قطرة ماء فيها ثم ترفع رأسهاء فتفشج حتى 
تفجج لهم فيحتلبون ما شاءوا من لبن فيشربون ويدخرونء حتى يملأوا أوانيهم كلها؛ ثم 
تصدر من غير الفج الذي منه وردت لا تقدر على أن تصدر من حيث ترد تضيق عنها فلا 

قال آخر(١2:‏ وذكروا أن الناقة صارت تؤذيهم بتصرفاتهاء وكأنهم يبررون بذلك ما 
فعله الأشقياء بهاء حيث ذكروا أنها كانت تصيف إذا كان الحر على ظهر الوادي» فتهرب 
منها أغنامهم وبقرهم وإبلهم» فتهبط إلى بطن الوادي في حره وجدبه. وذلك أن المواثئي 
كانت تنفر منها إذا رأتهاء وتشتو ببطن الوادي إذا كان الشتاء» فتهرب مواشيهم إلى ظهر 
الوادي في البرد والجدبء فأضر ذلك بمواشيهم, للبلاء والاختبار» وكانت مراتعها في ما 
يزعمون الجناب وحسمى كل ذلك ترعى مع واد الحجر» فكبر ذلك عليهم فعتوا عن أمر 
رمهم وحملهم ذلك على عقر الناقة» فأجمعوا على عقرها. 

قال آخر(): وكعادتهم في نسبة كل خيانة للمرأة» فقد ذكروا أن امرأة من ثمود يقال 
لها عنيزة بنت عمرو بن مجلز تكنى أم غنم» وهي من بني العبيد بن المهل» وكانت امرأة 
ذؤاب بن عمروء وكانت عجوزا مسنة» وكانت ذات بنات حسان. وكانت ذات مال من 
إبل وغنم وبقر» وامرأة أخرى يقال لها: صدوف بنت المحيا بن زهرة» وكانت جميلة غنية 
ذات مال من إبل وبقر وغنم» وكانتا من أشد الناس عداوة لصالح عليه السلام» فكانتا 


تحتالان في عقر الناقة مع كفرهما به لما أضرت به من مواشيهماء وكانت صدوق عند ابن خال 


)١(‏ المراجع السابقة. (1) المراجع السابقة. 


5 





لها يقال له صنتم بن هراوة بن سعد بن الغطريف بن هلال» فأسلم وحسن إسلامه» وكانت 
صدوق قد فوضت إليه مالهاء فأنفقه على من أسلم معه من أصحاب صالح عليه السلام 
حتى رق المال» فاطلعت على ذلك من إسلامه صدوقء فعاتبته على ذلك» فأظهر للا دينه 
ودعاها إلى الله وإلى الإسلام» فأبت عليه وشنفت له. فأخذت أبناءها وبناتها منه فغيبتهم في 
بني عبيد بطنها التي هي منه» وكان صنتم زوجها من بني هليل» وكان ابن خالا فقال لمها: 
ردي علي ولديء فقالت: حتى أنافرك إلى بني صنعان بن عبيد أو إلى بني جندع بن عبيد» 
فقال لها صنتم: بل أنافرك إلى بني مرداس بن عبيد» وذلك أن بني مرداس كانوا مسلمين» 
فقالت: لا أنافرك إلا إلى من دعوتك إليه» فقال بنو مرداس: والله لتعطينه ولده طائعة أو 
كارهة» فلا رأت ذلك أعطته إياهم. 

قال آخر(١»:‏ وذكروا أن صدوق وعنيزة احتالتا في عقر الناقة للشقاء الذي نزل بهم 
فدعت صدوق رجلا من ثمود يقال له الحباب لعقر الناقة وعرضت عليه نفسها إن هو 
فعل» فأبى عليها فدعت ابن عم لها يقال له: مصدع بن مهرج بن المحياء وجعلت له نفسها 
على أن يعقر الناقة» وكانت من أحسن النساء حالا وأكثرهن مالاء فأجابها إلى ذلك» ودعت 
عنيزة قدار بن سالف بن جندع رجلا من أهل قزح» واسم أمه قديرة» وكان رجلا أحمر 
أزرق قصيراء يزعمون أنه كان لزنية من رجل يقال له: هسان, ولم يكن لسالف الذي يدعى 
إليه» ولكنه قد ولد على فراش سالفء فقالت: أعطيك أي بناتي شئت على أن تعقر الناقة» 
وكان قدار عزيزا منيعا في قومه» فانطلق قدار بن سالف ومصدع بن مهرج فاستغويا غواة 
ثمود» فاتبعهم سبعة نفر» فكانوا تسعة رهط أحدهم هذيل بن مبلغ خال قدارء وكان عزيزا 
من أهل حجرء ودعين بن غنم بن ذاغر بن مهرج وداود بن مهرج أخو مصدعء وخمسة لم 


)١(‏ المراجع السابقة. 


1١07 





يذكر لنا أسماؤهم,» فاجمعوا على عقر الناقة. 

قال آخر(١»:‏ وذكروا من التشويبات العظيمة لرسالة صالح عليه السلام أن الله تعالى 
أوحى إليه: إن قومك سيعقرون ناقتكء فقال لهم ذلكء فقالوا: ما كنا لنفعل» فقال صالح 
عليه السلام: إنه يولد في شهركم هذا غلام يعقرها ويكون هلاككم على يديه. فقالوا: لا 
يولد لنا ابن في هذا الشهر إلا قتلناه» قال: فولد لتسعة منهم في ذلك الشهرء فذبحوا أبناءهم» 
ثم ولد للعاشر فأبى أن يذبح ابنه» وكان لم يولد له قبل ذلك شيء» وكان ابن العاشر أزرق 
أحمر فنبت نباتا سريعاء وكان إذا مر بالتسعة فرأوه» قالوا: لو كان أبناؤنا أحياء لكانوا مثل 
هذاء فغضب التسعة على صالح عليه السلام» لأنه كان سبب قتلهم أبناءهم, فتقاسموا بالله 
لنبيتنه وأهله. قالوا: نخرج فنري الناس أنا قد خرجنا إلى سفرء فنأتي الغار فنكون فيه حتى 
إذا كان الليل» وخرج صالح عليه السلام إلى مسجده أتيناه فقتلناء ثم رجعنا إلى الغار فكنا 
فيه» ثم رجعنا فقالنا #إمَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَالَصَادِفُونَ4 [النمل: 44] يصدقوننا يعلمون 
أنا قد خرجنا إلى سفرناء وكان صالح عليه السلام لا ينام معهم في القرية» وكان له مسجد 
يقال له مسجد صالح فيه يبيت بالليل» فإذا أصبح أتاهم ووعظهم وذكرهمء وإذا أمسى 
خرج إلى المسجد فبات فيه» فانطلقوا فلم| دخلوا الغار وأرادوا أن يخرجوا من الليل فسقط 
عليهم الغار فقتلهم» فانطلق رجال من قد اطلع على ذلك منهم, فإذا هم رضخ» فرجعوا 
وجعلوا يصيحون في القرية» أي: عباد الله أما رضي صالح أن أمرهم بقتل أولادهم حتى 
قتلهم» فاجتمع أهل القرية على عقر الناقة. 

قال آخر(": وذكروا أنه إن| اجتمع التسعة على تبيبت صالح بعد عقرهم الناقة, 
وإنذار صالح إياهم بالعذاب» ذلك أن التسعة الذين عقروا الناقة قالوا: هلم فلنقتل صا حاء 


)١(‏ المراجع السابقة. (1) المراجع السابقة. 


10 





وإن كان صادقا عجلناه. وإن كان كاذبا كنا قد ألحقناه بناقته» فأتوه ليلا ليبيتوه في أهله 
فدمغتهم الملائكة بالحجارة» فل) أبطؤوا على أصحابهم.» أتوا منزل صالح» فوجدوهم 
منشدخين قد رضخوا بالحجارة» فقالوا لصالح عليه السلام: أنت قتلتهم! ثم هموا به 
فقامت عشيرته دونه ولبسوا السلاح» وقالوا لهم: والله لا يقتلونه أبداء وقد وعدكم أن 
العذاب نازل بكم في ثلاثء فإن كان صادقا لم تزيدوا ربكم عليكم إلا غضباء وإن كان 
كاذبا فآنتم من وراء ما تريدون! فانصرفوا عنهم ليلتهم تلك. 

قال آخر(2: وذكروا أنه لما ولد ابن العاشر يعني قدار شب في اليوم شباب غيره في 
الجمعة» وشب في الشهر شباب غيره في السنة» فلما كبر جلس مع أناس يصيبون من 
الشرابء فأرادوا ماء يمزجون به شرابهم» وكان ذلك اليوم شرب الناقة فوجدوا الماء قد 
شربته الناقة» واشتد ذلك عليهم» وقالوا في شأن الناقة وشدتها عليهم, وقالوا ما نصنع نحن 
باللبن» لو كنا نأخذ هذا الماء الذي تشربه هذه الناقة فنسقيه أنعامنا وحروثنا كان خيرا لناء 
فقال ابن العاشر: هل لكم في أن أعقر لكم؟ قالوا: نعم. 

قال آخر(": ونقلوا عن كعب الأحبار أنه قال: كان سبب عقرهم الناقة» أن امرأة 
يقال لها ملكا كانت قد ملكت ثمود. فلما أقبل الناس على صالح. وصارت الرئاسة إليه 
حسدته» فقالت لامرأة يقال لما قطام» وكانت معشوقة قدار بن سالفء ولامرأة أخرى يقال 
لما قيال» كانت معشوقة مصدع بن بردهزه ويقال ابن مهرجء وكان قدار ومصدع يجتمعان 
معهم|ا كل ليلة» ويشربون الخمر فقالت لما ملكا: إن أتاكم الليلة قدار ومصدع فلا 
تطيعانم|ء وقولا لم|: إن الملكة حزينة لأجل الناقة» ولأجل صالحء فنحن لا نطيعى| حتى 


70 المراجع السابقة.‎ )١( 
/" وذكره البغوي في معالم التنزيل‎ :077 /١7 (؟) جامع البيان للطبري‎ 


تعقرا الناقة فإن عقرتماها أطعناكاء فل| أتياهما قالت لما هذه المقالة» فقالا: نحن نكون من 
وراء عقرها.. فانطلق قدار ومصدع وأصحابى] السبعة» فرصدوا الناقة حين صدرت من 
الماءء وقد كمن لها قدار في أصل صخرة على طريقهاء وكمن لها مصدع في أصل صخرة 
أخرى. فمرت على مصدع فرما بسهم فانتظم به عضلة ساقهاء وخرجت أم غنم بنت 
عنيزة» وأمرت ابنتها وكانت من أحسن الناس فاسفرت لقدارء ثم أمرته فشد على الناقة 
بالسيف» فكشف عرقوبها فخرت ورغت رغاة واحدة» تحذر سقبهاء ثم طعن في لبتها 
فنحرهاء فخرج أهل البلدة واقتسموا لحمها وطبخوه. 

قال آخر(»: وذكروا أنه لما رأى سقبها ذلك انطلق حتى أتى جبلا منيفا يقال له 
صنوء وقيل: اسمه قارة» وأتي صالح فقيل له: أدرك الناقة فقد عقرت»ء فأقبل وخرجوا 
يتلقونه ويعتذرون إليه؛ يانبي الله إنما عقرها فلان» فلا ذنب لناء فقال صالح عليه السلام: 
انظروا هل تدركون فصيلهاء فإن أدركتموها فعسى أن يرفع عنكم العذاب» فخرجوا 
يطلبونه» فل| رأوه على الجبل ذهبوا ليأخذوه؛ فأوحى الله تعالى إلى الجبل» فتطاول في السماء 
حتى ما تناله الطير» وجاء صالح عليه السلام» فلم| رآه الفصيل بكي حتى سالت دموعه ثم 
رغا ثلاثاء وانفجرت الصخرة فدخلهاء فقال صالح عليه السلام: (لكل رغاة أجل يوم) 
مَتّعُوا في دَارِكُمْ ثَلَانَةَ أيّام ذَلِكَ وَعُذٌ غَْدُ مَكُذُوبٍ» [هره: 50]. 

قال آخر0"): وذكروا أن السقب اتبعه أربعة نفر من التسعة الذين عقروا الناقة» 
ووم صاح بن وري راخروة واب سيرج مارح يميم تااتكر المعام بور 
برجله فأنزله» فألحقوا لحمه مع لحم أمه. فقال لهم صالح: انتهكتم حرمة الله تعالى» فأبشروا 


)00( جامع البيان للطبري 0775/7 وذكره البغوي في معالم التنزيل “'/ (؟) الطبري في جامع البيان // ا 


إرندية 


145 


بعذاب الله ونقمته» قالوا وهم به زأون به: ومتى ذلك يا صالح؟ وماآية ذلك؟ وكان يسمون 
فيهم الأيام فيوم الأحد أولء والاثنين أهون. والثلاثاء دبار» والأربعاء جبار» والخميس 
مؤنسء والجمعة العروبة» والسبت شيار» وكانوا عقروا الناقة يوم الأربعاء» فقال لهم صالح 
عليه السلام حين قالوا ذلك: تصبحون غداة مؤنس ووجوهكم مصفرة» ثم تصبحون يوم 
العروبة ووجوهكم محمرة» ثم تصبحون يوم شيار ووجوهكم مسودة» ثم يصبحكم 
العذاب يوم الأول» فأصبحوا يوم الخميس ووجوههم مصفرة. كأنما طليت بالخلوق» 
صغيرهم وكبيرهم ذكرهم وأنثاهم, فأيقنوا العذاب وعرفوا أن صا حا قد صدقهم, فطلبوه 
ليقتلوه» وخرج صالح عليه السلام هاربا حتى لجأ إلى بطن من ثمودء يقال لهم: بنو غنم» 
فنزل على سيدهم رجل منهم يقال له: نفيل ويكنى أبا هدب وهو مشركء فغيبه فلم يقدروا 
عليه. 


4. 


قال آخر(١»:‏ وذكروا أبم عدوا على أصحاب صالح يعذبونهم ليدلوهم عليه» فقال 
رجل من أصحاب صالح عليه السلام يقال له ميدع بن هرم: يا نبي الله نهم ليعذبونا لندههم 
عليك أفندلههم؟ قال: نعم فدهم عليه ميدع» فأتوا أبا هدب فكلموه في ذلكء فقال: نعم 
عندي صالحء وليس لكم إليه سبيل» فأعرضوا عنه وتركوه» وشغلهم عنه ما أنزل الله تعالى 
بهم من عذاب» فجعل بعضهم يخبر بعضا ما يرون في وجوههم. فلم| أمسوا صاحوا 
بأجمعهم: ألا قد مضى يوم من الأجلء فلم| أصبحوا اليوم الثاني إذا وجوههم محمرة كأن| 
خضبت بالدماء» فصاحوا وبكوا وعرفوا أنه العذاب» فل) أمسوا صاحوا بأجمعهم: ألا قد 
مضى يومان من الأجل وحض ركم العذابء فلم| أصبحوا اليوم الثالث» إذا وجوههم مسودة 
كأنم| طليت بالقار. فصاحوا جميعا: ألا قد حض ركم العذاب. 


)١(‏ الطبري في جامع البيان // فت 


1١ا/‎ 





قال آخر(©: وذكروا أنه لما كان ليلة الأحد خرج صالح عليه السلام من بين 
أظهرهمء ومن أسلم معه إلى الشام» فنزل رملة فلسطين» فل| أصبح القوم تكفنوا وتحنطواء 
وكان حنوطهم الصبر والمقر» وكانت أكفانهم الأنطاعء ثم ألقوا بأنفسهم بالأرضء فجعلوا 
يقلبون أبصارهم إلى السماء مرة وإلى الأرض مرة» لا يدرون من أين يأتيهم العذاب, فلم| 
اشتد الضحى من يوم الأحد أتتهم صيحة من السماء» فيها صوت كل صاعقة» وصوت كل 
شيء له صوت في الأرضء فقطعت قلوبهم في صدورهم. فلم يبق منهم صغير ولا كبير إلا 
هلك. كما قال الله تعالى: لقَأَصْبَحُوا في دَارِهِمْ جَائْمِينَ4 [الأعراف: 08] إلا جارية مقعدة» 
يقال لها: ذريعة بنت سلق» وكانت كافرة شديدة العداوة لصالح عليه السلام» فأطلق الله 
تعالى للها رجليها بعدما عاينت العذاب أجمع» فخرجت كأسرع مارؤي قط» حتى أتت قرح 
وهي وادي القرى فأخبرتهم بها عاينت من العذاب» وما أصاب ثمود من العذاب» ثم 
استسقت من الماء» فسقيت فلما شربت ماتت. 

الحشوية وإبراهيم: 

قال أحد الحضور: وعينا هذا.. فحدثونا عن صالح عليه السلام؟ 

قال الحشوي: مع أن القرآن الكريم اقتصر عند ذكره له على جهوده العظيمة التي 
بذهها في دعوته لقومه. والأساليب التي استعملها في ذلك» وذلك حتى يكون أسوة لنا في 
صبره ورساليته إلا أن مفسرينا ومؤرخينا أغرقونا في التفاصيل الكثيرة التي تنسينا كل 
ذلك. 

قال آخر: بل إن القرآن الكريم يعتبر إبراهيم عليه السلام نموذجا مثاليا للرجل 
الأمة» أو الرجل الذي يشكل بمفرده أمة كاملة من القيم» كما قال تعالى في وصفه: إن 


)١(‏ الطبري في جامع البيان // ار 


١38 





ال ا ل 


إِبْرَاهِيمَ كَانَ أَمَة قَانَا لله حَنيمًا وَ يَكْ مِنَ امُمْرِكِينَ4 [النحل: ..017١‏ فهو أمة بروحانيته 
العميقة التي أهلته لأن يكون خليلا لله لوَاتدَ الله إِبرَاهِيمَ ليا [الساء: ..]11٠‏ وهو أمة 
بقنوته وخشوعه وتوحيده الخالص لله» كا قال تعالى: #إما كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَيُودِيًا و 
وَلَكِنْ كَانَ حَنيهَا مسلا وَمَا كَانَ مِنَ امش رِكِينَ 4 [آل عمران: ]» وقال: إن نَ إِبْرَاهِيمَ 
حَلِيم» [التوبة: 5 »]١١‏ وقال: إن إِبْرَاهِيمَ خَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ 4 [هود: 1/5] 

قال آخر: وهو أمة بوقوفة تلك المواقف النبيلة في الدعوة إلى الله مع كل من لقيه 


ابتداء من أقاربه وقومه. كما قال تعالى: #وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ ليه آزَرَ أَتَنَخِذٌ أَصْنَامًا آلةَ إن 
أَرَاكَ وَكَوْمَكَ في ضَلَالٍ مين [الأنعام: : 054 وانتهاء بالملك المستبد الظالم» الذي ناظره بكل 
رباطة جأشء قال تعالى: #أ1 ثَرَ إل ني عاج ِبْرَاهِيمَ في رَيّه أَنْ آتاهُ الله امُلَكَ إِذْ قَالَ 
ِبرَاهِيم الذي كي رليك ا َال أنا نبي َأمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيم إن يني بالشَّمْسٍ من 


ل 


اُمْرِقٍ قَأْتِ بهَا من الُمْرِبٍ قَبهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَالهلَامَدِي الْقَومَ الاين [البقرة:.+ه؟] 
قال آخر: ولذلكء» تعرض للتهديد الشديد من أقاربه وقومه. فواجهه بكل قوة 
قائلا : أنحَاجُون ني الله وَقَدْ مَدَانِ ولا أَََافُ ماك رِكُونَ به إِلَّا أن يَشَا ري شَبَْا وَسِعَ ري 
كل قي ٠‏ عِذّا كلا يَتدكَدَونَ وكَيف تاف ما )؛ شُرَكْتُمْ وََا كَحَافُونَ أَنَكُمْ أَفْرَكْتُمْ بالله لله مَا ل 
برل ب حَلحُمْ شلطنا تفريم أن بالأمن إذ ع تكو تَعْلَمَونَ4 [الأنعام: ]4١ 8٠‏ 
قال آخر: ولم يقف قومه عند تبديده» بل راحوا يجمعون الحطب الكثير» وراحوا 
اللي ا ل و اين 
أجله. قال تعالى: لقَالُوا حَرّقُوهُ وَانْضُوُوا 1 نْ كُُْمْ فَاعِلِينَ قُلَْا يَانَارُ كني بدا 


ًّ 


[تَاعة | ين 


وَسَلَامًا عَلَ إِبْرَاهِيمَ وَأَرَادُوا به كَيْدَا فَجَعَلْنَاهُمٌ الآ خسَرِينَ* [الأنبياء: 5١‏ 70]» ومع ذلك 


كله لم يتزحزح قيد أنملة» بل ظل ثابتا.. حتى وهو في النار لم يغب ربه عنه لحظة واحدة.. 


عل 


فقد كان مستغرقا في| يستغرق فيه الأنبياء من توجه للملا الأعلى. 

قال آخر: هذه بعض صورة إبراهيم عليه السلام ىا يصورها القرآن الكريم» لكن 
مصادرنا وشيخنا أغاروا على هذه الصورة الجميلة» فانحرفوا مها انحرافا شديدا.. إذ جعلوه 
جبانا أمام الموت» ليس لديه ذلك الإييمان العظيم الذي واجه به قومه أو الملك أو النار.. 
وليس لديه ذلك اليقين العظيم الذي جعله يقدم ابنه قربانا لله.. 

قال آخر: بل جعلوه ضحية لتلك المخاوف التي تعتري البسطاء عندما يعلمون 
بقرب الموت منهم.. وقد صوروا في ذلك مشهدا غريبا أدى دور البطولة فيه ملك الموت» 
ليحاول من خلاله أن يقنع إبراهيم عليه السلام بضرورة الموت. 

قال آخر(©: فقد ذكروا أن إبراهيم عليه السلام كثير الطعام يطعم الناس» 
ويضيفهم, فبينا هو يطعم الناس إذا هو بشيخ كبير يمشي في الحره» فبعث إليه بحمار» فركبه 
حتى إذا أتاه أطعمه. فجعل الشيخ يأخذ اللقمة يريد أن يدخلها فاه فيدخلها عينه وأذنه 
ثم يدخلها فاه فإذا دخلت جوفه خرجت من دبره؛ وكان إبراهيم قد سأل ربه عز وجل 
ألا يقبض روحه حتى يكون هو الذي يسأله الموت» فقال للشيخ حين رأى من حاله ما 
رأى: ما بالك يا شيخ تصنع هذا؟ قال: يا إبراهيم» الكبر» قال: ابن كم أنت؟ فزاد على عمر 
إبراهيم سنتين» فقال إبراهيم: إنم| بيني وبينك سنتان» فإذا بلغت ذلك صرت مثلك! قال: 
نعم قال إبراهيم: اللهم اقبضني إليك قبل ذلكء فقام الشيخ فقبض روحه. وكان ملك 
الموت.. وهكذا تصور الرواية الكيفية التي احتال بها ملك الموت على إبراهيم عليه السلام 
ليقنعه بلقاء ربه. 


قال آخر: ولم يكتف قومنا بهذه الرواية الدالة على حرص إبراهيم عليه السلام على 


27١17 /١( تاريخ الطبري‎ )١( 





الحياة» بل رووا رواية أخرى أعظم خطراء حيث صوروا إبراهيم عليه السلام» وهو يضحي 
بزوجته في سبيل نجاته.. وهو فعل لا يقدم عليه حتى عوام الناس.. بل حتى ذكور بعض 
الحيوانات تضحي بنفسها في سبيل نجاة إنائها» والمشكلة في هذه الرواية عند قومنا هو 
حرمة نقدها أو الحديث عنها لأن راويها أبو هريرة» ومخرجها البخاري ومسلم. 

قال آخر: ونص الرواية كما رواها أبو هريرة» أن رسول الله #2 قال: (لم يكذب 
ابراهيم عليه السلام غير ثلاث: ثنتين في ذات الله» قوله: #إإِن سَقِيمٌ4 [الصافات: 0185 وقوله: 
#بل فَعَلَهُ كَبرُهُمْ هَذَا؟ [الأنياء: 3]» وبينا هو يسير في أرض جبار من الجبابرة» إذ نزل 
منزلاء فأتى الجبار رجل فقال: إن في أرضك رجلا معه امرأة من أحسن الناس» فأرسل 
إليه» فجاء فقال: ما هذه المرأة منك؟ قال: هي أختي» قال: اذهب فأرسل بها إلي» فانطلق 
إلى سارة» فقال: إن هذا الجبار قد سألني عنك, فأخبرته أنك أختي فلا تكذبيني عنده» فإنك 
أختي في كتاب الله» فإنه ليس في الأرض مسلم غيري وغيرك, قال: فانطلق بها وقام ابراهيم 
عليه السلام يصل قال: فللا دخلت عليه فرآها أهوى إليها وذهب يتناوهاء فأخذ أخذا 
شديداء فقال: ادعي الله ولا أضركء؛ فدعت له فأرسل فأهوى إليهاء فذهب يتناوهاء فاخذ 
أخذ شديداء فقال: ادعى الله ولا أضركء؛ فدعت له فأرسل» ثم فعل ذلك الثالثة» فأخذء 
فذكر مثل المرتين فأرسل قال: فدعا أدنى حجابه فقال: إنك لم تأتني بإنسان» ولكنك أتيتني 
بشيطان» أخرجها وأعطها هاجرء فأخرجت وأعطيت هاجرء فأقبلت بهاء فلما أحس 
إبراهيم بمجيئها انفتل من صلاته» فقال: مهيم! فقالت: كفى الله كيد الفاجر الكافر! 


وأخدم هاجر)(1) 


)١(‏ رواه البخاري ” / 171/17 2780 ومسلم رقم (77171)» وأبو داود رقم الصحابة (5/4؟) 


(؟571)» والترمذي رقم (0176» وأحمد (507/7) والنسائي في فضائل 


قال آخر: فهذه الرواية تتناقض تماما مع ما ورد في القرآن الكريم من شجاعة إبراهيم 
عليه السلام وفي كل المواقف.. وهل يمكن لمن هو مثله أن يقبل أن يترك امرأته عند الجبارين 
من دون أن يدافع عنها؟ ثم كيف تنظر المرأة بعد ذلك لزوجها الذي فرط فيها من أجل 
نفسه أحوج ما تكون إليه؟ ثم ما الذي جعل إبراهيم عليه السلام يذهب إلى ذلك المكان 
الذي يعلم أنه ستأخذ منه زوجته قهرا؟ 

قال آخر: ثم كيف نطبق هذه السنة الإبراهيمية في حياتنا لأن الله تعالى أمرنا بأن نتبع 


6 
ين :18 ام وخر ني 


ملته» ونسير سيرته» كما قال تعالى: لوَمَنْ يَرْعَبُ عَنْ مله إبرَاهِيمَ إلا مَنْ سَفه تَفْسَهُ ولق 
اصْطَمَيْناهُ في الدَّْيَا وَإِنَهُ في الآخرَةٍ كِنّ الصَّالِينَ4 (البقرة: 011٠١‏ وقال: قل صَدَقَ الله 
فَاتبعُوا مِلَةَإِبْرَاهِيمَ حَنيًا وَمَا كَانَ من امم رِكِينَ4 [العمران: 40]» بل إن رسول الله 8 نفسه 
مكلف باتباع ملة إبراهيم عليه السلام؛ كما قال تعالى: لثم أوحًَْا ليك أن انع لَه يراجم 
حَنِيهًا وَمَا كَانَ مِنَ امم رِكِينَ4 [النحل: 177].. فكيف نحبي هذه السنة الإبراهيمية العظيمة 
كما يتصور قومنا؟ 

قال آخر: ومثل ذلك ما ورد من الروايات التي تشوه صورته التي رسمها القرآن 
الكريم» والتي تجعل حياته كلها جدا وكدا في الدعوة إلى الله ابتداءه من أقاربه الأدنين» 
وانتهاء بالملك إلا أن قومنا جعلوه يتقاعد عن هذه المهام العظيمة التي قضى حياته من 
أجلهاء ركونا إلى الدنيا. 

قال آخر: ومن الروايات التي أوردوها في هذا في تفسير قوله تعالى: #فَمِنَْهُمْ مَنْ 
آمَنَ به وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُوَكَقَى بِجَهَنَم سَعِيرَ ا [النساء: ه5] عن السدي» أن ابراهيم عليه 
السلام احتاج ‏ وقد كان له صديق يعطيه ويأتيه ‏ فقالت له ساره: لو أتيت خلتك فأصبت 


لنا منه طعاما! فركب حمارا له ثم أتاه» فلا أتاه تغيب منه» واستحيا إبراهيم أن يرجع إلى 


أهله خائباء فمر على بطحاء, فملاً منها خرجه. ثم أرسل ال حار إلى أهله» فأقبل ا حار وعليه 
حنطة جيده ونام ابراهيم عليه السلام فاستيقظ» وجاء إلى أهله» فوجد سارة قد جعلت له 
طعاماء فقالت: ألا تأكل؟ فقال: وهل من شيء؟ فقالت: نعم من الحنطة التي جئت بها من 
عند خليلكء. فقال: صدقتء من عند خليلٍ جئت بهاء فزرعها فنبتت له» وزكا زرعه 
وهلكت زروع الناس» فكان أصل ماله منهاء فكان الناس يأتونه فيسألونه فيقول: من قال: 
لا إله إلا الله فليدخل فليأخذ» فمنهم من قال فاخذ, ومنهم من أبى فرجع, وذلك قوله 
تعالى: لفَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ به وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَمَى بِجَهَنّمَ سَعِيرًاك [الساء: 0 فلم| كثر 
مال إبراهيم ومواشيه احتاج إلى السعة في المسكن والمرعى» وكان مسكنه ما بين قرية مدين 
- فيها قيل ‏ والحجاز إلى أرض الشامء وكان ابن أخيه لوط نازلا معه. فقاسم ماله لوطاء 
فأعطى لوطا شطره فيه| قيل» وخيره مسكنا يسكنه ومنزلا ينزله غير المنزل الذي هو به نازل» 
فاختار لوط ناحية الأردن فصار إليهاء وأقام إبراهيم عليه السلام بمكانه» فصار ذلك فيا 
قيل سببا لآثاره بمكة وإسكانه إياها إسماعيل» وكان ربا دخل أمصار الشام)(2.. وهكذا 
تصور الرواية إبراهيم عليه السلام منشغلا باله بعد أن كثر لديه» وبعد أن أعطى جزءا منه 
للوط عليه السلام. 

قال آخر: والخطر ليس في هذا التقاعد الذي منحوه لإبراهيم عليه السلام فقط» وإن| 
في ذلك المنهج الغريب الذي صوروه يدعو إلى الله به.. وهو الدعاء بالقمح والشعير» فقد 
ذكروا في الرواية أن الناس كانوا يأتونه بعد أن اغتنى» فيسألونه فيقول: من قال: لا إله إلا 
الله فليدخل فليأخذ» فمنهم من قال فاخذء ومنهم من أبى فرجع.. وكأن الدعوة إلى الله 
مختصرة في كلمة تقال» وليس في حياة تغير تغيرا تماما. 


0704 /١( تاريخ الطبري‎ )١( 





قال آخر: ومثل هذا الاختزال أيضا لذلك المنهج الدعوي العظيم الذي مارسه 
إبراهيم السلام» والذي أمر نا بالاقتداء به فيه» ذلك التفسير العجيب لقوله تعالى: #وَإذ 
ابعل إِبْرَاهِيمَ رَبّهُ كات أتَهّنَ قَالَ 
عَهْدِي الظَّالِينَ4 [البترة: 4؟1]» وهي الآية الكريمة التي تشهد لإبراهيم عليه السلام بالوفاء 
بجميع ما تتطلبه الدعوة إلى الله من جهود, كا شهد له قوله تعالى: #وَإِبْرَاهِيمَ الّنِي وَل 
[النجم: 0]» فقّد اختصروا الابتلاء بالكلمات التي تعني كل أنواع البلاء التي تعرض لطا ابتداء 
بالنفي» وانتهاء بالحرقء في هذا التفسير الذي يروونه عن أئمتهم. 

قال آخر: وقد رووا ني ذلك عن ابن عباسء أنه قال: (ابتلاه الله بالطهارة: حمس في 
الرأس» وحمس في الجسد. في الرأس: قص الشاربء والمضمضة:؛ والاستنشاقء والسواك» 
وفرق الرأس. وفي الجسد: تقليم الأظفار. وحلق العانة» والختان» ونتف الإبط» وغسل أثر 
الغائط والبول بالماء)(21.. وروواعن قتادة قال: (ابتلاه بالختان» وحلق العانة» وغسل القبل 
والدبر» والسواك» وقص الشاربء وتقليم الأظافر» ونتف الإبط) قال أبو هلال: ونسيت 


54 


نِّ جَاعِذّكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذَرٌيّتِي قَالَ لاي 


ا 


إِ 


خصلة(2).. ورووا عن أبي الخلد قال: (ابتلي إبراهيم بعشرة أشياء؛ هن في الإنسان: سنة: 
الاستنشاق» وقص الشاربء والسواكء. ونتف الإبط» وقلم الأظفار» وغسل البراجم» 
والختان» وحلق العانة» وغسل الدبر والفرج) 20 

قال آخر: بل ذكروا في الرواية التي يرفعونها إلى رسول الله # اختتصار الكلمات في 
بعض الأذكارء فقد رووا عن أنس قال: كان النبي : ي يقول: (ألا أخبركم لم سمى الله 


إبراهيم خليله: #وَإِبْرَاهِيمَ الْنِي وق 4 [النجم: كل لأنه كان يقول كلم| أصبح وكلم)| أمسى: 


)٠١ /7( تفسير الطبري (؟/ 4)» ورواه الحاكم 7771:7. (؟) تفسير الطبري‎ )١( 
)9 /7( تفسير الطبري‎ )0( 


#فَسُيحَانَ الله حي عسُونَ وَحِينَ نُصْبِحُولَ4 [الروم: ]1١‏ حتى يختم الآية)10).. أو في بعض 
الركعات» كما رووا عن عن أب أمامة قال: قال رسول الله ي: لوَإبْرَاهِيمَ الَّذِي وَق4 [النجم: 
0"]ء قالء» أتدرون ماوق؟ قالوا: الله ورسوله أعلم» قال: وفي عمل يومه» أربع ركعات في 
النهار)() 

قال آخر: أما الإمامة التي هي مرتبطة عظيمة في الدين» تشمل جميع مناحي الحياة» 
فقد اختصروها في الإمامة في الحج(2. وكأن رسالة إبراهيم عليه السلام كلها مختصرة في 
أن يقص شاربه ويقلم أظافره؛ وينتف إبطه. ثم يقوم بعد ذلك بإمامة الناس بالحج. 

قال آخر: ول يكتف قومنا بهذاء بل راحوا يغرقون قصة حياته بالتفصيل التي لا دليل 
عليهاء ولا حاجة لهاء ومن أمثلتها ما ذكروه من نسبه» حيث ذكروا أنه (ابراهيم بن تارخ 
بن ناحور بن ساروغ بن أرغوا بن فالغ بن عابر بن شالخ بن قينان بن ارفخشد بن سام بن 
نوح)(4) 

قال آخر(”*»: وهكذا شغلونا بالتحقيق في الموضع الذي كان منه» والموضع الذي ولد 
فيه حيث قال بعضهم: كان مولده بالسوس من أرض الأهواز.. وقال بعضهم: كان مولده 
ببابل من أرض السواد.. وقال بعضهم: كان بالسواد بناحية كوثى.. وقال بعضهم: كان 
مولده بالوركاء بناحية الزوابي وحدود كسكرء ثم نقله أبوه إلى الموضع الذي كان به نمرود 
من ناحية كوثى.. وقال بعضهم: كان مولده بحرانء ولكن أباه تارخ نقله إلى أرض بابل. 

قال آخر(»: وذكروا أنه لما أراد الله عز وجل أن يبعث ابراهيم عليه السلام حجة 


على قومه ورسولا إلى عباده» ولم يكن فيم| بين نوح وإبراهيم عليه السلام من نبي قبله إلا 


)77 /١1( ج ”اص 4779. (5) تاريخ الطبري‎ ١578/4 رواه أحمد في المسند:‎ )1١( 
)77”7 /١( تاريخ الطبري‎ )5( )١7 /7( تفسير الطبري‎ )0( 
تاريخ الطبري (1/ 57*4؟)‎ )5( 23٠١ تفسير الطبري (؟/‎ )( 





هود وصالحء فلا تقارب زمان إبراهيم الذي أراد الله تعالى ذكره ما أراد» أتى أصحاب 
النجوم نمرودء فقالوا له: تعلم أنا نجد في علمنا أن غلاما يولد في قريتك هذه يقال له 
إبراهيم» يفارق دينكم, ويكسر أوثانكم» في شهر كذا وكذا من سنة كذا وكذا فلما دخلت 
السنة التي وصف أصحاب النجوم لنمرود بعث نمرود إلى كل امرأة حبلى بقريته» فحبسها 
عنده, إلا ما كان من أم إبراهيم امرأة آزر فإنه لم يعلم بحبلهاء وذلك أنها كانت جارية لم 
يعرف الحبل في بطنهاء فجعل لا تلد امرأة غلاما في ذلك الشهر من تلك السنة إلا أمر به 
فذبح» فلم| وجدت أم إبراهيم الطلق خرجت ليلا إلى مغارة كانت قريبا منهاء فولدت فيها 
ابراهيم عليه السلام» وأصلحت من شأنه ما يصنع بالمولود» ثم سدت عليه المغارة» ثم 
رجعت إلى بيتهاء ثم كانت تطالعه في المغارة لتنظر ما فعل» فتجده حيا يمص إبهامه.وذكروا 
أن الله جعل رزق ابراهيم عليه السلام فيها ما يجيه من مصه. 

قال آخر(2©: وذكروا أن آزر سأل أم إبراهيم عن حملها ما فعل» فقالت: ولدت غلاما 
فمات فصدقها فسكت عنهاء وكان اليوم ‏ فيا يذكرون ‏ على إبراهيم في الشباب كالشهرء 
والشهر كالسنة» ولم يمكث ابراهيم عليه السلام في المغارة إلا حمسة عشر شهراء حتى قال 
لأمه: أخرجيني أنظرء فأخرجته عشاءء فنظر وتفكر في خلق السموات والأرضء وقال: 
إن الذي خلقني ورزقني وأطعمني وسقاني لريء مالي إله غيره ثم نظر في السماء ورأى 
كوكباء فقال: هَدًا رَيُّ4 لالأنعام: “050 ثم اتبعه ينظر إليه ببصره حتى غاب #قَلَ) أَقَلَ قَالَ 
كك الْآفِلِينَ * [الأنعام: 73]» ثم اطلع للقمر فرآه بازغا فقال: #هَذًَا رَبِ # [الأنعام: 05] ثم 
أتبعه ببصره حتى غاب قل أَكَلّ قَالٌ لَيْنْ 1 مَبْدِنٍ ري عوك القَوْم الضَالَّينَ 4 [الأنعام: 
فلما دخل عليه النهار وطلعت الشمس رأى عظم الشمس ورأى شيئا هو أعظم نورا 


)770 /١( تاريخ الطبري‎ )١( 





من كل شيء رآه قبل ذلكء. فقال: #8هَذَا رَِ هَذَا أَكُيْ قََا أَقَلَتْ فَا لَ يا قوم إن بَرِيءٌ ينا 


تْرِكُونَ إِنّْ وَجَهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّنَاوَاتِ وَالْأَرْض حَنِيفًا وَمَا أنَا مِنَ امش ركِينَ ‏ 


[الأنعام: 38 21] 

قال آخر(©: وذكروا أن إبراهيم عليه السلام رجع إلى أبيه آزر وقد استقامت 
وجهته» وعرف ربه وبرئ من دين قومه إلا أنه لم يبادهم بذلك, فأخبره أنه ابنه» فأخبرته أم 
إبراهيم عليه السلام أنه ابنه» فأخبرته بها كانت صنعت في شأنه» فسر بذلك آزر وفرح فرحا 
شديداء وكان آزر يصنع أصنام قومه التي يعبدونء ثم يعطيها إبراهيم يبيعهاء فيذهب بها 
إبراهيم عليه السلام فيقول: من يشتري ما يضره ولا ينفعه! فلا يشتريها منه أحدء فإذا بارت 
الضلالة ‏ حتى فشا عيبه إياهاء واستهزاؤه بها في قومه وأهل قريته من غير أن يكون ذلك 
بلغ نمرود الملك. 

قال آخر(©: وذكروا من التشويبات العظيمة للأنبياء عليهم السلام أن سارة قالت 
لإبراهيم: تسر هاجرء فقد أذنت لك» فتسرى بهاء فحملت بإسماعيل» ثم إنه حملت سارة 
و ع اا ا ا 
عليهاء فأخرجتهاء * ثم إنها دعتها فأدخلتها ثم غضبت أيضا فأخرجتها ثم أدخلتهاء وحلفت 
لتقطعن منها بضعة» فقالت: أقطع أنفهاء أقطع أذنهاء فيشينها ذلك» ثم قالت: لا بل 
أخفضهاء فقطعت ذلك منهاء فاتخذت هاجر عند ذلك ذيلا تعفي به عن الدم؛ فلذلك 
خفضت النساءء واتخذت ذيولاء ثم قالت: : لا تساكني في بلد وأوحى الله إلى إبراهيم أ ن يأي 


مكة» وليس يومكذ بمكة بيت» فذهب بها إلى مكة وابنها فوضعهاء وقالت له هاجر؛ إلى من 


(1) تاريخ الطبري (1/ 7*0؟) (؟) تاريخ الطبري (1/ 55؟) 


ا 





تركتنا هاهنا؟ ثم ذكر خبرهاء وخبر ابنها. 

الحشوية ولوط: 

قال أحد الحضور: وعينا هذا.. فحدثونا عن لوط عليه السلام؟ 

قال الحشوي: مع أن القرآن الكريم اقتصر عند ذكره له على جهوده العظيمة التي 
بذهها في دعوته لقومه. والأساليب التي استعملها في ذلك» وذلك حتى يكون أسوة لنا في 
صبره ورساليته إلا أن مفسرينا ومؤرخينا أغرقونا في التفاصيل الكثيرة التي تنسينا كل 
ذلك. 

قال آخر: ومن الأمثلة على ذلك ما ذكروا من نسبه» وأنه لوط بن هاران ابن تارخ 
بن أخي إبراهيم عليهم| السلام(). 

قال آخر: ومما ذكر اليهود وتلاميذهم من قصته التي أغرقوا بها كتب التفسير 
والتاريخ والحديث مالم يدل الدليل الصحيح عليه؛ أنه كانت لقومه ثمار وقرى لم يكن في 
الأرض مثلها فقصدهم الناس فآذوهم فعرض هم إبليس في صورة شيخ فقال: إن فعلتم 
بهم كذا وكذا نجوتم منهم فأبواء فل) ألح الناس عليهم قصدوهم فأصابوا غلمانا صباحا 
فأخبثوا واستحكم فيهم ذلك(©. 

قال آخر(”: وذكروا أن أول من عمل عمل قوم لوط إبليس الخبيث لأن بلادهم 
أخصبت فانتجعها أهل البلدان» فتمثل لهم إبليس في صورة شابء ثم دعا إلى دبره فنكح 
في دبره» ثم عبثوا بذلك العمل» فلم| كثر ذلك فيهم عجت الأرض إلى رمهاء فسمعت السماء 
فعجت إلى ربهاء فسمع العرش فعج إلى ربه» فأمر الله تعالى السماء أن يحصبهم, وأمر الأرض 


)475 /١5( ذكره البغوي في معالم التنزيل ”// 7915. () تفسير الثعلبي‎ )١( 
588 //” (؟) ذكره البغوي في معالم التنزيل‎ 


أن تخسف بهم. 

قال آخر<1»: وذكروا أنه لما خرجت الملائكة من عند إبراهيم نحو قرية لوطء فأتوها 
نصف النهار» فل| بلغوا نهر سدوم لقوا ابنة لوط تستقي من الماء لأهلها ‏ وكانت له ابنتان: 
اسم الكبرى ريثا واسم الصغرى رعزيا ‏ فقالوا لها: يا جارية» هل من منزل؟ قالت: نعم» 
فمكانكم لا تدخلوا حتى آتيكم» فرقت عليهم من قومهاء فأتت أباهاء فقالت: يا أبتاى 
أرادك فتيان على باب المدينة» ما رأيت وجوه قوم هي أحسن منهم, لا يأخذهم قومك 
فيفضحوهم ‏ وقد كان قومه نهوه أن يضيف رجلا فقالوا له: خل عنا فلنضف الرجال» 
فجاء بهم فلم يعلم أحد إلا أهل بيت لوط» فخرجت امرأته فأخبرت قومها فقالت: إن في 
بيت لوط رجالا ما رأيت مثلهم ومثل وجوههم حسنا قطء فجاءه قومه يبرعون اليه. 

قال آخر(": وذكروا أخهم دخلوا على الملائكة فتناولتهم الملائكة» فطمست أعينهم 
فقالوا: يا لوط جئتنا بقوم سحرة» سحرونا كما أنت حتى نصبح قال: فاحتمل جبريل عليه 
السلام قريات لوط الأربع» في كل قرية مائة ألف. فرفعهم على جناحه بين السماء والأرض 
حتى سمع أهل السماء الدنيا أصوات ديكتهم ثم قلبهم» فجعل الله عاليها سافلها. 

الحشوية ويعقوب: 

قال أحد الحضور: وعينا هذا.. فحدثونا عن يعقوب عليه السلام؟ 

قال الحشوي: مع أن القرآن الكريم اقتصر عند ذكره له على حرصه على إسلام أهله 
وولده» ووصيته لهم» وحرصه على ابنه يوسف. وتفويضه أمره فيها حصل له لله تعالى إلا أن 
الروايات التي كنا نرويها عنه مستندين لأولئك الكذبة كانت تنحرف بسيرته انحرافا تاما. 


قال آخر: ومن الأمثلة على ذلك هذه القصة الطويلة التي سأذكرها لكم؛ ففي كل 


0707 /1( تاريخ الطبري (1/ 0199 (؟) تاريخ الطبري‎ )١( 


4 





حرف منها تشويهات عظيمة. لا بنبي الله يعقوب عليه السلام فقطء وإنم| بكل القيم النبيلة 
التي يقوم عليها الكون. 

قال آخر(©: فقد ذكروا أن إسحاق عليه السلام تزوج امرأة فحملت بغلامين في 
بطنء فل| أرادت أن تضعها اقتتل الغلامان في بطنهاء فأراد يعقوب أن يخرج قبل عيص» 
فقال عيص: والله لئن خرجت قبل لأعترضن في بطن أمي ولأقتلنهاء فتأخر يعقوب. 
وخرج عيص قبله» وأخذ يعقوب بعقب عيصء فخرج فسمي عيصا لأنه عصى. فخرج 
قبل يعقوب. وسمي يعقوب لأنه خرج آخذا بعقب عيص. وكان يعقوب أكبرهما في البطن. 
ولكن عيصا خرج قبله. 

قال آخر(": ثم ذكروا أن الغلامين كبراء فكان عيص أحبه! إلى أبيه» وكان يعقوب 
أحبهما إلى أمهء وكان عيص صاحب صيدء فلم| كبر إسحاق» وعميء قال لعيص: يا بني 
أطعمني لحم صيد واقترب مني أدع لك بدعاء دعا لي به أبي» وكان عيص رجلا أشعر 
وكان يعقوب رجلا أجرد. فخرج عيص يطلب الصيد»ء وسمعت أمه الكلام فقالت 
ليعقوب: يا بني» اذهب إلى الغنم فاذبح منها شاة ثم اشوه؛ والبس جلده وقدمه إلى أبيك» 
وقل له: أنا ابناك عيصء ففعل ذلك يعقوب. فلم| جاء قال: يا أبتاه كل» قال: من أنت؟ قال: 
أنا ابنك عيصء قال: فمسه. فقال: المس مس عيصء والريح ريح يعقوب. قالت أمه: هو 
ابنك عيص فادع له» قال: قدم طعامكء فقدمه فأكل منه. ثم قال: ادن مني, فدنا منه» فدعا 
له أن يجعل في ذريته الأنبياء والملوك» وقام يعقوب. 


قال آخر””: ثم ذكروا أن عيصا جاء فقال: قد جئتك بالصيد الذي أمرتني به فقال: 


077١ /١( تاريخ الطبري‎ )"( 27١19 /١( تاريخ الطبري‎ )١( 
بوره‎ /١( تاريخ الطبري‎ )١( 


51 


يا بني قد سبقك أخوك يعقوب» فغضب عيص وقال: والله لأقتلنه» قال: يا بني قد بقيت 
لك دعوة» فهلم أدع لك بهاء فدعا له فقال: تكون ذريتك عددا كثيرا كالتراب ولا يملكهم 
أحد غيرهم» وقالت أم يعقوب ليعقوب: الحق بخالك فكن عنده خشية أن يقتلك عيص» 
فانطلق إلى خاله. فكان يسري بالليل ويكمن بالنهار» ولذلك سمي إسرائيل» وهو سري 
اللّه. 

قال آخر("©: ثم ذكروا أنه أتى خاله» وقال عيص: أما إذ غلبتني على الدعوى فلا 
تغلبني على القبر» أن أدفن عند آبائي: إبراهيم وإسحاقء فقال: لئن فعلت لتدفئن معه. ثم 
ان يعقوب عليه السلام هوى ابنة خاله ‏ وكانت له ابنتان ‏ فخطب إلى أبيهم|ا الصغرى منهماء 
فآنكحها إياه على أن يرعى غنمه إلى أجل مسمىء فلم| انقضى الأجل زف إليه أختها لياء قال 
يعقوب: إن| أردت راحيل» فقال له خاله: إنا لا ينكح فينا الصغير قبل الكبير» ولكن ارع 
لنا أيضا وأنكحهاء ففعل فل| انقضى الأجل زوجه راحيل أيضاء فجمع يعقوب بينهماء 
فذلك قول الله: «وَأَنْ تمِمَعُوابَيْنَ امن إلا مَاقَدْ سَلّفَ4 [الساء: 00]» يقول: جمع يعقوب 
بين ليا وراحيل. 

قال آخر(): ثم ذكروا أن ليا ولدت يهوذاء وروبيل» وشمعون وولدت راحيل 
يوسفء وبنيامين» وماتت راحيل في نفاسها ببنيامين» من وجع النفاس الذى ماتت فيه 
وقطع خال يعقوب ليعقوب قطيعا من الغنم؛ فأراد الرجوع إلى بيت المقدس. فلما ارتحلوا 
لم يكن له نفقة» فقالت امرأة يعقوب ليوسف: خذ من أصنام أبي لعلنا نستنفق منه فأخذء 
وكان الغلامان في حجر يعقوبء فأحبهما وعطف عليه ليتمهما من أمهماء وكان أحب 
الخلق اليه يوسف عليه السلام» فلم قدموا أرض الشامء قال يعقوب لراع من الرعاة: إن 


(1) تاريخ الطبري (1/ 0750 (1) تاريخ الطبري (1/ 00 


1 





أتاكم أحد يسألكم: من أنتم؟ فقولوا: نحن ليعقوب عبد عيصء فلقيهم عيص فقال: من 
أنتم؟ قالوا: نحن ليعقوب عبد عيص» فكف عيص عن يعقوبء ونزل يعقوب بالشام» 
فكان همه يوسف وأخوه. فحسده إخوته لما رأوا من حب أبيه له. 

قال آخر: انظروا إلى الغرائب التي تصور بها هذه القصة الأنبياء عليهم السلام» 
والتشويبات العظيمة التي تحملها لهم وللقيم التي جاءوا بها. 

الحشوية ويوسف: 

قال أحد الحضور: وعينا هذا.. فحدثونا عن يوسف عليه السلام؟ 

قال الحشوي: مع أن القرآن الكريم اعتبر يوسف عليه السلام نموذجا للكثير من 
القيم الإنسانية الرفيعة» والتي تتناول الكثير من جوانب الحياة» والتي أشار إليها إخبار 
القرآن الكريم عند حديثه عن إعداده إعدادا خاصاء حيث ذكر اجتباءه من بداية حياته 
وصباه» وتعليمه من تأويل الأحاديث. وإتمام نعمته عليه.. إلا أن أهمها جميعاء أو أصلها 
جميعا هو تلك الروح الطاهرة الممتلئة بالعفاف. والتي صورها القرآن الكريم أحسن 
تصوير. 

قال آخر: وأول تصوير لما هو ما عبر عنه القرآن الكريم بقوله ‏ بعد ذكر حادثة 
الإغواء التي تعرض لا #كَذَِكَ لِتَضْرِف عَنْهُ السُوءَ وَالْمَحْمَاء إِنَّهُمِنْ عِبَادِنَاالْمخلَصِنَ* 
[يوسف: 4؟1]» فقد علل الله تعالى تلك القوة التي استطاع أن يواجه بها الإغراء بكل جوانبه 
بكونه من المخلّصين, والمخلّصون هم أولئك الطاهرون الذين تخلصوا من رق أنفسهم 
وشهواتهم؛ وصاروا أحرارا بعبوديتهم لله وحده. ولذلك لا يستطيع أي شيء في الدنيا ولا 
في الآخرة أن يأسرهمء بعد أن فنوا في محبوبهم الأول» واستغرقوا في رحلتهم إليه. 


571 


تفسيرا لقوله تعالى: لوَلَقَدَ منّتْ به وَهَمّ ا لَولَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ4 [يوسف: 14]» فقد فسرها 
رواة تلك الآثار المستمدة من اليهود ‏ كما فسروا اليد والساق والرجل بالنسبة لله تعالى ‏ 
فجعلوا همها وهمه واحدا.. أي أنه هم بالمخالطة» وأن همه بها كان كهمها به ولولا أنه رأى 
برهان ربه لفعل» وقد صانته عن ارتكاب الجريمة ‏ بعد الهم بها رؤية البرهان» مع أنه كان 
يمكنهم أن يفسروها على مقتضى اللغة وعلى مقتضى عصمة الأنبياء بسهولة ويسر.. ولذلك 
وجوه كثيرة» وبجميعها نطق العربء وأبسطها أن يقدروها (لولا أن رأى برهان ربه لهم 
مها)ء لآن ذلك يدل على عدم تحقق الهم منه لما رأى برهان ربه. 

قال آخر: مع أن [برهان ربه] ى] فسره القرآن الكريم هو تلك الحجج اليقينية التي 
تمل الحق ولا تدع ريبا لمرتابء كما قال تعالى: قَذَانِكٌ برْمَانَانِ مِنْ رَبك إِلَ فِرْعَوْنَ وَمَلَيْهِ 
إِنَّجُمْ كَانُوا قَوْمَا فَاسِقِينَ4 [القصص: +1 وقال: ييا النّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ برْهَانُ مِنْ رَبَكُمْ4 
[النساء: 117/4]» وقال: #قل هَانُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كنْتَمْ صَادِقِينَ ‏ [البقرة: »]1١١‏ وهذا البرهان هنا 
هو (العلم المكشوف واليقين المشهود الذي يجر النفس الإنسانية إلى طاعة لا تميل معها إلى 
معصية؛ وانقياد لا تصاحبه مخالفة.. ذلك أن إحدى أسس العصمة هو العلم اليقين بنتائج 
المثم وعواقب المخالفة علا لا يغلبء وانكشافاً لا يقهرء وهذا العلم الذي كان يصاحب 
يوسف هو الذي صدّه عمًا اقترحت عليه امرأة العزيز) 17 

قال آخر: كان يمكن لشيوخنا أن يرددوا هذاء خاصة وأن الكثير منهم يعرفون اللغة 
العربية ويتقنونهاء لكنهم لم يلتفتوا إلى هذه المعاني القرآنية واللغوية.. فراحوا يفسرون الآية 
بالروايات» لأن الروايات والقصص هي الوحيدة التي يسمح عقلهم الخرافي بمرورهاء 
ولهذا نجد مفسرا كبيرا كالطبري عند تفسيره للآية الكريمة ينقل الروايات الكثيرة التي 


)١(‏ مفاهيم القرآن: 4 / ان شر ارة 


الح 





نقلت بعد ذلك إلى كتب التاريخ وقصص الأنبياء.. ومنها نقلت إلى كتب العقائد لتنحرف 
بالصورة القرآنية ليوسف عليه السلام إلى الصورة اليهودية. 

قال آخر: ومن تلك الروايات ما وراه عن السدي أنه قال: قالت له: يا يوسف. ما 
أحسن شعرك!.. قال: هو أول ما ينتثر من جسدي.. قالت: يا يوسف. ما أحسن وجهك.. 
قال: هو للتراب يأكله» فلم تزل حتى أطمعته» فهمت به وهم بهاء فدخلا البيت» وغلقت 
الأبواب» وذهب ليحل سراويله» فإذا هو بصورة يعقوب قائ) في البيبت» قد عض على 
إصبعه. يقول: (يا يوسف لا تواقعهاء فإن| مثلك مالم تواقعها مثل الطير في جو السماء لا 
يطاق» ومثلك إذا واقعتها مثله إذا مات ووقع إلى الأرض لا يستطع أن يدفع عن نفسه. 
ومثلك مالم تواقعها مثل الثور الصعب الذي لا يعمل عليه» ومثلك إن واقعتها مثل الثور 
حين يموت فيدخل النمل في أصل قرنيه لا يستطيع أن يدفع عن نفسه)» فربط سراويله» 
وذهب ليخرج يشتدء فأدركته» فأخذت بمؤخر قميصه من خلفه فخرقته» حتى أخرجته 
منه وسقط. وطرحه يوسف واشتد نحو الباب20. 

قال آخر: ومن تلك الروايات ما رووا عن ابن إسحاقء أنه قال: (أكبت عليه يعني 
المرأة . تطمعه مرة وتخيفه أخرىء وتدعوه إلى لذة من حاجة الرجال في جمالها وحسنها 
وملكهاء وهو شاب مستقبل يجد من شبق الرجال ما يجد الرجل؛ حتى رق لها ما يرى من 
كلفها به» ولم يتخوف منها حتى هم بها وهمت بهء حتى خلوا في بعض بيوته)7") 

قال آخر: ونسبوا إلى ابن عباس أنه سئل عن هم يوسف ما بلغ؟ قال: (حل الهميان» 
وجلس منها مجلس الخاتن)20.. وآنه قال: (استلقت له. وجلس بين رجليها)9؟» 


670 /1١7( ورواه في تاريخه 177:1 . (؟) تفسير الطبري‎ »)7 /١7( تفسير الطبري‎ )١( 
)7”5 /١5( تفسير الطبري‎ )5( )7”5 /١5( (؟) تفسير الطبري‎ 


51 


قال آخر: وبعد أن روى الطبري أمثال هذا الغثاء عن سلفنا من أمثال مجاهد وقتادة 
وعكرمة وغيرهم.. طرح هذا الإشكال الخطير» فقال: (فإن قال قائل: وكيف يجوز أن 
يوصف يوسف بمثل هذاء وهو لله نبي؟)207, ثم أجاب عليه بقوله: (قيل: إن أهل العلم 
اختلفوا في ذلك» فقال بعضهم: كان من ابتلي من الأنبياء بخطيئة» فإن) ابتلاه الله بباء ليكون 
من الله عز وجل على وجل إذا ذكرهاء فيجد في طاعته إشفاقا منهاء ولا يتكل على سعة عفو 
الله ورحمته.. وقال آخرون: بل ابتلاهم الله بذلكء. ليعرفهم موضع نعمته عليهم» بصفحه 
عنهم وتركه عقوبته عليه في الآخرة.. وقال آخرون: بل ابتلاهم بذلك ليجعلهم أئمة 
لآهل الذنوب في رجاء رحمة الله وترك الإياس من عفوه عنهم إذا تابوا) 7 

قال آخر: وكعادة الكثير من المحدثين في الجمع بين طرحهم لآرائهم» ووصفها 
بالسنية» ثم ذكر المخالفين لهم بغية التحذير منهاء ورميها بالبدعة» فقد قال الطبري بعدما 
ذكر إجابات أهل العلم من شيوخنا عن سر تصرفات يوسف عليه السلام: (وأما آخرون 
عمن خالف أقوال السلف وتأولوا القرآن بآرائهم» فإنهم قالوا في ذلك أقوالا مختلفة» فقال 
بعضهم: معناه: ولقد همت المرأة بيوسف» وهم بها يوسف أن يضربها أو ينال ها بمكروه لحمها 
به ما أرادته من المكروه؛ لولا أن يوسف رأى برهان ربه» وكفه ذلك عم هم به من أذاها لا 
أنها ارتدعت من قبل نفسهاء قالوا: والشاهد على صحة ذلك قوله: #كَذَلِكَ لِتَضرف عَنْهُ 
السّوءَ وَالْمَحْشَاء» (يوسف: 4514 قالوا: فالسوء هو ما كان هم به من أذاهاء وهو غير 
الفحشاء.. وقال آخرون منهم: معنى الكلام: ولقد همت به» فتناهى الخبر عنهاء ثم ابتدئ 
الخبر عن يوسفء فقيل: (وهم بها يوسف لولا أن رأى برهان ربه)» كأخهم وجهوا معنى 


الكلام إلى أن يوسف لم بهم بهاء وأن الله إنما أخبر أن يوسف لولا رؤيته برهان ربه لهم بهاء 


7*8 /١7( تفسير الطبري‎ )١( "1 /١5( تفسير الطبري‎ )١( 


316 





ولكنه رأى برهان ربه فلم بهم بهاء كما قبل: لوَلَوَْا قَضْلٌ الل عَليكُمْ وَرَخَنهُ اتبَمْم 

ا ل 
مقتضى القرآن الكريم» فقال: (قال أبو جعفر: ويفسد هذين القولين: أن العرب لا تقدم 
جواب لولا قبلهاء لا تقول: (لقد قمت لولا زيد)» وهي تريد: (لولا زيد لقد قمت)» هذا 
مع خلافهم)| - جميع أهل العلم بتأويل القرآن» الذين عنهم يؤخذ تأويله)("2» ولسنا ندري من 
أين له هذا المعنى اللغوي, والذي قال به كبار علماء اللغة» وهم أدرى بهاء وأكثر تخصصا 
منله. 

قال آخر: وبعد أن فسر الطبري الحم راح يفسر البرهانء فقال: (أما البرهان الذي 
رآه يوسفء فترك من أجله مواقعة الخطيئة» فإن أهل العلم مختلفون فيه.. فقال بعضهم: 
نودي بالنهي عن مواقعة الخطيئة)””) 

قال آخر”؟»: ومن الروايات التي ساقها للدالة على ذلك ما رواه عن ابن عباسء أنه 
قال: («نودي: يا يوسفء أتزني» فتكون كالطير وقع ريشه. فذهب يطير فلا ريش له؟). 
وروى عنه: (لم يعط على النداء» حتى رأى برهان ربه» قال: تمثال صورة وجه أبيه عاضا على 
أصبعه» فقال: يا يوسف. تزني» فتكون كالطير ذهب ريشه؟)» وروى عنه: (نودي: يا ابن 
يعقوب. لا تكن كالطير إذا زنى ذهب ريشه. وبقي لا ريش له! فلم يطع على النداء» ففزع)» 
وروى عنه: (نودي: يا ابن يعقوب لا تكونن كالطائر له ريش» فإذا زنى ذهب ريشه ‏ أو 


قعد لا ريش له فلم يعط على النداء شيئاء حتى رأى برهان ربه» ففرق ففر) 


79 /١7( تفسير الطبري‎ )3( 078 /١5( تفسير الطبري‎ )١( 
وما بعدها.‎ ))74 /١7( (؟) انظر هذه الروايات في تفسير الطبري‎ )7”9 /١5( تفسير الطبري‎ )( 


7” 


قال آخر(١»:‏ وروى عن قتادة قوله: (نودي يوسف فقيل: أنت مكتوب في الأنبياء» 
تعمل عمل السفهاء؟)» وروى عن الحسن قوله: (رأى تمثال يعقوب عاضا على إصبعه 
يقول: يوسف! يوسف!)» وروى عن القاسم بن أب بزة قوله: (نودي: يا ابن يعقوب. لا 
تكونن كالطير له ريشء فإذا زنى قعد ليس له ريش» فلم يعرض للنداء وقعد» فرفع رأسه. 
فرأى وجه يعقوب عاضا على إصبعه» فقام مرعوبا استحياء من الله» فذلك قول الله: (لولا 
أن رأى برهان ربه)» وجه يعقوب)» وروى عن سعيد بن جبير: (رأى تمثال وجه يعقوب. 
فخرجت شهوته من أنامله)» وروى عنه؛ أنه قال: (رأى صورة فيها وجه يعقوب عاضا 
على أصابعه» فدفع في صدره» فخرجت شهوته من أنامله» فكل ولد يعقوب ولد له اثنا 
عشر رجلا إلا يوسف. فإنه نقص بتلك الشهوة. ولم يولد له غير أحد عشر) 

قال آخر: وهكذا أصبح إخوة يوسف عليه السلام ‏ بحسب الرؤية التي أوحاها لنا 
شيوخنا من السلف ‏ أفضل من أخيهم» وأطهر منه لأنه هم ول يهمواء ولهذا أكرموا بالمزيد 
من الولد على خلافه. 

قال آخر: بل إنهم يروون أنه رأي آيات قرآنية» وباللغة العربية» ولسنا ندري كيف 
رآهاء وهل أنزلت عليه قبل أن تنزل على رسول الله ##.. ومن تلك الروايات ما وراه 
للريس د سياس اوراس ا رب اومسر اي 
كتابا في حائط البيت: #وَلَا تَقَرَيُوا بُوا الرّنَا! لكان قابحقا وضاء سَبِيلًا [الإسراء: «#)00) 

قال آخر: وروى عن أبي صخرء قال: سمعت القرظي يقول في البرهان الذي رأى 
يوسف: ثلاث آيات من كتاب الله: وَإِنَّ عَلَيكُمْ حَافِظِينَ4 الانقطار: »5٠١‏ وقوله: وما 


ع 1 50 5 . 6 الدع ع فيد سند و 6 عه يدا ابيز 8 
تكون في شَأَنٍ# [يونس: 11]» وقوله: #أَفْمَنْ هو قَائِمٌ عل كل نَفْسٍ يا كَسَبَت 4 [الرعد: 57اء 


)58 /١5( وما بعدها. (؟) تفسير الطبري‎ ))74 /١7( انظر هذه الروايات في تفسير الطبري‎ )١( 


5”1/ 





قال نافع: سمعت أبا هلال يقول مثل قول القرظيء وزاد آية رابعة: #وَلَا تَقَرَبُوا الزَّنَاك 
[الإسراء: 7م0138 

قال آخر: وبعد أن أورد الطبري جميع هذه الأقوال وغيرهاء قال بورع بارد: (قال 
أبو جعفر: وأولى الأقوال ني ذلك بالصواب أن يقال: إن الله جل ثناؤه أخبر عن هم يوسف 
وامرأة العزيز كل واحد منهما بصاحبه. لولا أن رأى يوسف برهان ربه» وذلك آية من الله 
زجرته عن ركوب ما هم به يوسف من الفاحشة» وجائز أن تكون تلك الآية صورة 
يعقوبء وجائز أن تكون صورة الملك. وجائز أن يكون الوعيد في الآيات التي ذكرها الله 
في القرآن على الزناء ولا حجة للعذر قاطعة بأي ذلك كان من أي» والصواب أن يقال في 
ذلك ما قاله الله تبارك وتعالى» والإيان به. وترك ما عدا ذلك إلى عالمه)77) 

الحشوية وأيوب: 

قال أحد الحضور: وعينا هذا.. فحدثونا عن أيوب عليه السلام؟ 

قال الحشوي: مع أن القرآن الكريم اقتصر عند ذكره له على صبره وتضرعه لله تعالى» 
وكونه من عباد الله الصالحين الذين جعلهم محل هداية وقدوة لعباده. إلا أنا رحنا نغرق 
حياته بالتفاصيل الكثيرة التي لا دليل عليهاء وفوق ذلك التشويهات التي أساءت إليه» 
وللقيم النبيلة التي يمثلها. 

قال آخر(": وأول ذلكء تلك التفاصيل التي ذكرها شيوخناء والتي لا دليل عليهاء 
معرفه نسبه وبلده ونحوهماء فقد رووا عن وهب بن منبه» أنه كان رجلا من الروم» وهو 


أيوب بن موص بن رازح بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم.. وذكر غيره أنه أيوب بن موص 


0777 /1( تاريخ الطبري‎ )( )14/ /١5( تفسير الطبري‎ )١( 
)5/ /١5( تفسير الطبري‎ )( 


5718 


بن رغويل بن العيص ابن إسحاق بن ابراهيم.. وذكر آخر أنه أيوب بن موص بن رعويل» 
ويقول: كان أبوه ممن آمن بابراهيم عليه السلام يوم إحرقه نمرود. 

قال آخر<(١»:‏ وهكذا اختلفوا في زوجته أيضاء فبعضهم ذكر أنها ابنة ليعقوب بن 
إسحاقء يقال: لما لياء كان يعقوب زوجها منه.. وذكر آخر أنها ابنة للوط بن هاران.. وذكر 
آخر أنها رحمه بنت افراييم بن يوسف بن يعقوبء وكانت لا البثنية من الشام كلها با فيها. 

قال آخر(»: وهكذا ذكروا أن عمر أيوب عليه السلام كان ثلاثا وتسعين سنة» وأنه 
أوصى عند موته إلى ابنه حومل» وأن الله عز وجل بعث بعده ابنه بشر بن أيوب نبياء وسماه 
ذا الكفل وأمره بالدعاء إلى توحيده» وأنه كان مقيم| بالشام عمره حتى مات» وكان عمره 
خمسا وسبعين سنة» وأن بشرا أوصى إلى ابنه عبدان» وآن الله عز وجل بعث بعده شعيب بن 
صيفون بن عيفا بن نابت بن مدين ابن إبراهيم إلى أهل مدين. 

قال آخر(”: وذكروا أنه قد كان معه ثلاثة نفر» آمنوا به وصدقوه وعرفوا فضله. 
رجل من أهل اليمن يقال له أليفزء ورجلان من أهل بلاده» يقال: لأحدهما بلدد. والآخر 
ظافرء وكانوا كهولا. 

قال آخر(؟»: وقد بدأوا قصته بمشهد الثناء عليه من الملاتكة عليهم السلام» وقد 
أطنبوا في ذلك أيم| إطناب» فقد ذكروا أن لجبريل عليه السلام بين يدي الله عز وجل مقاما 
ليس لأحد من الملائكة في القربة والفضيلة» وإن جبريل عليه السلام هو الذي يتلقى 
الكلام» فإذا ذكر الله تعالى عبدا بخير تلقاه جبريل» ثم تلقاه ميكائيل عليه السلام» وحوله 


)١(‏ تاريخ الطبري /١(‏ 0977 في تفسير القرآن العظيم 4/ 777: وقد روي عن وهب ابن منبه في خبره قصة 
(0) تاريخ الطبري /١(‏ 27570 طويلة ذكرها ابن جرير وابن أبي حاتم وذكرها غير واحد من متأخري المفسرين 
() تفسير الثعلبي مام )١0‏ وانظر: جامع البيان /١١1/‏ 50 عرائس وفيها غرابة تركناها الحال الطول.. وقال عنها كذلك في البداية والنهاية /١‏ 7177: 

المجالس (ص »2٠١5‏ والبغوي في معالم التنزيل 5/ 717/4. وقد روي عن وهب بن منبه وغيره من عللاء بني إسرائيل في قصة أيوب خير 
(5) ذكر القصة بطولها الطبري في جامع البيان 207/117 قال عنها ابن كثير طويل في كيفية ذهاب ماله وولده وبلائه في جسده. والله أعلم بصحته. 


51 





الملاتكة المقربون حافين من حول العرشء فإذا شاع ذلك في الملائكة المقريين صارت 
الصلوات على ذلك العبد من أهل السماوات» فإذا صلت عليه ملائكة السماوات هبطت 
عليه بالصلاة إلى ملائكة الأرض. 

قال آخر(21: وذكروا أن إبليس لعنه الله كان لا يحجب عن ثبيء من السماوات» وكان 
يقف فيهن حيث) أراد» من هنالك وصل إلى آدم عليه السلام حين أخرجه من الجنة فلم يزل 
على ذلك يصعد في السماوات حتى رفع الله تعالى عيسى ابن مريم عليهم| السلام» فحجب 
عن أربع» وكان يصعد في ثلاث, فلم| بعث الله تعالى محمدا : حجب من الثلاث الباقية» 
فهو وجنوده محجوبون من جميع السماوات إلى يوم القيامة» 

قال آخر("©: وذكروا أن إبليس سمع تجاوب الملائكة بالصلاة على أيوب عليه 
السلام» وذلك حين ذكره الله عز وجل وأثنى عليه» فأدركه البغي والحسد وصعد سريعا 
حتى وقف من السماء موقفا كان يقفه. فقال: يا إلهي» نظرت في أمر عبدك أيوب فوجدته 
عبدا أنعمت عليه فشكرك» وعافيته فحمدك. ثم لم تجربه بشدة ولا بلاء» وآنا لك زعيم لئن 
جربته بالبلاء ليكفرن بك ولينسينك» 

قال آخر: وهكذا أصبح إبليس عند شيوخنا هو الذي يشير على الله بنوع البلاء الذي 
يصلح لعباده» غافلين عما ورد في القرآن الكريم من أن اختبارات الله تعالى لعباده خاضعة 
لعلمه مهم وبها يصلحهمء كى! ورد في الحديث عن رسول الله يا أنه قال: (يقول الله عز 
وجل: إن من عبادي من لا يصلح إيانه إلا بالغني ولو أفقرته لكفرء وإن من عبادي لا 
يصلح إيمانه إلا بالسقم ولو أصححته لكفر» وإن من عبادي من لا يصلح إيانه إلا بالصحة 


(1) تفسير التعلبي (1/ 1046 )١(‏ تفسير الثعلبي (18/ 10/4) 
الل 





ولو أسقمته لكفر)(1) 

قال آخر(": ثم ذكروا أن الله تعالى قال لإبليس: انطلق فقد سلطتك على ماله 
فانقض لعنه الله حتى رجع إلى الأرض ثم جمع عفاريت الجن ومردة الشياطين وعظماءهم 
وقال لهم: ماذا عندكم من القوة والمعرفة» فإني قد سلطت على مال أيوب. فهي المصيبة 
الفادحة والفتنة التي لا يصبر عليها الرجال» فقال عفريت من الشياطين: أعطيت من القوة 
ما إذا شئت تحولت إعصارا من نار وأحرقت كل شيء آتي عليه» فقال له إبليس: فأت الإبل 
ورعاتهاء فانطلق يؤم الإبل» وذلك حين وضعت رؤوسها وثبتت في مراعيهاء فلم يشعر 
الناس حتى ثار من تحت الأرض إعصار من نار تنفخ منها أرواح السموم, لا يدنو منها 
أحد إلا احترق فلم يزل يحرقها ورعاتها حتى أتى على آخرها. 

قال آخر(": ثم ذكروا أنه لما فرغ منها تمثل إبليس على قعود منها براعيهاء ثم انطلق 
يوم أيوب عليه السلام حتى وجده قائ| يصلٍ فقال: يا أيوب» قال: لبيك قال: هل تدري 
ما الذي صنع ربك الذي اخترته وعبدته بإبلك ورعاتها؟.. قال أيوب عليه السلام: إنها 
ماله أعارنيه وهو أولى به إذا شاء نزعه» وقديم| ما وطنت مالي ونفسي على الفناء» قال إبليس: 
فإن ربك أرسل عليها نارا من السماء فأحرقتهاء هي ورعاتها كلهاء فتركت الناس مبهوتين 
وقوفا عليها يتعجبون منهاء منهم من يقول: ما كان أيوب يعبد شيئا وما كان إلا في غرور.. 
ومنهم من قال: لو كان إله أيوب يقدر على أن يصنع شيئا لمنع وليه.. ومنهم من يقول: بل 
هو الذي فعل ما فعل ليشمت به عدوه ويفجع به صديقه. 

قال آخر(؟»: ثم ذكروا أن أيوب عليه السلام قال لإبليس: الحمد لله حين أعطاني 


)١18٠١ /١14( وابن الجوزي في (العلل المتناهية/ (؟) تفسير الثعلبي‎ )7١18: أبو نعيم في (حلية الأولياء/‎ )١ 
)181١ /18( رقم 0017 (4) تفسير الثعلبى‎ 5١ 
)11/9 /١/( تفسير الثعلبي‎ )١( 


20 





وحين نزع مني» عريانا خرجت من بطن أميء وعريانا أعود في التراب» وعريانا أحشر إلى 
الله عز وجلء ليس ينبغي لك أن تفرح حين أعارك الله وتجزع حين قبض عاريته؛ الله أولى 
بك وبهما أعطاك» ولو علم الله فيك أيها العبد خيرا لتقبل روحك مع تلك الأرواح فأجرني 
فيك وصرت شهيداء ولكنه علم منك شرا فأخرك وخلصت من البلاء كا تخلص الزوان 
من القمح الخالص. 

قال آخر(": ثم ذكروا أن إبليس لعنه الله رجع إلى أصحابه خاسئا ذليلاء فقال لهم: 
ماذا عندكم من القوة فإني لم أكلم قلبه» قال عفريت من عظائهم: عندي من القوة ما إذا 
شئت صحت صوتنا لا يسمعه ذو روح إلا خرجت مهجة نفسه. قال له إبليس: فأت الغنم 
ورعاتهاء فانطلق يؤم الغنم ورعاتهاء حتى إذا توسطها صاح صوتا تجثمت أمواتا عن 
آخرهاء ومات رعاتهاء ثم خرج إبليس متمثلا بقهرمان الرعاة حتى إذا جاء أيوب عليه 
السلام وهو قائم يصلي فقال له مثل القول الأول ورد عليه أيوب الرد الأول. 

قال آخر(”: ثم ذكروا أن إبليس رجع إلى أصحابه خائبا فقال لهم: ماذا عندكم من 
القوة فإني لم أكلم قلب أيوبء قال له عفريت من عظمائهم: عندي من القوة ما إذا شئت 
تحولت ريحا عاصفا ينسف كل شيء يأتي عليه حتى لا أبقي شيئاء قال له إبليس: فأت 
الفدادين والحرث. فانطلق يؤمهم وذلك حين قربوا الفدادين وانشأوا في الحرث والأتن 
وأولادها رتوع ولم يشعروا حتى هبت ريح عاصف فنسفت كل شيء من ذلك حتى كأنه ‏ 
يكن» ثم خرج إبليس لعنه الله متمثلا بقهرمان الحرث حتى جاء أيوب عليه السلام وهو 
قائم يصلٍ» فقال له مثل قوله الآول» ورد عليه أيوب مثل رده الأول. 


(1) تفسير الثعلبي (1/ 187) )١(‏ تفسير الثعلبي (1/ 187) 
2 





قال آخر(١):‏ ثم ذكروا أن إبليس جعل يصيب ماله مالا مالا حتى مر على آخره. كلم| 
انتهى إليه هلاك مال من ماله حمد الله عز وجل وأحسن الثناء عليه ورضي منه بالقضاء 
ووطن نفسه للصبر على البلاء حتى لم يبق له مال. 

قال آخر("©: ثم ذكروا أن إبليس لما رأى أنه قد أفنى ماله ولم ينجح منه بشىء» صعد 
سريعا حتى وقف الموقف الذي كان يقفه فقال: إلهي إن أيوب يرى أنك ما متعته بنفسه 
وولده فأنت معطيه المال» فهل أنت مسلطي على ولده. فإنها الفتنة المضلة والمصيبة التي لا 
تقوم لها قلوب الرجال ولا يقوى عليها صبرهم. 

قال آخر(”": ثم ذكروا أن الله تعالى قال له: انطلق فقد سلطتك على ولده» فانتقض 
عدو الله حتى جاء بني أيوب عليه السلام وهم في قصرهم فلم يزل يزلزله هم حتى تداعى 
من قواعده؛ ثم جعل يناطح جدره بعضها ببعض ويرميهم بالخشب والجندل حتى إذا مثل 
بهم كل مثلة رفع مهم القصر وقلبه فصاروا منكسين. فانطلق إلى أيوب عليه السلام متمثلا 
بالمعلم الذي يعلمهم الحكمة وهو جريح مشدوخ الوجه يسيل دمه ودماغه» فأخبره بذلك 
وقال يا أيوب: لو رأيت بنيك كيف عذبوا وكيف قلبوا وكانوا منكسين على رؤوسهم تسيل 
دماؤهم ودماغهم من أنوفهم وأشفاههم وأجوافهم. ولو رأيت كيف شقت بطونهم 
فتناثرت أمعاؤهم لقطع قلبك. 

قال آخر”»: ثم ذكروا أنه لم يزل يقول هذا ونحوه ويرققه حتى رق أيوب عليه 
السلام فبكى وقبض قبضة من التراب فوضعها على رأسه. فاغتنم إبليس عليه اللعنة ذلك 


1 /14( (؟) تفسير ال* بي‎ 0): /١4( تفسير الثعلبي‎ )١( 
)187 /1( تفسير الثعلبي‎ )5( )1١85 /١4( (؟) تفسير الثعلبي‎ 
فض‎ 


وأبصر واستغفر وصعد قرناؤه من الملائكة بتوبته فبدروا إبليس إلى الله تعالى وهو أعلم؛ 
فوقف إبليس خازيا ذليلا. 

قال آخر(»: ثم ذكروا أن إبليس قال لله: يا إل هي إنا هون على أيوب خطر المال 
والولد. أن يرى أنك ما متعته بنفسه. فأنت تعيد له المال والولد» فهل أنت مسلطي على 
جسده؟ فأنا لك زعيم لئن أبتليته في جسده لينسينك وليكفرن بك وليجحدنك نعمتك. 

قال آخر("©: ثم ذكروا أن الله تعالى قال له: انطلق فقد سلطتك على جسده ولكن 
ليس لك سلطان على لسانه ولا على قلبه» ولا على عقله» وكان الله سبحانه هو أعلم به م 
يسلطه عليه إلا رحمة لهء ليعظم له الثواب» ويجعله قدوة للصابرين» وعبرة وذكرى 
للعابدين في كل بلاء نزل بهم» ليتأسوا به ويقتدوا به في الصبر» ورجاء الثواب» فانقض عدو 
الله سريعاء فوجد أيوب عليه السلام ساجدا فعجل قبل أن يرفع رأسه فأتاه من قبل الأرض 
في موضع وجهه من سجوده فنفخ في منخريه نفخة اشتعل منها جسده. فذهل وخرج به 
من قرنه إلى قدميه ثآليل مثل أليات الغنم ووقعت فيه حكة لا يملكها فحك بأظفاره حتى 
سقطت كلهاء ثم حكها بالمسوح الخشنة حتى قطعها ثم حكها بالفخارة والحجارة الخشنة 
فلم يزل يحكها حتى نغل لحمه وتقطع وتغير وأنتن. 

قال آخر(”: ثم ذكروا أن أهل القرية أخرجوا أيوب عليه السلام فجعلوه على 
كناسة» وجعلوا له عريشا ورفضه خلق الله كلهم غير امرأته وهي رحمة(؟) بنت أفرانيم بن 
يوسف بن يعقوب, وكانت تختلف إليه ب يصلحه وتلزمه. 


)١(‏ تفسير الثعلبي /١14(‏ 62185 اسم زوجته رحمة» فإن كان أخذ ذلك من سياق الآية فقد أبعد النجعة» وإن كان 
(1) تفسير الثعلبي /١14(‏ /141) أخذه من نقل أهل الكتاب وصح عنهم ذلك فهو ما لا يصدق ولا يكذب.. 
() تفسير الثعلبي )1١84 /١14(‏ وطبعا فإن قوله: لا يصدق ولا يكذب هي سبب كل الخرافات التي دست في 
(5) قال ابن كثير في تفسير القرآن العظيم 4/ :57١‏ وقد زعم بعضهم أن التراث الإسلامي. 


5323 





قال آخر(: ثم ذكروا أنه لما رأى الثلاثة من أصحابه وهم: إلفيز وبلدد وظافر ما 
ابتلاه الله به اموه ورفضوه من غير أن يتركوا دينه» فلم| طال به البلاء انطلقوا إليه وهو في 
بلائه فبكتوه ولاموه. وقالوا له: تب إلى الله سبحانه من الذنب الذي عوقبت به.» وحضر 
معهم فتى حديث السن وكان قد آمن به وصدقه. فقال لهم: إنكم تكلمتم أيها الكهول, 
وكنتم أحق بالكلام لأسنانكم» ولكن قد تركتم من القول أحسن من الذي قلتم» ومن 
الرأي أصوب من الذي رأيتم» ومن الأمر أجمل من الذي أتيتم» وقد كان لأيوب عليكم 
من الحق والذمام أفضل من الذي وصفتمء فهل تدرون أيها الكهول حق من انتقصتم» 
وحرمة من انتهكتم» ومن الرجل الذي عبتم واتهمتمء ألم تعلموا أن أيوب نبي الله وخيرته 
وصفوته من أهل الأرض في يومكم هذاء ثم لم تعلموا ولم يطلعكم الله عز وجل من أمره 
على أنه سخط شيئا من أمره منذ آتاه الله ما آتاه إلى يومكم هذاء ولا على أنه نزع شيئا من 
الكرامة التي أكرمه بهاء ولا أن أيوب غير الحق في طول ما صحبتموه إلى يومكم هذا. 

قال آخر(»: وذكروا من كلام الفتى قوله: فإن كان البلاء هو الذي أزرى به عندكم» 
ووضعه في أنفسكم فقد علمتم أن الله يبتلي النبيين والصديقين والشهداء والصاحين» ثم 
ليس بلاؤه لأوليائه بدليل على سخطه عليهم ولالموانه لهم» ولكنها كرامة وخيرة لهم ولو 
كان أيوب ليس من الله هذه المنزلة» إلا أنه أخ أحببتموه على وجه الصحبة» لكان لا يجمل 
بالحليم أن يعذل أخاه عند البلاء» ولا يعيره بالمصيبة ولا يعيبه ب| لا يعلم وهو مكروب 
حزينء ولكنه يرحمه ويبكي معه ويستغفر له ويحزن لحزنه ويدله على مراشد أمره؛ وليمس 
بحكيم ولا رشيد من جهل هذاء فالله الله أمها الكهول» وقد كان في عظمة الله وجلاله وذكر 


الموت ما يقطع ألسنتكم ويكسر قلوبكم. 


)1١11١ /14( تفسير الك بي (14/ 0184 (1) تفسير الثعلبي‎ )١( 


ف 





قال آخر(١»:‏ وذكروا من كلام الفتى قوله: ألم تعلموا أن لله عبادا أسكتتهم خشيته 
من غير عي ولا بكم وإنهم لهم الفصحاء البلغاء النبلاء الألباء العالمون بالله وبآيات 
ولكنهم إذا ذكروا عظمة الله انقطعت ألسنتهم» واقشعرت جلودهم, وانكسرت قلوبهم» 
وطاشت عقوم إعظاما لله وإعزازا وإجلالاء فإذا استفاقوا من ذلك استبقوا إلى الله 
بالأعمال الزاكية» يعدون أنفسهم مع الظالمين والخاطتين» وإنهم لأنزاه براء» ومع المقصرين 
المفرطين وإنهم لأكياس أقوياء لا يستكثرون لله الكثير» ولا يرضون لله بالقليل» ولا يدلون 
عليه بالأعمال» فهم مروعون مفزعون خاشعون مستكينون. 

لي يد ا م لو ا 
بالرحمة في قلب الصغير والكبير» فمتى نبتت نبتت في القلب أظهرها الله على اللسان» وليست 
تكون الحكمة قبل السن والشيبة ولا بطول التجربة» وإذا جعل الله العبد حكيهما في الصباء 
لم تسقط منزلته عند الحكاء» وهم يرون من الله سبحانه عليه نور الكرامة. 

قال آخر(": ثم ذكروا أن أيوب عليه السلام أقبل على الثلاثة فقال: أتيتموني غضابا 
رهبتم قبل أن تسترهبواء وبكيتم قبل أن تضربواء 1 كيف بي لو قلت لكم: تصدقوا عني 
بأموالكم؛ لعل الله أن يخلصنيء أو قربوا عني قربانا؛ لعل الله يتقبله ويرضى عنيء وإنكم 
قد أعجبتكم أنفسكم وظننتم أنكم عوفيتم حسانكم, فهنالك بغيتم وتعززتم» ولو نظرتم 
فيا بينكم وبين ربكم ثم صدقتم لوجدتم لكم عيوبا سترها الله بالعافية التي ألبسكم., وق 
كنت فيها خلا والرجال يوقرونني وأنا مسموع كلامي» معروف حقيء منتصف من 
حيبي تاسحت اليرم ولبسن ل راي ولا كلام معى اام عتم امدعل من مدي 


)197 /1( تفسير الثعلبي (18/ 191) (؟) تفسير الثعلبي‎ )١( 
)1١957 /١14( (؟) تفسير الثعلبي‎ 


امل 


قال آخر(): ثم ذكروا أن أيوب عليه السلام أعرض عنهم وأقبل على ربه مستغيثا 
به متضرعا إليه» وفيها من الشكوى ما يتنافى مع الصبر والرضى الذي وصفه الله تعالى به 
فقد ذكروا أنه قال: رب» لأي شيء خلقتني, ليتني إذ كرهتني لم تخلقني» يا ليتني كنت 
حيضة ألقتني أمي, أو يا ليتني عرفت الذنب الذي أذنبت» والعمل الذي عملت» فصرفت 
به وجهك الكريم عنيء ولو كنت أمتني وألحقتني بآبائي فالموت كان أجمل بيء ألم أكن 
للغريب داراء وللمسكين قرارا ولليتيم ولياء وللأرملة قيماء إلهي أنا عبد ذليل إن أحسنت 
فالمن لك. وإن أسأت فبيدك عقوبتي» جعلتني للبلاء عرضا وللفتنة نصباء وقد وقع على 
بلاء لو سلطته على جبل ضعف عن حمله» كيف يحمله ضعفي. 

قال آخر(": وذكروا أنه كان من دعاء أيوب عليه السلام قوله: إلهي» تقطعت 
أصابعيء فإني لأرفع الآكلة من الطعام بيدي جميعا فلا يبلغان فمي إلا على الجهد مني» 
تساقطت لواتي وحم رأمي فا بين أذني من سداد حتى إن إحداهما ترى من الأخرى, وإن 
دماغي ليسيل من فمي» تساقط شعر عيني فكأن| حرق بالنار وجهي. وحدقتاي هما 
متدليتان على خدي.. ورم لساني حتى ملأ فمي ف| أدخل فيه طعاما إلا غصني» ورمت 
شفتاي حتى غطت العليا أنفي والسفل ذقني» تقطعت أمعائي في بطنيء فإني لأدخله 
الطعام فيخرج كما دخل ما أحسه ولا ينفعني» ذهبت قوة رجلي فكأنه) قربتا ماء لا أطيق 
حملهماء ذهب المال فصرت أسأل بكفي فيطعمني من كنت أعوله اللقمة الواحدة فيمنها على 
ويعيرني» هلك أولادي ولو بقي أحد منهم أعانني على بلائي ونفعني. 


قال آخر(": وذكروا أنه كان من دعاء أيوب عليه السلام قوله: قد ملني أهلٍ وعقني 


)1980 /1/( تفسير الثعلبي (14/ 2197 (9) تفسير الثعلبي‎ )١( 
6194 /14( تفسير الثعلبي‎ )1( 


7 / 


أرحامي» وتنكرت معارفي» ورغب عني صديقي» وقطعتني أصحابي» وجحدت حقوقي» 
ونسيت صنائعي» أصرخ فلا يصرخونني» وأعتذر فلا يعذرونني» دعوت غلامي فلم 
يجبني» وتضرعت لأمتي فلم ترحمني» وإن قضاءك هو الذي أذلني وأهانني» وإن سلطانك 
هو الذي أسقمني وأنحل جسميء ولو أن ربي نزع الهيبة التي في قلبي» وأطلق لساني حتى 
أتكلم وأحاج عن نفسي بملء فمي ثم كان ينبغي للعبد أن يحاج عن نفسه. لرجوت أن 
يعافيني عند ذلك ما بي» ولكنه ألقاني وتعالى عني» فهو يراني ولا أراه» ويسمعني ولا 
أسمعه. لا نظر إلى فرحمني ولا دنا مني ولا أدناني» فأدلي بعذري فأتكلم ببراءتي وأخاصم 
عن نفسي. 

قال آخر(": وذكروا أنه لما قال ذلك أيوب عليه السلام وأصحابه عنده أظله غمام 
حتى ظن أصحابه أنه عذاب, ثم نودي منه: يا أيوبء إن الله تعالى يقول: ها أناذا قددنوت 
منك ولم أزل منك قريبا منك» فقم فأدل بعذرك» وتكلم ببراءتك» وخاصم عن نفسك» 
واشدد إزارك» وقم مقام جبار إن استطعت. فإنه لا ينبغي أن يخاصمني إلا جبار مثلي» ولا 
ينبغي أن يخاصمني إلا من يجعل الزمام في فم الأسد. والسخال في فم العنقاء» واللجام في 
فم التنين» ويكيل مكيالا من الثورء ويزن مثقالا من الريح» ويصر صرة من الشمسء ويرد 
أمس» لقد منتك نفسك أمرا ما يبلغ بمثل قوتكء ولو كنت إذ مننك نفسك ذلك» ودعتك 
إليها تذكرت أي مرام رامت أردت أن تخاصمني بعيبكء أم أردت أن تحاجني بخطابكء أم 
أردت أن تكابرني بضعفك. 

قال آخر(": وذكروا من خطاب الله تعالى لأيوب عليه السلام قوله له: أين أنت مني 


يوم خلقت الأرض فوضعتها على أساسهاء هل علمت بأي مقدار قدرتهاء أم كنت معي تمد 


)191 /1( تفسير الثعلبي‎ )١( )195 /18( تفسير الثعلبى‎ )١( 


78 





بأطرافهاء آم تعلم ما بعد زواياهاء أم على أي شيء وضعت أكنافها أبطاعتك حمل الماء 
الأرضء أم بحكمتك كانت الأرض للماء غطاءء» أين كنت مني يوم رفعت السماء سقفا في 
ا حواء» لا بعلائق شيلت ولا يحملها دعم من تحتهاء هل يبلغ من حكمتك أن تجري نورهاء 
أو تسير نجومهاء أو يختلف بأمرك ليلها ونهارهاء أين أنت مني يوم سجرت البحار 
وأنبعت الأنهار.. أقدرتك حبست أمواج البحار على حدودهاء أم قدرتك فتحت الأرحام 
حين بلغت مدتهاء أين أنت مني يوم صببت الماء على التراب» ونصبت شوامخ الجبال هل 
تدري على أي شيء أرسيتها؟ أم هل لك من ذراع يطيق حملها؟.. أم هل تدري كم من مثقال 
فيها؛ أم أين الماء الذي أنزلت من السماء» هل تدري أم تلده أو أب يولده؛ أحكمتك أحصت 
القطرء وقسمت الأرزاقء أم قدرتك تثير السحاب وتغشيه الماء. 

قال آخر(»: وذكروا من خطاب الله تعالى لآيوب عليه السلام قوله له: هل تدري 
ما أصوات الرعود؟.. أم من أي شيء لحب البرق؟.. وهل رأيت عمق البحر؟.. أم هل 
تدري ما بعد الحواء؟.. أم هل خزنت أرواح الأموات؟.. أم هل تدري أين خزانة الثلج؟.. 
وأين خزانة البرد؟.. (آم أين جبال البرد؟)» أم هل تدري أين خزانة الليل بالنهار؟.. وأين 
خزانة النهار بالليل؟.. وأين طريق النور؟.. وبأي لغة تتكلم الأشجار؟ وأين خزانة 
الريح؟.. وكيف تحبسه الأغلاق؟.. أم من جعل العقول في أجواف الرجال؟.. ومن شق 
الأسماع والأبصار؟.. ومن ذلت الملاتكة لملكه؟.. وقهر الجبارين بجبروته» وقسم أرزاق 
الدواب بحكمته؟.. ومن قسم للأسد أرزاقهاء وعرف الطير معايشها وعطفها على 
أفراخهاء من أعتق الوحش من الخدمة» وجعل مساكنها البرية لا تستأنس بالأصوات ولا 


باب المسلطين؟.. أم من حكمتك عطفت أمهاتها عليها حتى أخرجت لما الطعام من 


)1١919 /١1( تفسير الثعلبي‎ )١( 


50 





بطونها؛ وآثرتها بالعيش على نفوسهاء أم من حكمتك يبصر العقاب الصيد البعيد؟.. 
وأصبح في أماكن القتلى» أين أنت مني يوم خلقت مهموت مكانه في منقطع التراب والوثيان 
يحملان الجبال والقرى والعمران؟.. آذان| كأنها شجر الصنوبر الطوال ورؤوسه! كأنها 
كوم الجبال» وعروق أفخاذهما كأنها عقد النحاسء اأنت ملأت جلودهما لحما؛ أم أنت 
ملأت رؤوسها دماغا؛ أم هل لك في خلقهما من شرك؟ أم هل لك بالقوة التي عملته| 
يدان؟ 

قال آخر(2»: وذكروا من خطاب الله تعالى لآيوب عليه السلام قوله له: أم هل يبلغ 
من قوتك أن تضع يدك على رؤوسههماء أو تقعد لما على الطريق فتحبسهما أو تصدهما عن 
قوتب|ء أين أنت مني يوم خلقت التنين؟ رزقه في البحرء ومسكنه في السحابء عيناه توقدان 
ناراء ومنخراه يثوران دخاناء أذناه مثل قوس السحاب يثور منهما الب كأنه إعصار العجاج» 
جوفه يحترق ونفسه تلتهبء وزبده جمر كأمثال الصخورء وكأن صريف أسنانه أصوات 
الصواعقء وكأن نظر عينيه لهب البروقء تمر به الجيوش وهو متكئ لا يفزعه شيء» ليس 
فيه مفصلء الحديد عنده مثل التبن» والنحاس عنده مثل الخنيوطء لا يفزع من النشاب ولا 
بحس وقع الصخور على جسده. ويسير في الهواء كأنه عصفورهء ويبلك كل شيء يمر به هل 
أنت آخذه بأحبولتكء أو واضع اللجام في شدقيه. هل تحصي عمره؛ أم هل تعرف أجله أو 
تفوت رزقه. أم هل تدري ماذا خرب من الأرضء أم ماذا يخرب فيم| بقي من عمره. أتطيق 
غضبه حين يغضبء أم تأمره فيطيعك الله تبارك وتعالى؟ 

قال آخر(": ثم ذكروا أن أيوب عليه السلام قال لربه بعد أن سمع هذا العتاب 
الشديد منه: صغر شأني» وكل لساني وعقلي ورائي» وضعفت قولي وقصرت عن هذا الأمر 


)5١7 /14( تفسير الثعلبي‎ )1( 07١١ /١14( تفسير الثعلبي‎ )١( 
0” 





الذي تعرض على» ليت الأرض انشقت لي فذهبت فيها ولم أتكلم بشيء يسخط ربي» اجتمع 
علي البلاء» إلهي» قد جعلتني لك مثل العدوء وقد كنت تكرمني وتعرف نصحيء وقد 
علمت أن كل الذي ذكرت صنع يديك وتدبير حكمتكء» وأعظم من هذا ما شئت عملت 
لا يعجزك شيء, ولا تخفى عليك خافية» ولا تغيب عنك غائبة» من هذا الذي يظن أن يسر 
عنك سراء وأنت تعلم ما يخطر على القلوب» وقد علمت منك في بلائي هذا مالم أكن أعلم» 
وخفت حين بلوت أمرك أكثر ما كنت أخافء إنه| كنت أسمع بسطوتك سمعاء فأما الآن 
فهو نظر العين» إن| تكلمت حين تكلمت لتعذرني» وسكت حين سكت لت رحمني» كلمة 
زلت فلن أعود. قد وضعت يدي على فمي» وعضضت على لساني» وألصقت بالتراب 
خدي» ودسست فيه وجهي لصغاري» وسكت لما أسكتتني خطيئتي» أعوذ بك اليوم منك» 
وأستجيرك من جهد البلاء فأجرني» وأستغيث بك من عقابك فأغثني. وأستعين بك 
فأعني» وأعتصم بك فاعصمنيء وأستغفرك فاغفر لي ما قلت» فلن أعود يا سيدي لشيء 
تكرهه مني. 

قال آخر(2©: ثم ذكروا أن الله عز وجل قال له: يا أيوب» نفذ فيك علمي» وسبقت 
رحمتي غضبيء إن أخطأت فقد غفرت لك,. ورددت عليك أهلك ومالك ومثلهم معهمء 
لتكون لمن خلفك آية» وتكون عبرة لأهل البلاء» وعزاء للصابرين» #ارْكُض بِرِجْلِكَ هَذَا 
مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌُ» اص: 4] فيه شفاؤك؛ وقرب عن صحابتك قرباناء واستغفر لهم 
فإنهم قد عصوني فيك. 

قال آخر(”: ثم ذكروا أنه ركض برجله فانفجرت له عين فدخل فيها فاغتسل 
فأذهب الله عنه كل ما كان به من البلاء» ثم خرج فجلس فأقبلت امرأته فقامت تلتمسه في 


(1) تفسير الثعلبي (14/ 0504 (1) تفسير الثعلبي )5١ 5 /١8(‏ 
وض 





مضجعه فلم تجده فقامت كالوالحة متلددة» ثم قالت: يا عبد الله هل لك من علم بالرجل 
المبتلى الذي كان هاهناء فقال لما: وهل تعرفينه إذا رأيتيه؟ فقالت: نعمء ومالي لا أعرفه. 
فتبسم فقال: أنا هو فعرفته بمضحكه فاعتنقته. 

قال آخر(2): وهكذا اختلفوا في وقت قوله: أن مَسَنِيَ لض © [الأبياء: 86]» وفي مدة 
بلائه» حيث رووا عن رسول الله يي أنه قال: إن أيوب نبي الله عليه السلام لبث به بلاؤه 
ثاني عشرة سنة» فرفضه القريب والبعيدء إلا رجلين من إخوانه كانا يغدوان إليه ويروحان 
فقال أحدهما لصاحبه ذات يوم: والله» لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين» فقال 
له صاحبه: وما ذاك قال: منذ ثماني عشرة سنة ل ير حمه الله فيكشف ما به» فلم| راحا إلى أيوب» 
لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك لأيوب فقال أيوب: ما أدري ما تقولانء غير أن الله عز وجل 
يعلم أن كنت أمر بالرجلين يتنازعان فيذكران الله عز وجلء فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما 
كراهية أن يذكر الله في غير حق..: وكان يخرج إلى حاجته فإذا قضى حاجته أمسكت امرأته 
بيده حتى يبلغ» فلما كان ذات يوم أبطأت عليه» وأوحي إلى أيوب في مكانه: #ازكض 
بِرِجْلِكَ هَذَا مُعْتَسَلُ بَارِدٌ وَكَرَابٌ4 [ص: ؟4] فاستبطأنه فتلقته تنظر ما شأنه» وأقبل عليها 
وقد أذهب الله تعالى ما به من البلاء وهو أحسن ما كانء فلم| رأته قالت: يا عبد الله هل 
رأيت نبي الله هذا المبتلى فوالله على ذلك ما رأيت رجلا أشبه به منك إذ كان صحيحاء قال: 
إني أنا هو وكان له أندران أندر للقمح» وأندر للشعير» فبعث الله سحابتين فلما كانت 


إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاضء وأفرغت الأخرى في أندر الشعير 


ق حدم فاض (؟) 
)١(‏ تفسير الثعلبي (1/ 65037 وذكره ابن كثير في تفسير القرآن العظيم 4/ 574 من رواية ابن أي حاتم وتعقبه 
(؟) أخرجه ابن أب حاتم في تفسير القرآن العظيم 8/ 557٠‏ (/1159): بقوله: رفع هذا الحديث غريب جدا. 


ضرف 


قال آخر<١2:‏ وهكذا أساء شيوخنا وسلفنا إلى زوجته أيما إساءة» ومن الروايات التي 
ذكروها عنها أن إبليس صرخ صرخة جمع فيها جنوده من أقطار الأرض جزعا من صبر 
أيوب عليه السلام» فلم| اجتمعوا إليه قالوا: ما أحزبكء قال: أعياني هذا العبد الذي سألت 
ربي أن يسلطني عليه وعلى ماله وولده فلم أدع له مالا ولا ولداء فلم يزدد بذلك إلا صبرا 
وثناء على الله عز وجلء ثم سلطت على جسله فتركته قرحة ملقاة على كناسة بني إسرائيل 
لا يقربه إلا امرأته» فقد افتضحت برب فاستعنت بكم لتعينوني عليه» فقالوا له: أين 
مكرك؟.. أين عملك الذي أهلكت به من مضى؟.. قال: بطل ذلك كله في أيوب» فأشيروا 
علي» فقالوا: نشير عليكء أرأيت آدم حين أخرجته من الجنة من أين أتيته؟ قال: من قبل 
امرأته» قالوا: فشأنك بأيوب من قبل امرأته» فإنه لا يستطيع أن يعصيهاء وليس أحد يقدر 
به غيرهاء قال: أصبتم. 

قال آخر("): ثم ذكروا أن الشيطان انطلق حتى أتى امرأته» وهي تأخذ الصدقات» 
فتمثل لما في صورة رجلء» فقال لها: أين بعلك يا أمة الله؟.. قالت: هو ذاك يحك قروحه 
ويتردد الدود في جسده؛ فلما سمعها طمع أن تكون كلمة جزعء فوسوس إليها فذكرها ما 
كانت فيه من النعيم والمال» وذكرها جمال أيوب وشبابه» وما هو فيه من الضرء وأن ذلك لا 
ينقطع عنه أبداء فصرخت. فللم| صرخت علم أن قد جزعت,ء فأتاها بسخلة» فقال: ليذبح 
هذه إلى أيوب ويبرأء فجاءت تصرخ: يا أيوب. حتى متى يعذبك ربكء ألا يرحمكء أين 
المال» أين الماشية» أين الولدء أين الصديق» أين لونك الحسن قد تغير وصار مثل الرماد 
أين جسمك الحسن الذي قد بلي وتردد فيه الدود, اذبح هذه السخلة واسترح. 


)5١١ /14( تفسير الثعلبي‎ )١( )51١ /١18( تفسير الثعلبي‎ )١( 


ضرف 





قال آخر(": ثم ذكروا أن أيوب عليه السلام قال لها: أتاك عدو الله فنفخ فيك 
وأجبتيه» ويلك أرأيت ما تبكين عليه ما تذكرين نما كنا فيه من المال والولد والصحة» من 
أعطانيه؟ قالت: الله قال: فكم متعنا به؟ قالت: ثانين سنة» قال: فمنذ كم ابتلانا الله بهذا 
البلاء قالت: مثذ سبع سنين وأشهرء قال: ويلك والله ما عدلت ولا أنصفت ربكء ألا 
صبرت في هذا البلاء الذي ابتلانا ربنا به ثانين سنة» كا كنا في الرخاء انين سنة» والله لئن 
شفاني الله لأجلدنك مائة جلدة» هيه» أمرتيني أن أذبح لغير الله طعامك وشرابك الذي 
تأتيني به. على حرام أن أذوق شيئا مما تأتيني به بعد إذ قلت لي هذاء فاغربي عني فلا أراك» 
فطردها فذهبيت. 

قال آخر(©: ثم ذكروا أنه لما نظر أيوب عليه السلام إلى امرأته قد طردها وليس 
عنده طعام ولا شراب ولا صديق خر ساجدا وقال: رب 8مَسّنِيَ الج [الأنياء: 46]» ثم 
رد ذلك إلى ربه فقال: #وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِينَ4 [الأعراف: ]10١‏ فقال الرب الرحيم: له ارفع 
رأسك يا أيوبء قد استجبت لك لأارْكُض بِرِجْلِكٌ4 [ص: ؟4]» فركض برجله فتبعت عين 
ماء فاغتسل منها فلم يبق عليه من دائه شيء ظاهر إلا سقط عنه فأذهب الله كل ألم وكل 
سقمء وعاد إليه شبابه وجماله أحسن ما كان وأفضل ما كان» ثم ضرب برجله فنبعت عين 
ماء أخرى فشرب منها فلم يبق في جوفه داء إلا خرج منه فقام صحيحا فكسي حلة. 

قال آخر””: ثم ذكروا أنه جعل يلتفت. فلا يرى شيئا تما كان له من أهل ومال إلا 
وقد أضعفه الله تعالى له حتى أن الماء الذي اغتسل به تطاير على صدره جرادا من ذهب» 


فجعل يضمه بيده فأوحى الله إليه: يا أيوبء ألم أغنك؟ قال: بلى» ولكنها بركتك» فمن يشبع 


)؟١5‎ /18( تفسير الثعلبي (1/ 2517 (9) تفسير الثعلبي‎ )١( 
2717 /14( (؟) تفسير الثعلبي‎ 


57 


منهاء فخرج حتى جلس على مكان مشرف. 

قال آخر<»: ثم ذكروا أن امرأته قالت: أرأيتك إن كان طردني إلى من أكله أدعه 
يموت جوعا ويضيع فتأكله السباع» لأرجعن إليه» فرجعت فلا كناسة ترى ولا تلك الحال 
التي كانت» وإذا الأمور قد تغيرت فجعلت تطوف حيث كانت الكناسة وتبكي وذلك 
بعين أيوب عليه السلام» وهابت صاحب الحلة أن تأتيه فتسأل عنه. فأرسل إليها أيوب 
فدعاهاء فقال: ما تريدين يا أمة الله؟ فبكت وقالت: أردت ذلك المبتلى الذي كان منبوذا 
على الكناسة» لا أدري أضاع أم ما فعل؟.. فقال لما أيوب: وما كان منك؟ فبكتء وقالت: 
بعلي» فهل رأيته؟ قال: وهل تعرفينه إذا رأيتيه؟ قالت: وهل يخفى على أحد رآه» ثم جعلت 
تنظر إليه وهي تبابه» ثم قالت: أما إنه ما كان أشبه خلق الله بك إذ كان صحيحاء قال: فإني 
أنا أيوب الذي أمرتيني أن أذبح لإبليس» وإني أطعت الله وعصيت الشيطان» ودعوت الله 
سبحانه وتعالى فرد على ما ترين. 

قال آخر("»: وذكر آخرون من أصحابنا أنه لما غلب أيوب عليه السلام إبليس ولم 
يستطع منه شيئا اعترض امرأته في هيئة ليست كهيئة بني آدمء في العظم والجسم والجمال» 
على مركب ليس من مراكب الناسء له عظم وبهاء وجمال» فقال لها: أنت صاحبة أيوب هذا 
الرجل المبتلى؟ قالت: نعم» قال: هل تعرفيني؟ قالت: لاء قال: فأنا إله الأرضء وأنا الذي 
صنعت بصاحبك ما صنعت» وذلك إنه عبد إله السماء وتركني فأغضبني ولو سجد لي 
سجدة واحدة رددت عليه وعليك كل ما كان لكما من مال وولد فإنه عنديء ثم أراها إياه 


فيه| يرى ببطن الوادي الذي لقيها فيه. 


)؟١7‎ /14( تفسير الثعلبي (1/ 6715 (1) تفسير الثعلبي‎ )١( 
درق‎ 





قال آخر('»: وذكر آخرون من أصحابنا أنه إنم) قال لما: لو أن صاحبك أكل طعاما 
ولم يسم عليه لعوفي نما به من البلاء.. وقال آخرون أن إبليس قال ل رحمة: إن شئت فاسجدي 
لي سجدة واحدة حتى أرد عليك المال والولد وأعافي زوجكء فرجعت إلى أيوب فأخبرته 
با قال لما وما أراهاء قال: لقد أتاك عدو الله ليفتنك عن دينك» ثم أقسم إن الله عافاه 
ليضربنها مائة جلدة» وقال: عند ذلك مسني الضر من طمع إبليس في سجود حرمتي له 
ودعاته إياها وإياي إلى الكفر قالوا: إن الله تعالى رحم رحمة امرأة أيوب بصبرها معه على 
البلاء وخفف عنها وأراد أن يبر بيمين أيوب فأمره أن يأخذ جماعة من الشجر فيضر بها مها 
ضربة واحدة كما قال الله عز وجل: وَحَلٌ يدك ضِعْنَا فَاْرِبْ به وَلَا تحَْثْ)ُه [آص: ؛؛] 

الحشوية وموسى: 

قال أحد الحضور: وعينا هذا.. فحدثونا عن موسى عليه السلام؟ 

قال الحشوي: مع أن موسى عليه السلام يمثل في القرآن الكريم نموذج الرجل 
المؤمن القوي الأمين الذي أعده الله منذ صباه الباكر لنصرة المستضعفين وتخليصهم من نير 
المستكبرين» ولذلك كان يملك كل مقومات الشجاعة من شبابه الباكر» مثل| يمتلك كل 
القيم النبيلة التي جاء الأنبياء عليهم السلام جميعا للدعوة إليها وتمثيلها في الواقع» إلا أن 
قومنا من الحشوية» وبالأساطير الكثيرة التي فسروا بها القرآن الكريم صرفونا عن ذلك 

قال آخر: ومن الأمثلة على ذلك ما يوردونه في تفسير قوله تعالى: إيا أيها الذين آمنوا 
لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله تما قالوا وكان عند الله وجيها)» فمع أن معناها 


واضحء وهو يشير إلى ما ورد في القرآن الكريم من الأذى الكبير الذي تعرض له موسى 


)؟١57‎ /١4( تفسير الثعلبي‎ )١( 


إحرض 





عليه السلام أثناء قيامه بمهماته التي كلف بها. 

قال آخر: إلا أن قومنا فسروها بخلاف ذلك تماماء حيث اتفقت تفاسيرنا على إيراد 
هذه الرواية عند تفسير تلك الآية الكريمة(١»2..‏ ونصها هو ما رواه أبو هريرة يرفعه إلى 
رسول الله يي أن بني إسرائيل كانوا (يغتسلون عراة» وينظر بعضهم إلى سواة بعضء وكان 
موسى يغتسل وحده. فقالوا: والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر» قال: فذهب 
مرة يغتسل» فوضع ثوبه على حجرء ففر الحجر بثوبه» قال: فجمع موسى عليه السلام بإثره 
يقول: ثوبي حجر ثوبي حجرء حتى نظرت بنو إسرائيل إلى سوأة موسى فقالوا: والله ما 
بموسى من بأسء فقام الحجر حتى نظر إليه» قال: فأخذ ثوبه» فطفق بالحجر ضربا) قال 
أبو هريرة: والله إن با حجر ستة أو سبعة» ضرب موسى بالحجر("). 

قال آخر: ومع أن الرواية تخلو من أي حكم تربوي أو توجيهيء بل هي لم تزد سوى 
أن تسيء لنبي الله موسى عليه السلام بتصويره عريانا يراه بنو إسرائيل أجمعون» وكل ذلك 
لتنفي عنه تلك الآفة الخلقية التي اتبموه مهاء والتي فسر شيوخنا على أساسها قوله تعالى: 
اها نين اناو] و تكر ارا انوي الو ترق اذا هيم َالُواوَكَانَ عند الله وَحِيهًا4 
[الأحزاب: 5 وكأن بني ! سرائيل لم يؤذوا موسى عليه السلام إلا بتلك التهمة التي لا قيمة 
لهاء إلا أن شيوخنا لم يكتفوا بالدفاع عن الرواية دفاع المستميت» بل وانشغلوا بتبديع كل 
منكر لما. 

قال آخر: ومن الخرافات المتعلقة بموسى عليه السلام» والتي شغلنا بها قومنا من 
الحشوية» بالإضافة إلى هذاء ما وضعوه في كتب التفسير والتاريخ عند تفسير قوله تعالى: 


0 5 2 ص ل ساك 6 و سه 8 )م اله سه عر ل مزه 9 
#قَالُوايَا مُوسَى إن فِيهًا قَوْمَا جَبَارِينَ وَإِنا َنْ تَدْحْلَهًا حَنَّى يخْرجُوا مِنْا فَإِنْ يخْرجُوا مِنَْا 


)١(‏ انظر مثلا: تفسير الخازن لباب التأويل في معاني التنزيل (؟/ 571 ) (؟) البخاري :)1١1//1(‏ مسلم (1/ 37571 0/5 أحجد(75/ داع) 


كذرم 





إن دَاخلونَ4 [المائدة: 177 وما يبرر خوف بني إسرائيل وعدم استجابتهم لموسى عليه 
السلام» لأنهم سيلقون بشرا غير عاديين. 

قال آخر: فهم يوردون عند تفسيرها قصة عوج بن عوقء وأنه كان طوله ثلاثة آلاف 
ذراع» وأنه كان يمسك الحوت. فيشويه في عين الشمسء وأن طوفان نوح لم يصل إلى 
ركبتيه» وأنه امتنع عن ركوب السفينة مع نوح» وأن موسى كان طوله عشرة أذرع وعصاه 
عشرة أذرع» ووثب في الهواء عشرة أذرع» فأصاب كعب عوج فقتله» فكان جسرا لأهل 
النيل سنة. 

قال آخر: وقد قدم الطبري لتلك الروايات بقوله: (وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن 
جواب قوم موسى عليه السلام, إذ أمرهم بدخول الأرض المقدسة: أنهم أبوا عليه إجابته 
إلى ما أمرهم به من ذلكء واعتلوا عليه في ذلك بأن قالواء إن في الأرض المقدسة التي تأمرنا 
بدخوهاء قوما جبارين لا طاقة لنا بحرمهم» ولا قوة لنا ءهم. وسموهم جبارين, لأخهم كانوا 
لشدة بطشهم وعظيم خلقهم. فيم| ذكر لناء قد قهروا سائر الأمم غيرهم)(2 

قال آخر: وتما ذكروه حول هؤلاء الجبارين وعظم خلقهم, ما حدث به السدي في 
قصة ذكرها من أمر موسى عليه السلام وبني إسرائيل» حيث قال: (ثم أمرهم بالسير إلى 
أريحاء وهي أرض بيت المقدسء فسارواء حتى إذا كانوا قريبا منهم» بعث موسى اثنى عشر 
نقيبا من جميع أسباط بني إسرائيل» فساروا يريدون أن يأتوه بخبر الجبارين» فلقيهم رجل 
من الجبارين» يقال له عوجء فأخذ الاثنى عشر فجعلهم في حجزته وعلى رأسه حملة 
حطب. وانطلق بهم إلى امرآته فقال» انظري إلى هؤلاء القوم الذين يزعمون أخهم يريدون 
أن يقاتلوناء فطرحهم بين يديهاء فقال: ألا أطحنهم برجلي؟ فقالت امرأته: لابل خل عنهم 


)١7١ /٠١( تفسير الطبري‎ )١( 


ل 





حتى يخبروا قومهم با رأواء ففعل ذلك) 20 

قال آخر: ورووا عن مجاهد في قول الله: #وَبَعَثْنًا مِنْهُمُ انْتَيْ عَشَرَ تَقِيباك [لمائدة: ؟1]: 
(من كل سبط من بني إسرائيل رجل» أرسلهم موسى إلى الجبارين» فوجدوهم يدخل في 
كم أحدهم اثنان منهم» يلقونهم إلقاء» ولا يحمل عنقود عنبهم إلا خمسة أنفس بينهم في 
خشبة» ويدخل في شطر الرمانة إذا نزع حبها خمسة أنفسء أو أربعة)(2) 

قال آخر: ومما شوه به قومنا موسى عليه السلام ما رووه تفسير قوله تعالى: 
#فَحَسَفنَا به وَبِدَارِِ الْأَرْضَ مَ) كَانَ لَهُ مِنْ فَِةِ يَنُصُرُوئَهُ مِنْ ذُونِ الله وَمَا كَانَّ مِنَ 
امنْنصرِينَ4 [القصص: »]18١‏ فمع أن الآية واضحة في أن الله تعالى هو الذي خسف بقارون» 
وهو الذي عاقبه بذلك إلا أن شيوخنا يروون بن موسى عليه السلام هو الذي فعل ذلك» 
وأنه كان قاسيا في عقابة لقارونء وأن الله عاتبه على تلك القسوة. 

قال آخر: فقد رووا عن عن ابن عباس»ء قال: (لما نزلت الزكاة أتى قارون موسى. 
فصالحه على كل ألف دينار ديناراء وكل ألف شيء شيئا ‏ أو قال: وكل ألف شاة شاة ‏ ثم 
أتى بيته فحسبه فوجده كثيراء فجمع بني إسرائيل» فقال: يا بني إسرائيل» إن موسى قد 
أمركم بكل شيء فأطعتموه» وهو الآن يريد أن يأخذ من أموالكم, فقالوا: أنت كبيرنا وأنت 
سيدناء فمرنا بها شئت» فقال: آمركم أن تجيئوا بفلانة البغي» فتجعلوا لها جعلا فتقذفه 
بنفسهاء فدعوها فجعل لا جعلا على أن تقذفه بنفسهاء ثم أتى موسىء فقال لموسى: إن بني 
إسرائيل قد اجتمعوا لتأمرهم ولتنهاهم؛ فخرج إليهم وهم في براح من الأرضء فقال: يا 
بني إسرائيل من سرق قطعنا يده» ومن افترى جلدناه» ومن زنى وليس له امرأة جلدناه 


مائة» ومن زنى وله امرأة جلدناه حتى يموتء أو رجمناه حتى يموت [الطبري يشك] فقال 


)١15 /٠١( (؟) تفسير الطبري‎ .777 0571 :١ وهو في تاريخ الطبري‎ »)10/7 /٠١( تفسير الطبري‎ )١1( 


خف 





له قارون: وإن كنت أنت؟ قال: وإن كنت أناء قال : فإن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت 
بفلانة. قال: ادعوهاء فإن قالت» فهو ىا قالت؛ فلما جاءت قال لما موسى: يا فلانة» قالت: 
يا لبيك» قال: أنا فعلت بك ما يقول هؤلاء؟ قالت: لا وكذبواء ولكن جعلوا لي جعلا على 
أن أقذفك بنفسي» فوثب» فسجد وهو بينهم» فأوحى الله إليه: مر الأرض با شئتء قال: 
يا أرض خذيهم! فأخذتهم إلى أقدامهم. ثم قال: يا أرض خذيهم.» فأخذتهم إلى ركبهم. ثم 
قال: يا أرض خذيهمء فأخذتهم إلى حقيهم, ثم قال :يا أرض خذيهمء فأخذتهم إلى أعناقهم؛ 
قال: فجعلوا يقولون: يا موسى يا موسى» ويتضرعون إليه. قال: يا أرض خذيهم» فانطبقت 
عليهم» فأوحى الله إليه: يا موسىء يقول لك عبادي: يا موسىء يا موسى فلا ترحمهم؟ أما 
لوإياي دعواء لوجدوني قريبا مجيبا) 217 

قال آخر: ومثل ذلك ما رووه عن عن أبي هريرة أن رسول الله قال : (نزل نبي من 
الأنبياء0؟© تحت شجرة فلدغته نملة» فأمر بجهازه فأخرج من تحتهاء ثم أمر ببيتها فأحرق 
بالنار» فأوحى الله إليه: فهلا نملة واحدة؟)(” وفي رواية لمسلم: (فأوحى الله إليه أفي أن 
قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبح؟) 

قال آخر: وهذه رواية خطيرة لا تتوافق أبدا مع رحمة الأنبياء ولطفهم وأخلاقهم 
العالية.. وقد ذكر القرآن الكريم ذلك التواضع الذي تواضع به سليمان عليه السلام أمام 
النملة» وما كان لموسى عليه السلام أن يختلف عن سليمان عليه السلام في ذلك. 

قال آخر: وقد ورد في الحديث عن عبد الله بن مسعود قال: كنا مع رسول الله 2 في 
سفرء فانطلق لحاجته. فرأينا حمرة معها فرخان, فأخذنا فرخيهاء فجاءت الحمرة» فجعلت 
)١(‏ تفسير الطبري /١19(‏ 379) لق 
(؟) روى الحكيم الترمذي في النوادر أنه موسى عليه السلام وبذلك جزم () أحمد (5/ 07 5) والبخاري (5/ 75) ومسلم (1/ 437) 


الكلاباذي ني معاني الأخبار والقرطبي في التفسير, انظر: فتح الباري لابن حجر 


536 





تعرشء فل| جاء رسول الله آ# قال: من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليهاء ورأى قرية 
نمل قد أحرقناهاء فقال: من أحرق هذه؟ قلنا: نحن, قال: إنه لا ينبغي أن يعذب بعذاب 
النار إلا رب النار(١).‏ 

قال آخر: هؤلاء هم الأنبياء عليهم السلام ىا يصورهم القرآن الكريم» وكا 
تصورهم السنة النبوية» لا ى| يصورهم شيوخناء وما كان موسى عليه السلام ليختلف عن 
إخوانه من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في ذلك وغيره. 

قال آخر: ولم يكتف قومنا من الحشوية برمي موسى عليه السلام بكل هذه الموبقات. 
بل راحوا يصورون خوفه من الموت إلى الدرجة التي لم يصل إليها حتى عامة الناس 
وبسطاؤهم. 

قال آخر: وقد رووا في ذلك حديثا غريبا نسبوه زورا وبهتانا إلى رسول الله #6 وهو: 
(أرسل ملك الموت إلى موسىء فلم| جاءه صكه ففقاً عينه» فرجع إلى ربه» فقال: أرسلتني 
إلى عبد لا يريد الموت. فرد الله إليه عينه» فقال: ارجع إليه» فقل له: يضع يده على متن ثور 
فله بكل ما غطت يده من شعرة سنة» قال: أي ربء ثم ماذا؟ قال: ثم الموت, قال: فالآن» 
فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجرء قال رسول الله ##: فلو كنت ثم لأريتكم 
قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر)”) 

قال آخر: وقد لقي هذا الحديث ‏ مع التشويهات العظيمة التي يحملها في حق الأنبياء 
والملائكة عليهم السلام من أصحابنا المحدثين في القديم والحديث اهتماما كبيراء حتى أنهم 


رووا عن أحمد بن حنبل» وإسحاق بن راهويه أنهها سئلا عن هذا الحديث في جملة من 


)١(‏ أحمد (97/1") (905) وفي )578/1١(‏ (5018) والبخاري في )١(‏ أحمد (5194/5) والبخاري )1١17/1(‏ وني (141/4) ومسلم 


(الأدب المفرد) (85") وأبو داود (771/5 و07574) (7/ 494) والنسائي )1١١18/5(‏ 


5١ 


أحاديث الصفات. فقال أحمد: كل هذا صحيحء وقال إسحاق: (هذا صحيح ولايدفعه إلا 
مبتدع أو ضعيف الرأي)(22 

قال آخر: بل إن بعض حفاظنا جعل الإيهان ب في هذا الحديث من عقائد أهل السنة» 
فمن أنكره خرج عنهم مذؤوما مدحوراء فقال عند ذكر العقيدة التي أمرنا باعتقادها حتى 
نتميز عن سائر المبتدعة: (ونؤمن بأن ملك الموت أرسل إلى موسى عليه السلام فصكه ففقاً 
عينه» ىا صح عن رسول الله 4 ولا ينكره إلا ضال مبتدع أو ضعيف الرأي)() 

قال آخر: وقد اجتهد أصحابنا في تبرير كل ما ورد في الحديث حرفا حرفاء مما لم يزد 
موسى عليه السلام إلا تشويهاء ومن الأمثلة على ذلك قول بعضهم: (كان مجيء ملك الموت 
إلى موسى على غير الصورة التي كان يعرفه موسى عليه السلام عليهاء وكان موسى غيوراء 
فرأى في داره رجلا لم يعرفه» فشال يده فلطمه» فأتت لطمته على فقء عينه التي في الصورة 
التي يتصور بهاء لا الصورة التي خلقه الله عليها... ولما كان من شريعتنا أن من فقأ عين 
الداخل داره بغير إذنه» أو الناظر إلى بيته بغير أمره, أنه لا جناح على فاعله» ولا حرج على 
مرتكبه؛ للأخبار الحمة الواردة فيه..» كان جائزا اتفاق الشريعة بشريعة موسىء بإسقاط 
الحرج عمن فقأ عين الداخل داره بغير إذنه» فكان استعمال موسى هذا الفعل مباحا له ولا 
حرج عليه في فعله. فلل| رجع ملك الموت إلى ربه» وأخبره به| كان من موسى فيه» أمره ثانيا 
بأمر آخر هو أمر اختبار وابتلاء» فلما علم موسى كليم الله أنه ملك الموت» وأنه جاءه 
بالرسالة من عند الله» طابت نفسه بالموت»ء ولم يستمهلء وقال: الآن» فلو عرف موسى في 


المرة الأولى أنه ملك الموت» لاستعمل ما استعمل في المرة الأخرى عند تيقنه وعلمه به)9) 


2١١7 /١5( (*؟) صحيح ابن حبان‎ )١58 21 537//9( انظر: الشريعة, أبو بكر الآجري (؟/ 45) التمهيد‎ )١( 
. 5777” (؟) أحاديث العقيدة المتوهم إشكاها في الصحيحين» ص‎ 


5 


قال آخر: بل إن بعض أصحابنا ألف في ذلك كتابا بعنوان [توضيح طرق الرشاد 
لحسم مادة الإلحاد في حديث صك الرسول المكلم موسى عليه السلام للملك الموكل 
بقبض أرواح العباد]ء وقد حاول أن يبين فيه أن الملاك الذي فقأ موسى عليه السلام هو 
ملاك الموت» وأن عينه فقئت حقيقة» ولولا أن الله ردها عليه لبقي أعور.. يقول في ذلك: 
(إن ملك الموت جاء في صورة يمكن فقء البشر لعينهاء والمعهود في مجيء الملك للبشر هو 
مجيئه له على صورة البشرء كما قال تعالى: #قَتَمَثَلَ لا يَكَرّا سَوِيا4 [مريم: 19]» وكم) أفادته 
النصوص القرآنية التي ذكر فيها مجيء الملاتكة لإبراهيم وللوط وداود» وكذا نصوص 
الأحاديث التي ذكر فيها مجيء جبريل ‏ عليه السلام ‏ لنبينا #» وبه تبين أن فقا العين هنا هو 
على ظاهره» وأنه وقع في الصورة البشرية التي جاء ملك الموت عليهاء وهو تمكن غير متعذر 
إلا في الصورة الملكية الأصلية النورانية البعيدة عن ذلك. إذ لم يعهد مجيء الملائكة للبشر 
فيهاء أما رؤية نبينا # لجحبريل على صورته الأصلية في السماء مرة» وبين السماء والأرض 
أخرى» فهي خارجة عن بجيء الملك الذي عليه مدار الحديث هناء وبمجموع هذا الذي 
قررناه يكون قد حل استشكال صك موسى لعين الملك» وحصول فقء عين الملك من 
أثره)17) 

قال آخر: ولم يكتف قومنا من الحشوية بهذاء بل راحوا يذكرون رواية أخرى تصور 
خوف موسى عليه السلام من الموت» وهي الرواية التي تصور حادثة وفاة هارون عليه 
السلام» والذي لم يكن يختلف عن موسى عليه السلام في أي صفة من صفات الكمال. 

قال آخر: والرواية كما رووها عن عن عبد الله بن مسعود» وعن ناس من أصحاب 


النبي 4 تقول: (ثم إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى موسىء أني متوف هارونء فأت به جبل 


7 


)١(‏ توضيح طرق الرشاد» ص97١‏ بتصرف. 


حر 





كذا وكذا فانطلق موسى وهارون نحو ذلك الجبل» فإذا هما بشجرة لم ير مثلهاء وإذا هما 
ببيت مبني» وإذا هما فيه بسرير عليه فرش» وإذا فيه ريح طيبة» فلا نظر هارون إلى ذلك 
الجبل والبيت وما فيه أعجبه. فقال: يا موسى إني لأحب أن أنام على هذا السرير» قال له 
موسى: فنم عليه» قال: إني أخاف أن يأتي رب هذا البيت فيغضب عليء قال له موسى: لا 
ترهب أنا أكفيك رب هذا البيت فنم» قال: يا موسى بل نم معيء, فإن جاء رب البيت 
غضب علي وعليك جميعاء فل| ناما أخذ هارون الموت» فل| وجد حسه قال: يا موسى 
خدعتني» فلما قبض رفع ذلك البيت وذهبت تلك الشجرة ورفع السرير إلى السماء» فلم 
رجع موسى إلى بني إسرائيل» وليس معه هارون قالوا: فان موسى قتل هارون وحسده 
لحب بني إسرائيل له» وكان هارون أكف عنهم وألين لهم من موسىء وكان في موسى بعض 
الغلظ عليهم» فل| بلغه ذلك قال لهم: ويحكم! كان أخيء أفترونني أقتله! فل أكثروا عليه 
قام فصلى ركعتين ثم دعا الله فنزل بالسرير حتى نظروا إليه بين السماء والأرض فصدقوه 
ثم إن موسى بين| هو يمشي ويوشع فتاه إذا أقبلت ريح سوداء, فلم) نظر إليها يوشع ظن أنها 
الساعة والتزم موسىء وقال: تقوم الساعة وأنا ملتزم موسى نبي الله» فاستل موسى من 
تحت القميص وترك القميص في يد يوشعء فلم| جاء يوشع بالقميص أخذته بنو إسرائيل» 
وقالوا: قتلت نبي الله! قال: لا والله ما قتلته» ولكنه استل مني» فلم يصدقوه وأرادوا قتله 
قال: فإذا لم تصدقوني فأخروني ثلاثة أيام» فدعا الله فأقي كل رجل من كان يحرسه في المنام» 
فأخبر أن يوشع لم يقتل موسىء وأنا قد رفعناه إليناء فتركوه ولم يبق أحد ممن أبى أن يدخل 
قرية الجبارين مع موسى إلا مات. ولم يشهد الفتح) 2١17‏ 

قال آخر: فهذه الأسطورة تصور أنبياء الله الكرام» وهم خائفون وجلون من الموت 


0) /١( تاريخ الطبري‎ )١( 


5 





إلى الدرجة التي فاقوا فيها أدنى العوام من الناس. 

الحشوية وداود: 

قال أحد الحضور: وعينا هذا.. فحدثونا عن داود عليه السلام؟ 

قال الحشوي: مع أن داود عليه السلام يمثل في القرآن الكريم نموذج النبي الممتلئ 
بالشكر والعفاف والطهرء فهو منشغل بتسبيحه الجميل لله» والذي تتجاوب معه لرقته 
وعذوبته وطهره الجبال والطير.. وهو-مع الملك الذي آتاه الله والتسخيرات العظيمة التي 
سخرت له كان يعمل كسائر الناس بيده في تليين الحديد» ليأكل الحلال الصرف الذي لا 
شبهة فيه» وليكون مثلا أعلى لأمته التي كلف بقيادتها. 

قال آخر: وقد أشار الله تعالى إلى هذه الح وسو وير 


د 


فقال: #أوَلَقَد اتيْنًا دَاوُودَ مِنَّا قَضِلا يَاجِبَالُ وبي مَعَهُ وَالطَيْرٌوَأَلَنَا لَه يدَ أن ن اعْمَلُ 


0006 


سَابِعَاتِ وَقَدَرُْ في السّرْدِ انها ِب با تَعْمَلُونَ تصيرة © [سبأ: »]1١ ٠١‏ وقال: 
#وَسَخْرْنًا م مَعّ دَاوُودَ بال 4 تفلف ولط وكا فَاعِلِينَ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْحَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ 
لِتَحْصِنَكُمْ ف بسكم فَهَلُ َنم 00 [الأنبياء: هلا »]8٠١‏ وقال: ##وَلْقَدَ اتَيْنَا دَاوُودَ 


َسْلََانَ علا وَقَاَا الحَمْدُ لله الذي قَصَّلَنا عَلَ كَثيرِ مِنْ عِبَادِِ الؤْمنينَ وَوَرِتَ سُلَهانَ دَاوُوَ 


3 


وَقَالَ يَاأممَا النّ سٌ عُلَّمْنَا منْطِق الطثر وأوتيا من كُلْ إن هَذَا و هَوَ الْمَضْلْ اين [النمل: 


118 
بجعل إلهىء لا باختيار بشري.. لباب تتوفر فيه كل صفات الخليفة النظرية 
والعملية» ولذلك فإنه لابد أن تتوفر فيه كل القيم النبيلة» لأن الخلافة الإلهية تقتضي ذلك» 


فالجور والظلم والانحراف.. كل ذلك يحول بين الخليفة وأداء وظيفته التي كلف بهاء قال 


3 2 


5 


تعالى: #إيا دَاوُودُ إن جَعَلْنَاكَ حَلِيفَةَ في الْأَرْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَ انس بالق وَلَا تشع ب مرق 
َُضِلّكَ عَنْ سيل الله إن الِّينَ يَضلُونَ عَنْ سَبيلٍ الله 1ك غذات فيرظ و شرا به 
الحسَابِ © [ص:5] 

قال آخر: وكان الأصل أن يحاكم شيوخنا كل ما ورد عن داود عليه السلام من 
روايات في ضوء هذه الآيات المحكمات الواضحات.. لكنهم لم يفعلواء بل راحوا يبحثون 
عن أي ثغرة من المتشابه يمكنها أن تشوه مها كل تلك المعاني السامية التي أراد القرآن الكريم 
من خلال عرضها على هذه الأمة أن يكون فيها أمثال داود من الممتلئين بالعدالة والشكر 
والنبل والعفاف. 

قال آخر: وقد وجدوا تلك الثغرة في قوله تعالى: إوَمَل أَنَا لد تاخضم إِذْ تَسَوُّوا 
الْغَرَات إِذْ كرا عل لوه قمر ينه كاثرا لاخات خَدعان بش يَعَشْنًا عل ينض 
فَاحْكُمْ ْنَا ا لخن وَلَا تُمْطِطْ وَاهْدَِا ِل سَوَاءِ الصّرَاطٍ إِنَّ هذا أَخِي لَهُتِسْعٌ وَتَسْعُونَ تَعْجَةَ 


هه ه 


وي نه َعْجَةٌ وَاحِدَةٌ َقَالَ أَكْفلنيهَا وَعَزَن في الخطّاب قَالَ لَمَدْ ظَلَمَكَ ب بسُوَالٍ نَعْجَتِكٌ إِلَ نِعَاجِهِ 


با عرو ع ا اداه ا 
مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أن فتاه قَاسْتَغْفَرَ وَبَّهُ وَححَرَّ رَاكِعًا وَأَنَاب فَعَفَرَْالَهُ ذَلِكَ وَإنَ لَهُ عِيْدَة 


لَزْلْمَى وَحْسْنَ مَآب»* [ص: ١57؟]‏ 
قال آخر: فمع أن الآيات الكريمة واضحة في دلالتها من خلال ظاهر ألفاظهاء وهي 
تنسجم تماما مع تلك الشفافية الروحية التي وصفه الله بها.. خاصة وأآن الله تعالى قدم لذلك 


وَابٌ ناكرا ابل مَعَهُ يسن باعي 


201 


بقوله: #وَاذْك عَبْدَنًا دَاوُوَدَ ذَا الْذَيْد | نه 


| 


_- و2 ل 


وَالن راق وَل عور كل له واب # [ص: 17 19] 


الروحي الجميل الذي تجاوبت له الكائنات من حوله. والذي لم يمنعه من أداء وظيفته 
المرتبطة بالرعية والخلافة عليهاء ولذلك بمجرد أن تسور الرجلان عليه المحراب» وأخبره 
أولهما بالظلم الذي لحق به. سارع فانتصر له» مثلما فعل قبل ذلك أخوه موسى عليه السلام 
حين سارع لنصرة المستضعف.. وهنا عاتبه الله لأنه لم يستمع للثاني من الخصمين.. ولكونه 
أوابا وصاحب روحانية عالية» فقد تأثر لذلك العتاب تأثرا شديداء وهوى ساجدا لله بكل 
رقة وعبودية وخضوع. 

قال آخر: هذه هي الدلالة الظاهرة للقصة كما وردت في القرآن الكريم» وهذا هو 
تفسير القائلين بالعصمة المطلقة لها.. وهو تفسير يتوافق مع القرآن الكريم ى] يتوافق مع 
اللغة العربية.. لكن شيوخنا من الحشوية لم يلتفتوا إلى هذه المعاني القرآنية واللغوية.. 
فراحوا يفسرون الآيات الكريمة بالروايات والقصص.. فالعقل الخرافي لا يفسر الأشياء 
إلا بالأساطير والقصص والحكايات. 

قال آخر: ومن الأمثلة على ذلك ما ذكره الطبري في تفسيره لتلك الآيات الكريمة» 
والتي قدم لها بخلاصة رأيه فيها ورأي السلفء فقال: (القول في تأويل قوله تعالى: «إنَّ 
هذا أي له ع وََُْونتَعَْة َي تمجه وَاحِدَة قل مها وعزي في الخطاب» اس 
]» وهذا مثل ضربه الخصم المتسوّرون على داود محرابه له» وذلك أن داود كانت له فيما 
قيل: تسع وتسعون امرأة» وكانت للرجل الذي أغزاه حتى قتل امرأة واحدة؛ فلم قتل نكح 
فيها ذكر داود امرأته» فقال له أحدهما: لإإنَّ هذا أَخي» [ص: ؟] يقول: أخي على ديني)17) 

قال آخر: ومن العجب أن شيوخنا الذين ينكرون القول بالمجاز والكناية وغيرها في 


حق الله تعالى حتى لو أدى ذلك للتجسيمء نراهم هنا يفسرون [النعجة] بالمرأة من باب 


)١١ا/ا/‎ /؟١( تفسير الطبري‎ )١( 


ا 





الكناية» يقول الطبري: (وإن) كنى بالنعجة ها هنا عن المرأة» والعرب تفعل ذلكء ومنه قول 
الأعشى: 
قد كنت رائدها وشاة محاذر... حذرا يقل بعينه إغفاها 

يعني بالشاة: امرأة رجل يحذر الناس عليهاء وإنما يعني: لقد ظلمت بسؤال امرأتك 
الواحدة إلى التسع والتسعين من نسائه)(1) 

قال آخر: وبعد أن مهد الطبري بكل هذه التمهيدات» فأصبح نص الآية يدل على 
أن النعجة ليست سوى امرأة» وأصبح لداود عليه السلام تسعة وتسعين امرأة.. بموجب 
ذلك.. وفوق ذلك لم تكفه تلك النساء جميعاء فراح يضم امرأة أخرى لرجل آخر لا يملك 
غيرها. 

قال آخر(): بعد أن مهد لهذاء أخذ يذكر الروايات عن السلف التي تفسر ذلك» 
وهي تذكر أن داود عليه السلام قال: يا رب قد أعطيت إبراهيم وإسحاق ويعقوب من 
الذكر ما لوددت أنك أعطيتني مثله. قال الله: إني ابتليتهم با لم أبتلك به» فإن شئت ابتليتك 
بمثل ما ابتليتهم به» وأعطيتك كما أعطيتهم, قال: نعم قال له: فاعمل حتى أرى بلاءك؛ 
فكان ما شاء الله أن يكون. وطال ذلك عليه» فكاد أن ينساه. 

قال آخر(": ثم ذكر أنه بينا هو في محرابه» إذ وقعت عليه حمامة من ذهب فأراد أن 
يأخذهاء فطار إلى كوة المحراب» فذهب ليأخذهاء فطارت» فاطلع من الكوة» فرأى امرأة 
تغتسلء فنزل من المحراب» فأرسل إليها فجاءته» فسألها عن زوجها وعن شأنهاء فأخيرته 
أن زوجها غائب, فكتب إلى أمير تلك السرية أن يؤمره على السرايا ليهلك زوجهاء ففعل؛ 


2181 تفسير الطبري (71/ 10/9) (؟) تفسير الطبري (1؟/‎ )١( 
)١8١ /؟١( (؟) تفسير الطبري‎ 


1516 


فكان يصاب أصحابه وينجوء وربما نصرواء وإن الله عز وجل لما رأى الذي وقع فيه داود. 
أراد أن يستنقذه؛ فبين| داود ذات يوم في محرابه» إذ تسور عليه الخصمان من قبل وجهه. 

قال آخر(3): ثم ذكر أنه لما رآهما وهويقراً فزع وسكتء. وقال: لقد استضعفت في 
ملكي حتى إن الناس يستورون علي محرايء قالا له: إلا تَحَفْ حَضَنِ بَعَى بَعْضُنًا عَلَ 
بَعْضٍ # [ص: 111 ولم يكن لنا بد من أن نأتيك؛ فاسمع منا؛ قال أحدهما: «إِنَّ هَذَا أخي لَهُ 
تِسْعٌ وَتِسْعُونَ تَعْجَةٌ4 [ص: 0؟! أنثى وَل نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فََالَ أَكْفلنيهَاك آص: ١؟]‏ يريد أن 
يتمم بها مئة» ويتركني ليس لي شيء وَعَزَّن في الطاب * [ص: 18 قال: إن دعوت ودعا 
كان أكثرء وإن بطشت وبطش كان أشد منيء فذلك قوله #وَعَرَّني في الخطاب 4 [ص: *5] 
قال له داود: أنت كنت أحوج إلى نعجتك منه للَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُوَالٍ نَعْجَتِكَ إِلَ نِعَاجِدِ» 
اص: 4"].. إلى قوله إوَقَلِيلٌ مَا هُمْ4 [ص: 14] ونسي نفسه فنظر الملكان أحدهما إلى الآخر 
حين قال ذلك؛ فتبسم أحدهما إلى الآخر فرآه داود وظن أن فتن #فَاسْتَعْمَرَ وَبَّهُ وَحَرَّ رَاكِعًا 
وَأَنَّابَ4 [ص: 4؟] أربعين ليلة» حتى نبتت الخضرة من دموع عينيه» ثم شدد الله له ملكه. 

قال آخر: ولم يكتفوا بهذاء بل نسبوا هذا إلى رسول الله 2 فقد رووا عن أنس قال: 
سمعت رسول الله # يقول:(إن داود النبي حين نظر إلى المرأة فأهم» قطع على بني إسرائيل» 
فأوصى صاحب البعثء فقال: إذا حضر العدوء فقرب فلانا بين يدي التابوت» وكان 
التابوت في ذلك الزمان يستنصر به ومن قدم بين يدي التابوت لم يرجع حتى يقتل أو هزم 
عنه الجيش» فقتل زوج المرأة ونزل الملكان على داود يقصان عليه قصته. ففطن داود فسجد» 
فمكث أربعين ليلة ساجدا حتى نبت الزرع من دموعه على رأسه) (7) 


قال آخر: ولم يكتفوا ببذه التشويهات؛ بل راحوا يفسرون قوله تعالى: #اَ تر إِلَ ال 


)141 /؟١( (؟) تفسير الطبري‎ )181 /7١( تفسير الطبري‎ )١( 


56 





6ه سلما 


منْ يني إِسْرَ اقل مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذ قَالُوا ّم بْعَتْ لامكا نُقَاتلُ في سَهيلٍ الله قَا لَّ هَل 


0 5 ٍ 


0 َنَا ا) ُقَاتِلَ في سَبِيل الله وَقَدْ أخر جنا 


4 


من د ا وَابَائَِا قَكَا كيب عَلَيْهِم الْقِتَالُ توَلَّْا إَِّا ًا مِنْهُمْ وَالله له عَلِيمٌ ِالظَلِيِنَ 4 [البقرة: 
م 

قال آخر: فقد ذكر الله تعالى أنه اختار لهم ذلك الملك الحكيم القوي الذي يمكنه أن 
يؤدي هذا الدور بأحسن وجه. كما قال تعالى: لوَقَالَ كُمْ تَيُّهُْإنَّ للهكَدْبَعَتَ لَكُمْ طَالُوتَ 
مَلَكَا»ية [البقرة: 49 7]» لكن بني إسرائيل لم يعجبهم اختيار الله» فاعترضوا عليه» قال تعالى: 
#قَالُوا أَنَى يَكُونْ آ لَه امْلكُ عَلَينَاوَتَسْنٌ أَحَقٌ يِاخُلكِ مِنْهُ وَْهْوْتَ سَعَةَ من المالِ4 [البقرة 11] 

قال آخر: وقد رد الله عليهم بأن الله هو الذي اصطفاهء وفوق ذلك آتاه من مقومات 
الحاكم ما يستطيع أن يؤدي دوره بأحسن الوجوه؛ قال تعالى: #قَالٌ إِنَّ الله اصْطَمَاه عَلَيَكُمْ 
وَرَادَهبَْطَة في الْعِلَم وَاجَسم وَاللهيُْتي مُلَكَهُ مَنْ يشَّاءُ وَاللهوَاِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 40؟] 

قال آخر: لكن بني إسرائيل ‏ بطبعهم الجدلي ‏ زاد اعتراضهمء وطلبوا آية من الله 
ال ل الا ال ل إن يد ملك أن 
يَأتكُمُ الَّبُوتُ فيه سَكِينةٌ من رَبَكُمْ وَيَقِية يا ترك آل مُوسَى وَآلْ هَارُونَ تحلهُ الَائكَة إن 
في وك 1ب لك رذ فق مؤينين4 لهال 

قال آخر: ثم ذكر الله تعالى ما مارسه طالوت مع جنوده من أنواع الاختبار حتى 
يميزهم» فلا يسير معه إلى المؤمن القويء. قال تعالى وسد الله 


2 


متليكم بتهر فَمَنْ رت ينة نيس مني ومن 1 يَطْعَمْهُ فَنَّهُ من إلا من غرفة بِيدِهِ 


َتَرِبُوا مِنْهُإلّا ليلا منْهُخْ) [البقرة: 44 ؟] 


قال آخر: وفي ذلك إشارة إلى ذكاء طالوت» والذي عرف أنه لا ينتتصر على جالوت 


إلا المؤمنين أصحاب العزائم القوية.. وكان من أصحاب تلك العزائم ‏ كما يذكر القرآن 
الكريم ‏ داود الذي استطاع أن يقتل جالوت» ويتسبب في هزيمة طالوت وجنوده؛ قال 


تعالى: فَهَرَمُوهُمْ بذ الله وَكََلَ دَاوُودُ جَانُوتَ وَآَاهُ الله اتُلْكَ وَاخَكْمَةَ وَعَلَمَهُ ينا يَكَاءُ 
وَلَوْلَا دَفحُ الله النَّسَ بَعْضَهُمْ ببَعْض لَمَسَدَتٍ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللهَذُو فَضْل عَلَ الْعَاكِنَ4 
[البقرة: ١5؟] ١‏ ْ 

قال آخر: وتنتهي القصة القرآنية بهذا.. لكن شيوخنا من الحشوية راحوا يذكرون 
من الروايات ما يجعل الحق للإسرائيليين في رفضهم لطالوت, لأنهم جعلوا منه ظالما 
مستبداء بل ساعيا لقتل داود عليه السلام.. وبذلك فإن من يقرأ القصة القرآنية» ويفسرها 
بالقصة الإسرائيلية لاشك أنه سيميل إلى موقف اليهود في بغضهم لطالوت.. وكيف لا 
يبغضونه. وهم يرون أنه يريد أن يقتل نبيا من الأنبياء الكرام؟ 

قال آخ ر(١»:‏ ومن الأمثلة على ما ذكره مفسرونا من السلف ‏ بألفاظ متشاببة ومعان 
متفقة ‏ أنه عبر النهر مع طالوت» وفيمن عبر إيشا أبو داود في ثلاثة عشر ابنا له وكان داود 
أصغرهم, فأتاه ذات يومء فقال: يا أبتاه ما أرمي بقذافتي شيئا إلا صرعته فقال: أبشر يا 
بني؛ فإن الله عز وجل جعل رزقك في قذافتك. ثم أتاه مرة أخرىء فقال: يا أبتاه لقد دخلت 
بين الجبال» فوجدت أسدا رابضاء فركبته» وأخذت بأذنه فلم يجني !؟ فقال: أبشر يا بني؛ 
فإن هذا خير يريده الله بك» ثم أتاه يوما آخر» وقال: يا أبتاه إني لأمشي بين الجبال» فأسبح 
ف| يبقى جبل إلا سبح معيء فقال: أبشر يا بني؛ فإن هذا خبر أعطاكه الله عز وجل» فأرسل 
جالوت إلى طالوت أن ابرز إلي» أو أبرز إلي من يقاتلني» فإن قتلني فلكم ملكي, وإن قتلته 
فلي ملككم. فشق ذلك على طالوتء فنادى في عسكره: من قتل جالوت زوجته بنتي» 


237 /1( تفسير الثعلبي‎ )١( 





وناصفته ملكي؛ فهاب الناس جالوت.ء فلم يجبه أحد. 

قال آخر(»: ثم ذكروا أن طالوت سأل نبيهم عليه السلام أن يدعو فدعا الله عز 
وجل في ذلكء فآتي بقرن فيه دهن القدسء وتنور من حديدء وقيل له: إن صاحبكم الذي 
يقتل جالوت هو الذي يوضع هذا القرن على رأسه. فيغلي الدهن, (ثم يدهن به) رأسه. ولا 
يسيل على وجهه؛ يكون على رأسه كهيئة الإكليل» ويدخل في هذا التنور فيملؤه ولا يتقلقل 
فيه» فدعا طالوت بني إسرائيل» فجربهم, فلم يوافقه منهم أحد.. فأوحى الله عز وجل إلى 
نبيهم: أن في ولد إيشا من يقتل الله به جالوت» فدعا طالوت إيشاء وقال له: أعرض علي 
بنيك» فأخرج له اثني عشر رجلا أمثال السواريء وفيهم رجل بارع عليم؛ فجعل يعرضهم 
على القرن» فلا يرى شيئاء فيقول لذلك الجسيم: ارجعء فيرده عليه فأوحى الله عز وجل 
إليه: أنا لا نأخذ الرجال على صورهم؛ ولكنا نأخذهم على صلاح قلومهم, فقال لإيشا: هل 
بقي لك ولد غيرهم؟ فقال: لاء فقال النبي: رب زعم أن لا ولد له غيرهم» فقال: كذب. 
فقال النبي: إن ربي كذبكء قال: صدق الله يا نبي الله» إن لي ابنا صغيراء يقال له: داود 
استحييت أن يراه الناس؛ لقصر قامته. وحقارته. فخلفته في الغنم يرعاهاء وهو في شعب 
كذا. 

قال آخر(": ثم ذكروا أن داود عليه السلام كان رجلا قصيراء مسقاماء مصفاراء 
أزرق» أثغر» فدعاه طالوتء أو خرج طالوت إليه» فوجد الوادي قد سال بينه وبين الزريبة 
التي كان يريح إليهاء فوجده يحمل شاتين شاتين يجيزهما السيل» ولا يخوض بما الماء» فلم| 
رآه قال: هذا هو لا شك فيه» هذا يرحم البهائم» فهو بالناس أرحمء فدعاه» ووضع القرن 


على رأسه. ففاضء فقال له طالوت: هل لك أن تقتل جالوت» وأزوجك ابنتى» وأجري 


2٠١ /9( تفسير الثعلبي‎ )١( 28 /1( تفسير الثعلبي‎ )١( 


301 





خاتقك في ملكي؟ قال: نعم» قال: وهل آنست من نفسك شيئا تتقوى به على قتله؟ قال: 
نعم أنا أرعى» فيجيء الأسدء أو النمر أو الذئب فيأخذ شاة» فأقوم له» فأفتح لحبيه عنهاء 
وأخرقهم إلى قفاه. 

قال آخر("©: ثم ذكروا أنه رده إلى عسكره؛ فمر داود عليه السلام في الطريق بحجر 
فناداه: يا داود احملني؛ فإنني حجر هارون الذي قتل به ملك كذاء فحمله في مخلاته» ثم مر 
بحجر آخرء فناداه: يا داود احملني؛ فإني حجر موسى الذي قتل به ملك كذاء فحمله في 
مخلاته» ثم مر بحجر آخرء فقال له: احملني؛ فإني حجرك الذي تقتل به جالوت» وقد خبآني 
الله تعالى لك. فوضعه في مخلاته.. فل| تصافوا للقتال» وبرز جالوت وسأل المبارزة انتدب 
له داود» فأعطاه طالوت فرساء ودرعاء وسلاحاء فلبس السلاح وركب الفرسء» فسار 
قريباء ثم انصرفء فرجع إلى الملك» فقال من حوله: جبن الغلام» فجاء فوقف على الملك» 
فقال: ما شأنك؟ قال: إن الله تعالى إن لم ينصرني لم يغن عني هذا السلاح شيئاء فدعني أقاتل 
كما أريد» قال: نعم» فأخذ داود مخلاته» فتقلدهاء وأخذ المقلاع» ومضى نحو جالوت»ء وكان 
جالوت من أشدهم, وأقواهم؛ وكان مهزم الجيوش وحله. وكان له بيضة فيها ثلاثمائة من 
حديدء فلم) نظر إلى داود ألقي في قلبه الرعب» فقال له: أنت تبرز إلى!؟ قال: نعم» وكان 
جالوت على فرس أبلق عليه السلاح التام» قال: فأتيتني بالمقلاع» والحجر كا يؤتى 
الكلب!؟ قال: نعم» لأنت شر من الكلبء قال: لا جرم لأقسمن لحمك بين سباع الأرض» 
وطير السماء» فقال داود: أو يقسم الله لحمك. فقال داود: باسم إله إيراهيم» وأخرج حجراء 
ثم وضعه في مقلاعه. ثم أخرج الآخرء وقال: باسم إله إسحاق» ووضعه في مقلاعه؛ ثم 


أخرج الثالث» وقال: باسم إله يعقوب. ووضعه في مقلاعه» فصارت كلها حجرا واحداء 


)١1 /1( تفسير الثعلبي‎ )١( 


كل 





ودور المقلاع» ورماه به» فسخر الله له الريح حتى أصاب الحجر أنف البيضة» وخالط 
دماغه» وخرج من قفاه» وقتل من وراته ثلاثين رجلاء وهزم الله تعالى الميش» وخر جالوت 
قتيلاء فأخذه يجره حتى ألقاه بين يدي طالوتء ففرح المسلمون فرحا شديداء وانصرفوا إلى 
المدينة سالمين غانمين» والناس يذكرون داود. 

قال آخر: هذا هو الشطر الأول من القصة» وهو بالإضافة إلى الغرائب والعجائب 
التي قد نغض الطرف عنهاء يجعل هدف داود عليه السلام من جهاده في سبل الله هو 
الحصول على تلك الهدية التي وعده بها طالوتء كما ذكر في الرواية: (هل لك أن تقتل 
جالوت وأزوجك ابنتي وأجري خاتمك في ملكي).. ومهذا وحده ينهار كل ذلك البنيان 
الذي بناه القرآن الكريم من تلك القصة العظيمة التي تبدف إلى بيان شروط نصر الله لعباده 
من الإخلاص والتجرد والصدق. 

قال آخر: لكن الرواية لا تكتفي بذلك الهدم للمعنى القرآني» بل تضيف إليه هدم 
طالوت نفسه الذي يمثل اصطفاء الله.. وكأن الله خدع بني إسرائيل حين اصطفى لهم 
شخصا لا يصلح لحكمهم. وكأن بني إسرائيل كانوا أعلم من الله حين رفضوا ذلك 
الاختيار الإلهي. 

قال آخر(»: فقد ذكروا أن داود عليه السلام جاء طالوت»ء فقال له: أنجزني ما 
وعدتني» وأعطني امرأي» فقال له: أتريد ابنة الملك بغير صداق!؟ قال داود: ما شرطت 
علي صداقاء وليس لي شيء» قال: لا أكلفك إلا ما تطيق» أنت رجل حربيء وفي جبالنا أعداء 
لنا غلفء فإذا قتلت منهم مائتي رجلء» وجتتني بغلفهم؛ زوجتك ابنتي» فأتاهم» فجعل 
كلما قتل منهم رجلا نظم غلفته في خيط» حتى نظم غلفهم, فجاء بها إلى طالوت» وألقاها 


21١5 /1/( تفسير الثعلبي‎ )١( 





إليه» وقال: ادفع لي امرأتي» فزوجه ابنته» وأجرى خاتمه في ملكه.. وهكذا تحول داود عليه 
السلام حسب شيوخنا وتفاسيرنا من مجاهد في سبيل الله إلى مجاهد في سبيل ابنة طالوت. 

قال آخر(©: ولا تكتفي الرواية بهذاء بل تضيف إلى ذلك شناعات أخرى. لا تقل 
عن السابقة» حيث تذكر أن الناس مالوا إلى داود» وأحبوه» وأكثروا ذكره» فوجد طالوت 
من ذلك» وحسده. وأراد قتله» فأخبر بذلك بنت طالوت رجل يقال له: ذو العينين» فقالت 
لداود: إنك مقتول الليلة» قال: ومن يقتلني!؟ قالت: أبي» قال: وهل أجرمت جرما؟ 
قالت: حدثني من لا يكذب, ولا عليك أن تغيب الليلة حتى تنظر مصداق ذلكء فقال: 
لئن كان أراد ذلك لا أستطيع خروجاء ولكن اثتيني بزق من حمر فأتنه به فوضعته في 
مضجعه على السرير» وسجاه» ودخل تحت السرير» فدخل طالوت نصف الليل وأراد أن 
يغتال داود» فقال لها: أين بعلك؟ قالت: هو نائم على السرير» فضربه ضربة بالسيف. فسال 
الخمر» فلم) وجد ريح الشراب قال: يرحم الله داود ما أكثر شربه للخمر! وخرج. 

قال آخر(": ثم ذكروا أنه لما أصبح علم أنه لم يفعل شيئاء قال: إن رجلا طلبت منه 
ما طلبت لخليق أن لا يدعني حتى يدرك مني ثأره» فاشتد حجابه» وحراسه؛ وأغلق دونه 
أبوابه.. 

ثم إن داود أتاه ليلة» وقد هدأت العيونء فأعمى الله تعالى الحجبة عنه. وفتح 
الأبواب» فدخل عليه» وهو نائم على فراشه» فوضع سههما عند رأسه» وسهم| عند رجليه» 
وسهم| عن يمينه» وسهم| عن شاله» ثم خرجء فلم| استيقظ طالوت بصر بالسهام فعرفهاء 
فقال: يرحم الله داود هو خير مني» ظفرت به» فقصدت قتله» وظفر بي» فكف عني» ولو 
شاء لوضع هذا السهم في حلقي, وما أنا بالذي آمنه. 


(1) تفسير الثعلبي (0/ 017 (1) تفسير الثعلبي (0/ 0107 


"06 





قال آخر(©: ثم ذكروا أنه لما كانت القابلة أتاه ثانياء وأعمى الله الحجاب» فدخل 
عليه وهو نائم» فأخذ إبريق طالوت الذي كان يتوضأً منه» وكوزه الذي كان يشرب منه 
وقطع شعرات من لحيته» وشيئا من هدب ثيابه» ثم خرج وهربء وتوارى.. فلم| أصبح 
طالوت» ورأى ذلك؛ سلط على داود العيون» وطلبه أشد الطلبء فلم يقدر عليه. 

قال آخر(”: ثم ذكروا أن طالوت ركب يوما فوجد داود يمشي في البرية» فقال 
طالوت: اليوم أقتل داود أنا راكب وهو ماشء وكان داود إذا فزع لم يدرك» فركض طالوت 
على إثره فاشتد داود» فدخل غاراء فأوحى الله تعالى إلى العنكبوت» فنسجت عليه بيتاء فلم| 
انتهى طالوت إلى الغارء ونظر إلى بناء العتكبوت» فقال: لو كان دخل هاهنا لخرق بناء 
العتكبوت» فتركه» ومضىء وانطلق داود» وأتى الجبل مع المتعبدين» فتعبد فيه. 

قال آخر(”: ثم ذكروا أن العلماء والعباد طعنوا على طالوت في شأن داود. فجعل 
طالوت لا ينهاه أحد عن قتل داود إلا قتله» وأغرى بقتل العلماء» فلم يكن يقدر على عالم 
في بني إسرائيل يطيق قتله إلا قتله» ولم يكن يحارب جيشا إلا هزم؛ حتى أتي بامرأة تعلم 
اسم الله الأعظمء فأمر جباره بقتلهاء فرحمها الجبار» وقال: لعلنا نحتاج إلى عالم» فتركها. 

قال آخر(؟»: ثم ذكروا أنه وقع في قلب طالوت التوبة» وندم على ما فعل» وأقبل على 
البكاء حتى رحمه الناس» وكان كل ليلة يخرج إلى القبور» فيبكي» وينادي: أنشد الله عبدا 
يعلم أن لي توبة إلا أخبرني بهاء فل| أكثر عليهم ناداه مناد من القبور: يا طالوت أما ترضى 
أن قتلتنا حتى تؤذينا أمواتاء فازداد بكاء. وحزناء فرحمه الجبار» فكلمه فقال: ما لك أيها 


الملك!؟ فقال: هل تعلم لي في الأرض عالما أسأله هل لي من توبة؟ فقال له الجبار: هل تدري 


(1) تفسير الثعلبي (1/ )١8‏ () تفسير الثعلبي (19//9) 
(1) تفسير الثعلبي (1/ 19) (4) تفسير الثعلبي (0/ 14) 


505 


ما مثلك؟ إنها مثلك مثل ملك نزل قرية عشاء. فصاح الديكء فتطير منه. فقال: لا تتركوا 
في القرية ديكا إلا ذبحتموه. فل) أراد أن ينام» قال لأصحابه: إذا صاح الديكء فأيقظونا 
حتى ندلج» فقالوا له: وهل تركت ديكا يسمع صوته!؟ ولكن هل تركت عاما في الأرض!؟ 
فازداد حزناء وبكاء. 

قال آخر(١»:‏ ثم ذكروا أنه لما رأى الجبار ذلك قال: أرأيت إن دللتك على عالم لعلك 
أن تقتله» قال: لاء فتوثق عليه الجبار» وأخبره أن المرأة العالمة عنده» قال: انطلق بي إليها؛ 
أسأها: هل لي من توبة؟ وكان إنا يعلم ذلك الاسم أهل بيتء إذا فنيت رجاهم علمت 
نساؤهمء فلم| بلغ طالوت البابء قال الجبار: أيها الملك إنها إن رأتك فزعتء فخلفه خلفه. 
ثم دخل عليهم» فقال لها: ألست أعظم الناس عليك منة أنجيتك من القتل» وآويتك 
عندي؟ قالت: بلى» قال: فإن لي إليك حاجة» هذا طالوت يسأل: هل له من توبة؟ فغشي 
عليها من الفرق» فقال لما: إنه لا يريد قتلك» ولكن يسألك؛ هل له من توبة؟ فقالت: لا 
والله؛ لا أعلم لطالوت توبة» ولكن هل تعلمون مكان قبر نبي. 

قال آخر("): ثم ذكروا أنه انطلق بها إلى قبر أشمويل» فصلتء ودعتء ثم نادت 
صاحب القبر» فخرج أشمويل من القبر ينفض رأسه من الترابء فلم انظر إليهم ثلاثتهم: 
المرأة» وطالوتء والجبار» قال: ما لكم أقامت القيامة؟ قالت: لاء ولكن طالوت يسألك: 
هل له من توبة؟ قال أشمويل: يا طالوت ما فعلت بعدي؟ قال: لم أدع من الشر شيئا إلا 
فعلته» وجئت أطلب التوبة» قال: كم لك من الولد؟ قال: عشرة رجالء قال: ما أعلم لك 
توبة» إلا أن تتخلى من ملكك, وتخرج أنت وولدك في سبيل الله» ثم تقدم ولدك حتى يقتلوا 
بين يديك؛ ثم تقاتل أنت حتى تقتل في آخرهم: ثم رجع أشمويل إلى القبر وسقط ميتا. 


(1) تفسير الثعلبي (/7/ ١؟)‏ (؟) تفسير التعلبي (/ 7؟) 


70 





قال آخر(»: ثم ذكروا أن طالوت رجع أحزن ما كان رهبة أن لا يتابعه ولده» وقد 
بكى حتى سقطت أشفار عينيه» ونحل جسمه. فدخل عليه أولاده فقال لهم: أرأيتم لو 
دفعت إلى النار هل كنتم تفدونني؟ قالوا: بلى نفديك بط قدرنا عليه قال: فإنها النار إن لم 
تفعلوا ما أقول لكم, قالوا: فاعرض عليناء فذكر لهم القصة» قالوا: وإنك لمقتولء قال: نعم» 
قالوا: فلا خبر لنا في الحياة بعدك» طابت أنفسنا بالذي سألت» فتجهز باله وولده. فقدم 
ولده. وكانوا عشرة» فقاتلوا حتى قتلوا بين يديه» ثم شد هو بعدهم حتى قتل» فجاء قاتله 
إلى داود عليه السلام ليبشره» فقال له: قد قتلت عدوك,» فقال داود: ما أنت بالذي تحيا بعده, 
فضرب عنقه.. وأتى بنو إسرائيل بداود. فأعطوه خزائن طالوت؛ وملكوه على أنفسهم . 

قال آخر: هذه قصة طالوت ك) ذكرها مفسرونا الكثيرون(2» ومن غير تعليق عليهاء 
أو رد عليهاء وهي وحدها كفيلة بأن تهدم كل القيم التي جاء بها القرآن الكريم؛ لا تلك 
الآيات التي تحدثت عن داود عليه السلام وحده. 


الحشوية وسليمان: 


قال أحد الحضور: وعينا هذا.. فحدثونا عن سليمان عليه السلام؟ 
قال الحشوي: مع أن سليمان عليه السلام يمثل في القرآن الكريم ‏ مع والده داود 


077 /10( تفسير الثعلبي‎ )١( 

(؟) ممن ذكر هذه القصة: وهب بن منبه» فقد رواها عبد الرزاق في تفسير 
القرآن ٠١ /١‏ والطبري في جامع البيان 7/ 7717770 وابن أبي حاتم في 
تفسير القرآن العظيم ”/ 5177 (759077) وعزاه السيوطي في الدر المنثور /١‏ 575 
لابن المنذرء كلهم من طريق بكار بن عبد الله.. ورواها الطبري في جامع البيان 
7/ 778-717 وني تاريخ الرسل والملوك /١‏ 511 من طريق عبد الصمد بن 
معقل.. ورواها في جامع البيان ”/ 777-577 من طريق ابن إسحاق قال: 
حدثني بعض أهل العلم كلهم عن وهب بن منبه بها.. وذكرها السدي رواها عنه 
الطبري في جامع البيان 7/ 579 17*0» وفي تاريخ الرسل والملوك /١‏ 4107 
وابن أبي حاتم في تفسير القرآن العظيم 7/ 51/8 (7910) وابن زيد رواها عنه 


الطبري في جامع البيان / 1751. وني تاريخ الرسل والملوك /١‏ كلاق 


والربيع رواها عنه الطبري في جامع البيان ”/ ..71"٠‏ ورواها مجاهد في تفسيره 
١١ /١‏ ومن طريقه رواه الطبري في جامع البيان ؟/ 574 وعزاه السيوطي 
للفريابي. وعبد بن حميد كما في الدر المنثور للسيوطي /١‏ 0594. 

وأما قصة توبة طالوت وقصته مع المرأة العابدة» فقد رواها الطبري في جامع 
البيان وفي تاريخ الرسل والملوك /١‏ 7 50/5 عبن السدي.. وقصة النبي الذي 
ذهبوا إلى قبره هو يوشع؛ ذكرها ابن حجر في فتح الباري 1/ ١97‏ مختصرة» 
وعزاها لابن إسحاق في المبتدأء وأخرجها عن ابن إسحاق ابن المنذر كى) في الدر 
المنثور للسيوطي /١‏ 0717-377. وذكر السيوطي في الدر المنثور /١‏ 051/055 
أن ابن عساكر روى عن مكحول بمعناهاء ووقع عنده أن النبي هو اليسع.. 
وذكرها مقاتل بن سليهان في تفسيره /١‏ 177 والثعلبي في عرائس المجالس (ص 


707 7174) [انظر هامش: تفسير الثعلبي (10/ 5؟)] 


لك( 





عليه السلام الذي يذكر معه في كل محل يُذكر فيه القيم العظيمة التي تحكم تلك الأسرة 
الطيبة الممتلئة بالروحانية» والتي استحقت أن يفتح لما الكثير من الخزائن التي وصدت على 
غيرهاء وما فتح لما ذلك إلا بعبوديتها وخضوعها لله.. إلا أن شيوخنا انحرفوا بقصته ى| 
انحرفوا بقصة أبيه انحرافا تاما. 

قال آخر: والمشكلة في ذلك أخهم جعلوا من القرآن الكريم مطية لذلك؛ حتى لا ثُقرأ 
ياته إلا ومعها تلك المعاني المحرفة التي تفسرها. 

قال آخر: ومن الأمثلة على ذلك تلك الروايات المفسرة لقوله تعالى: #أَمْ يحْسُدُونَ 
النَّاسَ عَلَ ما آنَاهُمُ الله مِنْ مَضْلِهِ فَقَدَ آيْنَا آل إِبْرَاهِيمَ الْكِتَاب وَالَْكْمَة وَآتَيَْاهُمْ مُلْكًا 
عَظِيَ 4 [النساء: 04]» فقد فسروا قوله تعالى: #أَمْ يحْسّدُونَ النَّاسَ عَلَ ما آنَاهَمُ الله مِنْ قَضْلِهِ» 
[النساء: 04] بقولهم (قالت اليهود: انظروا إلى هذا الذي لا والله» ما يشبع من الطعام, لا والله 
ما له هم إلا النساءء لو كان نبيا لشغله أمر النبوة عن النساء.. حسدوه على كثرة نسائه» 


وعابوه بذلك» وقالوا: لو كان نبيا ما رغب في كثرة النساء» فأكذ الله تعالى) )١(‏ 


م 

قال آخر("©: وقالوا في تفسير قوله تعالى: #فَمَدُ آتينا آل إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالَكْمَة 4 
[النساء: 04] (يعني بالحكمة: النبوة» #وَاتَينَاهُمْ مُلّكًا عَظِيَ# [الساء: 04] فأخبرهم با كان 
لداود وسليمان» عليه السلام من النساء يوبخهم بذلكء فأقرت اليهود لرسول الله 2 أنه 
اجتمع عند سليان ألف امرأة» ثلثائة مهرية» وسبعمائة سرية» وعند داود عليه السلام مائة 
امرأة» فقال لهم رسول الله #: (ألف امرأة عند رجل» وماثة امرأة عند رجل أكثر» أو تسع 


نسوة؟) وكان يومئذ تسع نسوة عند رسول الله #» فسكتوا7”". 


١١١ /5 ونسبه ابن الجوزي زاد المسير‎ »١5٠ /5 ("؟) الطبري في جامع البيان‎ . 1١57 /4 ابن سعد في الطبقات الكبرى‎ )١( 
لابن عباس.‎ )1417" /١١( تفسير الثعلبي‎ )١( 


5080 


سس 6 مله ىس سه 


قال آآخر#.ومتها الروانات المقسرة لقوله تعال: أوَلَنَد فنا سلبان وَالْقَيْدًا 12[ 
كُرْسِيّه جَسَدَا نّم أنَاتَ4 (ص:4+» فقد كانت هذه الآية الكريمة فرصة كبيرة لهم» 
ليعبثوا بمعناها ى) يحلو لحم.. مع أنه كان يمكنهم أن يفهموها وفق الأوصاف التي ذكرها 
القرآن الكريم» أو كان يمكنهم أن يفوضوا علمها لله تعالى.. أو يمروها كما جاءت. كما يذكرون 
في الصفاتء ويجعلون حكايتها تفسيرهاء وتفسيرها حكايتها. 

قال آخر: وكان في إمكانهم أن يفسروها با فسرها به بعضهم من أنه كان لسليمان عليه 
السلام ولد شاب ذكيء وكان يحبّه حبّاً شديدا» فأماته الله على بساطه فجأة بلا مرضء اختباراً من 
الله تعالى له» وابتلاءً لصبره في إماتة ولده» وألقى جسمه على كرسيّه(70). 

قال آخر: لكنهم لم يفعلوا.. لأن هذه القصة ليس فيها أي جوانب إثارة.. بالإضافة إلى أنه 
ليس فيها أي امرأة واحدة» وهم لا يحبون القصص التي لا تحوي على النساء من الحرائر 
والجواري.. ولذلك أو إلى اليهود, ليلبوا لهم رغبتهم.. وقد وجدوا عندهم ذلك, فقد حكوا 
لهم قصصا في تفسير الآية الكريمة تحول من سليمان عليه السلام» ذلك العبد الأواب الخاشع 
الخاضع المتواضع إلى زير نساء.. لاهم له إلا النساء حتى لو كان على حساب القيم النبيلة التي ما 


استخلفه الله إلا لتوفرها فيه. 


قال آخر: ومن تلك القصص ما حدث به وهب بن منبه(27» حيث ذكر أن سليمان 


.99 تنزيه الأنبياء للشريف المرتضى:‎ )١( 

(؟) قال فيه ابن كثير [تفسير القرآن العظيم 4/ 447 *97] بعد أن أورد عدة 
روايات ومنها عن ابن عباس وهي قول السدي ‏ قال: (لكن الظاهر أنه إن تلقاه 
ابن عباس إن صح عنه ‏ من أهل الكتاب وفيهم طائفة لا يعتقدون نبوة سلييان 
عليه الصلاة والسلام» فالظاهر أخهم يكذبون عليه» ولذا كان في السياق منكرات 
من أشدها ذكر النساءء فإن المشهور عن مجاهد وغير واحد من أئمة السلف أن 
ذلك الجني لم يسلط على نساء سليهان بل عصمهن الله سبحانه وتعالى منه تشريفا 
وتكريما لنبيه عليه السلام؛ وقد رويت هذه القصة مطولة عن جماعة من السلف. 


كسعيد بن المسيب وزيد بن أسلم وجماعة آخرين وكلها متلقاة من قصص أهل 
الكتاب والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب) 

وقال الشنيقيطي في [أضواء البيان 5/ 865]: وما يذكره المفسرون في تفسير 
قوله تعالى: لوَلَقَدْ قبن سْلَيّانَ4 [ص: 4 ] الآية» من قصة الشيطان الذي أخذ 
الخاتم وجلس على كرسي سليهان» وطرد سليهان عن ملكه. حتى وجد الخاتم في 
بطن السمكة التي أعطاها من كان يعمل عنده بأجر مطرودا عن ملكه إلى آخر 
القصة, لا يخفى أنه باطل لا أصل له وأنه لا يليق بمقام النبوة» فهو من 
الإسرائيليات التي لا يخفى أنها باطلة. 


3 





عليه السلام سمع بمدينة في جزيرة من جزائر البحر يقال لها [صيدون] لها ملك عظيم 
الشأن لم يكن للناس إليه سبيل لمكانه في البحرء وكان الله قد أتى سليان عليه السلام سلطانا 
لا يمتنع عليه شيء في بر ولا بحر إن| يركب إليه الريح» فخرج إلى تلك المدينة تحمله الريح 
على ظهر الماء حتى نزل بها جنوده من الجن والإنس فقتل ملكها واستبى ما فيها وأصاب 
فيا أصاب بنتا لذلك الملك يقال لها جرادة» لم ير مثلها حسنا وجمالاء فاصطفاها لنفسه 
ودعاها إلى الإسلام فأسلمت على جفاء منها وقلة فقه» وأحبها حبا لم يحبه شيئا من نسائه» 
وكانت على منزلتها عنده لا يذهب حزنها ولا يرقأ دمعهاء فشق ذلك على سليمان فقال لها: 
ويحك ما هذا الحزن الذي لا يذهب والدمع الذي لا يرقاً!؟ قالت: إن أبي أذكره وأذكر 
ملكه وما كان فيه وما أصابه فيحزنني ذلكء قال سليمان عليه السلام: فقد أبدلك الله به 
ملكا هو أعظم من ملكه وسلطانه هو أعظم من سلطانه» وهداك للإسلام وهو خير من 
ذلك كله قالت: إن ذلك لك, ولكني إذا ذكرته أصابني ما ترى من الحزنء فلو أنك أمرت 
الشياطين فصوروا صورته في داري التي أنا فيها أراها بكرة وعشيا لرجوت أن يذهب ذلك 
حروواه سال عي بعق يما جد بلسي : 

قال آخر(: ثم ذكر أن سليمان عليه السلام أمر الشياطين فقال: مثلوا ها صورة أبيها 
في دارها حتى لا تنكر منه شيئاء فمثلوه لما حتى نظرت إلى أبيها إلا أنه لا روح فيه فعمدت 
عليه حين صنعوه فأزرته وقمصته وعممته وردته بمثل ثيابه التي كان يلبس»ء ثم كانت إذا 


وقال أبو حيان وغيره: (إن هذه المقالة من أوضاع اليهود وزنادقة هذا ببتان عظيم وخطب جسيم ونسبة الخبر إلى ابن عباس لا تسلم صحتهاء وكذا 
السوفسطائية ولا ينبغي لعاقل أن يعتقد صحة ما فيهاء وكيف يجوز تمثل الشيطان لا تسلم دعوى قوة سنده وإن قال بها من قال) انظر: روح المعاني للألوسي 7”/ 
بصورة نبي حتى يلتبس أمره عند الناس ويعتقدوا أن ذلك المتصور هو النبي» ولو ,», وهامش تفسير الثعلبي (؟75؟/ 0178 
أمكن وجود هذا لم يوثق بإرسال نبي» نسأل الله تعالى سلامة ديننا وعقولناء ومن )١(‏ تفسير الثعلبي (5؟/ 587) 


أقبح ما فيه زعم تسلل الشيطان على نساء نبيه حتى وطئهن وهن حيضء الله أكبر 


لسر 





تصنع به في ملكه وتروح كل عشية بمثل ذلك» وسليان عليه السلام لا يعلم شيئا من ذلك 
أربعين صباحاء 
قال آخر: هذا هو الجزء الأول من القصة» وهو يظهر سليمان عليه السلام بصورة المتسلط 
الظالم الجبارء الذي يتسلط على غيره من الملوك» ثم يأسر بناتهم.. ثم يطلب منهن أن يتعاملن معه 
بلطف مع أنه هو الذي قتل والدهن.. وكل هذا كان مما تقبله عقولنا وبسهولة» لأنه لا قيم ثابتة 
عندنا. 
قال آخر(2: وكما أن رواياتنا تظهر الصحابة أعظم وأحكم من رسول الله ##» فقد 
اجتهد الرواة هنا أيضا أن يجعلوا من صاحب سليان عليه السلام أعلم وأحكم, وقد ذكر 
ذلك وهبء. وهو يحكي قصة الجسد الملقى على الكرسيء فقال: (وبلغ ذلك آصف بن برخيا 
وكان صديقا وكان لا يرد عن باب سليان» أي ساعة أراد دخول شيء من بيوته دخل 
حاضرا كان سليمان أو غائباء فآتاه وقال: يا نبي الله كبرت سني ورق عظمي ونفد عمري 
وقد حان مني ذهاب وقد أحببت أن أقدم مقاما قبل الموت أذكر فيه من مضى من أنبياء الله 
فآثني عليهم بعلمي فيهم وأعلم الناس بعض ما كانوا يجهلون من كثير من أمورهم, فقال: 
افعل. 
قال آخر(": ثم ذكر أن سليمان عليه السلام جمع له الناس» فقام فيهم خطيبا فذكر 
من مضى من أنبياء الله فآثنى على كل نبي با فيه وذكر ما فضله الله به حتى انتهى إلى سليمان 
عليه السلام فقال: ما كان أجملك في صغرك وأروعك في صغرك وأفضلك في صغرك 
وأحكم أمرك في صغرك وأبعدك من كل مكروه في صغرك ثم انصرفء فوجد سليان في 
نفسه من ذلك حتى تقلى غضباء فلا دخل سليمان داره أرسل إليه فقال: يا آصف ذكرت من 


)07* 5 /717( تفسير الثعلبي‎ )١( 20174 تفسير الثعلبي (؟؟/‎ )١( 


51 





مضى من أنبياء الله فآثنيت عليهم خيرا في كل زمانهم وعلى كل حال من أمرهم, فل| ذكرتني 
جعلت تثني علي بخير في صغري» وسكت عما سوى ذلك من أمري وكبري فا الذي 
أحدثت في آخر عمري!؟ قال: إن غير الله ليعبد في دارك منذ أربعين صباحا في هوى امرأة» 
فقال: في داري! قال: في دارك» فقال: إنا لله وإنا إليه راجعونء لقد عرفت أنك ما قلت 
الذي قلت إلا عن شيء بلغك. 

قال آخر(©: ثم ذكر أن سليمان عليه السلام رجع إلى داره وكسر ذلك الصنم وعاقب 
تلك المرأة وولائدها ثم أمر بثياب الطهرة فأتي مها ثياب لا يغزها إلا الأبكار ولم تسمها امرأة 
ذات دم فلبسها ثم خرج إلى فلاة من الأرض وحلده فأمر برماد ففرش له. ثم أقبل تائبا إلى 
الله عز وجل حتى جلس على ذلك الرماد وتمحك فيه بثيابه تذللا لله عز وجل وتضرعا إليه» 
يبكي ويدعو ويستغفر با كان في داره ويقول فيما يقول: رب ماذا ببلائك عند آل داود أن 
يعبدوا غيرك وأن يقروا في دورهم وأهاليهم عبادة غيرك فلم يزل كذلك يومه حتى أمسى 
ثم رجع إلى دراه وكانت أم ولد له يقال لها: الأمينة كان إذا دخل مذهبه وأراد إصابة امرأة 
من نسائه وضع خاتقه عندها حتى يتطهر وكان لا يلمس خاتمه إلا وهو طاهر وكان ملكه 
في خاتمه. 

قال آخر(": ثم ذكر أن سليمان عليه السلام وضع خاتمه يوما من تلك الأيام عندها 
كما كان يضعه ثم دخل مذهبه. وأتاها الشيطان صاحب البحرء وكان اسمه صخرا على 
صورة سليمان عليه السلام لا تنكر منه شيئا فقال: يا أمينة خاتميء فناولته إياه فجعله في يده. 
ثم خرج حتى جلس على سرير سليهان وعكفت عليه الطير والجن والإنس» وخرج سليهان 
عليه السلام فأتى الأمينة وقد غيرت حاله وهيئته عند كل من رآه؛ فقال: يا أمينة خاتمي! 


)075 /77( تفسير الثعلبى (75/ 070) (؟) تفسير الثعلبى‎ )١( 


ارحدن 





فقالت: ومن أنت. قال: أنا سليمان بن داود» فقالت: كذبت لست سليمان بن داود وقد جاء 
سليمان فأخذ خاتمه وهو جالس على سريره في ملكه فعرف سليان عليه السلام أن خطيئته 
قد أدركته فخرج فجعل يقف على الدار من دور بني إسرائيل» فيقول: أنا سليمان بن داود» 
فيحثون عليه التراب ويسبونه ويقولون: انظروا إلى هذا المجنون أي شيء يقول, يزعم أنه 
سليهان بن داود. فلم| رأى سليمان ذلك عمد إلى البحر فكان ينقل الحيتان لأصحاب البحر 
إلى السوق فيعطونه كل يوم سمكتين فإذا أمسى باع إحدى سمكتيه بأرغفة وشوى 
الأخرى فأكلها. 

قال آخر<(): ثم ذكر أن سليمان عليه السلام مكث بذلك أربعين صباحا عدة ما كان 
عبد ذلك الوثن في داره» فأنكر آصف وعظء بني إسرائيل حكم عدو الله الشيطان في تلك 
الأربعين اليوم؛ فقال آصف: يا معشر بني إسرائيل هل رأيتم من اختلاف في حكم ابن 
داود ما رأيت!؟ قالوا: نعم» قال: أمهلوني حتى أدخل على نساته فأسألهن هل أنكرن منه في 
خاصة أمره ما أنكرناه في عامة الناس» فدخل على نسائه فقال: ويحكنء هل أنكرتن من أمر 
ابن داود ما أنكرنا!؟ فقلن: أشده. ما يدع امرأة منا في دمهاء ولا يغتسل من جنابة» فقال: 
إنا لله وإنا إليه راجعون. إن هذا طو البلاء المبين» ثم خرج إلى بني إسرائيل فقال: ما في 
الخاصة أعظم مما في العامة. 

قال آخر("©: ثم ذكر أنه لما مضى أربعون صباحا طار الشيطان عن مجلسه ثم مر 
بالبحر فقذف الخاتم فيه فبلعته سمكة وأخذها بعض الصيادين وقد عمل له سليمان عليه 
السلام صدر يومه ذلك حتى إذا كان العشي أعطاه سمكتيه» فأعطي السمكة التي أخذت 
الخاتم» وخرج سليان بسمكتيه فباع التي ليس في بطنها الخاتم بالأرغفة ثم عمد إلى 


)01"1/ تفسير الثعلبي (؟1”/‎ )١( تفسير التعلبى (77/ 85ه)‎ )١( 


533 





السمكة الأخرى فبقرها ليشويها فاستقبله خاته في جوفها وأخذه فجعله في يده ووقع 
ساجدا وعكفت عليه الطيور والجن وأقبل عليه الناس» وعرف أن الذي كان دخل عليه 
أحدث في داره» فرجع إلى ملكه. وأظهر التوبة من ذنبه وأمر الشياطين فقال: أتونٍ بصخرء 
وطلبته له الشياطين حتى أخذته فأتي به فجاب له صخرة فأدخله فيها ثم شد عليه بأخرى. 
ثم أوثقها بالحديد والرصاص ثم أمر به فقذف في البحر. 

قال آخر(21: هذه هي الرواية كما رواها وهب بن منبه» وهناك رواية قريبة منها رواها 
السديء جاء فيها: كان لسليمان عليه السلام ماثة امرأة وكانت امرأة منهن يقال لها جرادة 
وهي آثر نسائه وآمنهن عنده كان إذا أجنب وأتى حاجة نزع خاتمه ولم يأمن عليه أحدا من 
الناس غيرها فجاءته يوما من الأيام فقالت له: إن أخي بينه وبين فلان خصومة وأنا أحب 
أن تقضي له إذا جاءك» فقال: نعم» ولم يفعل فابتلي بقوله. فأعطاها خاتمه ودخل المخرج. 

قال آخر("): ثم ذكر أن الشيطان خرج في صورته فقال لما: هاتي الخاتم فأعطته فجاء 
حتى جلس على مجلس سليان عليه السلام» وخرج سليان بعد فسأها أن تعطيه خاتمه 
فقالت: ألم تأخذه قبل! قال: لاء وخرج مكانه تائها ومكث الشيطان يحكم بين الناس أربعين 
يوما فأنكر الناس حكمه واجتمع قراء بني إسرائيل وعلماؤهم فجاءوا حتى دخلوا على 
نساته فقالوا: إنا قد أنكرنا هذا فإن كان سليمان فقد ذهب عقله وأنكرنا أحكامه؛. فبكى 
النساء عند ذلك» قال: فأقبلوا يمشون حتى أتوه فأحدقوا به ثم نشروا التوراة فقرأوها فل| 
قرأوا التوراة طار من بين أيديهم حتى وقع على شرفة والخاتم معه ثم طار حتى ذهب إلى 
البحر فوقع الخاتم منه في البحر فابتلعه حوت. 


)04 /77( تفسير الثعلبى (؟75/ 09178) (؟) تفسير الثعلبى‎ )١( 


776 





قال آخر(1): ثم ذكر سليمان عليه السلام أقبل في حاله التي كان فيها حتى انتهى إلى 
صيادي البحر وهو جائع وقد اشتد جوعه فاستطعم من صيدهم وقال: إني أنا سليان فقام 
إليه بعضهم فضربه بعصا فشجه. فجعل يغسل دمه وهو على شاطئ البحرء فلام الصيادون 
صاحبهم الذي ضربه؛ وقالوا: بئس ما صنعت حيث ضربته» فقال: إنه زعم أنه سليمان 
فأعطوه سمكتين ما قد مذر» عندهمء فلم شغله ما كان له من الضربء حتى قام إلى شط 
البحر فشق بطونها وجعل يغسلها فوجد خاتمه في بطن إحداهما فأخذه فلبسه فرد الله عليه 
ملكه وبهاءه» وجاءت الطير حتى حافت عليه فعرف القوم أنه سليمان فقاموا يعتذرون ما 
صنعوا فقال: ما أحمدكم على عذركم ولا ألومكم على ما كان منكم, هذا أمر لابد منه ثم 
جاء حتى أتى ملكه وأمر حتى أتي بالشيطان الذي أخذ خاتمه وجعله في صندوقء ثم أطبق 
عليه وأقفل عليه بقفل وختم عليه بخاقه. ثم أمر به فألقي في البحر وهو حي كذلك حتى 
الساعة. 

قال آخر(): ومن الروايات التي ذكروها في تفسير الآية الكريمة أن سليمان عليه 
السلام لما افتتتن سقط الخاتم من يده وكان فيه ملكه فأخذه سليان فأعاده إلى يده» فسقط 
من يده فلم| رآه سليمان عليه السلام لا يثبت في يده أيقن بالفتنة» وأن آصف قال لسليمان 
عليه السلام: إنك مفتون بذنبك والخاتم لا يتعاسك في يدك أربعة عشر يوما ففر إلى الله تائبا 
من ذنبك» وأنا أقوم مقامك وأسير في عالمك وأهل بيتك بسيرتك إلى أن يتوب الله عليك 
ويردك إلى ملكك. ففر سليمان عليه السلام هاربا إلى ربه» وأخذ آصف الخاتم فوضعه في 


يذه فثبت. 


006 /75( تفسير الثعلبي (1؟/ 20 (1) تفسير الثعلبي‎ )١( 


ادل 





قال آخر(١»:‏ وذكروا بحسب هذه الرواية أن االجسد الذي قال الله تعالى فيه : #وَأَلْمَيْنا 
عَلَ كُرْسِيّه جَسَدَاك [ص: .1 كان هو آصف كاتب سليمان عليه السلام وكان عنده علم من 
الكتاب. فقام آصف في ملك سليان عليه السلام وعالمه يسير بسيرته ويعمل بعمله أربعة 
عشر يوما إلى أن رجع سليمان عليه السلام إلى منزله تائبا إلى الله عز وجل ورد الله عليه 
ملكه؛ فقام آصف من مجلسه وجلس سليان عليه السلام على كرسيه» وأعاد الخاتم في يده 

قال آخر: وهكذا أصبحت تلك الآية الكريمة مطية لكل من يريد أن يخترع حكاية 
أو أسطورة لا ليتسلى بها فقطء وإنم| ليشوه بها أنبياء الله» ويشوه معها كل القيم العظيمة التي 
جاغوابيا: 

قال آخر: ولم يكتفوا بهذاء بل راحوا إلى الكرسي المذكور في الآية الكريمة ليجعلوه 
وسيلة ليرموا سليان عليه السلام بالترف والبذخ الذي يقع فيه الملوك» فقد ذكروا أن 
(سليمان عليه السلام لما ملك بعد أبيه أمر باتخاذ كرسي ليجلس عليه للقضاءء وأمر أن يعمل 
بديعا ومهولا بحيث أن لو رآه مبطل أو شاهد زور ارتدع وتبيب) 227 

قال آخر("): ثم ذكروا صفته. وكأ:هم شاهدوه رأي العين.. فقد ذكروا أنه عمل له 
كرسي من أنياب الفيلة» وفصصوه بالياقوت واللؤلؤ والزبرجد وأنواع الجواهر وحففوه 
بأربع نخلات من ذهب شماريخها الياقوت الأحمر والزمرد الأخضر على رأس نخلتين منها 
طاووسان من ذهب وعلى رأس الآخريين نسران من ذهب بعضها مقابل لبعضء وجعلوا 


من جنبتي الكرسي أسد من ذهب على رأس كل واحد منها عمود من الزمرد الأخضرء وقد 


)001 /71( (؟) تفسير الثعلبي‎ )041١ تفسير الثعلبى (؟75/‎ )١( 
تفسير الثعلبي (75/ 6ه‎ )١( 


7 1/ 


عقدوا على النخلات أشجار كروم من الذهب الأحمرء واتخذوا عناقيدها من الياقوت 
الأحمر بحيث أظل عريش الكرم النخل والكرمي. 

قال آخر(2©: ثم ذكروا أن سليمان عليه السلام إذا أراد صعوده وضع قدميه على 
الدرجة السفلى فيستدير الكرسي كله با فيه دوران الرحى المسرعة وتنشر تلك النسور 
والطواويس أجنحتها ويبسط الأسدان أيديها فيضربان الأرض بأذنابهاء وكذلك يفعل في 
كل درجة يصعدها سليمان عليه السلام فإذا استوى بأعلاه أخذ النسران اللذان على 
النخلتين تاج سليهان فوضعاه على رأس سليان عليه السلام ثم يستدير الكرسي ب| فيه 
ويدور معه النسران والطاووسان والأسدان مائلات برؤوسها إلى سليمان عليه السلام 
ينضحن عليه من أجوافها المسك والعنبر ثم تناوله حمامة من ذهب قائمة على عمود من 
جوهر من أعمدة الكرسي التوراة فيفتحها سليان عليه السلام ويقرؤها على الناس 
ويدعوهم إلى فصل القضاء. 

قال آخر(": ثم ذكروا كيف يجلس عظأء بني إسرائيل على كراسي الذهب المفصصة 
بالجواهر ‏ وهي ألف كرمي عن يمينه ‏ ويجيء عظماء الجن وتجلس على كراسي من الفضة 
على يساره وهو ألف كرسي حافين جميعا به ثم يحف بهم الطير يظلهم ويتقدم إليه الناس 
للقضاء. فإذا دعي بالبينات وتقدمت الشهود لإقامة الشهادات دار الكرسي ب فيه من جميع 
ما حوله دوران الرحى المسرعة» ويبسط الأسدان أيديه| ويضربان الأرض بأذناه| وينشر 
النسران والطاووسان أجنحتهاء فيفزع منها الشهود ويدخلهم من ذلك رعب شديد, فلا 
يشهدون إلا بالحق. 

قال آخر: ولم يكتفوا بكل هذا لتشويه سليهان عليه السلام» فهم يعلمون أن وهب 


)007 /717( تفسير الثعلبى‎ )١( )001١ /55( تفسير الثعلبي‎ )١( 


71 





بن منبه والسدي وغيرهما لن تصل أحاديثهم إلى رتبة الأحاديث النبوية» فلذلك راحوا 
يدسون في حديث رسول الله يي ما يشوه سليمان عليه السلام أعظم تشويه. 

قال آخر: فقد روى البخاري ومسلم وهما ‏ عند شيوخنا أكثر حرمة من القرآن 
الكريم نفسه ‏ عن رسول الله # أنه قال: (قال سليمان بن داود: لأطوفن الليلة على مائة 
امرأة ‏ أو تسع وتسعين ‏ كلهن يأتي بفارس يجاهد في سبيل الله» فقال له صاحبه: قل: إن 
شاء الله» فلم يقل: إن شاء الله فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجلء والذي 
نفس محمد بيده لو قال: إن شاء الله الجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون) 27 

قال آخر: وهم يستدلون بهذا الحديث في مواضع كثيرة» أهمها تلك القوة الغرائزية 
العظيمة التي لا يمكن تصورهاء والتي وهبها الله في تصورهم ‏ للأنبياء عليهم السلام.. 
ربا هدية لهم على الجهود التي يقومون بها في الدعوة إلى الله» ولذلك نراهم يذكرون للأنبياء 
النساء الكثيرات كما في هذا الحديث» وإن كان الخلاف قد وقع في عدد نسوته بالضبط» لأن 
أبا هريرة أو رواة الحديث لم يضبطوا عددهن جيداء فمرة يذكرون أخبن مائة» وتارة أبن 
تسعون؛ وتارة أهن سبعون» وتارة أبن ستون. 

قال آخر: ومع ذلك فقد حاول شيوخنا أن يجدوا حلا لتلك الأعداد المتناقضة 
المتضاربة.. بل إن أكبر هيئة دينية في السعودية» وهي اللجنة الدائمة للفتوى تولت التحقيق 
في ذلك» وقد نصوا على نتائج التحقيق» فقالوا ‏ ردا على من رمى الحديث بالاضطراب .: 
(الحديث المضطرب: هو الذي روي من طرق مختلفة متساوية في القوة» ولم يمكنه الجمع 
بينهماء أما إن كان بعضها أقوى أو أمكن الجمع فلا اضطرابء وعلى هذا فلا يعتبر 
الاختلاف في عدد النساء في الحديث المسؤول عنه اضطرابا يرد به الحديث لأمرين: رجحان 


)005707/7( سئن النسائي (38171)» مسند أحمد بن حنبل‎ :)١155( صحيح البخاري (754175)» صحيح مسلم‎ )١( 


550 





الرواية التي ذكر فيها أن عددهن تسعونء فقد قال البخاري في صحيحه: قال شعيب وأبو 
الزناد: تسعين» وهو أصح. إمكان الجمع بين هذه الروايات» وقد ذهب إلى ذلك ابن حجر 
في كتابته على هذا الحديث في الباب الذي ذكرته في السؤالء قال رحمه الله: (فمحصل 
الروايات ستون وسبعون وتسعون وتسع وتسعون وماثئة» والجمع ينها :أن الشين كن 
حرائر» وما زاد عليهن كن سراري أو بالعكسء وأما السبعون فللمبالغة» وأما التسعون 
والمائة فكن دون المائة وفوق التسعين» فمن قال: تسعون. ألغى الكسرء ومن قال: مائة» 
جبرهء ومن ثم وقع التردد في رواية جعفر)(7)22") 

قال آخر: وهكذا استطاعوا أن يحل مشكلة العدد مبذه الطريقة.. لكن المسألة 
الأخرى التي عرضت هم., والتي وردهم السؤال بشأنها أخطر. وصاحبها ربم| يكون قد 
استعمل عقله. فقد قال لهم سائلا: ( ولا ريب في صحة هذا الحديث باعتبار الرواة 
والإسناد. ولكن مفهوم الحديث خلاف للعقل والشعور صريحاء ومفهومه يعلن ويجهر أن 
النبي # ما قال هكذا كما نقل الراويء بل ذكر النبي ## من أباطيل وخرافات اليهود مثالاء 
وفهم الراوي أن النبي 27 قاله بيانا واقعيا؛ لأن كل إنسان إن حاسب في نفسه فوضح عليه 
أن فرض عدد الأزواج ستون .٠١‏ إن باشرهن سليمان عليه السلام في ساعة * أزواج 
باشرهن كل الليل بغير توقف متواليا عشر ساعة؛ فهل هذا ممكن عقلا؟)7) 

قال آخر: لكن اللجنة الدائمة للفتوى با لديها من عقول جبارة استطاعت أن تحل 
هذه المشكلة أيضاء وبكل سهولة» فقد قالوا جوابا للسائل: (دعوى مخالفة هذا الحديث 


للعقل الصريح دعوى باطلة؛ لبناتها على قياس الناس بعضهم على بعض في الصحة. وقوة 


(1) فتح الباري (5/ 550. (") فتاوى اللجنة الدائمة (5/ 795) 


(١؟)‏ فتاوى اللجنة الدائمة (5/ 90؟) 


00 


البدن» والقدرة على الجماع» وسرعة الإنزال وبطئه» وهو قياس فاسد لشهادة الواقع 
بتفاوتهم فيه| ذكر وفي غيره وخاصة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالنسبة لغيرهم» فقد 
أوتوا من قوة البدن والقدرة على الجاع مع كمال العفة وضبط النفسء وكبح جماح الشهوة 
مالم يؤت غيرهم» فكانت العفة وصيانة الفرج عن قضاء الوطر في الحرام مع القدرة على 
الجماع وقوة دواعيه معجزة لهم عليهم الصلاة والسلام» وكان من السهل على أحدهم أن 
يطأ عشر نسوة في ساعة ومائة امرأة في عشر ساعات أو أقل» لتحقق الاختصاص بالقوة» 
وإمكان الإنزال في حمس دقائق أو أقل منها)(١»‏ 

وقال آخر: لآن عقول الحشوية لا تحن لشيء كما تحن لكثرة النقول» وخاصة من 
الأئمة الحفاظ البارعين» فقد نقلوا له ما يكبح جماح عقله عن التفكير» فذكروا له من أقوال 
أعلام السلف والخلف ما يدل على إجماعهم على القوة الجبارة التي وهبت للنبي في هذا 
الجانب. 

قال آخر: ومن تلك النقول ما نقلوه عن العيني أنه قال: (وفيه ما كان الله تعالى خص 
به الأنبياء من صحة البنية وكال الرجولية» مع ما كانوا فيه من المجاهدات في العبادة» 
والعادة ‏ في مثل هذا لغيرهم ‏ الضعف عن الجاع لكن خرق الله تعالى لحم العادة في 
أبدانهم»ى] خرقها لهم في معجزاتهم وأحوالهم» فحصل لسليان عليه الصلاة والسلام من 
الإطاقة أن يطأ في ليلة مائة.. وليس في الأخبار ما يحفظ فيه صريحاً غير هذا إلا ما ثبت عن 
نه أعطي قوة ثلاثين رجلاً في الجماع (»... وكان إذا صلى الغداة دخل 
على نسائه فطاف عليهن بغسل واحد ثم يبيت عند التي هي ليلتها(©, وذلك لأنه كان قادراً 


ع 


سيدنا رسول الله # | 


)5757( رقم‎ )577 / ١( فتاوى اللجنة الدائمة (5/ 95؟) في صحيحه:‎ )١( 
)1775( (؟) رواه عبد الرزاق في مصنفه: (1/ /001) رقم (150017)» وابن خزيمة (”) صحيح ابن خزيمة: (0 / 37 ؟) رقم‎ 


لا 


على توفية حقوق الأزواج وليس يقدر على ذلك غيره مع قلة الأكل)(2 

قال آخر: وهكذا استطاعوا أن يجيبواعما ورد في الحديث من ذلك الجزم من سليمان 
عليه السلام» من غير إرجاع الأمر لله مع تذكير الملاك أو غيره له» والذي قد يوهم بأن هبة 
الولد ليست لله» وإن| هي نتيجة الطواف ‏ كىم| ورد في الحديث ‏ فقد نقلوا عن الطبري قوله: 
(إن النسيان على وجهين: أحدهما: على وجه التضييع من العبد والتفريط.. والآخر: على 
وجه عجز الناسي عن حفظ ما استحفظ ووكل به وضعف عقله عن احتماله.. فأما الذي 
يكون من العبد على وجه التضييع منه والتفريط» فهو ترك منه لما أمر بفعله» فذلك الذي 
يرغب العبد إلى الله في تركه مؤاخذته به» وهو النسيان الذي عاقب الله به آدم صلوات الله 
عليه فأخرجه من الحنة)() 

قال آخر: ونقلوا عن العيني قوله: (قوله (فلم يقل إن شاء الله): فلم يقل سليمان إن 
شاء الله بلسانه» لا أنه غفل عن التفويض إلى الله تعالى بقلبه» فإنه لا يليق بمنصب النبوة» 
وإنما هذا كما اتفق لنبينا لما سئل عن الروح والخضر وذي القرنين فوعدهم أن يأتي بالجواب 
غدا جازما با عنده من معرفة الله تعالىم» وصدق وعده. في تصديقه وإظهار كلمته؛ لكنه 
ذهل عن النطق بها لا عن التفويض بقلبه» فاتفق أن يتأخر الوحي عنه ورمي ب| رمي به 
لأجل ذلك)20 

قال آخر: ونقلوا عن ابن الجوزي قوله في بيان فضل الاستثناء: (وهذه الكلمة لما 
أهمل ذكرها سليمان في قوله (لأطوفن الليلة على ماثة امرأة تلد كل امرأة غلاماً) لم يحصل له 
مقصوده. وإذا أطلقت على لسان رجل من يأجوج ومأجوج فقال (غداً يحفر السد إن شاء 


)1147 7547 /571( 40-7545؟) (؟) عمدة القاري:‎ /17١( عمدة القاري:‎ )١( 


(؟) جامع البيان: (5 / 21708 


7 


الله) نفعتهم فقدر على الحفرء فإذا فات مقصود نبي بتركها وحصل مراد كافر بقواء 
فليُعرف قدرهاء وكيف لا وهي تتضمن إظهار عجز البشرية وتسليم الأمر إلى قدرة 
الربوبية) 217 

قال آخر: ولو أن هؤلاء جميعا راحوا يبحثون في القرآن الكريم عن كيفية طلب 
الأنبياء عليهم الصلاة والسلام للولد» وهل كان ذلك بالطريقة التي وردت في هذا 
الحديثء أم أنهم كانوا متواضعين جدا أمام رمهم سبحانه وتعالى» يعلمون أن الولد وغير 
الولد هبة من الله لا يمكن لأحد أن يزعم أنه من دون الله يمكن أن ينال هذه الهبة العظيمة. 

قال آخر: أجل.. فلو رجعوا إلى القرآن الكريم لوجدوا إبراهيم عليه السلام» وبعد 
تلك المعاناة الشديدة التي واجهه بها قومه. وبعد بلوغه من الكبر عتياء يتوجه إلى الله بحياء 
عظيم يطلب منه أن يرزقه من الصا حين.. ولم يحدد لا عددا ولا نوعا.. يكفي فقط أن يكون 
من الصا حينء كما قال تعالى: #وَقَالَ إن ذَ ذَاهِبٌ إِلَ ري سَيَهْدِينِ رب هَبْ لي مِنَ الصَّاخينَ 
شنا بغْلَام حَلِيمٍ4 [الصافات: 0/4 ] 

قال آخر: وهكذا لو رجعوا إلى القرآن الكريم لوجدوا زكريا عليه السلام يقف نفس 
موقف جده إبراهيم عليه السلام» يطلب من الله الولد بتواضع وحياء عظيمء قال تعالى: 
مَُالِكَ دَعَا زكري رَبَّهُ قَالَ ل 0 
اللَائِكَةٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلّ في المُخْرَابٍ أن الله يبوك بِيَحْيَى مُصَدٌ , 
وَحَصُورًا وبين من الصَّاحِينَ © [آل عمران: 8 94*] 

قال آخر: بل إن القرآن الكريم يشير إلى احترام أنبياء الله لسنن الله في الولد 
كاحترامهم لغيرهم من السنن» ولذل كلما بشرت الملائكة زكريا عليه السلام أجاءهم: #رَبٌ 


8 


مُصَدَكَا بَكَلِمَةٍ من الله وَسَيدَا 


)79737 / ١( كشف المشكل من حديث الصحيحين:‎ )١( 
رفي‎ 





نَى يَكُونَ لي عُلَامٌ وَقَدْبَلمَِيَ الْكِبرُ وَامْرأنٍ عَاقِرٌة [العمران: ]4٠‏ 

قال آخر: وهكذا لو رجعوا إلى القرآن الكريم لوجدوا سليان عليه السلام العبد 
الشكورء وهو يلجا إلى الله كل حين, لا يغفل عنه أبدا.. فكيف يغفل عنه» وهو يطلب وفي 
ليلة واحدة أن يرزق ماثة ولد كلهم يعر يعيش إلى أن يجاهد في سبيل الله. 

قال آخر: إن هذا التألي على الله يستحيل على عوام الناس من المسلمين» فكيف يقع 
من عبد شكور أواب ممتلئ بالطاعة لله والعبودية لله. 

قال آخر: هذه هي صورة الأنبياء عند شيوخناء وهي صورة لا تختلف عن صور 
الملوك والمتكبرين والمتجبرين الذين يباهون بكثرة النساء والجواريء ولعله لأجل هذا لا 
نستغرب أن يجمع شيخنا وإمامنا الطبري» ني اسم تاريخه بين الرسل والملوك» حيث سماه 
[تاريخ الرسل والملوك]» فالرسل بحسب تصوراتهم ليسوا سوى ملوك.. وهذا هم يحبون 
الملوك» ويجلونهم» ويقدرونهم, ويحرمون نقدهم, أو الحديث عنهم, لأنهم لا يختلفون عن 
الرسل إلا في ناحية واحدة ‏ بحسب الرؤية السلفية .هي ذلك الوحي الذي ينزل من السماء 
عليهم. 

قال آخر: وهكذا انطلق شيوخنا إلى الآيات الواردة في قصة سليان عليه السلام مع 
ملكة سبأء والتي تذكر منهجه في دعوتها إلى الله» إلى تشويهه من خلالهاء والإساءة إلى كل 
القيم النبيلة التي جاء بها 

قال آخر: تبداً الآيات الكريمة ‏ التي حرف شيوخنا معناها ‏ بحكاية ال هدهد عن 
ملكة سبأ التي وجدها وقومها يسجدون للشمس من دون الله» | قال تعالى: إن وَجَدْتَ 
افأة تلكو وأووقش ين كل قاو وها عر عَم وَكَذنها وَعَرْمَها يشخذوة ادنس 
مِنْ دُونٍ الله وَرَيّنَ كُمُ الشَّيْطَانْ أَعَْاهُمْ فَصَدَّهُمْ ءَ عَنِ السَّبلٍ فَهُْلَايَتَدُونَ آلَايَسْجُدُوالله 


9412 


37 


و 


الذي يخْرِجُ الْحَبْءَ ني السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضٍ وَيَعْلَمُ مَاتحْفُونَوَمَا ُعْلِنُونَ اللا إِلَهإِلَاهُوَرَبُ 
الْعَرشٍ الْعَظِيم 4 [النمل: 0605-1 فالهدهد لم يذكر جمال الملكة» ولا أصلها ولا فصلها ى| 
ذكر شيوخناء وإن| اهتم لدينها ونوع الإله الذي تعبده؛ وقد استنكر ‏ وهو هدهد . ذلك أيه| 
استنكار» فلذلك راح يشكوهم لسليان عليه السلام. 

قال آخر: وبا أن وظيفة سليمان عليه السلام هي الدعوة إلى الله» فقد أرسل إليهم 
يدعوهم إلى الحضور عنده؛ ليبلغهم دعوة ربه» كما قال تعالى: #قَالَ سَتَنْظرٌ أَصَدَفْتَ أَمْ 
كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبنَ اذْمَبْ يكتَابي هَذَا مَالْقهْ ِلَيْهمْ ُمَّتَوَلَّ عَنهُمْ فَانْظَرْ مَاذَا يَرْجعُونَ قَالَتْ 
ايها لمأي أَلْقِيَ إل كِتَابٌُ كَرِيمٌ َه منْ سُلَيَانَ وَإنَّهُ يسم اللهالرّحمَنِ الرّحيم ألا تَْلُوا عَلنَ 
وَأَتُونٍ مُمْلِعِينَ4 [النمل: 501-77 

قال آخر: وكان لذكاء ملكة سبأ دوره في ذهابها إلى سليمان عليه السلام.. وكان 
سليان عليه السلام يعرف المدخل الذي يدخل به إليها وإلى قومهاء فقد رأى حبهم 
للترف.. بدليل أنه كان لها عرش عظيم.. فلذلك راح يبين لهم أنهم بإسلامهم وجوههم لله 
لن يفقدوا ذلك النعيم الذي كانوا يعيشونه. 

قال آخر: ولذلك فإن ذكر الله تعالى ما أظهر لسليمان عليه السلام لملكة سبأ من 
مظاهر الملك الذي أعطه الله له لم يكن غرضه منه الفخر عليهاء وإنما كان غرضه تعريفها 
بالله» لأنها انشغلت بالعرش العظيم الذي كان لها عن الله فلذلك كان أول ما لاقاها به 
سليان عليه السلام هو عرشها الذي حجبها عن الله» وعن التسليم له» قال تعالى: قَلًَ 
جَاءَتْ قبل أَمَكَذَا عَرْشّكِ قَالَتْ كَأَنَهُ هو [النمل:؟14]» فلما قالت ذلكء وفي غمرة انبهارها 
بها رأت أخبرها سليمان عليه السلام بأنه مع هذا الملك كان مسلم لله فلم يحجب به عن الله 
فقال تعالى على لسانه: 9وَأُوتبًا الْعَِمَ مِنْ قَيْلِهَا وَكُنَا مُسْلِحِينَ4 [النمل: ؟4] 


7 


قال آخر: فلما رأى سليمان عليه السلام حاجتها إلى المزيد من الأدلة» أحضرها إلى 
الصرح الممرد من القوارير» وقد كان من الجمال بحيث لا يساوي عرشها الذي شغلها عن 
الله شيئا بجانبه» وحينذاك لم تملك إلا أن تسلم لله» قال تعالى:قِيلَ كَا ادلي الصَّرْحَ قَلَ 
رَنْهُ حَبئهُ لةَ وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا َال إِنَّهُ صَرْحٌ ترد مِنْ قَوَارِيرَ قَالَثْ رَبّ إِنّْ ظَلَّمْتُ 
َي وَأَسْلَمْتٌ مَعَ سُلَّيّانَ له رَبّ الْعَائَينَ4 [العمل:؛؛] 

قال آخر: وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا المعنى حين ذكر ذكاء ملكة سبأ الذي 
استطاعت به أن تميز به الملوك من المؤمنين» فقد أرسلت بهدية قيمة لسليمان عليه السلام 
لتختبر موقفه من المال» قال تعالى على لساهها: #وَإِنٌ مُرْسِلَةٌإِليْهِمْ يدي فَنَاظِرَةٌ بم يَرْجِمْ 
الموِسَلوة» [النمل:5]» لكن سليمان عليه السلام نظر إلى ما أعطاه الله من الإيمان والفضل 
فوجده أعظم بكثير من أن ينحجب بهديتهم, فقال: لأَعْدُوئنِ يهال ها آتَاني اله حنم آَائكُم 
بَلْ أ ا تَفْرَحُونَ4 [النمل:3*] 

قال آخر: ولعله لأجل هذا ورد في القرآن الكريم ذلك الطلب الغريب من سليان 
عليه السلام والذي أساء شيوخنا فهمه» وشوهوه بسببه أي| تشويه» وهو طلبه من ربه 
سبحانه وتعالى أن يعطيه ملكا لم يعطه أحدا من عباده» كما نص على ذلك قوله تعالى: #قَالَ 
رَبّ اغْفِرُ لي وَهَبْ لي مُلَكَا لا يخي لِأَحَدِ مِنْ بَعْدِي إِنّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ4 [ص: ه*] 

قال آخر: مع أن سليمان عليه السلام ‏ بحسب ما يدل عليه النص القرآني ‏ ما طلب 
ذلك الملك. وبتلك الصورة التي لا ينازعه فيها أحد إلا ليكون حجة على من شغله ملكه 
عن الله وكأن سليمان عليه السلام يقول لربه:(يارب هب لي من الملك ما تشاء.. بل هب 
لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي أن يحصل عليه.. فإن هذا الملك مهما كان عظيما.. وذلك 


الفضل مهما كان وفيرا لن يحجباني عنك. ولن يبعدا قلبي عن الرغبة فيك. . فإني لا أرى 


كلا 


الأشياء مهما كثرت إلا منك.. ولا أرى نفسي إلا بك.. فكيف أحجب بهداياك الواصلة 
إلي.. أم كيف أنشغل بفضلك عنك؟) 

قال آخر: لكن شيوخنا أعرضوا عن كل تلك المعاني النبيلة التي تنص عليها تلك 
الآيات الكريمة» وراحوا يذكرون التفاصيل الكثيرة عن تلك القصة.. وأوها اسم ملكة 
سب ونسبها وكل التفاصيل المرتبطة بهاء والتي لم يذكرها القرآن الكريم» ولا الأحاديث 
الصحيحة» ولذلك فإن مصدرها واضح.ء وهم أولئك اليهود الذين تتملذوا على أيديهم. 

قال آخر(»: فقد ذكروا أن اسمها بلقيس بنت اليشرح» بن ذي جدن » بن اليشرح 
بن الحرث بن قيس بن صيفى بن سبأ ابن يشجب بن يعرب بن قحطان.. وذكروا أن أبا 
بلقيس الذي يسمى اليشرح ‏ ويلقب بالهدهاد ‏ ملكا عظيم الشأن» وقد ولد له أربعون 
ملكاء وكان يملك أرض اليمن كلهاء وكان يقول لملوك الأطراف: ليس أحد منكم كفوا 
لي» وأبى أن يتزوج منهم» فزوجوه امرأة من الجن يقال لها: ريحانة بنت السكن » فولدت 
تلمقة » وهي بلقيس ول يكن له ولد غيرها.. بل إنهم دسوا في ذلك حديثا لرسول الله جل 
يقول فيه: (كان أحد أبوي بلقيس جنيا) 9) 

قال آخر””: وذكروا أنه لما مات أبو بلقيس ولم يخلف ولدا غيرها طمعت في الملك 
فطلبت من قومها أن يبايعوها فأطاعها قوم وعصاها آخرونء فاختاروا عليها رجلا فملكوه 
عليهم؛ وافترقوا فرقتين كل فرقة منها استولت بملكها على طرف من أرض اليمنء ثم إن 
هذا الرجل الذي ملكوه أساء السيرة في أهل مملكته حتى كان يمد يده إلى حريم رعيته» 


)١(‏ تفسير الثعلبي (١؟/‏ 6577 للطبري» وأبي الشيخ في العظمة» وابن مردويه وابن عساكرء من حديث أبي 
(1) أخرجه ابن عدي في الكامل "7/ 7/ ٠"‏ وقال: لا أعلم رواه عن قتادة غير هريرة» وكذا الديلمي في الفردوس ”/ /71/1. 
سعيد ابن بشير» وهو ضعيفء والذهبي في ميزان الاعتدال 7/ 2179 وذكره ابن (") تفسير الثعلبي /٠١(‏ 715) 


عساكر في تاريخ دمشق 594/ 57 وعزاه الشوكاني في فتح القدير 5/ ١14‏ 


اا 





ويفجر ببن» وأراد أصحابه أن يخلعوه فلم يقدروا عليه» فلما رأت بلقيس ذلك أدركتها 
الغيرة فأرسلت إليه تعرض نفسها عليه فأجابها الملك: والله ما منعني أن أبتديك بالخطبة 
إلا اليأس منك» فقالت: لا أرغب عنك فإنك كفؤ كريم فاجمع رجال قومي واخطبني إليهم 
فجمعهم وخطبها إليهم» فقالوا: لا نراها تفعل هذاء فقال لحم: إنم| هي ابتدأتني وأنا أحب 
أن تسمعوا قولها فتشهدوا عليها فل| جاؤوها وذكروا لهاء قالت: نعم أحببت الولد ولم أزل» 
كنت أرغب عن هذاء فالساعة قد رضيت به فزوجوها منه. 

قال آخر(: ثم ذكروا أنما لما زفت إليه خرجت في ناس كثير من خدمها وحشمها 
حتى غصت منازله ودوره بهم» فلا جاءته سقته الخمر حتى سكرء ثم جزت رأسه 
وانصرفت من الليل إلى منزلهاء فل| أصبح الناس رأوا الملك قتيلا ورأسه منصوبا على باب 
دارهاء فعلموا أن تلك المناكحة كانت مكرا وخديعة منهاء فاجتمعوا إليها فقالوا لما: أنت 
أحق بهذا الملك من غيرك» فقالت: لولا العار والشنار ما قتلته» ولكن عم فساده فأخذتني 
الحمية حتى فعلت ما فعلت فملكوهاء واستتب أمرها. 

قال آخر(: وذكروا في تفسير قوله تعال: #وَأُوتِيتْ مِنْ كُلّ َيْءِ وَكَا عَرْشٌ 
عَظِيم © [النمل: :117 أنه سرير ضخم حسن وكان مقدمه من ذهب مفصص بالياقوت الأحور 
والزمرد الأخضر ومؤخره من فضة مكلل بأنواع الجواهر وله أربع قوائم: قامة من ياقوت 
أحمر وقائمة من ياقوت أخضر وقائمة من زمرد وقائمة من در وصفائح السرير من ذهب 
وعليه سبعة أبيات على كل بيت باب مغلق. 


قال آخر: ونقلوا عن ابن عباس أن عرش بلقيس ثلاثين ذراعا في ثلاثين ذراعا 


)١(‏ تفسير الثعلبي )١( 205 /١(‏ تفسير الثعلبي (١؟/‏ الرضة 


حص 





وطوله في ال هواء ثلاثون ذراع(١..‏ وقال مقاتل: كان ثمانين ذراعا في ثمانين ذراعا وطوله في 
ال هواء انون ذراعا مكلل بالجواهر(©. 

قال آخر(»: وذكروا في تفسير قوله تعالى: #قَانْظُرٌ مَاذَا يَرْجِعُونَ4 [النمل:8؟] أن 
المدهد أخذ الكتاب» وأتى به بلقيس وكانت بأرض يقال له مأرب من صنعاء على ثلاثة 
أيام فوافاها في قصرها وقد غلقت الأبواب» وكانت إذا رقدت غلقت الأبواب» وأخحذت 
المفاتيح فوضعتها تحت رأسهاء وأوت إلى فراشهاء فأتاها المدهد وهي نائمة مستلقية على 
قفاها فألقى الكتاب على نحرها. 

قال آخر”؛»: وذكر آخر أن ال هدهد حمل الكتاب بمنقاره فطار حتى وقف على رأس 
المرأة» وحوها القادة والجنود فرفرف ساعة والناس ينظرون حتى رفعت المرأة رأسهاء 
فألقى الكتاب في حجرها. 

قال آخر(©»: وذكر آخر أنه كانت لها كوة مستقبلة الشمس تقع الشمس فيها حين 
تطلع؛ فإذا نظرت إليها سجدت اء فجاء ال هدهد تلك الكوة فسدها بجناحيه فارتفعت 
الشمس ولم تعلم فلم| استبطأت الشمس قامت تنظر فرمى بالصحيفة إليهاء فأخذت بلقيس 
الكتاب» وكانت كاتبة قارئة عربية من قوم تبع بن شراحيل الحميري» فلا رأت الخاتم 
أرعدت وخضعت؛ لأن ملك سليمان عليه السلام كان في خاتمه» وعرفت أن الذي أرسل 
هذا الكتاب هو أعظم ملكا منها؛ لآن ملكا رسله الطير إنه لملك عظيم» فقرأت الكتاب» 


)١(‏ ابن أبي حاتم في تفسير القرآن العظيم 4/ 1871 عن ابن عباس بنحوه» أربعون ذراعاء والبيضاوي في أنوار التنزيل 5/ 2١1١5‏ والشوكاني في فتح القدير 
وذكره البغوي في معالم التنزيل 7/ ١97‏ ول ينسبه. ونسبه ابن كثير في تفسير 00 
القرآن العظيم /٠١‏ للحمد بن إسحاق.. (") تفسير الثعلبي (١؟/‏ 0 

(؟) تفسير مقاتل "/ "٠١‏ وذكره عنه البغوي في معالم التنزيل 5/ 2157 (4) تفسير الثعلبي (١؟/‏ /710) 
والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن /١١‏ 2185 وذكر نحوه ابن كثير في تفسير (5) تفسير الثعلبي /7١(‏ 77/8) 


القرآن العظيم ٠١ /٠١‏ 5» عن زهير بن محمد بلفظ: طوله ثمانون ذراعا وعرضه 


الحم 





وتأخر ال هدهد غير بعيد» فجاءت حتى قعدت على سرير ملكهاء وجعلت الملا من قومها. 

قال آخر<(١»:‏ وقد استطاع شيوخنا أن يعدوا الملأ من قومهاء فذكروا أنهم اثنا عشر 
ألف قائد» مع كل قائد مائة ألف مقاتل.. وقال آخر: كان أهل مشورتها ثلاثائة وثلاثة عشر 
رجلاء كل رجل منهم على عشرة آلاف. 

قال آخر: وذكروا في تفسير قوله تعالى حكاية على لسان ملكة سبأ: «وَإِنٌّ مُرْسِلةٌ 
إلَيْهمْ بَدِيّة قنَاظِرَةٌ بم يَرْجِعٌ المُرْسَلُونَ4 [النمل: ه+-<] الأخبار الطويلة في ذكر الحدية التي 
أرسلتها(0©. 

قال آخر0©: ومن ذلك أنهم ذكروا أن بلقيس كانت امرأة لبيبة أريبة قد سيست 
وساست. فقالت للملا من قومها: إن مرسلة إلى سليان وقومه بهدية أصانعه بذلك عن 
ملكي» وأختبره بها: أملك هو أم نبي فإن يكن ملكا قبل ال هدية وانصرفء وإن لم يكن ملكا 
لم يقبل الحدية ولم يرضه منا إلا أن نتبعه على دينه فأهدت إليه وصفاء ووصائف. 

قال آخر(؟»: وقد اختلفوا في ذلك اختلافا شديداء حيث ذكر بعضهم أنها ألبستهم 
لباسا واحدا حتى لا يعرف ذكر من أنثى.. وذكر آخر أنها ألبست الغلمان لباس الجواري 
وألبست الجواري لبسة الغلمان.. وهكذا اختلفوا في عددهم» فقال بعضهم: مائة وصيف 


ومائة وصيفة وقال آخر: مائتي غلام ومائتي جارية.. وقال آخر: عشرة غلمان وعشر 





6578 /؟١( تفسير الثعلبي‎ )١( 

(؟) رويت هذه الأخبار الطويلة في أغلب كتب التفسير عن وهب بن منبه مع 
اختلاف في بعض ألفاظها؛ انظر: جامع البيان للطبري /١9‏ 2157 تفسير القرآن 
العظيم لابن أبي حاتم عن السدي 4/ معام التنزيل للبغوي 5/ ١77‏ 
والسيوطي في الدر المتثور /١١‏ 5" ذكر جزءا من القصة. ونسبت لابن عباس 
في الجامع لأحكام القرآن للقرطبي /١1"‏ 1917ء روح المعاني للألوسي 19/ 2199 
وقال الألوسي بعد ذكرها: وكل ذلك أخبار لا يدرى صحتها ولا كذيهاء ولعل في 
بعضها ما يميل القلب إلى القول بكذبه والله تعالى أعلم» وذكره الزمخشري في 


الكشاف / 1417» وابن عطية في المحرر الوجيز 5/ 2754 وأبو السعود في إرشاد 
العقل السليم 7/ 7585 23585 ولم ينسبوه» وذكر ابن كثير في تفسير القرآن العظيم 
٠‏ 5058 405 بعضهاء ثم قال: وأكثره مأخوذ من الإسرائيليات» وعزاه 
السيوطي في الدر المنثور لابن أبي حاتم عن السدي وذكر جزء منها عن قتادة. 
[هامش تفسير الثعلبي /٠١(‏ 154)] 

(37) تفسير الثعلبي /7١(‏ 7556)» وذكره الطبري في جامع البيان /١19‏ 21584 
عن وهب بن منبه» وذكره البغوي في معالم التنزيل 5/ .1٠‏ 

(؟) تفسير الثعلبي /7١(‏ 51457) 


51 


جواري.. وقال آخر: خمسماثة غلام وخمسائة جارية وقال آخر: أهدت له صفائح الذهب. 
في أوعية الديباج» وقيل: كانت أربع لبنات من ذهب. 

قال آخر(١):‏ ثم ذكروا أنه لما بلغ ذلك سليمان عليه السلام أمر الجن فموهوا له الآجر 
بالذهبء ثم أمر به فألقي في الطريق» فلم| جاءوا رأوه ملقى في الطريق في كل مكان قالوا: 
قد جئنا نحمل شيئا نراه هاهنا ملقىء ما يلتفت إليه فصغر ذلك في أعينهم ما جاءوا به. 

قال آخبر("): ورؤوا عن. وهب وغيرة من اليهؤة الذين أسلموا أنا عمدت إل 
خمسماثة جارية وحخمسائة غلام فألبست الجواري لباس الغلمان الأقبية والمناطق» وألبست 
الغلمان لباس الجواري» وجعلت في أساعدهم أساور من ذهب. وفي أعناقهم أطواقا من 
ذهبء وني آذانهم أقراطا وشنوفاء مرصعات بأنواع الجوهر وحملت الجواري على خمسائة 
رمكة والغلمان على خمسرائة برذون على كل فرس لجحام من ذهب مرصع بأنواع الجواهر 
وغواشيها من الديباج الملونة وبعثت فيه خمسمائة لبنة من ذهب وحخمسمائة لبنة من فضة وتاجا 
مكللا بالدر والياقوت المرتفع وأرسلت إليه أيضا المسك والعنبر وعود الألنجوج وعمدت 
إلى حقة فجعلت فيها درة يتيمة غير مثقوبة وخرزة جزعية مثقوبة معوجة الثقب. ودعت 
رجلا من أشراف قومها يقال له المنذر بن عمرو وضمت إليه رجالا من قومها أصحاب 
رأي وعقلء وكتبت معه كتابا بنسخة الهدية» وقالت: إن كنت نبيا فميز بين الوصفاء 
والوصايف. وأخبر با في الحقة قبل أن تفتحهاء واثقب الدرة ثقبا مستوياء وأدخل خيط 
الخرزةء وأمرت بلقيس الغلمان فقالت: إذا كلمكم سليهان فكلموه بكلام فيه تأنيث وتخنيث 
يشبه كلام النساءء وأمرت الجواري أن يكلمنه بكلام فيه غلظة يشبه كلام الرجالء ثم قالت 
للرسول: انظر إلى الرجل إذا دخلت عليه فإن نظر إليك نظر غضب فاعلم أنه ملك ولا 


)514/ /7١( تفسير الثعلبي (١؟/ 20484 (1) تفسير الثعلبي‎ )١( 


اليكل 





بهولنك منظره فأنا أعز منه» وإن رأيت الرجل بشا لطيفا فاعلم أنه نبي مرسل فتفهم قوله 
ورد الجواب. 

قال آخر(": ثم ذكروا أن الرسول انطلق بالحداياء وأقبل ال هدهد مسرعا إلى سليمان 
عليه السلام» فأخبره الخبر كله فأمر سليمان عليه السلام الجن أن يضربوا لبنات الذهب 
والفضة ففعلواء ثم أمرهم أن يبسطوا من موضعه الذي هو فيه إلى تسع فراسخ ميدانا 
واحدا بلبنات الذهب والفضة»؛ وأن يجعلوا حول الميدان حائطا شرفها من الذهب والفضة 
ففعلواء ثم قال: أي الدواب أحسن مما رأيتم في البر والبحر؟ قالوا: يا نبي الله إنا رأينا دواب 
في بحر كذا وكذا منمرة منقطة مختلفة ألوانها للها أجنحة وأعراف ونواصي قال: على بها 
الساعة فأتوا مها فقال: شدوها على يمين الميدان وعن يساره وعلى لبنات الذهب والفضة 
وألقوا لما علوفاتهاء ثم قال للجن: علي بأولادكم فاجتمع خلق كثير فأقامهم عن يمين 
الميدان ويساره» ثم قعد سليان عليه السلام في مجلس على سريره ووضع له أربعة آلااف 
كرسي عن يمينه ومثلها عن يساره» وأمر الشياطين أن يصطفوا صفوفا فراسخ» وأمر الإنس 
فاصطفوا فراسخ عن يمينه ويساره. 

قال آخر("): ثم ذكروا أنه لما دنا القوم من الميدان» ونظروا إلى ملك سليمان عليه 
السلام» ورأوا الدواب التي لم تر أعينهم تروث على لبنات الذهب والفضة تقاصرت إليهم 
أنفسهم ورموا با معهم من الحدايا. 

قال آخر(": وفي بعض الروايات أن سليمان عليه السلام لما أمر بفرش الميدان بلبنات 


الذهب والفضة أمرهم أن يتركوا على طريقهم موضعا على قدر موضع اللبنات التي معهم 


)؟01١‎ /70( تفسير الثعلبي‎ )9( )19٠ /؟١( تفسير الثعلبي‎ )١( 
605١ /7١( (؟) تفسير الثعلبي‎ 


51 


فلما رأوا الرسل موضع اللبنات خاليا وكل الأرض مفروشة خافوا أن يتهموا بذلك 
فطرحوا ما معهم في ذلك المكان» فلم يكن عندهم علم ذلكء ثم سأل الجن فلم يكن عندهم 
علم ذلك, ثم سأل الشياطين فقالوا: نرسل إلى الأرضة فجاءت الأرضة وأخذت شعرة في 
فيها ودخلت فيها حتى خرجت من الجانب الآخرء فقال لها سليهان عليه السلام: حاجتك؟ 
فقالت تصير رزقي في الشجرة» قال: لك ذلك, ثم قال: من لهذه؛ درة يسلكها الخيط؟ 
فقالت دودة بيضاء: أنا لها يا رسول الله فأخذت الدودة الخيط في فيها ودخلت الثقب حتى 
خرجت من الجانب الآخرء فقال سليمان عليه السلام: حاجتك؟ قالت: تجعل رزقي في 
الفواكه. قال: لك ذلك. 

قال آخر(): ثم ذكروا أن سليان عليه السلام ميز بين الغلمان والجواري بأن أمرهم 
أن يغسلوا وجوههم وأيدهم» فكان الجارية تأخذ الماء من الآنية بإحدى يديها ثم تجعله على 
الأخرى ثم تضرب به على الوجه. والغلام كان يأخذ الماء من الآنية يضرب به وجهه. 
وكانت الجارية تصب على باطن ساعدهاء والغلام على ظهر الساعد» وكانت الجارية تصب 
الماء صباء وكان الغلام يحدر على يده حدراء فميز بينهن بذلك ثم رد سليمان عليه السلام 
الحدية. 

قال آخر: وذكروا في تفسير قوله تعالى حكاية على لسان سليمان عليه السلام: 
«اذجخ إِلنهِمْ كتنهم جود لا قبل ُمْ يا وَلنُخْرِجَنَّهُمْ مَِْاأَِلةَوَهُمْ صَاغِرُونَ4 السل: 
الكثير من الأخبار المسيئة لسليمان عليه السلام» والقيم العظيمة التي جاء بها. 

قال آخر(©: ومن ذلك ما رووه عن وهب وغيره من اليهود الذين أسلموا أنه لما 


)١(‏ تفسير الثعلبي (١؟/‏ "1017) )١(‏ تفسير الثعلبي /7١(‏ 57؟) 


الذينا 





وما لنا به من طاقة» وما نصنع بمكائرته شيئاء فبعثت إلى سليمان عليه السلام إني قادمة 
عليك بملوك قومي حتى أنظر ما أمرك وما تدعو إليه من دينك» ثم أمرت بعرشها فجعل 
في آخر سبعة أبيات بعضها في بعض في آخر قصر من سبعة قصور لماء ثم أغلقت دونه 
الأبواب» ووكلت به حراسا يحفظونه. ثم قالت لمن خلفت على سلطاهها: احتفظ بما قبلك 
وسرير ملكي فلا يخلص إليه أحد ولا يرينه حتى آتيك» ثم أمرت مناديا فنادى في أهل 
ملكتها يؤذنونهم بالرحيل» وشخصت إلى سليهان عليه السلام في اثني عشر ألف قيل من 
ملوك اليمن تحت يدي كل قيل ألوف كثيرة. 

قال آخر(»: ثم ذكروا أن سليمان عليه السلام كان رجلا مهيبا لا يبتدأ بشيء حتى 
يكون هو الذي يسأل عنه فخرج يوما فجلس على سرير ملكه فرأى رهجا قريبا منه فقال: 
ما هذه؟ قالوا: بلقيس يا رسول الله» قال: وقد نزلت منا بهذا المكان؟ 

قال آخر: وهكذا اخترعوا الكثير من الخرافات عند تفسيرهم لقوله تعالى: [قال 
ياأمها الملا أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين]» ومن ذلك قول بعضهم, وهم أكثر 
شيوخنا: أن سليمان عليه السلام علم أنها إن أسلمت حرم عليه مالهاء فآراد أن يأخذ 
سريرها قبل أن يحرم عليه أخذه بإسلامها.. وقال آخر: لأنه أعجبته صفته لما وصفه الحدهد 
فأحب أن يراه.. وقال آخر: أراد أن يختبر عقلها فيأمر بتدكيره وتغييره لينظر هل تثبته إذا 
رأته أم تتكره؟20. 

قال آخر(": وقالوا في تفسير قوله تعالى: قَالَ تكَرُوا كَا عَرْشَّهَا تَنظْز أََبْتَدِي أمْ 


)101/ /؟١( وفي تاريخ لمحمد بن إسحاق عن يزيد بن رومانء انظر: هامش تفسير الثعلبي‎ 2١55 /١4 رواه الطبري في جامع البيان عن وهب بن منبه‎ )١( 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي‎ .17١ /١4 انظر: جامع البيان للطبري‎ )١( /4 مطولاء وابن أبي حاتم في تفسير القرآن العظيم‎ ١1١ /١ الرسل والملوك‎ 
.401/ /٠١ من طريق سلمة عن ابن إسحاق عن يزيد بن رومان» وذكره البغوي في 1/ 237307 تفسير القرآن العظيم لابن كثير‎ »1 87“ 
071/1 /؟١( ونسبه (؟) تفسير الثعلبي‎ 4١١ /٠١ معالم التنزيل / 2177 وابن كثير في تفسير القرآن العظيم‎ 


52 





تَكُونُ مِنَّ الَّذِينَ لا يَتَدُونَ4 [الهمل: :]4١‏ إنها مل سليمان عليه السلام على ذلك كما ذكره 
وهب ومحمد بن كعب وغيرهما من أهل الكتاب ‏ أن الشياطين خافت أن يتزوجها سليهان 
عليه السلام فتفشي إليه أسرار الجن» ولا ينفكون من تسخير سليمان عليه السلام وذريته 
من بعده» فأرادوا أن يزهدوه فيهاء فأساءوا الثناء عليهاء وقالوا: إن في عقلها أشياء» وإن 
رجلها كحافر الحمار» فأراد سليمان عليه السلام أن يختبر عقلها بتدكير عرشهاء وينظر إلى 
قدميها ببناء الصرح. 

قال آخر<'»: وذكروا في تفسير قوله تعالى : قل ا اذخيلي الصَّرْحَ هَل رَأَنْهُ حَيِبَنهُ 
له وَكَسَمَتْ عَنْ سَاَيْهَا قَالَ إِنّهُ صَرْح تمَرّدُ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبّ إن ظَلَمْتُ تَفيِي 
وَأُسْلَّمْتُ مَعَ سُلَّيّانَ له رَبّ العَالَمِنَ4 [النمل: ؛؛] أن سليمان عليه السلام لما أقبلت بلقيس 
ترون أبن شاط قن سينا »قمر امن رمات انلام يضار اجون اهلان 
وألقي فيه كل شيء من دواب البحر والسمك وغيره؛ ثم وضع له سريره في صدرها فجلس 
عليه وعكف عليه الطير والجن» والإنس.. وإنا أمر ببناء هذا الصرح؛ لأن الشياطين قال 
بعضهم لبعض: سخر الله تعالى لسلييان ما سخر وبلقيس ملكة سبأ ينكحها فتلد له غلاما 
فلا ننفك من العبودية أبدا فأرادوا أن يزهدوه فيها فقالوا: إن رجلها رجل حمارء وإنها 
شعراء الساقين؛ لأن أمها كانت من الجن» فأراد عليه السلام أن يعلم حقيقة ذلك وينظر إلى 
قدميها وساقيها(©. 

قال آخر”": وذكروا أنهالما كشفت عن ساقيها لتخوضه إلى سليهان عليه السلام نظر 


)١(‏ تفسير الثعلبي (70/ 27175 ١١-5١‏ 4» ونسبه لمحمد بن كعب القرظيء وذكر القصة من غير نسبة أبو 
)١(‏ انظر: ابن أبي حاتم في تفسير القرآن العظيم 4/ 71845 عن أبي صالح السعود في إرشاد العقل السليم 5/ 2184 والألوسي في روح المعاني 70/8/19 
مختصرة» وزاد في نسبته السيوطي في الدر المنثور /١1١‏ 7177 لعبد بن حميد وابن [هامش: تفسير التعلبي /٠١(‏ /737/1) 
المنذر عن أبي صالح مختصرة» وذكره البغوي في معالم التنزيل 5/ 2١174‏ والقرطبي ("1) تفسير الثعلبي (١؟/‏ 778) 
في الجامع لأحكام القرآن 27١9 /١‏ وذكره ابن كثير في تفسير القرآن العظيم 


1 





فإذا هي أحسن الناس ساقا وقدما إلا أنها كانت شعراء الساقين» فللا رأى ذلك صرف 
بصره عنها وناداها أنه صرح مملس مستو وليس ببحر فلما جلست قالت: يا سليمان إني أريد 
أن أسألك عن شيء» قال: سلي» قالت: أخبرني: عن ماء رواء؛ لا من أرض ولا من سماء؟ 
وكان سليان عليه السلام إذا جاءه شيء لا يعلمه سأل الإنس عنه. فإن كان عندهم علم 
ذلك وإلا سأل الجن» فإن علموا وإلا سأل الشياطين» فسأل الشياطين عن ذلك فقالوا له: 
ما أهون هذاء مر الخيل فلتجر؛ ثم املا الآنية من عرقهاء فقال لها سليمان عليه السلام: عرق 
الخيل» قالت: صدقت. 

قال آخر(): ثم ذكروا أنها سألته» فقالت: أخبرني عن لون الرب؟ فوثب سليان 
عليه السلام عن سريره وخر ساجدا وصعق عليه» فقامت عنه» وتفرقت جنوده؛ وجاءه 
الرسول عليه السلام فقال: يا سليمان يقول لك ربك ما شأنك؟ قال: يا رب أنت أعلم با 
قالت, قال: فإن الله يأمرك أن تعود إلى سريرك وترسل إليها وإلى من حضر من جنودك 
وجنودها فتسألهم وتسآها عم| سألتك عنه ففعل ذلك سليمان عليه السلام فلم| دخلوا عليه 
قال لها: عم سألتني؟ قالت: سألتك عن ماء رواء ليس من أرض ولا من سماء فأجبت» 
قال: وعن أي شيء سألتني أيضا؟ قالت: ما سألتك عن شيء إلا هذاء فسأل الجنود فقالوا 
مثل قوطاء أنساهم الله تعالى ذلك وكفي سليمان الجواب(2. 

قال آخر(": وذكروا في تفسير قوله تعالى: [قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت 


)١(‏ تفسير الثعلبي (0”/ 27179 عباس والله أعلم» والأقرب في مثل هذه السياقات أنها متلقاة عن أهل الكتاب بما 
(؟) رواه الطبري في تاريخ الرسل والملوك 4١ /١‏ 444» ونسبها لعطاء وجد في صحفهم كروايات كعب ووهب. سامحهما الله تعالى فيا نقلاه إلى هذه 
بن السائب عن مجاهد عن ابن عباس ولكن باختلاف في بعض ألفاظها وترتيبهاء الأمة من أخبار بني إسرائيل من الأوابد والغرائب والعجائب ما كان ومالم يكن» 
ونسبه ابن كثير في تفسير القرآن العظيم 5١7 /٠١‏ لعطاء بن السائب عن ابن وثما حرف وبدل ونسخء وقد أغنانا الله سبحانه عن ذلك ب) هو أصح وأنفع 
عباس وعزاه لابن أبي شيبة في مصنفه. وحسنه ابن أبي شيبة» وقال: ما أحسنه من وأوضح ولله الحمد والمنة» انظر: هامش: تفسير الثعلبي (١؟/‏ ١٠8/؟)‏ 
حديثء ولعله يريد الحسن اللغوي لا التقوية» وعلق ابن كثير على خباية الرواية () تفسير الثعلبي )58١ /7١(‏ 


بقوله: قلت بل هو منكر غريب جدا ولعله من أوهام عطاء ابن السائب على ابن 


امسلا 





مع سليمان لله رب العالمين) أنها لما أسلمت أراد سليان عليه السلام أن يتزوجهاء فلم| هم 
بذلك كره ما رأى من كثرة شعر ساقيهاء وقال: ما أقبح هذا فسأل الإنس ما يذهب هذا؟. 
قالوا: المواسي قالت: المرأة لم تمسني حديدة قط فكره سليمان عليه السلام المواسي» وقال: 
إنها تقطع ساقيها فسأل الجن فقالوا ما ندري» ثم سأل الشياطين فتلكأوا عليها ثم قالوا: إنا 
نحتال لك حتى تكون كالفضة البيضاء فاتخذوا لها النورة والحمام. 

الحشوية ويونس: 

قال أحد الحضور: وعينا هذا.. فحدثونا عن يونس عليه السلام؟ 

قال الحشوي: مع أن القرآن الكريم اقتصر عند ذكره له على ذكر اسمه وفضله؛ في 
نفس الوقت الذي ذكر فيه ما حصل له بسبب استعجاله في الدعاء على قومه بعد أن 
عارضوه وحادوه. وهو ما جعله يقع في ذلك البلاء الذي ذكره الله تعالى في قوله: ##وّدًا 
انون إِذْ دمب مُمَاضَِا قطن أن ل تدر عَلَيْه فاق ف الطَّنَاتٍ أن لا له لانت سْبْحَائَكَ 
إل كنت من لطامت فَاسْتجَبِنا لَه وَنَجَينَاة من الى وَكَذَلِكَ ننجي الؤْمِيْنَ 4 [الأنبياء: /88-1]» 
ولهذا نبي رسول الله ب عن اتباعه في هذا الاستعجال. كما قال تعالى: #فَاصْيرٌ لحُكُم رَبّكَ 
وَكَا تَكُنْ كَصَاحِبٍ الُوتٍ إِذَْنَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ لَوَْا أن تَدَارَكَهُ نحْمَةُ من رَيّه لد بالْعرَاء 
وَهُوَ مَذْمُومٌ فَاجْتبَاهُ نعلي الكائكة * وقد عدن إلا أن فرمنا من اندر 
شحنوا قصته بالكثير من الغرائب التي تسيء إليه وإلى العبرة التي تحملهاء والتي دعا القرآن 
الكريم إلى الاستفادة منها. 

قال آخر<1»: ومن التفاصيل التي ذكروها في هذا من غير أثارة من علم» أن يونس 


عليه السلام وقومه كانوا يسكنون فلسطينء فغزاهم ملك فسبى منهم تسعة أسباط ونصف 


)771 /١1( تفسير الثعلبي‎ )١( 


تيلا 





سبط وبقي سبطان ونصف. فأوحى الله عز وجل إلى شعيا النبي عليه السلام أن سر إلى 
حزقيا الملك» وقل له حتى يوجه حزقيا نبيا قويا أميناء فإني ألقي في قلوب أولئنك حتى 
يرسلوا معه بني إسرائيل» فقال له الملك: فمن ترى نبعث؛ وكان في ملكته خمسة من الأنبياء» 
فقال: يونس؛ فإنه قوي أمين» فدعا الملك يونس وأمره أن يخرج» فقال يونس: هل أمرك الله 
بإخراجي؟ قال: لاء قال: فهل ساني لك؟ قال: لاء قال: فههنا غيري أنبياء أقوياء أمناء 
فألحوا عليه فخرج مغاضبا للنبي وللملك ولقومه» فأتى بحر الروم فإذا سفينة مشحونة» 
فركبها فلا تلجلجت السفينة تكفأت حتى كادوا أن يغرقواء فقال الملاحون: هاهنا رجل 
عاص أو عبد آبق» ومن رسمنا أن نقترع في مثل هذاء فمن وقعت عليه القرعة ألقيناه في 
البحرء ولأن يغرق واحد خير من أن تغرق السفينة ب) فيهاء فاقترعوا ثلاث مرات» فوقعت 
القرعة في كلها على يونس عليه السلام» فقام» فقال: أنا الرجل العاصي والعبد الآبق» وألقى 
نفسه في الماء» فجاء حوت فابتلعه. ثم جاء حوت آخر أكبر منه فابتلع هذا الحوت» وأوحى 
الله عز وجل إلى الحوت: لا تؤذ منه شعرة؛ فإني جعلت بطنك سجنه ول أجعله طعاما لك. 

قال آخر<3»: وذكر آخرون ما هو أخطر من ذلك» حيث ذكروا أنه ذهب عن قومه 
مغاضبا لربه إذ كشف عنهم العذاب بعدما وعدهموه. وذلك أنه كره أن يكون بين قوم قد 
جربوا عليه الخلف في)| وعدهم فاستحى منهم. ولم يعلم السبب الذي دفع عنهم العذاب 
والمهلاك» فخرج مغاضباء وقال: والله لا أرجع إليهم كذابا أبدا إن وعدتهم العذاب في يوم 

قال آخر: ومن الروايات التي رووها في ذلك ما حدثوا به كذبا وزورا عن ابن 


عباس أنه قال: بعث الله يونس عليه السلام إلى أهل قريته» فردوا عليه ما جاءهم به 


2788 /١1( تفسير الثعلبي‎ )١( 


لا 





وامتنعوا منه» فل| فعلوا ذلك أوحى الله إليه: إن مرسل عليهم العذاب في يوم كذا وكذاء 
فاخرج من بين أظهرهم, فأعلم قومه الذي وعده الله من عذابه إياهم» فقالوا: ارمقوه. فإن 
خرج من بين أظه ركم فهو والله كائن ما وعدكمء فلم| كانت الليلة التي وعدوا بالعذاب في 
صبحها أدلج ورآه القوم» فخرجوا من القرية إلى براز من أرضهم.ء وفرقوا بين كل دابة 
وولدهاء ثم عجوا إلى الله» فاستقالوه. فأقالهم وتنظر يونس الخبر عن القرية وأهلهاء حتى 
مر به مار» فقال: ما فعل أهل القرية؟ فقال: فعلوا أن نبيهم خرج من بين أظهرهم., عرفوا 
أنه صدقهم ما وعدهم من العذاب» فخرجوا من قريتهم إلى براز من الأرضء ثم فرقوا بين 
كل ذات ولد وولدهاء وعجوا إلى الله وتابوا إليه» فقبل منهم» وأخر عنهم العذاب» فقال 
يونس عند ذلك وغضب: والله لا أرجع إليهم كذابا أبداء وعدتهم العذاب في يوم ثم رد 
عنهم» ومضى على وجهه مغاضبا)(١)‏ 

قال آخر: وهذا حديث خطير» فهو يصور يونس عليه السلام بصورة الغاضب من 
ربه» لأنه لم ينفذ العذاب عليهم.. ويصورونه فوق ذلك بصورة الغليظ القاسي الذي م 
يفرح بإيهان قومه. بل يصورونه حزينا لأجل إي|نهم. 

قال آخر: ومثله ما روي عن وهب بن منبه» أنه قال: إن يونس بن متى كان عبدا 
صا حاء وكان في خلقه ضيقء فلا حملت عليه أثقال النبوة» ولا أثقال لا يحملها إلا قليل» 
تفسخ تحتها تفسخ الربع تحت الحمل» فقذفها بين يديه» وخرج هاربا منهاء يقول الله لنبيه 
: لفَاصْرْ كا صَرَ ولو الْعَزْمنَ الرّسْلٍ وَلَاتَسْتَمْجل لم4 [الأحتاف: ه.] لاض كم 
رَنْكَ وَلَا نَكنْ كَصَاحِبٍ الُوتٍ # [القلم: 44]: أي لا تلق أمري ى| ألقاه(). 


قال آخر: وقد علق الطبري على هذه الروايات وغيرها بقوله: (وهذا القول» أعني 


)517/18( تفسير الطبري (017/18) (؟) تفسير الطبري‎ )١( 


املا 





قول من قال: ذهب عن قومه مغاضبا لربه» أشبه بتأويل الآية» وذلك لدلالة قوله #فَظَنٌ 
أَنْ لَنْ تَقَدِرَ عَلَيْهِ* [الأنبياء: 49] على ذلكء على أن الذين وجهوا تأويل ذلك إلى أنه ذهب 
مغاضبا لقومه. إنم| زعموا أنهم فعلوا ذلك استنكارا منهم أن يغاضب نبي من الأنبياء ربه» 
واستعظاما له. وهم بقيلهم أنه ذهب مغاضبا لقومه قد دخلوا في أمر أعظم ما أنكرواء 
وذلك أن الذين قالوا: ذهب مغاضبا لربه اختلفوا في سبب ذهابه كذلكء فقال بعضهم: 
إنما فعل ما فعل من ذلك كراهة أن يكون بين قوم قد جربوا عليه الخلف فيما وعدهم. 
واستحيا منهمء ولم يعلم السبب الذي دفع به عنهم البلاء» وقال بعض من قال هذا القول: 
كان من أخلاق قومه الذين فارقهم قتل من جربوا عليه الكذبء عسى أن يقتلوه من أجل 
أنه وعدهم العذاب» فلم ينزل بهم ما وعدهم من ذلكء وقد ذكرنا الرواية بذلك في سوره 
يونس» فكرهنا إعادته في هذا الموضع» وقال آخرون: بل إنها غاضب ربه من أجل أنه أمر 
بالمصير إلى قوم لينذرهم بأسه. ويدعوهم إليه» فسأل ربه أن ينظره» ليتأهب للشخوص 
إليهم» فقيل له: الأمر أسرع من ذلكء ولم ينظر حتى شاء أن ينظر إلى أن يأخذ نعلا ليلبسهاء 
فقيل له نحو القول الأول وكان رجلا في خلقه ضيقء فقال: أعجلني ربي أن آخذ نعلا 
فذهب مغاضباء وممن ذكر هذا القول عنه: الحسن البصري)(27) 

قال آخر: وقد حاول أن يبرر غضبه على ربه» فقال: (وليس في واحد من هذين 
القولين من وصف نبي الله يونس صلوات الله عليه شيء إلا وهو دون ما وصفه بها وصفه 
الذين قالوا: ذهب مغاضبا لقومه. لأن ذهابه عن قومه مغاضبا لهم وقد أمره الله تعالى 
بالمقام بين أظهرهم. ليبلغهم رسالته» ويحذرهم بأسه. وعقوبته على تركهم الإيهان به 
والعمل بطاعتك لا شك أن فيه ما فيه» ولولا أنه قد كان صل الله عليه وسلم أتى ما قاله 


)017/14( تفسير الطبري‎ )١( 


4 





الذين وصفوه بإتيان الخطيئة» لم يكن الله تعالى ذكره ليعاقبه العقوبة التي ذكرها في كتابه» 
ويصفه بالصفة التي وصفه بها)(21 

ج. الحشوية الملائكة: 

بعد أن انتهى الحشوية التائبون من ذكر الأدلة على ما في كتبهم من إساءات 
وتشويهات وتدنيسات للنبوة» قام بعض الحضورء وقال: وعينا هذا.. فحدثونا عن التشويه 
الذي تعرض له الملائكة عليهم السلام؟ 

قال كبير الحشوية: الأمثلة على ذلك كثيرة.. منها ما روي عن أبي هريرة؛ قال: قال 
رسول الله #: (أتاني ملك برسالة من الله عز وجلء ثم رفع رجله فوضعها فوق السماء. 
ورجله الأخرى ثابتة في الأرض لم يرفعها)(.. وهذا خلاف ما ورد في القرآن الكريم من 
قوله تعالى: لالْحَمْدُ للهَفَاطِرِ السََّاوَاتِ وَالْأَرْضٍ جَاعِلٍ الملائكة رُسلَا أولي أَجْيحَةٍ مَنَى 
وتات وَرُبَاعَ يَزِيدٌ في الخلْقٍ مَا سا4 [فاطر: ]١‏ 

قال آخر: ومن الروايات الخطيرة ما روي عن عبد الله بن عمروء قال: (خلق الله عز 
وجل الملائكة من نور الصدر والذراعين)0©.. وهذه الرواية الخطيرة ‏ بالإضافة لما تحمله 
من تجسيم ‏ تصور الملائكة باعتبارهم جزءا من الله» أو من نور الله» وهم بذلك يقعون فيم| 
ذكره الله تعالى عن المشركين حين قال: ِوَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُرْءًا إن الْإنْسَانَ لَكَفُورٌ 
مين [الزخرف: 16] 

قال آخر: ومن الأمثلة على ذلك ما روي عن عبد الله بن عمرو عن الكيفية التي 
خلقت بها الملائكة» حيث قال: (خلق الله عز وجل الملائكة من نورء وينفخ في ذلك ثم 


01777 العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (؟/‎ )١( )017 /١4( تفسير الطبري‎ )١( 
21/514 العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (؟/‎ )١( 


504١ 


يقول: ليكن منكم ألف ألفين» فإن من الملائكة خلقا أصغر من الذباب)227 

قال آخر: ومثل ذلك ما يروونه عن رسول الله 5 أنه قال: (إن في الجنة لنهرا ما 
يدخله جبريل عليه السلام من دخلة فيخرج فينتفض إلا خلق الله عز وجل من كل قطرة 
تقطر منه ملكا)(7) 

قال آخر: ومثل ذلك ما يروون عن وهب بن منبه» أنه قال: (إن لله تبارك وتعالى هرا 
في الحواء سعة الأرضين كلها سبع مرات» ينزل على ذلك النهر ملك من السماء فيملؤه ويسد 
ما بين أطرافه» ثم يغتسل منه» فإذا خرج قطرت منه قطرات من نور» فيخلق من كل قطرة 
منها ملك يسبح الله عز وجل بجميع تسبيح الخلائق كلهم)0») 

قال آخر: ومثل ذلك ما يروون عن الضحاك أنه قال: (إن لله تبارك وتعالى ملكا إذا 
جهر بصوته صمتت الملائكة كلها تعظيم| لذلك الملك, لا يذكرون إلا في أنفسهم. لأنهم لا 
يفترون عن التسبيح»» قيل له: وما ذلك الملك؟» قال: (ملك له ستون وثلاثائة رأس»ء في 
كل رأس ستون وثلاثائة لسان» لكل لسان ستون وثلاثاثئة لغة)(؟) 

قال آخر: ومثل ذلك ما يروون عن الأوزاعي أنه قال: (قال موسى عليه السلام: يا 
ربء من معك في السماء؟ قال: ملائكتي» قال: وكم هم يا رب؟ قال: اثنا عشر سبطاء قال: 
وكم عدد كل سبط؟ قال: عدد التراب)00) 

قال آخر: ومثل ذلك ما يروون عن كعبء أنه قال: (ما من شجرة ولا موضع إبرة 
إلاوملك موكل بهاء يرفع علم ذلك إلى الله تبارك» وإن ملائكة السماء أكثر من عدد التراب» 


وإن حملة العرش ما بين كعب أحدهم إلى منكبه مسيرة خمسمائة عام)57) 


0174٠ العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (؟/ 4 27/7 (5) العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (؟/‎ )١( 
01741١ /7( العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (؟/ 09770 (5) العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني‎ )١( 
01747 /١( العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (7/ 27177 (5) العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني‎ )"( 


504 





قال آخر: ومثل ذلك ما يروون عن عبد الله بن الحارث» قال: (ما من شجرة رطبة 
ولا يابسة إلا موكل بها ملكء يأتي الله عز وجل بعلمها ورطوبتها إذا رطبت» ويبسها إذا 
يبست كل يوم)» قال الأعمش: وهذا في الكتاب: #وَلَا رَطْبٍ وَل ابس إِلّا في كِتَاب 
مين [الأنعام: 2100]04.. ولسنا ندري كيف عرف الأعمش أن هذا في كتاب الله مع أن الله 
تعالى ذكر في الآية أن كل شيء مكتوب عنده. أما علم الله بالأشياء» فلا يحتاج إلى ملك ولا 
إلى غيره. 

قال آخر: ومثل ذلك ما يروون عن كعب في كيفية خلق الملائكة» وسر كثرتهم. أنه 
قال: (لا تقطر عين ملك منهم إلا كانت ملكا يطير من خشية الله عز وجل.. وذلك أنها 
نطفة خشية» وليست نطفة شهوة» فمن هنالك كثرة الملاتكة)(2) 

قال آخر: ومثل ذلك يروون عن العلاء بن هارون قوله: (لحبريل عليه السلام في 
كل يوم اغتماسة في الكوثرء ثم ينتتفضء. فكل قطرة يخلق منها ملك270 

قال آخر: ومثل ذلك يروون عن شهر بن حوشب قوله: (إن لله تبارك وتعالى ملكا 
يقال له: صدلقن إن بحور الدنيا تسع في نقرة إيهامه)9؟) 

قال آخر: ومثل ذلك يروون عن مالك قوله: (بلغنا أن في بعض السموات ملائكة» 
كلما سبح بينهم ملك وقع من تسبيحه ملك قائم يسبح.. وفي بعض السماوات ملك له من 
العيون عدد الحصى والثرى» وعدد نجوم السماء» ما فيها عين إلا وتحتها لسان وشفتان» 
يحمد الله عز وجل بلغة لايفقهها صاحبها.. وإن حملة العرش لهم قرونء بين أطراف قرونهم 
ورؤوسهم مقدار خمسمائة سنة» والعرش فوق القرون)©» 

(1) العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (؟/ 01/57 () العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني 0/4/1 


01741 العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (؟/ 21740 (0) العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (؟/‎ )١( 
217557 /7( العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني‎ )"( 


رس 





قال آخر: ومثل ذلك يروون عن نوف البكالي قوله: (إذا مضى ثلث الليل بعث الله 
تبارك وتعالى أربعة أفواج من الملاتكة» فأخذ فوج منهم بشرقي السماء» وفوج منهم بغربي 
السماء» وفوج حيث تجيء الجنوب» وفوج منهم حيث تجيء الشمال. فقال هؤلاء: سبحان 
الله وقال هؤلاء: الحمد لله» وقال هؤلاء: لا إله إلا الله» وقال هؤلاء: الله أكبر» حتى تصرخ 
الديوك من السحر)() 

قال آخر: ومثل ذلك يروون عن كعب الأحبار قوله: (إن لله عز وجل ملكاء يصوغ 
حلي أهل الجنة من يوم خلق إلى أن تقوم الساعة» لو أن حليا أخرج من حلي أهل الجنة 
لذهب بضوء الشمس)”") 

قال آخر(": ومثل ذلك يروون عن وهب خبرا طويلا يشكل وحده متنا من المتون 
التي تتشكل منها عقول أصحابناء قال فيه: ثم إن الله عز وجل أراد أن يخلق حملة العرش» 
فقال: كن» فكون من الملائكة بعدد القطرء والمطرء والشجرء والورق» وكل رطبء. 
ويابس.. ثم قال لهم: أقلوا العرشء ف قدروا على إقلاله» ثم قال: كن» فأمدهم بصف ثان 
أمثالهم سبعة أضعاف في الشدة والقوة» والنجدة» والشجاعة, والغلظة» والعظمة» ملائكة 
متراصة أقدامهم» مصطكة مناكبهم» متلازقة أقدامهم, ثم قال لهم: أقلوا العرش. فا قدروا 
على إقلاله» ثم قال لهم: كن. فأمدهم بصف أمثالهم» سبعة متلازقة أكتافهم» أنصافهم 
الأعلى من النار» وأنصافهم الأسفل من الثلج» فلا ذلك النار يذيب الثلج بحره. ولا ذلك 
الثلج يطفئ النار ببرده» ثم قال لهم: أقلوا العرشء فا قدروا على إقلاله. ثم قال: كن, 
فأمدهم بصف رابع أمثالهم» سبعة أضعافء ملائكة أنصافهم من البرق الخاطف,. 


01754 العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (2175//7 () العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (؟/‎ )١( 
2170١ /7( العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني‎ )١( 
5230 


وأنصافهم من الرعد القاصف. 

قال آخر(©: ثم ذكر أن الله تعالى قال لهم: أقلوا العرشء فا قدروا على إقلاله 
فأمدهم بصف خامس: ملائكة أنصافهم من الريح العاصف. وأنصافهم من السحاب 
العاكف. فلا ذلك العاصف يزيل ذلك العاكف. ولا ذلك العاكف يزيل ذلك العاصف» 
ثم قال لهم: أقلوا العرشء فا قدروا على إقلاله» ثم أمدهم بصف سادس أمثالهم, أنصافهم 
من الظلمة» وأنصافهم من النور» فلا ذلك النور يذهب سواد الظلمة» ولا تلك الظلمة 
تذهب بذلك النوره ثم قال لهم: أقلوا العرشء فم| قدروا على إقلاله» ثم قال: كن» فأمدهم 
بصف سابع أمثالهم» ملائكة أنصافهم من الدرء وأنصافهم من الزمرد» فلا ذلك الدر 
يذهب شعاع ذلك الزمرد الأخضرء ولا ذلك الزمرد يزيل شعاع ذلك الدر ثم قال لهم: 
أقلوا العرشء فا قدروا على إقلاله. 

قال آخر("©: ثم ذكر أن الله عز وجل قال حينها: وعزتي وجلالي وارتفاعي فوق 
عرشي» وعلوي على خلقي وعظمتيء لو أمددتكم بأمثالكم» وأضعافكم أبد الآبدين» 
ودهر الداهرين ما قدرتم على إقلاله إلا بي» فقولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله» فقالوها: 
فاستقل العرش على رؤوسهم. فعظم عليهم» ومدت أرجلهم تبويء فأمر الله عز وجل 
الملك أن يكتب اسمه الأعظم تحت أرجلهم, فاستقل العرش على رؤوسهم. فالله تبارك 
وتعالى حامل عرشه. لا من حاجة إليهم» ولكن استعبدهم, فإذا أماتهم حمل الله عز وجل 
عرشه كما كان بديا(0". 


قال آخر: ومثل ذلك يروون عن مكحول عن رسول الله يَأ أنه قال: (إن في حملة 


)١(‏ العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (7/ 0070 () العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (؟/ 7200): اختصرت بعض الخبر. 
)١(‏ العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (7/ 0 


56 


العرش أربعة أملاك: ملك على صورة سيد الصور وهو ابن آدم» وملك على صورة سيد 
السباع وهو الأسدء وملك على صورة سيد الأنعام وهو الثور» قال: فم| زال غضبان مذ يوم 
العجل إلى ساعتي هذه. وملك على صورة سيد الطير وهو النسر)(© 

قال آخر: ومثل ذلك يروون عن شريح بن عبيد» قال: لما صعد النبي يَأ إلى السماء 
فأوحى الله عز وجل إلى عبده ما أوحىء قال: (فلم| أحس جبريل بدنو الرب تبارك وتعالى 
خر ساجداء فلم يزل يسبحه: سبحان ذي الجبروتء والملكوت. والكبرياء» والعظمة. ثم 
قضى الله عز وجل إلى عبده ما قضىء ثم رفع رأسه فرأيته في خلقه الذي خلق عليه» منظوم 
أجنحته بالزبرجد واللؤلؤ والياقوت» فخيل إلي أن ما بين عينيه قد سد الأفق» وكنت لا أراه 
قبل ذلك إلا على صور مختلفة» وأكثر ما كنت أراه على صورة دحية الكلبي» وكنت أحيانا 
لا أراه قبل ذلك إلا كما يرى الرجل صاحبه من وراء الغربال)() 

قال آخر: ومثل ذلك يروون عن رسول الله # أنه قال: (أقرب الخلق إلى الله عز 
وجل جبريل؛ وميكائيل» وإسرافيل وهم منه مسيرة خمسين ألف سنة» جبريل عن يمينه 
وميكائيل عن الأخرى وإسرافيل بينهه|ا)27 

قال آخر: ومثل ذلك يروون عن عائشة أن كعبا قال لها: هل سمعت رسول الله 2 
يقول في إسرافيل شيئا؟ قالت: نعم» سمعت رسول الله يأ يقول: (له أربعة أجنحة, منها 
جناحان أحدهما بالمشرق والآخر بالمغرب. واللوح بين عينيه» فإذا أراد الله عز وجل أن 


يكتب الوحي ينقر بين جبهته)(؟) 


)١(‏ العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (7/ 7207)» من طريق ركن الشامي» عن معلقا 
مكحول به» وركن الشامي قال في الميزان (؟/ 04): قال النسائي» والدارقطني: )١(‏ العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (؟/ 217/١‏ 
متروك؛ وأما حديث عروة قال: حملة العرش أحدكم على صورة إنسان, والثاني () العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (7/ 811) 
على صورة ثور والثالث على صورة نسرء والرابع على صورة أسدء فأخرجه ابن (5) العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (9/ ١‏ 85) 


عبد البر في التمهيد (5/ 4) معلقاء والبيهقي ني الأسراء والصفات (7/ 47 )١‏ 


5045 





قال آخر: ومثل ذلك يروون عن وهب بن منبه حديثه الطويل في كيفية خلق 
الكائنات المختلفة» قال: (.. ثم قال: كن فيكون. فكون الصور وهو من لؤلؤة بيضاء في 
صفاء الزجاجة وله أربع شعب: شعبة تحت العرش» وشعبة في ثراء الثراء» وشعبة في مشرق 
المشرق» وشعبة في مغرب المغربء ثم قال للعرش: خذ الصورء فتعلق بالعرشء ثم قال: 
كن» فكون إسرافيل وهو من أقرب الملائكة إلى الله تبارك وتعالى» فأمره أن يأخذ الصور 
فأخذه وفيه ثقب بعدد كل روح مبدوة» وكل نفس منفوسة, لا يخرج روحان من ثقب 
واحد» ولا جسمان يدخلان في ثقبء بل كل ثقب لصغير الصغير الذي لا يعرف» ولخليل 
الخليل الذي لا يوصف وفي وسط الصور كوة كاستدارة السماء والأرضء وإسرافيل واضع 
فمه على تلك الكوة» ثم قال له الرب عز وجل: قد وكلتك بالصور فأنت للنفخة والصيحة» 
فدخل إسرافيل في مقدم العرش فأدخل رجله اليمنى تحت العرشء وقدم اليسرى ولم 
يطرف مذ خلقه الله عز وجل ينتظر ما يؤمر به والعرش على كاهله. واللوح يقرع جبهته)(١2‏ 

قال آخر: ومثل ذلك يروون عن وهيب بن الورد أنه قال: (بلغني أن أقرب الخلق 
من الله عز وجل إسرافيل؛ العرش على كاهله.. فإذا نزل الوحي دلي لوح من تحت العرش» 
قال: فيقرع جبهة إسرافيل فينظر فيه فيدعو جبريل فيرسله. فإذا كان يوم القيامة أتى 
بإسرافيل» فيقال: ما صنعت فيا أدى إليك اللوح؟ فيقول: بلغت جبريل؛ فيدعى جبريل 
ترعد فرائصه فيقال: ما صنعت فيم| بلغك إسرافيل؟ فيقول: بلغت الرسلء» فيؤتى بالرسل 
ترعد فرائصهم فيقال: ما صنعتم فيا أدى إليكم جبريل؟ فيقولون: بلغنا الناسء قال: فهو 
قوله عز وجل: لافَتَسأكنَالِينَ أل ْم مسن الْرْسَلينَ فَلَفُصّنَ لهم بم وا 


ءوس ده 2 
كنا غَائْبِينَ # [الأعراف: 1(0]07-3) 


)845 العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (؟/‎ )١( 605٠ /7( العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني‎ )١( 
5/ 





قال آخر: ومثل ذلك يروون عن وهب بن منبه من حديثه الطويل في كيفية خلق 
الكائنات قوله: ( ثم يقول الله عز وجل: كن فيكون بحرا تحت الكرميء وهو البحر 
المسجورء فذلك قوله تعالى: لوَالطُورٍ وَكِتاب مَسْطُورٍ في رَقُ لبر وَالْبيْتِ امعْمُورٍ 
وَالسَّقْفيِ المرْفوع وَالْبَْرِ الْمسجُورِ؛ [الطور: 11١‏ أوله في علم الله تعالى وآخره في إرادة الله 
تعالى فيه ماء ثخين شبه ماء الرجل تمر الموجة خلف الموجة سبعين عاما لا تلحقهاء يمطر 
الله عز وجل منه على الخلق إذا أماتهم)(22 

قال آخر: هذه ناذج عن بعض الروايات التي أوردها شيوخنا حول الملائكة عليهم 
السلام» ونجد أمثالها في الكثير من كتب العقائد التي نسميها كتب سنة.. وهي كلها تدل 
على حنين سلفنا إلى الغرائب» والتي تلجتهم إلى المخرافة لا محالة. 

قال أحد الحضور: وعينا هذا.. فهلا حدثتمونا ب| ذكره شيوخكم في تفسير قوله 
تعالى: وَاتَبَعُوا مَاتنْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَ مُلْكِ سُلَيَانَ وَمَا كَفَرَ سْلَيَانَ وََكِنَ الشّيَاطِينَ كَفَرُوا 
يعَلّمُونَ النّاسَ السّحْرَ وما نل عَلَ الْلَكيْنِ َال مَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلَانِ من أَحَدٍ 
حَنَّى يفولا نا تَخنْ تند فا تكْفْرُ مَيتعَلَّمُونَ مِنّْهها م يعَرَقُونَ بهن الم وَرَوْجِهِ وَمَاهُمْ 
بِصَارٌينَ به مِنْ أَحَدٍ إِلَا بإِذْنِ الله وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَفُدُهُمْ وَكَا ينْفَعْهُمْ وََقَدْ عَلِمُوا كَنِ اشْثَرَاه 
مَالَهُ في الْآخِرَة مِنْ حَلَاقٍ وَلَبنْسَ مَا شَّرَوا بِهِ أَنفْسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَّمُونَ) [البقرة: 10١‏ فقد 
علمنا أن لهم فيها تفاسير عجيبة. 

قال كبير الحشوية: أجل.. وهي تشوه كل ما ذكره القرآن الكريم من الصورة الجميلة 
للملائكة عليهم السلام وصفائهم وعصمتهم. 

قال آخر: ومن القصص الطويلة الواردة("2 في ذلك ما نسب لجمع من الصحابة» 


ع 


)١(‏ العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (7/ 019) (1) أخرج هذه القصة الطويلة التي سنذكرها: عبد الرزاق في تفسير القرآن 


118 





كابن عباس» وابن مسعود. وابن عمرء. وهي في الحقيقة ليست سوى روايات عن كعب 
الأحبار» والسديء والكلبي» وغيرهم من اليهود أو تلاميذ اليهود. 

قال آخر: وللأسف وجد من يساندها وينتصر له('» من كبار العلماء وفي كل 
الأجيال والطوائف على الرغم من مخالفتها الواضحة للقرآن الكريم» وذلك لأنهم راعوا 
الأسانيد والرجال أكثر من مراعاتهم للحقائق القرآنية المقدسة. 

قال آخر("): وتبدأ القصة ‏ ىا ذكرها أولئك الذين انحرفوا بالقرآن الكريم عن 
معانيه العظيمة ‏ بالملاتكة وهم يرون ما يصعد إلى السماء من أعمال بني آدم الخبيثة وذنومهم 
الكثيرة» وذلك في زمن إدريسء فعيروهم بذلك ودعوا عليهم» وقالوا: (هؤلاء الذين 


جعلتهم في الأرض واخترتهم فهم يعصونك)» 


/١‏ ”57 5 5» والبزار في البحر الزخار (79758)» وعبد بن حميد ى! في المتتخب» 
وابن حبان في صحيحه كما في الإحسان /١5‏ "51 (23187)» الطبري في جامع 
البيان /١‏ 407 459 وابن أبي حاتم في تفسير القرآن العظيم /١‏ 09150 
(2015-01» والسمرقندي في بحر العلوم 2١57 /١‏ والبيهقي ني السئن 
الكبرى /٠١‏ 4.. وذكرها الثعلبي في عرائس المجالس (ص 55)» والبغوي في 
معالم التنزيل /١‏ 1751-174» وابن كثير في تفسير القرآن العظيم /١‏ 01/7571 
وغيرهم» واستقصى رواياتها السيوطي في الدر المنثور /١‏ 188 197. 

وقد قال ابن حجر بعد أن ذكر المرويات في قصة هاروت وماروت: وقد 
لخص الثعلبي» ثم ابن ظفرء ثم القرطبي هذه القصة من بعض ما ذكرته؛ ومن 
رواية الكلبي وغيره من المفسرين وذكروا في القضة زيادات.. 

وقد ضعف كثير من العلماء والمفسرين هذه القصة, ومن ذلك قول ابن كثير: 
وقد روي في قصة هاروت وماروت عن جماعة من التابعين كمجاهد والسدي 
والحسن البصري وقتادة وأبي العالية والزهري والربيع ابن أنس ومقاتل بن حيان 
وغيرهم؛ وقصها خلق من المفسرين من المتقدمين والمتأخرين» وحاصلها راجع في 
تفصيلها إلى أخبار بني إسرائيل؛ إذ ليس فيها حديث مرفوع صحيح متصل 
الإسناد إلى الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن ال هوى» وظاهر سياق 
القرآن إجمال القصة من غير بسط ولا إطئاب فيهاء فنحن نؤمن با ورد في القرآن 
على ما أراده الله تعالى والله أعلم بحقيقة الحال. تفسير القرآن العظيم /١‏ 9737. 

وأقوى ما تضعف به هذه القصة أمران: الأول: أنه لايثبت فيها شيء مرفوع 
-كما قال ابن كثير » وأما الموقوف فهو وإن قوي أسانيد بعضه إلا أن العلماء بينوا 


أن هذه الموقوفات قد قيلت حكاية عن بني إسرائيل» وتحديئا عنهم» ولذلك قال 


ابن كثير ‏ بعد أن ذكر مرويات القصة .:.. فهذا أظنه من وضع الإسرائليين» وإن 
كان قد أخرجه كعب الأحبار» وتلقاه عنه طائفة من السلف. فذكروه على سبيل 
الحكاية والتحديث عن بني إسرائيل.. (تفسير القرآن العظيم لابن كثير /١‏ 2137 

الثاني: أن في القصة قدحا في عصمة الملائكة عليهم السلام الذين لا يعصون 
الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرونء انظر: الشفاء للقاضي عياض بشرح القاري 
”/ 18, الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم 7/ 05*”) البحر المحيط 
لأبي حيان /١‏ /44» الإسرائيليات والموضوعات لأبي زهرة (ص ١99‏ -157): 
[انظر: هامش تفسير الثعلبي (؟/ 487)] 

)١(‏ ممن ذهب إلى هذا للأسف ابن حجر العسقلاني وجلال الدين السيوطي» 
حيث ذكرا أن هذه القصة ثابتة» وذلك لكثرة رواياتباء وتعدد طرقهاء وقوة مخارج 
أكثرها.. وقد ساق ابن حجر روايات هذه القصة, والحكم على كل رواية؛ ثم رد 
على من طعن فيهاء ثم قال: في طرق هذه القصة القوي والضعيفء ولا سبيل إلى 
رد الجميع» فإنه ينادي على من أطلقه بقلة الاطلاع والإقدام على رد ما لا يعلمه» 
لكن الأولى أن ينظر إلى ما اختلف فيه بالزيادة والنقصء فيؤخذ با اجتمعت عليه» 
ويؤخذ من المختلف ما قوي» ويطرح ما ضعفء أو ما اضطرب. فإن الاضطراب 
إذا بعد به الجمع بين المختلف ولم يترجح شيء منه التحق بالضعيف المردود.. 
انظر: العجاب في بيان الأسباب لابن حجر /١‏ 0757 والقول المسدد في الذب 
عن مسند أحمد ص 4/8 لابن حجرء اللآلئ المصنوعة للسيوطي /١‏ 2159 مناهل 
الصفا ني تخريج أحاديث الشفا للسيوطي أيضا 4/ .77*١‏ [هامش: تفسير الثعلبي 
/ 26:)] 


(؟) تفسير الثعلبي (؟/ 5854) 


1 





قال آخر: والقصة كلها تبنى على هذاء ولو أن الذين أيدوا هذا بسبب الرجال الذين 
يثقون فيهمء قرأوا قوله تعالى: #تَكَادُ السَّنَاوَاتَ يتَقَطَرَنَ مِنْ فَوْقِهنَ و 


ع كط له عرخر دعم 


مخعريق لتكقارة زنج فنع ألازة 1 ذو القثرة لم4 االعره تافزل 


ورمفو 9 


لالَّذِينَ يَوِلُونَ الْعَرْسَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَُمْ وَيُؤْمِنُونَ به وَيَسْتَغْفْرُونَ لنَّذِينَ 
آمَُوا رَبنَا وَسِحْتَ كُلّ هَيْءِ رَحْمَةَ وَعًِا فَاهْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ 
لحم رَبَاوَأَْحلهُْ جَنَّاتِ عَْنٍ الي وَحَذعهُمْوَمَنْ صَلَحَ من آبَاتِهِمْ وََزْوَاجِهمْ وَدْريَائيم 
نك أنْت الْعزيرٌالحكيمٌ وَمِهِمُ السيقَاتِ وَمَنْتقٍ السَّيعَاتٍ يََْيٍ ققد رَحتَهوَدلِكَ هُوَالْقَُ 
الْعَظِيمٌ4 اغافر: ]4 لم تجرؤوا على رمي الملائكم عليه السلام بمعارضة الله أو سوء الأدب 
مع خلقه. 

قال آخر(»: ثم تذكر القصة أن الله عز وجل قال هم: لو أنزلتكم إلى الأرض» 
وركبت فيكم ما ركبت فيهم لارتكبتم ما ارتكبوا.. وفي هذا تبرير للمعاصي» وعذر 
للمنحرفين» وهو من الإرجاء الذي نشره اليهود وتلاميذهم بين المسلمين. 

قال آخر(": ثم تذكر القصة أنهم قالوا: سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نعصيكء فقال 
الله تعالى: فاختاروا ملكين من خياركم أهبطههم إلى الأرضء فاختاروا فاختاروا عزا وهو 
هاروت», وعزايا وهو ماروت ‏ وغير اسمهم لما قارفا الذنب» كم غير اسم إبليس ‏ وعزائيل» 
فركب الله عز وجل فيهم الشهوة التي ركبها في بني آدم» وأهبطهم إلى الأرض وأمرهم أن 
يحكموا بين الناس» ونهاهم عن الشرك والقتل بغير حق والزنا وشرب الخمر. 

قال آخر(": ثم ذكروا أن عزائيل لما وقعت الشهوة في قلبه استقال ربه وسأله أن 


25805 /7( تفسير الثعلبي (7/ 5/5) (”) تفسير الثعلبي‎ )١( 
(؟) تفسير الثعلبي (7/ دمع)‎ 


يرفعه إلى الساء» فأقاله ورفعه. فسجد أربعين سنة» ثم رفع رأسه ولم يزل بعد ذلك مطأطنا 
رأسه حياء من الله تعالى» وأما الآخران: فإنها ثبتا على ذلك. وكانا يقضيان بين الناس 
يومهماء فإذا أمسيا ذكرا اسم الله الأعظم وصعدا إلى السماء. 

قال آخر(": ثم ذكروا أنه ما مر عليه| أشهر حتى افتتنا.. وذلك أنه اختصم إليها 
ذات يوم الزهرة» وكانت من أجمل النساء» وكانت من أهل فارسء وكانت ملكة في بلدهاء 
فلم| رأياها أخذت بقلوبهاء فراوداها عن نفسهاء فأبت» وانصرفتء ثم عادت في اليوم الثاني 
ففعلا مثل ذلك. فأبت» وقالت: لا إلا أن تعبدا ما أعبد وتصليا لهذا الصنمء وتقتلا النفس» 
وتشربا الخمرء فقالا: لا سبيل إلى هذه الأشياء» فإن الله عز وجل نبانا عنهاء فانصرفت ثم 
عادت في اليوم الثالث ومعها قدح من خمر وني أنفسهم| من الميل إليها ما فيهاء فراوداها عن 
نفسهاء فعرضت عليهم ما قالت بالأمسء فقالا: الصلاة لغير الله عظيم» وقتل النفس 
عظيم» وأهون الثلاثة شرب الخمرء فشربا الخمرء فانتشيا وزنياء فلم| فرغاء رآهما إنسان 
فقتلاه» وسجدا للصنم. فمسخ الله الزهرة كوكبا. 

قال آخر(): وذكروا أنها قالت لما: لن تدركاني حتى تخبراني بالذي تصعدان به إلى 
السماء» فقالا: باسم الله الأكبر» قالت: فا أنتما مدركاني حتى تعلانيه» فقال أحدهها 
لصاحبه: علمهاء فقال: إن أخاف الله. قال الآخر: فأين رحمة الله» فعلماها ذلك» فتكلمت 
به وصعدت إلى السماء فمسخها الله كوكبا. 

قال آخر: ورووا عن مجاهد أنه قال: كنت مع ابن عمر ذات ليلة» فقال لي: ارمق 
الكوكبة يعني: الزهرة ‏ فإذا طلعت فأيقظني. فلا طلعت أيقظته» فجعل ينظر إليها ويسبها 
سبا شديداء» فقلت: رحمك الله» تسب نججم| سامعا مطيعاء ما له يسب؟ فقال: إن هذه كانت 


)4/5 /( تفسير الثعلبي (؟/ 488) (؟) تفسير الثعلبي‎ )١( 


ا 





بغيا فلقي الملكان منها ما لقيا("©. 

قال آخر(): ثم ذكروا أنه لما أمسبى هاروت وماروت بعد ما قارفا الذنب هما 
بالصعود إلى السماء فلم تطاوعههم| أجنحتهماء فعلم|ا ما حل بهاء فقصدا إدريس النبي عليه 
السلام وأخبراه بأمرهماء وسألاه أن يشفع لما إلى الله عز وجل» وقالا له: إنا رأيناك يصعد 
لك من العبادة مثل ما يصعد لجميع أهل الأرضء فاستشفع لنا إلى ربك» ففعل ذلك إدريس 
عليه السلام فخيرهما الله عز وجل بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة» فاختارا عذاب الدنياء 
إذ علما أنه ينقطع, فهم| ببابل يعذبان(©. 

قال آخر(؟»: ولم يكتفوا بكل ذلكء بل راحوا يشغلون العقول بالاختلاف الوارد في 
عذابهماء حيث قال بعضهم أنهم| معلقان بشعورهما إلى قيام الساعة.. وقال آخر: كبلا من 
أقدامههما إلى أصول أفخاذهما.. وقال آخر: إن جبا ملئت نارا فجعلا فيها.. وقال آخر: إنها 
معلقان منكسان في السلاسل.. وقال آخر: إنهها منكوسان يضربان بسياط الحديد. 

قال آخر0©»: ويروون أن رجلا أراد تعلم السحرء فقصد هاروت وماروت» 
فوجدهما معلقين بأرجلهم| مزرقة أعينهماء مسودة جلودهما ليس بين ألسنتهم| وبين الماء إلا 
قدر أربع أصابع» وهما يعذبان بالعطشء. فل| رأى ذلك هاله مكانها فقال: لا إله إلا الله 


وقد نبي عن ذكر الله عز وجلء فلما سمعا كلامه قالا: من أنت؟ قال: رجل من الناس» 


(1) تفسير الثعلبي (7/ 42591 وانظر: معالم التنزيل للبغوي 7٠ /١‏ 
١‏ لباب التأويل للخازن .4٠ /١‏ والمصادر المذكورة في أول القصة. 


)١(‏ أخرجه سعيد بن منصور في سننه 7/ 0/17 عن شهاب بن خراش» عن 


العوام بن حوشبء عن مجاهد, به. وذكره السيوطي في الدر المنثور /١‏ 1804 





7» وعزاه لسعيد بن منصورء وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسير القرآن العظيم 
)٠١١5( 7005/١‏ عن مجاهد. عن ابن عمرء بنحوه. وذكره ابن كثير في تفسير 
القرآن العظيم /١‏ 578 عن ابن أبي حاتم» قال: وهذا إسناد جيد إلى عبد الله بن 
عمر. وقد تقدم في رواية ابن جرير من حديث معاوية بن صالحء عن نافع» عنه» 
وهذا أثبت وأصح إسناداء ثم هو من رواية ابن عمر عن كعب. كا تقدم بيانه من 
رواية سالم عن أبيه.. وذكره السيوطي في الدر المنثور /١‏ 117 ونسبه إلى ابن أبي 
حاتم. [انظر هامش: تفسير الثعلبي (7/ 544)] 


(؟) وقد علق فخر الدين الرازي على هذا بقوله: (قولهم: إنبم| خيرا بين عذاب 
الدنيا وبين عذاب الآخرة فاسدء بل كان الأولى أن يخيرا بين التوبة والعذاب؛ لأن 
الله تعالى خير بينهما من أشرك به طول عمره» فكيف يبخل عليه بذلك؟ مفاتيح 
الغيب أو التفسير الكبير (*/ ١‏ 77) 

(5) تفسير الثعلبي (/ 5445) 

(0) تفسير الثعلبي ("/ 1405) 


قالا: ومن أي أمة أنت؟ قال: من أمة محمد ##» قالا: وقد بعث محمد؟ قال: نعمء قالا: 
الحمد لله وأظهرا الاستبشار» قال الرجل: ومم استبشاركم)؟ قالا: إنه نبي الساعة» وقد دنا 
انقضاء عذابنا. 

قال آخر: ولم يكتفوا بكل تلك الروايات عن شيوخهمء وإنها راحوا ينسبون ذلك 
زورا وبهتانا إلى رسول الله يك ويجعلون راويه الإمام علي» ليشوهوا كليهما في آن واحد.. 
وهو أن النبي 4 كان إذا رأى سهيلا قال: لعن الله سهيلاء إنه كان عشارا باليمن» ولعن الله 
الزهرة فإنها فتنت ملكين0©. 

قال آخر: ورووا عن رسول الله يك أنه قال لجبريل عليه السلام: يا جبريل صف لي 
النار» فقال: (إن الله عز وجل أمر بها فأوقد عليها ألف عام حتى احمرتء ثم أوقد عليها 
ألف عام حتى اصفرتء ثم أوقد عليها ألف عام حتى اسودتء فهي سوداء مظلمة لا 
يضيء لبها ولا جمرهاء والذي بعثك بالحق لو أن ثوبا من ثياب أهل النار أظهر لأهل 
الأرض لاتوا جميعاء ولو أن ذنوبا من شرابها صب في ماء الأرض جميعا لقتل من ذاقه» ولو 
أن ذراعا من السلسلة التي ذكرها الله عز وجل وضع على جبال الأرض جميعا لذابت وما 
اشتعلت, ولو أن رجلا دخل النار ثم أخرج منها لمات أهل الأرض من نتن ريحه» وتشويه 
خلقه. وعظمه)» وذكروا أن رسول الله ييه بكى » وبكى جبريل لبكائه» وقال: أتبكي يا 
محمد وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخرء فقال: أفلا أكون عبدا شكوراء ولم بكيت 





)١(‏ أخرجه بن مردويه كما في تفسير القرآن العظيم لابن كثير /١‏ 577 من 
طريق جابر الجعفي عن أبي الطفيل عن عليء قال ابن كثير: لا يصح. وهو منكر 
جداء وأخرجه ابن الجوزي في الموضوعات /١‏ 744-7944 من طريق محمد بن 
الحسن بن عبد العزيز» عن سفيان الثوري» عن جابرء عن أبي الطفيل» عن علي 
مرفوعا.. قال ابن الجوزي: وقد رواه وكيع عن الثوري موقوفا وهو الصحيح» 
وهذا لاايصح؛ لأن مداره على جابر الجعفي.. وذكره السيوطي في الدر المنثور /١‏ 


7»؛ وعزاه لابن راهويه» وابن مروديه؛ وانظر: اللآلئ المصنوعة للسيوطي /١‏ 
17> تنزيه الشريعة لابن عراق 275١ /١‏ الفوائد المجموعة للشوكاني (ص 
1) قال الشوكاني: قيل: موضوعء وقيل: ضعيف لا موضوع. قال المعلمي في 
حاشيته على الفوائد: بل موضوع بلا ريب» ثم أفاض في تخريجه من حديث علي» 


ومن حديث ابن عمر مرفوعا وموقوفا [انظر هامش: تفسير الثعلبي (/ 484)] 


م 


يا جبريل وأنت الروح الأمين» أمين الله على وحيه؟ قال: أخاف أن أبتلى ب ابتلي به هاروت 
وماروتء فهو الذي منعني عن اتكالي على منزلتي عند ربي فأكون قد أمنت مكره. فلم يزالا 
يبكيان حتى نوديا من السماء أن يا جبريل ويا محمد إن الله عز وجل قد أمنكم| أن تعصياه 
فيعذبكم|ء ففضل محمد :2 على الأنبياء» كفضل جبريل عليه السلام على ملائكة السماء270, 

قال آخر(»: ورووا عن عائشة أنها قالت: قدمت علي امرأة من أهل دومة الجندل 
جاءت تبتغي رسول الله # بعد موته لتسأله عن شيء دخلت فيه من أمر السحر ولم تعمل 
به فقالت عائشة لعروة: يا ابن أختيء فرأيتها تبكي حين لم تجد رسول الله #» فكانت تبكي 
حتى إني لأرحمهاء تقول: إني أخاف أن أكون هلكت. قالت: كان لي زوج فغاب عنيء 
فدخلت علي عجوزء فشكوت ذلك إليهاء فقالت: إن فعلت ما آمرك به فأجعله يأتيك» فل| 
كان الليل جاءتني بكبشين أسودين» فركبت أحدهماء وركبت الآخرء فلم يكن كثير حتى 
وقفنا ببابل» فإذا برجلين معلقين بأرجلهم)ء فقالا: ما جاء بك؟ قلت: أتعلم السحرء قالا: 
إنما نحن فتنة فلا تكفريء وارجعيء فأبيت» فقلت: لاء قالا: فاذهبي إلى ذلك التنور فبوللي 
فيه» فذهبت» ففزعت فلم أفعل» فرجعت إليهماء فقالا: فعلت؟ قلت: نعم» قالا: هل رأيت 
شيئا؟ قلت: لم أر شيئاء فقالا: كذبت لم تفعلي» ارجعي إلى بلادك فلا تكفريء فأبيت» فقالا: 
اذهبي إلى ذلك التنور فبولي فيه» فذهبتء فاقشعر جلدي, (فرجعت إليهم|)» فقلت: قد 
فعلت. فقالا: هل رأيت شيئا؟ قلت: لم أر شيئاء فقالا: كذبت لم تفعلي» ارجعي إلى بلادك 


)١(‏ أبو نعيم في حلية الأولياء 5/ )8١170( 1١51‏ تفسير الثعلبي (7/ /59) وقد ورد ني ذلك أي: في شأن هاروت وماروت ‏ أثر غريب» وسياق عجيب في 

(؟) أخرجه الطبري ني جامع البيان 57٠ /١‏ -551» وابن أبي حاتم في تفسير ذلك, أحببنا أن ننبه عليه» ولما أورده قال: فهذا إسناد جيد إلى عائشة» وقال أحمد 
القرآن العظيم )1١79( 517 /١‏ والحاكم في المستدرك 54/ 155 والبيهقي في شاكر: وهي قصة عجيبة» لااندري أصدقت تلك المرأة فيه| أخبرت به عائشة؟ أما 
السئن الكبرى 8/ 17 وصححه الحاكم» ووافقه الذهبي» وذكره إسماعيل عائشة فقد صدقت في أن المرأة أخبرتهاء والإسناد إلى عائشة جيد» بل صحيح. 
الحيري في الكفاية »1١ 5٠ /١‏ وابن كثير في تفسير القرآن العظيم /١‏ 077 [هامش: تفسير الثعلبي (/ 5 1609١‏ 


“5» والسيوطي في الدر المنثور 191-19٠6 /١‏ .. وقال ابن كثير قبل أن يورده: 





فلا تكفريء فإنك على رأس أمركء قالت: فأبيت» فقالا: اذهبي إلى ذلك التنور فبولي فيه» 
فذهبت إليه» فبلت فيه» فرأيت فارسا متقنعا بحديد خرج مني حتى ذهب في السماء» وغاب 
عني حتى ما أراه» فجئتهماء فقلت: قد فعلتء قالا: فم| رأيت؟ قلت: رأيت فارسا متقنعا 
بالحديد خرج مني فذهب في السماء حتى ما أراه؟ قالا: صدقتء ذلك إيمانك خرج منك» 
اذهبي» فقلت للمرأة: والله ما أعلم شيئاء وما قالا لي شيئاء فقالت: بلى» لن تريدي شيئا إلا 
كان» خذي هذا القمح فابذري» فبذرت» فقلت: أطلعي» فطلعت» فقلت: احقلٍ فحقلت» 
ثم قلت: افركي فأفركتء ثم قلت: اطحني فأطحنت, ثم قلت أخبزي» فأخبزت. فلا 
رأيت أني لا أريد شيئا إلا كان سقط في يدي» وندمتء والله يا أم المؤمنين ما فعلت شيئا قط 
ولا أفعله أبدا. 

د. الحشوية والمعاد: 

بعد أن انتهى الحشوية التائبون من ذكر الأدلة على ما في كتبهم من إساءات 
وتشويهات وتدنيسات للنبوة» قام بعض الحضورء وقال: وعينا هذا.. فحدثونا عن التشويه 
الذي تعرض له ما ورد في القرآن الكريم من الحديث عن اليوم الآخرء وما فيه من أحداث 
ومواقف. 

قال كبير الحشوية: الأمثلة على ذلك كثيرة.. فا كان للشيطان أن يترك ركنا من أركان 
العقائد كهذا دون أن يبث فيه سمومه. 

قال آخر: وأولها وأخطرها تلك الأحاديث الكثيرة التي تتعارض مع ما ورد في 
القرآن الكريم من التحذير من المعاصي والوعيد الشديد عليهاء وهي تحوها جميعا إلى 
#بديدات لا حقيقة لها.. ذلك أنها تصور أن الأمر أهون بكثير مما ذكره القرآن الكريم» أو 
تعتبر القرآن الكريم مبالغا في تلك التهديدات. 


قال آخر(»: ومن الأمثلة على تلك الأحاديث التي تجمع الكثير من التحريفات 
والتشويهات» ما روي في حديث طويل أن الصحابة سألوا رسول الله يي فقالوا: يا رسول 
اللهء هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال: نعم» هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحوا 
لا سحاب فيها؟ وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب؟ قالوا: 
لايا رسول الله» قال: ما تضارون في رؤية الله عز وجل يوم القيامة» إلا ىا تضارون في رؤية 
أحدهماء إذا كان يوم القيامة» أذن مؤذن: تتبع كل أمة ما كانت تعبد» فلا يبقى أحد كان يعبد 
غير الله من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار. حتى لم يبق إلا من كان يعبد الله من 
بر وفاجرء وغير أهل الكتابء فيؤتى باليهود فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد 
عزيرا ابن الله فيقال لهم: كذبتمء ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولداء فاذا تبغون؟ قالوا: 
عطشنا يا ربنا فاسقناء قال: فيشار إليهم ألا تردون؟ فيحشرون إلا النار كأنها سراب يحطم 
بعضها بعضا حتى يتساقطون في النار» ثم يدعى النصارىء فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ 
قالوا: كنا نعبد المسيح ابن الله فيقال لهم: كذبتم, ما اتخذ الله من صاحبة» ولا ولداء فاذا 
تبغون؟ فيقولون: عطشنايا ربنا فاسقناء قال: فيشار إليهم» ألا تردون؟ فيحشرون إلى جهنم 
كأنها سراب يحطم بعضها بعضاء فيتساقطون في النار. 

قال آخر(": ثم رووا ‏ كذبا وزورا - أنه حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر 
وفاجرء أتاهم رب العالمين في أدنى صورة من التي رأوه فيهاء قال: فاذا تتتظرون؟ تتبع كل 
أمة ما كانت تعبد» قالوا: يا ربنا فارقنا الناس أفقر ما كنا إليهم» ولم نصاحبهم. فيقول: أنا 


)١(‏ الطيالسى (ص 584,» رقم 7114), وأحجمد (/ 2317 رقم ,)١1157‏ (1/ لات رقم1079) 
والبخارى (5/ 2171/1 رقم 57705)) ومسلم (1/ 21717 رقم '2187)) وابن ماجه (1) المراجع السابقة. 


0 


أن ينقلب, فيقول: هل بينكم وبينه آية تعرفونه بها؟ فيقولون: نعم فيكشف عن ساقء فلا 
يبقى أحد تمن كان يسجد له من تلقاء نفسه إلا أذن له بالسجودء ولا يبقى من كان يسجد 
اتقاء ورياء» إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة» كلما أراد أن يسجدء خر على قفاه» فيرفعون 
رؤسهم, وقد تحول في الصورة التي رأوه فيها أول مرة» فيقول: أنا ربكم» فيقولون: أنت 
ربنا. 

قال آخر(): ثم رووا أنه يضرب الجسر على جهنم» ويقولون: اللهم سلم سلم» قيل: 
يا رسول الله. وما الجسر؟ قال: دحض. مزلة» عليه خطاطيف وكلاليب وحسك يكون 
بنجد» فيه شوكة يقال له السعدان» فيمر المؤمن كطرف العين» وكالبرق» وكالريح, 
وكأجاويد الخيل والركاب» فناج مسلم» ومخدوش مرسلء ومكدوس في نار جهنم» حتى 
إذا خلص المؤمنون من النار» فوالذي نفسي بيده» ما من أحد منكم بأشد مناشدة لله في 
استقصاء الحق له وقال غيره: في استيفاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين 
في النار» يقولون: يا ربناء كانوا يصلون معنا ويصومون ويحجون. فيقال لهم: أخرجوا من 
عرفتم» فتحرم صورهم على النار» فيخر جون خلقا كثيراء قد أخذت النار إلى نصف ساقيه» 
وإلى ركبتيه» فيقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير؛ فأخرجوه. 
فيخرجون خلقا كثيراء ثم يقولون: ربنا ل نذر فيها أحدا ممن أمرتناء ثم يقول: ارجعواء فمن 
وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير؛ فآخرجوه؛ فيخرجون خلقا كثيراء ثم يقولون: 
ربنا لم نذر فيها ممن أمرتناء ثم يقول: ارجعواء فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خيرء 
فأخرجوه. فيخرجون خلقا كثيراء ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها خيراء فيقول الله تبارك 


وتعالى: شفعت الملائكة» وشفعت النبيون» وشفعت المؤمنون. ولم يبق إلا أرحم الراحمين» 


)١(‏ المراجع السابقة. 





فيقبض قبضة» فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قطء قد عادوا حماء فيلقيهم في نهر في أفواه 
الجنة يقال له نهر الحياة» فيخرجون منها ى) تخرج ال حبة في ميل السيل» آلا ترونها تكون ما 
يلي الحجر والشجر ما يكون إلى الشمس أصيفر» وأخيضرء وما يكون إلى الظل أبيض؟ 

قال آخر('»: ثم رووا أنهم يخرجون كاللؤلؤ في رقاءهم الخواتيم» يعرفهم أهل الجنة 
يقولون: هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه. ولا خير قدموه. ثم يقول: 
ادخلوا الجنة» فا رأيتم فهو لكم» فيقولون: ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين» فيقول: 
لكم عندي ما هو أفضل من هذاء فيقولون: يا ربناء أي شيء أفضل من هذا؟ فيقول: 
رضايء فلا أسخط عليكم بعده أبدا. 

قال آخر: ومثل ذلك الأحاديث التي تجعل لأمة رسول الله يي قوانين خاصة في 
الآخرة تخالف القوانين التي يحاكم بها سائر البشر» وقد رووا في ذلك الكثير من الروايات 
التي نشرت الإرجاء والغرور. 

قال آخر: ومن الأمثلة على ذلك ما أوردوه في تفسير قوله تعالى: #وَدَارَجَعَ مُوسَى 
ِل قَوْمِهِ غَضْبَانَ أسِفَا؛ [الأعراف: ]16١‏ حيث رووا عن قتادة أنه قال: (إنا ألقاها لكثرة ما 
سمع من فضائل أمة محمد #7 فألقى الألواح» وقال: رب اجعلني من أمة محمد ) (2) 

قال آخر: ومن الأمثلة على تلك الروايات ما يرفعونه زورا ومهتانا إلى رسول الله ع 
أنه قال: لما أعطى الله تعالى موسى الألواح فنظر فيها فقال: يا رب لقد أكرمتني بكرامة لم 
تكرمها أحدا قبلٍ » قال: يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي» فخذ ما 
آتيتك وكن من الشاكرين» أي: بجد ومحافظة؛ تموت على حب محمد 4#» قال موسى: يارب 


ومن محمد؟ قال: أحمد الذي أثبت اسمه على عرشى» من قبل أن أخلق السماوات والأرض 


)077 /1١1( المراجع السابقة. (1) تفسير الثعلبي‎ )١( 


للا 





بألفي عام؛ إنه نبيي وصفيي وحبيبي وخيرتي من خلقيء. وهو أحب إلى من جميع خلقي 
وجنيع ملائكتيء قال موسى: يارب إن كان محمد أحب إليك من جميع خلقكء فهل خلقت 
أمة أكرم غليك مق أمتى تي؟ قال الله: ياموسى إن فضل أمة محمد على سائر الخلق» كفضلٍ 
على جميع خلقي) 00 

قال آخر(": ثم تذكر الرواية أن موسى عليه السلام قال: يا رب ليتني رأيتهم؛ قال: 
يا موسى إنك لن تراهم» لو أردت أن تسمع كلامهم لسمعت. قال: يا رب فإني أريد أن 
أسمع كلامهم. قال الله عز وجل: يا أمة أحمد, فأجبنا كلنا من أصلاب آبائنا وأرحام أمهاتنا: 
لبيك اللهم لبيك » لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. قال الله تعالى: يا أمة 
أحمد إن رحمتي سبقت غضبيء وعفوي عقابي» قد أعطيتكم من قبل أن تسألوي» وقد 
أجبتكم من قبل أن تدعونني؛ وقد غفرت لكم من قبل أن تعصونيء من جاءني يوم القيامة 
بشهادة أن لا إله إلا الله» وأن محمدا عبدي ورسولي دخل الجنة» وإن كانت ذنوبه أكثر من 
زبد البحر. 

قال آخر9»: وقد ذكروا أن هذا هو معنى قوله تعالى: #وَمَا كُنْتَ بِجَانِبٍ الْعَرِي إِذ 
قَصَيْنا ِل مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (5 5 )4 [القصص: 4؛] 

قال آخر(؛»: ورووا عن كعب الأحبار حديثا غريبا مملوء بالكذب والتزوير» ومما 
ورد فيه أن موسى عليه السلام نظر في التوراة» ثم قال لله تعالى: إني أجد أمة خير الأمم 
أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالكتاب الأول والكتاب 
الآخر ويقاتلون أهل الضلالة حتى يقاتلوا الأعور الدجال» فقال موسى: يارب اجعلهم 


)514 /15( تفسير الثعلبي‎ )١( أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 5/ 85"؛ وذكره السيوطي في الدر‎ )١( 
)5١8 /١5( مختصراء وعزاه لأبي نعيم في دلائل النبوة» ول أجده فيه وإنما هو (1) تفسير الثعلبي‎ 77٠0 /7 المنثور‎ 
)019 /١5( في الحلية. (4) تفسير الثعلبى‎ 


0 





أمتي» قال: هي أمة محمد يا موسى؟.. فقال: رب إني أجد أمة هم الحمادون رعاة الشمس» 
المحكمون إذا أرادوا أمرا قالوا: نفعله إن شاء الله» فاجعلهم أمتي» قال: هي أمة محمد يا 
موسى.. فقال: يارب إني أجد في التوراة أمة يأكلون كفاراتهم وصدقاتهم, وكان الأولون 
يحرقون صدقاتهم بالنار وهم المستجيبون المستجاب لهمء الشافعون المشفوع لحمء قال 
موسى: رب فاجعلهم أمتي؟.. قال: هي أمة محمد يا موسى؟.. فقال: يارب إني أجد أمة 
إذا أشرف أحدهم على شرف كر الله وإذا هبط واديا حمد الله» الصعيد لهم طهورء والأرض 
لمهم مسجد حيث ما كانوا يتطهرون من الجنابة» طهورهم بالصعيد كطهورهم بالماء» حيث 
لا يجدون الماءء غر محجلون من آثار الوضوء»؛ فاجعلهم أمتي؟ قال: هي أمة أحمد يا موسى. 

قال آخر(»: ثم ذكروا أن موسى عليه السلام قال: رب إني أجد أمة إذا هم أحدهم 
بحسنة لم يعملها كتبت له حسنة مثلهاء وإن عملها ضعف عشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف» 
فإذا هم حدهم بسيئة ولم يعملها لم يكتب عليه» وإن عملها كتبت سيئة مثلهاء فاجعلهم 
أمتي قال: هي أمة أحمد.. فقال: رب إني أجد أمة مرحومة ضعفاءء يرثون الكتاب الذين 
اصطفيناهم» فمنهم ظالم لنفسه. ومنهم مقتصدء ومنهم سابق بالخيرات» فلا أجد منهم 
أحدا إلا مرحوماء فاجعلهم أمتي» قال: هي أمة أحمد يا موسى.. فقال: رب إني أجد في 
التوراة أمة مصاحفهم في صدورهم يلبسون ألوان ثياب أهل الجنة» صفوفهم في الصلاة 
صفوف الملائكة» أصواتهم في مساجدهم كدوي النحل؛ لا يدخل النار منهم أحد أبدا إلا 
من برئ الحسنات, مثل ما برئ الحجر من ورق الشجرء قال موسى: فاجعلهم أمتيء قال: 


قال آخر(”: ثم ذكروا أنه لما عجب موسى عليه السلام من الخير الذي أعطى الله 


)077 /١7( تفسير الثعلبي‎ )1( 607١ /١5( تفسير الثعلبي‎ )١( 
7” 





مرغم قل عتم براسم 


1 يا وى إن اميك عل الس برا لات وَبَكَلَامِي * الأعراف: 144] إلى قوله 
لدَارَ الْقَاسقِينَ 4)١5(‏ [الأعراف: 140] ومن قَوْم مُوسَى أَمَة ييدُونَ بالق وب يَعْدِلُونَ 
4)١169(‏ [الأعراف: 154]» فرضى موسى كل الرضا. 

قال آخر: ومثل ذلك ما ورد في الحديث المنسوب لرسول الله يي والذي يذكر 
الشفاعة» وكيف تمتد إلى الجميع» ففيه: (فيآتون فيقولون: يا محمد أنت رسول الله وخاتم 
النبيين» وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخرء اشفع لنا إلى ربكء ألا ترى إلى ما 
نحن فيه؟ فأنطلق فآتى تحت العرش فأخر ساجدا لربيء ثم يفتح الله علي من محامده وحسن 
الثناء عليه شيئا لم يفتحه الله على أحد قبلي» ثم يقال: يا محمد!.. ارفع رأسك» سل تعطء 
واشفع تشفع» فأرفع رأمي فأقول: أمتي يا ربء أمتي يا ربء أمتي يا ربء فيقال: يا محمد! 
أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة» وهم شركاء الناس 
فيها سوى ذلك من الأبوابء ثم قال: والذي نفسي بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع 
الجنة كما بين مكة وهجرء أو ى| بين مكة وبصرى) 220 


قال آخر: ومثله ما ورد في الحديث أن رسول الله + يي تلا قول الله عز وجل في 


0-0 ليه عر ذه 


كوه 1 و 


إبراهيم: #أرَبٌ من أضْلَلْنَ كَثرًا من الدَّاسِ هَمَنْ يني فَِنَّهُ مني وَمَنْ عَصَان فَإِنتَ حَفُورٌ 
رَحِيةٌ4 [إبراهيم: 4605 وقول المسيح عليه السلام: لإِنْ تُعَذَيْهمْ فَإِمَُمْ عِبَاذّكَ وَِنْ تَغْفِرْ كُمْ 
نت أَنْتَ الْعَزِيرُ الحكِيم» (الائدة: 4116 ثم رفع يديه وقال: (اللهم أمني أمتي)؛ وبكى؛ 
فقال الله عز وجل: (يا جبريل اذهب إلى محمد» وربك أعلم» فسله ما يبكيك؟) فأتاه جبريل 
عليه الصلاة والسلام» فسأله فأخبره رسول الله ي#: بما قال» وهو أعلم, فقال الله: (يا 


)١(‏ البخاري (51711)؛ ومسلم (145)» والترمذي (574؟) 


71١ 





جبريل؛ اذهب إلى محمد, فقل: إنا سنرضيك في أمتكء ولا نسوؤك)7) 

قال آخر: ومثلها ما نسب إلى رسول الله يل أنه قال: (أمر بقوم من أمتي قد أمر بهم 
إلى النار» قال: فيقولون: يا محمد ننشدك الشفاعة» قال: فآمر الملاتكة أن يقفوا مهم» قال: 
فأنطلق واستأذن على الرب عز وجل فيأذن لي فأسجد وأقول: يا رب قوم من أمتي قد أمر 
بهم إلى النار» قال: فيقول لي: انطلق فأخرج منهم قال: فانطلق وأخرج منهم من شاء الله أن 
أخرج)() 

قال آخر: فهذه الأحاديث الشائعة يُستدل به على رحمة رسول الله يك بأمته» إلا أنها 
تسيء في نفس الوقت لرحمة الله تعالى» ذلك أن رحمة الله تعالى بخلقه واحدة» وهي بحسب 
أعمالهم لا بحسب الأمم التي ينتسبون إليها.. بالإضافة إلى أن رحمة رسول الله # بالعالمين 
جميعاء وليبست خاصة بأمته فقط. 

قال آخر: وأول ما يردها تلك الأحاديث ما ورد عن رسول الله ييه في المصادر المتفق 
عليها من قوله: (ليذادن رجال عن حوضي كا يذاد البعير الضالء أناديهم: ألا هلم ألا هلم 
ألا هلم» فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك» فأقول: فسحقاء فسحقاء فسحقا)(©.. فهذا الحديث 
متوافق مع القرآن الكريم» ومع تهديداته الشديدة للمخالفين» كما قال تعالى: اقَلْيَحْدَرِ 
الَّذِينَ كالِمُونَ عَنْ أمْرهِ أن تُصِيبَهُمْ فِثئةٌ أو يُصِيبَهُمْ عَذَّابٌ ألِيةُ4 [النور: *+] 

قال آخر: ومثل ذلك ما ورد في المصادر الشيعية» والتي تسلل إليها المدلسون ىا 
تسللوا إلى مصادرهاء فم| ينسب فيها لرسول الله يي قوله: (إذا كان يوم القيامة ولينا 
حساب شيعتناء فمن كانت مظلمته فيم| بينه وبين الله عز وجلء. حكمنا فيها فأجابناء ومن 


)١(‏ رواه مسلم(1/ 75750191-(0007) (6505)» وابن ماجة (5707)» وأبو داود (7371517)» والنسائي »)١57"(‏ وأبويعل 
(؟) رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الأهوال. إفقة 


(*) رواه مالك (254)» وعبد الرزاق (5119): وأحمد (17140): ومسلم 


71 





كانت مظلمته بينه وفيا بين الناس» استوهبناها فوهبت لناء ومن كانت مظلمته فيا بينه 
وبيننا كنا أحق من عفا وصففح)(2© 

قال آخر: ومثل ذلك ما ينسبونه إلى رسول الله يك أنه قال: (ما من أهل بيت يدخل 
واحد منهم الجنة إلا دخلوا أجمعين الجنة» قيل: (وكيف ذلك؟)» قال: (يشفع فيهم فيشفع 
حتى يبقى المخادم» فيقول: (يارب» خويدمتي قد كانت تقيني الحر والقر» فيشفع فيها)77) 

قال آخر: ومثل ذلك ما ينسبونه إلى الإمام الباقر أنه قال: (لفاطمة وقفة على باب 
جهنم» فإذا كان يوم القيامة كتب بين عيني كل رجل مؤمن أو كافر» فيؤمر بمحب قد كثرت 
ذنوبه إلى النار» فتقرأ بين عينيه حبا فتقول: إلمي وسيدي» سميتني فاطمة» وفطمت بي من 
تولاني وتولى ذريتي من النار» ووعدك الحق وأنت لا تخلف اللميعاد» فيقول الله عز وجل: 
صدقت يا فاطمة» إني سميتك فاطمة» وفطمت بك من أحبك وتولاك وأحب ذريتك 
وتولاهم من الناره ووعدي الحق وأنا لا أخلف ايعاد وإنما أمرت بعبدي هذا إلى النارى 
لتشفعي فيه فأشفعكء ليتبين لملائكتي وأنبيائي ورسلي وأهل الموقف موقفك مني 
ومكانتك عنديء من قرآت بين عينيه مؤمنا فجذبت بيده وأدخلته الجنة)06© 

قال آخر: ومثل ذلك ما ينسبونه إلى الإمام الباقر . في حديث طويل من ورود فاطمة 
على المحشر ‏ إلى أن قال: (فإذا صارت عند باب الجنة تلتفت. فيقول الله: يا بنت حبيبي» ما 
التفاتك وقد أمرت بك إلى جنتي؟.. فتقول: يا رب» أحببت أن يعرف قدري في مثل هذا 
اليوم» فيقول الله: يا بنت حبيبي» ارجعي فانظري من كان في قلبه حب لك أو لأحد من 
ذريتك» خذي بيده فأدخليه الجنة.. فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنة» يلقي الله في 


./١ص عن: العلل‎ 5١ /4 عن: العيون ص9١7. (") بحار الأنوار:‎ »5٠ / 4 بحار الأنوار:‎ )١( 


(؟) بحار الأنوار: 8 / 457 عن: الاختصاص. 


71 


قلومهم أن يلتفتواء فإذا التفتوا يقول الله: يا أحبائي» ما التفاتكم وقد شفعت فيكم فاطمة 
بنت حبيبي؟.. فيقولون: يارب» أحببنا أن يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم» فيقول الله: يا 
أحبائي» ارجعوا وانظروا من أحبكم لحب فاطمة» انظروا من أطعمكم لحب فاطمة» انظروا 
من كساكم لحب فاطمة» انظروا من سقاكم شربة في حب فاطمة» انظروا من رد عنكم غيبة 
في حب فاطمة» فخذوا بيده وأدخلوه الجنة)(1) 

قال آخر: ومثل ذلك ما ينسبونه إلى الإمام الباقر أنه سئل: إن لنا جارا ينتهك المحارم 
كلهاء حتى أنه ليترك الصلاة فضلا عن غيرها؟ فقال: (سبحان الله وأعظم ذلك آلا أخبركم 
بمن هو شر منه أما إنه ليس من عبد يذكر عنده أهل البيت فيرق لذكرنا الا مسحت الملائكة 
ظهره وغفر له ذنوبه كلها الا أن يجىء بذنب يخرجه من الإيهانء إن الشفاعة لمقبولة وما تقبل 
فى ناصب وان المؤمن يشفع لجاره وماله حسنة فيقول: يا رب جارى كان يكف عنى الأذى 
فيشفع فيه فيقول الله تبارك وتعالى: أنا ربك وأنا أحق من كافى عنك فيدخله الجنة وماله من 
حسنة وإن أدنى المؤمنين شفاعة ليشُع لثلاثين إنسانا فعند ذلك يقول؟ أهل النار: قا لَنَا 
مِنْ شَافِعِينَ ولا صَدِيقٍ يم © [الشعراء: 500610101٠١‏ 

قال آخر: ومثل ذلك ما ينسبونه إلى الإمام الباقر أنه قال: (إذا كان يوم القيامة جمع 
الله الناس فى صعيد واحد, من الأولين والآخرين عراة حفاة فيوقفون على طريق المحشر 
حتى يعرقوا عرقا شديداء وتشتد أنفاسهم» فيمكثون بذلك ما شاء الله وذلك قوله: #إقَلَا 
ا َمْسا [طه: 3١4‏ ثم ينادي مناد من تلقاء العرش: أين النبي الأمي .. فيقول 
الناس قد أسمعت كلا فسم باسمه. فينادي: أين نبي الرحمة محمد بن عبد الله؟ فيقوم رسول 


الله 4 فيتقدم أمام الناس كلهم حتى يتتهي إلى حوض طوله مابين أيلة وصنعاء؛ فيقف عليه 


١٠١١ بحار الأنوار (57/ 506) (؟) الكاف:48/‎ )١١ 


371 





ثم ينادي بصاحبكم فيقوم أمام الناس فيقف معه. ثم يؤذن للناس فيمرون» فبين وارد 
يومئذ وبين مصروف فإذا رأى رسول الله ## من يصرف عنه من محبينا أهل البيت بكى؛ 
وقال: يارب شيعة علي» يارب شيعة علي» قال: فيبعث الله إليه ملكا فيقول له: ما يبكيك يا 
محمد؟ قال: فيقول: وكيف لا أبكي لأناس من شيعة أخي علي بن أبي طالب أراهم قد 
صرفوا تلقاء أصحاب النار ومنعوا من ورود حوضي؟ فيقول الله عز وجل له: يا محمد إن 
قد وهبتهم لك» وصفحت لك عن ذنوبهم, والحقتهم بك وبمن كانوا يتولون من ذريتك 
وجعلتهم في زمرتك» وأوردتهم حوضك. وقبلت شفاعتك فيهم» وأكرمتك بذلك)(2 

قال آخر: ومثل ذلك» ذلك الحديث الطويل المدسوس على الإمام علي» والمرفوع إلى 
رسول الله ##. وفيه الكثير من الأحداث المرتبطة بالمحشر» وهو مملوء بالتفاصيل التي قد 
يصح بعضهاء ولكن هناك مبالغات في التفاصيل» وهي أقرب إلى أحاديث القصاص 
والوعاظ المتأثرين بكعب الأحبار وغيره منها بأحاديث رسول الله 4#. 

قال آخر(): ونص الحديث ما يروونه عن الإمام علي أنه قال: دخل على رسول الله 
يي ذات يوم على فاطمة وهي حزينة» فقال لها: ما حزنك يا بنية؟ قالت: يا أبت ذكرت 
المحشر ووقوف الناس عراة يوم القيامة» قال: يا بنية إنه ليوم عظيم» ولكن قد أخبرني 
جبريل عن الله عز وجل أنه قال: أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أناء ثم أبي إبراهيم» 
ثم بعلك علي بن أبي طالب ثم يبعث الله إليك جبريل في سبعين ألف ملك؛ فيضرب على 
قبرك سبع قباب من نور ثم يأتيك إسرافيل بثلاث حلل من نور فيقف عند رأسك 
فيناديك: يا فاطمة ابنة محمد قومي إلى محشرك» فتقومين آمنة روعتك مستورة عورتك, 


فيناولك إسرافيل الحلل فتلبسينهاء ويآتيك روفائيل بنجيبة من نور زمامها من لولؤْ رطب 


.776 /51" (؟) تفسير فرات/ 455 ح 20817 بحار الأنوار»‎ 515 /١ أمالى الطوسى:‎ )١( 


ك إن 





عليها محفة من ذهبء فتركبينها ويقود روفائيل بزمامها وبين يديك سبعون ألف ملك 
بأيديهم ألوية التسبيح» فإذا جد بك السير استقبلتك سبعون ألف حوراء يستبشرون بالنظر 
إليك» بيد كل واحدة منهن مجمرة من نور يسطع منها ريح العود من غير نار» وعليهن 
أكاليل الجوهر مرصع بالزيرجد الأخضرء فيسرن عن يمينك؛ فإذا سرت مثل الذي سرت 
من قبرك إلى أن لقيتك استقبلتك مريم بنت عمران في مثل من معك من ا حور فتسلم عليك 
وتسير هي ومن معها عن يسارك» ثم تستقبلك أمك خديجة بنت خويلد أول المؤمنات بالله 
ورسوله ومعها سبعون ألف ملك بأيديهم ألوية التكبير» فإذا قربت من الجمع استقبلتك 
حواء في سبعين آلف حوراء ومعها آسية بنت مزاحم» فتسير هي ومن معها معك. فإذا 
توسطت الجمع وذلك أن الله يجمع الخلائق في صعيد واحد فتستوي بهم الأقدام, ثم ينادي 
مناد من تحت العرش يسمع الخلائق: غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة الصديقة بنت محمد 
يي ومن معها. 

قال آخر(١:‏ ثم نسبوا إلى رسول الله يي أنه قال في تتمة الحديث: إنه لا ينظر إليك 
يومئذ إلا إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام وعلي بن أبي طالب» ويطلب آدم حواء فيراها 
مع أمك خديجة أمامك, ثم ينصب لك منبر من النور فيه سبع مراقي بين المرقاة إلى المرقاة 
صفوف الملاتكة بأيديهم ألوية النورء وتصطف الحور العين عن يمين المنبر وعن يساره. 
وأقرب النساء منك معك عن يسارك حواء وآسية بنت مزاحمء فإذا صرت في أعلى المنبر 
أتاك جبريل عليه السلام فيقول لك: يا فاطمة سل حاجتك. فتقولين: يا رب أرني الحسن 
والحسين فيأتيانك وأوداج الحسين تشخب دماء وهو يقول: يا رب خذ لي اليوم حقي من 


ل ا 1 عند ذلك الجليل وتخخ : لغضبه جهنم والملائكة أجمعون, فتزفر جهنم 


7 


)١(‏ انظر المراجع السابقة.. 


715 





عند ذلك 0 فوج من النار ويلتقط قتلة الحسين وأبناءهم وأبناء أبناءهم» 
ويقولون: يارب إنا لم : نحضر الحسين. » فيقول الله لزبانية جهنم: خذوهم بسياهم بزرقة 
الأعين وسواد الوجوه. خذوا بنواصيهم فألقوهم في الدرك الأسفل من النار» فإنهم كانوا 
أشد على أولياء الحسين من آبائهم الذين حاربوا الحسين فقتلوه فبسمع شهيقهم في جهنم. 

قال آخر(©©: ثم نسبوا إلى رسول الله يل أنه قال في تتمة الحديث: إن جبريل عليه 
السلام يقول لفاطمة: يا فاطمة سل حاجتك. فتقولين: يا رب شيعتي» فيقول الله عز وجل: 
قد غفرت لهم, فتقولين: يا رب شيعة ولديء فيقول الله: قد غفرت لهمء فتقولين: يا رب 
شيعة شيعتي» فيقول الله: انطلقي فمن اعتصم بك فهو معك في الجنة» فعند ذلك يود 
الخلائق أخهم كانوا فاطميين» فتسيرين ومعك شيعتك وشيعة ولدك وشيعة أمير المؤمنين 
آمنة روعاتهم مستورة عوراتهم» قد ذهبت عنهم الشدائد وسهلت لهم الموارد» يخاف الناس 
وهم لايخافون» ويظماً الناس وهم لا يظمأون. 

قال آخر(): ثم نسبوا إلى رسول الله يا أنه قال في تتمة الحديث: فإذا بلغت باب 
الجنة تلقتك اثنتا عشر ألف حوراء لم يتلقين أحدا قبلك ولا يتلقين أحدا بعدك» بأيديهم 
حراب من نور على نجائب من نور» رحائلها من الذهب الأصفر والياقوت» أزمتها من 
لؤلؤ رطبء على كل نجيب نمرقة من سندس منضود. فإذا دخلت الجنة تباشر بك أهلهاء 
ووضع لشيعتك موائد من جوهر على أعمدة من نور فيأكلون منها والناس في الحساب. 
وهم فيهم| اشتهت أنفسهم خالدون, وإذا استقر أولياء الله في الجنة» زارك آدم ومن دونه من 
النبيين» وإن في بطنان الفردوس لؤلؤتان من عرق واحد لؤلؤة بيضاء ولؤلؤة صفراء, فيها 
قصور ودور في كل واحدة سبعون ألف دارء البيضاء منازل لنا ولشيعتناء والصفراء منازل 


)١(‏ انظر المراجع السابقة.. (1) انظر المراجع السابقة.. 
/71 





لإبراهيم وآل إبراهيم عليهم السلام. 

قال آخر: ومثل ذلك تلك الأحاديث التي لا تصنف الشفعاء بحسب أنسايهم 
وبلداهم» وإنم| بحسب أعماللهم, ومنها ما ينسبونه إلى رسول الله 4 أنه قال: (أول من أشفع 
له من أمتي أهل بيتيء ثم الأقرب فالأقرب من قريش والأنصاره ثم من آمن بي» واتبعني 
من أهل اليمن» ثم من سائر العربء ثم الأعاجم» وأول من أشفع له أولو الفضل)(© 

قال آخر: ومثله ما يروونه عنه يي آنه قال: (أول من أشفع له من أمتي أهل المدينة» 
وأهل مكة. وأهل الطاتف)() 

قال آخر: ومثل ذلك تلك الأحاديث التي تصف ما يحصل يوم القيامة من الأحداث 
أو ما في الجنة من نعيم أو ما في الجحيم من عذاب من غير المصادرالمعصومة. 

قال لخر دوفن الأنعلة عل ما نقلد اتير ون فى تقبدين قواله تحال :ذا لذرية آمو 
وَعَِلُوا الصَّالِجَاتِ طُوبَى طَُمْ وَحْسْنُ مَآب © [الرعد:18] عن وهب بن منبه أنه قال: إن في 
الجنة شجرة يقال لحا: طوبى» يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعهاء زهرها رياط » 
وورقها برود وقضباها عنبر» وبطحاؤها يا قوتء وترابها كافور» وحمأتها مسك. يخرج من 
أصلها أنبار الخمر واللبن والعسلء» وهي مجلس لأهل الجنة» فبيناهم في مجلسهم إذ أتتهم 
ملائكة من ربهم يقودون نجبا مزمومة بسلاسل من ذهبء وجوهها كالمصابيح من حسنها 
ووبرها كخز المرعزي من لينه» عليها رحال ألواحها من ياقوت» ودفوفها من ذهب؛ 
وثياءها من سندس واستبرقء فينيخونها ويقولون: إن ربنا أرسلنا إليكم» لتزوروه وتسلموا 
عليه قال: فيركبونها وهي أسرع من الطائرء وأوطأ من الفراش» نجبا من غير مهنة» يسير 

(1) الطبراني في الكبير (15/ 451/ 218080 القرآن العظيم لابن كثير ”// ٠017‏ وأبو الشيخ كما في الدر المنثور للسيوطي */ 
(5) الطبراني في الكبير (15/ 551 / 1800) .. وقال ابن كثير في تفسير القرآن العظيم ”/ 0115 وهذا سياق غريب. 


(*) رواه الطبري في جامع البيان /١7‏ » وابن أبي حاتم كما في تفسير 


78 





الرجل إلى جنب أخيه وهو يكلمه ويناجيه لا يصيب أذن راحلة منها أذن صاحبتهاء حتى 
إن الشجرة لتتنحى من طرقهم لثلا يفرق بين الرجل وأخيه؛ فيأتون إلى الرحمن الرحيم» 
فيسفر لهم عن وجهه الكريم حتى ينظروا إليه» فإذا رأوه قالوا: اللهم أنت السلام ومنك 
السلام» وحق لك الجلال والإكرام. 

قال آخر(»: ثم ذكر أن الله تعالى يقول لهم عند ذلك: أنا السلام ومني السلام» 
وعليكم حقت رحمتي وححبتي» مرحبا بعبادي الذين خشوني بغيب» وأطاعوا أمزي: 
فيقولون: ربناء إنا لم نعبدك حق عبادتك, ولم نقدرك حق قدركء فآذن لنا في السجود 
قدامكء فيقول الله عز وجل: إنها ليست بدار نصب ولا عبادة» ولكنها دار ملك ونعيم» 
وإني قد رفعت عنكم نصب العبادة» فسلوني ما شئتم» فإن لكل رجل منكم أمنيته» فيسألونه 
حتى إن أقصرهم أمنية ليقول: ربء تنافس أهل الدنيا في الدنيا » فتضايقوا فيهاء فآتني مثل 
كل شيء كانوا فيه من يوم خلقتها إلى أن انتهت الدنياء فيقول الله تعالى: لقد قصرت بك 
أمنيتك» ولقد سألت دون منزلتك» هذا لك مني وسأحقك بمنزلتي؛ لأنه ليس عطائي 
نكرا ولا تصريدا. 

قال آخر(": ثم ذكر أن الله تعالى يقول: اعرضوا على عبادي مالم تبلغ أمانيهم» وما 
م خطر لهم على بال» فيعرضون عليهم حتى تقصر بهم أمانيهم التي في أنفسهم» فيكون فيا 
يعرضون عليهم براذين مقرنة» على كل أربعة منها سرير من ياقوتة واحدة» على كل سرير 
منها قبة من ذهب مفرغة » في كل قبة منها فرش من فرش الجنة» مظاهرة في كل قبة منها 
جاريتان من الحور العين» على كل جارية منهن ثوبان من ثياب الجنة» وليس في الجحنة لون 
إلا هو فيهماء ولا ريح طيب إلا وقد عبقتا به» ينفذ ضوء وجوهها غلظ القبة» حتى يظن 


)١(‏ تفسير الثعلبي )١( )؟91١ /١5(‏ تفسير الثعلبى /١5(‏ 9457؟) 


371 





من يراهما أنمها من دون القبة» يرى مخهما من فودتى سوقهما كالسلك الأبيض في ياقوتة 
حمراء» يريان له من الفضل على صاحبته كفضل الشمس على الحجارة أو أفضل» ويرى هو 
لما مثل ذلك ثم يدخل إليهم| فيحبيانه ويقبلانه» ويعانقانه» ويقولان له: والله ما ظننا أن 
الله يخلق مثلك. ثم يأمر الله تعالى الملائكة فيسيرون بهم صفا إلى الجنة» حتى ينتهي كل رجل 
منهم إلى منزلته التي أعدت له. 

ه. الحشوية والكون: 

بعد أن انتهى الحشوية التائبون من ذكر الأدلة على ما في كتبهم من إساءات 
وتشويهات وتدنيسات للمعاد والقيم التي تحكمه؛ قام بعض الحضورء وقال: وعينا هذا.. 
فحدثونا عن التشويه الذي تعرض له ما ورد في القرآن الكريم من الحديث عن الحقائق 
الكونية. 

قال كبير الحشوية: الأمثلة على ذلك كثيرة.. وهي لا تقل عن غيرها خطراء ذلك أنها 
تربط القرآن الكريم بكل الخرافات التي آمن بها البشر والتي أثبت العلم خطأهاء وبذلك 
فإن ربطها بالقرآن الكريم تشكيك فيه» وفي كل ما جاء به. 

قال آخر: ومن الأمثلة على ذلك ما روي في تفسير قوله تعالى: إق وَالْقَرْآنِ المجيد» 
[ق: »]١‏ حيث فسروا قاف بأنه جبل محيط بالسماوات والأرضين من زمردة خضراءء 
اخضرت الساء منه» وعليه كتفا السماء» والسماء عليه مقببة» وما أصاب الناس من زمردة 
كان تما تساقط من ذلك الجبل20. 


قال آخر: ومنها ما رووه عن وهب بن منبه أنه قال: إن ذا القرنين أتى وأشرف على 


37 /١17 الحاكم في المستدرك ”/ 4 50» عن عبد الله بن بريدة» وأورده المارودي 6 عن عكرمة والضحاكء والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن‎ )١( 
وعزاه إلى ابن المنذر وابن مردويه.‎ ١١5 /5 وأورده السيوطي في الدر المنثور‎ /٠ في التكت والعيون 0/ 774 عن الضحاك مختصراء والبغوي في معام التنزيل‎ 


0 


جبل قاف, فرأى تحته وحوله جبالا صغاراء فقال له: ما آنت؟ قال: أنا قاف. قال: فم| هذه 
الجبال حولك؟ قال: هي عروقيء وما من مدينة من المدائن إلا وفيها عرق من عروقيء فإذا 
أراد الله عز وجل أن يزلزل تلك الأرض» فحركت عرقي ذلك فتزلزلت تلك الأرض» 
فقال له: يا قاف أخبرني بشيء من عظمة الله» قال: إن شأن ربنا لعظيم» تقصر عنه الصفات» 
وتنقضي دونه الأوهام» قال: فأخبرني بأدنى ما يوصف منهاء قال: إن ورائي لأرضا مسيرة 
خسماثة عام في عرض خمسمائة عام من جبال ثلج يحطم بعضها بعضاء لولا ذلك الثلج 
لاحترقت من حر جهنمء قال: زدني» قال: إن جبريل عليه السلام» واقف بين يدي الله عز 
وجلء ترعد فرائصه يخلق الله تعالى من كل رعدة مائة ألف ملكء فأولئك الملائكة وقوف 
وصفوف بين يدي الله تعالل منكسو رؤوسهم. فإذا أذن الله هم في الكلام قالوا: لا إله إلا 
لله وهو قوله: ليَوْمَ يَقُومُ الرُوحُ وَالْلَاتكَةُ صَمًا لا يتكَلّمُونَ إِلّا مَنْ أذنَ لَه الرَّْمَنُ وَقَا 
صَوَّابًا» [النبأ:8"] يعني: قول لا إله إلا الله(1). 

قال آخر: ومنها ما رووه عن وهب أنه قال: (جاء ذو القرنين إلى الجبل المحيط بالدنيا 


وهو قء فقال: أنت ق؟ قال: نعم قال: ف| هذه الجبال الراسيات؟ قال: هذه من عروقي» 


1 


فإذا أراد الله عز وجل أن يزلزل بالأرض أوحى إلي» فحركت عرقا من عروقيء قال: 
فاستوحش ذو القرنين» فبعث الله تعالى إليه ملكا يؤنسه» فقال: هل من ورائها أرض 
أخرى؟ قال: نعم» أرض بيضاء مسيرة خمسمائة عام, تملوءة ثلجاء لولا برد ذلك الثلج لحلك 
أهل تلك البلدة من حر حملة العرش» فقال: هل وراءها أرض أخرى؟ قال: نعم» أرض 


تملوءة برداء لولا برد ذلك البرد لهلك أهل تلك البلدة من حر حملة العرشء» قال: قلت: 


)١(‏ تفسير الثعلبي (75/ »))57١‏ وانظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي خرافات بني إسرائيل التي أخذها عنهم بعض الناس لما رأى من جواز الرواية 
١١‏ آء الفتوحات الإلهية للجمل 5/ »١188‏ وقد علق ابن كثير على أنهبا من عنهم؛ ما لا يصدق ولا يكذب, ينظر: تفسير القرآن .18٠0 /١‏ 


71١ 


أخبرني بعظيم من عظمة الله عز وجل بكلمة واحدة. قال: إن ما حدثتك لبين أصبعين من 
أصابع الله عز وجلء كخردلة ني فلاة من الأرض )207 

قال آخر: ومنها ما رووه زورا وبهتانا عن ابن عباسء أنه قال: (خلق الله عز وجل 
جبلا يقال له: ق محيط بالأرضء وعروقه إلى الصخرة التي عليها الأرض. فإذا أراد الله عز 
وجل أن يزلزل قرية أمر ذلك الجبل» فيحرك الذي يل تلك القرية فيزلز لها ويحركهاء فمن؛ 
ثم تحرك القرية دون القرية)() 

قال آخر: ومثل ذلك ما أوردوه في تفسير قوله تعالى: #لَهَ ما في السََّاوَاتِ وَمَا في 
الْأَرْضٍ وَمَا بَيَْهُا وَمَا تَحْتَ الثَرَى4 لم +]» حيث رووا عن ابن عباس أنه قال: الأرض 
على ظهر النون. والنون على بحرء وإن طرفي النون ورأسه وذنبه يلتقيان تحت العرش» 
والبحر على صخرة خضراءء خضرة السماء منهاء وهي الصخرة التي ذكرها الله عز وجل 
في القرآن في قصة لقمان لقَتَكُنْ في صَخْرّةٍ؛4 التمان: 17] والصخرة على قرن ثور» والثور على 
الثرى» وما تحت الثرى لا يعلمه إلا الله عز وجلء وذلك الثور فاتح فاه فإذا جعل الله عز 
وجل البحار بحرا واحدا سالت في جوف ذلك الثورء فإذا وقعت في جوفه يبست177. 

قال آخر: ومثل ذلك ما رووه عن أبي هريرة؛ ونسبوه إلى رسول الله 4 أنه قال: (كلم 
الله عز وجل البحر الشامي فقال: يا بحر ألم أخلقك فأحسنت خلقك, وأكثرت فيك من 
الماء؟ قال: بلى يا رب. قال: كيف تصنع إذا حملت عليك عبادا لي يسبحوني» ويحمدوني» 
ويهللوني» ويكبروني؟ قال: أغرقهم. قال: فإني جاعل بأسك في نواحيك» وجاعلهم على 
بذ قال: ثم كلم البحر ال هندي فقال: يا بحرء ألم أخلقك. وأحسنت خلقكء. وأكثرت 


)1١(‏ العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (5/ )١584‏ (1) معالم التنزيل للبغوي 5/ 377, الجامع لأحكام القرآن 
)١(‏ العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (5/ )١5489‏ للقرطبي /١١‏ 2179 لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن 7/ 7717. 


تحن 


فيك من الماء؟ قال: بلى يا رب.. قال: فكيف تصنع إذا حملت عليك عبادا لي يسبحوني 
ويحمدوني. وببللون» ويكبروني؟ قال: أسبحك معهمء وأحمدك معهم. وأهللك معهم. 
وأكبرك معهم. وأحملهم بين ظهريء وبطني. قال: فآتاه الله عز وجل الحلي والصيد 
والطيب)(1) 

قال آخر: وهذا الحديث بالإضافة إلى ما فيه من تجسيم» حيث ذكر أن الله تعالى خص 
ركاب البحر الشامي بأن يحملهم في يده بالإضافة إلى ما فيه من نواح علمية جغرافية لا 
علاقة ها ب| تذكره علوم البحار» فإن فيه نواح عققدية لا تتناسب مع ما ورد في القرآن الكريم 
من طاعة كل شيء لله» وائتماره بأوامره. فلا البحر ولا الريح ولا أي شيء آخر يملك من 
أم رن نقسه شيعاه يا هو نسي يبد انلك شرك يقن يشا كنا قال قاق» اوهو الى يدل 


| اح مُشْرا ين يَدَيْ َيِه حَنَّى ذا أَقَلْتْ سَحَاباً بقَالاً ُفَنَاهُ لِبَلَدِ ميت مَيّتِ فَأَْرَلنَا به اما 


َأَخْرَجْنا به مِنْ كُلَّ اللَّمَرَاتِ كَذَلِكَ تُخْرِجُ الموْتَى لَعَلَكُمْ تَذَكوُونَ) الأعراف:/ه] 

قال آخر: وبمثل ذلك جاء تعبير (فَأَسَْْنَاكُمُوهُ) بدل تعبير (فشربتم) في قوله تعالى: 
#وَأَرْسَلْمَا الرّيّاحَ لَوَاقِحَ 8 قال لكادوزة التتا ماك كا شقنا كموة زا أله لَهُ بِحَازِنِنَ 
[الخجر:؟؟].. وبمثل ذلك جاء تعبير (فَأَحييَْا) بدل (حيت) في قوله تعالى: #وَالله الّذِي أَرْسَلَ 
لياح قير سَحَاباً مَسْفَئَهُ إل بَلَدِ مَيّتِ أَحْيْنا به الْأَوْض بَعْدَ مَوْيَا كَذَلِكَ الشُود» 
[فاطر:9] 

قال آخر: ومن تلك الأحاديث التي رواها أبو هريرة» التلميذ النجيب لكعب 
الأحبار» في هذا المجال» ما رواه عن الأرض الغريبة» والتي ادعى أن رسول الله 2 هو الذي 


أخبره عنهاء فقد روى أنه قال: (إن لله تعالى أرضا من وراء أرضكم هذهء بيضاء نورهاء 


)١517 /5( العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني‎ )١( 
لا‎ 





وبياضها مسيرة شمسكم هذه أربعين يوما). قالوا: كان رسول الله # يعني مثل الدنيا 
أربعين مرة» فيها عباد لله تعالى» لم يعصوه طرفة عين. قالوا: يا رسول الله أمن الملائكة هم؟ 
قال: (ما يعلمون أن الله خلق الملاتكة). قالوا: يا رسول الله أفمن ولد آدم هم؟ قال: (ما 
يعلمون أن الله عز وجل خلق آدم)» قالوا: يا رسول الله» أفمن ولد إبليس هم؟ قال: (ما 
يعلمون أن الله عز وجل خلق إبليس»» قالوا: يا رسول الله فمن هم؟ قال: (هم قوم يقال 
لهم الروحانيون» خلقهم الله عز وجل من ضوء نوره)7١)‏ 

قال آخر: ومن تلك الأحاديث ما أخبر به عن أنهار الجنة الموجودة على اللأرض» 
ومنها قوله: سمعت النبي :# يقول: (إن النيل يخرج من الجنة» ولو التمستم فيه حين يمج 
لوجدتم فيه من ورقها)(.. ومنها روايته عن رسول الله #7 أنه قال: (سيحان وجيحان 
والفرات والنيل كل من أنهار الجنة)20.. ومع العلم أن الله تعالى في القرآن الكريم ذكر 
البحار والأنهار» ولم يخص أحدا منها بشيء.. وهذا هو الفرق بين الطرح القرآني المقدس» 
والذي يتناسب مع كل البيئات» وبين الطرح البشري المدنس» والذي يفاضل بين بقاع 
الأرض. بل حتى بين أنهارها وبحارها. 

قال آخر: وعندما نبحث عن مصدر هذا الحديث في الكتاب المقدس» نجده بسهولة 
في [سفر التكوين: الإصحاح الثاني؛ الفقرات 7 »]١5‏ ففميها: (وكان نهر يخرج من عدن ليسقي الجنة ومن 
هناك ينقسم فيصير أربعة رؤوسء اسم الواحد فيشون وهو المحيط بجميع أرض ال حويلة 
حيث الذهبء وذهب تلك الأرض جيد هناك المقل وحجر الجزع» واسم النهر الثاني 


جيحون» وهو المحيط بجميع أرض كوشء واسم النهر الثالث حداقل وهو الجاري شرقي 


258704 رواه مسلم (5/ 5187 رقم‎ )7( )١54٠ /4( العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني‎ )١( 
)١57١ /4( العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني‎ )1( 
را‎ 


أشورء والنهر الرابع الفرات)» وهو يتناسب تماما مع التصورات اليهودية للجنة» والتي 
تحصرها في عالم الدنياء فامتلاك الدنيا عندهم والتسلط عليها وعلى أهلها هي الجنة. 

قال آخر: ومن تلك الأحاديث المشوهة للحقائق الكونية» والمسيئة للإسلام؛ ما 
روي عن عبد الله بن عمرو ‏ والذي كان أحد التلاميذ البارزين لكعب الأحبار ‏ أنه قال: 
((خلقت الدنيا على ممس صورهء على صورة الطير برأسه وصدره وجناحيه وذنبه» فالرأس: 
مكة, والمدينة» واليمن» والصدر: مصر والشامء والجناح الأيمن: العراق» وخلف العراق 
أمة يقال لها واق» وخلف واق أمة يقال لها وقواق» وخلف ذلك من الأمم ما لا يعلمه إلا 
الله عز وجلء والجناح الأيسر: السند. وخلف السند الهند» وخلف الحند أمة يقال لما ناسك» 
وخلف ناسك أمة يقال لها منسك» وخلف ذلك من الأمم ما لا يعلمه إلا الله عز وجل» 
والذنب: من دار الحمام إلى مغرب الشمسء وشر مافي الطير الذنب) 20 

قال آخر: ومنها ما رووه عن مغيثء قال: (الأرض ثلاثة أنواع: ثلث فيها الشجر 
والنسيم» وثلث البحور»ء وثلث قاع صفصف ليس فيها نبت ولا نسيم؛ والخلق ثلاثة: 
السمك ثلث. والنمل ثلثء» وسائر الخلق ثلث) 27 

قال آخر: ومنها ما فسروا به قوله تعالى: لوَيسْأَنُونَكَ عَنِ الرُوح4 [الإسراء: 6+]» 
وقوله: #يَوْمَ يَقُومُ الوح وَاذَْائِكَةُ صَمًاك [البأ:++» وقوله: #وَمَايَعْلَمُ جُنُودَ رَبّكَ إلا هْوَ 
وَمَا هِيّ إلا وِكْرَى لْبشّرِ4 [للدثر: »]١‏ حيث رووا عنه كعب الأحبار أنه قال: (إن الله عز 
وجل خلق الخلق» ثم جزأه على عشرة أجزاءء فجعل بني آدم جزءاء والجن تسعة أجزاع 
وبني آدمء ويأجوج ومأجوج. والجن جزءاء والكروبيين تسعة أجزاءء. وملائكة الشدة 
جزءاء وملائكة العذاب تسعة أجزاءء. وبني آدم, ويأجوجهم ومأجوجهم. والجن 


)١47١ /5( العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني‎ )١( 2١57١ /5( العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني‎ )١( 
رف‎ 





والكروبيون وملائكة الشدة» وملاتكة العذاب» وملاتكة الغضب جزءاء وملائكة الرحمة 
تسعة أجزاء. وبني آدمء ويأجوجهم ومأجوجهم. والجن والكروبيين» وملائكة الشدة» 
وملاتكة العذاب» وملائكة الغضبء. وملائكة الرحمة جزءاء وخزان الجنة تسعة أجزاء. 
وبني آدمء والجن والكروبيين» وملائكة الشدة» وملائكة العذاب» وملائكة الغضب» 
وملائكة الرحمة» وخزان الجنة جزءاء والروح تسعة أجزاء) (© 

قال آخر: وقد رووا تعقيبا على هذا الحديث أنه سئل من بعض تلاميذه عن قوله 
تعالى: #وَمَا يَعْلّمُ جُنُودَ رَبك إِلّا هو [للدثر: 1١‏ فضحك كعبء وقال: (ما هذا الذي 
ذكرت في جنوده: غيهات: فأين قوله: #وَيَْلّقٌ مَا لا تَعْلَمُونَ4 [النحل: 1 وقد خلق خلقا 
لا يعلمهم إلا هو فوق هذا الخلق الأعلى» وخلق خلقا لا يعلمه إلا هو تحت هذا الخلق 
الأسفل» وخلق خلقا لا يعلمهم إلا هو في الحواء بين السماء» وما لا نعلم أكثر وأكثر) (7) 

قال آخر: ومثل ذلك رووا عن وهب بن منبه في تفسيرها قوله: (إن الله عز وجل 
يجمع يوم القيامة» ولد آدم» إنسهم وجنهم, ويأجوجهم ومأجوجهم. والجن والشياطين» 
فيكونون بنو آدم» وأهل السماء الدنيا كلهم جزءا واحداء ويكون أهل سا)ء الدنيا تسعة 
أجزاءء ثم يضم أهل سمء الدنيا إلى أهل السماء الثانية» وإلى أهل الأرض إنسها وجنها 
وشياطينهاء ويأجوجها ومأجوجهاء ثم يقيسهم بأهل الثانية بجميع ما فيهاء وأهل الأرض 
بجميعهم جزءا واحداء ويكون أهل ساء الثالثة تسعة أجزاءء ثم على هذا الحساب حتى 
يخي ذلك إلى السماء السابعة» فتبارك الذي أحصى عددهم» وأسماءهم وأرزاقهم» 


وأعمارهم وقوتهم» وحياتهم ومنقلبهم ومثواهم)("© 


)١ 4737 /5( العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني‎ )( )١ 5757 /5( العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني‎ )١( 
)١ 577 /5( العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني‎ )1( 


مدن 


قال آخر: ورووا في إحصاء العوالم في تفسير قوله تعالى: #إرَبٌ الْحَاكَينَّ4 [الفاقة: ؟] 
عن بعضهم أنه قال: (العالمين: ألف أمة ستماثة في البحر» وأربعمائة في البر) (1) 

قال آخر: ورووا عن الشعبي قوله: (إن لله عز وجل عبادا من وراء الأندلس كم بيننا 
وبين الأندلسء ما يرون أن الله تعالى عصاه مخلوق» رضراضهم الدر والياقوت». جبالهم 
الذهب والفضة. لا يحرثون» ولا يزرعونء ولا يعملون عملاء لمهم شجر على أبواءهم لها ثمر 
هي طعامهم» وشجر لها أوراق عراض هي لباسهم) (2) 

قال آخر: ورووا عن أبي هريرة» عن رسول الله ##. أنه قال: (إن لله تعالى أرضا من 
وراء أرضكم هذه بيضاء نورهاء وبياضها مسيرة شمسكم هذه أربعين يوما»» قالوا: كان 
رسول الله يي يعني مثل الدنيا أربعين مرة» فيها عباد لله تعالى» لم يعصوه طرفة عين » قالوا: 
يا رسول الله أمن الملاتكة هم؟ قال: (ما يعلمون أن الله خلق الملاتكة)» قالوا: يا رسول 
الله أفمن ولد آدم هم؟ قال: (ما يعلمون أن الله عز وجل خلق آدم). قالوا: يا رسول الله 
أفمن ولد إبليس هم؟ قال: (ما يعلمون أن الله عز وجل خلق إبليس). قالوا: يا رسول الله 
فمن هم؟ قال: (هم قوم يقال لهم الروحانيون» خلقهم الله عز وجل من ضوء نوره) () 

قال آخر: ورووا في تفسير قوله تعالى: #وَجَدَهًا تَعْرْبٌ في عَيْنِ حَمَةِ4 [الكيف: 85] 
عن ابن جريج قوله: (مدينة لها اثنا عشر ألف بابء لولا أصوات أهلها لسمع وجوب 
الشمس حين تجب). ثم نسبوا إلى رسول الله يل أنه قال: (ل يبن فيها بناء قطء كانوا إذا 
طلعت الشمس دخلوا سربالهم حتى تزول الشمس) (4) 

قال آخر: وهكذا رووا الروايات الكثيرة العجيبة في قصة الأراضي التي زارها ذو 


)١45٠ /5( العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني‎ )( )١ 577 /5( العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني‎ )١( 
0) / 5( العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني‎ )5( )١ 57 /5( العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني‎ )1( 
/ 


القرنين» ومنها ما حدثوا به عن بعضهم أن (ذا القرنين في بعض مسيره مر بقوم قبورهم على 
أبواب بيوتهم» وإذا ثيابهم لون واحدء ورقاعها واحدة» وإذا هم رجال كلهم ليس فيهم 
امرأة» فتوسم رجلا منهم فقال: لقد رأيت شيئا ما رأيته في شيء من مسيري قال: وما هو؟ 
فوصف له ما رأى منهم, فقال: أما هذه القبور التي على أبوابناء فإنا جعلناها موعظة لقلوبنا 
تخطر على قلب أحدنا الدنيا فيخرج» فيرى القبور فيرجع إلى نفسه فيقول: إلى هذا المصير» 
وإليها صار من قبلي» وأما هذه الثياب. فإنه لا يكاد الرجل يلبس ثيابا أحسن من ثياب 
صاحبه إلا رأى فضلا على جليسه؛ وأما قولك: إنكم رجال كلكم ليس معكم نساء 
فلعمري» فلقد خلقنا من ذكر وأنثى» ولكن هذا القلب لا يشغل بشيء إلا اشتغل به 
فجعلنا نساءنا وذرارينا في قرية قريبة مناء فإذا أراد الرجل من أهله ما يريد الرجل أتاهاء 
فكان معها الليلة والليلتين» ثم يرجع إلى ما هاهناء وإنا جعلنا هذه للعبادة» قال: فم) كنت 
لأعظكم بشيء أفضل مما وعظتم به أنفسكم, سلني ما شئتء قال: من أنت؟ قال: أنا ذو 
القرنين» قال: ما أسألك وأنت لا تملك شيئا؟ قال: وكيف وقد آتاني الله عز وجل من كل 
شيء سببا؟ قال: لا تقدر على أن تأتيني مالم يقدر إلي» ولا تصرف ما قدره علي) (7) 
قال آخر: وهكذا رووا عن سليمان عليه السلام أنه قال: (يا ربء أرني السمكة التي 
عليها قرار الأرضين» فأوحى الله عز وجل أن سر إلى مجمع البحارء فأمر الله عز وجلء دابة 
من دواب البحار» فأخرجت وسطهاء فجعلت تخرج وسطها ثلاثة أشهر الليل مع النهار, 
تفتر ساعة» فقال سليمان عليه السلام بعد ثلاثة أشهر: يا ربء أما آن لها أن يخرج رأسها 
أو ذنبها؟ فأوحى الله عز وجل إليه: يا سليهان. لو أنها أخرجت إلى السنة المقبلة ليلها ونهارها 
على نحو ما رأيتهاء ما أخرجت رأسها ولا ذنبها من البحر. وهل تدري يا سليمان كم رزق 


2١557 /4( العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني‎ )١( 
78 





هذه السمكة التي عليها قرار الأرضين؟.. قال: لاء قال: إن غداءها سبعون ألف سمكة 
مثل هذه وعشاءها سبعون ألف سمكة مثل هذه. ما فارقها رزقها طرفة عين» فارجع يا 
سليهان» فإنك لا تطيق أن ترى هذه» فكيف تطيق أن تنظر إلى السمكة التي عليها قرار 
الأرضين؟ فقال سليمان عليه السلام: لا سلطان إلا سلطانكء ولا ملك إلا ملكك)217 

قا لاخر وهكذا رووا في تفسير قوله تعالى: #حَتَّى تَوَارَتُ بالجَابٍ © [ص: ”*] عن 
كعبء أنه قال: (الحجاب: جبل أخضر من ياقوت يحيط بالخلائق» فمنه خضرة السماء التي 
يقال لها: الخضراءء وخضرة البحر من السماء» فمن ثم يقال: البحر الأخضر) 7) 

قال آخر: ورووا في صفة البحر والحوت؛ وعجائب ما فيهما عن وهب بن منبه أنه 
سئل عن الأرضين كيف هيء فقال: (سبع أرضين ممهدة جزائر» بين كل أرضين بحرء 
والبحر الأخضر محيط بذلك كله. والميكل من وراء البحر.. وإن السماوات والأرض» 
والبحار لفي الميكل» وإن الميكل لفي الكرميء وإن قدميه لعلى الكرسي» فهو يحمل 
الكرسي» وقد عاد على الكرسي كالنعل في قدمها)» وسئل: ما الميكل؟ قال: (شيء من 
أطراف السماواتء محدق باللأرضين والبحار كأطناب الفسطاط) 9) 

قال آخر: ونسبوا إلى ابن عباسء في تفسير قوله تعالى: لإق وَالْفَرْآنِ اليد 1ق ]١‏ 
قوله: (أنبت الله عز وجل من الياقوتة جبلاء فأحاط بالأرضين السبع على مثل خلق الياقوتة 
في حسنها وخضرتها وصفائها. فصارت الأرضون السبع في ذلك الحبل كالأصبع ف 
الخاتم» وارتفع بإذن الله عز وجل في الجو حتى لم يبق بينه» وبين السماء إلا ثانون فرسخاء 
وما بين السماء والأرض مسيرة خمسائة عام للراكب المسرعء ثم أنبت الله عز وجل هذه 


)1799 /5( العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (4/ 21197 () العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني‎ )١( 
211945 /5( العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني‎ )1( 


م 


الجبال التي على وجه الأرض في برها وبحرها من ذلك الجبل» فهي عروق ذلك الجبل 
متشعبة في الأرضين السبع» فذلك قوله تعالى: وَاجْبَالَ أَوْنَادَاك [البا: 0]» وَجَعَلنَا فِيهًا 
رَوَايِيَ شَاجَاتِ»# [المرسلات: ]0 فالرواسي : الثابتات الأصول إلى الأرض السابعة» 
والشاغات: العاليات الفروح فوق هذه الأرضص» ولذلك ابل رأس كرأس الرجل؛ ووجه 
كوجه الرجل» وقلب على قلوب الملائكة في المعرفة لله سبحانه وتعالى» والخشية والطاعة 
لهء فذلك قوله جل ذكره: #إق وَالْقَرْآنِ اليد [ق: ]١‏ ف #إق* [ق: ]١‏ ذلك الجبل وهو 
اسمه وهو أقطار السموات والأرضء التي يقول الله عز وجل: إن اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنفْذُوا 
من أَقَطَارِ السََّاوَاتَ وَالْأَرْضٍ* [الرجين : لامع )210 

قال آخر: وأضافوا إلى ذلك قوله: (وخلق الله عز وجل في عروق ذلك الجبل ألوان 
المياه التي تجري في البحورء من البياض والخضرة» والسواد والصفرة» والحمرة والكدرة» 
والعذبء والمالح والمنتن والزعاقء فإذا أراد الله عز وجل أن يزلزل قرية أوحى إلى ذلك 
الجبل أن يحرك منه عرق كذا وكذاء فإذا حركه خسف الله عز وجل بالقرية» فخضرة السماء 
من ذلك. وخضرة ذلك الحبل من تلك الصخرة قضى ذلك ال رحمن تبارك وتعالى» فهبط 
جبريل على نبينا يي إلى الأرضء فلم| انفرجت عنه سماء الدنيا رمى ببصره إلى الأرض. فإذا 
هي ساكنة قد استقرت بالجبال بإذن الله جلت فيه عظمة الله عز وجلء فوقف مكانه. ثم 
أنشأ ينظر تعجباء فلم| رأى جبريل عليه السلام جبل قاف أنكره. لما رأى من عظم خلقه. 
وحسن لونه فقال: إن هذا الخلق ابتدعه الرحمن تبارك وتعالى الليلة» فل| أتاه أبصر خلقا 
عظيه| عجيباء مع صفائه وحسن لونه. ورأى عروقه متشعبة في الأرض. ما بين برها وبحرها 


قد ارتفعت على وجه الأرض. منيفة ذراها في ال هواء» فتعجب من كبرهاء واختلاف خلقهاء 


2١5815 /5( العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني‎ )١( 
برو‎ 





وتشتت ألوانهاء واستقرار الآأرض عليهاء فنظر إلى ق وقبض عليهاء فقال: إلحي, ما هذا؟ 
قال: يا جبريلء هذا الجبل» قال: إلهيء وما الجبل؟ قال: حجرء قال: إلهي» هل أنت خالق 
خلقا هو أشد من الحجر؟ قال: نعمء الحديد ويقد به الحجر. قال: إلهيء هل أنت خالق 
خلقا أشد من الحديد؟ قال: نعمء النار يلين بها الحديد» قال: إلمي. هل أنت خالق خلقا هو 
أشد من النار؟ قال: نعمء الماء يطفئ به النار» قال: إلهي» هل أنت خالق خلقا هو أشد من 
الماء؟ قال: نعمء الريح تفرقه أمواجاء وتحبسه عن مجراه» قال: إلهي» هل أنت خالق خلقا 
هو أشد من الريح؟ قال: نعم ابن آدم يحتال لهذا كله بعضه ببعض)(22 

قال آخر: ثم ذكروا أن جبريل عليه السلام خر ساجداء فأطال السجود والبكاءء 
والثناء على الله عز وجلء ثم قال: يا ربء. ما كنت أظن أنك تخلق خلقا هو أشد مني» 
فأوحى الله عز وجل إليه: يا جبريل» مالم ترمن قدرتيء ولم تبلغ من كنه شأنيء ولم تعلم به 
إلى ما قد رأيت» وعلمت كالبحر المغلوب الذي لا تعرف نواحيه» ولا يوصف عمقه إلى 
قطر الرشاءء قال جبريل: كذلك أنت إلهيء وأقدر وأعظم» ثم رجع إلى السماء السابعة 
العلياء متقاصرة إليه نفسه لما رأى من الخلق العظيم» والعجب العجيب» حتى وقف في 
مكان متعبده من السماء السابعة)» فذلك قوله جل ذكره: وَالْأَرْض مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فيهًا 
رَوَايِيَ # [الحجر: 19]» وََلْقَى في الأزض رَوَاسِيَ أت عد بكم [النحل: »]1١5‏ يعني لكيلا تميد 
بكم» كما كانت تفعل قبل ذلك(2. 

قال آخر: ومثل ذلك ما رووه في تفسير قوله تعالى: #اَ] تَرَ كف فَعَلَ رَبك بِعَادٍإِرَمَ 
ذَاتِ الْعَاد التي لَيخْلقُ يلهاي الْبلَاد4 [الفجر:*.10]» فقد ذكروا في ذلك الكثير من الغرائب 
التي ننزه القرآن الكريم أن يفسر بها. 


)١1485 /5( العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني‎ )١( 2١585 /5( العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني‎ )١( 
كرس‎ 





قال آخر(2: ومن الأمثلة على ذلك ما رووه عن: عن وهب بن منبه» أنه أخبر أن 
عبد الله بن قلابة» خرج في طلب إبل له نشزتء فبين! هو في صحاري عدن أبين والشجر 
تظله في تلك الفلوات إذ وقع على مدينة في تلك الفلوات عليها حصن حول ذلك الحصن 
قصور كثيرة» وأعلام طوال. فلما دنا منها ظن أن فيها أحدا يسأله عن إبله فإذا لا خارج 
يخرج من باب حصنهاء ولا داخل يدخل منه؛ فلم| رأى ذلك نزل عن ناقته وعقلهاء ثم استل 
سيفه ودخل من باب الحصنء فللم| خلف الحصن إذا هو ببابين عظيمين لم ير في الدنيا شيء 
أعظم منهماء ولا أطولء وإذا خشبهم| محمرء وني ذينك البابيين مسامير من ياقوت أبيض» 
وياقوت أحمر يضيئ ذانك البابان فيهما بين الحصن والمدينة. 

قال آخر(": ثم ذكر أنه لما رأى ذلك الرجل أعجبه. وتعاظمه الأمرء ففتح أحد 
البابين ودخلء فإذا هو بمدينة لم ير الراءون مثلها قط» وإذا هي قصور: قصور على كل قصر 
معلق تحته أعمدة من زب رجد وياقوت» ومن فوق كل قصر منها غرفء وفوق الغرف غرف 
مبنية بالذهب والفضة واللؤلؤٌ والياقوتء والزبرجد. وكل مصاريع تلك القصور. وتلك 
الغرف مثل مصراعي باب المدينة من حجرء كلها مفصصة بالياقوت الأبيضء والياقوت 
الأحمر» متقابلة بعضها ببعضء ينور بعضها من بعضء مفروشة كلها تلك القصورء وتلك 
الغرف باللؤلؤ» وبنادق من مسك وزعفران. 

قال آخر(": ثم ذكر أنه لما عاين الرجل ما عاين» ولم ير فيها أحداء ولا أثر أحد. وإن| 
هو شيء مفروغ منه. بناء لم يسكنه أحدء ول ير أثرا لأحد من الناس إلا عصا حديدة أهاله 


ذلك وأفزعه. ثم نظر إلى الأزقة» فإذا هو بالشجر في كل زقاق منها قد أثمرت تلك الأشجار 


2١595 /4( العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني‎ )”( )١ 497” /5( العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني‎ )١( 
)١494 /5( العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني‎ )1( 
7 


كلهاء وإذا تحت تلك الأشجار أنهار مطردة يجري ماؤها من قنوات من فضة» كل قناة منها 
أشد بياضا من الشمسء تجري تلك القنوات تحت الأشجارء وداخل الرجل العجب مما 
رأى» وقال: والذي بعث محمدا 2# بالحق ما خلق الله تبارك وتعالى مثل هذه في الدنياء وإن 
هذه للجنة التي وصف الله عز وجلء ما بقي تما وصف الله تبارك وتعالى شيء إلا وهو في 
هذه المدينة هذه الجنة» الحمد لله الذي أدخلنيها. 

قال آخر: إلى آخر القصة التي حولت تلك الآيات الكريمة إلى محال تذكر فيها أمثال 
هذه الأساطير الغريبة المسيئة للقرآن الكريم. 

قال آخر: وما ذكرناه مجرد ناذج عن بعض الروايات التي أوردها شيوخنا حول 
الكون.. وهي كلها تدل على حنين سلفنا إلى الغرائب» والتي تلجئهم إلى الخرافة لا محالة.. 
ولو أنا اكتفينا با ورد في القرآن الكريم عن الكون, ثم صرفنا جهودنا بعد ذلك بالسير في 
مناكب الأرض لنعمرهاء ونملأها هداية وصلاحا لكففنا عن كل ذلك الغثاء الذي شوهنا 


به الدين. 


سس 


ثانباء القرآن:.. والكشفية 

في اليوم الثاني» وبينا كنت مع معلمي نتجول في أرجاء المدينة» ونحن نحمد الله 
تعاللى على تخليصها من الكيد الحشوي الذي كان مدبرا لما.. إذا بنا نسمع صوتا عاليا لبعض 
المارة» يقول: من أراد منكم أن يرى حقائق القرآن رأي العين؟؛ فعليه بالسير معي إلى تلك 
الخلوات التي يمكنكم من خلاهاء وفي أربعين يوما فقطء أن تتحققوا بكل المعارف 
والعلوم؛ وتروها رأي العين.. وحينها لن تحتاجوا إلى العلوم الظاهرة» ولا إلى علماء الظاهر 
الذين يقفون حجابا بينكم وبين الحق. 

سألت معلمي عن هؤلاء» فقال: هؤلاء هم المبطلون الذين يخالفون في ظاهرهم 
الحشوية» لكنهم في حقيقتهم ليسوا سوى تجل من تجلياهم» ومظهر من مظاهرهم. 

قلت: ما تعني؟ 

قال: الحشوية زاحموا النبوة» وأقصوها با كانوا يروونه عن اليهود وتلاميذهم؛ 
وهؤلاء زاموا النبوة وأقصوها ب كانوا يتوهمونه من أوهام» ويحلمونه من أحلام» ويدعونه 
من دصاووض, 

قلت: إن كنت تقصد الصوفية يا معلمي.. فم| أعرف عنهم إلا اجتهادهم في طاعة 
الله وحرصهم على التحقق بالمقامات السنية» والدرجات الرفيعة.. وأكثر حديثهم عن 
حب الله» ومعرفة الله.. وما عدا ذلك لا أعرف عنهم شيئا. 

قال: الشيطان الذي استطاع أن يتسلل لمفسري ظاهر القرآن» فملؤوه بالخرفات 
والأباطيل» استطاع كذلك أن يتسلل إلى من ذكرت فيوحي لهم با يشاء من الأباطيل. 

قلت: كيف ذلك؟.. ولم أسمعهم يذكرون كعب الأحبار ولا وهب بن منبه.. ولا 
غيرهما من اليهود وتلاميذهم. 


وا 


قال: الضلال الذي توعد به الشيطان المؤمنين أعظم من أن يختصر في كعب ووهب.. 
ألم ترهم يذكرون الكشف والإلام» ويفسرون بما القرآن الكريم» ويستدلون ببما على 
حقائق الدين المقدسة؟ 

قلت: أجل.. وهم يستندون في ذلك لما ورد في القرآن الكريم والسنة المطهرة من 
فضل الله تعالى على عباده المؤمنين بالإلحام والعلم اللدني» وقد قال تعالى: لوَنَفْسِ 537 
سَوَاهَا قَأَهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَاك [الشس:07]» وقد عقب على ذلك بقوله: لقَدْ أَقْلَحَ مَنْ 
رَكّاهَاك [الشمس:14» وهو يشير إلى أن للتزكية والتربية دورا في التحقق بالإلهام الصالح» وهو 
الذي يشير إليه الصوفية. 

وقد أطلق على هؤلاء المفتوح عليهم بفتوح العلم لقب المتوسمين, فقال: لإإنَ في 
ذَلِكَ لَآيَاتِ لِلْمْتَوَسّوِينَ4 [الحجر: 70]» وقد ورد في تفسير هذا قوله يه: (إن لله عبادًا يعرفون 
الناس بالتوسم)() 

وهكذا أشار إلى دوره في تقوية الإيهان» فقال: لوَالِّينَ اهَْدَوَا زَادَهُمْ هُدَّى وَآنَاهُمْ 
تقْوَامُمْ4 اعمد: 4600 وقال: لوَالَّذِينَ جَاهَدُوا فيا لَتَهدِيتّهُمْ سُبْكنَاوَِنَّ لله َم الُْحْسِنينَ 
[العنكبوت: 19] 

فالآيتان الكريمتان تشيران إلى أن من لطف الله تعالى بعباده أن يؤيدهم با يقوي 
إيهانهم» بحسب المستوى الذي يؤهلهم لذلك الإمداد» ىا يشير إلى ذلك قوله تعالى في حق 
إبراهيم عليه السلام وإشهاده تلك المشاهد العظيمة التي تقوي إيانه» وتطمئن قلبه: 
لإوكذلِكَ ثري إبراهيم مَلَكُوتَ السمواتٍ والأرضٍ ولِيَكُونَ من الموقنينَ4 [الأنعام: 10] 

وقد أشار إلى هذا قوله يه نخبرا عن دور الملك الواعظ في قلب الإنسان: (.. وأمالَّه0© 
)١(‏ رواه الطبري والقضاعي في مسند الشهاب والطبراني في المعجم (1) واللمة: الهمة والخطرة تقع في القلب. كما في غريب الحديث. 


الأوسطء وقال الحيئمي ني المجمع :)7378/١٠١(‏ إسناده حسن. 
ازور 


الملك فإِيعادٌ بالخير وتصديقٌ بالحق» فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله277 فقد 
أخبر يي أنه إن وجد المؤمن هذه الخواطر الطيبة» فلينسبها إلى الله لا إلى نفسه. 
وفوق ذلك كله فقد قال تعالى يبين دور التقوى في تحصيل العلم» فقال: #وَاتّقُوا 

الله 0 و كم الله وَالله بكُلٌ شَيْءِ عليه 4 [البقرة 47] 

ردت اشاتله رب ال ارون الب دور و لسك لق 
ما رأى به الحقائق» وقد ذكر الله هذا العلم الذي آناه» فقال: #قَوّجَدَا عَبْدَا مِنْ عِبَادِنا باه وَحْمَة 
من عِيْدِنا وَعَلَمَْاه من لَدنا علا [الكهف:5+] 

قلت: أجل.. فها أنت يا معلمي توافقني في هذا. 

قال: : وكيف لي أن أخالفك» وهو من أجل المواهب التي وفرها الله تعالى لعباده المتقين. 

قلت: ولكنك كنت تعترض على من يعتقدون مهذاء وتذكر أنهم لا يختلفون عن الحشوية إلا 
في كون مصدر الخرافة عندهم الكشف والإلهام» لاكعب الأحبار ووهب بن منبه. 

قال: وأناعلى قولي.. 

قلت: كيف ذلك؟ 

قال: ألا ترى أن الوسيلة قد تكون صالحة يمكن استثارها في الأعمال الصالحة» لكن هناك 
من يستخدمها في غيرها؟ 

قلت: بلى.. وقد أشار الله تعالى إلى ذلك في المثل الذي ضربه عن العالم الذي استخدم علمه 
فيه| حوله كلبا يلهث» قال تعالى: #وَائلُ عَلَيْهمْ تبأ لَِي ياه آيَاَاقَانسَلحَ مِنَْا فأَنبَعَهُ الشيْطَا 
َكَانَ من اْعَاوِينَ ولو ْنا ونه يها وَلكِنَهُ لد إل الْأَرْض وَانَبّعَهَوَاه فَمَئْلهُ َمَكلٍ الكَلْبٍ إِنْ 
ين يت كر تركهيََهَتْ ذَلِكَ مَل الَو م الَذِينَ كَذَبُوا يتنا قَاقُصْصٍ الْمَصَص لَعَلَهُمْ 


0737 /١٠١( السئن الكبرى للنسائي‎ »)275١19/5( سئن الترمذي‎ )١( 


حرس 





يتَفَكر ون 4 [الأعراف: 1١/0‏ 1/5 ] 

قال: فلذلك لا يمكن الاستدلال بالوسيلة وحدها على صلاح الغاية. 

قلت: صحيح.. لكن كيف نطبق ذلك هنا؟ 

قال: أخبرني عما أعجبك في مصاحبتك للصوفية أو اطلاعك على كتبهم. 

قلت(): أعجبني ذلك الميراث العظيم الذي تحدثوا فيه عن مراتب التزكية ومعانيها 
والحقاتق المرتبطة مهاء مما تؤيده المصادر المقدسة وتدعو إليه.. ومثل ذلك حديثهم عن 
الأذواق الإيوانية اللذيذة التي يجدها السالكونء ما يرغب في السير إلى الله» ويعطي النماذج 
الحسنة عنه.. ومثل ذلك حديثهم في المعارف الإلهية التي لا تتناقض مع المصادر المقدسة 
بل قد تساهم في فهمهاء وتعميق معانيها في النفس.. ومثل ذلك تعظيمهم للنبوة والإمامة 
والولاية وتبيين دورها في التزكية والترقية» ما يرغب السالكين في التعلق بالصالحين. 
وتعميق صلتهم بهم.. وغير ذلك من الحقائق والقيم الموروثة عنهمء والتي تعين السالك 
إلى الله على اجتياز عقبات نفسه والتخلص من مثالبه من خلال استفادته من تجارب 
السالكين قبله. 

قال: كل ما ذكرته جميل لأنه موافق للقرآن الكريم» ويخدم أغراضه ومقاصده 
ومعانيه.. لكن ألم تر أهم» وخاصة المتأخرين منهم لم يكتفوا بذلك» بل راحوا يحاولون 
وضع عقائد ومعارف جديدة لا توجد في القرآن الكريم ولا في السنة المطهرة ولا ما يدل 
عليه العقل؟ 

قلت: بلى.. وقد أشار إلى هذه الوجهة التي توجهها هؤلاء ابن خلدون, فقال: (وربّ| 


قصد بعض المصئّفين ذلك في كشف الموجودات وترتيب حقائقه على طريق أهل المظاهر 


(1) معارف النفس الراضية» للمؤلف (ص )١5‏ 


7 





فأتى بالأغمض فالأغمض بالنسبة إلى أهل النظر والاصطلاحات والعلوم ىا فعل 
الفرغانٌ شارح قصيدة ابن الفارض في الدّيباجة التي كتبها في صدر ذلك الشّرحء فإنّه ذكر 
في صدور الوجود عن الفاعل وترتيبه أن الوجود كلّه صادر عن صفة الوحدانيّة التي هي 
مظهر الأحديّة وهما معا صادران عن الذَّات الكريمة التي هي عين الوحدة لا غير» 
ويسمّون هذا الصّدور بالتجلٍ» وأوّل مراتب التّجليّات عندهم تل الذات على نفسه وهو 
يتضمّن الكمال بإفاضة الإيجاد والظّهور)(1) 

قال: فهل ترى في القرآن الكريم أو في السنة المطهرة ما يدل على صدق ما ذكروه؟ 

قلت: هم يحاولون أن يتكلفوا لذلك تأويلات كثيرة من الصعبء بل من المستحيل 
على العقل العادي تصديقها.. ولذلك هم يطلبون لها عقلا خاصاء يكون التسليم عنده أكثر 
من المناقشة. 

قال: فهل هذا هو العقل الذي أمرنا الله باستعماله؟ 

قلت: لست أدري.. لكني أعلم أن التسليم ركن من أركان الدين والإيهان» بل هو 
أساس الإسلام, ولولاه لما تقدم إبراهيم عليه السلام لذبح ابنه» مع أن العقل يخالف ذلك. 

قال: إن شئت أن تعرف معنى التسليم» فاعلم أولا الفرق بين إبراهيم عليه السلام 
وبين هؤلاء الذين تتحدث عنهم. 

قلت: طبعا.. الفرق واضح؛ فإبراهيم عليه السلام نبي من أنباء الله» وهو معصومء 
ومؤيد بالوحي.. وهم يذكرون عن أنفسهم أنهم ليسوا كذلك. 

قال: ما داموا ليسوا معصومين في إلهاماتهم وكشوفهم؛ فإن هذا يعني أن كل ما 


يذكرونه أو بعضه قد يكون وساوس شيطانية لا إلهامات ربانية؟ 


)511//1١( مقدمة ابن خلدون‎ )١( 


كرولا 





قلت: صحيح.. وهم يذكرون ذلك أيضاء وقد عبر بعضهم عن ذلك بقوله: (إن 

النكتة لتقع في قلبي من جهة الكشف فلا أقبلها إلا بشاهدى عدل من الكتاب والسنة).. 
وقال آخر: (كل حقيقة لا تشهد لما الشريعة فهي زندقة.. طِرّ إلى الحق عز وجل بجناحي 
الكتاب والسنة» ادخل عليه ويدك في يد الرسول )207 

قال: وقال آخر: (إذا عارض كشفك الصحيح الكتابَ والسنة فاعمل بالكتاب والسنة 
ودع الكشفء وقل لنفسك: إن الله تعالى ضمن لي العصمة في الكتاب والسنة» ولم يضمنها 
لي في جانب الكشف والإلهام)() 

قلت: هم يرددون ذلك أيضا. 

قال: لكنهم يقصرون في تطبيقه.. خشية على مشايخهم الذين يطالبونهم بالتسليم 
المطلق. 

قلت: صدقت في هذا؛ فهم يرددون كل حين: (من قال لشيخه لم لا يفلح أبدا) 


١‏ -الكشف والفضول: 


ما قلت هذاء حتى وصلت مع معلمي إلى أقصى المدينة» وعلى تلة من تلالهاء وجدنا 
نفرا كثيرا من الناس يحيطون بمجموعة من المشايخ يلبسون لباسا غريباء ويحملون مسابح 
كبيرة. 

وما إن وصلنا حتى سمعنا رجلا من أهل المدينة يقول: أبشروا يا أهل هذه المدينة 
القرآنية؛ فقد شاء الله أن يدلكم على أوليائه العارفين به» لتتخلصوا من كل الحجب التي 
تحول بينكم وبين فهم القرآن الكريم على حقيقته التي نزل عليهاء لا على ما يذكره لهم 


(1) الفتح الرباني والفيض الرحماني» ص59. (؟) انظر: إيقاظ الهمم (807/5) 
امرض 





حشوية المفسرين أرباب الظاهر المحجوبين عن الحقائق. 

قال آخر: لقد جاء هؤلاء المشايخ إليكم من بلاد شتى» ليدلوكم على الطريق إلى الله 
ويفسروا لكم كل ما غمض عليكم من القرآن الكريم» ويجيبوكم على كل ما استعصى من 
الشبهات.. فسلوهم قبل أن تفقدوهم. 

قام أحد المشايخ» وقال: بورك فيكم.. ونحن ما جئنا هنا إلا تلبية لطلب الحق» 
لإخراجكم من قيود الظاهر إلى سعة الباطن» لتعرجوا إلى الحق بالحقء لا بتلك الأوهام 


أ. عجائب المبدأ: 
قام بعض ال حضورء وقال: نريد في البدء أن تحدثونا عن البدء.. كيف بداً الله خلق 
الكون والحياة والإنسان؟ 


قال آخر: كيف يمكن أين يجيبوك عن ذلكء وقد قال تعالى: #إمَا أَشْهَدْتجُمْ حَلْقَ 
السََّاوَاتٍ وَالَْرْضٍ وَلَا حَلَقَ أنْفْسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَخِدَ الُضِلَينَ عَضْدَاك [الكيف: ]5١‏ 

قال أحد الشيوخ: تلك الآية لا تقصد الخاصة من العارفين بالله» بل هي مرتبطة 
بعموم الناس.. أما الخواص؛ فقد أخبروا عن كل التفاصيل المرتبطة بالمبدأ كذكرهم لكل 
التفاصيل المرتبطة بالمعاد. 

قال آخر: ومن الأمثلة على ذلك ما ورد في كتاب [الإنسان الكامل في معرفة الأواخر 
والأوائل]» لشيخنا العارف بالله عبد الكريم الجيلي» والذي أخبر فيه أن كل ما فيه مؤسس 
على الكشف الصحيح» وأنه مأمور بنشره» حيث قال في مقدمة الكتاب: (وكنت قد أسست 
الكتاب على الكشف الصريح. وأيدت مسائله بالخبر الصحيح» وسميته ب [الإنسان 


الكامل؛ في معرفة الأواخر والأوائل]؛ لكنى بعد أن شرعت في التأليف. وأخذت في البيان 


3 


والتعريف. خطر في الخاطر أن أترك هذا الأمر الخاطر إجلالا لمسائل التحقيق» وإقلالا لما 
أوتيت من التدقيق» فجمعت همتي على تفريقه» وشرعت في تشتيته وتمزيقه» حتى دثرته 
فاندثر وفرقته شذر مذرء فأفل شمسه وغابء» وانسدل على وجه جماله برقع الحجاب» 
وتركته نسيا منسياء واتخذته شيئا فرياء فصار خبرا بعد أن كان أثرا مسطورا.. فأمرني الحق 
الآن بإبرازه بين تصريحه وإلغازه» ووعدني بعموم الانتفاع» فقلت طوعا للأمر المطاع» 
وابتدأت في تأليفه. متكلا على الحق في تعريفه. فها أنا ذا أكرع من دنه القديم بكأس الاسم 
العليم» في قوابل أهل الإيهان والتسليم» خمرة مرضعة من الحي الكريم» مسكرة الموجود 
والعديم)(© 

قال آخر: وما قاله حول غيوب المبدأ في الباب المخصص بالتعريف ب [الملك المسمى 
بالروح]: (اعلم أن هذا الملك هو المسمى في اصطلاح الصوفية بالحق المخلوق به والحقيقة 
المحمدية نظر الله تعالى إلى هذا الملك ب نظر به إلى نفسه. فخلقه من نوره وخلق العالم منه» 
وجعله محل نظره من العالم» ومن أسمائه أمر الله وهو أشرف الموجودات وأعلاها مكانة 
وأسماها منزلة ليس فوقه ملك. وهو سيد المقرّبين وأفضل المكرّمِينء أدار الله عليه رحا 
الموجودات وجعله قطب فلك المخلوقات, له مع كل شيء خلقه الله تعالى وجه خاص به 
يلحقه وفي المرتبة التي أوجده الله تعالى فيها يحفظه)(2) 

قال آخر: ولا يكتفي ببذه التفاصيل» بل إنه يضيف إليها تفاصيل أكثر» فيقول: (له 
ثانية صور هم حملة العرش. منه خلق الملائكة جميعها عليها وعنصريهاء فنسبة الملائكة إليه 
نسبة القطرات إلى البحر» ونسبة الثغانية الذين يحملون العرش منه نسبة الثانية التي قام 
الوجود الإنساني بها من روح الإنسان» وهي العقل والوهم والفكر والخيال والمصورة 


. 1867 الإنسان الكامل» ص8. (؟) الإنسان الكامل» ص‎ )١( 


المع 





والحافظة والمدركة والنفس.. ولذا الملك في العالم الأفقي والعالم الجبروتي والعالم العللى 
والعالم الملكوتي هيمنة إهية خلقها الله في هذا الملك وقد ظهر بكاله في الحقيقة المحمدية» 
ولهذا كان :2 أفضل البشر وبه امتنّ الله تعالى عليه وأمده من أجل النعم التي أسداها الله 
تعالى إليه)(1) 

قال آخر: وهو يشير بهذا إلى قوله تعالى: لوَكَدَِكَ أَوْحَيْا إَِِْكَ رُوحَا مِنْ أَمْرِنَا ما 
كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَكَا الْإِيَان وَلكِنْ جَعَلْنَاهُ ُورًا مدي به مَنْ نَشَاءمِنْ عِبَادِنَاوَإِنَْتَ 
لَتَهْدِي إِلَ صرَاطٍ مُسْتَقِيم 4 [الشورى: 57] 

قال آخر: ولا يكتفي شيخنا بكل تلك التفاصيل التي ذكرهاء وإنما يضيف إليها 
تفاصيل أخرى أكثر تعقيداء وكلها بنات الإلهام والكشف. حيث يقول: (ثم اعلم أنه لما 
خلق الله هذا الملك مرآة لذاته لا يظهر الله تعالى بذاته إلا في هذا الملك وظهوره في جميع 
المخلوقات إن| هو بصفاته. فهو قطب العالم الدنيوي والأخرويء وقطب أهل الجنة والنار 
وأهل الكثيب وأهل الأعراف, اقتضت ال حقيقة الإلهية في علم الله سبحانه أن لا يخلق شيئا 
إلا ولهذا الملك فيه وجه يدور فلك ذلك المخلوق على وجهه فهو قطبه» لا يتعرف ذلك 
الملك لأحد من خلق الله تعالى إلا إلى الإنسان الكاملء» فإذا عرفه الولي علمه أشياء. فإذا 
تحقق بها صار قطبا يدور عليه رحا الوجود جميعه بحكم النيابة والعارية فاعرفه)() 

قال آخر: ويزيد على ذلكء فيقول: (فأوّل من يتلقى الأمر من الحق هذا الملك» ثم 
يوجه إلى غيره من الملائكة» فهم الجند» فإذا أمر بنفوذ أمر في العالم خلق الله منه ملكا لائقا 
بذلك الأمر فيرسله الروح» فيفعل الملك ما أمره الروح به» وجميع الملائكة المقربين مخلوقون 
منه مثل إسرافيل وجبريل وميكائيل وعزرائيل» ومن هو فوقهم كالملك المسمى بالنون» 


١654 (؟) الإنسان الكامل» ص‎ ١67 الإنسان الكامل» ص‎ )١( 


35 





وهو الملك القائم تحت اللوح المحفوظء كالملك المسمى بالقلم» وسيآت بيانه في تلو هذا 
البابء والملك المسمى بالمدبر وهو الملك القائم تحت الكرسيء والملك المسمى بالمفضل وهو 
القائم تحت الإمام المبين» وهؤلاء هم العالون الذين لم يؤمروا بالسجود لآدم» حكمة إلهية» 
فلو أمروا بالسجود لآدم لعرفهم كل أحد من ذريته» ألا ترى إلى الأملاك لما أمروا بالسجود 
لآدم كيف ظهروا على كل من بني آدم فتتصور لهم في النوم بالأمثال الإلية التي يظهر بها 
الحق للنائم» فتلك الصور جميعها ملائكة لله فتنزل بحكم ما يأمرها الملك الموكل بضرب 
الأمثال فتصوّر بكل صور للنائم» ولهذا يرى النائم أن الجماد يكلمه ولو لم يكن روحا 
متصورا بالصورة الجادية لم يكن يتكلم)(1) 

قال آخر: وبعد تفاصيل أخرى لا تقل تعقيدا يقول: (اعلم أن الروح له أساء كثيرة 
على عدد وجوهه. يسمى بالقلم الأعلى» وبروح محمد يه وبالعقل الأولء وبالروح الإلحي 
من تسمية الأصل بالفرع» وإلا فليس له في الحضرة إلا اسم واحد وهو الروحء ولهذا 
خصصنه في عقد الباب عليه» ولو أخذنا في شرح ما حواه هذا الملك من العجائب 
والغرائب احتجنا إلى كتب ومجلدات كثيرة) 

قال آخر: وقد ذكراجتاعه به» وحديثه معه. فقال: (ولقد اجتمعت به في بعض 
الحضرات الإلهية فتعرّف إلي وسلّم علّ فرددت عليه السلام بعد أن كدت أذوب من هيبته 
وأفنى من حسن بهجته؛ فل| باسطني بالكلام بعد أن حيا ودار بإيناسه كاس الحمياء سألته 
عن مكانته ومحتده وحضرته ومستنده وعن أصله وفرعه وعن هيئته ونوعه وعن صفته 
واسمه وعن حليته ورسمه فقال: إن الأمر الذي خطبته والسرٌ الذي طلبته عزيز المرام عظيم 
المقام» لا يصلح إفشاؤه بالتصريح ولا يكاد يفهم بالكناية والتلويح» فقلت له: هلم 


. ١86 الإنسان الكامل» ص‎ )١( 


رحن 





بالتلويح والكناية لعلي أفهمه إذا سبقت لي به العناية» فقال: أنا الولد الذي أبوه ابنه» والخمر 
الذي كرمه دنه أنا الفرع الذي أنتج أصله؛ والسهم الذي قوسه نصله. اجتمعت بالأمهات 
اللاي ولدتني وخطبتها لأنكحها فأنكحتني, فلما سرت في ظاهر الأصول عقدت صورة 
المحصولء فانثنيت في نفسي أدور في حسي وقد حملت أمانات الهيولي وأحكمت الحضرة 
الموصوفة بالأولى» وجدتني أبا الجميع وأم الكبير والرضيع» هذه الحضرة والأمانة.. وأما 
المحتد والمكانة فاعلم أني كنت عينا مشهودا كان لي في الغيب حكم| موجوداء فلما أردت 
معرفة ذلك الحكم المحتوم ومشاهدته في جانت الأمر المحكوم. عبدت الله تعالى بذلك 
الاسم كذا وكذا سنة وأنا عن اليقظة في سنة» فنبهني الحق سبحانه وتعالى وأقسم باسمه 
وآلى أنه قَدَ أَفلَّحَ مّنْ زّكّاها وقّدُ خاب مَنْ دَسّاها فلم حضرت القسمة وأحرزت ما أعطاني 
الاسم أعني باسمه. زكتني الحقيقة المحمدية بلسان الحضرة الرسولية» فقال عليه الصلاة 
والسلام: (خلق الله آدم على صورته) ولاريب في هذا ولا كلام؛ ولم يكن آدم إلا مظهرا من 
مظاهري أقيم خليفة على ظاهري فعلمت أن الحق جعلني المراد والمقصود من العباد, فإذا 
بالخطاب الأكرم عن المقام الأعظم: أنت القطب الذي تدور عليه أفلاك الجمال» والشمس 
الذي تمد بضوئها بدر الكمال.. أنت الذي أقمنا له الأنموذج وأحكمنا من أجله الزور فوتج 
المراد بها يكنى عنه بهند وسلمى أو يلوح بأنها عزّة وأسماء فالكل إلا أنت يا ذا الأوصاف 
السنية والنعوت الزكية» لا يدهشك الال ولا يرعشك الجلال ولا تستبعد استيعاب 
الكمال» أنت النقطة وهي الدائرة» وأنت اللابس وهي الثياب الفاخرة) 17 

قال آخر: ثم ذكر بعض أسئلته له» وجوابه عنهاء فقال: (فقلت: أيها السيد الكبير 
والعلام الخبير نسألك بالتأييد والعصمة؛ أخبرني عن درر الحكمة وبحر ال رحمة بأن جعلت 


١85 الإنسان الكامل» ص‎ )١( 


>36 





صدفها سوائي وما انعقدت سوى من مائي» ولم وسم طيري باسم غيري وكتم هذا الأمر 
رأسا فلم يعلم لحديدته بأسا؟ فقال: اعلم أن الحق تعالى أراد أن تتجلى أسماؤه وصفاته 
لتعرف الخلق ذاته» فأبرزها في المظاهر المتميزة والبواطن المتحيزة وهي الموجودات الذاتية 
المتجلية في المراتب الإلحية» ولو أطلق الأمر كفاحا وأطلق لهذا العبد سراحاء جهلت الرتب» 
وفقدت الإضافات والنسبء فإن الإنسان إذا أشهد غيره فقد استوعب خيره وسهل عليه 
الاتباع وأخذ في ذلك ما استطاع» فلهذا أرسل الله الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام 
بكتابه المبين وخطابه المتين» يترجم عن صفاته العليا وأسائه الحسنىء ليعلم أن ذاته لها 
التعالي عن الإدراك فلا يعرفها غيرها ولا إشراك» وهذا أمرنا السيد الأوّاه فقال: (تخلقوا 
بأخلاق الله) لتبرز أسراره المودعة في امهيا كل الإنسانية» فيظهر بذلك علو العزّة الربانية» 
ويعلم حق المرتبة ال رحمانية» ولا سبيل إلى معرفته بحسب حصره) 217 

قال آخر: ونفس الأمر نجده عند ابن عربي» ومن الأمثلة عنها قوله في الفتوحات» 
وهو يتحدث عن بدء الخلق: (.. فخلق الله الماء بردة جامدة» كالجوهرة في الاستدارة 
والبياض. وأودع فيها بالقوة ذوات الأجسام وذوات الأعراضء ثم خلق العرش واستوى 
عليه اسم الرحمن. ونصب الكرميء وتدلت إليه القدمان؛ فنظر بعين الجلال إلى تلك 
الجوهرة» فذابت حياء» وتحللت أجزاؤها فسالت ماء» وكان عرشه على ذلك الماء قبل 
وجود الأرض والسماء. وليس في الوجود, إذ ذاك إلا حقائق المستوي عليه والمستوي 
والاستواء. فأرسل النفس» فتموج الماء من زعزعه وأزبد. وصوت بحمد الحمد المحمود 
الحق» عند ما ضرب بساحل العرشء فاهتز الساق وقال له: أنا أحمد! فخجل الماء» ورجع 
القهقرى يريد ثبجه» وترك زبده بالساحل الذي أنتجه. فهو محضة ذلك الماء» الحاوي على 


1817 الإنسان الكامل» ص‎ )١( 


>36 





أكثر الأشياء. فأنشأ سبحانه من ذلك الزبد» اللأرضء مستديرة النشء» مدحية الطول 
والعرضء ثم أنشا الدخان من نار احتكاك الأرض عند فتقها. ففتق فيه السماوات العلى» 
وجعله محل الأنوار ومنازل الملا الأعلى. وقابل بنجومها المزينة لما النيرات» ما زين الأرض 
من أزهار النبات)17) 

قال آخر: وقال في محل آخر: (وأما أسرار أهل الإلحام المستدلين فلا تتجاوز سدرة 
المنتهى» فان إليها تنتهي أعمال بنى آدم. ونهاية كل أمرء إلى ما منه بدأ. فان قال لك عارف. 
تمن لا علم له بهذا الأمر: (إن الكرسي موضع القدمين»» فقل له: (ذلك عالم الخلق والأمرء 
والتكليف إن انقسم من السدرة. فإنه قطع أربع مراتب» والسدرة هي المرتبة الخامسة 
(للوجود). فنزل (الحكم الشرعي) من قلم (عقل كلى»؛ إلى لوح (نفس كلية)» إلى عرش 
(طبيعة كلية) إلى كرسى (هيولم» هباء» مادة كلية)» الى سدرة (جسم كلى)7") 

قال آخر: ثم ذكر كيف تنزلت الأحكام الشرعية من هذه المراتب» فقال: (فظهر 
الواجب من القلم. وظهر المندوب من اللوح» وظهر المحظور من العرش. وظهر المكروه 
من الكرسي. وظهر المباح من السدرة. والمباح قسم (أي حظ) النفس) 

قال آخر: ثم راح يذكر محال صعود الأعمال فقال: (وإذا ظهرت قسمة الاحكام 
الشرعية من السدرة» فإذا صعدت الأعمال, التي لا تخلو من أحد هذه الأحكام, لا بد أن 
تكون نبايتها إلى الموضع الذي منه ظهرتء إذ لا تعرف من كونها منقسمة إلى السدرة. ثم 
يكون من العقل» الذي هو القلم» نظر إلى الأعمال المفروضة» فيمدها بحسب ما يرى فيها. 
ويكون من اللوح نظر إلى الأعمال المندوب إليهاء فيمدها بحسب ما يرى فيها. ويكون من 
العرش نظر إلى المحظورات ‏ وهو (أي العرش) مستوى الرحمن ‏ فلا ينظرها إلا بعين 


(1) الفتوحات المكية»ج ١‏ ص 54. )١(‏ الإنسان الكامل» ج4؛ ص 77". 


1 





الرحمة» ولهذا يكون مآل أصحابها إلى الرحمة» ويكون من الكرمي نظر إلى الأعمال المكروهة» 
فينظر إليها بحسب ما يرى فيها. وهو (أي الكرسي) تحت حيطة العرشء والعرش مستوى 
الرحمن. والكرسيء موضع القدمين. فيسرع العفو والتجاوز عن أصحاب المكروه من 
الأعمال. ولهذا يؤجر تاركهاء ولا يؤاخذ فاعلها)(1) 

قال آخر: وهكذا يذكر الشيخ أحمد بن المبارك نقلا عن شيخه الدباغ الكثير من 
الإلهامات المرتبطة بهذا الجانب» وقد خصص طا فصلا بعنوان [ذكر ما سمعنا منه رضي الله 
عنه في خلق أبينا آدم وتدريج أمره على نبينا وعليه الصلاة والسلام]ء وما جاء فيه قوله: 
(سمعته رضي الله عنه يقول: إن الله تعالى لما أراد خلق آدم عليه السلام جمع تربته في عشرة 
أيام» وتركها في الماء عشرين يوماء وصوره في أربعين يوماء وتركه عشرين يوما بعد 
التصويرء حتى انتقل من الطينية إلى الجسمية فمجموع ذلك ثلاثة أشهرء وهي رجب 
وشعبان ورمضان. ثم رفعه الله إلى الجنة ونفخ فيه من روحه وهو في الجنة وخلقت منه 
حواء وهو في الجنة فكان خلقها في الجنة» ولما تم لما شهران في الجنة حملت ووضعت حملها 
بعد النزول إلى الأرض لثلاثة أشهر من حملهاء ثم حملت في الأرض بعد ذلك فوضعت 
حملها لتسعة أشهر فاستمر ذلك إلى اليوم)7) 

قال آخر: ويذكر أنه سأله بعدها عن التربة التي خلق منها آدم» فقال: (تربة جميع 
المعادن معدن الذهب ومعدن الفضة ومعدن النحاس وسائر المعادن» فأخذت تربته من كل 
معدن وجمع ذلك في محل وخلق منه آدم)7© 

قال آخر: ثم سأله عن الذي جمع ذلكء فقال: (الملائكة ومن شاء الله وأكثرهم حملا 


(1) الإنسان الكامل» ج4» ص 8317. (*) الإنسان الكامل» ص 595. 
)١(‏ الإبريز» ص 0940. 


/ا7 


سيدنا جبريل عليه السلام لأن الله وعده أن مخلوقا من التراب لا أعز عند الله منه يكون 
جبريل عشيرا له ومرافقا معه» وينال منه بركة عظيمة» وهو سيد الوجود » فكان جبريل 
يجمع التراب وهو يظن أنه لذلك المخلوق الذي وعد به)(2) 

قال آخر: ثم سأله عن مقدار ذلك التراب» فقال: (مقدار ما يعمر من الأرض مقدار 
ميل أو أقل منه يعني أنهم جمعوا ترابا كثيرا مقدار مساحة ما سبق)(2) 

قال آخر: ثم سأله عن كيفية تحول آدم إلى بشر والأطوار التي مر بهاء فلم يكتف با 
ذكره القرآن الكريم من الإجمال» وإنما راح يفصل له قائلا ‏ عند حديثه عن الماء الذي منه 
خلق -: (المياه المارة على الأرض منها ما يمر على بعضها فلا يأخذ إلا سر ذلك البعض ومنها 
ما يمر على غالب أجزائها أو كلهاء فيأخذ سرها وهذا الماء عين من العيون الخارجة من 
الأرض الجائية من أرض الشامء» فهناك جمعت تربته عليه الصلاة والسلام في كور من 
الأرض مساحته ما قلناه فيا سبق وبلت تربته مهذا الماء» لأنه يستمد من المياه التي في أطراف 
الأرض فتراه ماشيا في تخوم الأرض خارقا لأجزائها حتى ينتهي إلى تلك العين» ويأتي إليها 
من جميع النواحي والعين باقية إلى الآن» وفيها من الموافقة للذات ما لا يوجد في غيرها من 
المياه التي على ظهر الأرض.. فبقي ذلك التراب في الماء المدة السابقة يعني عشرين يوماء 
وعند ذلك ابتدأ التصوير في آدم عليه الصلاة والسلام وهو في جوف ذلك الطين فبقي 
التصوير يدخله شيئا فشيئا إلى أن كمل ذلك في أربعين يوماء وهو في جوف الطين لا يرى 
منه شيء» وبعد ذلك أراد الله تعالى نقله من الطينة إلى جسم بني آدم فظهر في أصابعه شبه 
القرحة حتى ملأتها ثم انفجرت وجمدت مادتها على الأصبع فرجع أبيض مثل الجار ثم 


سرى ذلك فيه عضوا عضوا وجزءا جزءا إلى أن صار كله مثل امار في الصفاء والرطوبة 


.59٠ الإنسان الكامل» ص 0940. (؟) الإنسان الكامل» ص‎ )١( 


لل 





أو مثل عجين ناصع أخذ دقيقه من خالص القمح» فصور من ذلك صورة آدم, ثم دخلته 
الدموية شيئا فشيئا وانفلق عنه الطين وحصل فيه يبس فصارت الريح تهب عليه واليبس 
يظهر في أجزائه» فتكونت العظام بإذن الله» فلم| تكاملت خلقته في عشرين يوما وأراد الله 
نفخ الروح فيه نقله إلى الجنة ورفعه إليها) 2١7‏ 

قال آخر: ومثل ذلك سأله عن الجنة التي أدخل إليهاء فقال: (الجنة الأولى فلها حل 
فيها دخلت فيه الروح فدخل فيه العقل والعلم وحصلت له المعرفة بالله عز وجل فأراد أن 
يقوم فارتعد فسقط ثم أراد أن يقوم فحصل له مثل ذلك أيضا مثل ما يحصل للصبيان من 
السقوط إذا أرادوا القيام ثم إن الله تعالى أمده بالمشاهدة التي سبق ذكرها في الأسماء وهو 
واقف على رجل معتمد بركبته اللأخرى على الأرضء فلما حصلت تلك المشاهدة قال الله 
الله الله لا إله إلا الله محمد رسول الله فأمده الله تعالى بالقوة فاستقل قائم| وجعل يمشي في 
الجنة ويروح حيث شاءء ثم ألقى الله عليه وجعا في ضلعه فحصل فيه مثل الدمل العظيم 
حتى خرج منه قدر رأس إنسان. فبقي فيه إلى أن انفجر عن مثل القليب بالتصغير فسقط 
القليب إلى الأرض فنظر إليه آدم» فإذا هو مصور بصورته فتركه وجعلت روائح الجنة 
ونفحاتها تمر على ذلك القليب» فنفعه ذلك في سرعة الكبر» فجعل آدم يتعاهده فيجده يسرع 
في الكبر إسراعا عظيم| فجعل يأنس إليه ويجلس معه فألقى الله العقل في ذلك القليب فبجعل 
يتحدث مع آدم)(") 

قال آخر: ثم ذكر كيفية خلق آدم عليه السلام وعلاقتها بتربته» فقال: (لما علم الله 
سبحانه منه ذلكء وأنه سينزل إلى الأرض رتب له سبحانه أسباب المعاش. ونصب له سبلها 


قبل أن هبط من الجنة» وذلك أنه لما صوره من التربة السابقة وقد سبق أنها كثيرة صور له 


.59١ (؟) الإنسان الكامل» ص‎ .0941١ الإنسان الكامل» ص‎ )١( 


525 





من تلك التربة كل حيوان يحتاج إليه في أمر معاشه» وكان أصل خلقتها من التربة المذكورة 
فإن الله تعالى لما رفع آدم ظهرت الحيوانات كلها في ذلك الطين على صورة الدود وخلق من 
كل نوع عشرة خمسة من الذكور وخمسة من الإناث.. فالسبع والنمر والفهد حتى عد خمسة 
كلها نوع واحد.. ثم أرسل الله بعد رفعه مطرا عظي| ما سمع بمثله فجاءت السيول من كل 
مكان وجاءت معها بالأوحال الكثيرة» فزادت على ذلك الطين فحصل نفع عظيم ومدد 
قوي منها للحيوانات بمنزلة من اتسع عيشه» وجاءه الخصب وكثرت عليه الخيرات» فلم| 
نزل آدم بعد تسعة أشهر وجد الحيوانات مشي على وجه الأرض وهي تكبر شيئا فشيئا فأنس 
بها وأعلمه الله أنها سبب معاشه ومعاش ذريته إلى يوم القيامة.. وأنبت الله في الموضع الذي 
كان فيه رأس آدم من الطين النخيل والأعناب والتين والزيتون» فل| نزل آدم بعد تسعة 
أشهر وفرغ بطنه طلب ما يأكل فجعل الله الطعم في تلك الأشجار والنخيل» فكان أول 
رزق رزقه الله من أسباب المعاش وحملت تلك الأشجار في هذه المدة القريبة بإذن الله) 217 

ب. عجائب المعاد: 

قام بعض الحضورء وقال: حدثتمونا عن المبدأ؛ فحدثونا عن الآخرة والمعاد.. فنحن 
ما أتينا هنا لنعرف عالم الدنياء وإنما لنعرف عالم الآخرة. 

قال آخر: صدقت.. فحدثونا عن جهنم لعل نفوسنا ترعوي وتنزجر وتتأدب. 

قال أحد الشيوخ(©: ما ذكره بعض شيوخنا الكبار العارفين بالله في هذا.. أن الله 
تعالى أوجد جهنم بطالع الثور» ولذلك كان خلقهاء في الصورة» صورة الجاموس سواء.. 
ولما خلقها الله تعالى» كان زحل في الثورء وكانت الشمس والأحمر في القوسء وكان سائر 
الدراري في الجدي.. وخلقها الله تعالى من تجلى قوله: (جعت فلم تطعمني. وظمئت فلم 


7/١ الفتوحات المكية» ج 4: ص‎ )١( .5015 الإنسان الكامل» ص‎ )١( 


م 





تسقني» ومرضت فلم تعدني» وهذا أعظم نزول نزله الحق إلى عباده في اللطف بهم» فمن 
هذه الحقيقة خلقت جهنم.. فلذلك تجبرت على الجبابرة» وقصمت المتكبرين. 

قال آخر(©: وأهل جهنم لا يرون الأشجار والأنهار التي هي قريبة منهم» بل لا 
يرون إلا ما هو بعيد منهم قدر الأرضين السبع وما بينهن ليزدادوا عذابا على عذابهم» فيرون 
على بعد المسافة السابقة في نار جهنم ما هو على صورة الأشجار وا ار وأوراق خضرء 
فيسرعون إليها ليدفعوا العذاب الذي بهم بأكل ثارها والدنو منهاء فيقطعون المسافة 
السابقة في نحو ثلاث خطوات استعجالاء فيأخذون من ثارها وأوراقها فيجعلونه في 
أفواههم.. وكل ما دخل الفم من جهنم والجنة لا يستطيع العبد إخراجه كى| يستطيعه في دار 
الدنياء فإذا وقع في فمهم ورق أو ثمر كان أشد عليهم من العذاب السابق» فيرجعون 
القهقرى فيقطعون المسافة السابقة في نحو خطوة ونصف لا مهم من الحريق.. وفي جهنم 
أودية» وإن المرأة من أهل جهنم تحمل ولدها على ظهرها ذاهبة لنحو الوادي مسيرة المسافة 
السابقة لشدة العطش النازل بهاء وقد بلغت الوادي وكرعت فيه سفها هي وولدها. 

قال السائل: إن هذا لعجيب.. فهل يمكن أن يكون هناك أولاد في جهنم.. وما 
ص وهم الحاعراة 

قال الشيخ: كذا سمعت الشيخ رضي الله عنه يقول في ولدهاء ولم أسأله عن الولد 
هل هو من ولادة جهنم حتى يكون فيها تناسلء أو هو من أولاد الدنيا؛ فإن كان من أولاد 
الدنيا ف #الل أَعْلَمُ بّ) كَانُوا عَاملِينَ4.. فمن علم منه تعالى أنه لو كبر لكفر بمحمد 4# فهو 
من أهل النار.. وكم صبي يموت صغيرا ويبعث من حملة كتاب الله عز وجلء لأنه تعالى 


.5900 الإبريز» ص‎ ١ 





فيبعث من جملة العلاء الأولياء وغير ذلك لعلمه تعالى بأنه إذا كبر كان من تلك الطائفة. 

قال السائل: فحدثنا عن عذاب الجن» وكيف يكون وهم قد خلقوا من النار. 

قال الشيخ: إن الجني في جهنم لا يعذب في النار الحامية لأنها طبقه فلا تضرهء وإن| 
يعذب بالزمهرير والبرد» والجن في الدنيا تخاف من البرد خوفا شديداء فتراهم إذا كانوا في 
زمن الصيف وفي المهواء يتخوفون من هبوب الريح الباردة» فإذا هبت فروا فرار حمر 
الوحشء وأما الماء فلا يدخله الجن ولا الشياطين أبداء فإن قدر على أحد أن يدخله طفيء 
وذاب كما يذوب أحدنا إذا دخل النار.. وإذا خفي عليك كيف أجسام الجن, فانظر إلى نار 
مظلمة جدا بكثرة دخانها مثل ما يكون في الفخارين» وصور فيها صورهم التي خلقوا 
عليهاء فإذا جعلت الصورة في ذلك الدخان وألبسته إياها فذلك هو الجني. 

قال أحد الحضور: فحدثونا عن البرزخ.. ذلك الذي ذكره الله تعالى في قوله: لكلا 
مها َلِمٌَ هو قَائِها وَِنْ وََاِِمْ َْرّح إِلَ يوم يَُُْونَ) [الؤنون: ]٠٠١‏ 

قال أحد الشيوخ(2): لقد ذكر بعض شيوخنا المكاشفين في هذا أن البرزخ على صورة 
محل ضيق من أسفله» ثم ما دام يطلع يتسعء فلم| بلغ منتهاه جعلت قبة على رأسه مثل قبة 
الفنار.. أما في القدر والعظم فإن البرزخ أصله في السماء الدنيا ولم يخرج منها إلى ما يليناء ثم 
جعل يتصاعد عاليا حتى خرق السماء الثانية» ثم تصاعد حتى خرق الثالثة» ثم تصاعد حتى 
خرق الرابعة» ثم تصاعد حتى خرق الخامسة» ثم تصاعد حتى خرق السادسة؛ ثم تصاعد 
حتى خرق السابعة» ثم تصاعد إلى ما لا يحصىء وقد جعلت قبته عليه هذا طوله.. وهو 
البيت المعمور.. والبيت المعمور إن هو في السماء السابعة» والبرزخ مبدؤه من الأولى إلى ما 
فوق السابعة إلى ما لآ يحصىء فهو في كل سماء.. وإن| اقتصروا على ذكر ما فوق السابعة» 


.5371/ الإبريز» ص‎ )١( 





لآن فيه القبة المذكورة وهي أشرف ما فيه إذ ليس فيها إلا روح سيد الأولين والآخرين 
عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم» ومن أكرمه الله بكرامته كأزواجه الطاهرات وبناته 
وذريته الذين كانوا في زمانه» وكل من علم بالحق بعده من ذريته إلى يوم القيامة» وفيها أيضا 
أرواح الخلفاء الأربعة» وفيها أيضا أرواح الشهداء الذي ماتوا بين يدي النبي #7 في زمانه» 
وبذلوا نفوسهم ليحيا ##» ويبقى لهم قوة وجهد لا يوجد في غيرهم إثابة لهم على حسن 
صنيعهم رضي الله عنهم, وني القبة أيضا أرواح ورثته # الكاملين من أولياء الله تعالى 
كالغوث والأقطاب رضي الله عنهم أجمعين» فأشرف ما في البرزخ القبة المقصورة. ولذا 
اقتصر عليها من اقتصر. 

ج. عجائب السماء: 

قام بعض الحضورء وقال: حدثتمونا عن المبدأ والمعاد؛ فحدثونا عن الكون. وعن 
مك قله نال لفل أَبنَكُمْ لتكْمْرُونَ بالّذِي حَلَقَ الَْرْضَ في يَوْمَيْنِ وَتجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا 


دَلِكَ رَبّ الْعَاكَينَ وَجَعَلَ فِيهًا رَوَابِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَكَدَرَ فِيها اتا في َربَعَةٍ يام 
مو و 0 كما قال 
ْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَ سَبْعَ سََاوَاتِ في يَوْمَئنِ وَأَوْحَى في كُلَ سَنَاءٍ مهاو ينا انتما الدنا 


بِمَصَابِيحَ وَحَفْظًا ذَلِكَ تَقَدِيرٌ الْعَرِيزِ الْعَلِيم4 [فصلت:5؟1] 

قال أحد الشيوخ: لقد ذكر بعض شيوخنا الربانيين العارفين بالله كشوفهم المرتبطة 
بالآية الكريمة» وفهمها الصحيح, فقال: (اعلم أن الله تعالى قد خلق جميع الأرزاق 
والأقوات المتنوّعة في أربعة أيام» وجعلها بين السماء والأرض مخزونة في قلب أربعة أفلاك: 
الفلك الأول فلك الحرارة.. والفلك الثاني فلك اليبوسة.. والفلك الثالث فلك البرودة.. 


والفلك الرابع فلك الرطوبة.. وهذا معنى قوله تعالى: #وَقَدَرٌ فيا أَقَوَامهًا في أرْبَعةٍ 


رذن 


سَوَاءٌ لِلسَائِلِينَ [فصلت: 1٠١‏ يعني بحكم التسوية على قدر السؤال الذاتي» لأن الحقائق 
تسأل بذاتها ما تقتضيه كل)| اقتضت حقيقة من حقائق المخلوقات شيئا نزل لها من تلك 
الخزائن على قدر سؤاهاء وهذا معنى قوله تعالى: #وَإِنْ مِنْ مَيْءٍ إلا عِنْدَنَا حَرَائَِهُ وَمَا مزل 
إِلَّا بقَدَر مَعْلُوم4 [الحجر: )17(]5١‏ 

قال آخر: وهو يذكر أن الله تعالى جعل ملائكة الإنزال الموكلة بإيصال كل رزق إلى 
مرزوقه في السبع السموات» ثم جعل في كل سماء ملكا يحكم على من فيها من ملائكة 
الأرزاق يسمى ملك الحوادث» وجعل لذلك الملك روحانية الكواكب الموجودة في تلك 
السماء فلا ينزل من السماء ملك من ملائكة الأرزاق إلا بإذن ذلك الملك المخلوق على 
روحانية كوكب تلك السماء9). 

قال آخر: وقد كان كشفه من الوضوح بحيث استطاع أن يطلع على أسماء تلك 
الكواكب» حيث ذكر أن كوكب سياء الدنيا القمر.. وكوكب الساء الثانية عطاود.. 
وكوكب الس)ء الثالثة الزهرة.. وكوكب السم)ء الرابعة الشمس.. وكوكب السماء الخامسة 
المريخ.. وكوكب السماء السادسة المشتري.. وكوكب السماء السابعة زحل0©. 

قال أحد الحضور: لقد شوقتنا إلى ما ذكره.. فهلا ذكرت لنا من التفاصيل ما ننفذ به 
قوله تعالى: لإنَّفي حَلقٍ السّمَاوَاتِ وَالْأَرْضٍ وَاختِكَافٍ اليل وَالنّهارِآيَاتٍ لأُولي الَْلْبَاب 
لين يَذْكُرُونَ لله قِيَامًا وَفُحُودا وَعَلَ جنوي وَيَتَفَكَرُونَ في حَلْقٍ السََّاوَاتِ وَالْأَرْضٍ رَبَنَا 
مَا حَلَفَتَ هَذَا بَاطِلَا سُبْحَانَكٌ قَقِنَا عَذَّابَ النَارِ) [آلعمران: ]191-16٠‏ 


قال أحد الشيوخ: على الخبير سقطت.. فنحن نحفظ كل ما ذكره بشأنها حرفا 


77١ الإنسان الكامل» ص‎ )( 77١ الإنسان الكامل» ص‎ )١( 


(؟) الإنسان الكاملء ص .77١‏ 


حرفا.. لقد بدأ شيخنا العارف بالله بذكر عجائب الس)ء الدنياء فقال: (وأما السماء الدنيا 
فإنها أشد بياضا من الفضة» خلقها الله تعالى من حقيقة الروح لتكون نسبتها للأرض نسبة 
الروح للجسد. وكذلك جعل فلك القمر فيهاء لأنه تعالى جعل القمر مظهر اسمه الحيٌ؛ 
وأدار فلكه في سماء البروج فيه حياة الوجود وعليه مدار الموهوم والمشهود. ثم جعل فلك 
الكوكب القمري هو المتولي تدبير الأرضء كما أن الروح هي التي تتولى تدبير الجسدء فلو 
لم يخلق الله تعالى سماء الدنيا من حقيقة الروح لما كانت الحكمة تقتضي وجود الحيوان من 
الأرضء بل كانت محل الجمادات», ثم أسكن الله تعالى آدم في هذه السماء» لأن آدم روح العالم 
الدنيوي إذ به نظر الله إلى الموجودات ف رحمهاء وجعل لما حياة بحياة آدم فيهاء فلم يزل العالم 
الدنيوي حيا ما دام هذا النوع الإنساني فيهاء فإذا انتقل منها هلكت الدنيا والتحق بعضها 
ببعضء كى| لو خرجت روح الحيوان من جسده. فيخرب الحسد ويلتحق بعضه ببعض» 
وزين الله هذه السماء بزينة الكواكب جميعها كا زين الروح بجميع ما حمله الميكل الإنساني 
من اللطائف الظاهرة كالحواس الخمسء ومن اللطائف الباطنة كالسبع القوى التي هي 
العقل وا حمة والفهم والوهم والقلب والفكر والخيال» فكم| أن كواكب سم)ء الدنيا رجوم 
للشياطين» كذلك هذه القوى إذا حكم الإنسان بصحتها انتفت عنها شياطين الخواطر 
فحفظ باطنه بهذه القوى ى| حفظت بالنجوم الثواقب السماء الدنيا)17» 

قال آخر: وتحدث عن ملائكة هذه السماء» فقال: (وملائكة هذه السماء أرواح بسيطة 
مادامت مسبحة لله تعالى فيهاء فإذا نزلت منها لما يأمرها الملك الموكل بإنزال ملائكة السماء 
الدنيا تشكلت على هيئة الأمر الذي تنزل لأجله. فتكون روحانية ذلك الشيء الذي وكلت 


بهء فلا تزال تسوقه إلى امحل الذي أمرها الله تعالى به؛ فإن كان رزقا ساقته إلى مرزوقه. وإن 


.777 الإنسان الكامل» ص‎ )١( 





كان أمرا قضائيا ساقته إلى من قدره الله عليه إما خيرا وإما شراء ثم تسبح الله تعالى في فلك 
هذه السماء ولا تنزل أبدا بعدها في أمرء وجعل الله الملك المسمى إسماعيل حاكما على جميع 
أملاك هذه السماء وهو روحانية القمرء فإذا أمر الله على ذلك بأمر وقضى الملك ذلك الأمر» 
فإنه يجلسه على كرابي تسمى منصة الصورء فيجلس عليه متشكلا بصورة ما نزل به من 
الأمرء ولا يعود إلى بساطته أبداء بل يبقى على ما هو عليه من التشكل والتصوّر الجرمي 
الجزئي يعبد الله تعالى في الوجود)17) 

قال آخر: وتحدث عن رحلته لهذه السماء» فيقول: (وفي هذا المشهد اجتماع الأنبياء 
والأولياء بعضهم ببعض» أقمت فيه بزبيد بشهر ربيع الأول في سنة ثانائة من ال هجرة 
النبوية» فرأيت جميع الرسل والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين» والأولياء 
والملاتكة العالين والمقرّبِينَء وملائكة التسخيرء ورأيت روحانية الموجودات جميعهاء 
وكشفت عن حقائق الأمور على ما هي عليه من الأزل إلى الأبد» وتحققت بعلوم إلية لا 
يسع الكون أن نذكرها فيه» وكان في هذا المشهد ما كان؛ فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر)(؟) 

قال آخر: وتحدث عن الساء الثانية» فوصفها بقوله: (إنها جوهر شفاف لطيف 
ولونها أشهبء خلقها الله تعالى من الحقيقة الفكرية» فهي للوجود بمثابة الفكر للإنسان» 
ولهذا كانت محلا لفلك الكاتب وهو عطارد» جعله الله تعالى مظهرا لاسمه القدير» وخلق 
سماءه من نور اسمه العليم الخبير» ثم جعل الله الملائكة الممدة لأهل الصنائع جميعها في هذه 
السماء ووكل بهم ملكا جعله روحانية هذا الكوكبء وهذه السماء أكثر ملائكة من جميع 
السموات» ومنها ينزل العلم إلى عالم الأكوان» وكانت الجن تأت إلى صفيح سماء الدنيا 
فتسمع منها أصوات ملائكة السماء الثانية» لآن الأرواح لا يمنعها البعد عن استماع الكلام» 


.777 الإنسان الكامل» ص 777. (؟) الإنسان الكامل» ص‎ )١( 


لين 





لكن إذا كانت في عالمهاء وأما إذا لم تكن في عالمها كان حكمها حكم هذا العالم الذي هي 
فيه» ولما كانت الجن أرواحا وهي في عالم الأجسام والكثافة ارتقت حتى بلغت نحو العالم 
الروحي وهو صفيح سماء الدنياء فسمعت بواسطة ذلك الارتقاء كلام ملائكة الساء الثانية 
لعدم الفاصلء ولم يمكنها سماع الثالثة لحصول الفاصل.. فهي الآن إذا رقت إلى ذلك المحل 
نزل بها الشهاب الثاقب فأحرقهاء وهو النور المحمدي الكاشف لأهل الحجب الظلانية 
عن كثافة محتدهم, فلا يمكنهم الترقي لاحتراق جناح طير ال همة فيرجع خاسرا حاسرا)(0© 

قال آخر: ثم تحدث عن رحلته إلى هذه السماء» فقال: (رأيت نوحا عليه السلام في 
هذه السماء جالسا على سرير خلق من نور الكبرياء بين أهل المجد والثناءء فسلمت عليه 
وتمثلت بين يديه» فردّ علي السلام ورحب بي وقام» فسألته عن سمائه الفكري ومقامه السري 
فقال: إن هذه السماء عقد جوهر المعارف. فيها تتجلى أبكار العوارفء ملائكة هذه السماء 
مخلوقة من نور القدرة» لا يتصور شيئا في عالم الوجود إلا وملائكتها المتولية لتصوير ذلك 
المشهودء فهي دقائق التقدير المحكمة لرقائق التصويرء عليها يدور أمر الآيات القاهرة 
والمعجزات الظاهرة» ومنها تنشأ الكرامات الباهرة» خلق الله في هذه السماء ملائكة ليس 
لهم عبادة إلا إرشاد الخلق إلى أنوار الحق» يطيرون بأجنحة القدرة في سماء العبرة» على 
رؤوسهم تيجان الأنوار مرصعة بغوامض الأسرار» من ركب على ظهر ملك من هذه 
الأملاك طار بجناحه إلى سبعة الأفلاك» وأنزل الصور الروحانية في القوالب الجسمانية متى 
شاء وكيف شاءء فإن خاطبها كلمته. وإن سألا أعلمته» جعل الله دور فلك هذه السماء 
مسيرة ثلاث عشرة ألف سنة وثلثائة سنة وثلاثا وثلاثين سنة ومائة وعشرين يوما يقطع 


كوكبها وهو عطارد في كل ساعة مسيرة خمسائة سنة وخمس وحمسين سنة وماثة وعشرين 


.775 الإنسان الكامل» ص‎ )١( 





يوماء فيقطع جميع فلكه في مضي أربع وعشرين ساعة معتدلة» ويقطع الفلك الكبير في مضي 
سنة كاملة» وروحانية الملك الحاكم على جميع ملائكة هذه السماء اسمه نوحائيل عليه 
السلام.. ثم رأيت في هذه السماء عجائب من آيات الرحمن وغرائب من أسرار الأكوان لا 
يسعنا إذاعتها في أهل هذا الزمان» فتأمل فيه| أشرناه وتفكر فيا لغزناه ومن وجودك لا من 
خارج عنك. فاطلب حل ما قد رمزناه)7© 

قال آخر: ثم تحدث عن السماء الثالثة» فوصفها بقوله: (أما السماء الثالثة فلونها أصفر 
وهي ساء الزهرة» جوهرها شفاف وأهلها المتلوّنون في سائر الأوصاف» خلقت من حقيقة 
الخيال وجعلت محلا لعالم المثال» جعل الله كوكبها مظهرا لاسمه العليم» وجعل فلكها جل 
قدرة الصانع الحكيم» فملائكتها مخلوقة على كل شكل من الأشكالء فيها من العجائب 
والغرائب ما لا يخطر بالبال» يسوغ فيها المحال ورب امتنع فيها الجائز الحلال» خلق الله دور 
فلك هذه السماء مسيرة حمس عشرة ألف سنة وستة وثلاثين سنة ومائة وعشرين يوماء يقطع 
كوكبها وهو الزهرة في كل ساعة مسيرة ستاثئة سنة وإحدى وثلاثين سنة وثانية عشر يوما 
وثلث يوم, فيقطع الفلك في مضي أربعة وعشرين ساعة» ويقطع جميع منازل الفلك الكبير 
في مسيرة ثلشاثة يوم وأربعة وعشرين يوما؛ وملائكة هذه السماء تحت حكم الملك المسمى 
صورائيل وهو روحانية الزهرة» ثم إن ملائكتها محيطون بالعالم يجيبون من دعاهم من بني 
ان 

قال آخر: ثم ذكر رحلته إلى هذه السماء؛ وما رآه فيها من العجائبء فقال: (رأيت 
ملاتكة هذه السماء مؤتلفة لكن على أنواع مختلفة» فمنهم من وكله الله بالإيحاء إلى النائم إما 


صريحا وإما بضرب مثل يعقله العالم؛ ومنهم من وكله الله تعالى بتربية الأطفال وتعليمهم 


.775 الإنسان الكامل» ص 770. (؟) الإنسان الكامل» ص‎ )١( 


04 





المعاني والأقوال؛ ومنهم من وكله الله بتسلية المهموم وتفريح المغموم؛ ومنهم من وكله الله 
بالناس المستوحشين ومكالة المتوحدين؛ ومنهم من وكله الله تعالى بإضرام نيران الحبّ 
للمحبين في سويداء اللبّء ومنهم من وكله الله بحفظ صورة المحبوب لثلا يغيب عن 
عاشقه الملهوب؛ ومنهم من وكله الله بإبلاغ الرسائل بين أهل الوسائل.. واجتمعت في هذه 
السماء بيوسف عليه السلام» فرأيته على سرير من الأسرار كاشفا عن رموز الأنوار عالما 
بحقيقة ما انعقدت عليه أكلّة الأحبار متحققا بأمر المعاني» مجاوزا عن قيد الماء والأواني» 
فسلمت عليه تحية وافد إليه فأجاب وحيا ثم رحب بي وبياء فقلت له: سيدي أسألك عن 
قولك: «رَبٌّ قَدْ تي مِنّ امُلْكِ وَعَلَّمْتتِي مِنْ تأويل الْأَحَادِيثِ» ايوسف: 60١‏ أي 
المملكتين تعني وعن تأويل أيّ الأحاديث تكنىء فقال: أردت المملكة ال رحمانية المودعة في 
النكتة الإنسانية» وتأويل الأحاديث: الأمانات الدائرة في الألسنة الحيوانية» فقلت له: يا 
سيدي أليس هذا المودع في التلويح حللا من البيان والتصريح» فقال: اعلم أن للحق تعالى 
أمانة في العباد يوصلها المتكلمون بها إلى أهل الرشاد» قلت: كيف يكون للحق أمانة وهو 
أصل الوجود في الظهور والإبانة؟ فقال: ذاك وصفهء وهذا شأنه. ذاك حكمه وهذه عبارته» 
الأمانة يجعلها الجاهل في اللسان ويحملها العالم في السرّ والجنان» والكل في حيرة عنه ولم يفز 
غير العارف بشيىء منه)(1) 

قال آخر: ثم تحدث عن الساء الرابعة» فوصفها بقوله: (أما السماء الرابعة» فهي 
الجوهر الأفخرء ذات اللون الأزهر سماء الشمس الأنورء وهو قطب الأفلاك خلق الله تعالى 
هذه السماء من النور القلبي» وجعل الشمس فيها بمنزلة القلب للموجود. به عمارته ومنه 
نضارته» منها تلتمس النجوم أنوارها وبها يعلو في المراتب منارهاء جعل الله هذا الكوكب 


.775 الإنسان الكامل» ص‎ )١( 





الشمسي في هذا الفلك القلبي مظهر الألوهية وبجلى المتنوّعات أوصافه المقدسة النزيهة 
الزكية فالشمس أصل لسائر المخلوقات العنصرية» | أن الاسم (الله) لسائر المراتب 
العلية» نزل إدريس عليه السلام هذا المقام النفيس لعلمه بالحقيقة القلبية» فتميز عن غيره 
في الرتبة الربية» جعل الله هذه السماء مهبط الأنوار ومعدن الأسرار؛ ثم إن الملك الجليل 
المسمى إسرافيل هو الحاكم على ملائكة هذه السماء» وهي روحانية الشمس ذات السناءء 
لا يرفع في الوجود خفض ولا يحدث فيه بسط ولا قبض إلا بتصريف هذا الملك الذي جعله 
الله محتد هذا الفلك» وهو أعظم الملائكة هيبة وأكبرهم وسعا وأقواهم همة» له من سدرة 
المتتهى إلى ما تحت الثرى يتصرّف في جميعها ويتمكن من شريفها ووضيعهاء منصته عند 
الكرسي ومحتده هذا الفلك الشمسيء وعالمه السموات والأرض وما فيهها من عقل 
وحس.. ثم اعلم أن الله تعالى جعل الفلك الشمسي مسيرة سبع عشرة ألف سنة وتسعا 
وعشرين سنة وستين يوماء فيقطع جميع الفلك في مضيّ أربع وعشرين ساعة معتدلة» ويقطع 
الفلك الكبير في ثلثائة وخمسة وستين يوما وربع يوم وثلاث دقائق.. واعلم أن الله تعالى 
جعل الوجود بأسره مرموزا في قرص الشمسء تبرزه القوى الطبيعية في الوجود شيئا فشيئا 
بأمر الله تعالى» فالشمس نقطة الأسرار ودائرة الأنوار» أكثر الأنبياء أهل التمكين في دائرة 
هذا الفلك المكين مثل عيسى وسليان وداود وإدريس وجرجيس وغيرهم تمن يكثر عدده 
ويطول أمدهء كلهم نازلون في هذا المنزل الجلٍ» وقاطنون في هذا المقام العللٌ» والله يقول 
الحق وهو يبدي السبيل إلى الصراط السوي)21(7 

قال آخر: ثم تحدث عن السماء الخامسة» فوصفها بقوله: (أما السماء الخامسة» فإنها 
سماء الكوكب المسمى بهرام» وهو مظهر العظمة الإلية والانتقام» نزل به يحيى عليه السلام 


.7717/ الإنسان الكامل» ص‎ )١( 


م 





لمشاهدته العظمة والجبروت وملاحظته العزة والملكوت, ولذا لم مهم بزلة» وما منهم إلا 
من هم أو جاء بخلة» سماؤه مخلوقة من نور الوهم ولونها أحمر كالدم» وملائكة هذه السماء 
خلقهم الله تعالى مراثي للكمال ومظاهر للجلالء مهم عبد الله في هذا الوجودء وبهم دان 
أهل التقليد للحق بالسجود. جعل الله عبادة هذه الملائكة تقريب البعيد وإيجاد الفقيد؛ 
فمنهم من عبادته تأسيس قواعد الإيان في القلب والجنان» ومنهم من عبادته طرد الكفار 
عن عالم الأسرار؛ ومنهم من عبادته شفاء المريض وجبر الكسر المهيصء ومنهم من خلق 
لقبض الأرواح فيقبض بإذن الحاكم ولا جناح وحاكم هذه السماء الأثيل هو الملك المسمى 
عزرائيل» وهو روحانية المريخ صاحب الانتقام والتوبيخ» جعل الله تعالى محتد هذا الملك 
هذه السماء ومنصته عند القلم الأعلى» لا ينزل ملك إلى الأرض للانتقام ولا لقبض الأرواح 
ولا لنشر انتظام إلا بأمر هذا الملك الذي هو روحانية برام.. واعلم أن الله تعالى جعل دور 
هذه السماء مسيرة تسع عشرة ألف سنة وثان ماثة سنة وثلاثا وثلاثين سنة ومائة وعشرين 
يوماء يقطع هذا الكوكب منها في كل ساعة معتدلة مسيرة ثانائة سنة وست وعشرين سنة 
ومائة وأربعين يوماء فيقطع جنيع الفلك في مضي أربع وعشرين ساعة» ويقطع الفلك الكبير 
في مضي خمساثة وأربعين يوما بالتقريب» وروحانيته هي الممدة لأرباب السيوف والانتقام» 
وهي الموكلة بنصر من أراد الله نصره من أهل الزمام) 217 

قال آخر: ثم تحدث عن السماء السادسة» فوصفها بقوله: (أما السماء السادسة. 
فمحتدها من نور ال همة» وهي جوهر شفاف روحاني أزرق اللون» وكوكبها مظهر القيومية 
ومنظر الديمومية ذو النور الممد المسمى بالمشتري)() 


قال آخر: ووصف بعض مارآه في رحلته إلى هذه السماء» فقال: (رأيت موسى عليه 


.778 الإنسان الكامل» ص 778. (؟) الإنسان الكامل» ص‎ )١( 


مدن 





السلام متمكنا في هذا المقام» واضعا قدمه على سطح هذه السماء» قابضا بيمينه ساق سدرة 
المنتهى» سكران من خمر تجلى الربوبية» حيران من عرة الألوهية» قد انطبعت في مرآة علمه 
أشكال الأكوان» وتجلت في إنيته ربوبية الملك الديان» بول منظره الناظر» ويزعج أمره 
الوارد والصادر» فوقفت متأدبا بين يديه» وسلمت بتحقيق مرتبته عليه» فرفع رأيه من 
سكرة الأزل ورحب بي ثم أهل» فقلت له: يا سيدي قد أخبر الناطق بالصوابء الصادق 
في الخطابء أنه قد برزت لك خلعة لن تراني من ذلك الجناب» وحالتك هذه غير حالة أهل 
الحجابء فأخبرني بحقيقة هذا الأمر العجاب؛ فقال: اعلم أنني لما خرجت من مصر أرضي 
إلى حقيقة فرضي» ونوديت من طور قلبي بلسان ربي من جانب شجرة الأحدية في الوادي 
ا مقدس بأنوار الأزلية إنَِّي آنا الهلا إِلهَإِلّا نا فَاعْبدْن فلل عبدته كما أمر في الأشياء» وأثنيت 
عليه بها يستحقه من الصفات والأساء تجلت أنوار الربوبية لي فأخذني عني» فطلبت البقاء 
في مقام اللقاءء ومحال أن يثبت المحدث لظهور القديم» فنادى لسان سرّي مترجما عن ذلك 
الأمر العظيم» فقلت: رب أَرِني أَنْظْرْ إِلَيْكَ فأدخل بأنيتي في حضرة القدس عليك» فسمعت 

14و 1 26 : يله 2 اه ساو 8 57 0 ٠‏ 
الجواب من ذلك الجناب لن تراني ولكِنٍ انظر إلى الْجَبّل وهي ذاتك المخلوقة من نوري في 
الأزلء فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكائّة بعد أن أظهر القديم سلطانه قَسَوْفَ تراني» قَلَا تجَلَ رَهُ ِلْجَبَل 
وجذبتني حقيقة الأزل وظهر القديم على المحدث جََعَلّهُ دكا فخر موسى لذلك صعقاء فلم 
يبق في القديم إلا القديم» ولم ينجل بالعظمة إلا العظيم» هذا على أن استيفاءه غير ممكن 
وحصره غير جائز فلا تدرك ماهيته ولا ترى ولا يعلم كنهه ولا يدريء فلما اطلع ترجمان 
الأزل على هذا الخطاب أخبركم به من أم الكتاب» فترجم بالحق والصوابء ثم تركته 


وانصرفت وقد اغترفت من بحره ما اغترفت)17) 


.7794 الإنسان الكامل» ص‎ )١( 


تددن 





قال آخر: وذكر بعض التفاصيل التي كشفت له عن هذه السماء» فقال: (اعلم أن الله 
تعالى جعل دور فلك هذه السماء مسيرة اثنتين وعشرين ألف سنة وستا وستين سنة وثانية 
أشهرء فيقطع كوكبها وهو المشتري فيها في كل ساعة مسيرة تسعمائة سنة وتسع عشرة سنة 
وخمسة أشهر وسبعة وعشرين يوما ونصف يوم, فيقطع جميع الفلك في مضيّ أربع وعشرين 
ساعة» ويقطع جميع الفلك الكبير في مضيّ اثنتي عشرة سنة» يقطع كل سنة برجا من الفلك 
الكبير» وخلق الله تعالى هذه السماء من نور الحمة» وجعل ميكائيل موكلا بملائكتهاء وهم 
ملائكة الرحمة» جعلهم الله معارج الأنبياء» ومراقي الأولياء» خلقهم الله تعالى لإيصال 
الرقائق إلى من اقتضتها له الحقائق» دأمهم ربع الوضيع وتسهيل الصعب المنيع» يجولون في 
الأرض» بسبب رفع أهلها من ظلمة الخفضء فهم أهل البسط بين الملائكة والقبض» وهم 
الموكلون بإيصال الأرزاق إلى المرزوقين على قدر الوفاق» جعلهم الله تعالى من أهل البسط 
والحظوة» فهم بين الملائكة مجابو الدعوة» لا يدعون لأحد بثيء ألا أجيبء ولا يمرّون بذي 
عاهة إلا ويبرأ ويطيب.. ثم إني رأيت ملائكة هذه السماء مخلوقة على سائر أنواع الحيوانات» 
فمنهم من خلقه الله تعالى على هيئة الطائر وله أجنحة لا تنحصر للحاصرء وعبادة هذا النوع 
خدمة الأسرار ورفعها من حضيض الظلمة إلى عالم الأنوار» ومنهم من خلقه الله تعالى على 
هيئة الخيول المسومة» وعبادة هذه الطائفة المكرّمة رفع القلوب من سجن الشهادة إلى فضاء 
الغيوب؛ ومنهم من خلقه الله تعالى على هيئة النجائب وفي صورة الركائب» خلقه الله تعالى 
على هيئة البغال والحمير» وعبادة هذا النوع رفع الحقير وجبر الكسير والعبور من القليل 
إلى الكثير؛ ومنهم من خلقه الله تعالى على صورة الإنسان» وعبادة هؤلاء حفظ قواعد 
الأديان» ومنهم من خلق على صفة بسائط الجواهر والأعراضء وعبادة هؤلاء إيصال 
الصحة إلى الأجسام المراضء ومنهم من خلق على أنواع الحبوب والمياه وسائر المأكولات 


دون 


والمشروبات» وعبادة هؤلاء إيصال الأرزاق إلى مرزوقها من سائر المخلوقات) 217 

قال آخر: وذكر بعض مشاهداته في هذه السماء» فقال: (ثم إني رأيت في هذه السماء 
ملائكة مخلوقة بحكم الاختلاط مزجاء فالنصف من ماء عقد ثلجاء فلا الماء يفعل في إطفاء 
النار ولا النار تغير الماء عن ذلك القرار.. واعلم أن ميكائيل عليه السلام هو روحانية 
كوكب هذه السماء» وهو الحاكم على سائر الملائكة المقيمين في هذا الفلك» جعل الله محتده 
هذه السماء ومنصته عن يمين سدرة المنتهى» سألته عن البراق المحمدي هل كان مخلوقا من 
هذا المحتد العلى؟ فقال: لاء لأن محمدا 4 لم تتكائف عليه الستورء فلم ينزل سرّه عن سماء 
النور» وذلك محتد العقل الأول ومنشأ الروح الأفضلء فبراقه من فلك هذا المقام المكين» 
وترجمانه جبريل وهو الروح الأمين؛ وأما من سواه من الأنبياء وسائر الكمل من الأولياءء 
فإن مراكبهم ني السفير الأعلى على نجائب هذه السماء فيصعدون عليها من حضيض أرض 
الطبائع حتى يجاوزوا الفلك السابع» ثم ليس لهم مركب إلا الصفات ولا ترجمان إلا 
الذات)0) 

قال آخر: ثم تحدث عن السماء السابعة» فوصفها بقوله: (أما السماء السابعة» فسماء 
زحل المكرّم؛ وجوهرها شفاف أسود كالليل المظلمء خلقها الله من نور العقل الأول 
وجعلها المنزل الأفضلء فتلوّنت بالسواد إشارة إلى سوادها والبعاد» فلهذا لا يعرف العقل 
الأول إلا كل عالم أكمل» هذا هو سماء كيوان المحيط بجميع عالم الأكوان» أفضل السموات 
وأعلى الكائنات» جميع الكواكب الثابتة في موكبه سائرة سيرا خفيا في كوكبه» دورة فلكه 
مسيرة أربع وعشرين آلف سنة وحمسائة عام» يقطع كوكبه في كل ساعة معتدلة مسيرة ألف 


سنة وعشرين سنة وعشرة أشهرء ويقطع الفلك الكبير في مدة ثلاثين سنة» وجميع الكواكب 


.7 5٠ (؟) الإنسان الكامل» ص‎ 75٠ الإنسان الكامل» ص‎ )١( 


>31 





الثابتة التي فيها لكل منها سير خفي مهين لا يكاد يبين» منها ما يقطع كل برج من الفلك في 
ثلاثين ألف سنة» ومنها ما يقطع بأكثر وأقل» ولأجل دقتها وكثرتها لا تعرف. وليس لا 
أسماء عند الحسابء ولكن أهل الكشف يعرفون اسم كل نجم ويخاطبونه باسمه ويسألونه 
عن سيره» فيجيبهم ويخبرهم ب| يقتضيه في فلكه. ثم إن هذه الأساء أول سماء خلقها الله 
تعالى محيطة بعالم الأكوان» وخلق السموات التي تحتها بعدهاء فهو نور العقل الأول الذي 
هو أول مخلوقات الله في عالم المحدثات)27) 

قال آخر: وتحدث عن مشاهداته في هذه السماء» فقال: (رأيت إبراهيم عليه السلام 
قائ! في هذه السماء» وله منصة يجلس عليها عن يمين العرش من فوق الكرميء وهو يتلو 
آبة الْحَمْدُللهَالّذِي وَهَبَ لي عَلَ الْكِبرِ إسْماعِيلَ وإِسْحاقٌ الآية)) 

قال آخر: وتحدث عن ملائكتهاء فقال: (اعلم أن ملائكة هذه السماء كلهم مقرّبون» 
ولكل من المقرّبين منزلة على قدر وظيفته التي أقامه الله فيهاء وليس فوقه إلا الفلك 
الأطلسء وهو الفلك الكبير» سطحه هو الكرمي الأعلى» وبينهما أعني الفلك الأطلس 
والفلك المكوكب ثلاثة أفلاك وهمية حكمية لا وجود لما إلا في الحكم دون العين. الفلك 
الأول منهاء وهو الفلك الأعلى على فلك ال ميولي» الفلك الثاني فلك الحباء. الفلك الثالث 
فلك العناصرء وهو آخرهم مما يل الفلك المكوكب. وقال بعض الحكاء: ثم فلك رابع» 
وهو فلك الطبائع» واعلم أن الفلك الأطلس هو عرصة سدرة المنتهى» وهي تحت 
الكرسي.. ويسكن سدرة المنتهى الملائكة الكروبيونء رأيتهم على هيئات مختلفة لا يحصى 
عددهم إلا الله قد انطبقت أنوار التجليات عليهم حتى لا يكاد أحد منهم يحرك جفن 
طرفه؛ فمنهم من وقع على وجهه. ومنهم من جثا على ركبتيه وهو الأكمل» ومنهم من سقط 


.7 5١ الإنسان الكامل» ص‎ )( .7 5١ الإنسان الكامل» ص‎ )١( 


ل 





على جنبه» ومنهم من جمد في قيامه وهو أقوىء ومنهم من دهش في هويته» ومنهم من خطف 
في إنيته» ورأيت منهم مائة ملك مقدمين على هؤلاء جميعهم, بأيديهم أعمدة من النور 
مكتوب على كل عمود اسم من أسا)ء الله الحسنى» يرهبون بها من دونهم من الكروبيين» 
ومن بلغ مرتبتهم من أهل الله تعالى» ثم رأيت سبعة من جملة هذه المائة متقدمة عليهم 
يسمون قائمة الكروبيين» ورأيت ثلاثة مقدمين على هذه السبعة يسمون بأهل المراتب 
والتمكين» ورأيت واحدا مقدما على جميعهم يسمى عبد الله» وكل هؤلاء عالون ممن لم 
يؤمروا بالسجود لآدم؛ ومن فوقهم كذلك المسمى بالنون والملك المسمى بالقلم وأمثالهما 
أيضا عالون» وبقية ملائكة القرب دونهمء وتحتهم مثل جبريل وميكائيل وإسرافيل 
وعزرائيل وأمثالهم» ورأيت في هذا الفلك من العجائب والغرائب ما لا يسعنا شرحه)(2© 

قال آخر: ثم تحدث بثقة عجيبة عن جميع أفلاك الكون, فقال: (اعلم أن جملة الأفلاك 
التي خلقها الله تعالى في هذا العالم ثانية عشر فلكاء الفلك الأول: العرش المحيط. الفلك 
الثاني: الكرسي. الفلك الثالث: الأطلس» وهو فلك سدرة المنتهى. الفلك الرابع: الهيولي. 
الفلك الخامس: الحباء» الفلك السادس: العناصر. الفلك السابع: الطبائع. الفلك الثامن: 
المكوكب» وهو فلك زحل ويسمى فلك الأفلاك. الفلك التاسع: فلك المشتري. الفلك 
العاشر: فلك المريخ. الفلك الحادي عشر: فلك الشمس. الفلك الثاني عشر: فلك الزهرة. 
الفلك الثالث عشر: فلك عطارد. والفلك الرابع عشر: فلك القمر. الفلك الخامس عشر: 
فلك الآثير. وهو فلك النار الفلك السادس عشر: فلك المواء. الفلك السابع عشر: فلك 
الماء. الفلك الثامن عشر: فلك التراب. والبحر المحيط الذي فيه البهموت» وهو حوت 


يحمل الأرض على منكبيه» ثم فلك المواء» ثم فلك النار» ثم فلك القمر» ويرجع صاعدا 


.757 الإنسان الكامل» ص‎ )١( 


مون 





كما هبط)() 

د. عجائب الأرض: 

قام بعض الحضورء وقال: حدثتمونا عن عجائب السماء؛ فحدثونا عن عجائتب 
الأرض.. أخبرونا عن معنى قوله تعالى: #وَمِنَ الْأَرْضٍ مِثْلَّهُنَّ4 [الطلاق: 0117 وعجائب 
العف المرقيطة مها: 

قال أحد الشيوخ(©: لقد تبين لنا من خلال الكشف الذي ذكره العارفون بالله أن 
للأرض سبع طبقات. مثلها مثل السماء.. أما الطبقة الأولى منهاء فأول ما خلقها الله تعالى 
كانت أشد بياضا من اللبن وأطيب من رائحة المسك, فاغبرت لما مشى آدم عليه السلام 
عليها بعد أن عصى الله تعالى» وهذه الأرض أرض النفوسء ولهذا كانت يسكنها 
الحيوانات.. وهذه الأرض من أشرف الأراضي وأرفعها قدرا عند الله تعالى» انا مل 
النبيين والمرسلين والأولياء الصالحين» فلولا ما أخذ الناس من الغفلة عن معرفتها لكنت 
تراهم يتكلمون بالمغيبات ويتصرّفون في الأمور المعضلات» ويفعلون ما يشاؤن بقدرة 
صانع البريات. 

قال السائل: فهل تعرفون طولها وعرضها ومناخها وتضاريسها؟ 

قال الشيخ(©: أجل.. فقد ذكر لنا شيوخنا كل ذلك؛ فقد ذكروا أن دور كرة الأرض 
مسيرة ألف ومائة عام وستة وستون عاما وماتتا يوم وأربعون يوما.. وقد غمر الماء منها 
ثلاثة أرباع بحكم الحيطة» فبقي الربع من وسط الأرض إلا ما يلي الجانب الشمالي» وأما 


الجانب الجنوبي فأجمعه بكليته مغمور تحت الماء من نصف الأرضء ثم ربعه من الجانب 


.77١ الإنسان الكاملء ص 57 7. (*) الإنسان الكامل» ص‎ )١( 
.77١ (؟) الإنسان الكاملء ص‎ 


7 


الشهالي تحت الماء» فا بقي إلا الربع وهذا الربع فالخراب منه ثلاثة أرباعه. ولم يبق إلا الربع 
من الربع» ثم هذا الربع المتبقى لم تكن مدته المسكونة منه إلا مسيرة أربعة وعشرين عاما 
وباقيها برار وقفار عامرة بالطرق تمكنة الذهاب والإياب. 

قال السائل: فهل طاف ذو القرنين كل هذه المسافات؟ 

قال الشيخ(22: كلا.. لم يبلغ من الأرض إلا هذا الربع المتبقى» حيث سلك قطره 
شرقا وغرباء لآن بلاده في المغرب, وكان ملكا بالروم» فأخذ أولا يسلك مما يليه من جنبه 
حتى بلغ إلى باطن الأرض منه؛ فوصله إلى مغرب الشمس؛ ثم سلك الجنوبي وهو ما يقابله 
حتى تحقق بظهور تلك الأشياء» فوصل إلى مشرق الشمسء ثم سلك الجانب الجنوبي وهو 
الظلمات حتى بلغ يأجوج ومأجوج.ء وهم في الجانب الجنوبي من الأرض»ء نسبتهم من 
الأرض نسبة الخواطر من النفس» لا يعرف عددهم ولا يدرك حصرهم. لم تطلع الشمس 
على أرضهم أبداء فلأجل هذا غلب عليهم الضعف حتى أنهم لم يقدروا في هذا الزمان على 
خراب السد؛ ثم سلك الجانب الش الي حتى بلغ محلا منه لم تغرب الشمس فيه.. 

قال السائل: حقا.. كيف هذا.. إن هذا لعجيب.. هل لك أن تصف لنا هذه 
الأرض؟ 

قال الشيخ(©: أجل.. هذه الأرض بيضاء على ما خلقها الله تعالى عليه هي مسكن 
رجال الغيبء وملكها الخضر عليه السلام» أهل هذه البلاد تكلمهم الملائكة لم يبلغ إليها 
آدم ولا أحد تمن عصى الله تعالى» فهي باقية على أصل الفطرة» وهي قريبة من أرض بلغار, 
وبلغار بلدة في العجم لا تجب فيها صلاة العشاء في أيام الشتاء» لأن شفق الفجر يطلع قبل 
غروب شفق المغرب فيهاء فلا يجب عليهم صلاة العشاء» ولا حاجة إلى تبيين عجائب 


.77١ (؟) الإنسان الكامل» ص‎ .77١ الإنسان الكامل» ص‎ )١( 


718 





الأرض..)(0) 

قال السائل: حدثتنا عن الطبقة الأولى من اللأرض وعجائبهاء فحدثنا عن الطبقة 
الثانية. 

قال الشيخ(2©: لقد ذكر أولياء الله المكاشفين أن الطبقة الثانية من الأرض لونها 
كالزمردة الخضراء» وهي تسمى أرض العبادات» يسكنها مؤمنو الجنء ليلهم نهار الأرض 
الأولى» ونهارهم ليلهاء لا يزال أهلها قاطنين فيها حتى تغيب الشمس عن أرض الدنياء 
فيخرجون إلى ظاهر الأرض يتعشقون ببني آدم تعشق الحديد بالمغناطيس» ويخافون منهم 
أشد من خوف الفريسة للآساد.. ودورة كرة هذه الأرض ألفا سنة ومائتا سنة وأربعة 
أشهرء ولكن ليس فيها خراب. بل الجميع معمور بالسكنى, وأكثر مؤمني الجن يحسدون 
أهل الإرادات والمخالفات» فأكثر هلاك السالكين من جن هذه الأرض يأخذون الشخص 

قال السائل: فحدثنا عن الطبقة الثالثة. 

قال الشيخ”": الطبقة الثالثة من الأرض لونها أصفر كالزعفران» وهي تسمى أرض 
الطبع» يسكنها مشركو الجن» ليس فيها مؤمن بالله» قد خلقوا للشرك والكفر يتمثلون بين 
الناس على صفة بني آدمء لا يعرفهم إلا أولياء الله تعالى» لا يدخلون بلدة فيها رجل من 
أهل التحقيق إذا كان متمكنا بشعاع أنواره» وأما قبل ذلك فإنهم يدخلون عليه ويحاربهم» 
فلا يزالون كذلك حتى ينصره الله تعالى عليهم» فلا يقربون بعد هذا من أرضه» ومن توجه 


إليه احترق بشعاع أنواره» ليس لؤ لاء عمل في الأرض إلا إشغال الخلق عن عبادة الله تعالى 


(1) المرجع السابق» ص 57 7. (*) الإنسان الكامل» ص 54 7. 


(؟) الإنسان الكامل» ص 57 37. 


351 


بأنواع الغفلة.. ودورة كرة هذه الأرض مسيرة أربعة آلاف سنة وأربعائة سنة وثانية أشهرء 
وكلها عامرة بالسكنى ليس فيها خراب. لم يذكر الحق سبحانه وتعالى فيها منذ خلقها إلا 
مرة واحدة بلغة غير لغة أهلها. 

قال السائل: فحدثنا عن الطبقة الرابعة. 

قال الشيخ(2: الطبقة الرابعة من الأرض لونبها أحمر كالدم تسمى أرض الشهود. 
دورة كرة هذه الأرض مسيرة ثانية آلاف سنة وخمس وستين سنة ومائة وعشرين يوماء 
كلها عامرة بالسكنى» يسكنها الشياطين» وهم على أنواع كثيرة» يتوالدون من نفس إبليس» 
فإذا تحصلوا بين يديه جعلهم طوائف. يعلم طائفة منهم القتل ليكونوا أدلة عليه لعبادة الله 
ثم يعلم طائفة الشرك ويحكمهم في معرفة علوم المشركين ليوطن بنيان الكفر في قلوب أهله. 
ويعلم طائفة العلم ليجادلوا به العلماء» ويعلم طائفة منهم المكر وطائفة الخداع وطائفة الزنا 
وطائفة السرقة» حتى لا يترك معصية صغيرة ولا كبيرة إلا وقد أرصد لما طائفة من حفدته. 
ثم يأمرهم أن يجلسوا في مواضع معروفة» فيعلموا أهل الخدع والمكر وأمثال ذلك أن يقيموا 
في دركة الطمع» ويعلموا أهل القتل والطعن وأمثال ذلك أن يقيموا في دركة الرياسة» 
ويعلموا أهل الشرك أن يقيموا في دركة الشرك» ويعلموا أهل العلم أن يقيموا في دركة 
المناجاة والعبادات» ويعلموا أهل الزنا والسرقة وأمثال ذلك أن يقيموا في دركة الطبع؛ ثم 
جعل بأيدهم سلاسل وقيودا يأمرهم أن يجعلوها في أعناق من يحتكم لهم سبع مرات 
متواترات ليس بينها توبة» ثم يسلمونه بعد ذلك إلى عفاريت الشياطين فينزلون إلى الأرض 
التي تحتهم» ويجعلون أصول تلك السلاسل فيهم, فلا يمكنه مخالفتهم بعد أن توضع تلك 
السلاسل في عنقه أبدا. 


.7 55 الإنسان الكامل» ص‎ )١( 


7 





قال السائل: فحدثنا عن الطبقة الخامسة. 

قال الشيخ20©: الطبقة الخامسة من الأرض لونها أزرق كالنيلة» واسمها أرض 
الطغيان» دورة كرتها سبعة عشرة ألف سنة وستائة سنة وعشر سنين وثانية أشهر, كلها 
عامرة بالسكنى» يسكنها عفاريت الجن والشياطين» ليس لهم عمل إلا قيادة أهل المعاصي 
إلى الكبائر» وهؤلاء كلهم لا يصنعون إلا بالعكس؛ فلو قبل لهم اذهبوا جاؤاء ولو قيل لهم 
تعالوا ذهبواء هؤلاء أقوى الشياطين كيداء فإن من فوقهم من أهل الطبقة الرابعة كيدهم 
ضعيف يرتدع بأدنى حركة. 

قال السائل: فحدثنا عن الطبقة السادسة. 

قال الشيخ(©): الطبقة السادسة من الأرض هي أرض الإلحاد. لونها أسود كالليل 
المظلم» دورة كرة هذه الأرض مسيرة خمس وثلاثين ألف سنة ومائتي سنة وإحدى وعشرين 
سنة ومائة وعشرين يوماء كلها عامرة يسكنها المردة ومن لا يتحكم لأحد من عبادة الله 
5 

قال السائل: فحدثنا عن الطبقة السابعة. 

قال الشيخ”": الطبقة السابعة من الأرض تسمى أرض الشقاوة» وهي سطح 
جهنم» خلقت من سفليات الطبيعة يسكنها الحجيات والعفاريت وبعض زبانية جهنم» دورة 
كرة هذه الأرض مسيرة سبعين ألف سنة وأربعائة سنة واثنتين وأربعين سنة وأربعة أشهر» 
وحياتها وعقاربها كأمثال الجبال وأعناق البختء. وهي ملحقة بجهنم نعوذ بالله منهاء 


أسكن الله هذه الأشياء في هذه الأرض لتكون أنموذجا في الدنيا لما في جهنم من عذابه» ىا 


.7 55 الإنسان الكامل» ص 505 7. (") الإنسان الكامل» ص‎ )١( 
.7 55 (؟) الإنسان الكامل» ص‎ 


0086 


أسكن طائفة مثل سكان الجنة على الفلك المكوكب ليكون أنموذجا في الدنيا لما في الجنة من 
نعيمه» ونظير ذلك في مخيلة الإنسان» وما في الجانب الأيسر منها من الصور الممثلة هو نسخة 
هذه الأرضء وما في الجانب الأيمن منها هو نسخة ما في الفلك الأطلس من الحور وأمثاله» 
كل ذلك لتقوم حجته على خلقه. 

يوي بي 
المرتبطة بالبحار» كقوله تعالى: لوَمُوَ الَّذِي م شكر التكر رتاكلوا مِنْهُ لحا طرِيا وَتَسْتَخْرِ 
ِنْهُ حَِية تلْبَسُويجا وتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فيه وَلِتَبَهُوَا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَكُمْ --352 [التحل: 
5 وقوله: لوَهُوَ الْنِي مَرَحجَ الْبَحْرَيْنٍ هَذًَا عَذْبٌ فرَاتٌ مَعَدَاَوك أجاك ده 

َرْرَخَا وَحِجْرًا عَْجُورًا4 [الفرقان: 157 وقوله: لأَمَّنْ يَْدِيكُمْ في ظُلَّاتٍ لير وَالْبَحْر وَمَنْ 

سل الح راي َرَت همع كال ارون اسر: +. . وغيرها 
من الآيات الكريمة. 

قال أحد الشيوخ(2): اعلم ‏ يا بني ‏ أن البحار السبعة المحيطة أصلها بحران, لأن 
الحق سبحانه وتعالى لما نظر إلى الدرّة البيضاء التي صارت ماءء فا كان مقابلا في علم الله 
تعالى لنظر الهيبة والعظمة والكبرياءء» فإنه لشدة الهيبة صار طعمه مالحا زعافاء وما كان 
مقابلا في علم الله تعالى لنظر اللطف والرحمة صار طعمه عذبا.. فلهذا كان الأصل بحرين 
عذب ومالح» فبرز من العذب جدول إلى جانب المشرق منه واختلط بنبات الأرض فنبتت 
رائحته فصار بحرا على حدته؛ ثم خرج منه أي العذاب من جدول مما يلي جانب المغرب» 
فقرب من البحر المالح المحيط فامتزج طعمه فصار ممتزجا وهو بحر على حدته. وأما البحر 
المالح فخرجت منه ثلاث جداول: جدول أقام وسط الأرض فبقي على طعمه الأول ما حا 


.7 57 الإنسان الكاملء ص‎ )١( 


فور 





ولم يتغير فهو بحر على حدته» وجدول ذهب إلى اليمين» وهو الجانب الجنوبي» فغلب عليه 
طعم الأرض التي امتدٌ إليهاء فصار حامضاء وهو بحر على حدته. وجدول ذهب إلى الشام» 
وهو الجانب الشهإلي فغلب عليه طعم الأرض التي امتد فيها فصار مرا زعافا وهو بحر على 
حدته» وأحاط بجبل قاف والأرض جميعها بم| فيها لم يعرف له طعم يختص به ولكنه طيب 
الرائحة» لا يكاد من شمه أن يبقى على حالته بل هلك من طيب رائحته» وهذا هو البحر 
المحيط الذي لا يسمع له غطيط. 

قال السائل: فهلا حدثتنا عن تفاصيل أكثر ترتبط مهذه البحار» نما كشفه الله لكم. 

قال الشيخ: معاذ الله أن ندعي أنه كشف لنا.. بل هو تما كشف للعارفين الربانيين 
الكبار.. فقد ذكروا أن البحر العذب طيب المشرب وسهل المركب.. أبيض اللون شفاف 
الكون» يسرع في منافذه الطفل والمحتلم» ويرتع في موائده الطالب والمغتنم» حيتانه سهلة 
الانقياد قريبة الاصطيادء خلقت من نور تعظيم الاحترام؛ الحلال فيه بين من الحرام» وبها 
ارتبط الحكم الظاهرء وبها أصلح أمر الأول والآخرء كثيرة السفر قليلة الخطرء قل أن 
تنعطب مراكبها أو يغرق من موجها راكبها.. سكانها أهل الملل المختلفة والنحل المؤتلفة» 
رؤساؤها المسلمون وحكامها الفقهاء العاملون قد وكل الله ملائكة النعيم بحفظهاء 
وجعلهم أهل بسطها وقبضهاء وها أربعة فروع مشتهرة وأربعون ألف فرع مندثرة» 
فالفروع المشتهرة الفرات والنيل وسيحون وجيحون. والمندثرة فأكثرها بأرض المند 
والتركان وفي الحبشة منها فرعان» دورة محيط هذه الأبحر مسيرة أربع وعشرين سنة وهي 
متشعبة في أقطار الأرض ومتفرّعة في طولها والعرضء يتشعب منها فرعان الأول بإرم ذات 
العاد. والآخر بنعمان» فأما الذي أخذ في العرض وبين من ملابسة الأرضء فهو العامر 


للديار والأعمال والظاهر بين أيدي السفرة والعمال.. وأما الذي أخذ في طول الالتحاد 


رفس 


وسكن إرم ذات العماد» فهو البحر الممزوج ذو الدرٌ الممزوج. 

قال آخر: ومن تلك البحار بحر عجيب يسمى البحر النتن» وهو الصعب المسالك 
القريب المهالك.. لونه أشهب وكونه أغربء أمواجه بأنواع البر طافحة وأرياحه بأنصاف 
الفضائل غادية ورائحة» حيتانه كالبغال والجهال تحمل الكل وأعباء الأثقال إلى بلد الدرٌ 
الأنفس ولم يكونوا بالغيه إلا بشق الأنفسء لكنهم صعاب الانقياد لا يصادون إلا بالجد 
والاجتهاد» لا يعبر مراكبهم الباهرة إلا أهل العزائم القاهرة» هب رياحها من جانب 
الشرق الواضح فتسير بأفلاكها إلى ساحل البحر الناجح, أهلها صادقون في الأفعال 
مؤمنون في الأقوال والأحوال؛ سكانها العباد والصال حون والزهاد. يستخرج من هذا البحر 
درٌ البقاء ومراجين النقاء» يتحلى مها من تطهر وتزكى وتخلق وتحقق وتجلى» قد وكل الله 
ملائكة العذاب بحفظ هذا البحر العجاب.. دور محيط هذا البحر مسيرة خمسة آلاف سنة» 
وقد أخذ سردا في العرض غير ممتد في الأرض وأما البحر الممزوج ذو الدرٌ الممزوجء لونه 
أصفر أمواجه معقودة كالصخر الأحمرء لا يقدر كل على شربه ولا يطيق كل أحد أن يسير 
فيه سربه» هو بحر ذات العاد التي لم يخلق مثلها في البلاد صعب المسلك كثير العطب 
والمهلك, لا يسلم فيه إلا آحاد المؤمنين ولا يحكم أمره إلا أفراد المعتقدين. 

قال أحد الحضور: فحدثنا عن تفسير قوله تعالى: #وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَنَاهُ لا أَبْرَحُ 
حَتَّى أَبْلعَ يحْمَعَ البَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضيَ حُفبًا» [الكيف: ]:١‏ 

قال أحد الشيوخ: لما ذهب موسى عليه السلام وفتاه حاملا لغدائه.. وهذا الفتى 
اسمه يوشع بن نون. وهو أكبر من موسى عليه السلام في السن بسنة شمسية وقصتهم| 
مشهورة؛ ذكرها بعض شيوخنا العارفين بالله في رسالة سماها [مسامرة الحبيب ومسايرة 


الصحيب].. وقد ذكر فيه أن الإسكندر سافر ليشرب من هذا الماء اعتمادا على كلام 


6# 


7 


أفلاطون أن من شرب من ماء الحياة فإنه لا يموتء لأن أفلاطون كان قد بلغ هذا المحل 
وشرب من هذا البحر فهو باق إلى يومنا هذا في جبل يسمى دراوند» وكان أرسطو تلميذ 
أفلاطون وهو أستاذ الإسكندر صحب الإسكندر في مسيره إلى مجمع البحرين» فلما وصل 
إلى أرض الظلمات ساروا وتبعهم نفر من العسكر وأقام الباقون بمدينة تسمى ثبت» وهو 
حد ما تطلع الشمس عليه وكان في جملة من صحب الإسكندر من عسكره الخضر عليه 
السلام» فساروا مدة لا يعلمون عددها ولا يدركون أمدها وهم على ساحل البحرء وكلم| 
نزلوا منزلا شربوا من الماء؛ فل| ملوا من طول السفر أخذوا في الرجوع إلى حيث أقام 
المعسكرء وقد كانوا مروا بمجمع البحرين على طريقهم من غير أن يشعروا به» ف| أقاموا 
عنده ولا نزلوا به لعدم العلامة» وكان الخضر عليه السلام قد ألم بأن أخذ طيرا فذبحه 
وربطه على ساقه؛ فكان يمي ورجله في الماء» فلم| بلغ هذا المحل انتعش الطير واضطرب 
عليه فأقام عنده وشرب من ذلك الماء واغتسل منه وسبح فيه فكتمه عن الإسكندر وكتم 
أمره إلى أن خرج؛ فلم| نظر أرسطو إلى الخضر عليه السلام علم أنه قد قال من دونهم بذلك. 
فلزم خدمته إلى أن مات. واستفاد من الخضر هو والإسكندر علوما جمة. 

قال السائل: فحدثنا عن الخضر عليه السلام» وسر حياته الممتدة. 

قال الشيخ: اعلم أن الخضر عليه السلام خلقه الله تعاللى من حقيقة #وتَمَحْتٌ فيه 
مِنْ رُوحِي* فهو روح الله» فلهذا عاش إلى يوم القيامة» وقد قال شيخي العارف بالله أنه 
اجتمع به وسأله. وأنه يروي عنه جميع ما في البحر المحيط. 

قال السائل: البحر المحيط.. ما يعني هذا؟ 

قال الشيخ: البحر المحيط» ما كان منه منفصلا عن جبل (ق) مما يلي الدنيا فهو مالح 
وهو البحر المذكورء وما كان منه متصلا بالجبل فهو وراء المالح» فإنه البحر الأحمر الطيب 


ا" 


الرائحة» وما كان من وراء جبل (ق) متصلا بالجبل الأسود فإنه البحر الأخضرء وهو مرٌ 
الطعم كالسمٌ القاتل» ومن شرب منه قطرة هلكء وفنى لوقته؛ وما كان منه وراء الجبل 
بحكم الانفصال والحيطة والشمول بجميع الموجودات فهو البحر الأسود الذي لا يعلم له 
طعم ولا ريح» ولا يبلغه أحدء بل وقع به الإخبار» فعلم وانقطع عن الآثار فكتم» وأما 
البحر الأحمر الذي نشره كالمسك الأذفر فإنه يعرف بالبحر الأسمى ذي الموج الأنمى. 

قال السائل: فهلا حدثتنا عن عجائب هذا البحر. 

قال الشيخ: لقد ذكر بعض شيوخنا العارفين بالله ما كشف الله له من هذا البحرء 
فقال: (رأيت على ساحل هذا البحر رجالا مؤمنين» ليس لهم عبادة إلا تقريب الخلق إلى 
الحق» قد جبلوا على ذلك» فمن عاشرهم أو صاحبهم عرف الله بقدر معاشرتهم» وتقرّب 
إلى الله بقدر مسايرتهم» وجوههم كالشمس الطالع والبرق اللامع» يستضيء بهم الحائر في 
تيهات القفار» ومبتدي مهم التائه في غيابات البحارء إذا أرادوا السفر في هذا البحر نصبوا 
شركا لحيتانه» فإذا اصطادوها ركبوا عليهاء لأن مراكب هذا البحر حيتانه» ومكتسبه لولؤه 
ومرجانه» ولكنهم عند أن يستووا على ظهر هذا الحوت ينتعشون بطيب رائحة البحر فيغمى 
عليهم؛ فلا يفيقون إلى أنفسهم, ولا يرجعون إلى محسوسهم ما داموا راكبين في هذا البحر» 
فتسير بهم الحيتان إلى أن يأخذوا حدها من الساحل» فتقذف بهم في منزل من تلك المنازل» 
فإذا وصلوا إلى الببرٌ وخرجوا من ذلك البحر. رجعت إليهم عقوهم, وبان لهم محصوطم. 
فيظفرون بعجائب وغرائب لا تحصرء أقلّ ما يعبر عنها: ما لاعين رأت, ولا أذن سمعت» 
ولا خطر على قلب بشر) 

قال السائل: فحدثنا عن أمواج هذا البحر. 


6س 


قال الشيخ(2©: اعلم أن أمواج هذا البحر كل موجة منها تملا ما بين السماء والأرض 
ألف ألف مرّة إلى ما لا ينتهي» ولولا أن عالم القدرة يسع هذا البحر لما كان يوجد في الوجود 
بأسره. وكل الله الملائكة الكروبيين بحفظ هذا البحرء فهم واقفون على شطه لا يستقرٌ مهم 
قرار في وسطهء وليس في هذا البحر من السكان سوى دوابه والحيتان. 

ه. أصناف الأولياء 

قام بعض الحضورء وقال: دعونا من البر والبحرء فهم| من شؤون الدنياء ونحن ما 
جتنا هنا إلا لنرحل بأرواحنا إلى الله والدار الآخر.. فلذلك حدثونا عن أولياء الله المقربين 
الذين ورد ذكرهم ووصفهم والإشادة بهم في قوله تعالى: ألا إنَأوِْياء الها حَوْفٌ عَلَيْهِمْ 
ولاه َرَنُونَ الّذِينَ آمثوا وَكَانوا يكقُونٌ كم التذرى في الباق الدئيا وَفٍ الكخرة لا تنديل 
لِكَلَاتٍ الله ذَلِكَ هُوَ الْمَْرُ اْعَظِيم4 [يونس: 57 4+]؛ فنحن ما اجتمعنا بكم إلا لشوقنا لأن 
يرزقنا الله ولايته وولاية أوليائه. 

قال أحد الشيوخ: على الخبير سقطت؛ فلن تجد علم الولاية إلا عندنا.. فنحن الذين 
تخصصوا فيه من بين كل طوائف الأمة» ولذلك لا تجد من يتتحدث عنها مثل حديثنا. 

قال آخر: لقد صرح شيخنا الأكبر بمعرفته بكل أولياء هذه الأمة» بل بغيرها أيضا.. 
وقد قال يذكر كشفه في ذلك: (أطلعني الله على جميع الأولياء المتقدمين والمتأخرين إلى يوم 
القيامة وما يمنعني أن أعين للناس الأقطاب والأبدال وغيرهم من أهل زماننا إلا خوف 
الإنكار عليهم وعدم التصديق لهمء فأكون بذلك سببا في مقتهم على أن الله لم يكلفنا بإظهار 
مثل هذا حتى نكون عصاة لو تركناه وبسط الرحمة على كافة المسلمين أولى من 
اختتصاصها)() 


.000 الإنسان الكامل» ص 707. (1) نقلا عن الكبريت الأحمر. ص‎ )١( 


ذلا 





قال آخر: وقال في موضع آخر: (إني رأيت من أولياء الله ما لا أحصيهم عدداء نفعنا 
الله مهم» فم| من طبقة من الأقطاب والأئمة والأوتاد والأبدال والنقباء والنجباء والرجبيين 
والأفراد إلا وقد رأيت منهم؛ وعاشرتهم ببلاد المغربء وببلاد الحجاز والشرق؛ إلا أني لم 
أر أحدا أعطي النبوة المطلقة» التي لا تشريع لهاء إلا إن كان وما عرفته؛ فهذا لا يبعد)20 

قال آخر: وتحدث عن لقائه بأهل الورع» فقال: (ما من طبقة ذكرناها من أهل الورع 
إلا وقد رأينا منهم جماعة» من رجال ونساءء بإشبيلية» وتلمسان» وبمكة» وبمواضع كثيرة» 
وكانت لهم براهين تشهد بصحة ما يقولونه» وأما نحن فلا نحتاج مع أحد منهم لبرهان فيا 
يدعيه؛ فإن الله قد جعل لكل صنف علامة يعرف بهاء فإذا رأينا تلك العلامة عرفنا صدق 
صاحبها من حيث لا يشعرء وكم رأينا من يدعي ذلك كاذباء أو صاحب خيال فاسد, فإن 
علمنا منه أنه يرجع نصحناه» وإن رأيناه عاشقا لحاله محجوبا بخياله الفاسد تركناه)90) 

قال أحد الحضور: هذا جميل جدا؛ فهل اكتفى مبذا الإجمال, أم ذكر تفاصيل معر فته 
بهم ولقاءاته معهم. 

قال أحد الشيوخ: لقد وصفهم بكل تفاصيلهمء وأحيانا كان يذكرهم بأسمائهم. 
وأسماء آبائهم» وبلدانهم. 

قال آخر: فمنهم من وصفهم بأنهم يدركون العلوم بالقوة الشمية» وقد ذكر التقاءه 
ببعضهم» فقال: (رأينا جماعة ممن يدركون العلوم من الروائح بالقوة الشمية» رأيتهم 
بإشبيلية وبمكة وبالبيت المقدس» وفاوضناهم في ذلك مفاوضة حالء لا مفاوضة نطق. ى| 
أني فاوضت طائفة أخرى من أصحاب النظر البصريء فكنت أسأل وأجابء ونسأل 


ونجيبء بمجرد النظرء ليس بيننا كلام معتاد» ولا اصطلاح بالنظر أصلاء لكن كنت إذا 


)71/5 /1١( الفتوحات المكية‎ )١( .1/5 7/7 الفتوحات المكية‎ )١( 


لكر 





نظرت إليه علمت جميع ما يريده مني» وإذا نظر إل علم جميع ما نريده منه» فيكون نظره 
إليي سؤالا وجواباء ونظري إليه كذلك» فنحصل علوما جمة بيننا من غير كلام)7١)‏ 

قال آخر: ومنهم من وصفهم بأهم (أصحاب عيسى ويونس عليههما السلام)» وقد 
ذكر التقاءه ببعضهم. فقال: (في زماننا اليوم جماعة من أصحاب عيسى عليه السلام ويونس 
يحيون» وهم منقطعون عن الناسء فأما القوم الذين هم من قوم يونسء فرأيت أثر قدم 
واحد منهم بالساحلء» كان صاحبه قد سبقني بقليل» فشبّرت قدمه في الأرض» فوجدت 
طول قدمه ثلاثة أشبار ونصفا وربعا بشبري» وأخبرني صاحبي أبو عبد الله بن خرز الطنجي 
أنه اجتمع به في حكاية» وجاءني بكلام من عنده مما يتفق في الأندلس في سنة حمس وثانين 
وخمسائة» وهي السنة التي كنا فيهاء وما يتفق في سنة ست وثانين مع الإفرنج» فكان ى] 
قال ما غادر حرفا)(7) 

قال آخر: ومنهم من وصفهم ب [أقطاب الركبان]» وذكر التقاءه بهم» فقال: (لقينا 
من أقطاب الركبان» وهم من يركب نجب الهمم» أو يركب نجب الأعمال» لقيت منهم 
بجبل أبي قبيس بمكة في يوم واحد ما يزيد على السبعين رجاا)7© 

قال آخر: ومنهم من وصفهم ب [رجال الهيبة والجلال]» وقال عنهم: (أما رجال 
الميبة والجلال» فأربعة في كل زمان. لا يزيدون ولا ينقصون, اجتمع في هؤلاء الأربعة عبادة 
العالم كله شأهم عجيب وأمرهم غريبء ما لقيت فيمن لقيت مثلهم, لقيتهم بدمشق, 
فعرفت أنهم هم» وقد كنت رأيتهم ببلاد الأندلس واجتمعوا بي» ولكن لم أكن أعلم أن لهم 


هذا المقام» بل كانوا عندي من جملة عباد الله» فشكرت الله على أن عرفني بمقامهم. 


)7١1/1( الفتوحات المكية (11//1؟) (*) الفتوحات المكية‎ )١( 
)978 /1( (؟) الفتوحات المكية‎ 


حون 


وأطلعني على حالهم) 227 

قال آخر: ومنهم الأقطاب» وقد تحدث عنهم في مواضع كثيرة جداء منها قوله: 
(أقطاب هذه الأمة المحمدية على أقسام مختلفة» منهم كل من دار عليه أمر جماعة من الناس» 
في إقليم أو جهة, كالأبدال في الأقاليم السبعة» لكل إقليم بدل هو قطب ذلك الإقليم» 
والآوتاد الأربعة» لحم أربع جهات, يحفظها الله مهم» من شرق وغرب وجنوب وشمالء لكل 
جهة وتدء وكأقطاب القرىء فلا بد في كل قرية من ولي الله تعالى» به يحفظ الله تلك القرية» 
سواء كانت تلك القرية كافرة أو مؤمنة» فذلك الولي قطبهاء وكذا أصحاب المقامات, فلا 
بد للزهاد من قطبء يكون المدار عليه في الزهد في أهل زمانه» وكذلك في التوكل والمعرفة 
وسائر المقامات والأحوالء لا بد في كل صنف صنف من أربابها» من قطب يدور عليه ذلك 
المقام» وهؤلاء غير الاثني عشر قطباء الذين عليهم مدار الأمة المحمدية» وكذا غير القطب 
الغوث صاحب الزمان» الذي هو واحد في كل عصرء خليفة الله في أرضه)() 

قال آخر: وتحدث عن التقائه بقطب المتوكلين في زمانه» فقال: (لقد أطلعني الله على 
قطب المتوكلين» فرأيت التوكل يدور عليه» كأنه الرحى» حين تدور على قطبهاء وهو عبد 
الله بن الأستاذ الموروريء من مديئة مورور ببلاد الأندلسء. كان قطب التوكل في زمانه 
عاينته وصحبته بفضل الله» وكشفه لي» ولما اجتمعت به عرّفته بذلك» فتبسم» وشكر الله 
تعاللى)(7) 

قال آخر: وقال عمن ساهم [السبعة الأبدال]: (رأيت السبعة الأبدال بمكة 


لقيناهم خلف حطيم الحنابلة» وهنالك اجتمعنا بهم» فم| رأيت أحسن سمتا منهم» ولا أكثر 


0175 /5( الفتوحات المكية (؟/17) (") الفتوحات المككية‎ )١( 
)1/5 /5( (؟) الفتوحات المكية‎ 


7 


شغلا منهم بالله» ما رأيت مثلهم إلا سقيط الرفرف ابن ساقط العرش بقونية» وكان فارسياء 
وكنا قد رأينا منهم موسى السدراني بإشبيلية» سنة ست وثانين وحمسمائة» وصل إلينا 
بالقصد واجتمع بناء ومنهم شيخ الجبال محمد بن أشرف الرندي)27) 

قال آخر: وقال عمن سماهم [الأوتاد الأربعة]: (أما الأوتاد الأربعة فإن لكل وتد 
ركنا من أركان البيت» فالذي على قلب آدم عليه السلام له الركن الشامي» والذي على قلب 
إبراهيم عليه السلام له الركن العراقي» والذي على قلب عيسى عليه السلام له الركن 
الياني» والذي على قلب محمد 7 له ركن الحجر الأسود. وهو لنا بحمد الله» وكان الشيخ 
أبو علي المواري قد أطلعه الله عليهم في كشفه قبل أن يعرفهم» و تحقق صورهم. فها مات 
حتى أبصر منهم ثلاثة في عالم الحس والبصرء ربيعا المارديني» وأبصر الآخر وهو رجل 
فارسيء ولازمنا إلى أن مات سنة تسع وتسعين وخمساثة» أخبرني بذلكء وقال لي ما أبصر 
الرابع» وهو رجل حبشي)”") 

قال آخر: وقال عمن سه [القطب الغوث]: (أما القطب الغوث صاحب الزمان» 
الذي هو واحد في كل عصرء خليفة الله في أرضه.ء فإنه لا يكون في الزمان إلا واحداء وهو 
الذي ينفرد به الحق. ويخلو به دون خلقه. فإذا فارق هيكله المنور انفرد بشخص آخرء لا 
ينفرد بشخصين في زمان واحدء وهذه الخلوة الإلهية من علم الأسرار التي لا تذاع ولا 
تفشىء وما ذكرناها وسميناها إلا لتنبيه قلوب الغافلين عنهاء بل الجاهلين بهاء فإني ما رأيت 
ذكرها أحد قبلي ولا بلغني» مع علمي بأن خاصة أهل الله بها عالمون» وذلك العبد» عين الله 
في كل زمانء لا ينظر الحق في زمانه إلا إليه» وهو الحجاب الأعلى والستر الأزهىء والقوام 
الأمبى» فيحجب الحق ظهوره بطريق الخدمة في نفس الأمر» فيرى مع هذا القرب الإلهي 


)170 /1( الفتوحات المكية (؟/ 1) (؟) الفتوحات المكية‎ )١( 


ليكلا 





خلقا بلا حق» ى) يرى العامة بعضهم بعضاء ويشاهد الحق فيه إذا تجلى في صورة حق)(21 

قال آخر: وهو يسمي بعض أقطاب الأزمنة السابقة» فيقول عند تعريفه ب 
(الأقطاب)» (وهم الجامعون للأحوال والمقامات بالأصالة أو بالنيابة.. ولا يكون منهم في 
الزمان إلا واحد. وهو الغوث أيضا. وهو من المقربين.. وهو سيد الجاعة في زمانه. ومنهم 
من يكون ظاهر الحكم, ويحوز الخلافة الظاهرة كا حاز الخلافة الباطنة من جهة المقام: كأبي 
بكر. وعمرء وعثان» وعلى» والحسن, ومعاوية بن يزيد» وعمر بن عبد العزيز والمتوكل» 
ومنهم من له الخلافة الباطنة خاصة» ولا حكم له في الظاهر: كأحمد بن هارون الرشيد 
السبتي» وكأبي يزيد البسطامي)29) 

قال آخر: ومن أولياء هذه الأمة -ى) يذكر شيخنا الأكبر ‏ (الأئمة)ءوهم ‏ كما يذكر 
(لا يزيدون في كل زمان على اثنين لا ثالث لما. الواحد (عبد الرب)» والآخر (عبد 
الملك).. وهما اللذان يخلفان القطب إذا مات.. وما للقطب بمنزلة الوزيرين» الواحد منهم 
مقصور على مشاهدة عالم الملكوت, والآخر مع عالم الملك)(© 

قال آخر: ومنهم ‏ ىا يذكر ‏ (الأوتاد)» (وهم أربعة في كل زمانء لا يزيدون ولا 
ينقصون. رأينا منهم شخصا بمدينة فاسء يقال له: ابن جعدون. كان ينخل الحناء بالأجرة. 
الواحد منهم يحفظ الله به المشرق» وولايته فيه» والآخر (يحفظ الله به) المغربء والآخر 
الجنوب» والآخر الشمال. والتقسيم من الكعبة. وهؤلاء قد يعبر عنهم بالجبال)(؟) 

قال آخر: ومنهم (رجال الماء) وهم . كما يذكر ‏ (قوم يعبدون الله في قعور البحار 


والأنبار» لا يعلم بهم كل أحد. أخبرنى أبو البدر التعاشكى البغدادي ‏ وكان صدوقاء ثقة» 


.71/5 الفتوحات المكية (7/5 175 () الفتوحات المكية» ج١١ ص‎ )١( 
. 717 الفتوحات المكية» ج١١» ص 7170. (:) الفتوحات المكية» ج١١» ص‎ )( 


8 


عارفا بها ينقل» ضابطا حافظا لما ينقل ‏ عن الشيخ أبى السعود بن الشبل» إمام وقته في 
الطريق» قال: كنت بشاطئ دجلة بغداد. فخطر في نفسى: هل لله عباد يعبدونه في الماء؟ 
قال: ف استتممت الخاطر إلا وإذا بالنهر قد انفلق عن رجلء فسلم على وقال: نعم يا أبا 
السعود! لله رجال يعبدون الله في الماء» وأنا منهم! أنا رجل تكريت» وقد خرجت منها لأنه 
بعد كذا وكذا يوماء يقع فيها كذا وكذا ‏ يذكر أمرا يحدث فيها. ثم غاب في الماء. فلم| انتقضت 
خمسة عشر يوما وقع ذلك الأمر على صورة ما ذكره ذلك الرجل لأبى السعود. وأعلمنى 
بالأمر ما كان)17) 

قال آخر: ومنهم (النقباء) وهم كا يذكر ‏ (اثنا عشر نقيبا في كل زمان. لا يزيدون 
ولا ينقصون. على عدد بروج الفلك الاثنى عشر برجاء كل نقيب عالم بخاصية كل برج 
وبما أودع الله في مقامه من الأسرار والتاثيرات» وما يعطى للنزلاء فيه من الكواكب السيارة 
والثوابت؛ فإن للثوابت حركات وقطعا في البروج» لا يشعر به في الحس. لأنه لا يظهر ذلك 
إلا في آلاف من السنين» وأعمار أهل الرصد تقصر عن مشاهدة ذلك؛ واعلم أن الله قد جعل 
بأيدي هؤلاء النقباء علوم الشرائع المنزلة» وهم استخراج خبايا النفوس وغوائلهاء ومعرفة 
مكرها وخداعها. وأما إبليس فمكشوف عندهم, يعرفون منه ما لا يعرفه من نفسه. وهم 
من العلم بحيث إذا رأى أحدهم أثر وطاة شخص في الأرضء علم أنها وطاة سعيد أو 
شقي. مثل العلماء بالآثار والقافة» وبالديار المصرية منهم كثير» يخرجون الأثر في الصخورء 
وإذارأوا شخصا يقولون: هذا الشخص هو صاحب ذلك الأثر. ويكون (الأمر) كذلك. 
وليسوا (هؤلاء) بأولياء الله فم| ظنك بما يعطيه الله هؤلاء النقباء من علوم الآثار؟)0) 

قال آخر: ومنهم من ساهم (رجال القوة الإلهية)» وهم كما يذكر ‏ (ثمانية رجال.. 


7/7 الفتوحات المكية» ج١١ » ص 01 7. () الفتوحات المكية» ج١١ ص‎ )١( 


ليكلا 





آيتهم من كتاب الله: #أَشِدَاءُ عل الْكُمَارِ» [الفتح: 0:5 لهم من الأسماء الإلهية)(ذو القوة» 
المتين)» جمعوا ما بين علم ما ينبغي أن تعلم به الذات الواجبة الوجود لنفسها من حيث هي» 
وبين علم ما ينبغي أن تعلم به من حيث ما هي إلهء فقدمها عزيز في المعارف, لا تأخذهم 
في الله لومة لائم» وقد يسمون رجال القهره لهم همم فعالة في النفوسء وبهذا يعرفون. كان 
بمدينة فاس منهم رجل واحد يقال له: أبو عبد الله الدقاق» كان يقول: ما اغتبت أحدا قطء 
ولا اغتيب بحضرت أحد قطء ولقيت أنا منهم ببلاد الأندلس» هم أثر عجيب وكل معنى 
غريب. وكان بعض شيوخي منهم)(21 

قال آخر: ومنهم من سماهم (رجال القوة واللين)» وهم ى) يذكر ‏ (خمسة رجال في 
كل زمان أيضاء لا يزيدون ولا ينقصونء هم على قدم هؤلاء الثغانية في القوة» غير أن فيهم 
لينا ليس للثغانية» وهم على قدم الرسل في هذا المقام.. فهم؛ مع قوتهم, لهم لين في بعض 
المواطنء وأما في العزائم فهم في قوة الثمانية على السواء» ويزيدون عليهم بها ذكرناه ما ليس 
للثانية» وقد لقينا منهم رضى الله عنهم وانتفعنا بهم)(") 

قال آخر: ومنهم من سسماهم (رجال الحنان والعطف الإلهي)؛ وهم كما يذكر ‏ 
(خمسة عشر نفسا.. آيتهم من كتاب الله آية الريح السليانية.. لهم شفقة على عباد الله 
مؤمنهم وكافرهم, ينظرون الخلق بعين الوجود والجود, لا بعين الحكم والقضاء. لا يول 
الله منهم قط أحدا ولاية ظاهرة: من قضاء أو ملك لأن ذوقهم ومقامهم لا يحتمل القيام 
بامر الخلق. فهم مع الحق في الرحمة المطلقة.. لقيت منهم جماعة وماشيتهم على هذا القدم؛ 
وانتقلت منهم إلى الخمسة التي ذكرناهم آنفاء فان مقام هؤلاء الخمسة بين رجال القوة 


ورجال الحنان. فجمعت بين الطرفين» فكانت واسطة العقد. وهي الطائفة التي تصلح لهم 


715 ص‎ .1١ الفتوحات المكية» ج١1؛ ص 717 (؟) الفتوحات المكيةء ج‎ )١( 


0 





ولاية الأحكام في الظاهر. وهاتان الطائفتان لا يكون منهم وال أبدا أمور العباد» ولا 
يستخلف منهم أحد جملة واحدة)(22 

قال آخر: ومنهم من سماهم (رجال الفتح)» وهم -كى يذكر ‏ (أربعة وعشرون نفسا 
في كل زمانء لا يزيدون ولا يتقصون.. بهم يفتح الله على قلوب أهل الله ما يفتحه من 
المعارف والأسرار» وجعلهم الله على عدد الساعات: لكل ساعة رجل منهم. فكل من يفتح 
عليه في يء من العلوم والمعارف. ني أي ساعة كانت من ليل أو نهار» فهو لرجل تلك 
الساعة» وهم متفرقون في الأرضء لا يجتمعون أبداء كل شخص منهم لازم مكانه» لا يبرح 
أبداء فمنهم باليمن اثنان» ومنهم ببلاد الشرق أربعة» ومنهم بالمغرب ستة» والباقي بسائر 
الجهات)0() 

قال آخر: ومنهم من سماهم «(رجال التحت الأسفل)» وهم ىا يذكر ‏ (أحد 
وعشرون نفسا.. وهم أهل النفس الذي يتلقونه من الله لا معرفة لهم بالنفس الخارج 
عنهم» وهم على هذا العدد في كل زمانء لا يزيدون ولا ينقصون.. آيتهم من كتاب الله 
تعالى: نّم رَدَدْنَاهُ َسْفَلَ سَافِلِينَ4 [التين: ه] يريد عالم الطبيعة إذ لا أسفل منه. رده إليه ليحيا 
به فإن الطبع ميت بالاصالة» فأحياه الله بهذا النفس الرحماني الذي رده إليه» لتكون الحياة 
سارية في جميع الكون.. وهؤلاء الرجال لا نظر لهم إلا فيه| يرد من عند الله مع الأنفاس. 
فهم أهل حضور مع الدوام)(© 

قال آخر: ومنهم من سماهم (الأولياء الإلهيون الرحمانيون)» وهم كما يذكر ‏ (ثلاثة 


أنفس. في كل زمان لا يزيدون ولا ينقصونء يشبهون الأبدال في بعض الأحوال وليسوا 


7١ الفتوحات المكيةء ج١1؛ ص‎ )( 71١5 الفتوحات المكية» ج١١ ص‎ )١( 
71/8 (؟) الفتوحات المكيةء ج١١؛ ص‎ 


١1 


بأبدال.. آيتهم من كتاب الله: وما كَانَ صَلَاتهِمْ 0-5 الت إلا مُكَاءَ وَتَضْدِيَة 4 [الأنفال: هم] 
لهم اعتقاد عجيب في كلام الله بين الاعتقادين. هم أهل وحى إلى لا يسمعونه أبدا إلا 
كسلسلة على صفوان لاغير ذلك» ومثل صلصلة الجرس)(1) 

قال آخر: ومنهم من سمه (الولى الذي له الاستطالة على كل شيء)؛ وهو كى| يذكر 
- (رجل واحدء وقد تكون امرأة في كل زمان.. آيته: ##وَهُوَ الْقَاهِرٌُ قَوْقّ عِبَادِهِ4 [الأنعام: 
له الاستطالة على كل شيء سوى الله شهمء شجاعء مقدام؛ كبير الدعوى بحق يقول 
حقاء ويحكم عدلاء كان صاحب هذا المقام شيخنا عبد القادر الجيلي ببغداد. كانت له 
الصولة والاستطالة بحق على الخلق» كان كبير الشأن» أخباره مشهورة» لم ألقه. ولكن لقيت 
صاحب زماننا في هذا المقام» ولكن كان عبد القادر أتم في أمور أخر من هذا الشخص الذي 
لقيته. وقد درج الآخرء ولا علم لي بمن ولى بعده هذا المقام إلى الآن)(”) 

قال آخر: ومنهم من سمه (الولى المتولد بين الروح والبشر الذي يحفظ الله به عالم 
البرزخ)» وهو كى)| يذكر ‏ (رجل واحد. مركب ممتزج» في كل زمانء لا يوجد غيره في 
مقامه» وهو يشبه عيسى عليه السلام» متولد بين الروح والبشرء لا يعلم له أب بشرىء كما 
يحكى عن بلقيس أنها تولدت بين الجن والانس» فهو مركب من جنسين مختلفين» وهو رجل 
البرزخ» به يحفظ الله عالم البرزخ دائم)؛ فلا يخلو كل زمان عن واحد مثل هذا الرجل» يكون 
مولده على هذه الصفة. فهو مخلوق من ماء أمه. خلافا لما ذكر عن أهل علم الطبائع: أنه لا 
يتكون من ماء المرأة ولد» بل الله عَلَ كُل تَيْءٍ قَدِيرٌ © [البقرة: 50)]0) 

قال آخر: ومنهم من ساه (سقيط الرفرف بن ساقط العرش)» وهو كما يذكر ‏ 


77/1 الفتوحات المكية» ج١١ ص 770 () الفتوحات المكية» ج١1١ ص‎ )١( 
7717 (؟) الفتوحات المكية» ج١1 ص‎ 


امن 


(رجل واحدء يسمى بمقامه.. رأيته بقونية» آيته من كتاب الله: #وَالنَجُم إِذَا هَوَى 4 [النجم: 
»]١‏ حاله لا يتعداه» شغله بنفسه وبربه» كبير الشأن» عظيم الحال» رؤيته مؤثرة في حال من 
يراه» فيه اتكسار. هكذا شاهدته: صاحب انكسار وذل. أعجبتنى صفته» له لسان في 
المعارف» شديد الحياء)(1) 

قال آخر: ومنهم من ساهما (رجال الغنى بالله)» وهما ‏ كما يذكر ‏ (رجلان في كل 
زمان» من عالم الأنفاس» آيتهم: لإإنَّ الله غَنِن ع الْعَائَينَ4 لآلعمران: 4197 يحفظ الله بهم 
هذا المقام. الواحد منهم أكمل من الآخرء يضاف الواحد منهم إلى نفسه. وهو الأدنى. 
ويضاف الآخر إل الله تعالى» ولهذا المقام هذان الرجلان. وإن كان في العالم أغنياء النفوس» 
ولكن في غناهم شوب. ولا يخلص (الغنى) في الزمان إلا لرجلين» تكون ممايتها في 
بدايتهماء وبدايتها في نهايتهم|. للواحد منهما إمداد عالم الشهادة: فكل غنى في عالم الشهادة 
فمن هذا الرجل. والآخر منهما له إمداد عالم الملكوت: فكل غنى بالله في عالم الملكوت فمن 
هذا الرجل؛ والذي يستمد منه هذان لرجلان روح علوى» متحقق بالحق» غناه الله ما هو 
غناه بالله» فان أضفته إليهما: فرجال الغنى ثلاثة. وإن نظرت إلى بشريتهما: فرجال الغنى 
اثنان» وقد يكون منهم النساء. فغنى بالنفسء وغنى بالله» وغنى غناه الله ولنا جزء عجيب 
في معرفة هؤلاء الرجال الثلاثة)(2 

قال آخر: ومنهم من سه (الولى الذي يتكرر تقلبه في كل نفس)»؛ وهو كى| يذكر ‏ 
(شخص واحد يتكرر تقلبه في كل نفسء لا يفتر» بين علمه بربه وبين علمه بذات ربه. ما 
تكاد تراه في إحدى المنزلتين إلا رأيته في الأخرىء لا ترى في الرجال أعجب منه حالاء 


وليس في أهل المعرفة بالله أكبر معرفة من صاحب هذا المقام» يخشى الله ويتقيه» تحققت به 


77١ الفتوحات المكية» ج١١ ص 779 (؟) الفتوحات المكية» ج١١ ص‎ )١( 


7/1 





ورأيته وأفادنى» آيته من كتاب الله: لإلَيْسَ كَوثْلهِ َي وَهُوَ السّمِيعٌ الَْصِيرٌ4 [الشورى: »]11١‏ 
وقوله: #أنُمَ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ4 [الإسراء: *] لا تزال ترعد فرائصه من خشية الله.. 
هكذا شاهدناه)(1) 

ومنهم (الرجبيون) وهم كما يذكر ‏ (أربعون نفسا في كل زمانء لا يزيدون ولا 
ينقصون.. وهم رجال حاهم القيام بعظمة الله. وهم من الأفراد. وهم أرباب القول الثقيل» 
من قوله تعالى: ©إإِنّا سَدلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا تَقِيلاً© [الزمل:ه]» وسموا رجبيون لأن حال هذا 
المقام لا يكون لهم إلا في شهر رجب. من أول استهلال هلاله إلى انفصاله» ثم يفقدون ذلك 
الخال من أنفسهمء فلا يجدونه إلى دخول رجب. من السنة الآتية» وقليل من يعرفهم من 
أهل هذا الطريق» وهم متفرقون في البلاد» ويعرف بعضهم بعضاء منهم من يكون باليمن 
وبالشام وبديار بكرء لقيت واحدا منهم بدنيسير من ديار بكرء ما رأيت منهم غيره» وكنت 
بالأشواق إلى رؤيتهم. ومنهم من يبقى عليه» في سائر السنة» أمر ما ما كان يكاشف به في 
حاله في رجبء ومنهم من لا يبقى عليه شيء من ذلك)”2") 

قال آخر: ومن خواص هؤلاء الرجبيين ‏ كما يذكر ‏ القدرة على التمييز بين أهل السنة 
وغيرهمء يقول: (وكان هذا الذي رأيته (في دنيسير) قد أبقى عليه كشف الروافض» من 
أهل الشيعة» سائر السنة؛ فكان يراهم خنازير؛ فيأتي الرجل المستور الذي لا يعرف منه 
هذا المذهب قط وهو في نفسه مؤمن به» يدين به ربه. فإذا مر عليه يراه في صورة خنزير» 
فيستدعيه ويقول له: (تب إلى الله! فإنك شيعى رافضى)» فيبقى الآخر متعجبا من ذلك. 
فان تاب وصدق في توبته» رآه إنساناء وإن قال له بلسانه: تبت! ‏ وهو يضمر مذهبه ‏ لا 


وال يراه غتريراه فقول له (كذيت ق قرلك فبت١)‏ وإذا صدق» يقول له (صدقك): 


.785 7/1١1١ (؟) الفتوحات المكية»‎ 77١ الفتوحات المكية. ج١1١ ص‎ )١( 


88 





فيعرف ذلك الرجل صدقه في كشفه. فيرجع عن مذهبه ذلك الرافضي)227 

قال آخر: وقد ذكر مثالا واقعيا عن هذا الولي العجيب الذي يشق على سرائر الخلق» 
ويمتحنهمء فقال: (ولقد جرى لهذا مثل هذا مع رجلين عاقلين» من أهل العدالة من 
الشافعية» ما عرف منهم| قط التشيع» ولم يكونا من بيت التشيع غير أخب]| أداهما إليه نظرهماء 
وكانا متمكنين من عقولماء فلم يظهرا ذلك وأصرا عليه بينهما وبين الله؛ فكانا يعتقدان 
السوء في أبى بكر وعمرء ويتغالون في على؛ فلم| مرا به ودخلا عليه» أمر باخراجهما من 
عنده» فإن الله كشف له عن بواطنهم| في صورة خنازيرء وهي العلامة التي جعل الله له في 
أهل هذا المذهبء وكانا قد علما من نفوسه) أن أحدا من أهل الأرض ما اطلع على حامم|ء 
وكانا شاهدين عدلين» مشهورين بالسنة» فقالا له في ذلك» فقال: (أراكى| خنزيرين» وهي 
علامة بينى وبين الله فيمن كان مذهبه هذا)» فأضمرا التوبة في نفوسهماء فقال لهما: (إنكماء 
الساعة» قد رجعتم| عن ذلك المذهب فإني أراكى] إنسانين) فتعجبا من ذلكء وتابا إلى الله)7") 

قال آخر: ومن أصناف الأولياء كما يذكر شيخنا الأكبر ‏ من عبر عنهم بقوله: (من 
كرامة رسول الله :4 أن جعل من أمته وأتباعه رسلا وإن لم يرسلوا؛ فهم من أهل المقام الذي 
منه يرسلون» وقد كانوا أرسلواء فاعلم ذلك! ولهذا صلى رسول الله 4 ليلة إسرائه بالأنبياء 
عليهم السلام في السماوات» لتصح له الامامة على الجميع» حسا بجسانيته وجسمه. فلم| 
انتقل ## بقي الأمر محفوظا بهؤلاء الرسل؛ فثبت الدين قائ| بحمد الله ما امبد منه ركن» إذ 
كان له حافظ يحفظه وإن ظهر الفساد في العالم» إلى أن يرث الله الأرض ومن عليهاء وهذه 
نكتة فاعرف قدرها فإنك لست تراها في كلام أحد منقول عنه أسرار هذه الطريقة» غير 


.7// الفتوحات المكية» ج١١ ص 7/5. (؟) الفتوحات المكية» ج١١» ص‎ )١( 


4 





ما ذكرناه إلا نواءهم خاصة. لاغيرهم من الأولياء) 27 

قال أحد الحضور: فهل ذكر شيوخكم أدوار الأولياء ووظائفهم؟ 

قال أحد الشيوخ: أجل.. وقد ذكروا ذلك بتفصيل وتوسعء ومن الأمثلة على ذلك 
ماذكره شيخنا العارف بالله عبد العزيز الدباغ حول الاجتماعات التي يجريها الأولياء للنظر 
في شؤون الخلق» وقد سمى المجلس الذي تعقد فيه اجتّاعاتهم [ديوان الصالحين]» وهو 
ديوان مكلف بتدبير كل شيء. 

قال آخر: وقد وصف الشيخ بدقة أصحاب هذا الديوان» فقال: (الديوان يكون بغار 
حراء الذي كان يتحنث فيه النبي # قبل البعثة.. فيجلس الغوث خارج الغار ومكة خلف 
كتفه الأيمن والمدينة أمام ركبته اليسرى؛ وأربعة أقطاب عن يمينه» وهم مالكية على مذهب 
الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه؛ وثلاثة أقطاب عن يساره» واحد من كل مذهب من 
المذاهب الثلاثة؛ والوكيل أمامه ويسمى قاضي الديوان» وهو في هذا الوقت مالكي أيضا 
من بني خالد القاطنين بناحية البصرة» واسمه سيدي محمد بن عبد الكريم البصراوي؛ ومع 
الوكيل يتكلم الغوث» ولذلك سمي وكيلاء لأنه ينوب في الكلام عن جميع من في 
الديوان)0(0) 

قال آخر: وذكر الشيخ تشكيلة هذه الحكومة» فقال: (والتصرف للأقطاب السبعة 
على أمر الغوث؛» وكل واحد من الأقطاب السبعة تحته عدد محصوص يتصرفون تحته. 
والصفوف الستة من وراء الوكيل» وتكون دائرتها من القطب الرابع إلى الذي على اليسار 
من الأقطاب الثلاثة» فالأقطاب السبعة هم أطراف الدائرة» وهذا هو الصف الأول» وخلفه 


.7” الفتوحات المكية» ج١١ ص 7177 (1) الإبريز من كلام سيدي عبد العزيز» ص07‎ )١( 


ا 





الثاني على صفته وعلى دائرته» وهكذا الثالث إلى أن يكون السادس آخرها)(1» 

قال آخر: وذكر الشيخ أنه يوجد في هذه الحكومة بعض النساءء فقال: (ويحضره 
النساء» وعددهن قليل» وصفوفهن ثلاثة» وذلك في جهة الأقطاب الثلاثة التي على اليسار 
فوق دائرة الصف الأول في فسحة هناك بين الغوث والأقطاب الثلاثة)0) 

قال آخر: وذكر أنه يحضره كذلك بعض الأمواتء فقال: (ويحضره بعض الكمل 
من الأموات» ويكونون في الصفوف مع الأحياء» ويتميزون بثلاثة أمور: أحدها: أن زمهم 
لايتبدل بخلاف زي الحي وهيئته» فمرة يحلق شعره؛ ومرة يجدد ثوبه» وأما الموتى فلا تتبدل 
حالتهم, فإذا رأيت في الديوان رجلا على زي لا يتبدل فاعلم أنه من الموتى» كأن تراه محلوق 
الشعر ولا ينبت له شعر» فاعلم أنه على تلك الحالة مات» وإن رأيت الشعر على رأسه على 
حالة لا يزيد ولا ينقص ولا يحلق فاعلم أيضا أنه ميت. وأنه مات على تلك ا حالة.. ثانيها: 
أنه لا تقع معهم مشاورة في أمور الأحياءء لأمهم لا تصرف لمم فيهاء وقد انتقلوا إلى عالم 
آخر في غاية المباينة لعالم الأحياءء وإنما تقع معهم المشاورة في أمور عالم الأموات.. ثالثها: 
أن ذات الميت لا ظل لماء فإذا وقف الميت بينك وبين الشمس فإنك لا ترى له ظلاء وسره 
أنه يحضر بذات روحه لا بذاته الفانية الترابية» وذات الروح خفيفة لا ثقيلة وشفافة لا 
كثيفة) 00 

قال آخر: وذكر الشيخ كيفية حضور الموتى لاجتماعات تلك الحكومة الخفية» فقال: 
(والأموات الحاضرون في الديوان ينزلون إليه من البرزخ يطيرون طيرا بطيران الروح. فإذا 


قربوا من موضع الديوان بنحو مسافة نزلوا إلى الأرض ومشوا على أرجلهم إلى أن يصلوا 


.7”05 الإبريزء ص ”7ه ”7 (" الإبريز» ص‎ ١ 


." 0" الإبريز» ص‎ )١( 


50١ 


إلى الديوان» تأدبا مع الأحياء وخوفا منهم)(© 

قال آخر: وذكر الشيخ أن تشكيلة تلك الحكومة تضم أيضا بعض الملائكة والجن» 
فقال: (وتحضره الملائكة وهم من وراء الصفوف. ويحضره أيضا الجن الكمل وهم 
الروحانيون وهم من وراء الجميع وهم لا يبلغون صفا كاملا.. وفائدة حضور الملائكة 
والجن أن الأولياء يتصرفون في أمور تطيق ذواتهم الوصول إليهاء وفي أمور أخرى لا تطيق 
ذواتهم الوصول إليهاء فيستعينون بالملائكة وبالجن في الأمور التي لا تطيق ذواتهم الوصول 
إليها)() 

قال آخر: وذكر الشيخ حضور رسول الله # لمجالس تلك الحكومة» فقال: (وفي 
بعض الأحيان يحضره النبي ‏ فإذا حضر عليه الصلاة والسلام جلس في موضع الغوث» 
وجلس الغوث في موضع الوكيل» وتأخر الوكيل للصف. وإذا جاء النبي # جاءت معه 
الأنوار التي لا تطاق» وإنما هي أنوار محرقة مفزعة قاتلة لحينهاء وهي أنوار المهابة والجلالة 
والعظمة» حتى إنا لو فرضنا أربعين رجلا بلغوا في الشجاعة مبلغا لا مزيد عليه ثم فجئوا 
بهذا الأنوار» فإنهم يصعقون لحينهم, إلا أن الله تعالى يرزق أولياءه القوة على تلقيها. ومع 
ذلك فالقليل منهم هو الذي يضبط الأمور التي صدرت في ساعة حضوره 0087© 

قال آخر: وذكر الشيخ تاريخ تلك الحكومة» أو ذلك الديوان» قبل الإسلام؛ فقال: 
(إن الديوان أولا كان معمورا بالملائكة» ولما بعث الله النبي ## جعل الديوان يعمر بأولياء 
هذه الأمة» فظهر أن أولئك الملائكة كانوا نائبين عن أولياء هذه الأمة المشرفة» حيث رأينا 


الولي إذا خرج إلى الدنيا وفتح الله عليه وصار من أهل الديوان» فإنه يجيء إلى موضع 


"00 الإبريزء ص 054". (") الإبريزء ص‎ )١( 


."00 الإبريز» ص‎ )١( 


530 


خخصوص في الصف الأول أو غيره» فيجلس فيه ويصعد الملك الذي كان فيه» فإذا ظهر ولي 
آخر جاء إلى موضع ويصعد الملك الذي في ذلك الموضعء وهكذا كانت بداية عمارة الديوان 
حتى كمل ولله الحمدء كلما ظهر ولي صعد ملك. وأما الملاتكة الذين هم باقون فيه 
ويكونون خلف الصفوف الستة ى] سبق» فهم ملائكة ذات النبي# الذين كانوا حفاظا لها 
في الدنياء ولما كان نور ذاته #2 مفرقا في أهل الديوان بقيت ملائكة الذات الشريفة مع ذلك 
النور الشريف)(1) 

قال آخر: وذكر الشيخ التوقيت المرتبط باجتماعات الديوان» فقال: (وأما ساعة 
الديوان فهى الساعة التى ولد فيها النبى 2 وأنهبا هى ساعة الإستجابة من ثلث الليل 
الأخير التي وردت بها الأحاديث.. ومن أراد أن يظفر بهذه الساعة فليقرأ عند إرادة النوم: 
فإِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمُِوا الصَّاحجَاتِ كَانَتْ َمْ جََّاتُ الْفِرْدَوْس نُرُلَا حَالِدِينَ يها لا يَبعُونَ 
عَنْهَا جِوَّلَا؛ [الكهف: 61١8-٠0١7‏ إلى آخر السورة» ويطلب من الله تعالى أن يوقظه في الساعة 
المذكورة» فإنه يفيق فيها)() 


قام بعض الحضورء وقال: حدثتمونا عن أولياء البشر؛ فحدثونا عن الملائكة» الذين 


موعج م ان ص 2 س سلابرته 


وصفهم الله تعالى بقوله: لإمَنْ كان عَذُواللهوَمَكَانْكَيِهِ وَوْسْلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِكَالَ فَإِنَ اللهعَدُوٌ 
للْكَافرِينَ4 [البقرة: +ه]» وقوله: للَيْس الْنَ أن ُوَلُوا وُجُوهَكُمْ قبل المُْرقٍ وَالُخْرِبٍ وَلكِنّ 
ال مَنْ آمَنَ بالله وَاليوْم الآخِر وَالَْائكَةٍ وَالْكِنَابِ وَالنَبيّنَ 4 [البقرة: 11/9 ] 


قال أحد الشيوخ: على الخبير سقطت؛ فلن تجد المعارف المرتبطة بعالم الملائكة إلا 


.7”600 الإبريزء ص 7”605. ()الإبريزء ص‎ )١( 


ردن 





عندنا.. ومن الأمثلة عنها ما ذكره شيخنا الأكبر في فتوحاته عنهاء ومنها قوله في الباب الذي 
خصصهلماء والذي بدأه بقوله: (اعلم أن الملائكة ثلاث أصناف: صنف مهيم لما أوجدهم 
(الله) تجلى لهم في اسمه (الجميل)» فهيمهم وأفناهم عنهم؛ فلا يعرفون نفوسهمء ولا من 
هاموا فيه» ولااما هيمهم؛ فهم في الحيرة سكارىء وهم الذين أوجدهم الله من (أينية العماء) 
الذي ما فوقه هواء وما تحته هواءء وهمء وجميع الملائكة» أرواح خلقهم الله في هياكل أنوار 
كسائر الملائكة إلا أن هؤلاء الملائكة ليس هم من الولاية إلا ولاية الممكنات.. والصنف 
الثاني: الملاتكة المسخرة» ورأسهم (القلم الأعلى) وهو(العقل الأول)» سلطان عالم التدوين 
والتسطيرء وكان وجودهم مع (العالم المهيم)» غير أنه حجبهم الله عن هذا التجلي الذي هيم 
أصحابهم. لما أراد الله أن بيب هذا الصنف المسخر من رتبة الامامة في العالم» وله ولاية 
تخصه وتخص ملائكة التسخير.. والصنف الثالث: ملائكة التدبير» وهي الأرواح المدبرة 
للأجسام كلها: الطبيعية النورية» والهباتية» والفلكية» والعنصرية» وجميع أجسام العالمء 
ولهؤلاء ولاية أيضا)17) 

قال آخر: وقال في باب آخر عند حديثه عن (انتهاء الدورة الزمانية إلى الميزان): 
(انتهت الدورة الزمانية إلى الميزان لتكرار الدور؛ فظهر محمد 4# وكان له في كل جزء من 
أجزاء الزمان حكم, اجتمع فيه بظهوره ##. وهذه الأسماء (أسماء البروج الاثنى عشر) 
أسماء ملائكة خلقهم الله وهم الاثنا عشر ملكاء وجعل لهم مراتب في الفلك المحيط» 
وجعل بيد كل ملك ما شاء أن يجعله ما يبرزه» فيمن هو دونهم إلى الأرض» حكمة؛ فكانت 
روحانية محمد ## تكتسبء عند كل حركة من الزمان» أخلاقا بحسب ما أودع الله في تلك 


الحركات من الأمور الإلحية؛ فها زالت تكتسب هذه الصفات الروحانية قبل وجود تركيبهاء 


.578 الفتوحات المكية» ج5١ ص‎ )١( 


034 





إلى أن ظهرت صورة جسمه في عالم الدنيا بها جعله الله عليه من الأخلاق المحمودة» فقيل 
فيه: لوَإِنكَ لَعَلَ لق عَظِيم4 القلم: 4] فكان :4 ذا خلق, ولم يكن ذا تخلق» ولما كانت 
الأخلاق تختلف أحكامها باختلاف المحال التي ينبغي أن تقابل بهاء احتاج صاحب الخلق 
إلى علم يكون عليه؛ حتى يصرف في ذلك)7) 

قال آخر: ونقل عنه الشيخ الشعراني في عقائد الأكابر اجتاعه بأنواع من الملائكة» 
واستفادته من علومهم, قال: (اعلم أن جميع الحروف المقطعة أوائل السور كلها أسماء 
ملائكة.. وقد اجتمعت بهم في بعض الوقائع» وما منهم ملك إلا وأفادني علما لم يكن عندي 
فهم من جملة أشياخي من الملائكة فإذا نطق القارىء بهذه الحروف كان مثل ندائهم فيجيبونه 
لأنه ثم رقائق ممتدة من ذواتهم إلى أسمائهم فإذا قال القارىء (أل) مثلا قال هؤلاء الثلاثة 
من الملائكة ما تقول فيقول القارىء ما بعد هذه الحروف فيقولون له صدقت إن كان خيراء 
ويقولون هذا مؤمن نطق بحق وأخبر بحق فيستغفرون له وهكذا القول في (المص) 
ونحوها) 

قال آخر: وذكر عددهم, فقال: (وهم أربعة عشر ملكا آخرهم (ن).. وقد ظهروا في 
منازل القرآن على وجوه مختلفة فمنازل ظهر فيها ملك واحد وهو (ص) و(ق) و(ن) 
ومنازل ظهر فيها اثنان مثل (طس) و(يس) و(حم) وصورها مع التكرار تسعة وسبعون 
ملكا بيد كل ملك شعبة من الإيمان؛ فإن الإيهان بضع وسبعون درجة والبضع من واحد إلى 
تسعء فقد استوفى هنا غاية البضع.. فمن نظر في هذه الحروف وهذا الباب الذي فتحته له 
رأى عجائب سخرت له هذه الأرواح الملكية التي هي هذه الحروف أجسامها فتمده با 


بيدها من شعب الإيوان وتحفظ عليه إيمانه إلى المات)(2) 


6 عم 


.١0لا/ الفتوحات المكية» ج 7 ص 5 7”4. (؟) اليواقيت والجواهر فى بيان عقائد الأكابر» ص‎ )١( 


م 





قال آخر: والمعارف التي أفاضها الله على أوليائه لا تختص بذلكء بل إن الله تعالى 
كشف لهم كيفية خلقهم والكثير من التواريخ المرتبطة بذلك» ومنها ما ذكره شيخنا الأكبر 
في الملبحث الذي خصصه ل (الأجسام النورية والملائكة الكروبيون)» حيث قال فيه: (إن 
أول جسم خلقه الله أجسام الأرواح الملكية المهيمة في جلال الله ومنهم العقل الأول 
والنفس الكلء وإليها انتهت الأجسام النورية المخلوقة من نور الجلال» وما ثم» من هؤلاء 
الملاتكة» من وجد بواسطة غيره إلا النفس التي دون العقل» وكل ملك خلق بعد هؤلاء. 
فداخلون تحت حكم الطبيعة» فهم من جنس أفلاكها التي خلقوا منهاء وهم عمارهاء 
وكذلك ملائكة العناصر» وآخر صنف من الأملاك, الملاتكة المخلوقون من أعمال العباد 
وأنفاسهم.. فلنذكر ذلك صنفا صنفا في هذا الباب)227 

قال آخر: وذكر كيفية خلق الملائكة بأنواعهم المختلفة؛ فقال عند الحديث عن 
أعلاهم درجة: (اعلم أن الله تعالى كان قبل أن يخلق الخلق.. كان في عماء» ما تحته هواء وما 
فوقه هواءء وهو أول مظهر إلهي ظهر فيه» سرى فيه النور الذاتي.. فلما انصبغ ذلك العماء 
بالنورء فتح فيه صور الملائكة المهيمين الذين هم فوق عالم الأجساد الطبيعية» ولا عرش 
ولا مخلوق تقدمهم؛ فل) أوجدهم تلى لهم فصار لهم ذلك التجلي غيباء كان ذلك الغيب 
روحالهمء أي لتلك الصور.. وتجلى لهم في اسمه الجميل» فهاموا في جلال جماله فهم لا 
يفيقون.. فلا شاء أن يخلق عالم التدوين والتسطير»ء عين واحدا من هؤلاء الملائكة 
الكروبيين» وهو أول ملك ظهر من ملائكة ذلك النور» سماه العقل والقلم» وتجلى له في 
جلى التعليم الوهبيء ب| يريد إيجاده من خلقه لا إلى غاية وحد. فقيل (العقل) بذاته علم ما 
يكون. وما للحق من الأس)ء الإلحية الطالبة صدور هذا العالم الخلقي؛ فاشتق من هذا العقل 


(1) الفتوحات المكية» ج37 ص ."0٠‏ 


الحا 





موجودا آخر سماه اللوح» وأمر القلم أن يتدلى إليه» ويودع فيه جميع ما يكون إلى يوم القيامة 
لاغير)(20) 

قال آخر: ثم قال: (وجعل (الحق) لهذا القلم ثلاث ماثة وستين سنا في قلميته» أي 
من كونه قلماء و(جعل ا حق لهذا القلم)» من كونه عقلاء ثلاث مائة وستين تجليا أو رقيقة» 
كل سن أو رقيقة تغترف من ثلاث مائة وستين صنفا من العلوم الاجمالية» فيفصلها (القلم) 
في اللوح؛ فهذا حصر مافي العالم من العلوم إلى يوم القيامة؛ فعلمها اللوح حين أودعه القلم 
إياها؛ فكان من ذلك علم الطبيعة» وهو أول علم حصل في هذا اللوح من علوم ما يريد الله 
خلقه. فكانت الطبيعة دون النفس. وذلك كله في عالم النور الخالص.. ثم أوجد سبحانه 
الظلمة المحضة. التي هي في مقابلة هذا النور بمنزلة العدم المطلق. المقابل للوجود المطلق؛ 
فعند ما أوجدها أفاض عليها النور إفاضة ذاتية بمساعدة الطبيعة» فلأم شعثها ذلك النور؛ 
فظهر الجسم المعبر عنه بالعرشء فاستوى عليه الاسم الرحمن بالاسم الظاهر؛ فذلك أول 
ما ظهر من عالم الخلق» وخلق من ذلك النور الممتزج» الذي هو مثل ضوء السحرء الملائكة 
الحافين بالسرير.. وقد بينا خلق العالم في كتاب سميناه (عقلة المستوفز)» وان| نأخذ منه في 
هذا الباب رؤوس الأشياء)(7) 

قال آخر: ثم تحدث عن (الكرسي وعماره من الملاتكة)» فقال: (ثم أوجد (الحق) 
الكرسي في جوف هذا العرش. وجعل فيه ملائكة من جنس طبيعته. فكل فلك أصل لما 
خلق فيه من عماره؛ كالعناصر فيا خلق منها من عمارها. كما خلق (الله) آدم من تراب» 
وعمر به وببنيه الأرضء وقسم (الحق) في هذا الكرمي الكريم الكلمة إلى خبر وحكم: وهما 
القدمان اللتان تدلتا له من العرشء ى) ورد في الخبر النبوي» ثم خلق تعالى في جوف 


."0 ١ الفتوحات المكية» جا ص‎ )1( ."0 ١ الفتوحات المكية» ج 7 ص‎ )١( 


وا 





الكرمي الأفلاك» فلكا في جوف فلك. وخلق في كل فلك عالما منه يعمرونه» سماهم 
ملائكة» يعنى رسلاء وزينها (أي الأفلاك) بالكواكبء وأوحى ني كل سماء أمرهاء إلى أن 
خلق صور المولدات)17) 

قال آخر: وتحدث عن تفاصيل كثيرة يطول ذكرهاء وهو ني كل ذلك يذكر التواريخ 
والمدد الزمنية بدقة عالية» ومن الأمثلة على ذلك قوله عند الحديث عما سماه (الفلك 
الأطلس): (ولما خلق الله هذا الفلك الأول» دار دورة غير معلومة الانتهاء إلا الله لأنه 
ليس فوقه شيء محدود من الأجرام يقطع فيه فإنه أول الأجرام الشفافة» فتتعدد الحركات 
وتتميز» ولا كان قد خلق الله في جوفه شيئاء فتتميز الحركات وتنتهي عند من يكون في 
جوفه ولو كان (قد خلق الله في جوف هذا الفلك الأول شيئا) لم تتميز (الحركات فيه) 
أصلاء لأنه أطلس لا كوكب فيه» متشابه الأجزاء؛ فلا يعرف مقدار الحركة الواحدة منه 
ولا تتعين.. فلو كان فيه جزء مخالف لسائر أجزائه لعدت به حركاته بلا شك, ولكن علم 
الله قدرها وانتهاءها وكرورها. فحدث عن تلك الحركة اليوم» ولم يكن ثم ليل ولا نبار في 
هذا اليوم.. ثم استمرت حركات هذا الفلك. فخلق الله ملائكة» خمسة وثلاثين ملكا 
أضافهم إلى ما ذكرناه من الأملاك الستة عشر. فكان الجميع أحدا وخمسين ملكاء من جملة 
هؤلاء الملائكة جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل. ثم خلق تسع مائة ملك وأربعا 
وسبعين» وأضافهم إلى ما ذكرناه من الأملاك. وأوحى إليهم, وأمرهم بها يجرى على أيديهم 
في خلقه.. فهؤلاء من الملائكة» هم الولاة خاصة» وخلق الله ملائكة هم عار السماوات 
والأرض لعبادته» فها في السماء والأرض موضع إلا وفيه ملكء ولا يزال الحق يخلق من 


أنفاس العالم ملائكة ما داموا متنفسين)27) 


.15٠ الفتوحات المكيةءج ا ص 587. (1) الفتوحات المكية» جا ص‎ )١( 


18 





قال آخر: وقال عند حديثه عن (المراتب الأربعة بين الروح والهباء): (وعين الله بين 
هذا الروح» الموصوف بالصفتين (الصفة العلمية والصفة العملية)» وبين الباء أربع 
مراتب» وجعل كل مرتبة منزلا لأربعة أملاك» وجعل هؤلاء الأملاك كالولاة على ما أحدثه 
دونهم من العالم» من عليين إلى أسفل سافلين» ووهب كل ملكء من هؤلاء الملائكة» علم 
ما يريد إمضاءه في العالم.. فأول ثبيء أوجده الله في الأعيان, مما يتعلق به علم هؤ لاء الملائكة 
وتدبيرهم الجسم الكل» وأول شكل فتح الله في هذا الجسم الشكل الكرى المستدير» إذ 
كان أفضل الأشكال. ثم نزل سبحانه بالإيجاد والخلق, إلى تمام الصنعة» وجعل جميع ما 
خلقه مملكة لمؤلاء الملاتكة» وولاهم أمورها في الدنيا والآخرة» وعصمهم عن المخالفة فيه| 
أمرهم به)(23 

قال بعض الحضور: أرى أن مستندكم في التعرف على الملائكة عليهم السلام قاصر 
على شيخكم الأكبر.. فهل لغيره من الشيوخ نصيب في التعريف بهم؟ 

قال آخر: أجل.. ولو أن لشيخنا الأكبر الفضل الأكبر في ذلك.. ومنهم شيخنا عبد 
العزيز الدباغ» فقد ذكر الكثير من العقائد المرتبطة بالملائكة وأعدادهم وعلاقتهم بديوان 
الصالحين» ومنها ما عبر عنه بقوله: (إن في كل مدينة من المدن عددا كثيرا من الملائكة مثل 
السبعين ملكا أو أقل أو أكثر» يكونون موجودين عونا لأهل التصرف من الأولياء في) لا 
تطيقه ذات الولي.. وهؤلاء الملائكة الذين يكونون في المدن يكونون على هيئة بني آدم 
فمنهم من يلقاك في صورة خواجة؛» ومنهم من يلقاك في صورة فقير» ومنهم من يلقاك في 
صورة طفل صغير» وهم منغمسون في الناس ولكن الناس لا يشعرون)7") 

قال آخر: وذكر الشيخ ابن المبارك أن شيخه الدباغ سمعه وهو يذكر لبعض من معه 


"05 الفتوحات المكية» ج 7 ص 777 . 0 الإبريزء ص‎ )١( 


841 





(أن من أخذ سفرا من سيدي البخاري وذهب به إلى ضريح ولي وفتحه وتوسل برجال 
سنده وبذلك الولي إلى الله تعالى فإن حاجته تقضىء ولا سيا إن كان هو السفر الأخير). 
فقال له الشيخ: (إن في كل مدينة عددا من الملاتكة» فإذا رأوا العبد يطلب من الله شيئاء فإن 
رأوا القدر سبق به سددوه وكانوا معه. فيحضره التوفيق ويزول الشيطان من الطريق» وإن 
رأوا خلاف ذلك تركوه فحضره الشيطان» وحينئذ فإذا رأوا من أخذ سفرا من سيدي 
البخاري ذاهبا به إلى ضريح» ورأوا حاجته مقضية» سددوه وألقوا في قلبه الإلحاح والتلهيف 
على طلبته» وذهبوا معه إلى الضريح وهو حامل لجرم السفر وهم حاملون لأسراره؛ فإذا 
دعا أمنوا على دعائه فتقضى حاجته؛ وإن رأوا الحاجة غير مقضية أخذوا أسرار الكتاب 
وذهب هو بالجرم فقط» ويعرض له الشيطان في الطريق بالوسوسة وتشتيت الفكر حتى لا 
تبقى له حلاوة في الدعاء)(17) 

قال آخر: وذكر أنه سأله عن حضور الأنبياء عليهم السلام للديوان» فقال: 
(يحضرونه في ليلة واحدة في العام)» فسأله عنهاء فقال: (ليلة القدرء فيحضره في تلك الليلة 
الأنبياء والمرسلون. ويحضره الملا الأعلى من الملائكة المقربين وغيرهم» ويحضره سيد 
الوجود #» ويحضره معه أزواجه الطاهرات وأكابر صحابته الأكرمين رضي الله عنهم 
أجمعين)(2) 

قال آخر: وذكر أنه سأله عن سبب ليلة القدرء فأجابه بقوله: (إن العالم قبل خلق 
النور في جرم الشمس كان مظلماء والملاتكة عامرون له أرضا وساء وفي الكهوف والسهول 
والجبال والأودية» فلا خلق الله تعالى النور في الشمس وأضاء العالم ها ضجت ملائكة 


السماء وملائكة الأرضء وخافوا من خراب العالم ومن أمر عظيم ينزل بهم» فنزل ملائكة 


)١(‏ الإبريز» ص 5ه". )١(‏ الإبريز» ص 5ه". 





السماء إلى الأرض وجعلوا هم وملائكة الأرض يفرون من الضوء إلى الظل» أي من ضوء 
النهار إلى ظل الليل» فرارا من الضوء الذي لم يعرفوه إلى الظل الذي يعرفونه» خائفين 
متضرعين مجتمعين على الإبتهال إلى الله تعالى والتضرع له والخوف منه. يطلبون منه الرضا 
ويلجأون إليه في أن لا يسخط عليهم, ولم يكن في ظنهم إلا أنه تعالى أراد أن يطوي هذا 
العالم» فاجتمعوا على التضرع والإبتهال على الصفة السابقة مقدرين في كل لحظة وقوع ما 
خافوه, فإذا زاد إليهم الضوء فروا عنه إلى الظل» ولم يزالوا على تلك الحالة الضوء ينسخ 
الظل وهم يفرون إلى أن طافوا الأرض كلهاء ورجعوا إلى الموضع الذي بدأوا منه» فلم ل 
يروا شيئا وقع حصل لهم الأمن ورجعوا إلى مراكزهم في الأرض والسماء» ثم صاروا 
يجتمعون ليلة من كل عام؛ فهذا هو سبب ليلة القدر)7١)‏ 

ز. عجائب المعراج: 

قام بعض الحضورء وقال: لقد ذكرتم من خلال أحاديثكم التقاء الأولياء بالأنبياء 
عليهم السلام.. فهل حصل ذلك لهم في النوم؟ 

قال أحد الشيوخ: النوم يشترك فيه الناس جميعا.. وفضل الله أعظم من أن يجعل 
الأولياء كسائر الناس.. ولذلك فإن لذلك اللقاء أسبابا كثيرة» منها ما اتفق عليه الأولياء 
جميعا من المعراج الذي يعرجون به | عرج برسول الله 417. 

قال أحد الحضور: فهلا ذكرتم لنا ناذج عن تلك المعارج. 

قال الشيخ: هي كثيرة.. لكنا سنكتفي بذكر بعض المشاهد ما ذكره بعض مشايخنا 
المتأخرين» وهو إسماعيل بن عبدالله السوداني في كتابه الذي خصصه لذلك. وسماه (مشارق 


شمس الأنوار ومقارب حسها في معنى العلوم والأسرار»» والذي ألفه سنة ١171١ه؛‏ فقد 


."08 الإبريز» ص‎ )١( 





ذكر فيه أنه عرج به إلى السماء سماء سماء. 

قال آخر: ومن المشاهد التي ذكرها في كتابه عند حديثه عن (المغرب السابع: في عين 
العروج إلى السماء السادسة): (اعلم أيها الابن البار المبرور والمهدي إلى طريق الملك الغفور 
أن العبد إذا طرح جميع الأكوان العارضة له في السماء الخامسة في حالة عروجه إلى حضرة 
الرحمن» فإن الرب الكريم يصلح له السريرة ويحد له عين البصيرة» فيعرج منها إلى السماء 
السادسة» فيجد البواب فيسلم عليه فيرد عليه السلام» ويرحب به ويفتح له الباب» فافهم 
يا بني فإنه يدخل فينظر ما فيها من الغرائب» ويتعجب من تلك العجائب. فإن هذه السماء 
فيها من الكواكب المشتريء ولوهها في غاية السواد» قد يرى وهو جوهر شفافء من بديع 
الصنائع على الاستواء من غير اختلاف» ودورها أوسع يزيد على دور ساء المريخ بألفي 
عام ومئتي سنة وثلاث سنين وأربعة أشهرء وفيها نبي الله موسى على نبينا وعليه الصلاة 
والسلام؛ فنقول بحسب كشفناء فإن العبد الراقي إلى تلك المراقي إذا وصل إلى هذه السماء 
يرى نفسه مغيباً في أنوار القدس موشحة بأنوار الهيبة والأنس حوله جملاً من ملائكة 
الرحمن» ناطقاً بغميض الأسرار والعلوم معهم في حالة عروجه إلى حضرة الملك الديان؛ 
فيرى ملائكة هذه السماء متنوعة من عدة أصناف. فيهم ملائكة الرحمة الألطاف. يدرون 
ملائكة هذه السماء في هذه الأرض لرفع الوضيع وزيادة الرفيع» منهم من وكله الله تعالى 
بإيصال الرزق إلى المرزوق» ووكل غيرهم با اقتضته الحكمة بين الخالق والمخلوق)217 

قال آخر: وقد ذكر اجتماعه فيها بالملك الحاكم عليهم وهو روحانية المشتريء فقال: 
(رأيته جالساً على منبر من نور الحكمة ملتحفاً بثوب أصفر من أنوار ال همة» وهم مطيعون 


له في سره وجهره وممثلون له في جميع خبيه وأمره لا يفعل منهم أحد شيئا إلا بإذنه ولا يتقدم 


.١؟8ص مشارق شموس الأنوار‎ )١( 





إلا بأمره لتنفيذ ما وكل به من شأنه» فسألته عن عدة علوم فأجابني برمز مكتوم ففهمته منه 
بوساطة مظهر اسم الله القيوم» بفهم لا من حيث مطلق المفهوم فوثبت قائماً وسرت منه 
بفضل الله تعالى عالمء فاجتمعت من بعده بنبي الله موسى على نبينا وعليه أفضل الصلاة 
والسلام؛ فوجدته فانياً في الشهود والمكالمات غالباً في أنوار المشاهدات جالساً على كرسي 
من أنوار الوقار ولونه أصفر مخلوط عليه خطوط مرموزة جامعة لما حواه من الفخار من 
حضرة الأسرار متأدباً مع استهلاكه مع شهود مولاه» مناجياً له ومستغرقاً في فناه تجلي 
الأنية فيحضره إظهار مظاهر الحق في حقيقة سره. إنني أنا الله» فقد عرفته بعدما عرفني 
فسلمت عليه ورد علي السلام وقربني وانتص بلي قائياً وأهل بي حيث جتته حافظاً ملازمة 
أدي)10) 

قال آخر: وقد ذكر حواره معه. فقال: (سألته سؤال من دخل حضرة الأدب وعرف 
سر البسط والغضب. فقلت له: يا سيدي بحق من نبأك وزكاك وأورثك هذا المقام وتولاك 
بأن تجود علي بإجابة مقالي وإفادتي في سؤالي» فإن رسولنا الصادق الكريم بلغنا ما قصه له 
ربه في الكتاب الحكيم بأنك طلبت رؤية مولاك حيث قلت له: أرني أنظر إليك؟ فأتاك منه 
الخطاب حيث قال: لن تراني» فا معنى طلبك له ومجيء هذا الخطاب إليك فاستفدنا عدم 
حصول الرؤية لك في حالة مجيء الخطاب فشتان ما بين حالتك هذه وحالة أهل الحجاب» 
فكيف هذا السرء وباطن هذا الأمر؟ فقال لي: يا عبدالله إن السر غريب والأمر عجيب» 
فافهم أرشدك مولاك وأورثك أسرار علومه وتولاك» فإن ربي حين أمرني بعبادته بمطلق 
العبودية وعرفني سر ظهور أسراره مظاهره في عموم الآنية حين أبصرت نار سر دلالتي 
ورجوت إتياني لأهلي بشعلة منها كي يصدقوني بها في مقالتي أو أجد عليها هدى من 


.١؟9ص مشارق شموس الأنوار‎ )١( 





ضلالتي» فنوديت بعد إتيانيٍ ها من جانب طور قلبي بم| اقتضت الحكمة من ربي» يا موسى 
إني أنا ربك الصادر أمري لك. فاخلع نعليك الكائنتين في عضويك بأن لا تشرك بعبادقي 
أحداً ولا يدخلك ريب فيا آمرك به أبداً إنك بالواد الذي هو فضاء سر الظهور الظاهر من 
ربك إلى قلبك من جانب الطور المقدس عن حلول الأغيار فيه» المطهر لك حيث اقتضت 
الحكمة بأنك في هذا الوادي المسمى بطوى توافيه» وأنا اخترتك حيث أمرتك فاستمع لما 
يوحى من الإيحاء» فلما حقققت هذا المقال من حضرة القرب على لسان الخال استعددت إلى 


تنزله في داخل قلبي وفنيت نفسي في الاستماع لما يوحى إلى من حضرة ربي» جاءني منه الأمر 


7 
كم ات قهرة 


بالاستفراغ لعبادته حيث قال لي: َي أنا للهلا لَه إِلّا نا فَاعْبدْني وَأَقِم الصَّلاةً لذِكْري * 
[ه: 4]14؟ فقبلت ذلك وعبدته كا أمرني» فلما صدق الإخلاص مني وحسن في الله ظني 
أردت بقاء نفسي في مقام لقاه وأيقنت بأن لا إله معبود بحق سواه؛ فقلت: ربي أرني أنظر 
إليك.. فا طلبت سوى تجلي الذات للذات» وذلك من أسرار الكبريائية من التجليات» فل| 
علم الله استحالة بقاء القديم في الحادثء وما ثم غيري في هذا المقام محادثء قال لي: لن 
تراني في الحال بحيث أبقى فيكء لأني قديم وأنت حادث,ء ولكن انظر إلى الجبل المستقر 
حولك إذ تنتكشف لك حقيقة ذلك. فإن استقر مكانه بعد ظهور سلطانيٍ له فسوف تراني» 
فلم| تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخر موسى صعقاء أي فلما ظهر سلطان القديم للجبل ساخ 
في الأرض حيث نزل وقد حصل لموسى ما حصل من الصعق والوجلء وفي هذا المقام سر 
لطيف)(1) 

قال آخر: وذكر العلوم التي تعملها منه» فقال: (وتعلمت من موسى عليه السلام 
مائة ألف علم من العلوم التي تجول في الأفكار تعذر النطق بها.. ثم تعلمت منه في هذا 


. 7٠ص مشارق شموس الأنوار‎ )١( 





المشهد علوماً ل يسعني الوقت أن أفشيها فيه وما أظن أحداً من الأولياء المتقدمين تكلم 
على حقيقة هذا المشهد على ما هو عليه أبداً إلى وقتنا هذاء وإن تكلم البعض عليه فذلك في 
شيء منه فلا يستطيع أحد منهم أن يستوفيه لشدة ما رأيته من عظمة حقيقته ورقة دقيقته) 

قال آخر: وذكر اجتماعه بالأولياء الكبار» فقال: (وقد اجتمعت برجال من الأولياء 
الأكابر حين تقييدي لهذا المحل فوجدته له معرفة تامة في بعض المظاهر من هذا المشهد 
وقدمه موسوي متحقق بإحدى وحمسين اسياً من أساء الله الحسنى له تعبير لطيف وبحث 
ظريف؛ فسألته عن مقامه والذي حازه من علوم هذا المقام» فأخبرني بدقائق من علومه 
فحققت أن له حظاً وافراً وأخبرني أن لما وصل من هذا المقام إلى هذا المحل وجدنا سيدنا 
موسى عليه السلام.. وسأله فبحث فيه فاستفاد بوساطته خمسة آلاف علم وفي كل علم 
أسرار لا تحصىء فلم| سألني عن علومي في هذا المشهد وبحثت له في ذروته من دقائق العلوم 
والأسرار والمظاهر والأنوار غاب عن نفسه غيبة عظيمة حتى خفت عليه من أن يذوب» 
فلما صحا تعجبت من ثباتي مع شدة التمكين فحمدت على ذلك الملك المعين» فلما حققت 
زيادتي عليه وتمكني في المشاهد بالذي ظهر مني إليه طلبني اسياً من المخفيات لأجل التبرك 
فأعطيته ذلك الاسم بأنواره وعلوم حضراته وأسراره فانتفع به)(7) 

قال آخر: وقال عن مشاهداته في الساء السابعة: (اجتمعت فيها (أي في السماء 
السابعة) بجملة من الملائكة فعرفتهم وعرفوني وسألتهم عن علوم لا تحصىء ورأيت فيها 
كوكباً له توقد من شدة عظمته ولكنه خفي عن أعين الناظرين: لأن معرفته لم تحصل لأحد 
سوى الكاملين من العارفين أهل الفتح ول يظفر به إلا أرباب المعارف الراقين ذروة السطح 
ومن ثم فعلت كيفية حلول زحل في فلكه. وعلم كيفية سيره فيه» وعلم السر الذي وضعه 


. 7١ص مشارق شموس الأنوار‎ )١( 





الله فيه وغير ذلك.. واجتمعت في هذه الساء بنبي الله سيدنا إبراهيم الخليل على نبينا وعليه 
أفضل الصلاة والسلام فوجدته جالساً على منبر من نور أحمر متكئ على نارق من نور 
أخضر لائحة على وجهه أنوار المعارف والكمال متوجهاً بتاج أسرار النبوة والإجلال بيده 
قضيب من سر علوم الكنوز معتقلاً سيف فتق طلاسم الرموز مسنداً ظهره إلى البيت 
المعمور مشاهداً ما هو له من حضرة الغفورء فل) وصلت إليه وسلمت عليه رد علي السلام 
وأكرمني بالقيام إكراماً لنبينا أشرف الأنام فعرفني ورحب بي وبشرني ببلوغ مطلبي)70) 

قال آخر: ومن مشاهداته في هذه السماء ما عبر عنه بقوله: (وفي باطن هذا سر لا 
أطيق ذكره في هذا الكتاب وفي هذا المشهد سر لطيف ومقام طريف ما تكلم عليه أحد 
الأولياء المتقدمين إلى وقتنا هذاء وإن أردت التكلم على بعض منه في حين تقييدي لهذا المحل 
اجتمعت بسيدنا إبراهيم عليه السلام فأشار إلى بتركه وبشرني بمقام كبير أبلغه وأنال به في 
الآخرة ما لا يعطي لغير المقربين من الكاملين المحبوبين فأنعم به أنا ومن معي من أولادي 
وإخواني وأصحابي المجدين في طريقتي)7) 

قال آخر: وذكر مشاهدته لسدرة المنتهى» فقال: (إن العبد الراقي إلى مقام هذه 
السدرة يراها عظيمة جداً وبها (نويراً خارقاً) ممتداً فيعلم السر الذي وضعه الله سبحانه 
وتعالى فيها وعلم السبب الذي ينتهي إليها الصاعد والحابط» ويعلم مقام الملائكة الكروبيين 
منها ومنازلهم وكيفية حالتهم؛ فهم على أنواع مضعفة» وحالات مختلفة» فمنهم مدهوش 
في هويته» ومنهم مستغرق في آنيته» ومنهم واقع على جنبه» ومنهم واقع على وجهه. ومنهم 
حاث على ركبتيه قد غمروا في أنوار المشاهدات وانفنوا في انطباق تكرر التجليات فلا 


يستطيع أحد منهم حركة لعدم شعورهم وشدة استغراقهم في| هم فيه» فهم عالون في 


.١70صص مشارق شموس الأنوار ص75١. (١؟) مشارق شموس الأنوار‎ )١( 





الملائكة ف| أمروا بالسجود لآدم عليه السلام ولا سجدوا له قط) 227 

قال آخر: وقد ذكر اجتاعه بالملك الحاكم عليهم» فقال: (وقد اجتمعت بالملك 
الحاكم عليهم وهو مقدمهم الذي يأتٍ منه الأمرء والنهي إليهم وينظره من المتقدمين على 
غيرهم أعمدة النور لأجل تأديب الدون منهم وغيرهم من الآدميين» فسألته عن السر الذي 
سرى في ذوات هؤلاء الملائكة حتى لازمتهم تلك ال حالة» فأفادني بأحسن مقالء ثم سألته 
عن دقائق العلوم ومن خفي السر المكتوم فأفادني بحول الله وقوته فيها وفي بعض أمور مما 
هي من المستور وقد حزت في هذا المشهد علوماً م أطق إبداءها ولم أستطع إفشاءها)”) 

قال آخر: ثم ذكر أسرارا أخرى أعجب من الجميع» فقال: (من هنا يرقى العبد إلى 
فلك الكرسي إلى كرسي جبريل عليه السلام» فمن ذلك يعلم حقيقة كل ستر كان وموجبه 
وسر حقيقده: فيراق عن :ذلك أعبارا جارية فيختزف من أكيرها ويتال الكرب من أشهرهاء 
فيحصل له بذلك التحقق با يحويه من الأسرار التي لا تحصي والعلوم التي لا تستقصي ثم 
يرقى إلى الفلك المحيط الذي هو العرشء وهو أول الأفلاك وأعظم السماك» فمن ثم يتضح 
له مظهر الاسم ال رحمن» فهنالك يعلم ما شاء الله تعالى من مناسبة مصاحبة بعض الملائكة 
والأنبياء صلوات الله وسلامه على نبينا وعليهم» فحينئذ ينظر حملة العرش» ويتعلم من علم 
السر الذي يحملونه به وكيفية صورهم الباقين بهاء وقبل هذا يعرف مظاهر كثيرة» منها ما 
يتعلق بالأجسام المتغذية» ومنها ما يتعلق بالأرواح» وفي هذا المقام أشياء لا يصح إبداؤها 
ولا سبيل للتكلم إلى مجاوزة ما فوق ذلك مخافة أن يدعيها أهل الدعاوي المحجوبون الذين 
لم يصلوا إليهاء فالسكوت عنها أولى والتلذذ بمطالعة مشاهدة تجليات صانعها أحلىء والله 


.١5٠ص مشارق شموس الأنوار‎ )١( .١5٠ص مشارق شموس الأنوار‎ )١( 





على ما نقول وكيل وهو يبدي السبيل)(1) 
 "‏ الكشف والخطأ: 


بعد أن انتهى الشيوخ من الإجابة عن الأسئلة التي وجهها لهم الحضور من أهل 
المدينة» مماذكرت بعض الأمثلة عنه هناء تقدم أحد الحكماء ‏ ولم يكن بدالي إلا حينها ‏ وقال: 
نحن لا ننكر فضل الله تعالى على أوليائه وإلهامه لهم» بل نرى أن كل فضل يحصل لهم أو 
لغيرهم ليس سوى من الإلحامات والفضل الإلحي على عباده. 

قال آخر: وقد أشار إلى هذا قوله يله مخبرا عن دور الملك الواعظ ني قلب الإنسان: 
(وأما له" الملك فإيعادٌ بالخير وتصديقٌ بالحق» فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد 
الله)<"» فقد أخر يي أنه إن وجد المؤمن هذه الخواطر الطيبة» فلينسبها إلى الله» لا إلى نفسه. 

| العشب والعلبيس: 

قال آخر: لكن هذه الموهبة الإلحية - كسائر المواهب ‏ قد تكون عرضة للتلبيس 
الشيطاني؛ مثلم حصل لآدم عليه السلام عندما وهبه الله الجنة؛ فلم ييأس الشيطان» بل ظل 
يوسوس له إلى أن أخرجه منها.. وهكذا الأمر بالنسبة لهذه الموهبة الإلحية؛ فإن الشيطان 
الذي توعد الإنسان بالتضليل استغل هذا النوع من المواهبء ليبث في أهله ما شاء من 
الانحرافات. 

قال آخر: وقد أشار إلى ذلك قوله تعالى: وَإِنَّ السَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إلى أَوْلِيَاتهمْ 
لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتمُوَهُمْ إِنَكُمْ رِكُونَ* [الأنعام: ١؟1]»‏ وقوله: لوَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُل 


ع ساعده 


ع ع ريك لس 5 2 ممع عة نث >هى ‏ فيقوت 0620| جع ص عه جل 
بَبِيّ عَدَوَا شَيَاطِينَ الأنس وَالَْنَ يوحي بَعْضْهُمْ إلى بَعْضٍ زخرف القولٍ غَرُورًا وَلَوَ شَاءَ 


091 /٠١( السنن الكبرى للنسائي‎ :)75١19 /0( (؟) سنن الترمذي‎ .١5 ١ص مشارق شموس الأنوار‎ )١( 


(1) واللمة: الهمة والخطرة تقع في القلب. كما في غريب الحديث. 


َبّكَ مَا فَعَلُوهُ َلَرْهُمْ وَمَا يَفْتَدُونَ4 الأنعام: ..]1١‏ فالآيتان الكريمتان تشيران إلى أن 
الشيطان يمكنه أن يقوم بالإلهام» بل بالكشف. الذي يخلط به الحق بالباطل» وخاصة 
لأولئك الذين اغترواء وحسبوا أنهم على شيء. 
قال آخر: وهذا؛ فإنه لتمييز الحق عن الباطل من الإلهامات نحتاج إلى عرضها على 
المصادر المعصومة. باعتبارها المصادر التي تمثل الحقيقة المطلقة» وما عداها قد يعرض له 
الانحرافء أو قد يتأثر بالبيئة التي يعيش فيهاء ويتوهم أن ما رآه صحيحاء وهو ليس سوى 
من إفرازات نفسه وثقافته وبيئته. 
قال آخر: ولهذا نرى كبار أعلام مشايخكم الذين تتفقون على احترامهم يذكرون ذلك» 
ويدعون إلى العرض على القرآن والسنة المطهرة» ىا قال الجنيد سيد الطائفة: (أن النكتة 
لتقع في قلبي من جهة الكشف فلا أقبلها إلا بشاهدي عدل من الكتاب والسنة)(2) 
قال آخر: ومثل ذلك قال الشيخ عبد القادر الجيلاني مؤسس الطريقة القادرية: (كل 
حقيقة لا تشهد لها الشريعة فهي زندقة.. طِرْ إلى الحق عز وجل بجناحي الكتاب والسنة) 
ادخل عليه ويدك في يد الرسول )27 
قال آخر: ومثله قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي مؤسس الطريقة الشاذلية: (إذا عارض 
كشفّك الصحيح الكتابّ والسنة فاعمل بالكتاب والسنة ودع الكشفء وقل لنفسك: إن 
الله تعالى ضمن لي العصمة في الكتاب والسنة» ولم يضمنها لي في جانب الكشف والإلهام)”© 
ب. الكشف والانحراف: 


قال آخر: ولهذا نجد كبار مشايخكم يذكرون ما يقع بينهم من انحرافات» وقد أشار 


0707 /5( إيقاظ ا همم فى شرح الحكمء ص 470. (؟) إيقاظ الهمم‎ )١( 
.7 (؟)الفتح الرباني والفيض ال رحماني» ص4‎ 


إلى ذلك الشيخ أحمد زروق بقوله في بعض قواعده: (كثر المدعون في هذا الطريق لغربته» 
وبعد الأفهام عنه لدقته» وكثر الإنكار على أهله لنظافته» وحذر الناصحون من سلوكه 
لكثرة الغلط فيه.. وصنف الأثمة في الرد على أهله لما أحدث أهل الضلال فيه وانتسبوا منه 
إليه)(7).. ثم ساق نصا لشيخكم الأكبر يقول فيه: (احذر هذا الطريق» فإن أكثر الخوارج 
منه» وما هو إلا الطريق ال هلك والملك» من حقق علمه وعمله وحاله. نال عز الأبد.» ومن 
فارق التحقيق فيه» هلك وما نفذ» ولذلك أشار بعضهم بقوله: بلغنا إلى حدٌ إذ قال هكذاء 
قال في النار)0) 

قال آخر: ومن الأمثلة على ذلك ما ذكره عبد الكريم بن هوازن القشيري, فقد قال 
في مقدمة رسالته: (اعلمواء رحمكم الله أن المحققين من هذه الطائفة انقرض أكثرهم ولم 
يبق في زماننا من هذه الطائفة إلا أثرهم» كما قيل: 

أما الخيام فإنها كخيامهم وأرى نساء الحي غير نسائها 

حصلت الفترة في هذه الطريقة.. لاء بل اندرست الطريقة بالحقيقة: مضى الشيوخ 
الذين كان بهم اهتداء» وقل الشباب الذين كان لهم بسيرتهم وسنتهم اقتداء» وزال الورع 
وطوى بساطه. واشتد الطمع وقوى رباطه» وارتحل عن القلوب حرمة الشريعة» فعدوا قلة 
المبالاة بالدين أوثق ذريعة ورفضوا التمييز بين الحلال والحرام. ودانوا بترك الاحترام. 
وطرح الاحتشامء واستخفوا بأداء العبادات» واستهانوا بالصوم والصلاة» وركضوا في 
ميدان الغفلات وركنوا إلى اتباع الشهواتء وقلة المبالاة بتعاطي المحظورات. والارتفاق 
بها يأخذونه من السوقة» والنسوان» وأصحاب السلطان. ثم لم يرضوا بم| تعاطوه من سوء 


هذه الأفعال» حتى أشاروا إلى أعلى الحقائق والأحوالء وادعوا أنهم تحروا من رق الأغلال 


. 178 قواعد التصوف. ص178. (7) قواعد التصوف. ص‎ )١( 


5٠ 





وتحققوا بحقائق الوصال وأنهم قائمون بالحق» تجري عليهم أحكامه. وهم محوء وليس لله 
عليهم فيا يؤثرونه أو يذرونه عتب ولا لوم, وأنهم كوشفوا بأسرار الأحدية» واختطفوا 
عنهم بالكلية» وزالت عنهم أحكامه للبشرية. وبقوا بعد فنائهم عنهم بأنوار الصمدية 
والقائل عنهم غيرهم إذا نطقواء والنائب عنهم سواهم فيهما تصرفواء بل صرفوا)(© 

قال آخر: وهكذا وقف قبله أبو نصر السراج الطوسيء, ذلك الملقب بطاووس 
الفقراء» والذي لم يكتف ب ذكره القشيريء وإنما راح يؤلف رسالة كاملة في نقد الصوفية 
سماها [رسالة في غلطات الصوفية]» وما جاء في مقدمتها قوله: (واعلم أن في زماننا هذا قد 
كثر الخائضون في علوم هذه الطائفة» وقد كثر أيضا المتشبهون بأهل التصوف والمشيرون 
إليها والمجيبون عنها وعن مسائلهاء وكل واحد منهم يضيف إلى نفسه كتابا قد زخرفه. 
وكلاما ألفه» وليس بمستحسّن منهم ذلك؛ لآن الأوائل والمشايخ الذين تكلموا في هذه 
المسائل وأشاروا إلى هذه الإشارات ونطقوا بهذه الحكّم إن) تكلموا بعد قطع العلائق» 
وإماتة النفوس بالمجاهدات والرياضات والمنازلات والوجد والاحتراق» والمبادرة 
والاشتياق إلى قطع كل علاقة قطعتهم عن الله عزَّ وجل طرفة عين» وقاموا بشرط العلم» 
ثم عملوا به ثم تحققوا في العمل فجمعوا بين العلم والحقيقة والعمل)7) 

قال آخر: ثم راح يفصل أصناف الأخطاء التي وقعوا فيهاء والتي انحرفت بهم عن 
المنهج الأصيل الذي هو السلوك التحققي والتخلقيء فقال: (فطبقة منهم غلطوا في 
الأصول: من قلة إحكامهم لأصول الشريعة» وضعف دعائمهم في الصدق والإخلاص» 
وقلة معرفتهم بذلك.. وطبقة ثانية: منهم غلطوا في الفروع» وهي: الآداب, والأخلاق» 
والمقامات» والأحوالء والأفعال» والآقوال؛ فكان ذلك من قلة معرفتهم بالأصول. 


.١4ص الرسالة القشيرية (1/ 615 (؟) اللمعء‎ )١( 


١ 





ومتابعتهم لحظوظ النفوس ومزاج الطبع؛ لأنهم لم يدنوا تمن يُروضهمء ويجرعهم المرارات» 
ويوقفهم على المنهج الذي يؤديهم إلى مطلوبهم.. والطبقة الثالثة» كان غلطهم فيا غلطوا 
فيه: زلة وهفوة, لا علة وجفوة؛ فإذا تبين ذلك عادوا إلى مكارم الأخلاق» ومعالي الأمور, 
دو الخلل» 9 الشَّحَتْء وتركوا العناد» وأذعنوا للحق» وأقروا بالعجز؛ فعادوا إلى 
الأحوال الرضية والأفعال السنية والدرجات الرفيعة» فلم تنقص مراتبهم هفوتهم؛ ولم 
تظلم الوقتٌ عليهم جفوتهم, ول تمتزج بالكدورة صفوتهم)7) 

قال آخر: ومن انتقاداته لحم مبالغتهم في (السماع والرقصء واتخاذ الدعوات» وطلب 
الإرفاق» والتكلف للاجتماعات على الطعام» وعند ساع القصائد والتواجد والرقص» 
ومعرفة صياغة الألحان بالأصوات الطيبة» والنغمات الشجية» والاختراع من الأشعار 
الغزلية» بها يشبه أحوال القوم» على نحو ما رأوا من بعض الصادقين» أو بلغهم ذلك عن 
المتحققين)0) 

قال آخر: وهكذا نجد أبا حامد الغزالي» فهو مع ثنائه على الصوفية» وانتسابه إليهم 
إلا أنه انتقد بعض سلوكاتهم ودعاواهم» وحذر منها تحذيرا شديدا وصل إلى درجة الدعوة 
إلى إقامة الحد الشرعي على كل من يخلط على المؤمنين عقائدهم الواضحة البينة» فقد قال في 
الإحياء: (وأما الشطح فنعني به صنفين من الكلام أحدثه بعض الصوفية: أحدهها 
الدعاوي الطويلة العريضة في العشق مع الله تعالى» والوصال المغني عن الأعمال الظاهرة» 
حتى ينتهى قوم إلى دعوى الاتحاد وارتفاع الحجاب, والمشاهدة بالرؤية والمشافهة 
بالخطاب» فيقولون: قيل لنا كذا وقلنا كذاء ويتشبهون فيه بالحسين بن منصور الحلاج الذي 
صلب لأجل إطلاقه كلمات من هذا الجدنس» ويستشهدون بقوله: أنا الحق. وبما حكى عن 


.57١ اللمعء ص519-518. (5) اللمع» ص‎ )١( 


دده 





أبي يزيد البسطامي أنه قال: سبحاني سبحاني» وهذا فن من الكلام عظيم ضرره في العوام؛ 
حتى ترك جماعة من أهل الفلاحة فلاحتهم» وأظهروا مثل هذه الدعاويء فان هذا الكلام 
يستلذه الطبع إذ فيه البطالة من الأعمال مع تزكية النفس بدرك المقامات والأحوالء فلا 
تعجز الأغبياء عن دعوى ذلك لأنفسهم, ولاعن تلقف كلمات مخبطة مزخرفة» ومها أنكر 
عليهم ذلك لم يعجزوا عن أن يقولوا: هذا إنكار مصدره العلم والجدل» والعلم حجاب» 
والجدل عمل النفس. وهذا الحديث لا يلوح إلا من الباطن بمكاشفة نور الحق. فهذا ومثله 
تما قد استطار في البلاد شرره وعظم في العوام ضرره حتى من نطق بشيء منه فقتله أفضل 
في دين الله من إحياء عشرة)(7) 

قال آخر: وهكذا نجد ملا صدرا محمد بن إبراهيم القوامي الشيرازي الذي انتقد 
الكثير من السلوكات الصوفية في كتابه الذي خصصه لذلكء» وهو بعنوان [كسر أصنام 
الجاهلية]» وقد قال في مقدمته عند بيان دوافع تأليفه: (لَا رأيت جماعة كثيرة من النّاس في 
هذا الرّمان الذي تفشت فيه ظلمات الجهل والعميان في البلدان» وانتشرت فيه غياهب 
السّفه والبطلان في أكناف المساكن والعمران مكبّين بتمام الجهد على ملازمة الجهل والحذيان 
في العقائد والأقوال ومباشرة التعطّل والفساد في الأعمال والأفعال» وكان منشأ سفههم 
وعبثهم في القول والعملء هو الأمر الذي قد عمّت داهيته وعظمت فتنته واشتدّت آفته 
وانتشرت مصيبته» وغلب على أكثر الطبائع المثوفة ضرّه وكثر على الفطر العاميّة والعقول 
القاصرة الهيولانيّة شرّه من حسبانهم دعابة شيطان الخيال نهاية وجدان أرباب الكمال» 
وظنهم أئّم مع إفلاسهم عن العلم والعمل متشبّهون بأرباب التوحيد وأصحاب التفريد. 
وجهلهم بأنْ أهل البصائر والأنظار يعرفون سنن الرّجال من حلية الثاعمات في الحجال؛ 


(1) إحياء علوم الدين: /١‏ 51. 


31 





وعماهم عن انكشاف حقيقة الحال وطريقة أهل الله المستحسنة عند المهيمن المتعال» 
واتباعهم واقتدائهم واحدا منهم يدّعي لنفسه ولاية الله وقربه ومنزلته وكونه من الأبدال 
المقرّبين والأوتاد الواصلينء لا سمعوا منه كلمات واهية ومزخرفات شطحيّة, يخي له ولهم 
أن فيها شيئا من الكرامات والمكاشفات» ويسمعهم أَتّها أخبار إطهيّة وأسرار ربّانيّة؛ فلهذا 
تركوا تعلّم العلم والعرفان» ورفضوا اكتساب العمل بمقتضى الحديث والقرآن وعطّلوا 
ما أعطاهم الله تعالى من المشاعر والمدارك عن أعمالها في سبل الهداية والرّشادء وحرّموا ما 
رزقهم الله افتراء عليه لصرفها في غير ما خلق لأجله. بسبب الجهل والفساد)(2» 

قال آخر: ثم ذكر الدواهي التي أصيب بها أمثال هؤلاء العوام بسبب تأثرهم با قال 
الصوفية من غير فهم ولا تحقيق» فقال: (وهذا كلّه لأنْ نظر عقلهم كان أبدا مقصورا على 
صور الأشياء وقوالبها الخياليّة» وم يمت نظرهم إلى أسرارها وحقاتقهاء ولم يدركوا الموازنة 
بين عالم الشهادة وعالم الغيب؛ ففات عنهم ذلكء وتناقضت لديهم الأمثلة الواردة في لسان 
الشّرائع والنْبوّات» فلاهم أدركوا شيئا من حقائق الإيان بالل وصفاته وآياته وملائكته 
وكتبه ورسله واليوم الآخر إدراك الخواصٌء ولا هم آمنوا بالغيب إِيمان العوام» فأهلكتهم 
كياستهم البتراء» وأضلّتهم بصيرتهم الحولاء» وتبعهم الآخرون من الحمقى التّاقصين 
والعمياء الجاهلين» والعجب من أعمى ناقص أوجب له عماه ونقصانه تقليدا للغير ثمّ لم 
يقلّد هاديا مرشداء بل قلّد غاويا هالكاء فضل وأضل وغوى وأغوى)() 

قال آخر: ثم ذكر بعض الناذج عن ذلكء فقال: (وربّ)ا يقول بعضهم: الأعمال 
بالجوارح لا وزن ا وإنَّا النظر إلى القلوب؛ وقلوبنا والحة بحبٌ الله واصلة إلى معرفة الله 


عاكفة في حظائر القدس.ء وإِنَّا نخوض في الدّنيا والشّهوات بأبداننا؛ فنحن مع الشهوات 


.4 كسر أصنام الجاهلية» ص 5. (1) كسر أصنام الجاهلية» ص‎ )١( 


2 





وأللذات: بالطواهر والأبدان لا باليواظن والقلوب» ويدغموة أن ماكرة الشهورات 
ومزاولة المعاصي والخطيئات لا تصدّهم عن طريق الله لقربهم منه ومنزلتهم لديه. ولا 
يعلم الأحمق السّفيه الزّنديق أن بهذا الكلام المزخرف المنتج لعذاب الحريق يرفع درجة نفسه 
الخسيسة عن درجة الأنبياء (عليهم الصّلوات والتّسليمات)» إذ كانت صدّهم عن طريق الله 
خطيئة واحدة» حتّى كانوا يبكون على ما يعدونه معصية وذنباء وينوحون عليه سنين 
متوالية)(1) 

ج. الكشف والوساوس: 

قال آخر: وهذا فإننا ‏ مع احترامنا لمشايخكم ‏ تعجبنا من تلك الأمور الكثيرة التي 
ذكروها عن عالم الغيب من غير أي برهان عقلي» ولا دليل علمي» ولا نص شرعي.. فمن 
أين هم أن يعرفوا كل تلك التفاصيل التي لم تردء لا في القرآن الكريم» ولا في السنة المطهرة» 
ول يدل عليها العقل؛ ولا العلم. 

قال آخر: وحتى لو كان بعضها صحيحاء وبعضها ما دخله الوهمء أو تسلل إليه 
الشيطان؛ فمن أين لنا أن نميز بين المقبول والمردود» وبين ما هو وحي الله وكشفه وإلهامه. 
وما هو وحي الشيطان أو وسوسة النفس؟ 

قال آخر: ثم ما فائدة تلك المعارف المفصلة الكثيرة التي لا نستطيع أن نثق في 
مصدرها ثقة تامة» أليست نوعا من الجهل المركب الذي خهينا عنه؟.. فعلم قليل صحيح» 
خير من معارف كثيرة لا نستطيع تمييز مقبولها من مردودها. 

قال آخر: وأكبر دليل على ذلك الاختلافات التي يقع فيها المكاشفون.ء وفي القضية 


الواحدة» وشيخكم الأكبر نفسه يذكر ذلكء وينتقد بعض من سبقه في كشوفاتهم؛ فمن أين 


.4 كسر أصنام الجاهلية» ص‎ )١( 


6 





لنا أن لا يأتي من بعده من ينتقده ويبين خطأ كشفه؟.. وقد وقع ذلك ى) تعرفون. 

قال آخر: ومن الأمثلة على ذلك ما قاله الشيخ أحمد السرهنديء والذي يعتبر من 
أكبر أعلام الطريقة النقشبندية» بل يعتبر عند الكثير من الصوفية من كبار المجددين؛ فقد 
ذكر كيف انتقل من التلمذة على ابن عرب إلى نقده» واعتبار كشوفه مجرد كشوف حالية 
مرتبطة بحالة يمر بها السالك» وليست كشوفا نهائية كاملة صحيحة. 

قال آخر: وقد قال متحدثا عن بدايته في ذلك .: (إِنَّ معتقد الفقير من الصَّغْر كان 
مشرب أهل التوحيد يعني توحيد الوجود.. فاتكشف التوحيد الوجوديّ في مذة يسيرة بعد 
ممارسة هذه الطريقة العليّة» وعرض لي غلوٌ في هذا الكشف. وظهر شيء وافر من علوم هذا 
المقام ومعارفه ولم تبق دقيقة من دقائق هذه المرتبة غير منكشفة» ولاحت دقائق علوم الشيخ 
محبي الدّين بن عريّ ومعارفه. وشرّفت بالنّجِلٍ الذَاتيّ الّذي بين صاحب الفصوص واعتقد 
أنه نهاية العروجء وقال في حقه: (وما بعد هذا إِلّا العدم المحض) وحصل لي علوم ذلك 
انَل ومعارفه التي قال الشّيخْ محبي الدّين بن عريّ أئّها خصوصة بخاتم الولاية 
بالتفصيل)7) 

قال آخر: ثم ذكر كيف انتقل من تلك ال حال إلى ما هو أكمل منهاء فقال: (وامتد هذا 
الحال إلى مدّة مديدة وانجرٌ الأمر من الشّهور إلى سنين عديدة» ثم برزت عناية الحقٌ سبحانه 
التي لا غاية لها من كوّة الغيب وجاءت إلى عرصة الظّهور وانسدل نقاب اللاكيفيٌّ 
واللاكيفيّة على وجه المطلوب المذكورء وتوجّهت العلوم السّابقة التي كانت منبئة عن 
الإتحاد ووحدة الوجود نحو الزّوال والفتور» واستترت الإحاطة والسّريان والقرب والمعيّة 


الذاتيّات التي كانت منكشفة في ذلك المقام المسطور وصار معلوما بيقين أن هذه النسب 


(1) المكتوبات (السرهندى)؛ ج١ء‏ ص 144. 


رف 





المذكورة ليست بثابتة للصّانع جل شأنه مع العالم» بل إحاطته وقربه تعالى بحسب العلم كما 
هو مقرّر عند أهل الح شكر الله سعيهم. وهو تعالى ليس بمتّحد بشيء من الأشياء» وهو 
تعالى وتقدس والعالم عالم» وهو تعالى منزه عن الكيف والكيفيّات والعام متسم بميسم 
الكيف من الفرق إلى القدم» ولا يمكن أن يقال: إِنْ المنرّه عن الكيف عين المكيّف بالكيف 
وأنَ الواجب عين الممكنء ولا يكون القديم عين الحادث؛ وممتنع العدم عين جائز العدم 
أصلا؛ فإنْ انقلاب الحقائق محال عقلا وشرعا وصحّة حمل أحدهما على الآخر مفقودة لكونه 
تمتنعا أصلا ورأسا)(1) 

د. الكشف النافع: 

قال آخر: بالإضافة إلى هذا كله؛ فإن القرآن الكريم يشير إلى دور الكشف والإلهام 
ليس إضافة معارف جديدة لم تنص عليها المصادر المقدسة» وإن| تقوية إيهان صاحبهاء 
ليحصل له اليقين والطمأنينة التامة» كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: لوَالَّذِينَ اهْتَدَوْا رَادَهُْ 
هُدَى وَآنَاهُمْ تَقوَاهُمْ4 اعد 507 وقوله: وَالَّذِينَ جَامَدُوا فيا لتَهدِيََُمْ بلا وَإِنَّ لله 
كم الُحْسِنِينَ © [العنكبوت: 14] 

قال آخر: فالآبتان الكريمتان تشيران إلى أن من لطف الله تعالى بعباده أن يؤيدهم ب| 
يقوي إيع|هم» بحسب المستوى الذي يؤهلهم لذلك الإمداد» كما يشير إلى ذلك قوله تعالى 
في حق إبراهيم عليه السلام وإشهاده تلك المشاهد العظيمة التي تقوي إيانه» وتطمئن قلبه: 
#إوكذلِكَ ري إبراهيم مَلَكُوتَ السمواتٍ والأرضي ولِيَكُونَ من الموقنينَ4 [الأنعام: 5/] 

قال آخر: وهكذا يصف الله تعالى العارفين المستلهمين من القرآن الكريم بهذا 


عن بح دسم رالا 


الوصف؛ فيقول: لأمنْ هُوََنِت آنه اليل سَاجِدً وَقَات يَخَرُ ار وَيرْجو وَحَةَوَبِّ ل 


."5١ المكتوبات (السرهندى)؛ ج١ء ص‎ )١( 


/ااة 





هَل يَسْتَرِي الّذِينَ يَعْلَمُونَ اَن لَا يَعْلَمُونَ إِمَا كر أُونُو الْبَاب» [الزمر: 4]» وقال: 
لالَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيبِحُونَ أَحْسَتَه َهُ أُولَيِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ الله وَأُولَيِكَ هُمْ أوأ 
الََْبَابِ4 [الزمر: 16] 

قال آخر: وغيرها من الآيات الكريمة التي تصف هذا النوع من الناس» وهي تدل 
على أن علاقة العارفين بكل شيء تنطلق من هذا المبدأء وهو الاهتمام باللباب» لا بالقشور 
والتفاصيل التي لا تغنيهم شيئا. 

قال آخر: وهذا هو المعيار المفرق بين الرؤية الإيهانية العرفانية للكون» وبين غيرها 

من الرقى» والتي قد تتدخل فيا لا يعنيها فتقع في الخرافة أو الدجل أو الإلحاد أو أو أ 

انحراف من الانحرافات. 

قال آخر: فالعارف على المنهج القرآني يتأمل في الكون ليجعل منه وسيلة للتزكية 
والترقية والتحقق بكل المعاني النبيلة» ولا يبحث في التفاصيل التي ليس لديه منها أي برهان 
رعلم احج ل اسان ولا تَقَفْ تَقْفْ ما لَيْسَ لَكَ به عِلْمٌ إن السّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالُْوَاد 
1 أُولَيِكَ كَانَّ عَنْهُ مَسُعو لا 4 [الإسراء: م] 

قال آخر: ويشير إلى هذا المنهج» ويدل عليه ما ورد في القرآن الكريم من الدعوة 
للتفكر والتأمل في الكاتنات» والعبور منها إلى صانعها وخالقها ومبدعهاء ى) قال تعالى: 
م يتََكُرُوا في أَنَفْسِهِمْ مَا حَلَقَ الله السَّمَاوَاتٍ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْتهُها إِلّا بالق َأَجَلٍ 

ب ا 4» وقال: 0 0 ين لماي [يونس: 46٠١١‏ وقال: 

انب 1 [الطارق: 6 /10]» 2 5 00 1 اليل كيف يق وَإِلّ 5 


كَيْففَ رُفِحَتٌ وَإِلَّ الحبَال كَيْففَ نُصبَتْ وَإِلَ الأزض كَيْففَ سُطِحَتٌ 4 [الغاشية: ]7١1‏ 


1 


قال آخر: وهذا ما يشير إليه قوله َل وإخباره عن دور الملك الواعظ في قلب الإنسان: 
(وأما لَهُ الملك فإيعادٌ بالخير وتصديقٌ بالحق» فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد 
الله)230» فقد أخبر يَيِك أنه إن وجد المؤمن هذه الخواطر الطيبة» فلينسبها إلى الله» لا إلى نفسه. 

قال آخر: ومثل ذلك قول رسول الله يَلِ: (أن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى» فأرصد 
الله على مَدْرجِتّه ملكا فلا أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخاً لي في هذه القرية. قال: 
هل لك عليه من نعمة ترُمُّما؟ قال: لاء غير أني أحببته في الله عز وجلء قال: فإني رسول الله 
إليك بأن الله قد أحبك كم أحببته فيه)90) 

ه. الكشف والشريعة: 

قال آخر: ولهذا؛ فإن تلك الكشوف التفصيلية الكثيرة ‏ بالإضافة إلى كونها غير 
معصومة ‏ قد تكون حجابا دون الغرض من السلوكء وهو الهداية» لا تحصيل تلك 
المعارف» والتي لا يمكن معرفتها من غير مشكاة النبوة» ولو علم الله حاجة البشر إليها 
لأنزلهها في كتابه. 

قال آخر: ولذلك؛ فإنكم لو تأملتم ما ورد في القرآن الكريم من الآيات الدالة على 
كمال الدين عقيدة وشريعة» لعلمتم خطورة إضافة أي عقيدة أو شريعة جديدة» لأن ذلك 
يعارض قوله تعالى: لالْيومَ أكْمَلْتٌ لَكُمْ دِينكُمْ وَأَغَمْتْ عَلَيكُمْ نِخْمَتي وَرَضِيتٌ لَكُمْ 
السام ديا [المائدة: *] 

قال آخر: ومما يدلكم على ذلك أن العترة الطاهرة» وآئمة الحدى ‏ مع اتفاق الآمة على 
صلاحهم وإمامتهم وهداهم إلا أنهم كانوا متواضعين جدا في كل ما يذكرونه من أحكام 
الدين العقدية والتشريعية؛ فهم يذكرون أن كل ما عندهم ليس سوى تلق من رسول الله 


(1) سئن الترمذي (5/ 51)» السئن الكبرى للنسائي /٠١(‏ /9"10) (؟) صحيح مسلم (17/8) 


لخدف 





5 لا بالرؤية المباشرة كما يزعم بعض مشايخكم ‏ وإنما بالإسناد المعتبر» ى| عبر عن ذلك 
الإمام الصادق بقوله: (حديثي حديث أبي» وحديث أبي حديث جذّي» وحديث جدّي 
حزية المسية :«وحرية اطسين عندينت السب وسريق ادن ديك أمينبالمؤفين) 
وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله # وحديث رسول الله :# قول الله عزّوجل)(2, 
وروي أنه قبل له: (أسمع الحديث فلا أدري منك ساعه أو من أبيك؟)» قال: (ما سمعته 
مني فاروه عن رسول الله )0 

قال آخر: وقال في ذلك أيضا: (والله لولا أنْ الله فرض ولايتنا ومودتنا وقرابتناء ما 
أدخلناكم بيوتناء ولا أوقفناكم على أبوابناء والله ما نقول بأهوائناء ولا نقول برأيناء ولا 
نقول إلا ما قال ربنا)9) 

قال آخر: وقيل له: (بأي شيء يفتي الإمام؟)» قال: بالكتاب» قيل: فم لم يكن في 
الكتاب؟.. قال: بالسنة» قيل: فا لم يكن في الكتاب والسئة؟.. قال: (ليس شيءٌ إلا في 
الكتاب والسئة)(؟) 

قال آخر: وقال: (عجبا للناس يقولون: أخذوا علمهم كله عن رسول الله 2 
فعملوا به واهتدواء ويرون أن أهل البيت لم نأخذ علمه ولم نهتد به ونحن أهله وذريّته في 
منازلنا أنزل الوحيء ومن عندنا خرج إلى الناس العلم أفتراهم علموا واهتدوا وجهلنا 
وضللنا!؟.. إِنْ هذا محال)00» 

قال آخر: وقبله قال الإمام الباقر: (يا جابر.. لو كنا نفتي الناس برأينا وهواناء لكنا 
من الهالكينء ولكنا نفتيهم بآثار من رسول الله يه وأصول علم عندناء نتوارثها كابراً عن 

(1) بحار الأنوار (؟/11/4) (4) بحار الأنوار (؟/ 11/0) 


(؟) بحار الأنوار: 7/7 151. (0) بحار الأنوار: 7/ 119/4. 


(") بحار الأنوار: /١7‏ 119/78. 


ارم 





كابر» نكنزها | يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم)2(0.. وقال: (إِنَا على بيّنة من ربناء بيّنها لنبيّه 
قال آخر: وغيرها من الروايات الكثيرة المتواترة التي تبين أن كل علوم أئمة الهدى 
التي بثوها للأمة لم تكن سوى وراثة نبوية» أو فهم مرتبط بهاء مع كون هؤلاء ‏ وبإجماع 


الأمة ‏ من أعلم وأتقى وأصلح هذه الأمة جميعا. 
”. الكشف والتقليد: 


بعد أن قال الحكماء هذاء قام بعض الشيوخ» وقال: بورك فيكم, وني كللاتكم الطيبة» 
وأنا الآن أشهد أمامكم بأني ‏ مع كوني من الذين يدافعون عن الكشف والإلهام الإلهي, 
واعتباره من مصادر المعرفة ‏ إلا أني ‏ وفي حياتي جميعا لم أحظ بذلك الكشف ولا الإلهام» 
وإنما كل معارفي التي قدمتني لدى الناس هي مجرد مطالعات وقراءات من كتب أولئك 
الشيوخ الذين كنا ننقل أقوالهم؛ كما ينقل الحشوية أقوال كعب ووهب. 

قال آخر: ومثلك أنا.. فقد وجدت أن أتباعي يطلقون علي لقب [العارف بالله]. لا 
لشيىء سوى لحفظي لتلك المقولات وترديدها في كل المحال» وكأن القرآن الكريم والسنة 
المطهرة قاصرة على تعريف الخلق بريهم؛ حتى جاء مؤلفو تلك الكتب ليسدوا ذلك النتقص. 

أ. الكشف والتسليم: 

قال آخر: ومثلكم أنا.. فقد كنت مقلدا في كل تلك المعارف التي أذكرها.. ولم يكن 
لي يء من الشهود ولا من الكشف ولا من الإلحام.. ولذلك كنت أفر من كل من يطالبني 
بالدليل بقول بعضهم: (التصديق بعلمنا هذا ولاية» وإذا فاتتك المثة في نفسك فلا تفتك أن 


.19/7 /7 بحار الأنوار:‎ )١( .19/7 /١ بحار الأنوار:‎ )١( 


درك 





تصدّق بها في غيرك)(2).. وقد فاتني أنني بذلك أعارض قوله تعالى: #وَلا تقفٌ مَا لَيْسَ 
لَكَ به عِلّْجٌ إِنَّ السّمْعَ وَالْبَصرَ وَالْمُوَاد كل أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسُْولًا4 [الإسراء: +1 من حيث 
لا اشع . 

قال آخر: ومثلكم أنا.. فقد كنت أردد بين يدي من يناقشني أو يجادلني أو يطالبني 
بالدليل» قول من نطلق عليه شيخنا الأكبر: (احمدوا الله يا إخواننا حيث جعلكم الله من 
قرع سمعه أسرار الله المخبوءة في خلقه, التي اختص الله بها من شاء من عباده؛ فكونوا لها 
قابلين» مؤمنين بهاء ولا تحرموا التصديق بها فتحرموا خيرهاء قال أبو يزيد البسطامي. وهو 
أحد النواب لأبى موسى الدبيلي: (يا أبا موسى! إذا رأيت من يؤمن بكلام أهل هذه 
الطريقة» فقل له يدعو لك؛ فإنه مجاب الدعوة)؛ وسمعت شيخنا أبا عمران» موسى بن 
عمران الميرتى» بمنزله بمسجد الرضا بإشبيلية» وهو يقول للخطيب أبى القاسم بن عفير» 
وقد أنكر أبو القاسم ما يذكر أهل هذه الطريقة: (يا أبا القاسم! لا تفعل فإنك إن فعلت 
هذا جمعنا بين حرمانين: لانرى ذلك من نفوسناء ولا نؤمن به من غيرنا. وما * ثم دليل يرده» 
ولا قادح يقدح فيه شرعا وعقلا). ثم استشهدني على ما ذكره» وكان أبو القاسم يعتقد فيناء 
فقررت عنده ما قاله بدليل يسلمه من مذهبه. فإنه كان محدثا: فشرح الله صدره للقبول» 
وشكرني الشيخ ودعالي)7) 

ب. الكشف والمطالعة: 

قال آخر: وكنت مثلكم أردد لهم قول شيخنا الجيل» الذي قدم لكتابه [الإنسان 
الكامل في معرفة الأواخر والأوائل] بقوله: (ثم ألتمس من الناظر في هذا الكتاب بعد أن 


أعلمه أن ما وضعت شيئا في هذا الكتاب إلا وهو مؤيد بكتاب الله أو سنة رسول الله 2 


737/7” ”ا/اه) (؟) الفتوحات المكية؛ ج١١ ص‎ /١( الكواكب الدرية‎ )١( 


يدرك 





أنه إذا لاح له شيء في كلامي بخلاف الكتاب والسنة فليعلم أن ذلك من حيث مفهومه لا 
من حيث مرادي الذي وضعت الكلام لأجله فليتوقف عن العمل به مع التسليم إلى أن 
يفتح الله تعالى عليه بمعرفته» ويحصل له شاهد ذلك من كتاب الله تعالى أو سنة نبيه) 717 

قال آخر: وكنت مثلكم أخاف أن أنكر أي شيء ورد في تلك الكتب حتى لو خالفت 
في الظاهر المصادر المعصومة. لأني كنت أخشى أن تحرمني تلك المخالفة من الكشف 
والإلهام المرتبط بذلك الأمرء كا اتفق على ذلك بعض مشايخناء وقد قال بعضهم في ذلك: 
(وفائدة التسليم هنا وترك الإنكار أن لا يحرم الوصول إلى معرفة ذلك فإن من أنكر شيئا 
من علمنا هذا حرم الوصول إليه ما دام منكراًء ولا سبيل إلى غير ذلكء بل ويخشى عليه 
حرمان الوصول إلى ذلك مطلقاً بالإنكار أول وهلةء ولا طريق له إلا الإيوان 
والتسليم).. ثم أكد على أن تأييد ما يذكره بالكتاب والسنة لا يقتضي ذكر تلك الأدلة 
ومناقشتهاء وإنا يتطلب التسليم واعتبار ذلك التأييد حتى ولو لم يؤيد بأي دليل» فقال: 
(اعلم أن كل علم لا يؤيده الكتاب والسنة فهو ضلالة» لا لأجل ما لا تجد أنت له ما يؤيده. 
فقد يكون العلم في نفسه مؤيداً بالكتاب والسنة» ولكن قلة استعدادك منعتك من فهمه فلن 
تستطيع أن تتناوله له همتك من محله فتظن أنه غير مؤيد بالكتاب والسنة» فالطريق في هذا 
التسليم وعدم العمل به من غير إنكار إلى أن يأخذ الله بيدك إليه)7© 

قال آخر: ومثلكم أنا؛ فقد كنت مغترا با كان يذكره شيوخنا من عدم حاجتنا إلى 
الكشف الخاص بناء ومطالبتنا بالاكتفاء بها كشف لشيوخناء وقد ذكر هذا شيخنا الجيل» 


وصرح به حين دعا إلى مطالعة كتب الشيخ الأكبر وغيره من الصوفية» فقال: (هذا كلامهم 


)١(‏ الإنسان الكامل» ص8. (") الإنسان الكامل» ص8. 
(؟) الإنسان الكامل» ص8. 


ردح 


رضي الله عنهم ‏ للتلامذه والإخوان إن| هو لتقريب المسافة البعيدة إليهم وتسهيل الطريق 
الصعب عليهمء لأن المريد قد ينال بمسألة من مسائل علمنا هذا ما لا يناله بمجاهدة خمسين 
سنة» وذلك لأن السالك إن ينال ثمرة سلوكه وعلمهء والعلوم التي وصفها الكمل من 
أهل الله تعالى هي ثمرة سلوكهم وأعالهم الخالصة» فكم بين ثمرة عمل معلول إلى ثمرة 
عمل مخلص»ء بل علومهم من وراء ثمرات الأعمال؛ لأنها بالفيض الإلمي الوارد عليهم على 
قدر وسع قوابلهم» فكم بين قابلية الكامل من أهل الله وبين قابلية المريد الطالبء فإذا فهم 
المريد الطالب ما قصده من وضع المسألة في الكتاب وعلمه» استوى هو ومصنفه في معرفة 
تلك المسألة فنال مها ما نال المصنف» وصارت له ملكا مثل ما كانت للمصنف, وهكذا كل 
مسألة من مسائل العلوم الموضوعة في الكتب فإن الآخذ لها من المعدن الذي أخذ منه 
مصنفها)(1) 

قال آخر: ومثلكم أنا.. فقد دفعني على تلك المطالعات والتسليم لماء ما كانوا 
يذكرونه عن التلامذة المسلّمِين لكل ما يقولونه» ومنها هذا المثال الذي ذكره شيخنا الجيل» 
فقد قال: (ولقد رأيت في زماننا هذا طائفة كثيرة من كل جنس من أجناس العرب والفرس 
والهند والترك» وغير ذلك من الأجناس كلهم بلغوا بمطالعة كتب الحقيقة مبالغ الرجال» 
ونالوا منها مقاصد الآمال؛ فمن أضاف بعد ذلك إلى علمه وفضله سلوكا واجتهادا صار 
من الكمل» ومن وقف بعد علمه كان من العارفين)(2 

قال آخر: وقد ذكر من النماذج عن ذلك أن بعضهم (كان من تلامذة بعض الشيوخ» 
ولم يكن له من أعمال الطريق سوى مطالعة كتب الحقيقة حتى بلغ مع هذا العلم ما سبق به 
كثيرا من السابقين» واسمه أبو بكر بن محمد الحكاك له نظم كثير في علم الحقيقة؛ فمن وقف 


.7"4 مراتب الوجود وحقيقة كل موجود (الكهف والرقيم)؛ ص 7"9. (1) مراتب الوجود وحقيقة كل موجود.ء ص‎ )١( 


0 





على ديوان شعره وعرف مقداره حظي بطائل) 207 

قال آخر: ولهذا كنا نضيع كل أوقاتنا في مطالعة تلك الكتب» حرصا على أن نصل 
إلى تلك الدرجاتء لأمها ‏ كما كان يذكر لنا ‏ كتب الفتح الإلمي» وهي التي تميز الخاصة من 
العامة» وقد قال بعضهم في بعض كتبه: (وإنم) أوردت لك هذه الحكايات كلها حتى أفهمك 
قدر هذا العلم وعلو شأنه» لترغب في تحصيل هذا الفن الشريف بمطالعة هذه الكتب 
وممارستها ومذاكرتها مع أهلهاء حيث كانوا؛ فإن الرجل منهم قد يفيدك ما لا يفيدك الكتب 
كلها في العمر كله. لأنك تأخذ من الكتاب بفهمكء والرجل العالم بالله إذا أرادك لفهم 
مسألة على ما هي عليه أعطاك فهمه فيهاء وكم بين فهمك وفهمه)9) 

قال آخر: ولهذا كانوا ينصحوننا بقولهم: (مطالعة كتب الحقيقة عند المحققين أفضل 
من أعمال السالكين» ومجالسة أهل الله مع التأدب معهم أفضل من مطالعة الكتب كلهاء 
فعليك ثم عليك بملازمة المطالعة في كتب الحقائق والعمل بمقتضى علومها؛ فإناك تحصل 
بذلك إلى مقصودك وتقع به على معرفتك بمعبودك إن شاء الله تعالى) 9 

قال آخر: ولهذا نرى شيخنا الأكبر يذكر في كل كتبه أنه كلف من الله مباشرة بتبليغهاء 
ومن الأمثلة على ذلك قوله: (وأرجو أن أكون ممن يأمره الله في سره فيمتثل مراسمه بلا 
واسطة» وعندنا من العلم بصفة الصلاح ذوق عظيمء ورثناه من الأنبياء عليهم السلام؛ ما 
رأيته لغيرنا)(؟) 

قال آخر: وقال في محل آخر: (وقد أمرني الله سبحانه وتعالى على لسان نبيه 86 


بالنصيحة لله ولرسوله ولآئمة المسلمين وعامتهم خطابا عاماء ثم خاطبني على الخصوص 


. 4٠ المرجع السابق» ص 79. (9) المرجع السابق» ص‎ )١( 
1/717 ال7١‎ /1١( (؟) الفتوحات المكية‎ . 5٠ المرجع السابق» ص‎ )( 


ره 


من غير واسطة» غير مرة بمكة» وبدمشقء فقال لي: انصح عباديء في مبشرة أريتهاء فتعيّن 
ع الأمر أكثر ما تعين على غيري» وكنت أرشد الناس إلى الطريق القويم» فلا رأيت 
الداخل إلى طريق الله عزيزاء تكاسلت وعزمت أن أشتغل بنفسيء وأترك الخلق وما هم 
عليه» فرأيت رؤيا بمكة يقول لي فيها الحق: لا أطلب منك عملا إلا أن تنصح عبادي» 
فانصح عبادي؛ فأصبحت وقعدت للناس أبين لهم الطريق الواضح, والآفات القاطعة 
لكل صنف عنه؛ من الفقهاء والفقراء والصوفية والعوام» فكل قام عل وسعى في هلاكي. 
فنصر الله عليهم» وعصم فضلا منه ورحمة» وتكلمت حينئذ وألفت في حقائق النصح أمورا 
كلية يعم نفعهاء ويأخذ كل قابل قسطه منهاء ثم أظهرتها ول أظهر اسمي عليهاء وقلت: إن 
المقصود منها انتفاع الناس» سواء عرفوا المتكلم أو لم يعرفواء فل| انتشر ذلك» نسب الكلام 
للغزالي رحمه الله وصار يلعن من بعض الناس بسببهاء فلم| بلغني ذلك قلت: الآن تعين 
إظهار اسمي عليها لآكون وقاية لرجل مسلم يظلم بسببي» فأظهرت اسمي عليها بعد 
ذلك فاستقبلتني الناس بسهام أغراضهم, وظنوا فّ الظنون» وأنا صابر عليهم داع لهم 
ناظر إلى مراد الحق سبحانه من ذلك كله» فرأيت الحق سبحانه بعد ذلك في المنام» فقلت: 
إلي وسيديء أمرتني أن أنصح عبادك فامتثلت» ونصحت ورجوت نفعهم بذلك» وقد 
رأيت الضرر سبق إلى كثير منهم؛ فسمعته سبحانه يقول: لوَكَدَّبَ به قَؤْمُكَ وَهُوَ الحق قل 
لَسْتُ عَلَيَكُمْ بوَكيل لِكُلَّ نا مُسْتَقَرٌ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ4 [الأنعام: 159-35 فاسترسلت غلى 
الأصل الذي أمرت به» وعلمت أن الله تعالى ينفع بذلك من يشاء ويصرف عن الانتفاع من 


يشاء)(1) 


)١(‏ المرجع السابق /١1(‏ ااا رم 


لحرت 





قال آخر: وقد كنا مع ذلك التقليد الذي لا نختلف فيه عن الحشوية» نقول 
للمخالفين لنا ما قاله بعض شيوخنا: (أخذتم علمكم ميتاً عن ميت» وأخذنا علمنا عن 
الحي الذي لا يموت(217 

قال آخر: وكنا نردد لهم قول شيخنا الأكبر في ذلك: (إذا ثبت أن علم العقل قابل 
للشبه. وأن علم الأحوال كذلكء تبين لك أن العلم الصحيح لا يعطيه الفكر» ولا ما قررته 
العقلاء من حيث أفكارهم, وهذا اختلفت مقالاتهم» فإن كان العلم قد حصل عن نظر في 
دليل عقلي» فإن مثل ذلك ليس عندنا بعلم» لتطرق الشبهة على صاحبه وإن وافق العلم» 
وإنما العلم من لا يقبل صاحبه شبهة» وذلك ليس إلا علم الأذواق» فذلك الذي نقول فيه 
إنه علم, فإن الأذواق بمنزلة الأدلة لأصحاب النظر في العلوم؛ فالعلم الصحيح إنما هو ما 
يقذفه الله في قلب العالم» وهو نور إلهي يختص به من يشاء من عباده» من ملك ورسول ونبي 
وولي ومؤمن» ومن لا كشف له لا علم له» فكل علم لا يكون عن ذوق ليس بعلم أهل 
الله.. فإن أهل الله ما علموا الذي علموه إلا ذوقاء ما هو عن فكر ولا عن تدبر)7) 

قال آخر: وكنا نردد لهم زورا وبهتانا ‏ قوله: (في الأولياءء» ابتداء المكاشفات لهم في 
عالم الشهادة» وهو ما يدرك بالحس في أول سلوكهم. فإن المريد أول ما يكشف له عن 
المحسوسات,ء فيرى رجلا مقبلا أو على حالة ماء وبينهما البعد المفرط والأجسام الكثيفة» 
بحيث أن يراه بمكة» أو يرى الكعبة» وهو بأقصى المغربء وهذا كثير عند المريدين في أول 
أحوالهم؛ ذقت ذلك كله. ولله الحمدء ثم يتتقلون عن ذلك إن كانوا من أهل العناية 
واللاختصاص بالوراثة النبوية ‏ إلى عالم الغيب الذي يدرك بعين البصيرة» وليس بينه وبينها 


مسافة ولا بعد ولا قرب مفرط» وحجابه إنا هو الران والقفل والكن. وقد ارتفعت 


.595//7( (؟) الفتوحات المكية‎ 71١ /١( الفتوحات المكية‎ )١( 


ا 





بالمجاهدات فلاحت أعلام الغيوبء لكن ثم أمر تدركه» وهو إن انجلت عين البصيرة فإن 
ثم حجابا آخر إلهياء وهو أن النور الذي ينبسط من حضرة الجود على المغيبات في الحضرات 
الوجودية» ليس يعمها إلا على قدر ما يريد الله تعالى أن يكشف لك منهاء مع أنك في غاية 
الصفاء والجلاء» وذلك هو مقام الوحيء دليلنا على ذلك لأنفسنا ذوقنا له) 2320 

د. الكشف والنبوة: 

قال آخر: بل كنا نتجرأ فنذكر لهم قوله ‏ عند استد لاله بالقرآن الكريم أو غيره ‏ عدم 
حاجته لذلك الاستدلال» لأن علمه حصل لديه من غير حاجته لتلك الأدلة» ىا قال عند 
حديثه عن مصادر الكشف: (إن الله أخذ بأكثر أبصار جنس الإنس والجان عن إدراك 
النفوس المدبرة الناطقة» التي للمسمى جمادا ونباتا وحيواناء وكشف لبعض الناس عن 
ذلك» والدليل السمعي على ما قلناه قول الله: وَإِنَ مِنْهَا ا يشّقَقُ قبَخْرّح ِنْهُ م4 [البقرة: 
4 يعني من الحجارة.. وأما أمثالنا فلا يحتاج إلى خبر في ذلك. فإن الله قد كشفها لنا عيناء 
وأسمعنا تسبيحها ونطقها لله الحمد على ذلك)77) 

قال آخر: بل إنه يذكر ما هو أعظم من ذلك» حيث قال: (وصاحب الكشف يرى 
في المداد الذي في الدواة جميع ما فيه من الحروف والكلمات» وما يتضمنه من صور ما 
يصورها الكاتب أو الرسام» وكل ذلك كتابء فيقول في هذا المداد من الصور كذا وكذا 
صورة» فإذا جاء الكاتب والرسامء أو الرسام دون الكاتب» أو الكاتب دون الرسامء 
بحسب ما يذكره صاحب الكشفء فيكتب بذلك المداد ويرسم ما ذكره هذا المكاشف» 


بحيث لا يزيد على ذلك ولا ينقص)”" 


)8855 /7( الفتوحات المكية (565//7. (") الفتوحات المكية‎ )١( 


(؟) الفتوحات المكية (7// 065 5. 


0 


قال آخر: بل إنه يذكر عدم حاجة صاحب الكشف للمحدث والفقيه وغيرهماء 
ذلك أن كشفه يغنيه عن كل العلماء» وقد قال في ذلك: (وأهل الكشف. النبي عندهم 
موجود. فلا يأخذون الحكم إلا عنه» فإنه لا يسوغ القياس في موضع يكون فيه الرسول 8# 
موجوداء وهذا الفقير الصادق لا ينتمي إلى مذهب. إن| هو مع الرسول الذي هو مشهود 
له)0) 

قال آخر: وقد قال أيضا يشير إلى هذا: (فمن كان من الصالحين ممن كان له حديث 
مع النبي ## في كشفه» وصحبه في عالم الكشف والشهود وأخذ عنه. حشر معه يوم القيامة, 
وكان من الصحابة الذين صحبوه في أشرف موطنء وعلى أسنى حالة» ومن لم يكن له هذا 
الكشف فليس منهم, ولا يلحق بهذه الدرجة صاحب النوم ولا يسمى صاحبا ‏ ولو رآه في 
كل منام ‏ حتى يراه وهو مستيقظ كشفاء يخاطبه ويأخذ عنه ويصحح له من الأحاديث ما 
وقع فيه الطعن من جهة طريقهاء وإنا أخذنا كثيرا من أحكام محمد 7 المقررة في شرعه عند 
علماء الرسوم, وما كان عندنا علم» فأخذناها من طريق الكشف. وهو عندنا ذوق محقق)27) 

قال آخر: وهو عند حديثه عن النبوة المرتبطة بالشرائع ‏ يذكر أن الولي لا يأخذ فيها 
علم الشريعة من أهل الظاهره وإنما يتلقاها عبر الإلمهام الذي لا يختلف عن الوحي كثيراء 
وقد قال في ذلك: (وأما حالة أنبياء الأولياء في هذه الأمة» فهو كل شخص أقامه الحق في 
تجل من تجلياته» وأقام له مظهر محمد # ومظهر جبريل عليه السلام؛ فأسمعه ذلك المظهر 
الروحاني خطاب الأحكام المشروعة لمظهر محمد 2 حتى إذا فرغ من خطابه» وفزع عن 
قلب هذا الولى» عقل صاحب هذا المشهد جميع ما تضمنه ذلك الخطاب من الأحكام 
المشروعة» الظاهرة في هذه الأمة المحمدية؛ فيأخذها هذا الولى ى) أخذها المظهر المحمدي» 


)57154/١ ج‎ 5١ /5( الفتوحات المكية (/ ه73 (؟) الفتوحات المكية‎ )١( 


ةو 





للحضور الذي حصل له في هذه الحضرة ما أمر ذلك المظهر المحمدي من التبليغ لهذه الأمة؛ 
فبرد (الولى) إلى نفسه» وقد وعى ما خاطب الروح به مظهر محمد ##» وعلم صحته علم 
يقين بل عين يقين؛ فأخذ حكم هذا النبي» وعمل به على بينة من ربه)(7© 

قال آخر: وقد ضرب بعض الأمثلة على ذلك» فقال: (فرب حديث ضعيف قد ترك 
العمل به لضعف طريقه. من أجل وضاع كان في رواته» يكون صحيحا في نفس الأمرء 
ويكون هذا الواضع ثما صدق في هذا الحديث, ولم يضعه. وإنما رده المحدث لعدم الثقة 
بقوله في نقله» وذلك إذا انفرد به ذلك الواضعء أو كان مدار الحديث عليه» وأما إذا شاركه 
فيه ثقة سمعه معه» قبل ذلك الحديث طريق هذا الثقة» وهذا ولى قد سمعه من الروح يلقيه 
على حقيقة محمد ##» ى)| سمع الصحابة في حديث جبريل عليه السلام مع محمد # في 
الإسلام والايهان والإحسان, في تصديقه إياه» إذا سمعه (الولى) من الروح الملقى» فهو فيه 
مثل الصاحب الذي سمعه من فم رسول الله #, علما لا يشك (الصحابي) فيه» بخلاف 
التابع» فإنه يقبله على طريق غلبة الظنء لارتفاع التهمة المؤثرة في الصدق.. ورب حديث 
يكون صحيحا من طريق رواته» يحصل لهذا المكاشف الذي قد عاين هذا المظهرء فسأل 
النبي ## عن هذا الحديث الصحيح. فأنكره وقال له: لم أقله ولا حكمت به. فيعلم (هذا 
المكاشف) ضعفه. فيترك العمل به عن بينة من ربه» وإن كان قد عمل به أهل النقل لصحة 
طريقه» وهو نفس الأمر ليس كذلك.. وقد يعرف هذا المكاشف من وضع ذلك الحديث» 
الصحيح طريقه في زعمهم: إما أن يسمى له. أو تقام له صورة الشخص)7() 

قال آخر: وهويؤكد أنه لاايصل الولي إلى مرتبة نبوة الولاية إلا بعد أن يتلقى الشريعة 
هذا الطريق» فيقول: (قد أثبت هذا المقام للأولياء أهل طريقناء وإتيان غير هذا وهو الفعل 


.5894 الفتوحات المكيةءج ا ص 58/8. (؟) الفتوحات المكيةءج ا ص‎ )١( 


خرف 





بالهمة» والعلم من غير معلم من المخلوقين غير الله وهو علم الخضر؛ فان آتاه الله العلم 
بهذه الشريعة التي تعبده بها على لسان رسول الله بارتفاع الوسائط ‏ أعنى الفقهاء وعلماء 
الرسوم ‏ كان من العلم اللدني» ولم يكن من أنبياء هذه الأمة. فلا يكون» من يكون من 
الأولياء وارث نبى إلا على هذه الحالة الخاصة: من مشاهدة الملك عند الإلقاء على حقيقة 
الوسول)0) 

قال آخر: وبسبب ذلك يصبح هؤلاء الأولياء الأنبياء ‏ ىا يذكر ‏ من أعلم الناس 
بالشريعة لأنهم تلقوها من المصدر مباشرة» ومن غير تكلف تعلم, يقول: (فهؤلاء هم أنبياء 
الأولياء.. وهمء في هذه الأمة» مثل الأنبياء في بنى إسرائيل» على مرتبة تعبد هارون بشريعة 
موسى عليه السلام مع كونه نبيا؛ فان الله قد شهد بنبوته. وصرح بها في القرآن. فمثل هؤلاء 
يحفظون الشريعة الصحيحة التي لا شك فيهاء على أنفسهم وعلى هذه الأمة ممن اتبعهم؛ 
فهم أعلم الناس بالشرع)202) 

قال آخر: وهو يذكر أن هؤلاء الأولياء الأنبياء غير ملزمين بإثبات ما يذكرونه 
لغيرهم؛ يقول: (غير أن الفقهاء لا يسلمون لهم ذلك؛ وهؤلاء الأولياء لا يلزمهم إقامة 
الدليل على صدقهم, بل يجب عليهم الكتم لمقامهم. ولا يردون على علماء الرسوم فيم|ا ثبت 
عندهم» مع علمهم بان ذلك خطا في نفس الأمر؛ فحكمهم حكم المجتهد الذي ليس له أن 
يحكم في المسالة بغير ما أداه اليه اجتهاده. وأعطاه دليله» وليس له أن يخطئ المخالف له في 
حكمه. فان الشارع قد قرر ذلك الحكم في حقه. فالآدب يقتضي له أن لا يخطئ ما قرره 
الشارع حكم. ودليله وكشفه يحكم عليه باتباع حكم ما ظهر له وشاهده)(") 


(1) الفتوحات المكية» ج ؟. ص 850. () الفتوحات المكية» ج 7 ص .851١‏ 


(؟) الفتوحات المكية»ج 37 ص 550. 


كوف 


قال آخر: ونفس الأمر يذكره بالنسبة لغير الشرائع» فهو . مثلا ‏ يستدل لكل ما ذكره 
من مراتب العالم» بأنه أخذها مباشرة من رسول الله #» يقول في ذلك: (إنا ما أوردنا شيئا 
مما ذكرناه أو نذكره من جزثيات العالم» إلا واستنادنا فيه إلى خبر نبوي يصححه الكشف». 
ولو كان ذلك الخبر نما تكلم في طريقه» فنحن لا نعتمد فيه إلا على ما يخبر به رجال الغيب 
رضي الله عنهم, فو الله ما يعرف الأمور إلا من شهدها ذوقا وعاينها كشفاء ويظن المجادل 
الذي هو ولي الشيطان, أن ما يجيء به إنما ذلك من نفسه ومن نظره وعلمه» وهو من وحي 
الشيطان إليه» يعرف ذلك أهل الكشف عينا ويسمعونه بآذاهم كما يسمعون كل صوت)22(7 

ه. الكشف والرجال: 

قال آخر: ولهذا صار تقديرنا لكل شيخ من شيوخنا بحسب ما يذكره من علوم 
وإلهامات لم يسبق إليهاء ولهذا حظي ابن عرب عندنا بلقب الشيخ الأكبر» لكونه أتى بها ل 
يأت به من قبله» ى] شهد لنفسه بذلكء فقال: (فإني أرجو من الله أن ينفعني بمن علم مني 
ما ذكرته في كلامي هذا من العلم بالله» الذي لا تجده فيا تقدم من كتب المؤلفين في هذا 
الفن» وفيه نكت لست تراها في كلام أحد منقول عن أسرار هذه الطريقة غير كلامناء ولو 
لاما ألقي عندي في إظهارها ما أظهرتباء لسر يعلمه الله ما أعلمنا به» وفيه مسائل لا تجدها 
محققة على ما ذكرت فيهاء لأنني ما رأيت أحدا حقق فيها ما ذكرته» فإن بعض العلوم ما 
رأيت أحدا نبه عليها قبلي» إلا إن كان وما وصل إِّ فإنه لا بد لأهل الله المحققين من إدراك 
هذه العلوم» ولكن قد لا يجريه الله على ألسنتهم, أو يتعذر على بعضهم العبارة عن ذلك» 
وهذا كله نقطة من كلمة من القرآن العزيز» فا عندنا من الله إلا الفهم فيه من الله وهو 
الوحي الإلحي الذي أبقاه الحق علينا)(”» 


.659 / عقله المستوفزء والفتوحات ج 540/7 -5941. (1) الفتوحات المكيق‎ )١( 


شيف 





قال آخر: بل إنه يذكر أن أهم كتبه تلقاها مباشرة من رسول الله يَي.. وأهمها كتابه 
(فصوص الحكم)» فقد قال في مقدمته: (رأيت رسول الله 4 في مبشرة» أريتها في العشر 
الأخير من المحرم من سنة سبع وعشرين وستاية» بمحروسة دمشقء وبيده صم كتاب. 
فقاللي: هذا كتاب فصوص الحكمء خذه. واخرج به إلى الناس فينتفعون به؛ فقلت: السمع 
والطاعة لله ولرسوله ولأولي الأمر مناء كما أمرنا.. فحققت الأمنية» وجردت القصد وال همة 
إلى إبراز هذا الكتاب. ى] حده لي رسول الله 2 من غير زيادة ولا نقصانء وسألت الله أن 
يجعلني فيه وفي جميع أحوالي» من عباده الذين ليس للشيطان عليهم سلطان وأن يخصني 
في جميع ما يرقمه بناني وينطوي عليه جنانيء بالإلقاء السبوحي والنفث الروحي. في الروع 
النفسيء بالتأييد الإعتصامي. حتى أكون مترجما لا متحكما؛ ليتحقق من يقف عليه من أهل 
اللهء أصحاب القلوبء أنه من مقام التقديس المنزه عن الأغراض النفسية. التي يدخلها 
التلبييس» وأرجو أن يكون ال حق تعالى» لما سمع دعائي» قد أجاب ندائي؛ فم| ألقي إلا ما 
يلقى الحق إلي؛ ولا أنزل في هذا المسطور إلا ما ينزل الحق به علي» ولست بنبي ولا رسول. 
ولكني وارث ولآخرتي حارث)(227 

قال آخر: وقد اجتهد علماؤنا في الدفاع على هذا وإثباته» ومن ذلك قول بعضهم في 
الرد على المنكرين المخالفين: (فنقول: هذا الكلام بهذه العبارة لا يخلو من وجهين: إما أن 
يكون واقعا صحيحا بدعواناء أو لا يكون واقعا صحيحا بدعوى الخصم., إن كان واقعا 
صحيحا مطابقاء فالكتاب (فصوص الحكم) يكون من رسول الله # ويكون وصل إليه 
(يعني إلى ابن العربي) منه على الوجه المذكورء من غير خلاف؛ ويكون (فصوص الحكم) 
عديم المثل والنظير مثل القرآن» كما سبق تقريره» وإن لم يكن (الكلام) واقعا ولا مطابقا 


17 نقلا عن: القول المتين فى تشيع الشيخ الأكبر» ج ”,ص‎ )١( 
اذوه‎ 





ويكون افتراء على النبي وعلى نفسه فحينئذ الكتاب لا بد وأن يكون لأحد: إما للنبي أو 
له أو لغيرهما؛ فإن كان للنبي» فالمراد حاصل؛ وإن كان له فهذه فضيلة أخرى ثابتة له مع 
كل فضيلة» ويكون الغرض من نسبته إلى الرسول ‏ ترغيب الخلق إليه وتحريضهم لديه 
وهذا ليس بمذموم عقلا ولاشرعاء بل هو محمود عقلا وشرعاء لأنه من المرغبات, المرغبة 
إلى الله تعالى وإلى طريق عباده» وإن كان (الكتاب) لغيره دون الرسولء ونسبه إلى نفسه. 
فالكتاب في نفس الأمر معتبر شريف؛ غاية ما في الأمر أن يكون هوء في هذه النسبة» معلوما 
مذموما في العرف والعادة» وهذا غير قادح في فضيلته وفضيلة الكتاب» وحاشا من صدور 
مثل هذا من مثله» وهذه كلها تقديرات عقلية» وفروض تقديرية من حيث التقاسيم العقلي؛ 
وإلا في الواقع» فلا وجود لها جل شأنه عن أمثال ذلك)277 

قال آخر: وقد استدل لذلك بدليل أخطر من هذاء فقال: (ووجه آخر: وهو أن 
الشيخ ولي من أولياء الله تعالى؛ والولي لله تعالى لا يقول إلا الواقع» لأن صدور الكذب منه 
مستحيلء أما بيان الأول وهو أن الولي الحقيقي لا يقول إلا الواقع فلن الولي الحقيقي هو 
الذي يكون الحق تعالى سمعه وبصره ولسانه ويده ورجله.. وكل من كان الحق تعالى سمعه 
وبصره ولسانه ويده ورجله لا يقول إلا الواقع» المطابقة» الصحيح.. وأما بيان الثاني وهو 
أن صدور الكذب منه مستحيل فقد ثبت بالدلائل العقلية والبراهين القطعية» أن الإنسان 
الكامل أفضل من الملك وأشرف منه.. والإنسان الكامل الذي هو وليه وحبيبه وخليفته 
أولى بذلك.. والشيخ ا حاتمي من الأولياء الكبار» فلا يكون كاذبا في قوله أصلا. وهذا هو 
المراد)0) 


قال آخر: وقد عقد مبحثا لإثبات ولاية ابن عربيء بل بيان أنه من أولياء الله الكبار» 


17 (؟) القول المتين فى تشيع الشيخ الأكبر» ج”, ص‎ ١9 القول المتين فى تشيع الشيخ الأكبر» ج7؛ ص‎ )١( 
1 





وقدم له بقوله: (اعلم أن معرفة الأولياء الذين كانوا قبلناء ما حصلت لنا إلا من أقوالهم 
وأفعاللهم؛ وكذلك معرفة الأنبياء والرسل عليهم السلام حتى معرفة الله تعالى» فإنها ما 
حصلت لنا إلا بقوله الذي هو الكتاب» وفعله الذي هو العالم. فمعرفة الشيخ الأعظم 
أيضاء لا تكون إلا بقوله وفعله» ومهما قد ثبت ولايته عند أهله. من أهله. من أهل الذوق 
والشهود. فيكون وليا بلاخلاف.. واختلاف الخصم فيه لاايدل على خلافه في نفس الأمر» 
لأن كل ما ثبت عند البعضء لا يلزم أن يثبت عند الكلء لأن القرآن» مع عظمة قدره 
وجلالة شأنه ومع أنه خبر قاطع نور ساطع, ما ثبتت حقيقته عند الكل» بل عند البعض 
من المسلمين المحققين.. وإلى الآن أكثر الناس على إنكاره» وأنه سحر وشعرء كالنصارى 
واليهود والمجوس وأمثالهم» والحاصل أنه لا يعرف الأهل إلا الأهل؛ ولا يعرف الحق إلا 
الحق.. لكن الخصم حيث ما يعرف هذا المعنى» ولابد له من الدلائل العقلية والشواهد 
النقلية قولا وفعلاء نريد أن نشرع في إثبات ولايته» في ضمن هذا الوجه بأقواله الدالة عليه 
وفي الوجه الثاني بأفعاله الدالة أيضا عليه كذلك, لأن المعرفة كى| بيناها) 217 

قال آخر: وبناء على هذا ذكر الكثير من الأدلة على ولاية ابن عربي» وأوها وأعظمها 
شهادته لنفسه» وقد قال في ذلك: (اعلم أن أقوال ابن عربي كثيرة من التصانيف والكتب 
المشهورة» المنسوبة إلى حضرة الرسول 4# كنسبة القرآن إلى الرسول؛ فإن القرآن وصل إلى 
النبي #: على يد جبريل» و(الفصوص) وصل إليه (إلى الشيخ ابن العربي) على يد النبي 86 
والنبي 7 أعظم من جبريل؛ لكن حيث إنه (كتاب الفصوص) منسوب إلى حضرة الرسالة» 
ما نعده من كتبه الخاصة» و(الفتوحات) كتاب معتبر» وهو في الأصل بخط الشيخ, كتبه في 


اثنين وثلاثين مجلدا؛ والآن يكتبونه في أقل من ذلك أو أكثرء وهو كتاب مشتمل على حمس 


7١ القول المتين فى تشيع الشيخ الأكبر» ج27 ص‎ )١( 


اوت 





مائة وستين باباء كل باب منها هو كتاب برأسه؛ مجموع ذلك في الأسرار الإلهية والحقائق 
الربانية» بحيث ما سبقه أحد من المشايخ والعلاء» المتقدمين منهم والمتأخرين» وهو نزل 
على قلبه الشريف إجمالا في ليلة واحدة بمكة» شرفها الله تعالل» وصار مأمورا بكتابته على 
سبيل التفصيلء فكتبه بمدة وبعثه إلى قونية بالروم إلى الشيخ الأعظم الكامل صدر الحق 
والدين القونوي قدس الله سره ى! ذكره في أوله.. وكل من يحصل له الإطلاع على سر ذلك 
الكتاب, على ما ينبغي» يشهد بولايته من غير شك ولا ريبء وقد ذكر فيه فصولا تدل على 
ولايته وختميته للولاية)7١2‏ 

قال آخر: ومن أعظم الأدلة التي استند إليها في إثبات ولايته وعصمته؛ ما عبر عنه 
بقوله: (وقد جرت له قصة غريبة فيه (يعني في الفتوحات) وهي تشهد بولايته أيضا من 
غير شبهة» لأنه ما يمكن اظهار مثل ذلك إلا من نبي أو ولي أو إمام خليفة» وهي أنه لما فرغ 
كتابته» وتممه من حيث الكتابة وبعثه إلى الروم؛ على ما سبق وبعده توجه إلى الشام مع 
نسخة الأصل. حصل للقفل الذي كان فيه نكبة» وضرب عليهم طائفة من الحراميين 
فنهبوهم بأسرهم, وأخذوا منهم جميع ما كان معهم من النقد والجنس» وكان من جملة ذلك 
ما كان مع الشيخ من الكتب والثياب؛ فلما وصل إلى الشام والحال هذه صعب ذلك على 
أصحابه عموما ومريديه خصوصاء لأهم كانوا سمعوا بذكره (يعني بذكر الفتوحات) 
صاروا منتظرين» فرحين بوجوده؛ فلا رأى الشيخ حالهم على هذه الصورة: قال لهم: لا 
تغتموا بفقده. فإني أكتب لكم النسخة بعينها من غير زيادة ولا نقصان. فشرع وكتب لهم 
النسخة من ظهر قلبه. بلا رجوع إلى شيء من الكتب. وفرغ منها.. وبعد أيام حصل لملك 
تلك البلاد الظفر مبؤلاء الحراميين» وقبضوا عليهم» وأخذوا منهم كل ما أخذوا من القفل» 


775 القول المتين فى تشيع الشيخ الأكبر» ج7. ص‎ )١( 


لحرت 





وردوا كل شيء إلى صاحبه. حتى ما كان للشيخ من الكتب والثياب؛ فقابل أصحابه 
النسخة المقصودة. التي كانت هي الأصلء بالنسخة المذكورة» فا وجدوا بينه| تفرقة» لا 
بزيادة ولا بنقصانء إلا بفوت واو العطف عن بعض المواضع؛ فتعجبوا من هذاء وجزموا 
بأجمعهم على ولايته وخاتهيته للولاية أيضاء ى) ادعى هو لنفسه في الفتوحات)27) 

قال آخر: ومن الأدلة التي ذكرها على ولايته وعصمته قوله: (فأما قوله الصريح في 
ذلك» وهو ما ذكر في (الفتوحات) المذكورة في الباب الخامس والستين في معرفة الجنة» من 
المجلد الأول» بعد كلام طويل: (ولقد رأيت رؤيا لنفسي في هذا النوع. وأخذتها بشرى من 
الله تعالى» فإنها مطابقة لحديث نبوي عن رسول الله آ# حين ضرب مثله في الأنبياء عليهم 
السلام فقال: مثلي في الأنبياء كمثل رجل بني حائطا فأكمله إلا لبنة واحدة» فكنت أنا تلك 
اللبنة» فلا رسول بعدي ولا نبي» فشبه النبوة بالحائط. والأنبياء باللبن التي قام بها هذا 
الحائط وهو تشبيه في غاية الحسن؛ فإن مسمى ا حائط المشار إليه» لم يصح ظهوره إلا باللين» 
فكان 2# خاتم النبيين؛ فكنت بمكة سنة تسع وتسعين وخمس ماية؛ أرى فيهاء فيها يرى 
النائم» الكعبة مبنية بلبن فضة وذهب: لبنة فضة ولبنة ذهبء وقد أكملت بالبناء» وما بقي 
فيها شيء؛ وأنا أنظر إليها وإلى حسنها؛ فالتفت إلى الوجه الذي بين الركن اليماني والركن 
الشامي» وهو إلى الركن الشامي أقرب فوجدت موضع لبنتين» لبنة فضة ولبنة ذهب» 
ينقص من الحائط في الصفين» في الصف الأعلى ينقص لبنة ذهبء وفي الصف الذي يليه 
ينقص لبنة فضة؛ فرأيت نفسي قد انطبعت في موضع تلك اللبنتين» فكنت أنا عين تينك 
اللبنتين؛ وكمل الحائط» ولم يبق في الكعبة شيء ينقصء وأنا واقف. أنظر وأعلم أن واقف. 
وأعلم أن عين تينك اللبنتين» لا أشك في ذلك وأنهما عين ذاتي» واستيقظت», فشكرت الله 


75 القول المتين فى تشيع الشيخ الأكبر» ج 7 ص‎ )١( 


خرف 





تعالى» وقلت متأولا: إني في الأتباع» في صنفي» كرسول الله يك في الأنبياء وعسى أن أكون 
من ختم الولاية بي.. وذكرت حديث النبي # في ضربه المثل بالحائط. فإنه كان تلك اللبنة؛ 
فقصصت رؤياي على بعض علاء هذا الشأن بمكة» من أهل توزر» فأخبرني في تأويلها با 
وقع لي» وما سميت له الرائي من هو؛ فالله أسأل أن يتمها على بكرمه؛ فإن الإختصاص 
الإههي لا يقبل التحجير ولا الموازنة ولا العمل)227 

قال آخر: ومن أعظم الأدلة على ذلك ما ذكره بعض شيوخنا الكبار أن الشيخ الأكبر 
وضع كتاب الفتوحات في مكة المكرمة» ثم بسط جميع أوراقه على سقف الكعبة وتركها سنة 
لتمحي المطالب الباطلة منها إن وجدت ببطول الأمطار فيتشخص الحق منها عن الباطل 
وبعد سنة من هطول الأمطار المتعاقبة جمع تلك الأوراق المنشورة شاهد أن كلمة واحدة 
منها لم تمح وم تغسل7». 

قال آخر: بل إن الغلو وصل بنا إلى درجة تعظيم صورته الجسدية» وذكر أنه اختص 
بها وحده مع رسول الله يي وأنه لا يشبهها في ذلك أحدء وقد قال بعضهم في مقدمة فصل 
خاص بذلك: (و هذا الباب قد اعتنى به جم غفير» وجمع كثير من فرسان أصحابه» وأعيان 
أحبابه» أذكر منه اليسير» معرفا بالعجز والتقصير)("2. ثم قال: (اعلم أيدك الله بتوفيقه. 
وأراك الحق بتحقيقه أن علاء التاريخ ذكروا أنه الشيخ الإمام» قدوة الأنام» عمدة الأحكام, 
النور البسيطء البحر المحيط. ذو المواهب الإلحية» والعطايا القدسية» مفتي الطريقين» حجة 
الفريقين» سلطان العارفين» برهان المحققينء محبي الملة والدين» أبو عبد الله محمد بن علي 


بن محمد بن أحمد بن على الحاتمى الطائى الأندلبىء المشهور بابن العربي» أفاض الله علينا 
)١(‏ القول المتين فى تشيع الشيخ الأكبر» ج 7 ص /7 () النور الأمبر فى الدفاع عن الشيخ الأكبر» ص 5 7. 


719 القول المتين فى تشيع الشيخ الأكبر» ج؟» ص‎ )١( 


6 


من بركات أسراره الطاهرة الزاهرة» ما يبلغ بنا صلاح الأحوالء وفلاح الأقوال في الدنيا 
والآخرة.. لم يكن بالطويل؛ ولا بالقصير لين اللحمء بطنه بين الغلطة والرقة» أبييض» 
مشرب بحمرة وصفرة» معتدل الشعر طويله؛ ليس بالسبط ولا بالجعد» ولا بالقططء أسيل 
الوجه. أعين» معتدل اللثة» ليس في وركه ولا صلبه لحم» خفي الصوت صافيه. أغلظ منه. 
وما ورق في اعتداله» طويل البنان» سبط الكفء قليل الكلام والضحك؛ إلا عند الحاجة» 


ميل طباعه إلى الصفراء والسوداء» في نظره قدع» ومشيه ليس بعجلان ولا بطيء)17) 

ثم عقب على ذلك بقوله: (وقد أجمع علماء الفراسة على أن هذه الهيئة أحسن الهيئات» 
وأعدل النشئات» ولم تصح هذه الهيئة إلا لرسول الله 4# وللشيخ محبي الدين رضي الله 
000 

قال آخر: بل إن مشايخنا الفانين فيه يزعمون له ما لا يزعمون للرسل عليهم السلام 
أنفسهم» فقد روى بعضهم في كراماته» قال: (كان بخرسان شخص يكثر من ثلب الشيخ 
محبي الدين ويؤذيه ويؤذي من ينتمي إليه بكل طريق خارج فاحشء فأكثر المؤمنون الشكاية 
منه إلى الشيخ إلى أن قالوا: لا صبر لنا على هذاء إلى أن جاء الأمر إلى الشيخ بانفاذ القدر, 
فقال لشخص ناولني الخنجر الذي من صفته كيت وكيت ولم يكن يعرفه» وأخذ ورق قد 
قصت على شكل إنسان فذبحها بالخنجرء وقال: يا جماعة قد ذبحت هذه الساعة ذلك 
الرجل المتعدي علينا بخرسان» وقد رفعت جسرا من سقفه داره عن الجدار» ووضعت 
الخنجر تحته لا يرفعه أقل من عشرين رجلاً» وكتبت على الخنجر بدمه: ذبحه محبي الدين 


بن عربي» فذهب من حضر ذلك من الشاكين فوجدهم في خرسان يقولون: ذبح فلان في 


.7 5 النور الأمبر فى الدفاع عن الشيخ الأكبر» ص 5 7. (1) النور الأمبر فى الدفاع عن الشيخ الأكبر» ص‎ )١( 
2-0 





اليوم الفلاني في تلك الساعة بعينهاء فأخبروهم بالقصة» فخلص كثير التهمة ورفعوا رأس 
الجسر ىا ذكر» فوجدوا الخنجر والكتاب)(1) 

قال آخر: وقد صار هذا الفعل سنة لديناء بدل سنن النبي ## الداعية للتسامح 
والسلام» فقد جاء في بعض كتبنا: (إذا صورت من تريد قتله من الفاسقين داخل المخمس 
وجعلت حرف الطاء موضع الجلوس موضع قلبه» ثم خذ خنجرا من الحديد الخاص نصله 
ونابه وانقش عليه ستة عشر طاء هندية سطرا واحدا في يوم الثلاثاء ساعة المريخ فإن 
المطلوب يبلك في وقته وساعته)() 

قال آخر: والأدهى من ذلك أننا كنا نقبل كل ما يقال من عجائب شيوخناء ونخشى 
أن تصب علينا أي داهية إن لم نسلم بذلك» ومن الأمثلة على ذلك ما كنا نرويه عن بعض 
شيوخنا أنه (كان كثير التطورات تدخل عليه بعد الأوقات تجده جندياًء ثم تدخل فتجده 
سبعاًء ثم تدخل فتجده فيلاء ثم تدخل فتجده صبياً» وهكذا ومكث نحو أربعين سنة في 
خلوة مسدود بابها ليس لا غير طاقة يدخل منها ال هواء» وكان يقبض من الأرضء ويناول 


الناس الذهب والفضة:؛ وكان من لا يعرف أحوال الفقراء يقول: هذا كيماوي سيماوي)7») 
5. الكشف والإقصاء: 


بعد أن ذكر الشيوخ التاثبون كل ما كانوا قد وقعوا فيه من انحرافات بسبب تقليدهم 
لشيوخهم, قام أحدهم, وقال: ليت الأمر اقتصر على الفضول والتكلف الذي وقع فيه 
المتجرئون على تفسير حقائق الدين بتلك التفاسيرء وإنما تعداه إلى أمور أكبر من ذلك كله» 
وأوها إقصاء النبوة» وإقصاء القرآن الكريم» واستبدلما با وجده أسلافنا في تراث 
)١(‏ جامع كرامات الأوليا» 157/١‏ . (") الطبقات الكبرى ص ٠"‏ 5. 


(1) الكبريت الأحمرء ص .7١‏ 


الك 


وأساطير الأمم الأخرىء مثلم حصل للحشوية تماما. 

أ. إقصاء النبوة: 

قام أحد الحضورء وقال: وعينا هذا.. فم| تريدون بإقصاء النبوة؟ 

قال أحد الشيوخ: هو التهوين من شأنهاء ولذلك اعتبرنا العقائد التي جاء مها رسول 
الله يي والواردة في القرآن الكريم والسنة المطهرة عقائد عوام» واعتبرنا ما أدانا إليه 
الكشف عقائد خواص. وبدل أن نسمي أنفسنا بتسمية الله لنا [مؤمنين] رحنا نتميز عنهم 
دلقي [العارفين] 

قال آخر: بل إن الجرأة وصلت ببعض مشايخنا إلى ادعاء استفادة رسول الله 2 
والأنبياء معارفهم من مشايخناء ونستدل لذلك بط قاله شيخنا لأكبر في الفص الشيثي: (فإن 
الرسالة والنبوة ‏ أعني نبوة التشريع ورسالته ‏ تنقطعان والولاية لا تنقطع ابداً؛ فالمرسلون 
مع كونهم أولياء لا يرون ما ذكرناه الا من مشكاة خاتم الأولياء» فكيف من دونهم من 
الأولياء؟ وان كان خاتم الأولياء تابعاً في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع» فذلك 
لا يقدح في مقامه ولا يناقض ما ذهبنا اليه» فإنه من وجه يكون أنزل كما أنه من وجه يكون 
أعلى» وقد ظهر في ظاهر شرعنا ما يؤيد ما ذهبنا اليه في فضل عمر في أسارى بدر بالحكم 
فيهم» وفي تأبير النخل) 227 

قال آخر: انظروا.. فهذا النص واضح جدا في الدلالة على كون شيخنا الأكبر يفضل 
الرسول على الولي في كونه صاحب تشريع؛ يجب على الولي اتباعه فيه لكنه يجعل من 
الرسول تابعا للولي أو لختم الأولياء في الإنباء عن الحقائق لأنه لا يمكن أن يطل عليها إلا 
من مشكاته ى] يذكرء وبذلك هو تابع له فيها. 


١5١ ص‎ .١ جواهر النصوص فى شرح الفصوصءج‎ )١( 
الك‎ 





قال آخر: وهكذا عند ذكره لطاقات الأولياء؛ فإنه يجعل لهم منها ما ليس لحبريل 
عليه السلام نفسه» فقد نقل الشعراني في عقيدة الأكابر عنه قوله: (إن في قوة الكامل من 
البشر كقضيب البان وغيره أن يظهر في صورة غيره من البشر» وليس في قوة الكامل من 
الملائكة أن يظهر في صورة غيره من الملاتئكة فلا يقدر جبريل أن يظهر في صورة إسرافيل» 
ولا عكسه فعلم أن في قوة الإنسان ما ليس في قوة الملك)270» وهذا يعارض أو يزاحم ما 
ورد في القرآن الكريم من التصريحات المنبئة عن قوة الملائكة عليهم السلام» وخصوصا 
جبريل عليه السلام الذي وصفه بقوله: #عَلَّمَةُ تَدِيدُ القَوَى ذُو مِرَةِ قَاسْتَوَى4 [التجم:ه. 


1 
قال آخر: ومثل ذلك ذكره للمشاهدات الكثيرة التي حظي بهاء والتي لم تذكر 
للأنبياء عليهم السلام أنفسهم» كقوله ‏ مثلا عن أصحاب الكهف تعليقا على قوله تعالى: 
الو اطّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لوَلَيتَ مِنّْهُمْ فرَارَا وَخُِنْتَ مِنّْهُمْ رُعْباك الكهف: :]1١‏ (فإنه 46 لا يملا 
مع شجاعته وحماسته رعبا إلا من شيء يبوله فلو لم ير منهم ما هو أهول مما رآه ليلة إسرائه 
ما امتلاً رعباء وقد رأيناهم» وما ملئنا رعباء لأنا ما شهدنا منهم إلا صور أجسامهمء 
فرأيناهم أمثالناء فا ينهزم : إلا من أمر يريد إعدامه لا عن رؤيته أجسامهمء أليسوا أناسيّ 

مثله؟ )050 

قال آخر: للأسف.. لقد كانت عقولنا مستلبة منا بسبب ذلك التسليم المطلق الذي 
تصورناه تسليا لله» وهو في حقيقته تسليم للأهواء؛ وإلا فإننا في ذلك التسليم كنا نخالف 
مخالفة صريحة ما ورد في القرآن الكريم من تعظيم النبوة» والطاعة المطلقة لها. 

قال آخر: ومن ذلك قوله تعالى في الدعوة للتسليم لرسول الله # وقرن طاعته بطاعة 


.0 55/5 اليواقيت والجواهر فى بيان عقائد الأكابر» ص 791. (؟) الفتوحات المكية‎ )١( 


4 





7م > رسضسعئه و 


لله: قل إن كنت تِبُونَ الله فَاتَحُونٍ بكم الله وَيَعْفِرْ لَكُمْ ذنُوبَكُمْ وَالله غَمُورٌ رَحِيم 4 [آل 
عمران: ]"١‏ فهذه الآية الكريمة تدعو كل من يدعي محبة الله إلى الاتباع المطلق لرسول الله 2» 
فكل من ينحرف عنه كاذب أو مقصر في ادعائه. 

قال آخر: ولذلك قال تعالى في الآية التي تليها: إقُل أَطِيعُوا اللّهَوَالرَسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوَا 


التولي عنهم| كفرا. 

قال آخر: ودعا في آية أخرى إلى التسليم المطلق لرسول الله # ظاهرا وباطناء فقال: 
لفلا وَرَبّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَنَّى نحَكَمُوكَ فيا شَجَرَبَْنّهُمْ ثم لا يجدُوا في أَنْفسِهمْ حَرجًا با 
قَضَيْتَ وَيُسَلَّمُوا تَسْلِيَ)4 [الساء: 10]» فالله تعالى يقسم في هذه الآية على أن أولئك الذين 
رغبوا عن التحاكم إلى الرسول» ومن ماثلهم من المنافقين» لا يؤمنون إيانا حقا إلا إذا 
كملت لهم ثلاث خصال: أن يحكموا الرسول في القضايا التي يختصمون فيهاء ولا يبين لهم 
فيها وجه الحق.. وألا يجدوا ضيقا وحرجا ما يحكم به. وأن تذعن نفوسهم لقضائه إذعانا 
تاما دون امتعاض من قبوله والعمل به» لأنه الحق وفيه الخير.. وأن ينقادوا ويسلموا لذلك 
الحكمء موقنين بصدق الرسول في حكمه. وبعصمته عن الخطأ. 

قال آخر: وهكذا ينفي الله تعالى الإيهان عمن لم يذعن الإذعان التام للنبوة» ومن دون 
أن يختار معهاء أو يرى لنفسه رأيا مقابل ما تأتي به» قال تعالى: وما كَانَ لُؤْمِنَ وَلا مُؤْمِبَ 
إِذَا قَكَى الله وَرَسُولُهُ مرا أَنْ يَكُونَ كَمْ الحيرَةٌ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَحْصٍ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ 
ضَلالً مبيناً [الأحزاب:8] 

قال آخر: وهكذا يعتير مبدأ الفتن مخالفة النبوة» قال تعالى: لقَلْيَحْدَرِ الَّذِينَ كَالِفُونَ 
عَنْ أَمْرِهِ أن تُصِيبَهُمْ فِئة أو يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور:*57] 


رقف 


قال آخر: وهكذا يعتبر كل هدي مخالف للنبوة أو مزاحم لها هوى يجب الحذر منه» 
قال تعالى: #وَأَئْرلَْا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بالق مُصَدَّقاً ا بَْنَ يَدَيْه مِنَ الكتاب وَمُهَيْمناً عَلَيْه 
ب وس ه رهسو هم ر 66م كام يه ه 2هسارعده عم ار - 2 5 5 
فاحكم بَيْنَهُمْ با أَنرَلَ الله ولا تتَبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عن جَاءَكَ مِنَّ الحق* [المئدة:8:]» وقال: #وَأنٍ 
احكمْ يَينَّهُمْ ب أَنْرَلَ الله وَلا تَتَعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْدَرْهُمْ أن يَفْنُوكَ عَنْ بَعْضٍ ما أَنْرَلَ الله إِلَيْتَ 
َنْ تََلَّا فَاعلَمْ أنَّا يُِيدُ الله أنْ يُصِيبَهُمْ ببَْض ذُنُوِمْ وَِنَّ كثِيراً من النَّاسٍ لَفَاسِقُونَ4 
[المائدة:4 :6 ] 

قال آخر: وهكذا نجد أحاديث رسول الله يك تحذر بشدة من كل انحراف عن النبوة» 
أو اتباع لغيرهاء ففي الحديث أن بعض الصحابة جاء إلى النبي 8# فقال: يا رسول الله إن 
مررت بأخ لى من بنى قريظة» فكتب لى جوامع من التوراة. ألا أعرضها عليك؟ فقال: فتغير 
بالله رباء وبالإسلام دينّاء وبمحمد رسولاً. قال: فسرى عن النبي 4#» ثم قال: (والذي نفس 
محمد بيده» لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه وتركتمونيٍ لضللتم» انتم حظي من الآمم. 
وأنا حظكم من النبيين) 207 

ب. إقصاء القرآن: 

قام أحد الحضورء وقال: عرفنا المراد بإقصاء النبوة.. فا تريدون بإقصاء القرآن 
الكريم؟ 

قال أحد الشيوخ: لقد رحنا إلى حقائق القرآن الكريم الواضحة البينة السهلة» 
نعقدهاء ونملؤها بالغموضء لنصرف الأذهان عن معانيها المرادة؛ فيصبح القرآن الكريم 
جرد كسوة لما نريده» لا لما يريده الله. 


.756/: روه أحجمد:‎ )١( 


فك 





قال آخر: ولذلك كنا نتكلف في تفسير الآيات بحسب ما يخطر على بالنا غير مراعين 
لما ورد فيها من معان ولا مراعين لما دلت عليه اللغة منها. 

قال آخر: وبذلك أقصينا الحقائق القرآنية لتبديلنا لما بالمعاني التي نريدء لا بالمعاني 
التي يريد الله إبلاغها لعباده. 

القصص القرآني: 

قال آخر: ومن الأمثلة على ذلك تلاعبنا بالقصص القرآني الذي جعله الله عبرة 
وهداية» حيث حولناه عن المقاصد التي قصدها الله تعالى من قصها علينا. 

قال آخر: بل رحنا إلى تلك الجواهر الكريمة المتمثلة في الأنبياء والمحداة الذين ذكر الله 
تعالى إي|نهم وتقواهم وصلاحهم وتفانيهم في دعوتهم لرمهم» واستعالهم كل الوسائل 
لذلك, لنجعل لهم معاني أخرى لا علاقة لها بالمقاصد القرآنية» ولا أثر لها في تحقيق 
أغراضها. 

قال ]: خر: ومن الأمثلة على ذلك ما ذكره بعضهم في ته فس قوله تغال؛ #ولقل رسلا 


ع 
92 3 2 
- 


- سم ضيه عر ل 


طم قل لمن قوم نالفي صَكالٍ مين قَلََا َم لبي ضَلَالةُ ولكي رشول 
هن رب العالن # [الأعراف: 54 - »]3١‏ فقد قال: (نوح ممثل الاسم العليم الذي صدر عن 
الجمعية الأسمائية ليهارس إمكاناته المخزونة فيه» فنوح مثل آدم؛ وقوم نوح يمكن تأويلهم 
على أنهم الكثرة المتفرعة من الوحدة» أو أنهم قوى الحواس باطنة وظاهرة بالإضافة إلى 
النفس في عروجها وتقلبهاء فخطاب نوح خطاب الضمير إلى النفسء أو خطاب النبي إلى 
الناس.. ورد الملا أي الأشراف بأنهم يروا نوحا في ضلالة هو موقف العامة من النبي عادة» 


كما فعلت بنو إسرائيل بأنبيائهم» أو إعراض النفس عن سماع صوت الضمير وبقاؤها في 


قف 


ضلالها وانغاسها في الشهوات)(21 

قال آخر: ومثل ذلك قوله في تفسير قوله تعالى: #وَإِلَ تَمُودَ أَحَاهُمْ صَاًِا قَالَ يا 
قَوْم اعْبُدُوا اللهمَا لَكُمْ مِنْ إِلَهِ غَيْدهُ قد جَاءَنَكمْ بَينةُ مِنْ رَيَكُمْ هَذْهِ َاقَة الله لَكُمْ آيهَ قَدَرُوهَا 
تأكل في أَرْض لوا تَسُوهَا بِسُوءٍ فَيَأحدَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ4 [الأعرف: 60 فقد قال: (ناقة 
الله الجسم الكلي» وهو الهيولى أو عالم العناصرء والمخلوق الذي نفخ فيه من روح اسمه 
سبحانه الحي.. فالدابة كل ما يرى المكاشف بعد خروجه من شرنقة نفسه وبعد التفكر في 
خلق السموات والأرض.. وأكل الدابة في أرض الله ما يناله العقل ال حيولاني من ملاقط 
الحواس ظاهرة وباطنة» إذ أنه سبحانه ما خلق عقل الدابة إلا ليعقل عالمه الظاهري هذاء 
ويستخرج معقولاته منه.. وقوله: #ولا تََسُوها بِسُوءِ؛ يعني عدم حشر العقل الهيولاني 
في حدود تؤذيه» فهذا العقل مسخر بالفطرة لمعرفة الله» وكل سعي إلى معرفة لا تؤدي إلى 
معرفة الله هو بمثابة مس هذا العقل بسوءء فالكافر المحجوب أضل سبيلا من الأنعام غير 
العاقلة التي تملا الأرض)7() 

قال آخر: ومثل ذلك قوله في تفسير قوله تعالى: #وَإِلَ مَدَيّنَ 
قَوْم اعْبُدُوا اللهمَا لَكُمْ مِنْ لَه غَيرُهُ وَلَا تَنْقَضُو سوا المكْبَالَ وَاليِرَانَ إن أر رَاكُمْ بِخَيْر وَإِ 
عَلَيَكُمْ عَذَابَ يَوْم حيط 4 [هود: 184 فقد قال: (المكيال والميزان يمثلان وجهي وشطري 
الحق والخلق» فمن جهة فالكون هو حق باعتبار الحق أصلا وأساساء ومن جهة فالكون 
خلق باعتبار الخلق ظهور الحق.. وهذا القديم والمحدث. واللانمائي والنهائي. والثابت 
والمتحول والسرمدي والفاني هو ما شكل بنية الوجود كوجود مطلق رمز إليه بالمكيال)7) 


و 
| 


حَاهُمْ شعي 


.7"0/7 /١ التفسير الصوف الفلسفى للقرآن الكريم:‎ )"( .55٠ /١ التفسير الصوف الفلسفى للقرآن الكريم:‎ )١( 
.707 /١ (؟) التفسير الصوف الفلسفى للقرآن الكريم:‎ 
655 


قال آخر: ومثل ذلك قوله في تفسير قوله تعالى: لوَكُلّا تفص عَلَيْكَ من أَنْبَاءِ الرّسْلٍ 
مَاتنبّتُ به فُوَادَكَ وَجَاءَكَ في هَذِهِ الح وَمَوْعِظَةٌ وَْكْرَى للْمُؤْمِينَ4 اهرد: 01٠١‏ فقد قال: 
(أنباء الرسل أنباء الكشوفات الفائضة عن عالم الذات», إذ كل رسول مظهر هذا العالم» فعالم 
الذات واحد والمظاهر كثيرة.. والتثبيت تمكين العارف وذلك بأن يرى ويسمع ويقرأ عن 
الأنبياء والأولياء الذين عاشوا تجربة المعراج العظيم» والمعراج واحدء وكل نبي له فيه مقام 
معلوم ى] ورد في حديث النبي عن المعراج» فىا من نبي ولا ولي محقق إلا شرب من العيون 
التي شرب منها العارفون السابقون فالمعين واحد, والواحد هو لا إله إلا الله) 270 


قال آخر: ومثل ذلك قوله في تفسير قوله تعالى: #قَالَ يا بن لا تَقصْصٌُ رُؤْيَاكَ عَلَ 


روي 


ِخْوَتِكَ قَيِكِيدُوا لَكَ كَبْدَا إن السَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانٍ عَدُوٌ م4 ليرسف: 5]» فقد قال: (الإخوة 
بقية الأساء» إذ الأسماء كلها حضرة وجودية جامعة» تتنافس الأساء فيها ليحتل كل منها 
المنصب الأسمىء لكن الاسم العليم هو الذي تكون له الصدارة» إذ أن من صفاته سبحانه 
السبع العلم» وهي صفة تلي في المرتبة الحياة» ى| تحدثنا عن الحضرة العلمية التي هي أصل 
الوجود العياني وأساسه)() 

قال آخر: ومثل ذلك قوله في تفسير قوله تعالى: الإ قَالُواَيُوسُفْ وَأَحْوهُ أَحَبٌ إل 
ينا ما وَتَحْنُ عُصْبَةٌ إن نا لَفِي ضَلَالٍ مين [يوسف:0]» فقد قال: (قول الأسماء العلمية 
لبعضها بعضا إن الاسم العليم» وهو ما رمز إليه بمقام يوسف. هو أحب إلى الأب الذي 
هو الروح الفاعل في الإنسان» فهو لهذا بمثابة الأب.. ولهذا غارت الأساء من الاسم 


العليم» إذ لا يساوي في الوجود شيء قيمة العلم وأهل العلم)(© 


.78٠١ /١ التفسير الصوف الفلسفى للقرآن الكريم:‎ )"( .7"1/8 /١ التفسير الصوف الفلسفى للقرآن الكريم:‎ )١( 
.”8١ /١ (؟) التفسير الصوف الفلسفى للقرآن الكريم:‎ 
ا‎ 


قال آخر: ومثل ذلك قوله في تفسير قوله تعالى: #وَاذْكُر في الْكِتَابٍ إِسَْاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ 
صَادِقٌ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا تيا [مريم: 54]» فقد قال: (إسماعيل إشارة إلى أسماء إله التوحيد 
(عيل) الذي عبد في زمن إبراهيم وقبله في بلاد ما بين النهرين وما حوطاء ومنها هاجر 
إبراهيم إلى فلسطين فالحجاز وهذه الأسماء هي التي مثلها الإنسان الكامل المتعين في بشر 
كما تعينت ا حقيقة المحمدية في شخصية النبي 4# لما سويت بشرا ولهذا الوصف نكتة.. ذلك 
أن الاسم هو مثل السجل المطوي متى فتح نشر ما فيه وما فيه هو خروج ما هو بالقوة إلى 
ما هو بالفعل» وعليه فلا يكون الاسم إلا صادقا أولا وصادق الوعد ثانياء فإذا صور الله 
الإنسان وهو في بطن أمه في صورة العفة فيكون ذلك الإنسان بعد ذلك عفيفا طوعا أو 
كرهاء وهذه هي حقيقة القضاء والقدر التي قضت بأن يمثل الناس حقائق الأعيان الثابتة 
من الأسماء الإلحية)2.. هل رأيتم كيف يتهم الله تعالى بالجبر» وكيف يسيء فهم القضاء 
والقدر؟ 

قال آخر: ومثل ذلك قوله في تفسير قوله تعالى: لإوَكَانَ مر أَْلَهُ بالصَّاةٍ وَالزَكَة 
وَكَانَ عِنْدَ رَّهِ مَرْضِيًاك [مريم: 05]» فقد قال: (أهل إسماعيل إشارة إلى حواسه وقواه. 
فإسماعيل هو مثل القلب الذي استمد قواه من الروح فأمر دماغه وما في دماغه من قوى 
بأن تعمل كذا وكذاء وما أمر به إسماعيل دماغه الصلاة» أي أن يكون الإنسان جس|] وقلبا 
ذا صلة بربه لا تنحل عراهاء وما أمر به أيضا الزكاة» أي أن يحصل المعقولات بعد تجريدها 
لتقديمها زكاة إلى الله الذي سيجعل هذه المعقولات جواهر تزين تاج الألوهية العظيم؛ 
وكون إسماعيل مرضيا يعني أنه من المصطفين بالعناية المسبقة» فإسماعيل هو من السعداء 


وهو في بطن أمه)() 


.077//١ (؟) التفسير الصوف الفلسفى للقرآن الكريم:‎ .5757//١ التفسير الصوف الفلسفى للقرآن الكريم:‎ )١( 
1: 





قال آخر: ومثل ذلك قوله في تفسير قوله تعالى: #وَاذْكُرْ في الْكِتَابٍ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ 
صِدَّيَا يا وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا علِيا4 [مريم: :01075 فقد قال: (قيل: إن إدريس هو مثل إلياس 
الوارد ذكره في الكتاب» والذي يمثل الإنسان الذي تحرر من سجن الناسوت» وعرج 
بروحه إلى رفيع اللاهوت ليسبح في ذلك الملكوت. فإلياس وإدريس وغيرهما من العارجين 
من الأنبياء الموحدين يمثلون الإنسان الذي حقق مقام التأله» فصار جسمه هيكلا يحوي 
اللاهوت العظيم» قال عبد الكريم الجيلي: إذا طمس النور العبديء وفني الروح الخلقي 
أقام الحق سبحانه في الميكل العبدي. من غير حلولء من ذاته لطيفة غير منفصلة عنه؛ ولا 
متصلة بالعبد» عوضا عما يسلبه منه» لأن تجليه على عباده من باب الفضل والجود. وتلك 
اللطيفة هي المساة روح القدسء فإذا أقام الحق لطيفة من ذاته عوضا عن العبدء وكان 
التجلي على تلك اللطيفة» فم| تجلى إلا على نفسه. لكنا نسمي تلك اللطيفة الإلحية عبدا باعتبار 
أنها عوض عن العبد» وإلا فلا عبد ولا ربء إذ بانتفاء المربوب انتقى اسم الرب. ف ثمة 
إلا الله وحده الواحد الأحد)(1) 

الآيات الكونية: 

قال آخر: ومثل ذلك كنا في تفسير الآيات التي استعرض الله تعالى فيها ناذج عن 
قدرته من خلال عرض بعض الأمثلة والناذج عن مخلوقاته والقوانين التي نظم بها كونه» 
فبدل البحث فيها ب| يقتضيه العلمء أو الاكتفاء منها بالتسليم لله تعالى» أو لما ورد في السنة 
المطهرة الصحيحة الموافقة للقرآن من تفسيرهاء راح المفسرون الذين نعتمد على تفاسيرهم 
في فهم القرآن الكريم يزجون فيها أوهامهم التي يسمونبا إلهاما وكشفاء وهي ليست سوى 
من تلك العلوم القديمة التي ورثوها من الأمم الأخرى. 


.05717/١ التفسير الصوف الفلسفى للقرآن الكريم:‎ )١( 
احفف‎ 





قال آخر: ومن الأمثلة على ذلك قول بعضهم في تفسير قوله تعالى: لاتَحْرُحُ الكَاَكَة 
وَالروحٌ إِلَيْهِ في يَوْم كَانَ مِقْدَارُهُ ميينَ آلف سَنَةِ4 [العارج: 14]» وقوله: #وَإِنَيَوْمًا عِنْدَ رَبّكَ 
كَأَلْفِ سَنَةِ ما و4 [الحج: 40]» فقد قال: (اعلم أَيّدك الله أنّهِ لا مضى من عمر العام 
الطبيعيٌ المقيّد بِالزّمان المحصور بالمكان إحدى وسبعون ألف سنة من السّنِين المعروفة في 
الدنيا وهذه المدّة أحد عشر يوما من أيام غير هذا الاسم ومن أيام (ذي المعارج) يوم وخمسا 
يوم» وفي هذه الأيّام يقع التتفاضل.. فأصغر الأيّام هي التي تعدها (نعدها) حركة الفلك 
المحيط الذي يظهر في يومه اللّيل والتثهارء فأقصر يوم عند العرب» وهو هذاء لأكبر فلك 
وذلك لحكمه على ما في جوفه من الأفلاك» إذ كانت حركة ما دونه في اللّيل والثهار حركة 
قسريّة له قهر بها ساير الأفلاك التي يحيط بها.. ولكل فلك حركة طبيعيّة تكون له مع الحركة 
القسريّة» فكل فلك دونه ذو حركتين في وقت واحد: حركة طبيعيّة وحركة قسريّة» ولكل 
حركة طبيعيّة في كل فلك يوم حصوص يعد مقداره بالأيّام الحادثة عن الفلك المحيطء المعبّر 
عنها بقوله: ما تعدّون4» وكلّها تقطع في الفلك المحيط» فكلّما قطعته على الكمال» كان 
يوما لها ويدور الدور فأصغر الأيّامِ منها هو ثانية وعشرون يوما (ثما تعدذون)» وهو مقدار 
قطع حركة القمر في الفلك المحيط.. ونصب الله هذه الكواكب السّبعة في السّموات, ليدرك 
البصر قطع فلكها في الفلك المحيط» لتعلم (لنعلم) عدد السَّنِين والحسابء قال تعالى: 
لوَالْقَمَرَ ثُورًا وَقَدَرَه مَنَِلَ لِتَْلَمُوا عَدَدَ السَِّينَ وَالسَابَ4 [يونس: 0].. لوجَعَلَْا اليل 
َالَهَارَآيَنِ َمحَوْنا آَة اليل وَجَعََْا آي التَّاِ مُنصرَة هوا قَضْلًا من رَبَكُمْوَلِتَعْلَمُوا 
عَدَدَ السَّيِينُ لمات وَكُلَ شَيْءٍ قَصَّلْنَاةٌ تَفُصِيلا » [الإسراء: 17].. فكل كوكب منها يوم 
مقدّر يفضل بعضها على بعضء على قدر سرعة حركاتها الطبيعيّة» أو صغر أفلاكها 


وكبرها)(1) 

قال آخر: ومثل ذلك ما قاله في قوله تعالى: لهُوَ الَّذِي حَلَقٌ لَكُمْ م في الْأَرْض عَمِيعًا 
نم اسْتَوَى إِلَ السََّاءِ قَسَوَاهُنَّ سَبْعَ سَنَاوَاتِ وَهُوَ بِكُلَ َيْءِ عَلِيٌ4 [البقرة:*1]» فقد قال في 
تفسيرها: (طِهُوَ الَّذِي حَلَقَ لَكُمْ ما في الَْرْضٍ جَبيعاً4 أي: الجهة السفليّة التي هي العام 
العنصري جميعا لكونها مبادئ خلقكم ومواد وجودكم وبقائكم شخ اشتّوى» أي: قصد 
قصدا مستويا إلى الجهة العلوية» وثم للتفاوت بين الجهتين والإيجادين الإبداعي والتكويني 
لا للتراخي بين الزمانين ليلزم تقدّم خلق الأرض على الساء؛ فعدّهنٌ سبع سموات بحسب 
ما تراه العامة» إذ الثامن والتاسع هو الكرميّ والعرش الظاهران.. والحقيقة أن الجهة 
السفليّة هي العالم الجسانيّ كالبدن وأعضائه لدنوّ رتبته بالنسبة إلى العالم الروحانيٌ الذي هو 
الجهة العلوية المعبر عنها بالسماء.. وثم للتفاوت بين الخلق والأمر» وسواهنٌ سبع سموات 
إشارة إلى مراتب عالم الروحانيات» فالأول: هو عالم الملكوت الأرضية والقوى النفسانية 
والجنّ.. والثاني: عالم النفس.. والثالث: عالم القلب.. والرابع: عالم العقل.. والخامس: عالم 
السرّ.. والسادس: عالم الروح.. والسابع: عالم الخفاء الذي هو السرّ الروحيّ غير السرّ 
القلبيت)20) 

الأحكام والشرائع: 

قال آخر: وهكذا كنا نتلقى منهم التفاسير المرتبطة بالأحكام والشرائع ونحوهاء 
والتي لم يكن يضبطها عندهم أي ضابطء لا من اللغة ولا من أقوال الفقهاء ولا من غيرها؛ 
فكل ما يخطر على بال أي منهم يذكره» من دون مراعاة لقدسية المعاني القرآنية ودلالاتها 


الواضحة. 


.790 تفسير المحيط الأعظم؛ ج 7 ص /. (؟) تفسير ابن عربى (تأويلات عبد الرزاق)؛ ج١؛ ص‎ )١( 


0١ 





قال آخر: ومن الأمثلة على ذلك قول بعضهم في تفسير قوله تعالى: 57 نوا الحَجَّ 
0 ا ل اه 
عن قلع ,شار لوانتي لقي م ا ل 11 يوسم 
جم َك عَرة ايل لِك ين يعن أله عاضري المنجد احزام واد قَوا الله 
وَاعْلَمُوا أن الله شَدِيدُ الْعِقَاب4 [البترة: 01143 فقد قال: (الحج والعمرة القصد والسفر إلى 
الله تعالى» والحصر يكون من قبل العدوء فيكون المعنى الحيلولة بين المرء وقلبه وهو عدوان 
الحواس. والمداواة تكون بذبح النفسء أي التضحية بهاء أي تجاوز الأنا الجزئية إلى الأنا 
الخالصة:؛ أما إذا اشتكى صاحب الأنا رأسه. أي حال بينه وبين التضحية بأنانيته حائلء فإنه 
يعوض عن التضحية بالصوم أو الصدقة أو النسك. والثلاثة أسباب لإتمام التضحية 
بالنفس عن طريق متابعة المعراج إلى سموات المعقولات وصولا إلى كعبة الذات» وصوم 
ثلاثة أيام في الحج» وسبعة أيام بعده» والمجموع عشرة أيام» هذا الصوم يكون بمثابة صوم 
حاسة من حواس الجسم التي مجموعها عشرة» الظاهرة والباطنة» وهذه الحواس جسور 
النفس إلى عالم المحسوسات. فلا غنى عنهاء وهي مطية إن صلحت. وبلاء إذا طغت(1) 


أ 


ع سه هه 


قال آخر: ومثل ذلك قوله في تفسير قوله تعالى: لأوَامُطَلَقَاتُ يَرَتَضْن بِأنِْْهِنَ تان 
رو وَلَا يلُ َنَّ أن يكْتْنَ ما حَلقَ الله في أَرْحَامِهنَ إن كُنَّيُؤْمنَّ بالل وَاليْمٍ الآخرٍ 
وَبِعولَتَهن أَحَقٌّ ردن ف ذَلِكَ إن دادو إِصْلَاحًا وض مث الْنِي عَلَيْهِنٌ ِالُخْرُوفٍ 
وَلِلرَجَالٍ عَلَيْهِنَ ا عَزِيرُ حَكِية» [البقرة: 774]» فقد قال: (المطلقات إشارة إلى 
أصحاب النفوس الجزئية من بعد ما بعد بينهم وبين الروح الفاعل» والقرء الحيض» 


.9/١ التفسير الصوف الفلسفى للقرآن الكريم:‎ )١( 





والإشارة إلى الروح ال حيواني المحرك للحواس الظاهرة ومعها الشهوة والغضب.. وعدم 
كتم ما خلق الله في الرحم إشارة إلى دعوة الحق صاحب الفتح إلى نشر علومه؛ إذ الرحم هنا 
رحم الطبيعة» وهي كناية عم يجعل الله في هذه الرحم من علم مطوي قابل للنشرء إذ الطبيعة 
كلها محل لانتشار العلم الإلميء ولطيفة كون الخطاب موجها إلى الإناث الأزواج كون 
القلب محل الانفعال بالنسبة إلى صاحب الفعل وهو الروح.ء ولهذا فضل سبحانه الرجال 
على النساء» وجعل لهم عليهن درجة» ومن هذه الرؤية فإن كل مخلوق هو رحم يضع الله 
فيها أو فيه علومه) 227 

ال ا 0 
لي فر 35 [البقرة: 70]: (الطلاق ثلاثا ترك القلب في عالم اران 
ولطيفة عدم جواز عودة المطلقة ثلاثا إلى زوجها إلا بعد أن تتكح زوجا غيره كون الرحم 
بحاجة إلى مدد من العالمين الخارجي والباطني» فمن دون مساس العالم الخارجي لا يلقح 
القلب, كما يلقح الزهرء بأنواع العلوم» ومن دون هذا التلقيح لا يتم تفتح الزهرء وعقده 
بفعل الروح الداخلي, فالأمر بين فعلين ووسيطين» ومن المستحيل تفتيق معقولات الروح 
من دون حدوث زواج بين الروح والقلب من جهة» وبين القلب والنفس من جهة أخرى. 
ومن أجل هذا خلق الله آدم عليه السّلام» وجعل منه حواء النفس» وأهبطههما إلى أرض 
العناصر ليتم تحقيق ما خلق الله آدم من أجله)(7) 

قال آخر: ومثل ذلك قوله في تفسير قوله تعالى: #وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهْنَ 


م ع 2 معو 


حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ َنْ أَرَادَ أَنْ يتم الرَّضَاعَةَ وَعَلَ الُوْلُودِ لَهُ رزْقهُنَ وَكِسْوَممُنَ بامْرُوفٍ لا 


504 التفسير الصوف الفلسفى للقرآن الكريم: 5/1 (1) التفسير الصوف الفلسفى للقرآن الكريم:‎ )١( 
ودف‎ 





كلف تَفْسٌ إِلَّا وسْعَهَا لا تُصَارٌ وَالِدَبوَدِهَاوَكَا موْلُوءٌلهُ ولد وَعَلَ الْوَارثِ مِثْلُ ذَلِكَ 
َإِنْ أَرَادَا ِصَالَا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُهَا وَتَشَاوّرِ قلا جُتاح عَلَيْهَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أن تَسْتَرْضِعُوا 
َوْلَادَكُمْ قا جاح عَلَيَكُمْ ذا سَلَمْتْ مَا آتيْدّمْ بامُمْرُوفِ وَاتّقُوا الله وَاعْلَمُوا أن الله با 
تَعْمَلُونَ بَصي4 [البقرة: +77]» فقد قال: (الوالدات الأساء الحسنىء أو المعقولات الكليات» 
أو الأعيان الثابتات.. وهي الحجب التي أسدها الحق بينه وبين خلقه بقصد التعليم» وإلى 
ذلك أشارت الآية بإرضاع الوالدات الأولاد» فالعقل يأخذ من الخارج الانطباعات 
الحسية» ولكن الأعيان الثابتة تثبت هذه الانطباعات في كليات سميت في الفلسفة الأفكار 
القبلية» وما تميز الإنسان عن الحيوان إلا بحدوث عملية غربلة الانطباعات الحسية 
وتصنيفها إلى صفات معقولة من قبل القلب.. فالعلة والمعلول وجها قطعة نقود واحدة» 
وكلا الوجهين مظهر للحق سبحانه)(21 

قال آخر: ومثل ذلك قوله في تفسير قوله تعالى: لوَالَّذِينَ يُتَوَفَوْنَ مِنْكُمْ وَيَدَرُونَ 
أَزْوَ اجا يَترََصْسَّ بَِنْفْسِهِنَ أربَعةَ أَشْهُرٍ وَعَثْرًا قدا بََفْنَ أُجَلَهُنَ فلا متاح عَلَيكُمْ فيا َعَلْنَ 
ف أنْفْهن ِالُخْرُوفٍ وَالله 6 ا خَبيد# [البقرة: 07 فقد قال: (تريص الأرامل 
بأنفسهن ما يحمله القلب من آثار الإشراقات الروحية بعد الاتصال بالروح الكلي الذي هو 
روح القلب. والتربص ضروري لظهور الحمل بعد التلقيح النفثي» والعارف الواصل 
بحاجة إلى هذه المدة كي يسفر حمله ويظهرء بعد أن يكون قد عاش تجربة الذوق العظمى 
التي لا تبقي ولا تذر)(©) 

قال آخر: ومثل ذلك قوله في تفسير قوله تعالى: لا جُنَاحَ عَلَيَكُمْ إِنْ طَلَقَتُمُ الشسَاءَ 


ا 1 كشو هُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا هن قر يضَةً وَمَتَعْوهُنَ عَلَ الُويع قدَرُة وعَل الْقيِرِ ده منَاعَا 


)١(‏ التفسير الصوف الفلسفى للقرآن الكريم: الا (1) التفسير الصوف الفلسفى للقرآن الكريم: الا 
ف 





ع 
ًَ 


ِالمُمْرُوفٍ حَقَا عَلَ الُحْسِنِينَ4 [البقرة: 0155 فقد قال: (طلاق النساء بمثابة الانفصال عن 
الكليات بعد إِتمام تجريدهاء فالكليات حجاب إذا لم يتجاوزها المؤمن إلى ما بعدها أي الحق» 
والآبة لم تبخس الكليات مالا من حق على القلبء إذ لو لاها ما وصل القلب إلى أفق 
الروح» ولا تعرف ولا رأى جماله) 20 

قال آخر: ومثل ذلك قوله في تفسير قوله تعالى: #وَلَقَدَ آتَيْنَاكَ سَبْعَا مِنَ الْنَانٍ 
وَالْقَرْآنَ الْعَظِيمَ» [الحجر: 0140 فقد قال: (المثاني السبع الصفات الإلهية السبع» وهي ال حياة 
والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام, ولما كان النبي : قد قال: (إن المثاني 
هي الفاتحة)» وكانت الفاتحة قد قسمت الناس قسمين مهديين وضالين» كانت النتيجة 
الوصول إلى الحقيقة المحمدية التي هي الإنسان الكامل.. وهو مقابل لجميع الحقائق 
الوجودية بنفسه. فيقابل الحقائق العلوية بلطافته» ويقابل الحقائق السفلية بكثافته» وأول ما 
يبدو في مقابلته الحقائق الخلقية» يقابل العرش بقلبه» ويقابل الكرسي بأنيته» ويقابل سدرة 
المنتهى بمقامه» ويقابل القلم الأعلى بعقله» ويقابل اللوح المحفوظ بنفسه. ويقابل العناصر 
بطبعه» ويقابل الهيولى بقابليته» ويقابل الهباء بحيز هيكله» ويقابل الفلك الأطلس برأيه» 
ويقابل الفلك المكوكب بمدركته» ويقابل السراء السابعة عمته» والسادسة يوهمه والكاسنة 
بهمه» والرابعة بفهمه والثالثة بخياله» والثانية بفكره. والأولى بحافظته.. ثم يقابل زحل 
بالقوى اللامسة» والمشتري بالقوى الدافعة» والمريخ بالقوى المحركة» والشمس بالقوى 
الناظرة» والزهرة بالقوى المتلذذة» وعطارد بالقوى الشامة» والقمر بالقوى السامعة» ثم 
يقابل فلك النار بحرارته» والماء ببرودته» والهواء برطوبته» والتراب بيبوسته» ثم يقابل 


الملائكة بخواطره؛ والجن والشياطين بوسواسه. والبهائم بحيوانيته» ويقابل الأسد بالقوى 


.58/١ التفسير الصوف الفلسفى للقرآن الكريم:‎ )1١( 





الباطشة» والثعلب بالقوى الماكره. والذئب بالقوى الخادعة» والقرد بالقوى الحاسدة» 
والفآر بالقوى الحريصة» وقس على ذلك بقية قواه.. ثم إنه يقابل الطير بروحانيته» والنار 
بالمادة الصفراوية» والماء بالمادة البلغمية» والريح بالمادة الدموية» والتراب بالمادة السوداوية» 
ثم يقابل السبعة الأبحر بريقه ومخاطه وعرقه ونقاء أذنه ودمعه وبوله والسامع المحيط» وهو 
المادة الجارية بين الدم والعرق والجلد)(21 

ج. اتباع الأمم: 

قام أحد الحضورء وقال: وعينا هذا.. فم| تريدون باتباع الأمم؟ 

قال أحد الشيوخ: مع علمنا با ورد في القرآن الكريم من التحذير من مخالفة الصراط 
المستقيم الذي جاء به رسول الله يي كما قال تعالى: وان مدا صِرَ اطِي مُسْتقِي) فَاتََعُوه وَلَا 
تتبعُوا م1 تمَرَقَ بَكُمْ عن سَّبِيلهِ دَلِكمْ وَصَاكُمْ به لعَلّكُمْ تقو نَ 4 [الأنعام: »]١5«‏ إلا أننا 
أبينا إلا أن نترك تلك الصفحة البيضاء النقية» ونستبدها بها ورثناه من الأمم الأخرىء والتي 
امتلأت أديانها وفلسفاتها وأفكارها بالتحريفات والأساطير. 

قال آخر: وقد شهد بعض شيوخنا بذلكء» فقال: (وأما وحدة الوجود الحلولية التي 
تجعل من الله كائنا يحل في مخلوقاته» أو الاتحادية بالمعنى المفهوم خطأء تلك التي تجعل من 
الكائن الفان شخصية تتحد بالموجود الدائم الباقي» المنزه عن سائر النسب والإضافات» 
والأحياز الزمانية والمكانية المحدثة, أو يتحد به شيء منهاء فإنها مذهب هندي أو مسيحي» 
وليس بإسلاميء ولا يعرفه الإسلام» استمده أهل الشذوذ في التصوف الإسلامي من 
الفلسفة البائدة» وغذوا به مذهبهم الشاذ بفكر أفلاطونية» وآراء بوذية وفارسية» عن طريق 


الفارابي وابن سيناء حاله أن المتتبع لحياة الحلاج ومؤلفات السهروردي وابن عرب يرى أنهم 


.479//١ التفسير الصوف الفلسفى للقرآن الكريم:‎ )١( 





تأثروا بالمتفلسفة المسلمين الذين أخذوا عن الفلسفة الأفلاطونية الحديثة والأرسطو 
طاليسية)17) 

قال آخر: وقد ذكر بعض الناذج على ذلكء فقال: (فكان يعلن بعضهم أنه اطلع 
على الغيب» وأن في مقدوره الإتيان بخوارق العادات», ثم يذهب إلى ما هو أبعد من هذا 
مثل قولة الحلاج المشهورة: ما في الجبة غير الله» وغيره: أنا الحق» وبمثل هذا وذاك ثار على 
الحلاج معاصروه؛ ورموه بالسحر تارة» والجنون أخرى. وعذب عذابا أليما إلى أن مات في 
أوائل القرن الرابع» والله أعلم بحاله وكان من أمثال الحلاج من بالغوا مبالغة قلت أم 
كثرت؛ كشهاب الدين عمر السهروردي المقتول رئيس جماعة الإشراقيين» ومحبي الدين بن 
عرب الأندلسي» وابن سبعين الصقلٍ» وهم من رجال القرنين السادس والسابع وتابعهم 
جماعة من شعراء الفرس أمثال جلال الدين الروميء وفريد الدين العطار» وكلهم يرمي إلى 
أن يقيم التصوف الإسلامي على دعائم فلسفية أو فارسية وهندية أو يونانية)(2) 

قال آخر: وقد ذكر آخر كيفية ذلك, فقال: (إذا عدنا إلى تاريخ الاتصالات الأولى 
نجد أن الثقافة اليونانية كانت هي الثقافة المسيطرة على العقول في الشرق منذ عهد 
الإسكندرء بالإضافة إلى ثقافات الشرق نفسه. حتى إذا أقبل المسلمون على حضارات 
غيرهم من الأمم القديمة كان إقباههم على الثقافة الهللينية بمعونة نساطرة الحيرة وبمعاقبة 
غسان» والسريان في الشام وغيرهاء والصابئة من أتباع زرادشتء واليهود والنصارى, لكن 
الذي نؤكده أن باب الاتصال المباشر كان الأفلوطينية المحدثة» ولو أن المسلمين حسبوها 


لأرسطو حين اعتقدوا خطأ أن كتاب الربوبية له» وهو في الواقع لأفلوطين الذي عرفوا من 


.711/١ جمهرة الأولياء وأعلام أهل التصوف للمنوني الحسيني»‎ )1( .747 /١ جمهرة الأولياء وأعلام أهل التصوف للمنوني الحسيني»‎ )١( 
/اهء‎ 





ورائه أفلاطون والثقافة اليونانية القديمة)(1) 

قال آخر: وذكر ناذج عن ذلكء فقال: (إذا نظرنا في مذاهب الفيض الأفلوطيني» 
نجد أن الله والعقل الأول والنفس الكلية والمادة غير المصورة والنفوس الحزئية كل أولئنك 
عبارة عن مراتب الوجود الأفلوطينية - وهذا ما نجده في مدرسة ابن عرب في الحقيقة 
المحمدية أول فيض من الذات الإلهية» ثم بقية الفيوضات في جميع الموجودات» وعند ابن 
الفارض في وحدة الشهودية وفي مذهبه القطبية والحقيقة المحمدية» وعند الإشراقية 
السهروردية والشيرازية التي تجعل الله نور الأنوار فياضا بالأنوار القاهرة وهي النفوس 
والعقولء وبالجواهر الغاسقة الناشئة عن الأنوار. وهي الأجسام» حتى المصطلحات في 
المثل أو المعاني الأزلية» والحقيقة» وحقيقة الحقائق» والعلة والمعلول» والوحدة والكثرة» 
وتحقق الذات في الموضوع وشيوع الموضوع في الذات.. كل هذا يعود إلى أصوله الأفلوطينية 
التي تعود هي الأخرى إلى الغنوص الشرقي والغربي المؤول في الفلسفات اليهودية 
والمسيحية اللاهوتية)() 

قال آخر: وذكر نماذج عن ذلك من كلام الفلاسفة» والتي لا تختلف كثيرا عن أقوال 
مشايخناء عقب عليها بقوله: (لقد مارس أفلوطين هذه التجربة» وأعطى الاتجاه للفارابي 
وابن سيناء والخلاج والسهرورديء وابن عربي وابن الفارضء وابن سبعين وبقية الركب 
المشائي أو الصوني.. يقول أفلوطين (وقد حدث مرات عدة أن ارتفعت خارج جسدي 
بحيث دخلت في نفسي» كنت حينئذ أحياء وأظفر باتحاد مع الإلمي)» وقال: (يجب على أن 


أدخل في نفسىء ومن هنا أستيقظء وبهذه اليقظة أتحد بالله)» وقال: (يجب على أن أحجب 


(1) الفلسفة الصوفية في الإسلام للدكتور عبد القادر محمود ص .8١‏ (؟) الفلسفة الصوفية في الإسلام للدكتور عبد القادر محمود ص 77. 





عن نفسي النور الخارجي لكي أحيا وحدي في النور الباطن) 227 

قال آخر: ومثل ذلكء قال آخر: (وأهم نص في هذا الباب هو كتاب (أثولوجيا 
أرسطو طاليس) وهو ك| نعلم فصول ومقتطفاتء منتزعة من التساعات الأفلاطونية» وفيه 
نظريات الفيض والواحد التي ستلعب دورا خطيرا في التصوف الإسلامي» خصوصا عند 
السهروردي المقتول وابن عربيء وفيه نظرية (الكلمة) أو اللوغوس.. ولا شك في تأثر 
الصوفية المسلمين ابتداء من القرن الخامس ال حجري ب في (أثولوجيا) من آراء» وإنما الخلاف 
هناهو في هل وصل تأثيره إلى التصوف الإسلامي مباشرة» أو عن طريق كتب الإسماعيلية» 
وكلها حافلة بالتأثر به.. ويتلوه في الأهمية الكتب المنسوبة إلى هرمس.. وشخصية بارزة 
التأثير عند السهروردي المقتول» وابن عربي.. الأول خصوصا في فكرة الطباع التام» التي 
تأثر بهل كل الإشراقيين بعد السهرورديء والطباع التام هو (النوس)» ويسمى أيضا 
الروجانية والطبيعة الكريمة.. ويتصل به ما يرد من علم الصنعة سواء عند الصنوعيين 
(الكيماويين) وعند الصوفية المسلمين)””) 

قال آخر: وقد أقر بذلك كل الباحثين الموضوعيين في التصوف. ومن ذلك قول 
بعضهم في تعليقاته على فصوص شيخنا الأكبر عند حديثه عن الفيض: (قد تشير كلمة 
[الفيض] إلى تأثر ابن عرب بالفلسفة الأفلاطونية الحديثة» ونظام الفيوضات فيهاء ولكن 
على الرغم من استعماله لكثير من مصطلحات هذه الفلسفة وأساليبها لا نزال نجد مذهبه 
الخاص قائ]ً بنفسه متميزاً عن هذه الفلسفة في أخص صفاتها.. ويكفي أن نقرر هنا أن 
مذهب ابن عربي صريح في القول بوحدة الوجود والفلسفة الأفلاطونية الحديثة ليست 


مذهب وحدة وجود بالمعنى الدقيق» وأن الفيوضات التي يتكلم عنها ابن عربي ليست إلا 


. 4١ الفلسفة الصوفية في الإسلام للدكتور عبد القادر محمود ص 7”. ( تاريخ التصوف الإسلامي للدكتور عبد الرحمن بدوي ص‎ )١( 


11 





تجليات لحقيقة واحدة في صور مختلفة أو بطرق مختلفة» في حين أنها في فلسفة أفلاطون 
سلسلة من الموجودات يفيض كل منها عن الوجود السابق عليه ويتصل به اتصال المعلول 
بعلته)(1) 

قال آخر: وقال في تعليقه على فص آخر: (يذهب الفلاسفة المسلمون الذين تأثروا 
بنظرية أفلوطين ني الفيوضات إلى أن أول ما فاض عن الواحد هو العقل الأولء ثم توالت 
الفيوضات بعد ذلك في نظام تنازلي» حتى انتهى الأمر بالعقل الفعال آخر العقول ومبداً 
الحياة الناطقة» وكل ما يحتوي عليه فلك ما تحت القمر.. فالعقول البشرية في نظرهم ليست 
سوى تعينات أو صور للعقل الفعال» تهبط على الأجسامء وتبقى مها زمناً محدوداًء فإذا 
فارقتها رجعت إلى أصلها واتصلت به.. أما فلاسفة الصوفية فلم يتصورا المسألة هذا 
التصوير بالرغم من استعالهم ألفاظ الفيض والصدور وما إليهاء فمذهب ابن عربي على 
الأقل ‏ وهو في مقدمة المذاهب الصوفية الفلسفية في الإسلام ‏ يحمل طابع وحدة الوجود 
التي لا أرى أنها تتفق تماماً مع نظرية الفيوضات الأفلوطينية.. نعم يستعمل كلمة الفيض 
وما يتصل بها من اصطلاحاتء وقد يذكر فيضوات أفلوطين بأسمائها وعلى النحو الذي 
ذكر» هنذا الفلسوف؛ :ولك للقيضن عبده مغن تلفت“ قاماً عه فعى ١‏ أصبخات 
الأفلاطونية الحديثة.. فالوجود فائتض عن الواحد ‏ على مذهبه ‏ بمعنى أن الواحد متجل 
في صور أعيان الممكنات التي لا تتناهى: كان ذلك منذ الأزل وسيبقى كذلك على الدوام.. 
لم يجد ابن عربي وأصحابه إذن حرجاً كما وجد الفلاسفة المشّاءونَ من المسلمين ‏ في القول 
بأن الكثرة قد صدرت عن الواحد بالمعنى الذي ذكرناه: أي أن الواحد قد ظهر بصور 
الأعيان المتكثرة في الوجود الخارجي. ولم يأخذ بالقاعدة التي أخذ بها المشاءون وجعلوها 


)0 فصوص الحكمء شرح عفيفي (ص‎ )١( 





أساساً لذهبهم» وهي أن الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد بل قال إن الواحد قد صدر عنه 
العقل الأول كما صدر عنه الأرواح المهيمة وأرواح الكاملين من الخلق كالأنبياء والأولياءء 
بل وروح كل موجود (وليس في الوجود إلا ما له روح) بعبارة أخرى صدر عن الواجد 
الحق كل شيء. لأنه حقيقة كل شيء والمتجلي في كل شيء)07) 

قال آخر: وقال في محل آخرء يذكر بعض ذلك التأثير: (في هذا الوصف الإحمالي لما 
يسميه ابن عرب [الكلمة المحمدية]» أو [الحقيقة المحمدية]ء عناصر مختلفة مستمدة من 
الفلسفة الأفلاطونية الحديثة» والفلسفة المسيحية واليهودية» مضافاً إلى ذلك بعض أفكار 
من مذهب الإساعيلية الباطنية والقرامطة.. مزج جميع تلك العناصر على طريقته الخاصة» 
فضيع بذلك معالم الأصول التي أخذ عنهاء وخرج على العالم بنظرية في طبيعة الحقيقة 
المحمدية» لا تقل في خطرها وأهميتها في تاريخ الأديان عن النظريات التي وضعها 
المسيحيون في طبيعة المسيح» أو النظريات اليهودية أو الرواقية» أو اليونانية التي تأثرت بها 
النظرية المسيحية.. هذا هو ما يقصده ابن عرب بالكلمة المحمدية» وهي شيء يختلف تمام 
الاختلاف عن شخصية النبي محمد #. بل ليس بينههم| من الصلة إلا ما بين الحقيقة المحمدية 
وأي نبي من الأنبياء أو رسول من الرسل أو ولي من الأولياء.. فالكلمة المحمدية إذن شيء 
ميتافيزيقي محض خارج حدود الزمان والمكان.. أو قل إن شئت هي الحق ذاته ظاهراً لنفسه 
في أول تعين من تعينات في صورة العقل الحاوي لكل شيء. المنجلي في كل كائن عاقل)7") 

قال آخر: وقد شهد بهذا حتى أولئك الذين كانوا معناء لكنهم أبوا إلا التسليم لحقيقة 
التأثير التي رأوها بأعينهم» وقد كتب بعضهم ‏ وقد كان شيخا لمشايخ الطرق الصوفية ‏ 
يقول: (نحن لا ننكر الأثر اليوناني على التصوف الإسلامي» فقد وصلت الفلسفة اليونانية 


077١ (؟) فصوص الحكم. شرح عفيفي (ص‎ )١85 فصوص الحكمء شرح عفيفي (ص‎ )١( 


ك١‎ 





عامة» والأفلاطونية المحدثة خاصة. إلى صوفية الإسلام عن طريق الترجمة والنقل» أو 
الاختلاط مع رهبان النصارى في الرها وحران» وقد خضع المسلمون لسلطان أرسطوء وإن 
كانوا قد عرفوا فلسفة أرسطو على أنها فلسفة إشراقية» لأن عبد المسيح بن ناعمة الحمصي 
حينم| ترجم الكتاب المعروف ب (أثولوجيا أرسطو طاليس) قدمه إلى المسلمين على أنه 
لأرسطو على حين أنه مقتطفات من تاسوعات أفلوطين.. وليس من شك في أن فلسفة 
أفلوطين السكندري التي تعتبر أن المعرفة مدركة بالمشاهدة في حال الغيبة عن النفس وعن 
العالم المحسوسء كان لا أثرها في التصوف الإسلامي فيا نجده من كلام متفلسفي 
الصوفية عن المعرفة» وكذلكء كان لنظرية أفلوطين السكندري في الفيض وترتيب 
الموجودات عن الواحد أو الأول أثرها على الصوفية المتفلسفين من أصحاب الوحدة 
كالسهروردي المقتول» ومحي الدين بن عربي» وابن الفارضء وعبد الخالق بن سبعين» وعبد 
الكريم الجيلي» ومن نحا نحوهم.. ونلاحظ بعد ذلك أن أولئك المتفلسفة من الصوفية 
نتيجة اطلاعهم على الفلسفة اليونانية قد اصطنعوا كثيرا من مصطلحات هذه الفلسفة مثل: 
الكلمة ‏ العقل الأول العقل الكلي ‏ العلة والمعلول والكلي) 207 

قال آخر: وبعد ما استعرض باحث آخر آراء الأفلاطونية الحديثة» قال: (إن 
التصوف لم يقتبسء ولم يؤخذ إلا من المنابع الصافية والمصادر الطاهرة» وعلى رأسها 
الأفلاطونية المحدثة» وتبني الشيخ الأكبر محبي الدين بن عربي نفس الأفكار التي نشرها 
أفلوطين الأسكندريء المبنية على الفكر الفلسفي والمشاهدة الذاتية» والذي بين أن تزكيه 
النفس لا يمكن إلا بالتبتل عن العلائق الدنيوية والعالم المادي» وها مراتب ثلاث: تصفية 
التفسل» وتجلية التشينء وتحلية اللفنين:. ولا يمكن الوضتوك' إلبها إل بالمراجل التلايك: 


.777” مدخل إلى التصوف الإسلاميء التفتازان ص‎ )١( 


ذه 





أولا: بالفن والآداب. والمراد منها طلب الحقيقة وجمالهاء وأن هذين الشيئين أي اسمان لشيء 
واحد في الحقيقة.. ثانيا: بالعشق.. ثالثا: بالحكمة.. وأهم الأشياء في فلسفته أن طريق 
تهذيب النفس وتكميل الروح ليس ببرهاني ولا عقلي» بل هو وجداني وكشفي. كما أن 
فلسفته في الإلهيات تدور على وحدة الوجود. وهذا عين ما كان يؤمن به الشيخ الأكبر ابن 
عربي وغيره؛ كم أومن به أنا أيضا)(1) 

قال آخر: وقال آخر: (ولأجل ذلك ذهب معظم المستشرقين إلى أن الأفلاطونية 
الحديثة من أهم مصادر التصوفء وخاصة للتصوف المتأخر من القرون الأولى» ولقد بحث 
المستشرق الأنجليزي نيكلسون هذا الأمر في مقالاته عن التصوف بمواضع عديدة» فأرجع 
نشأته إلى عوامل خارجة عن الإسلام عملت عملها ابتداء من القرن الثالث ال هجريء وأهم 
هذه العوامل وأبرزها في نظره هو الأفلاطونية الحديثة المتأخرة التي كانت شائعة في مصر 
والشام إلى عهد ذي النون المصري ومعروف الكرخيء ولهذا يتخذ من ذي النون المصري 
محورا لبحثه في هذه المقالة» فيأتي بكثير من الأسانيد التاريخية عن حياة ذي النون ونشأته 
ويستدل بها على أن ذا النون كان على علم بالحكمة اليونانية الشائعة في عصره. ويتتبع حركة 
الثقافة اليونانية المتأخرة وطرق وصوطا إلى المسلمين» وينتهي إلى أن التصوف في ناحيته 
النظرية مأخوذة من الأفلاطونية الحديثة موافقا في ذلك رأي ميركس الذي شرح هذه 
النظرية في كتابه (التاريخ العام للتصوف ومعالمه) هيد لبرج سنة 197 م)0) 

قال آخر: وقال باحث آخر: (لا حاجة بنا إلى الإطناب في الكلام عن انتشار الثقافة 


الهلينية بين المسلمين في ذلك العصرء فإن كل من له إلمام بتاريخ العرب الأدبي يعلم كيف 


)١(‏ تاريخ التصوفء باللغة الأردية» ليوسف سليم جشتي ص 57. نقلا (1) مقدمة أبي العلاء العفيفي لطائفة من الدراسات المجموعة باسم في 
عن: التصوف. المنشأ والمصادر» ص/71١.‏ التصوف الإسلامي وتاريخه ص (س) 


رذحت 


طغت موجة العلوم اليونانية ‏ وقد بلغت ذروتها آنئذ ‏ على العراق من مراكز ثلاثة: من 
الأديرة المسيحية في الشام» ومن مدرسة جنديسابور الفارسية في خوزستان» ومن وثني 
حران أو الصابئة في الجزيرة» وقد نقل إلى العرب كتب لا حصر لعددها في الفلسفة والطب 
وسائر العلوم اليونانية الأخرى. وعكف على دراستها المسلمون واتخذوها أساسا قامت 
عليه اتجاهاتهم الجديدة في البحثء. حتى لتكاد العلوم والفلسفة الإسلامية تكون مؤسسة 
على حكمة اليونان وحدها.. وأبرز شخصية يونانية في الفلسفة الإسلامية هي أرسطو 
طاليس لا أفلاطون» ولكن العرب استمدوا أول علمهم بفلسفة أرسطو طاليس من شراح 
الأفلاطونية الحديثة» وكان المذهب الذي غلب عليهم هو مذهب أفلوطين وفور فوريوس 
وأبرقلسء وليس كتاب (أثولوجيا أرسطو طاليس) الذي نقل إلى العربية حوالي 85١‏ م 
حسب تقدير دتريصي إلا ملخصا لمذهب الأفلاطونية الحديثة» ومعنى هذا أن الأفكار 
الأفلاطونية الحديثة قد انتشرت بين المسلمين انتشارا واسعا)(1) 

قال آخر: وقال مبينا مدى انتشار تلك المذاهب الفلسفية بين المسلمين: (ويكفي 
القول بآن المسلمين قد وجدوا المذهب الأفلاطوني الحديث أين| حلوا وفي أي مكان اتصلوا 
فيه بالحضارة اليونانية» وقد كان لمصر والشام دائ| الصدارة بين الأمم التي انتشرت فيها 
الحضارة اليونانية» وهما البلدان اللذان ظهر التصوف فيههما لأول مرة بمعناه الدقيق وتطور 
كا أسلفناء والرجل الذي اضطلع بأكبر قسط في تطور هذا النوع من التصوفء هو ذو 
النون المصري الذي وصف بأنه حكيم كيميائيء أو بأنه ‏ بعبارة أخرى ‏ أحد أولئك الذين 
نهلوا من منهل الثقافة اليونانية؛ فإذا أضفنا إلى هذا أن المعاني التي تكلم فيها ذو النون هي 


في جوهرها المعاني التى نجدها في كتابات يونانية مثل كتابات ديونيسيون.. وليس عندي 


.١4 التصوف الإسلامي وتاريخه لنكلسون ترجمة عربية ص‎ )١( 


5 





من شك في أن المذهب الغنوصي بعد ما أصابه من التغيير والتحوير على أيدي مفكري 
المسيحية واليهودية» وبعد امتزاجه بالنظريات اليونانية كان من المصادر الحامة التي أخذ 
عنها رجال التصوف الإسلاميء وأن بين التصوف والغنوصية مواضع اتفاق كثيرة هامة) 
ولاشك عندي أيضا في أن دراسة هذه المسألة دراسة دقيقة وافية لما يأتي بأطيب الثمرات» 
ولكنني على يقين من أننا إذا نظرنا إلى الظروف التاريخية التي أحاطت بنشأة التصوف بمعناه 
الدقيق» استحال علينا أن نرد أصله إلى عامل هندي أو فارسيء ولزم أن نعتبره وليدا لاتحاد 
الفكر اليوناني والديانات الشرقية: أو بمعنى أدق وليد اتحاد الفلسفة الأفلاطونية الحديثة 
والديانة المسيحية والمذهب الغنوصي)27) 

قال آخر: وقال باحث متخصص آخر في هذا: (تسربت الفلسفة اليونانية إلى العام 
الإسلامي» وأخذت تزداد باطراد منل أيام الآذرية القرامطة القدامى» والرازي الطبيب إلى 
عهد ابن سيناء وكان من نتيجة ذلك أن استحدثت في القرن الرابع المهجري مصطلحات 
ميتافيزيقة أدق من سابقتها يفهم منها أن الروح والنفوس جواهر غير مادية» وأن ثمة معان 
عامة وسلسلة من العلل الثانية وغير ذلك؛ وأن هذه المصطلحات اختلطت بالإلهيات 
المنحولة لأرسطوء وبمثل أفلاطون» وفيوضات أفلوطين» وقد كان لهذا كله أثر بالغ في 
تطور التصوف)207) 

قال آخر: والدليل الأعظم من ذلك كله ما نجده في كتب مشايخنا مما يدل على 
ارتباطهم بالفلسفة اليونانية وأخذهم عنهاء وتأثرهم مهاء ومن الأمثلة على ذلك قول شيخنا 
الجيلٍ في كتابه (الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل): (ولقد اجتمعت بأفلاطون 


الذي يعدونه أهل الظاهر كافراء فرأيته وقد ملا العالم الغيبي نورا وبهجة» ورأيت له مكانة 


.789 8 (؟) التصوف لماسينيون ص‎ .١9 التصوف الإسلامي وتاريخه لنكلسون ترجمة عربية ص‎ )١( 


6 





م أرها إلا لآحاد من الأولياء» فقلت له: من أنت؟ قال: قطب الزمان وواحد الأوان» ولكم 
رأينا من عجائب وغرائب مثل هذا ليس من شرطها أن تفشيء وقد رمزنا لك في هذا الباب 
أسرارا كثيرة ما كان يسعنا أن نتكلم فيها بغير هذا اللسانء فألق القشر من الخطاب وخذ 
اللب إن كنت من أولي الألباب)220 

قال آخر: وذكر في محل آخر من كتابه أن أرسطو تلميذ أفلاطون لزم خدمة الخضر 
واستفاد منه علوما جمة» وكان من تلامذته20. 

قال آخر: ومثل ذلك قال بعض مشايخنا في الأندلس» حيث نراه يلقب أفلاطون كلما 
يذكره بمعلم الخير» وأرسطو بحكيم متأله» وسقراط وهرمس وغيرهم من أهل الأنوار» 
وقد حكى عن أرسطو (ويقصد أفلوطين) أنه حصل له الاتحاد بالذات الإلحية» فيقول نقلا 
عنه قوله: (إني ربم| خلوت بنفسي كثيراء وجعلت بدني جانباء وصرت كأني مجردا بلا بدن» 
عري من الملابس الطبيعية» فأكون داخلا في ذاتي» خارجا من سائر الأشياء؛ فأرى في ذاتي 
من الحسن والسناءء والبهاء والضياء والمحاسن العجيبة» والمناظر الأنيقة» ما أبقى له 
متعجبا متحيرا باهتاء فأعلم أني جزء من أجزاء العالم الأعلى الشريف؛ فل| أيقنت بذلك» 
رقيت بذهني إلى العلة الإلهية المحيطة بالكل» فصرت كأني موضوع متعلق بها؛ فأكون فوق 
العالم كله» فآراني كأني واقف في ذلك الموقف الشريف المقدس الإلحي فأرى هنالك من النور 
والبهاء» والبهجة والسناء» وما لا تقدر الألسن على صفته. ولا الأساع على نعته» ولا 
الأوهام أن تحيط به» فإذا استغرقني ذلك النور والبهاء» لم أطق على احتماله. ولا الصبر عليه 
فارتددت عاجزا عن النظر إليه» وهبطت من العقل إلى الفكر والروية» فإذا صرت في عالم 
الفكر والروية» حجبت الفكرة عني ذلك النور والبهاءء وحالت بيني وبينه الأوهام فأبقى 


. 117 الإنسان الكامل لعبد الكريم الجيلي ج١ ص‎ )١( .517 الإنسان الكامل لعبد الكريم الجيلي ج 7 ص‎ )١( 


اد 





متعجبا كيف انحدرت من ذلك الموضع الشاهق العالي الإ مي» وصرت سفلا في موضع 
الفكر والضيقة» بعد أن قويت نفسي على التخلف عن بدنهاء والرجوع إلى ذاتهاء والترقي 
إلى العالم العقلي» ثم العالم الإلهي» مع العقول فوق العوالم كلها حتى صارت في موضع 
البهاء والنور والسناء مجتلية الذي هو علة كل نور وبهاء» وسبب كل دواء وبقاء.. ومن 
العجب أني كنت رأيت نفسي ممتلئة نوراء وهي في البدن كهيئتهاء والبدن معهاء وهي 
خارجة عنه؛ على أني لما أطلت الفكرة» ومحضت الروية» وأجلت الرأي» وصرت كالمتحير 
المبهوت» تذكرت الفلنطوسء فإنه أمر بالطلب والبحث عن جوهر النفس الشريفة» 
والحرص على الصعود إلى ذلك العالم الشريف الأعلى) 217 

قال آخر: ثم علق عليه بقوله: (وبيان هذه السعادة: من تعرض له. فقد تعاطى ما لا 
يستقل به نفسء ولا تطمع فيه قوة.. وسبيل السعادة عندهم الرياضة» وعلاج الأخلاق» 
حتى يصير شبيها بالخير المحض وهو المبدأء وتلطيف السرء وأن يصرف عن النفس شواغل 
الجسم ويترقى في معارج المحبة والشوق إلى ذلك الكمال بالفكرة» حتى تحس النفس 
بانجذابها إلى عالمهاء وتفيض عليها عجائبه» وقد أخبر هؤلاء الإليون عن أنفسهم عن 
أنفسهم ب ذكرناه آنفاء من أنهم نزعوا جلابيب الجسانية في هذا العالم» وترقوا إلى العالم 
العلوي» فأبصروا من نوره ولذاته أمورا مذهلة» ثم عادوا إلى عالم الحسء ورمزوا ذلك في 
كتبهم» حسب| نقل سقراط الدنان» ومعلم الخير أفلاطون وإمام المشائين أرسطو)(؟) 

قال آخر: ونحن مع إياننا بأن فيا ذكره أولئك الباحثون بعض البالغاتء إلا أننا 
موقنون أن كل مالم يدل عليه دليل الشرعء ولا دليل العقل» وكان من الفضول والتحريف 
ليس سوى قبس من تحريفات الأمم السابقة. 


.550 روضة التعريف للسان الدين بن الخطيب ص 009 . (؟) روضة التعريف للسان الدين بن الخطيب ص‎ )١( 


لا 





قال آخر: بالإضافة إلى ما أضيف إليها من الأهواء؛ مثلم| يفعل الكهنة الذين يتلقفون 
الكلمة؛ فيضيفون إليها كذبة وكذبة» لتتحول بعدها إلى شيء آخر تماما. 

قال آخر: وقد أشار الغزالي إلى هذا المعنى عند حديثه عن الفلسفة والمعارضين مطلقا 
لهاء فقال: (إذ ظنت طائفة من الضعفاء أن ذلك الكلام إذا كان مدوناً في كتبهم» وممزوجاً 
بباطلهم ينبغي أن هجر ولا يذكرء بل ينكر على كل من يذكره إذ لم يسمعوه أولاً منهم» 
فسبق إلى عقوهم الضعيفة أنه باطل» لأن قائله مبطل» كالذي يسمع من النصراني قوله: لا 
إله إلا الله عيسى رسول الله فينكره ويقول: هذا كلام النصارىء ولا يتوقف ربا يتأمل 
أن النصراني كافر باعتبار هذا القولء أو باعتبار إنكاره نبوة محمد 2#؛ فإن لم يكن كافراً إلا 
باعتبار إنكاره» ينبغي أن يخالف في غير ما هو به كافر مما هو حق في نفسهء وإن كان أيضاً 
حقاً عنده.. وهذه عادة ضعفاء العقول؛ يعرفون الحق بالرجالء لا الرجال بالحق؛ والعاقل 
يقتدي بقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه» حيث قال: لا تعرف الحق 
بالرجال بل اعرف الحق تعرف أهله. والعارف العاقل يعرف الحق, ثم ينظر في نفس القول: 
فإن كان حقاً قبله سواء كان قائله مبطلاً أو محقاء بل ربها يحرص على انتزاع الحق من 
تضاعيف كلام أهل الضلالء عااً بأن معدن الذهب الرغام؛ ولا بأس على الصراف إن 
أدخل يده في كيس القلاب وانتزع الإبريز الخالص من الزيف والبهرج مهما كان واثقاً 
ببصيرته» ويمنع ‏ من ساحل البحر ‏ الأخرق دون السباح الحاذق» ويصد عن مس الحية 
الصبي دون المعزم البارع2000 

قال آخر: ثم أشار إلى ادعاء الكثير بأغهم أهل لانتزاع الحق من الباطل» مع عدم 
قدرتهم على ذلك. فقال: (لعمري لما غلب على أكثر الخلق ظنهم بأنفسهم الحذاقة والبراعة 


)70 المنقذ من الضلال (ص‎ )1١( 


7 





وكمال العقل» وتمام الآلة في تمييز الحق عن الباطل والحدى عن الضلال وجب حسم الباب 
في زجر الكافة عن مطالعة كتب أهل الضلال ما أمكن) 217 

قال آخر: وقد ضرب مثالا على ذلك بكتب إخوان الصفاء فقال: (إن من نظر في 
كتبهم كإخوان الصفا وغيره» فرأى ما مزجوه بكلامهم من الحكم النبوية» والكلمات 
الصوفية» ربم| استحسنها وقبلهاء وحسن اعتقاده فيهاء فيسارع إلى قبول باطلهم الممزوج به 
لحسن ظنه مما رآه استحسنه» وذلك نوع استدراج إلى الباطل.. ولأجل هذه الآفة يجب 
الزجر عن مطالعة كتبهم لما فيها من الغدر والخطر.. وى) يجب صون من لا يحسن السباحة 
على مزالق الشطوط. يجب صون الخلق عن مطالعة تلك الكتب». وكما يجب صون الصبيان 
عن مس ا حيّات» يجب صون الأسماع عن مختلط الكلمات»؛ وكما يجب على المعزّم أن لا يمس 
الحية بين يدي ولده الطفلء إذا علم أن سيقتدي به ويظن أنه مثله» بل يجب عليه أن يحذّره 
منه» بأن يحذر هو في نفسه ولا يمسها بين يديه» فكذلك يجب على العالم الراسخ مثله» وى| 
أن المعزم الحاذق إذا أخذ الحية وميز بني الترياق والسمء واستخرج منها الترياق وأبطل 
السمء فليس له أن يشح بالترياق على المحتاج إليه)(2) 

قال آخر: وقد رد في نفس الوقت على من اعتبر ما في إحيائه من الحق الذي دل عليه 
دليل من كلمات الأوائل» فقال: (ولقد اعترض على بعض الكلمات المبثوثة في تصانيفنا في 
أسرار علوم الدين طائفة من الذين لم تستحكم في العلوم سرائرهم, ولم تنفتح إلى أقصى 
غايات المذاهب بصائرهم» وزعمت أن تلك الكلمات من كلام الأوائل» مع أن بعضها من 
مولدات الخواطر» ولا يبعد أن يقع الحافر على الحافر» وبعضها يوجد في الكتب الشرعية» 


وأكثرها موجود معناه في كتب الصوفية» وهب أنها لم توجد إلا في كتبهم» فإذا كان ذلك 


068 المتقذ من الضلال (ص‎ )1( )”١ المنقذ من الضلال (ص‎ )1١( 


8 





الكلام معقولاً في نفسه. مؤيداً بالبرهان وم يكن على مخالفة الكتاب والسنة» فلم ينبغي أن 
هجر ويترك؟ فلو فتحنا هذا الباب» وتطرقنا إلى أن هجر كل حق سبق إليه خاطر مبطل» 
للزمنا أن حجر كثيرا م اطق ولزمها أن عبج جملة يات من آياث القران وأخبان الرسول 
وحكايات السلف. وكلمات الحكماء والصوفية لآن صاحب إخوان الصفا أوردها في 
كتابه مستشهداً بها ومستدرجاً قلوب الحمقى بواسصطتها إلى باطل» ويتداعى ذلك إلى أن 
يستخرج المبطلون الحق من أيدينا بإيداعهم إياه كتبهم.. وأقل درجات العالم: أن يتميز عن 
العامي الغمر؛ فلا يعاف العسلء» وإن وجده في محجمة الحجّامء ويتحقق أن المحجمة لا 
تغير ذات العسل» فإن نفرة الطبع عنه مبنية على جهل عامي منشؤه أن المحجمة إنما صنعت 
للدم المستقذرء فيظن أن الدم مستقذر لكونه في المحجمة» ولا يدري أنه مستقذر لصفة في 
ذاته» فإذا عدمت هذه الصفة في العسل» فكونه في ظرفه لا يكسبه تلك الصفة» فلا ينبغي 
أن يوجب له الاستقذار» وهذا وهم باطل» وهو غالب على أكثر الخلق؛ فإذا نسبت الكلام 
وأسندته إلى قائل حسن فيه اعتقادهم» قبلوه وإن كان باطلاً» وإن أسندته إلى من ساء فيه 
اعتقادهم ردوه وإن كان حقاًء فأبداً يعرفون الحق بالرجال ولا يعرفون الرجال بالحق» وهو 
غاية الضلال هذه آفة الرد)(1) 

قال آخر: بالإضافة إلى هذا كله نحن لا ندعي كذب من كوشف بتلك الأشياء.. 
فأكثر الأحلام لا تعبر إلا عن رغبات أصحابهاء وهكذا هؤلاء تجلت لهم علومهم في 
كشوفهم؛ فتوهموا أمبا كشف مجرد, مع أنها ليست سوى تكرار لعلومهم التي علموها عن 
طريق التلقي» أو عن طريق البيئة التي عاشوا فيها. 

قال آخر: ومن الأمثلة على ذلك أن شيخنا الأكبر الذي عاش في الأندلس» وفي بيئة 


(1) المنقذ من الضلال (ص )1١‏ 


ع 





يعظم فيها النواصب: لم ير في كشوف إلا ما يمجدهم. 
قال آخر: ومن الأمثلة على ذلك قوله عن معاوية ‏ زعيم النواصب .: (فلو راعى 8# 
صلاة العيد مع الخطبة مراعاة الحج ومراعاة الصلاة لنطق فيها ى) نطق في مثل هذاء وكذلك 
ما أحدثه معاوية كاتب رسول الله وصهره خال المؤمنين)» ثم علق على هذا بقوله: 
(فالظن بالصحابة جميل» رضي الله عن جميعهم. ولا سبيل إلى تجريحهم» وإن تكلم بعضهم 
في بعضء فلهم ذلكء وليس لنا الخوض فيما شجر بينهمء فإنهم أهل علم واجتهاد» وحديثو 
عهد بنبوة» وهم مأجورون في كل ما صدر منهمعن اجتهاد سواء أخطنوا أم أصابوا)0© 
قال آخر: وهكذا يعدد الخلفاء الذين أوتوا الخلافة الظاهرة والباطنة» ويسميهم 
(الأقطاب). وهم كما يذكر ‏ (الجامعون للأحوال والمقامات بالأصالة أو بالنيابة» ولا 
يكون منهم في الزمان إلا واحد» وهو الغوث أيضاء وهو من المقربين» وهو سيد الجماعة في 
زمانه)» ثم يذكر منهم من (يحوز الخلافة الظاهرة ى) حاز الخلافة الباطنة من جهة المقام: 
كأبي بكرء وعمرء وعثان» وعلي» والحسن, ومعاوية بن يزيد» وعمر بن عبد العزيزء 
والمتوكل» ومنهم من له الخلافة الباطنة خاصة:» ولا حكم له في الظاهر: كأحمد بن هارون 
الرشيد السبتي» وكأبي يزيد البسطامي)<.. وبذلك تحول المتوكل المستبد الظالم الناصبي 
صاحب الجرائم الكثيرة» لا إلى مؤمن عادي فقطء بل إلى ولي من أولياء الله الكبارء بل قطب 
من الأقطاب المقربين.. وكل ذلك بدليل واحد لا يستطيع أحد مهما كان أن يحاجج به» وهو 


الكشف. 
4 2 
6 الكشف والمعارضة: 
)١(‏ الفتوحات المكية )014/1١(‏ (؟) الفتوحات المكية (؟57/5) 


الا 





قام أحد الحضورء وقال: وعينا هذا.. فهل هناك غير ما ذكرتم ما ترون أنه يجب 
عليكم بيانه لنا حتى لا نقع في المهالك» ونحن نبحث عن المىهالك؟ 

قال أحد الشيوخ: أجل.. وهو أخطرها.. ذلك أنا لم نكتف بكل تلك التأويلات 
التي قد تقبل بعض معانيهاء بل رحنا نستمع لمشايخناء وهم يعارضون النصوص الصريحة 
من القرآن الكريم ليفسروها تفسيرا عكسيا. 

المثال الأول: 

قال آخر: ومن الأمثلة على ذلك ما ذكره شيخنا الأكبر في فصوص ال حكم في تفسير 
ما ورد في قصة نوح عليه السلام في القرآن الكريم؛ فقد قال: (لو أن نوحاً عليه السلام جمع 
لقومه بين الدعوتين ‏ التشبيه والتنزيه ‏ لأجابوه: فدعاهم جهاراً ثم دعاهم إسراراًء ثم قال 
لهم: لاسْتَْفِرُوا رَبَكُمْ إنَّهُ كَانَ غَفَارَاك [نرح: »5٠١‏ وقال: دَعَوْتُ قَوْمِي لَبَْا وَتَارًا قَلَمْ 
يَرَدهُمْ دُعَائِي إِلَّا فرَارًا4 لتوح: 5 <]» وذكر عن قومه أنهم تصاموا عن دعوته لعلمهم با 
يجب عليهم من إجابة دعوته؛ فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح عليه السلام في حق قومه 
من الثناء عليهم بلسان الذمء وعلم أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقانء والأمر قرآن 
لا فرقان» ومن أقيم في القرآن لا يصغي إلى الفرقان وإن كان فيه؛ فإن القرآن يتضمن 
الفرقان» والفرقان لا يتضمن القرآن, ولهذا ما اختتص بالقرآن إلا محمد ي وهذه الأمة التي 
هي خير أمة أخرجت للناس؛ ف «الَيْسَ كيثله شَيْء# [الشورى: ]1١‏ يجمع الأمرين في 
أمرواحد؛ فلو أن نوحاً يأ بمثل هذه الآية لفظاً أجابوه. فإنه شبّهَ ونزَّهَ في آية واحدة» بل 
في نصف آية) 217 


قال آخر: وهكذا أصبح ‏ بحسب هذا التفسير ‏ المعاتب هو نوح عليه السلام» بل 


.لا١ فصوص الحكم. ج1١ ص‎ )١( 


فود 





الله تعالى لأنه لم ينزل على نوح تلك الآية الكريمة» ولو أنه أنزها لما تعنت قوم نوح. ولما نزل 
عليهم العذاب. 

قال آخر: ولم يكتف شيخنا بذلكء بل إنه راح يستمر في تأويلاته العجيبة» وفي عتابه 
لنوح عليه السلام» ومنهجه في دعوة قومه؛ فقال: (ونوح دعا قومه #لَيْلَا من حيث 
عقولهم وروحانيتهم فإنها غيب» و تباراً» دعاهم أيضاً من حيث ظاهر صورهم 
وحِسّهمء وما جمع في الدعوة مثل الَيْسَ كَوِئْلِهِ شيء» فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان 
فزادهم فراراًء ثم قال عن نفسه إنه دعاهم ليغفر لهمء لا ليكشف لهمء وفهموا ذلك منه 4 
لذلك #جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ في آذاهمْ واسْتَغْسَوَا ثيابُ4 وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم 
إليها فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك؛ ففي #لَيْسَ كَوِثْلِهِ بيء4 إثبات المثل ونفيه» وبهذا 
قال عن نفسه :4 إنه أوتي جوامع الكلم؛ فا دعا محمد :4 قوّمه ليلا ونهاراًء بل دعاهم ليلا 
في بار وباراً في ليل» فقال نوح في حكمته لقومه: يرل السَّمَاءَ عَلَيَكُمْ مذْرَارَاك انرح: ]١١‏ 
وهي المعارف العقلية في المعاني والنظر الاعتباري وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالِ4 انوح: ؟11) أي با 
يميل بكم إليه؛ فإذا مال بكم إليه رأيتم صورتكم فيه؛ فمن تخيل منكم أنه رآه فا عرف. 
ومن عرف منكم أنه رأى نفسه فهو العارف» فلهذا انقسم الناس إلى عالم وغير عالم» 
وَوَلَدْهُ4 وهوما أنتجه لهم نظرهم الفكري, والأمر موقوف علمه على المشاهدة بعيد عن 
نتائج الفكر إِلّا تساراً فيا ربحت تجارتهم» فزال عنهم ماكان في أيديهم مما كانوا يتخيلون 
أنه ملك لهم, وهو في المحمديّين #وَأَنْفِقَوا ما جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فيه [الحديد: 0]» وفي نوح 
(«آلَّا تتَحِذُوا مِنْ دُونِ وَكيلا* [الإسراء: 619 فأثبت ثبت الك لهم والوكالة لله فيهم؛ فهم 
مستخلفون فيه؛ فالملك لله وهو وكيلهم, فالملك لهم وذلك ملك الاستخلاف. وبهذا كان 


الا 


الحق تعالى مالك الملك)17) 

قال آخر: وهكذا يستمر شيخنا على هذا النسق من التأويلات الغريبة التي تقلب 
الحقائق رأسا على عقب» فيقول في قوله تعالى: #وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَارَاك انوح: ؟5]: (لأن 
الدعوة إلى الله تعالى مكر بالمدعرٌ لأنه ما عَدِمَ من البداية فيدعي إلى الغاية» لأَدْعُوا إِلَ الله 
فهذا عين المكرء #عَلى بَصِيرَةِ4 فنبّه أن الأمر له كله. فأجابوه مكراً ى) دعاهم؛ فجاء 
المحمدي وعلم أن الدعوة إلى لله ما هي من حيث هويته وإنما هي من حيث أساؤه فقال: 
ليَوْمَ تَحْدُرٌ المَِينَ ِل الرَّحْمَنِ وَهْدَا [مريم: 5+] فجاء بحرف الغاية وقرنها بالاسمء فعرفنا 
أن العالم كان تحت حيطة اسم إلمي أوجب عليهم أن يكونوا متقين؛ فقالوا في مكرهم: #لا 
تددن آشَكمْ وت وَيَعُوقٌ وَنَسْرَا؛ انوح: 5» فإنهم إذا 
تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء» فإن للحق في كل معبود وجهاً يعرفه 
مَنْ يعرفه ويجهله من يجهله؛ في المحمديين: لوَقَقَى رَيّكَ ألا تَمْبْدُوا إِلّا يا [الإسراء: 0] 
أي حكم؛ فالعالم يعلم من عبد وفي أي صورة ظهر حتى عبدَء وأن التفريق والكثرة 
كالأعضاء في الصورة المحسوسة وكالقوى المعنوية في الضورة الروحانية: فا عبد غير الله 
في كل معبود؛ فالأدنى من تخيل فيه الألوهية» فلو لا هذا التخيل ما عبد الحجر ولا غيره» 
ولهذا قال تعالى: اقل سَمُوهُمْ#: فلو سموهم لسموهم حجارة وشجراً وكوكباً ولو قيل 
لهم من عبدتم لقالوا إهاً ما كانوا يقولون الله ولا الإله والأعلى ما تخيل» بل قال هذا جلى 
لهي ينغي تعظيمه فلا يقتصر؛ فالأدنى صاحب التخيل يقول: لم تَعْبْدُهُمْ إلا ربو إل 
لله زُلْمَى4 [الزمر: ] والأعلى العالم يقول: #فَإِهَكُمْ إِلَهُ وَاحِدٌ قَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَْرِ الُخبتِنَ4 


0 


[احج: 4*] حيث ظهر 9و بَشّرِ امُحْتِنَ4 الذين خبّتْ نار طبيعتهم» فقالوا ها ولم يقولوا 


./7 فصوص الحكم؛ ج1. ص‎ )١( 


ع 





طبيعة» #أوَقَدٌ َنُ أَصَلُوا كَثِيرًا» انوح: 5 أي حيروهم في تعداد الواحد بالوجوه والنسب 
#وّلا تَردِ الظَّلمينَ 4 لأنفسهم #المصْطَمَيْنَ4) الذين أورثوا الكتاب. أول الثلاثة» فقدمه 
على المقتصد والسابق 8َإإِلّا صَلالًا؛ك إلا حيرة المحمديء (زدني فيك تحيراً)» #كُلَّا آضَاءَ 
كُمْ مَشَّوْا فيه وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواك [البقرة: 45٠0‏ فالحائر له الدور والحركة الدورية حول 
القطب فلا يبرح منهه وصاحب الطريق المستطيل مائل خارج عن المقصود طالبٌ ما هو فيه 
صاحب خيال إليه غايته: فله مِنْ وإلى وما بينهما. وصاحب ال حركة الدورية لا بدءً له فيلزمّه 
(مِنْ) ولاغاية فتحكمَ عليه (إلى)» فله الوجود الأتمٌّ وهو المؤتى جوامع الكلم وَالحكّم)() 

قال آخر: ثم راح يؤول ما ورد في القرآن الكريم من العقوبة التي لحقت بهم 
وأسبامها؛ فيقول في قوله تعالى: ليما ححَطِيئَات م أَغْرِقُوا» انوح: 0 (فهي التي خطت بهم 
فغرقوا في بحار العلم بالل وهو الحيرة» فَأَدْخِلُوا نارً» في عين الماء وفي المحمديين» لوَإدَا 
البحارٌ سجَرَتْ4: سَجَرْت من التنور إذا أوقدته من فَلمْ يدوا شم مِنْ دُونٍ الله أنُصَارٌَ ا 
[نوح: 10]» فكان الله عين أنصارهم فهلكوا فيه إلى الأبد؛ فلو أخرجهم إلى السّيف. سيف 
الطبيعة لنزل بهم عن هذه الدرجة الرفيعة» وإن كان الكل لله وبالله بل هو الله)() 

قال آخر: ثم راح يؤول ما ورد في القرآن الكريم من دعاء نوح عليه السلام في آخر 
السورة» فقال: (وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ 4 انوح: 105) ما قال إلهيء فإن الرب له الثبوت والإله 
يتنوع بالأسماء فهو كل يوم في شأن؛ فأراد بالرب ثبوت التلوين إذ لا يصح إلا هو #رّبٌ 
لا تَدَرْ عَلَ الْأَرْضٍ من الْكَافِرِينَ دَيَّارَ ا [نوح: 757]) يدعو عليهم أن يصيروا في بطنهاء 
الحمدي (لو دليتم بحبل لهبط على الله ل ماف السََّاوَاتَ وَالْأَرَضٍ»* [البقرة: 115]» وإذا 


كلاسن اه وكداى 2 ٠. ٠.‏ 0 سي ب قر 0 5 ورق. ير #2 عر 
دفنت فيها فأنت فيها وهي ظرفك: #وَفِيهَا نَعِيدكُمْ وَمِنْهَا نخر كم تَارَةَ أخرّى #4 [طه: ده] 
)١(‏ فصوص الحكم. ج١1‏ ص 7. (1) فصوص الحكم؛ ج1١‏ ص 7. 


هع 





لاختلاف الوجوه لمِنَ الكافِرِينَ4 الذين اسْتَعْشَّوا ثيايكُمْ وجَعَلُوا أَصابِعَهُمْ في آذاممْ * 
طلباً للستر لأنه دعاهم ليغفر لهمء والغفر الستر» لإديّاراً4 أحداً حتى تعم المنفعة كما عمت 
الدعوة» إِنّكَ إِنْ تَدَرْهُمْ4 أي تدعهم وتتركهم ليْضِنُوا عبادكَ4 أي يحيروهم 
فيخر جوهم من العبودية إلى ما فيهم من أسرار الربوبية فينظرون أنفسهم أرباباً بعد ما كانوا 
عند أنفسهم عبيداً فهم العبيد الأرباب» ولا يدوا أي ما ينتجون ولا يظهرون إلا 
فاجراً» أي مظهراً ما ستر» لأكَفَاراً» أي ساتراً ما ظهر بعد ظهوره؛ فيظهر ون ما سين ثم 
يسترونه بعد ظهوره؛ فيحار الناظر ولا يعرف قصد الفاجر في فجوره. ولا الكافر في كفره. 
والشخص واحد. #إرّبٌ اغْفِرُ لي * أي استرني واستر من أجلي فيجهل قدري ومقامي ى| 
جهل قدرك في قولك: #وّما قَدَرُوا الله حَنّ قَدْرِو4» #وَلِوالِدَيَّ4: من كنت نتيجة عنهما 
وهما العقل والطبيعة» لإوّ يَنْ دَحَلَ بَيْتِيَ 4 أي قلبي مُؤْمناً» مصدقاً بها يكون فيه من 
الإخبارات الإلهية وهو ما حدّئت به أنفسها لو لِلْمُؤْمِِنَ4 من العقول لو امُؤْمناتِ4 من 
النفوس» ولا تَرْدِ الظَلينَ4: من الظلمات أهل الغيب المكتنفين خلف الحجب الظلمانية 
إل بارا أي هلاكاًء فلا يعرفون نفوسهم لشهودهم وجه الحق دونهم؛ وفي المحمديين» 
لكُلُ شيء هالِكٌ إِلّا وَجْهَةُ4 والتبار الحلاك)10) 

قال آخر: ومع وضوح ما ذكره شيخنا الأكبر إلا أنه عند العودة للشراح الذين 
شرحوا الفصوص لعلنا نجد عندهم ما يؤول كلامه, أو يحمله على بعض المحامل الحسنة» 
نجد الأمر على عكس ذلك؛ فهم يؤكدون كلامه ويؤيدونه وينتتصرون له» ولو على حساب 
ما ورد في القرآن الكريم. 

قال آخر: ومن الأمثلة على ذلك ما ورد في شرح القيصري للفصوص.ء فقد قال 


.74 فصوص الحكم. ج١1 ص‎ )١( 


كلا 





تعليقا على النصوص السابقة: (كان عتب موسى أخاه هارون لأجل إنكاره عبادةً العجل» 
وعدم اتساع قلبه لذلك؛ فإن العارف من يرى الحقّ في كل شيء بل يراه عين كل شيء: فكان 
موسى يُربَى هارونَ تربيةَ علم.. واعلمء أن هذا الكلام وإن كان حقاً من حيث الولاية 
والباطن» لكن لاايصح من حيث النبوة والظاهر؛ فإن النبي يجب عليه إنكار العبادة لأرباب 
الجزئية» كما يجب عليه إرشاد الأمة إلى الحق المطلق. لذلك أنكر جميع الأنبياء عبادة الأصنام 
وإن كانت مظاهر للهوية الإلهية؛ فإنكار هارون عبادةً العجل من حيث كونه نبياً حق» إلا 
أن تكون محمولَا على أن موسى عليه السلام, عَلم بالكشف أنه ذهل عن شهود الحق الظاهر 
في صورة العجلء فأراد أن ينبّهه على ذلك؛» وهو عين التربية والإرشاد منه» وإنكاره عليه 
السلام على السامري وعجله على بصيرة؛ فإن إنكار الأنبياء والأولياء لعبادة الأصنام التي 
هي المظاهر ليس كإنكار المحجوبين, فإنهم يرون الحق مع كل شيء» بخلاف غيرهم, بل 
ذلك لتخليصهم عن التقيد بصورة خاصة وجل معيّنء إذ فيه إنكار باقى المجالى وهو عين 
الضلال 217 

المثال الثاني: 

قال آخر: ومن الأمثلة على ذلك ما ذكره شيخنا الأكبر في تفسير ما ورد في قصة 
موسى وهارون عليها السلام في القرآن الكريم» والذي قدم له بقوله: (اعلم أن وجود 
هارون عليه السلام كان من حضرة الرحموت بقوله تعالى: #وَوَعَبَا لَه مِنْ رَحْمَينَا؟ك [مريم: 
"0] يعني لموسى #أخاةُ هارُونَ نيياك. فكانت نبوته من حضرة الرحموت فإنه أكبر من 
موسى سناء وكان موسى أكبر منه نبوّة» ولما كانت نبوّة هارون من حضرة الرحمة» لذلك 
قال لأخيه موسى عليهما السلام: #إيا بْنَ أمّ4 فناداه بأمه لا بأبيه إذ كانت الرحمة للأم دون 


(1) شرح فصوص الحكم (القيصرى)؛ ص .1١91‏ 


لادلا 





الأب أوفر في الحكم: ولولا تلك الرحمة ما صبرت على مباشرة التربية» ثم قال #لا تَأَلُ 
بلخيتي وَلَا برَأيِي4 (ط: 4+] وظالا تُشْمِتْ بي الْأعْدَاء4 [الأعراف: »4]16١‏ فهذا كله تَفَسٌ 
من أنفاس ال رحمة» وسبب ذلك عدم التثبت في النظر فيم| كان في يديه من الألواح التي ألقاها 
من يديه» فلو نظر فيها نظر تثبت لوجد فيها ال هدى والرحمة» فالحدى بيان ما وقع من الأمر 
الذي أغضبه ما هو هارون بريء منه» والرحمة بأخيه» فكان لا يأخذ بلحيته بمرأى من قومه 
مع كبره وأنه أسن منه» فكان ذلك من هارون شفقة على موسى لأن نبوة هارون من رحمة 
الله فلا يصدر منه إلا مثل هذاء ثم قال هارون لموسى عليهما السلام: إن حَشِيتُ أَنْ تَقُولَ 
رفت بَنَ َي إِسْرَائيل و1 تَرقْبْ قَوْي4 (: 4*]؟ فتجعلني سبباً في تفريقهم؛ فإن عبادة 
العجل فرقت بينهم» فكان منهم من عبده اتباعاً للسامري وتقليداً له» ومنهم من توقف 
عن عبادته حتى يرجع موسى إليهم فيسألونه في ذلك» فخثي هارون أن ينسب ذلك 
الفرقان بينهم إليه» فكان موسى أعلم بالأمر من هارون لأنه علم ما عبده أصحاب العجل» 
لعلمه بأن الله قد قضى ألا يُعْبّد إلا إياه» وما حكم الله بشنيء إلا وقع» فكان عتب موسى 
أخاه هارون يا وقع الأمر ني إنكاره وعدم اتساعه؛ فإن العارف من يرى الحق في كل شيء 
بل يراه كل شيء» فكان موسى يربي هارون تربية علم وإن كان أصغر منه في السن) 27 
قال آخر: وقال: (ولذا لما قال له هارون ما قال» رجع إلى السامري فقال له ##قَ) 
حَطْبْكٌ يا سامِرِيٌ * يعني فيا صنعت من عدولك إلى صورة العجل على الاختصاص» 
وصنعك هذا الشبح من حلي القوم حتى أخذت بقلومهم من أجل أموالهم.. وما سمي المال 
مالا إلا لكونه بالذات تميل القلوب إليه بالعبادة» فهو المقصود الأعظم المعظم في القلوب 
لما فيها من الافتقار إليه» وليس للصور بقاءء» فلا بد من ذهاب صورة العجل لولم يستعجل 


.197 فصوص الحكم. ج١1 ص‎ )١( 


6 





موسى بحرقه؛ فغلبت عليه الغيرة فحرقه ثم نسف رماد تلك الصورة في اليمٌ نسفا» وقال 
له لانْظْر إلى ِلك فسماه إهاً بطريق التنبيه للتعليم؛ لما علم أنه بعض المجالي الإلمية)(1) 

قال آخر: ثم راح يذكر سبب عدم قيام هارون عليه السلام بحرق عجل السامري» 
فقال: (فكان عدم قوة إرداع هارون بالفعل أن ينفذ في أصحاب العجل بالتسليط على 
العجل كا سُلّط موسى عليه حكمةٌ من الله تعالى ظاهرة في الوجود ليُحْبّد في كل صورة» 
وإن ذهبت تلك الصورة بعد ذلك فم| ذهبت إلا بعد ما تلبست عند عابدها بالألوهية» ولهذا 
ما بقي نوع من الأنواع إلا وعبد إما عبادة تأله وإما عبادة تسخيرء فلا بد من ذلك لمن عقل» 
وما عبد شيء من العالم إلا بعد التلبس بالرفعة عند العابد والظهور بالدرجة في قلبه 
ولذلك تسمى الحق لنا برفيع الدرجاتء ولم يقل رفيع الدرجة» فكثّر الدرجات في عين 
واحدة» فإنه قضى أَلّا يعبد إلا إياه في درجات كثيرة مختلفة أعطت كل درجة مجلى إهياً عبدَ 
فيهاء وأعظم نجل عُبِدَ فيه وأعلاه #الهوى» كما قال لأأَقَرََيْتَ مَنِ اتَكََإَِهُهَوّاةُ4 [الجانية: 
؟؟] وهو أعظم معبودء فإنه لا يعبد شيء إلا به» ولا يعبد هو إلا بذاته)20) 

قال آخر: ثم راح يلتمس التبريرات المختلفة لعبادة العجل وغيره» فقال: (ألا ترى 
علم الله بالأشياء ما أكمله» كيف تمم في حق من عبد هواه واتخذه إهاً فقال: لوَآضَلَّهُ الله 
عَلى عِلَّم# والضلالة الحيرة» وذلك أنه لما رأى هذا العابدَ ما عَبَدَ إلا هواه بانقياده لطاعته 
فيه| يأمره به من عبادة من عبده من الأشخاصء حتى إن عبادته لله كانت عن هوى أيضاً 
لأنه لولم يقع له في ذلك الجناب المقدس هوى ‏ وهو الإرادة بمحبة ‏ ما عبد الله ولا آثره 
على غيره» وكذلك كل من عبد صورة ما من صور العالم واتخذها إهاً ما اتخذها إلا با هوى, 


فالعابد لا يزال تحت سلطان هواهء ثم رأى المعبودات تتنوع في العابدين» فكل عابدٍ أمراً ما 


.١194 فصوص الحكم ج١ء ص 197. (؟) فصوص الحكم. ج١1 ص‎ )١( 


الى 





يكثرمن يغبد سواة» والذي دده أدنى تيه يجار لاتحاد الموى »بل لأحدية الموى» فإنه عين 
واحدة في كل عابد» لوَأَضَلَّهُ لله» أي حيّره عَلى عِلْم 4 بأن كل عابد ما عبد إلا هواه ولا 
استعبده إلا هواه سواء صادف الأمر المشروع أو لم يصادف. والعارف المكمّل من رأى كل 
معبود جلى للحق يعبد فيه» ولذلك سمّوه كلهم إهاً مع اسمه الخاص بحجر أو شجر أو 
يي ا ا اه 
له أنها مرتبة معبوده» وهي على الحقيقة جلى الحق لبصر هذا العابد المعتكف على هذا المعبود 
في هذا المجى المختصء ولهذا قال بعض من عرف مقالة جهالة ما تَعْبدُهُمْ إلا ِيمَربُونا إِلَ 
الله رُلْمَى 4 [الزمر: *] مع تسميتهم إياهم آهة حتى قالوا #أَجَعَلَ الْآلةَ إِهَا وَاجِدًَا إن هَذَا 
لَتَّىْءٌ عجَابٌ 4 [ص: 0]» فم أنكروه بل تعجبوا من ذلك» فإغهم وقفوا مع كثرة الصور ونسبة 
الألوهية لاء فجاء الرسول ودعاهم إلى إله واحد يعرّفٌ ولا يُشْهّد بشهادتهم أنهم أثبتوه 
عندهم واعتقدوه في قولهم «إماَعبدُهُمْ ِل لبون ِل اللهَرُلْفَى 4 لعلمهم بأن تلك الصور 
حجارة» ولذلك قامت الحجة عليهم بقوله : #قل م سَمُوَهُمْ #؛ فا يسمونهم إلا با يعلمون 
أن تلك الأسماء لهم حقيقة» وأما العارفون بالأمر على ما هو عليه فيظهرون بصورة الإنكار 
لما عبد من الصور لأن مرتبتهم في العلم تعطيهم أن يكونوا بحكم الوقت لحكم الرسول 
الذي آمنوا به عليهم الذي به سموا مؤمنين» فهم عبّاد الوقت مع علمهم بأنهم ما عبدوا من 
تلك الصور أعياهاء وإنما عبدوا الله فيها لحكم سلطان التجلي الذي عرفوه منهم, وجَهِلّه 
المنكر الذي لا علم له با تجلى» ويستره العارف المكمل من نبي ورسول ووارث عنهم؛ 
فأمرهم بالانتزاح عن تلك الصور لما انتزح عنها رسول الوقت اتباعاً للرسول طمعاً في محبة 
الله إياهم بقوله طقل إِنْ كُُْمْ تِبُونَ الله فَانبحُون تحْببْكُمْ الله فدعا إلى إله يُصْمّد إليه 
ويُعْلّم من حيث الجملة» ولا يشهد #ولا ركه الأبصارٌ». بل #هو يدرك الْأبَصارٌ» 


الى 


للطفه وسريائه في أعيان الأشيات فلا تدركه الأبصار كه أهاالا تدرك آرواضها المديرة 
أشباحَهًا وصورّها الظاهرة, لوّهُوَ اللَطِيفُ الحبيُ4 والخبرة ذوق» والذوق تجل, والتجلي 
في الصورء فلا بد منها ولابد منه» فلا بد أن يعبده من رآه بهواه إن فهمت)(22 

المثال الثالث: 

قال آخر: ومن الأمثلة على ذلك ما ذكره شيخنا الجيلٍ في تفسير الآيات التي تحدثت 
عن إبليس ورفضه السجود لآدم عليه السلام» وقد قدم لذلك بقوله: (اعلم أن الله تعالى لما 
خلق النفس المحمدية من ذاته. وذات الحق جامعة للضدينء خلق الملائكة العالين من 
حيث صفات الال والنور وال هدى من نفس محمد يي ى| سبق بيانه» وخلق إبليس وأتباعه 
من حيث صفات الحلال والظلمة والضلال من نفس محمد يَأ وكان اسمه عزازيل» قد 
عبد الله تعالى قبل أن يخلق الخلق بكذا كذا ألف سنة. وكان الحق قد قال له: يا عزازيل لا 
تعبد غيري» فل| خلق الله آدم عليه السلام وأمر الملائكة بالسجود له. التبس الأمر على 
إبليس» فظن أنه لو سجد لآدم كان عابدا لغير الله» ولم يعلم أن من سجد بأمر فقد سجد 
لله» فلهذا امتنع» وما سمي إبليس إلا لنكتة هذا التلبيس الذي وقع فيه فافهم» وإلا فاسمه 
قبل ذلك عزازيل وكنيته أبو مرّة؛ فللا قال له الحق تعالى: #أقَالَ يا إِبلِيسٌ مَا مَنَحَكَ أَنْ تَسْجُدَ 
يا حَلَقَتٌ بِيَدَيَ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ4 اص: 4570 والعالون هم الملائكة المخلوقون 
من النور الإلي كالملك المسمى بالنون وأمثاله» وباقي الملائكة مخلوقون من العناصر» وهم 
المأمورون بالسجود لآدمء فقال: ##أنًا َي مِنهُ حَلَقبَنِي مِنْ نَارِ وَحَلَقتَُ مِنْ طِين 4 [ص: +0]» 
وهذا الجواب يدل على أن إبليس من أعلم الخلق بآداب الحضرة وأعرفهم بالسؤال وما 
يقتضيه من الجوابء لأن الحق لم يسأله عن سبب المانع» ولو كان كذلك لكان صيغة: لما 


.196 فصوص الحكم ج١1 ص‎ )١( 


0 





امتنعت أن تسجد لما خلقت بيدي» ولكن سأله عن ماهية المانع» فتكلم على سر الأمر فقال: 
لأني خير منه. يعني لأن الحقيقة النارية وهي الظلمة الطبيعية التي خلقتني منها خير من 
الحقيقة الطينية التي خلقته منهاء فلهذا السبب اقتضى الأمر أن لا أسجد. لأن النار لا تقتتضي 
بحقيقتها إلا العلوء والطين لا يقتضى بحقيقته إلا السفل)17) 

قال آخر: ولم يكتف بذلكء بل راح يدافع عن إبليس بكل الأساليب» فقد قال: 
(فلذلك قال إبليس: لإأَنَا حَيْر مِنْهُ حَلَقتَيِي من نَارِ وَحَلَفَتَُ مِنْ طِين 4 1ص:501» ولم يزد على 
ذلكء لعلمه أن الله مطلع على سرّهء ولعلمه أن المقام مقام قبض لا مقام بسطء فلو كان مقام 
بسط لقال بعد ذلك: (واعتمدت على ما أمرتني أن لا أعبد غيرك)؛ ولكن لما رأى المحل 
ا 
بإبليس وهو مشتق من الالتباسء ولم يكن يدعى قبل ذلك بهذا الاسم, فة فتحقق أن الأمر 
مفروغ عنه ولم يجزع ولم يندم ولم يتب ولم يطلب المغفرة» لعلمه أن الله لا يفعل إلا ما يريده 
وأن ما يريده الله تعالى هو الذي تقتضيه الحقائق» فلا سبيل إلى تغييرها ولا إلى تبديلها)7؟) 

قال آخر: ولم يكتف بذلكء بل راح يفسر عقاب الله له با يخرجه عن كل معانيه 
الظاهرة الواضحة» فقد قال: (قيل إن إبليس لما لعن هاج وهام لشدة الفرح حتى ملا العالم 
بنفسه. فقيل له: أتصنع هكذا وقد طردت من الحضرة؟ فقال: هي خلعة أفردني الحبيب بها 
لا يلبسها ملك مقرّب ولا نبيٌ مرسل؛ ثم إنه نادى الحق ى] أخبر عنه سبحانه وتعالى قال: 
لقَالَ رَبّ نظن إِلَ يَوْم يبون [ص: 4] لعلمه أن ذلك عكن» فإن الظلمة الطبيعية 
التي هي محتدة باقية في الوجود إلى أن يبعث الله تعالى أهلهاء فيتتخلصون من الظلمة الطبيعية 


إلى أنوار الربوبية» فأجابه الحق وأكد بأن قال له: ظفَإِنَتَ مِنَ الْنْظَرِينَ إِلَ يَوْم الْوَفْتِ 


. ١9/8 الإنسان الكامل (الجيل)؛ ص 19/8 . (1) الإنسان الكامل (الجيل)؛ ص‎ )١( 


كه 





الْْلُوم [ص: 8٠‏ 81] وذلك رجوع أمر الوجود إلى حضرة الملك المعبود» وقال: مَبِعِزتِكَ 
أَغْويه أَحْمَعِينَ4 اص: 15 لأنه يعلم أن الكل تحت حكم الطبيعة وأن الاقتضاءات 
الظلمانية تمنع من الصعود إلى الحضرات النورانية: لإِلّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِينَ4 [ص: *0] 
يعني الذين خلصوا من ظلمة الطبائع إقامة الناموس الإلهي في الوجود الآدمي» فإن كان 
المخلص بصيغة المفعول كان الأمر بالنسبة إلى الحقيقة الإلحية» يعني أخلصهم الله بجذيهم 
إليه» وإن كان بصيغة الفاعل كان بالنسبة إلى الحقيقة العبدية» يعني تخلصوا بالأعمال الزكية 
كالمجاهدات» والرياضات. والمخالفات» وأمثال ذلك. فلم| تكلم بهذا الكلام أجابه الحق 
فقال: الَأَمْلانَ جَهَنّمَ مِنْكَ وَمَنْ تبعَكَ مِنْهُْ أَْمَعينَ4 [ص: 05-84]؟ فلم| تكلم إبليس عليه 
اللعنة من حيث ما تقتضيه الحقائق أجابه الحق تعالى من حيث ما تكلم به إبليس حكمة 
إلهية» وذلك أن الظلمة الطبيعية التي تسلط بها إبليس عليهم وأقسم أنه يغو.هم هي عينهم 
القائدة لهم إلى النار. بل هي عين النار» لأن الطبيعة المظلمة هي النار التي يسلطها الله تعالى 
على قلوب المفسدين. فلا يتبع إبليس أحد إلا من دخلهاء ومن دخلها فقد دخل النار» فانظر 
إلى هذه الحكمة الإلهية كيف أبرزها الله تعالى برقيق إشارة ودقيق عبارة» ليفهمه من يستمع 
القول فيتبع أحسنه. فافهم إن كنت تمن يفهم» فديت من يعقل ما رمزت إليه» وفديت من 
يعلم)7) 

قال آخر: ولو أن شيخنا هذا وغيره من المشايخ الذين تجرؤوا على مثل هذه 
الأحاديث أطاعوا رسول الله # في وصيته بأئمة الهدىء لكان ما قاله الإمام علي في الشيطان 
رادعا لهم عن الخوض فيها؛ فقد قال: (الحمد لله الذي لبس العزّ والكبرياء» واختارهما 
لنفسه دون خلقه. وجعلههم! حمى وحرما على غيره» واصطفاهما لجلاله» وجعل اللّعنة على 


(1) الإنسان الكامل (الجيل): ص ١98‏ 


ردك 





من نازعه فيهم| من عباده؛ ثم اختبر بذلك ملاتئكته المقربين» ليميز المتواضعين منهم من 
المستكبرين» فقال سبحانه وهو العالم بمضمرات القلوب» ومحجوبات الغيوب: #إِذْ قَالَ 
رَبك لِلْمَكَائِكَةٍ إن حَالِقٌ بَشَرّامِنْ طِيٍ فَإِذًا سَوَيْتَهُوَتَقَحْتُ فيه مِنْ رُوحِي فَفَُوا لَهُسَاجِدِينَ 
6 املايكةٌ كُلَ أجَعُونَ ِل إِنلِيسَ» اص: 7١‏ 4/] اعترضته الحميّة فافتخر على آدم 
بخلقه. وتعصّب عليه لأصله فعدوٌ الله إمام المتعصّبينء وسلف المستكبرينء الذي وضع 
أساس العصبيّة. ونازع الله رداء الجبريّة» وادّرع لباس التَعَزّز وخلع قناع التَذلّل.. ألاترون 
كيف صغره الله بتكبّره» ووضعه بترفعه. فجعله في الدّنيا مدحوراء وأعدٌ له في الآخرة 
سعيرا!؟.. ولو أراد الله أن يخلق آدم من نور يخطف الأبصار ضياؤه» ويبهر العقول رواءه. 
وطيب يأخذ الأنفاس عرفه؛ لفعل» ولو فعل لظَلَّت له الأعناق خاضعة:؛ ولخفّت البلوى 
فيه على الملائكة» ولكنّ الله سبحانه يبتلي خلقه ببعض ما يجهلون أصله. تمبيزا بالاختبار لهمء 
ونفيا للاستكبار عنهم» وإبعادا للخيلاء منهم؛ فاعتبروا بما كان من فعل الله بإبليس اذ أحبط 
عمله الطّويل» وجهده الجهيد» وكان قد عبد الله سبّة آلاف سنة» لا يدرى أمن سني الدّنيا 
أم من سني الآخرة» عن كبر ساعة واحدة» فمن ذا بعد إبليس يسلم على الله بمثل معصيته؟ 
كلّاء ما كان الله سبحانه ليدخل الجنّة بشرا بأمر أخرج به منها ملكاء إن حكمه في أهل السّماء 
وأهل الأرض لواحدء وما بين الله وبين أحد من خلقه هوادة في إباحة حمى حرّمه على 
العالمين.. فاحذروا عباد الله عدوٌ الله أن يعديكم بدائه» وأن يستفركم بندائه» وأن يجلب 


عليكم بخيله ورجله. فلعمري لقد فوّق لكم سهم الوعيد. وأغرق إليكم بالتزع الشّديد 


و 


- 
أ 


ورماكم من مكان قريبء فقال: #رَبٌ با أَعْوَيتَتِي لَأرَيْئَنَ هُمْ في الأزض وَلَأْعْوِينَهُمْ 


أَحمَِنَ 4 [الحجر: 1*] قذفا بغيب بعيك» ورحما بظن غير مصيب» صدذقه به أبناء الحمية 


1 


وإخوان العصبية» وفرسان الكبر والجاهلية)7١)‏ 

المثال الرابع: 

قال آخر: ومن الأمثلة على ذلك ما ذكره شيخنا عبد الرزاق الكاشاني في تفسيره لم 
ورد في سورة الأنبياء من قصة إبراهيم عليه السلام» فقد قال في قوله تعالى: #وَلْقَدَ آتَيْنًا 
إِيْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلَ وَكُنَا به عَاِِنَ4 [الأنبياء: :]0١‏ (و لَقَدَ آتَينا إبْراهِيم الروح شد 
المخصوص به الذي يليق بمثله وهو الاهتداء إلى التوحيد الذاتي ومقام المشاهدة واخلة مِنْ 
قل انقب عرقية ة القلب والعقل متقدّما عليهها في الشرف والعرّ وكُنًا به عالينَ أي: لا 
يعلم بكماله وفضيلته غيرنا لعلوٌ شأنه) 7 

قال آخر: وقال في [الآيات ١ه‏ لى 58]: («إذ قال لأبيه النفس الكلية #وقومه » من 
النفوس الناطقة السماوية وغيرها اما هِذِه النَّائيلٌ* أي: الصور المعقولة من حقائق 
العقول والأشياء وماهيات الموجودات المتنقشة فيها لالَّتِي أنْتُم لا عاكِفُونَ» مقيمون على 
تمثلها وتصورها 00 00 المقدّسة وبروزه عن الحجب النورية 


0 
فلا.. #وَجَدَنا آباءنا# عللنا من العوالم السابقة على النفوس كلها من أهل الجبروت #هَا 
عابدِينَ# باستحضارهم إياها في ذواتهم لا يذهلون عنها #ني ضَلالٍ مين في حجاب 
عن الحق نوريٌ» غير واصلين إلى عين الذات عاكفين في برازخ الصفات لا تهتدون إلى 
حقيقة الأحدية والغرق في بحر الهوية #أَجِبْتَنا بالحق» أي: أحدث مجيئك إيانا من هذا 


الوجه بالحق فيكون القائل هو الحق عر سلطانه أم استمر بنفسك كما كان فتكون أنت القائل 


. 57 ميج البلاغة خطبة 5 71 ص ”/الا. (؟) تفسير ابن عربى (تأويلات عبد الرزاق)؛ ج7؛ ص‎ )١( 


ا 





فيكون قولك لعبا لا حقيقة له" فإن كنت قائ) بالحق» سائرا بسيره؛ قائلا به» صدقت وقولك 
الجدٌ وتفوّقت عليناء وتخلفنا عنك» وإن كنت بنفسك فبالعكس ##بل رَبكمْ4 الجائي 
والقائل ربكم الذي يربكم بالإيجاد والتقويم والإحياء والتجريد والإنباء والتعليم رب 
الكل الذي أوجده إوأَنًا عَلى ذلِكُمْ4 الحكم بأن القائل هو الحق الموصوف بربوبية الكل 
#مِنَ الشَّاحِدِينَ وهذا الشهود هو شهود الربوبية والإيجاد وإلا لم يقل أنا وعلى إذ الشهود 
الذاتي هو الفناء المحض الذي لا أنائية فيه ولا اثنينية» وتلك الاثنينية بعد الإفصاح بأن 
الجائي والقائل هو الحق الذي أوجد الكل مشعرة بمقام الكل المتخلف عن مقام #لَأَكِيدَنٌ 
أَصْنامَكُمْ * لأمحون صور الأشياء وأعيان الموجودات التي عكفتم على إيجادها وحفظها 
وتدبيرهاء وأقبلتم على إثباتها بعد أن تعرضوا عن عين الأحدية الذاتية بالإقبال إلى الكثرة 
الصفاتية بنور التوحيد فَجَعَلَهُمْ4 بفأس القهر الذاتي والشهود العيني #جذاذاً» قطعا 
متلاشية فانية إلا كَبرأَكَمْ4 هو عينه الباقي على اليقين الأول الذي به سمى الخليل خليلا 
طلَعَلَهُْ لَه يَرْجِعُونَ4* يقبلون منه الفيض ويستفيضون منه النور والعلم كما استفاض هو 
منه أو لا)(01) 

قال آخر: وقال في [الآبات 1 الى 77]: (لإأأَنْتَ فَعَلْتَ هذا صورة إنكار لما لم يعرفوا 
من كماله إذ كل ما يمكن للنفوس معرفته فهو دون كمال العقول التي هي معشوقاتها وهي 
محجوبة عن كله الإلحي الذي هو به أشرف منها قال بل فَعَلَهُ كَبِرْهُمْ4 أي: ما فعلته 
بأنانيتي التي أنا بها أحسن منهاء بل بحقيقتي وهويتي التي هي أشرف وأكبر منها 
لمَسْتَلُوهُمْ إنْ كانُوا يَنْطِقُونَ» بالاستقلال» أي: لا نطق لهم ولا علم ولا وجود بأنفسهم 
بل بالله الذي لا إله إلا هو 20 


.4 5 تأويلات عبد الرزاق» ج37 ص‎ )١( . 47 تأويلات عبد الرزاق» ج37 ص‎ )١( 


كم 





قال آخر: وقال في [الآيات ؛* الى 10]: (للقَرَجَعُوا إلى أَنْمْسِهِمْ4 بالإقرار والإذعان 
معترفين بأن الممكن لا وجود له بنفسه فكيف كاله لقَقَانُوا إِنَكُمْ أنْتُمُ الظَائُونَ4 بنسبة 
الوجود والكال إلى الغير لا هو انك نَكِسُوا عَلى رؤوسهم» حياء من كاله ونقصهم 
وخضوعا وانفعالا منه #لَقَدَ عَلِمْتَ 4 بالعلم اللدني الحقاني فناءهم فنفيت النطق عنهم» 
وأما نحن فلا نعلم إلا ما علمنا الله فاعترفوا بنقصهم كما اعترفوا به عند معرفتهم لآدم بعد 
الإنكار» فقالوا: «إلا عِلْمَ لَناإِلّا ما عَلَّمْتَناك 07 

قال آخر: وقال في [الآيات 55 لى 14]: ('#أْفْتَعْبْدُونَ مِنْ دون الله» وتعظمون غيره عا 
لاينفع ولايضرء إذهو النافع الضارٌ لاغير أَفَّ لَكُمْ أتضجر بوجودكم ووجود معبوداتكم 
ووجود كل ما سواه تعالى #أقَلا تَعْقَلُونَ4 أن لا مؤثر ولا معبود إلا الله #حَرّقُوة4 أي: 
اتركوه يحترق بنار العشق التي أنتم أوقدتموها أولا بإلقاء الحقائق والمعارف إليه التي هي 
حطب تلك النار عند رؤيته ملكوت السموات والأرض بإراءة الله إياه» كما قال: #وكَذْلِكٌ 
ثري إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السّماواتٍ والْأَْضٍ» وإشراق الأنوار الصفاتية والأسمائية عند 
تجليات الجمال والجلال عليه من وراء أستار أعيانكم التي هي منشأ اتقاد تلك النار 
#وانْضُرُوا آمْتَكُمْ4 أي: معشوقاتكم ومعبوداتكم في الإمداد بتلك الأنوار وإيقاد تلك 
النار نكم فين بأمر الحق» (© 

قال آخر: وقال في [الآيات 4 الى :]7١‏ (#يا نارٌ كُون يَرْداً وسَلاماً# بالوصول حال 
الفناء» فإن لذّة الوصول تفيد الروح الكامل والسلامة عن نقص الحدثان وآفة النقصان 
والإمكان في عين نار العشق #وأرادُوا ب كيدا بإفنائه وإحراقه فَجَعَلنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ* 


الأنقصين منه كالا ورتبة #ونَجَّيْناه# ولوط العقل بالبقاء بعد الفناء بالوجود الحقان 


55 تأويلات عبد الرزاق» ج37 ص‎ )١( .4 5 تأويلات عبد الرزاق» ج7؛ ص‎ )١( 


لا 





الموهوب إلى أرض الطبيعة البدنية #الَِّي بارَكُنا يها بالكمالات العملية المثمرة والآداب 
الحسنة المفيدة والشرائع والملكات الفاضلة #لِلْعَايَنَ4 أي: المستعدّين لقبول فيضه وتربيته 
وهدايته)(17) 

قال آخر: هذه بعض الناذج عما ورد في تفاسير شيوخناء وهي ى| ترون تتعسف في 
التأويل» وإخراج المعاني القرآنية عن ظواهرها الواضحة المعلومة» بل هي تتناقض معها 
تماماء وفوق ذلك كله عدم انضباطها بأي ضوابطء لآن المفسر فيها يترك لقلمه العنان ليعبر 
بها شاء وكيف شاءء لأن كل ما يرد على خاطره ‏ كما يذكر ‏ إلهام إلهي. 

5. الكشف والتعالم: 


قام أحد الحضورء وقال: وعينا هذا.. فهل هناك غير ما ذكرتم مما ترون أنه يجب 
عليكم بيانه لنا حتى لا نقع في المهالك» ونحن نبحث عن المىمالك؟ 

قال أحد الشيوخ: أجل.. وهو تلك الدعاوى العريضة المرتبطة بالعلم والمعرفة» 
والتي لا تجعلها حكرا على من تتملذوا على كتب أولئك الذين خصصناهم من دون من 
المؤمنين بلقب العارفين بالله» وإنما يشمل تلك المناهج التي تعارف البشر على استعمالها 
للتعلم والمعرفة. 

قال آخر: وهذا نراهم يذكرون الكثير من العلوم التي خصوا بها من دون الناس» 
ومن غير أن يستعملوا في الوسائل المعروفة للتعلم. 

قال آخر: ومن الأمثلة على ذلك تلك الدعاوى الطويلة العريضة المرتبطة بالقدرات 
العلمية الحائلة لمشايخ الصوفية الكبار» بل والمريدين منهم, والتي لا ترتبط فقط بالمعرفة بالله 


.55 تأويلات عبد الرزاق» ج 7 ص‎ )١( 


1 





وحقائق الدين وقيمه» وإنا| ترتبط بكل شؤون الحياة» وبكل المعارف الدينية والكونية. 

قال آخر: وكل ذلك من غير تكلف دراسة ولا بحث؛. ولا حضور للمدارس 
والجامعات» ولا معاناة مطالعة وبحث.. بل يكفي أن يجلس أحدهم في الخلوة أربعين يوماء 
أو أقل أو أكثر ليتنزل عليه حينها من العلوم ما يغنيه عن كل جامعات العالم ومكتباتها.. 
وبذلك انحرف دور الخلوة من كونها محلا لتحقيق التعمق في الإيان وتذوقه إلى محل 
لاصطياد المعارف والعلوم. 

قال آخر: ولهذا نجد في كتب مشايخنا المصنفات الخاصة بنتائج الخلوة» واعتبارها 
معيارا لصحتهاء فمن خرج عندهم من خلوته بالإيهان المجرد عن تلك المعارف, لا يكون 
قد نال من ثار خلوته شيئا. 

قال آخر: ومعظم هذه الكتب مقتبسة من كتب شيخنا الأكبر» وخاصة كتابه 
[الأنوار فيا يمنح صاحب الخلوة من أسرار]ء بالإضافة إلى ما كتبه في الفتوحات عنها. 

قال آخر: ومن الكتب المؤلفة في ذلك كتاب [الجوهر المصون والسر المرقوم فيا 
تنتجه الخلوة من الأسرار والعلوم] للشيخ عبد الوهاب الشعراني» وهو في ذكر ما يمكن ان 
ينتج للمريد من كشف وفتوح وأسرار إهية في الخلوة عند قراءته لكل سورة من سور 
القرآن» وقد قال في مقدمته: (فهذا كتاب نفيس ليس في ذخائر ملوك الدنيا مثله سميته ب 
[الجوهر المصون والسر المرقوم فيه| تنتجه الخلوة من الأسرار والعلوم]» وضمنته أسرارا 
غريبة وعلوما شريفة فاخرة عجيبة لا مرقى لأحد إلى التسابق إلى معرفة شمس من أسراره 
وعلومه بالفكر ولا إمعان نظر في كتب وإن| ذلك هبة من الله تعالى لمن شاء من عباده 
المختصين إما من طريق الخلوة المعروفة بين القوم» وإما من طريق الجذب الإلهي للعبد, غير 
ذلك لا يكونء وإنما خصصنا تلك الأسرار والعلوم بالخلوة جريا على الغالب وإلا 


اه 


فالمجذوب الإلحي قد تحصل له هذه الأمور ولكنه لا يصلح لتربية المريدين لجهله بمراتب 
الطريق؛ فهو كمن خطف من أرض مصر إلى مكة مثلا فلا يعرف مناهل الطريق ومراحلها 
كا يعرفها الذي يسافر مع الدليل والركب فافهم.. وأيضا فإن الخلوة تجمع القلب على 
حضرة الرب وما دام العبد لم يدخل الخلوة فهو مع الخلق لا مع الحق جل وعلا ومعلوم أن 
الخلق ليسوا بأهل لإفاضة هذه الأسرار والعلوم من ذواتهم وإنما يفيضها الحق تعالى عليهم 
إذا دخلوا في حضرته بعد #بذيب أخلاقهم وزوال رعونات نفوسهم ىا هو معروف بين 
العارفين) 217 

قال آخر: وهو لا يقصد بهذا تعميق المعارف الإيهانية لتتحول من علم اليقين إلى عين 
اليقين» أو إلى حق اليقين» وإنما يقصد أنواع العلوم التي يكتسبها المختلي» والتي لا علاقة لها 
بذلك. 

قال آخر: من الأمثلة على ذلك ما ذكره عن العلوم التي يكتسبها المختلٍ من سورة 
الفلق» ومن غير أستاذ ولا كتبء فمنها: (علم ما يعطيه الزمان في نشأة الإنسان وفى سائر 
المعادن والنبات والحيوان» ومنها علم اجتماع الكثير من الأيدي والصفات على إيجاد 
الواحد» ومنها علم حضرة تمليك ما ينشئه المنشئ من كونه أنشأه» ومنها علم حضرة 
الرياضة الإلهية والفرق بينها وبين الرياضة الكونية» ومنها علم حضرة النعم» وما لا في 
الدنيا والآخرة» ومنها علم حضرة المبداً والمعاد» ومنها علم حضرة التشبيه» وعكس 
التشبيه» ىا هو الأصل الذي ينفع به التشبيه» ومنها علم حضرة التأثير» ومنه تأثير اجتماع 
الأضداد من العلم الإلمي ووجود النار في الماء والماء في الناره ىا ورد متضمنا في مكنون 
السنة» ومنها علم الحضرة التي أظهرت صفات العالم في عينه» ومنها علم حضرة الملكوت» 


(1) الجوهر المصون والسر المرقوم فيها تنتجه الخلوة» ص 75. 





وأين حظه من الملك والجبروت؟ ومنها علم حمد السراء وتفاصيله وهو علم شريف)20.. 
ثم يختم هذه العلوم الكثيرة بقوله: (فهذه أمهات علوم هذه السورة والله سبحانه وتعالى 
أعلم)20) 

قال آخر: وهكذا يذكر عند كل سورة أنواع العلوم التي يتقنها صاحبها من خلال 
جلوسه في الخلوة لتلك الفترة المحدودة» بل قد تتنزل عليه من غير معاناة الخلوة نفسها. 

قال آخر: وقد ذكر الشيخ الشعراني في كتابه [الأنوار القدسية في معرفة قواعد 
الصوفية] مجامع العلوم التي تثمرها الخلوة» واعتبرها ثارا ضرورية» على أساسها تكون 
الخلوة صحيحة أو غير صحيحة, أو كاملة أو غير كاملة» وقد قال في التقديم لها والتعريف 
بضرورتها واعتبارها المعيار على نجاح الخلوة» ومدى إخلاص صاحبها: (وأما ثمرات 
الخلوة التي لا ينبغي لشيخ أن يدخل المريد الخلوة إلا إن علم من طريق كشفه حصوها له 
فهي خمسة وعشرون من انواع الكشف وقد أجمعوا على أن حصوها من علامات صحة 
الفتح» وآن من لم تحصل له فاشتغاله بالعلم والكسب والصنايع والحرف أفضل له من 
دخول الخلوة» فيقال لمن اختلى ماذا حصل لك من الكشوفات والعلوم؟ فإن رأيناه كاشفنا 
بهذه الخمسة وعشرين كشفا صدقناه والا أعرضنا عنه)9) 

قال آخر: وقال في [الجوهر المصون والسر المرقوم فيا تنتجه الخلوة من الأسرار 
والعلوم]: (يقال لمن ادعى الصدق في دخول الخلوة فإذا فتح الله تعالى به على قلبك من 
العلوم والأسرار والمعارف الربانية والآداب المحمدية فإن أبدى لنا شيئا من العلوم التي 
ذكرناها في هذا الكتاب وتكلم لنا على كل علم منها قلنا له أنت صادق رضى الله تعالى عن 


.87 الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية» ج7١ ص‎ )( .14 ١ الجوهر المصون والسر المرقوم فيه| تنتجه الخلوة؛ ص‎ )١( 
74١ الجوهر المصون والسر المرقوم؛ ص‎ )١( 
4 


شيخكء وعرفنا أنه محقق لا متشبه بالقوم وإن رأيناه جاهلا بعلوم هذا الكتاب وأسرار 
الخلوة التي قدمناها عرفنا أنه متشبه لا متحقق وأنه لم يخلص في دخول الخلوة)(21.. وهذا 
يعني أن المختلي ‏ بدل أن ينشغل بذكر الله والتقرب إليه ‏ ينشغل بالبحث عن تلك العلوم 
التي سيسأل عنها بعد خلوته» ليثبت نجاحه أو فشله. 

قال آخر: وقد ذكر الشعراني أول تلك الكشوفء. فقال: (فأول الكشوفات التي 
تحصل للمختلي أن يكشف له عن عالم الحشر الغائب عنه فلا يحجبه ظلمة ولا جدار عم| 
يفعله الناس في قعور بيوتهاء لكن يجب عليه التوبة من هذا الكشف فورا لأنه كشف 
سلطاني» وينبغي له أن يسأل الله تعالى أن يخلق باسمه الستار.. والفرق بين الكشف الحسّى 
والخيالي أن يغمض العبد عينيه عند رؤية شخص أو عند رؤية فعل» فإن بقي له الكشف 
فهو خيالي» وإن زال فليعلم أن الإدراك قد تعلق بمكان خصو ص)”) 

قال آخر: وقال عن العلم الثاني: (أن تنزل عليه المعاني العقلية في الصور الحسيّة فلا 
يصير بعد ذلك يحتاج إلى إتعاب فكر في تحصيل شيء ما طريقه العقل) 

قال آخر: وقال عن العلم الثالث: (أن يؤتى بأوان فيها شراب فينبغي له أن يشرب 
اللبن منهاء وإلا فاللبن ثم العسل» وإن جمع بين اللبن والعسل فهو أفضلء وليحذر من 
شرب الخمر فإنه يورث الشطح. فإن كان الخمر تمزوجا باء المطر فليشربه دون الممزوج باء 
الأنبار والآبار والعيون. وعليه بالذكر حتى يرتفع عنه عالم الخيال ويتجلى له عالم المعاننٍ 
المجردة عن المواد) 

قال آخر: وقال عن العلم الخامس: (أن يعرض عليه الحق تعالى مراتب المملكة كلها 
فلا ينبغي له الالتفات إليها) 


./17 الجوهر المصون والسر المرقوم فيها تنتجه الخلوة» ص ”7. (؟) الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية» ج 7" ص‎ )١( 


به 





قال آخر: وقال عن العلم السادس: (أن يكشف له عن أسرار الأحجار المعدنية 
وغيرها فيعرف سر كل حجر وخاصيته في المضار والمنافع ويعرف عمل الكيمياء الصحيحة 
التي لا تتغير على مرور الأزمان فلا ينبغي الالتفات إلى شبيء من ذلك) 

قال آخر: وقال عن العلم السابع: (أن يكشف له عن أسرار النبات حتى تناديه كل 
عشبة وتخبره ب| فيها من النواصء ولا ينبغي له الالتفات إلى ذلك» فمن التفت إلى ذلك 
طرد» وليكن غذاؤه عند حصول هذا الكشف با كثرت رطوبته وحرارته) 

قال آخر: وقال عن العلم الثامن: (أن يكشف له عن أسرار الحيوان كله حتى 
الحشرات ويسلم عليها وتعرّفه ب| أودعه الله فيها من الخواص النافعة والضارة وبا تعبد 
الله تعالى به من أنواع التسبيح والتمجيد.. وهنا نكتة جليلة وهو أن المختلي إن رأى العوالم 
مشتغلة بالذكر الذي هو عليه في الخلوة فليعلم أنه كشف خيالي لا حقيقي فإن خياله هو 
الذي أقيم له في الموجودات, وإن رآها مشتغلة بأنواع أذكارها هي فهو كشف حقيقي) 

قال آخر: وقال عن العلم التاسع: (أن يكشف به عن سريان عالم الحياة التي هي 
سبب الإحياء وما تعطيه من الأثر في كل ذات وكيف تندرج العبادات في هذا السريان 
فيعرف نشأة الصلاة الحية من الميتة) 

قال آخر: وقال عن العلم العاشر: (أن يكشف له عن اللوايح اللوحية ويخاطب 
بالمخاوف وتتنوع عليه الحالات ويقام له دولاب يعاين فيه صور الاستحالات وكيف يصير 
الكثيف لطيفا وعكسه) 

قال آخر: وقال عن العلم الحادي عشر: (أن يكشف له عن نور نظائر السر حتى 
يطلب التستر منه فليقدم على الذكر ولا يخف فانه ينقطع عنه ويندفع) 


قال آخر: وقال عن العلم الثاني عشر: (أن يكشف له عن نور الطوالع وصورة 


اولعف 


التراكيب الكلية» وتعرف آداب الدخول إلى الحضرة الإلهية وآداب الوقوف بين يدي الحق 
جل وعلاء وأدب الخروج من عنده إلى الخلق» وهناك يعرف ان كل شيء نقص من الظاهر 
زيد في الباطن والذات واحدة وما ثم نقص حقيقة) 

قال آخر: وقال عن العلم الثالث عشر: (أن يكشف له عن مراتب العلوم النظرية 
ويعرف صور المغاليط التي تطرأ على الافهام وسريان السرّ الإلمي في العالم) 

قال آخر: وقال عن العلم الرابع عشر: (أن يكشف له عن عالم التصوير والحسش 
والخيال ويمده كل شيء في الوجود ب| عنده) 

قال آخر: وقال عن العلم الخامس عشر: (أن يكشف له عن مراتب القطبية وعوالمها 
وكل ما شاهده قبل ذلك فهو من عالم اللسان» وهناك يعطى عالم الرموز والاجمال والوهب) 

قال آخر: وقال عن العلم السادس عشر: (أن يكشف عن عالم العزرّة فيعرف جميع 
الآدلة السليمة والشرائع المستقيمة المنزلة من عند الله بواسطة محمد ## على أتم وجوهها 
ويميز قول الله من قول خلقه ولو حكاه تعالى عنهم ويتأيد عنده الأحاديث التي قيل 
بضعيفها بالكشف. ويعرف أيضا جميع المقامات ومراتبها في الحضرة الإلهية وتقابله كلها 
بالتوقير والتعظيم) 

قال آخر: وقال عن العلم السابع عشر: (أن يكشف له عن غامضات الأسرار)» 
وقال عن العلم الثامن عشر: (أن يكشف له عن عالم الحيرة والقصور والعجز وخزائن 
الاعمال وهي من الجنان عليون فقط) 

قال آخر: وقال عن العلم التاسع عشر: (أن يكشف له عن جميع الجنان ومراتب 
أهلها كلهم وهو واقف على طريق ضيق» ثم عن جهنم ودركاتها ومراتب أهلهاء وهناك 
يعرف كشفا ويقينا الأعمال الموصلة إلى كل من الدارين) 


5 


قال آخر: وقال عن العلم الرابع والعشرين: (أن يعرف منازع جميع أحوال 
المجتهدين من الكتاب والسنة ويخرج من الخلوة وقد نحى نفسه من ديوان الفقراء 
الصادقين» وأما من يخرج منها وهو يرى أنه خير من أقرانه فهو ممقوت بإجماع أهل الطريق» 
إذ هو وقت اللبس الذي أخرج به آدم من حضرة الله) 

قال آخر: ثم ختم كل هذه العلوم التي ذكرها بالتأكيد على كوبا ثهارا ضرورية؛ فمن 
فاتته لم يستفد من خلوته. 

قال آخر: ولم يكتف بذلك. بل راح يذكر عن غيره اشتراط ثهار علمية أخرى. فقد 
قال: (كان أخي أبو العباس الحريني يختلي الأربعين وأكثر ويقول: كل خلوة لا تمنح 
صاحبها هذه العلوم فهي عبث ناقص الاستعداد» وهي: علم حضرة الجمع الأكبر» وعلم 
مزلات الأقدام» وأسباب السعادة والشقاء. وعلم الفرق بين الكرامة والاستدراج في سائر 
الأحوال» وعلم جميع مراتب العالم عند الله تعالى على اختلاف طبقات الخلق ومعرفة أنساب 
جميع الحيوانات إلى أبيها الأول.. ومنها علم التجليات الالهية وعلم بطون عالم الشهادة في 
عالم الغيب وعكسه.. ومنها علم جواهر القرآن كلها في مقام الإسلام وفي مقام الإييان وفي 
مقام الإحسان وفي مقام الايقان.. ومنها علم مراتب الملائكة في الدار الآخرة على التفصيل 
وعلى اللجمع بين الضدين» وإدخال الواسع في الضيق؛ وطي الزمان» وشهود الجسم الواحد 
في مكانين فأكثر من مكانين فأكثر في آن واحد)17) 

قال آخر: ومن العلوم التي ذكرها: (علم كلام الحيوانات من حيث تسبيحها بحمد 
رمها حال صلاتها ومعرفة الأداة المتعلقة بملاتكة الأرض وملاتئكة المواء بين السموات 
كلهاء وعلم البرازخ)() 


.194 الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية» ج7١ ص 494. (1) الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية ج7١ ص‎ )١( 


هك 





قال آخر: ومن العلوم التي ذكرها: (علم إبراز الغيوب من خلق الحجبء وعلم 
الظلالات الأقدسية وعلم كيفية الحروف المسطرة في اللوح المحفوظ. وعلم طول العالم 
وعرضه من الجهات الست)00) 

قال آخر: ومن العلوم التي ذكرها: (علم حضرات الفردانية والصمدانية وعدتها 
سبعون آلف حضرة ومعرفة الأحكام المتعلقة بأهل كل حضرة بحيث يصير يمليها كلها من 
قلبه.. ومنها علوم فتق الرتق بالعروق وفصل الوصل بالختوق)”) 

قال آخر: ومن العلوم التي ذكرها: (علم حضرات الرجوع ولاذا يرجع كلام الباري 
جل وعلاء هل هو لذاته» أو لصفة قائمة زائدة عليهاء أو لعلمه أو نسبه خاصة؛ وما محل 
الإعجاز من جميع الآيات)0© 

قال آخر: ومن العلوم التي ذكرها: (علم تطورات الحروف ملائكة حال النطق بها 
بحيث يصير صاحب هذا الكشف يرى الجو كله ملائكة من كلام الخلق)0؟) 

قال آخر: ومن العلوم التي ذكرها: (علم الغيب الذي انفرد به الحق جل وعلاء 
والغيب الذي يطلع خواص عباده عليه» وهل بين كل أرض وأرض سماء فيها ملائكة أم 
الوالف 

قال آخر: ومن العلوم التي ذكرها: (علم الشرائع المبثوثة في جميع العالم وعلم جميع 
المعجزات والكرامات واستخراجها كلها من مقام محمد )257 

قال آخر: ومن العلوم التي ذكرها: (علم مظاهر الآيات البرزخية والكرامات 
الكونية» وعلم ما خص الله تعالى به أصحاب الكهف من العلوم والأسرار» وعلم 


.84 الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية» ج 7 ص 84. (5) الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية» ج 7 ص‎ )١( 
.84 (؟) الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية» ج 7 ص 14. (5) الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية» ج 7 ص‎ 
.14 الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية» ج7. ص 14. (1) الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية» ج7". ص‎ )37( 


547 





الانفهامات القدسية والالحامات الملكية والصحف الفردوسية وحضرة الديمومية)(1) 

قال آخر: ومن العلوم التي ذكرها: (علم الآداب التي تجب على أتباع كل أمة 
ومستحباتها عن غيرها)”") 

قال آخر: ومن العلوم التي ذكرها: (علم الكنوز ومعرفة حل طلسمات جميع الكنوز 
بأي حرف شاء من حروف الهجاء على عدد محصوص وحال مخصوص ويتصرف في جميع 
كنوز الدنيا بها شاء لكنه يترك ذلك اقتداء بجمهور الأنبياء والأولياء)7») 

قال آخر: ومن العلوم التي ذكرها: (علم ضم المعاني بعضها على بعض كالألفاظ 
وهو علم غريب لأن المعاني لا توجد إلا مع الألفاظ, وتجرّد المعاني من الألفاظ محال في 
العقل) 

قال آخر: ومن العلوم التي ذكرها: (علم فك المعمى من الأسرار وتفهم مراتب 
الإيهان وإيضاح السر وعلم التفاضل بين الأنبياء والأولياء على التعيين ى| هم في حضرة الله 
تال 

قال آخر: ومن العلوم التي ذكرها: (علم حضرة الحجب الشهوانية في الدنيا 
والآخرة وما يحجب العبد منها عن الله تعالى وما لا يحجبه) 

قال آخر: ومن العلوم التي ذكرها: (علم الطبائع.. ومنها علم تمييز الحق من الباطل 
في سائر الاقوال والافعال والعقائد.. ومنها علم القبض والبسط.. ومنها علم جميع الطرق 
التي يدخل منها إبليس على جميع السالكين ومعرفة الأمور التي تسد جميع طرقه عنهم وهو 
من أشرف العلوم.. ومنها علم الصفات والاحكام التي كانت للأرواح قبل دخوطا في هذا 


.44 الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية» ج 7 ص 84. (7) الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية» ج 7 ص‎ )١( 
.14 (؟) الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية» ج7". ص‎ 


ا 


الجسم والصفات التي تكون عليها بعد دخوما) 

قال آخر: ثم عقب على هذه العلوم الكثيرة بقوله: (فهذا بعض علوم الخلوة التي 
ذكرها أخي أفضل الدين رحمه الله) 2310 

قال آخر: وذكر العلوم التي اشترطها شيخ آخرء فقال: (وكان سيدي علي المرصفي 
رضي الله عنه يقول: كل خلوة لا يطلع صاحبها إذا خرج منها على هذه العلوم فلا ثمرة لها 
وهي غير مشروعة بل هي إلى الرياء أقرب) 

قال آخر: وقد ذكر أن (أوها أن يكشف له عن علم آداب ردى الحجب وعلتها 
سبعون آلف حجاب وذلك ليرفع عنه إذا دخل في الصلاة» وأن يعطى علم آداب 
المشاهدات العيانية والمكالمات البيانية) 

قال آخر: وذكر أن (ثانيها: أن يعطيه الله تعالى معرفة أهل الجنة ومعرفة من يدخل 
النار من الموحدين من لا يدخلها) 

قال آخر: وذكر أن (ثالثها: أن يعطيه الله تعالى علم جميع ما أحصاه في الإمام المبين 
من العلوم وعدتها ما يحصل من ضرب ثلاث مائة وستين ألفا في مثلها تسع مرات وثلث) 

قال آخر: وذكر أن (رابعها: أن يعطيه الله تعالى معرفة أحكام الكتاب والسنة في مقام 
الإسلام ومقام الإيهان ومقام الإحسان ومقام الإيقان ويصير يعرف شروط كل عبادة 
وأركانها وسننها وآدابها في كل مقام من هذه الأربعة مقامات وهو علم عزيز) 

قال آخر: وذكر أن (خامسها: أن يعطيه الله تعالى علم فك رموز الحقائق وحل 
معميات الدقائق) 


قال آخر: وذكر أن (سادسها: أن يعطيه الله تعالى علم آداب الدخول إلى حضرة الله 


.47 الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية» ج 7" ص‎ )١( 


لالع 





الخاصة بالصلاة» وأمهاتها عشرة آلاف أدب وأما فروعها فلا تنحصرء وما قدروا الله حق 
قدره) 

قال آخر: وذكر أن (سابعها: أن يعطيه الله تعالى علم استخراج جميع الكتب المنزلة 
من القرآن العظيم وتميبز جميع الشرائع عن بعضها وما تزيد كل شريعة أو تنقص عن 
الأخرى» وكان سيدي ابراهيم المتبولي يقول: لما دخلت الخلوة أطلعني الله تعالى على رجوع 
جميع الكتب المنزلة إلى القرآن ورجوع القرآن كله من حيث معانيه إلى الفاتحة ورجوع الفاتحة 
إلى الباء ورجوع الباء إلى النقطة» وصرت أستخرج جميع مذاهب المجتهدين من أي حرف 
شئت من حروف المجاء)(1) 

قال آخر: وذكر أن (ثامنها: أن يعطيه الله علم حضرات الأسماء ومعرفة إسناد كل 
قول في الشريعة إلى اسم الحي) 

قال آخر: وذكر أن (تاسعها: أن يعطيه الله تعالى علم كل علامات الساعة وأمهاتها 
ألف علامة لا تقع كل واحدة إلا بعد سنة» ويصير يعرف الأمور المبرمة والأمور المعلقة من 
المتكرات فيشدد في المعلقة ويخفف في المبرمة لئلا يعارض فيم| أخبر به الشارع) 

قال آخر: وذكر أن (عاشرها: أن يعطيه الله تعالى معرفة سائر الألسن الخاصة بالإنس 
والجن فلا يخفى عليه فهم كلام أحد منهم ولو تشكل في غير صورته الأصلية) 

قال آخر: وذكر أن (حادي عشرها: أن يعطيه الله تعالى علم سر القدر الذي طوى 
علمه عن الخلائق ما عدا محمد ## ومن ورثه في المقام من طريق الكشف) 

قال آخر: وذكر أن (ثاني عشرها: أن يعطيه الله تعالى ما ينطوي عليه كل إنسان من 


.47 الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية» ج 7" ص‎ )١( 


61 





قال آخر: وذكر أن (ثالث عشرها: أن يعطيه الله تعالى معرفة غسالات الخطايا في الماء 
الذي يتطهر الناس منه فيصير يميز بين غسالة الكبائر والصغائر والمكروهات وخلاف 
الأولى برؤية ذلك الماء فلا يخطىء)17) 

قال آخر: وذكر أن (رابع عشرها: أن يعطيه الله تعالى علم الطبائع ومعرفة ما يقبل 
الانتقال عن طبعه وما لا يقبل من سائر الحيوانات) 

قال آخر: وذكر أن (خامس عشرها: أن يعطيه الله معرفة العلوم التي يختص بها 
الإنسان» والعلوم التي يختص بها الملك» والعلوم التي تختص بها البهائم» وما يدخل مع 
الإنسان قبره من العلوم ويدوم معه إلى الآخرة» وما ينقطع حكمه بالموت) 

قال آخر: وذكر أن (سادس عشرها: أن يعطيه الله تعالى معرفة ترتيب الأس)ء الإلهية 
في الظهور وما أول اسم ظهر وما هو الذي تلاه في الظهور وهكذاء وما هو الاسم المهيمن 
غل نار الأبناء) 

قال آخر: وذكر أن (سابع عشرها: أن يعطيه الله تعالى معرفة الآداب التي تختص 
بالبعث والنشور والحشر إلى دخول الجنة» ومعرفة الآداب التي تكون في الجنة» وهل هي 
مستنبطة من آداب الشريعة أم يوحي بها الله إلى أهل الجنة» فإن الأدب مع الله لا يختص 
بمكان بل هو واجب على الدوام) 

قال آخر: وذكر أن (ثامن عشرها: أن يعطيه الله تعالى علم نسبته جميع الأمور إلى الله 
تعالى والى الخلق» ومنه يعرف حقيقة مسألة خلق الافعال التي عجزت عقول العلماء عن 
تحقيقها) 

قال آخر: وذكر أن (تاسع عشرها: أن يعطيه الله تعالى معرفة الجمع بين أقوال جميع 


.17 الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية» ج 7" ص‎ )١( 





المجتهدين وأتباعهم ورجوعها كلها إلى عين الشريعة من غير ترجيح قول على آخر كشفا 
ويقينا لا ظنا وتخمينا) 

قال آخر: وذكر أن (عشرينها: أن يعطيه الله تعالى معرفة أسرار القرآن والسنة المسمى 
بعلم الحقيقة» ويطابق بينها وبين الشريعة ويراها حقيقة واحدة لما مرتبتان: عليا وسفلى) 217 

قال آخر: وذكر أن (حادي عشرينها: أن يعطيه الله تعالى معرفة جميع العلوم حتى 
بيلك صاحبها في عين ما يظن سعادته بها كعلوم البراهمة ونحوها) 

قال آخر: وذكر أن (ثاني عشرينها: أن يعطيه الله تعالى تطورات الأقوال والأفعال 
والأغراض ومعرفة ما تطورت منه تلك الصور على اختلاف أجناسها بمجرد رؤيتها) 

قال آخر: وذكر أن (ثالث عشرينها: أن يعطيه الله تعالى وزن الرجال ومعرفة مقام 
كل إنسان برؤية تدوير فمه أو بأصر عينه) 

قال آخر: وذكر أن (رابع عشرينها: أن يعطيه الله تعالى معرفة تفاصيل الآيات 
والصور وجميع الأنبياء على اختلاف طبقاتهم وما فضل الله به كل واحد عن بقيّة أجناسه) 

قال آخر: بالإضافة إلى ذلك كله؛ فقد ذكر في كتابه [الجوهر المصون والسر المرقوم 
فيه| تنتجه الخلوة] عدد تلك العلوم نقلا عن شيخنا الأكبر» فقال: (ومنها أن يكشف له عدد 
أمهات علوم الإمام المبين الذي أحصى الله تعالى فيه علم كل شيء وعدتها كما ذكره الشيخ 
محبى الدين بن العربى في الباب الثاني والعشرين من الفتوحات المكية ماثة آلف نوع وستائة 
نوع وتحت كل نوع من العلوم ما لا يحصى في الدفاتر)() 

قال آخر: ومن تلك العلوم (أن يكشف له عن عدد أهل الجنة الذين كانوا في ظهر 
آدم عند أخذ الميثاق وهى.. ما يتحصل من ضرب تسعماثة ألف ألف ألف ألف آلف ألف 


.”٠ الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية» ج7١ ص 97. (؟) الجوهر المصون والسر المرقوم فيها تنتجه الخلوة» ص‎ )١( 





على ذلك واحدا ولا ينقصون. وأما أهل النار فلا يحصى عددهم إلا الله فإن أهل الجنة 
كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود)(1» 


الكشف والشعوذة: 


قام أحد الحضورء وقال: وعينا هذا.. فهل هناك غير ما ذكرتم ما ترون أنه يجب 
عليكم بيانه لنا حتى لا نقع في المهالك» ونحن نبحث عن المىمالك؟ 

قال أحد الشيوخ: أجل.. وهو لا يقل خطرا عن جميع ما ذكرنا.. بل هو أخطرها من 
حيث انتشاره بين المسلمين وكونه سببا لتخلفهم.. وهو ربط مشايخنا للشعوذة والطلاسم 
بالقرآن الكريم» حتى أصبح عندهم, وكأنه كتاب سحرء لا كتابة هداية. 

أ. الشعوذه والقرآن: 

قال آخر: ومن الأمثلة على ذلك الكتاب المشهور الذي يستعمله الكثير من 
المشعوذين والدجالين [شمس المعارف الكبرى] لشيخنا الكبير أحمد بن علي البوني» والذي 
قال في مقدمة كتابه يبين غرضه منه: (وإني لما رأيت كلام الأجلاء تمن علت كلمتهم 
وانبسطت في الآفاق حكمتهم وعمت في البرايا بركتهم قد آلفوا في التصريف بالأسماء 
والصفات وأسرار الحروف والأذكار والدعوات» وقد رغب إلى من تعلق بي وده في توضيح 
ما ألّفوه وذخيرة ما كنزوه؛ فأجبته مع الإقرار بالعجز عن فهم مدارك السلف الماضين 
والأئمة المحققين الحادين» ورجوت من الله بذل الاعتراف والاقتراف أن يمدني من أرواح 


أرواحهم بلطائف الإسعاف. فيكون النطق موافقا للتحقيق ومفصلا بلسان التصديق)7(”) 


./ (؟) شمس المعارف الكبرى» ص‎ .7١ الجوهر المصون والسر المرقوم فيها تنتجه الخلوة» ص‎ )1١( 





قال آخر: وقد استخدم القرآن الكريم في تصريف وإدارة كل شيء من غير أن يستدل 
بآية واحدة» ولا بحديث واحد.. وما حاجته للاستدلال مهاء وهو يستند إلى الكشف الذي 
يغنيه عن كل تلك الوسائط. 

قال آخر: ومن الأمثلة على ذلك قوله: (إذا أردت اتخاذ إخوان من الحن المؤمنين 
يقضون حاجتك. ويسعون ني مرضاتك. فابداً بالصوم يوم الأربعاء إلى يوم السبت الرابع 
منه» بعد أن تغسل الثوب والبدنء واقرأ سورة الإخلاص كل يوم ألف مرة» وسورة يس 
مرة» وسورة الدخانء وتنزيل السجدة وتبارك الذي بيده الملك مرة, فإذا كان عصر يوم 
السبت وهي الساعة العاشرة» اعتزل عن الناس في موضع خال في بقعة نظيفة» وتأخذ سبع 
براوات من الكاغد)(1) 

قال آخر: وبعد أن ذكر الآيات التي تكتب عليهاء وبعد صلاة أربع ركعات بالفاتحة 
ويس في الأولى» والدخان في الثانية» والثالثة الفاتحة والسجدة وتبارك الملك.. ونتيجة كل 
هذه الأعمال الكثيرة المرتبطة بالقرآن الكريم ما عبر عنه بقوله: (يظهر لك سبعة أشخاص 
من أشراف الجن وكبرائهم» ويسلمون عليك ويمتثلون أمرك» وقبل قراءة الأسماء تعلق 
ا ل ا ا ا و 
ويكون معك شمع. فتأخذ براوات من السبعة التي كتبتهم وتقرأها عليهم وتقول: أيكم 
صاحب هذه البراوة وصاحب هذه الرقعة فيقول واحد منهم: أنا صاحبها فتقول له: ما 
اسمك فيقول: فلان فتكتب اسمه أعلى الرقعة» ثم تقول: خاتمك وتأخذ الخيط والشمع 
وتختم به أسفل الرقعة ى) تختم المكتوبء ثم تقول لكل واحد منهم كذلك حتى تتتهي إلى 
السابع ثم تقول أقسمت عليكم با في هذه الرقعة من الأساء إلا ما حضرتم وأجبتم دعو 


.0 شمس المعارف الكبرى» ص ؟‎ )١( 





إذا دعوتكم, ثم تقول انصرفوا بارك الله فيكم وعليكم, ثم ارفع تلك البراوات والرقعة 
المختومة في مكان طاهر حتى يبدو لك حاجة من طعام أو شراب أو علم شيء أو كنز أو 
خبيئة أو غير ذلك» فادعهم يجيبوك في أسرع وقت بإذن الله تعالى» وإياك أن تكون غير قوي 
القلب ثابت العزم ذا همة عالية ودماغ ثابت وقلب قوي وتكون ممارسا للخلوة 
والرياضات» وإن كنت غير ذلكء فإياك أن تحضرهم فتضر نفسكء واحذر من مشاهداتهم 
فإنها تكشف قناع القلبء وإذا اقتصرت على الخاتم المثمن الذي تقدم ذكره ففيه الكفاية إن 
شاء الله تعالى)(1) 

قال آخر: ومثل ذلك قوله في الرياضة المرتبطة بسورة الجن» حيث قال: (اعلم أيها 
الأخ في الله إذا أردت ذلك صم ثلاثة أيام أوها الثلاثاء» ثم الأربعاء والخميس وهو صيامك 
عن غير ذي روح» وأنت تبخر بحصا لبان وجاوي ليلا ونهاراء وأنت تقرأً السورة الشريفة 
في مدة ثلاثة أيام» ألف مرة في تلك المدة المذكورة تقراً في كل يوم 777 مرة وأكثر» والمراد 
تكميلها بالآلف في تلك المدة المذكورة واجتهد أن يكون ختمك من قراءتها ليلة الجمعة 
الثلث الأوسط من الليل» فإنه يحضر لك خادمهاء وهو رجل قصير طويل اليدين» فيجلس 
قدامك. ويقول لك: السلام عليكء؛ فثبت جناحك فإن عليك هيبة عظيمة» وهو من ملوك 
الجان المؤمنين الذين أسلموا على يد النبي 2. فتنظر ثلاث رجال خلفه. فإن ثبت نفسك 
قضيت حاجتك, وإن توهمت أو تلجلجت. فإنهم ينصرفون عنك ويخيب عملك وسعيك؛. 
فيجب عليك أن تشجع نفسكء ولا تخف فإن اسمه أبو يوسف. فقل: يا أبا يوسف قد 
وجب عليك حقيء وأنت ترى ما أنا فيه من الفاقة والضيق» وأريد منك هذه الساعة الشيء 


المباح الحلال أستعين به على نفقتي ونفقة عيالي» وأستعين به على الحج إلى بيت الله الحرام 


.0 5 شمس المعارف الكبرى» ص‎ )١( 





وأجرك على الله.. واعلم يا أخي إن أنت قويت قلبك وتكلمت الكلام الذي ذكرناه فإنه 
يلتفت إلى أحد الرجال الذين من ورائه ثم يأمرهم بشيء فإنه يأتي به بأسرع من البرق وهو 
ما قد قسم الله لك من القدم فخذ ما وصل إليك واشكرهم وداع لهم فإنهم ينصرفون» 
وحكي عن الشيخ الصالح أبي عبد الله حسين بن منصورء أنه فعل ذلكء فتاه الخادم بعشرة 
آلاف دينار. وحكي أن تلميذ يحبى فعلهاء فلم حضر بين يديه خادم السورة خاف 
واصطكت أسنانه وخرس لسانه فلم يطق أن يكلمه. وكلم| فتح عينيه وجده بين يديه» فلم| 
أفاق وطال الأمر ولم ينطق انصرف الخادم عنه. ولم يحصل منه ضررء فعليك أيها الطالب 
بثبات الجنان» فإن خادم هذه السورة من الجن المؤمنين وهو لم يضر الطالبء والعزيمة 
والدعوة هي السورة الشريفة بتتامها وكذا البخور)(» 

قال آخر: ومثل ذلك قال عن سورة الكهف: (اعلم وفقني الله وإياك أنك إذا أردت 
الوصول للكبريت الأحمر والعنبر الأشهب. وفتح باب هذا الكنز المطلسم وفك رمزه 
وإبطال موانعه» فتعمد إلى مكان طاهر نظيف بعيد عن الأصوات والحركات» وتنصب لك 
في الأرض محرابا وتبسط تحتك رملا ناعماء ثم إنك تغتسل وتلبس ثيابا كلها بيضاءء وتبخر 
بأجل البخور وتطهر جوفك من المأكل الحرام وكل ما فيه شبهة» ثم تدخل في الرياضة ولا 
تأكل ولا تشرب شيئا فيه روح ولا ما خرج من روح مدة ١5‏ يوماء ويكون أول دخولك 
في الرياضة في شهر يكون أوله يوم الجمعة» وتدخل الخلوة بعد صلاة الجمعة» ثم تبخر 
المكان بالبخور الطيب مثل العود والقاقلي والجاوي والند ومثل العنبر إن أمكن وتقراً سورة 
الكهف إن أمكن عقيب كل صلاة مرة» وفي جوف الليل لا مرات» وكلم|ا تلوت السورة 
تطلق البخور إلى انتهاء العدد المذكورء فإذا كان ليلة الجمعة تجلس على ركبتيك» وتصلٍ على 


. 778 شمس المعارف الكبرى» ص‎ )١( 





النبي # ألف مرة. ثم تبدأ بقراءة سورة الكهف أربعين مرة وتصلي بين قراءة كل مرتين 
ركعتين خفيفتين بالفاتحة والإخلاص ” مرات وتصلِي على النبي عليه السّلام ٠١‏ مرات» 
فإذا تمت القراءة تستغفر الله وتحمده. وتقول الباقيات الصالحات ٠٠١‏ مرة» فإذا أصبحت 
وصليت الصبح وتحمد الله بجميع محامده التي في القرآن العظيم» وبعد التحميد تبتهل إلى 
الله تعالى وتدعوه بالدعوات الصا حات» فإذا فرغت من دعائك فقم وتمش واذكر الله حتى 
تخرج لخارج سور المدينة» فيقبل عليك خادم السورة الشريفة على صفة شاب حسن طيب 
الرائحة» فيسلم عليك فردّ عليه السلام وتأدب معه فإنه يدفع إليك كيسا فيه ألف دينار 
ويشترط عليك شروطا منها: زيارة الأموات كل يوم جمعة» ولا تنسى الفقراء والمساكين 
وأن لا تزني فتجيبه إلى طلبه وتشكر منه» فيقول لك الخادم عبد الله إن قرأتها وفعلت ذلك 
كل شهر ترزق ألف دينار» فتصرف الخادم وتقول له: شكر الله سعيك وغفر لنا ولك 
وانصرف مأجورا بخير. واكتم سرك والله أعلم)(0© 

قال آخر: ومثل ذلك قال عن سورة الواقعة: (اعلم أن هذه السورة مفتاح باب 
الغنى.. وما خواص كثيرة فمنها إن من واظب على قراءتها عقب الصلوات الخمس فإنها 
تكون أمانا له من الفقر والفاقة. ومن خواصها للدخول على الملوك والوزراء والحكام, تقرأ 
السورة قبل أن تقابل ما ذكرنا وتقول عند خروجك: توكلوا يا خدام هذه السورة الشريفة 
بعقد لسان كذاء بحق سورة الواقعة عليكم, وإنه لقسم لو تعلمون عظيمء توكلوا بفلان 
وتسمي ما تريد وتقول: خبركم بين أعينكم وشركم تحت أرجلكم. وخشعت الأصوات 
للرحمن فلا تسمع إلا همسا. توكلوا يا خدام هذه الأسماء والدعوة والسورة الشريفة 


بمهمهورب ١‏ ذي لطف خفي» بصعصع "؟ ذي نور مبي لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن 


. 778 شمس المعارف الكبرى» ص‎ )١( 





وقال صواباء اجعلوني يا خدام هذه السورة نافذ الكلمة عند فلان بن فلانة» يسمع قولي 
ويطيع أمري ويقضي لي مصالحي وجميع ما أطلبه منه وما أريده» بحق هذه الآية الشريفة 
للا يَعْصُونَ اللهمَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ4 [التحريم: 1()]5) 

قال آخر: ومن خواصها التي ذكرها: (للعطف والمحبة والصلح بين اثنين في الحلال» 
لأن كلامه تعالى لا يتصرف إلا في الحلال» وأما والعياذ بالله من يفعله في الحرام» فإنه يضر 
بنفسه ولا يجاب له فإذا أردت محبة بين متباغضينء فاقرأ السورة على شيء من المأكول وقل 
عند انتهاء السورة: توكلوا يا خدام هذه السورة بالإلفة والمحبة بين كذا وكذاء بحق 
ههطوب ؟. طوب 5؛ أجب يا صمعون ذو بهاء وجمال» توكلوا يا خدام هذه السورة 
الشريفة بالمحبة الدائمة والوداد بين فلان بن فلانة» بحق هذه السورة عليكم وطاعتها 
لديكم, ثم أهدي المأكول لماباء فإذا أكلاه يصطلحان ولا يفترقان إلا بعد الموت)(2) 

قال آخر: ومن خواصها الأخرى التي ذكرها: (أنك إذا قرأتها بعد العصر مرة» 
وأسماء الله الحسنى مرة. ثم تداوم القراءة كل يوم هكذاء وتقرأ عقب قراءتك الدعاء هكذا 
مرة مرة 5١‏ يوماء فإنك تملك الخديم» ويكون عونا لك في كل ما تريد فافهم» والبخور 
حصا لبان وميعة وسندروس وحبة سوداءء» وهذا دعاء السورة الشريفة تقول: اللهم إن 
أسألك يا لله ”,يا واحديا فرديا صمد يا وتريا حي يا قيوم يا بديع السموات والأرض يا 
ذا الجلال والإكرام يا باسط يا غني يا مغني مهمهوب مهمهوب ذي لطف خفي بصعصع 
صعصع ذي نور ببيٌ سعسعوب سعسعوبء الله الذي له العظمة والكبرياء صمعصون ذو 
جمال وبهاء» طمهوب ذو عز شامخء باه باه مهلهوب الله الذي سخر بنوره كل نور 


بطهطهوب لهوب ”7 أجيبوا يا خدام هذه السورة» ويا خدام اسم الله العظيم الأعظم بتسخير 


. ١537 شمس المعارف الكبرى» ص 157 . (؟) شمس المعارف الكبرى» ص‎ )١( 





قلوب الخلق وجلب الرزق» وحركوا روحانية المحبة لي بالمحبة الدائمة» بسم الله الذي 
خرق الحجب نوره وذلت الرقاب لعظمته» وتدكدكت الجحبال هيبته وسبح الرعد بحمده 
والملاتكة من خيفته. هو الله الذي لا إله إلا هو رب العرش العظيم. اللهم إني أسألك 
باسمك المرتفع الذي أعطيته من شئت من أوليائك» وأهمته لأصفيائك من أحبابك, 
أسألك اللهم أن تأتيني برزق من عندك تغني به فقري وتجبر به كسريء وتقطع به علائق 
الشيطان من قلبي» فإنك أنت الله الحنان السلطان الديان)277 

قال آخر: وغيرها من الأمثلة الكثيرة التي يمتلئ مها الكتاب, والتي تحول من القرآن 
الكريم إلى كتاب يشبه كتب السحر والطلاسمء وليس كتاب هداية وتربية وتزكية. 

قال آخر: وكيف لا يصبر الأمر إلى ذلك» وقد أقر شيخنا الأكبر ذلك» ثم ترك 
التنافس فيه بين المتنافسين» ومن الأمثلة على ذلك قوله في التعريف بمن سماهم [الأولياء 
الساحرون]: (السحر بالإطلاق صفة مذمومة» وحظ الأولياء منها ما أطلعهم الله عليه من 
علم الحروف. وهو علم الأولياء» فيتعلمون ما أودع الله في الحروف والأسماء من الخنواص 
العجيبة» التي تنفعل عنها الأشياء لهم في عالم الحقيقة والخيال» فهو وان كان مذموماً 
بالإطلاق» فهو محمود بالتقييد» وهو من باب الكرامات» وهو عين السحر عند العلماء» فقد 
كانت سحرة موسى مازال عنهم علم السحر مع كونهم آمنوا برب موسى وهرون, ودخلوا 
في دين الله وآثروا الآخرة على الدنياء ورضوا بعذاب الله على يد فرعون» مع كونهم يعلمون 
السحر)() 

قال آخر: ثم ذكر ارتباطه با كنا نطلق عليه علم السيمياء» فقال: (ويسمى عندنا 
علم السيمياء» مشتق من السمة» وهي العلامة أي علم العلامات التي نصبت على ما تعطيه 


)١80 الفتوحات المكية (؟/‎ )١( . ١47 شمس المعارف الكبرى» ص‎ )١( 





من الانفعالات من جمع حروف وتركيب أسماء وكلمات» فمن الناس من يعطي ذلك كله 
في بسم الله وحده. فيقوم له ذلك مقام جميع الأسماء كلهاء وتنزل من هذا العبد منزلة كن» 
وهي آية من فاتحة الكتاب» ومن هنا تفعل لا من بسملة سائر السورء وما عند أكثر الناس 
من ذلك خبرء والبسملة التي تنفعل عنها الكائنات على الإطلاق هي بسملة الفاتحة» وأما 
بسملة سائر السور فهي لأمور خاصة)(© 

قال آخر: ثم ذكر مثالا على ذلك ببعض من يعتبرهم من الأولياء» فقال: (وقد لقينا 
فاطمة بنت مثنى وكانت من أكابر الصالحين تتصرف في العالم» ويظهر عنها من خرق 
العوائد بفاتحة الكتاب خاصة كل شيء» رأيت ذلك منهاء وكانت تتخيل أن تلك يعرفه كل 
أحد وكانت تقول لي: العجب من يعتاص عليه شيء وعنده فاتحة الكتاب لأي شيء لا 
يقرؤها فيكون له ما يريد ما هذا إلا حرمان بين خدمتها وانتفعت مها)(20) 

ب. الشعوذه والحروف: 

قال آخر: ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل تعداه إلى الاستعمالات الغريبة لما أطلقوا 
عليه [علم أسرار الحروف]» وهو علم لا يستند لا للعقل ولا للشرع» وكل مستنده الكشف 
والإهام. 

قال آخر: وقد اهتم به شيخنا الأكبر كثيراء وخصص له الفصول الطويلة» ومن 
الأمثلة على ذلك قوله: (اعلم أيدنا الله وإياك أنه لما كان الوجود مطلقا من غير تقييد يتتضمن 
المكلف وهو الحق تعالى والمكلفين» وهم العالم والحروف جامعة لما ذكرناء أردنا أن نبين مقام 
المكلف من هذه الحروف من المكلفين من وجه دقيق محققء لا يتبدل عند أهل الكشف. إذا 


وقفوا عليه وهو مستخرج من البسائط التي عنها تركبت هذه الحروف. التي تسمى حروف 


)1757/5( (؟) الفتوحات المكية‎ )١178 الفتوحات المكية (؟/‎ )١( 





المعجم بالاصطلاح العربي في أسمائها وإنما سميت حروف المعجم لأنها عجمت على الناظر 
فيها معناها)(1) 

قال آخر: وفي فصل بعنوان [الحروف: مراتبهاء أفلاكهاء طبائعها]» ذكر بعض 
كشوفه حوطاء فقال: (ولما كوشفنا على بسائط الحروف وجدناها على أربع مراتب 
(حروف) مرتبتها سبعة أفلاك» وهي الألف والزاي واللام.. وحروف مرتبتها ثانية أفلاك 
وهي النون والصاد والضاد.. وحروف مرتبتها تسعة أفلاك وهي العين والغين والسين 
والشين.. وحروف مرتبتها عشرة أفلاك» وهي باقي حروف المعجم, وذلك ثانية عشر 
حرفاء كل حرف منها مركب عن عشرة» ى| إن كل حرف من تلك الحروف منها ما هو عن 
تسعة أفلاك» وعن ثانية» وعن سبعة لا غيرء كما ذكرناه. فعدد الأفلاك التي عنها وجدت 
هذه الحروف وهي البسائط التي ذكرناها مائتان وأحد وستون فلكا)() 

قال آخر: ثم ذكر بتفصيل مراتبها وطبائعها ‏ ومن غير أي برهان أو حجة ‏ فقال: 
(أما المرتبة السبعية فالزاى واللام منها دون الألف فطبعها الحرارة واليبوسة.. وأما الألف 
فطبعها الحرارة والرطوبة واليبوسة والبرودة ترجع مع الحار حارة ومع الرطب رطبة ومع 
البارد باردة ومع اليابس يابسة على حسب ما تجاوره من العوالم.. وأما المرتبة الغانية 
فحروفها حارة يابسة.. وأما المرتبة التسعية فالعين والغين طبعهما البرودة واليبوسة.. وأما 
السين والشين فطبعهما الحرارة واليبوسة.. وأما المرتبة العشرية فحروفها حارة يابسة إلا 
الحاء المهملة والخاء المعجمة فإنها باردتان يابستان وإلا الماء والهمزة فإنها باردتان رطبتان 
فعدد الأفلاك التي عن حركتها توجد الحرارة مائتا فلك وثلاثة أفلاك» وعدد الأفلاك التي 


عن حركتها توجد اليبوسة مائتا فلك وأحد وأربعون فلكاء وعدد الأفلاك التي عن حركتها 


)057 /١( (؟) الفتوحات المكية‎ )607 /١( الفتوحات المكية‎ )١( 


0٠ 





توجد البرودة خمسة وستون فلكاء وعدد الأفلاك التي عن حركتها توجد الرطوبة سبعة 
وعشرون فلكاء مع التوالج والتداخل الذي فيها على حسب ما ذكرناه)0) 

قال آخر: وهكذا راح يربط الحروف بالآفلاك والقرآن» فيقول ‏ مثلا : (وعن هذه 
الأفلاك يوجد حرف العين والحاء والغين والخناء وعشرون فلكا توجد عن حركتها البرودة 
والرطوبة خاصة وعن هذه الأفلاك يوجد حرف الماء والهمزة» وأما لام ألف فممتزج من 
السبعة والمائة والستة والتسعين إذا كان مثل قوله #لا يَمَسَّهُمُ السّوءُ ولاهُمْ يَحرَنُونَ4 فإن 
كان مثل قوله تعالى لالَأَنْد أَصَدَرَهْبَة4 فامتزاجه من المائة والستة والتسعين ومن العشرين 
وليس في العالم فلك يوجد عنه الحرارة والرطوبة خاصة دون غيرهما.. فإذا نظرت في طبع 
الحواء عثرت على الحكمة التي منعت أن يكون له فلك مخصوصء كا أنه ما ثم فلك يوجد 
عنه واحد من هذه العناصر الأول على انفراد, فالهاء والهمزة يدور مها الفلك الرابع ويقطع 
الفلك الأقصى في تسعة آلاف سنة» وأما الحاء والخاء والعين والغين فيدور بها الفلك الثاني 
ويقطع الفلك الأقصى في إحدى عشرة ألف سنة» وباقي الحروف يدور بها الفلك الأول 
ويقطع الفلك الأقصى في اثنتي عشرة ألف سنة» وهو على منازل في أفلاكها فمنها ما هو 
على سطح الفلكء. ومنها ما هو في مقعر الفلك. ومنها ما هو بينهما ولو لا التطويل لبينا 
منازلها وحقائقها)() 

قال آخر: ولم تكن هذه الكلمات التي قالها شيخنا الأكبر مجرد كلمات» بل تحولت إلى 
سيل جارفء تحولنا به من سالكين نطلب القرب اللي إلى سحرة ومنجمين ومتصرفين في 
الكون. 

قال آخر: لقد أصبح ذلك العلم الذي سميناه [علم الحروف] هو العلم الذي جعلنا 


)07 /١( (؟) الفتوحات المكية‎ )607 /١( الفتوحات المكية‎ )١( 


ها١١‎ 





ننظر إلى الحروف باعتبارهم خدما وجنودا لمصالحناء لا خدما للمعاني» لنفهمها ونتدبرها. 

قال آخر: بل إنه دخل كل العلوم حتى الطب والفلك ونحوهاء وقد قال بعضهم في 
ذلك: (علم الحروف: هو ما قرره الشيخ باحث عن خواص الحروف إقرارا وتركيبا 
وموضوعه: الحروف الحجائية ومادتهاء الأوفاق والتراكيب وصورة تقسيمها ىا وكيفا 
وتأليف الأقسام والعزائم وما ينتج منها وفاعله المتصرف وغايته التصرف علي وجه يحصل 
به المطلوب إيقاعا وانتزاعاء ومرتبته الروحانيات والفلك والنجامة» ويحتاج إلي الطب من 
وجوه كثيرة» منها معرفة الطبائع والكيفيات والدرج والأمزجة. ومن الجهل به يقع الخطأ 
في هذا غالباء فإن ذا المزاج الحار إذا استعمل الحروف الحارة وقع في نحو الاحتراق» 
وبالعكسء ومنها معرفة البخورات نباتية كانت أو غيرهاء وإلا فسد العمل بتبديلهاء 
والطب ليس محتاجا إليه إلا إذا رأينا الكتابات والأخلاط والأمزجة: فإن العزائم والأسماء 
كالأدوية)(17) 

قال آخر: ولم يقف الأمر عند ذلك الحد. بل ألف الكثير من مشايخنا في تلك 
الأسرار» ذلك أنا دعونا كل من دخل الخلوة أن يثبت ذلك با يخرجه لنا من العلوم الغريبة» 
ودرجة معرفته بالله بحسبها. 

قال آخر: ومن الأمثلة على ذلك ما كتبه بعض شيو خناء وهو عبد الله بن أسعد بن 
علي اليافعي» والذي وصف بأنه (الإمام القدوة العارف. المشهور المذكور بين القوم 
بالمعارف. المقتدى بآثاره. المهتدى بأنواره سهرته تغني عن إقامة البرهان كالشمس لا يحتاج 
واصفها إلى بيان شيخ الطريقين وإمام الفريقين عالم الأقطار الحجازية وصوفيها)("» فقد 


كتب كتابا في هذا بعنوان [الدر النظيم في خواص القرآن العظيم]ء وهو كتاب يحتوي على 


.37 5 / تذكرة أولي الألباب والجامع للعجب العجاب: 80/7. (؟) الكواكب الدرية في مناقب السادة الصوفية:‎ )1١( 


لمك 





كثير من الأوفاق والدوائر المرتبطة بالقرآن الكريم. 

قال آخر: ومن الأمثلة على ذلك قوله في بعض فصوله: (اعلم أني أخذت الحروف 
المفتتح بها السورء وحذفت منها المكرر فصارت ١5‏ حرفا [ال م ص رك ه يع ط س ق 
ن ح]ء فحسبتها على حساب الجمل على رأي المغاربة» فجاءت 97 ثم نظرت ووضعت 
وفقا مسدسا في قلبه وفق محمس فيه الأحرف النورانية التي هي فواتح لسور القرآن غير 
مكررة وهي عجيبة فتأمله وهو هذا عددا حرفيا والله النافع منه وكرمه وصورته هكذا 
فتأمله ترشد)1(7) 

قال آخر: ثم ذكر بعض فوائده» فقال: (ومن نقشه على صفحة قلعي يوم الاثنين» 
والقمر بالحوت والسرطان إذا وضع وفقه وهوني4 في 4 بالحروف. وكتب في كل بيت من 
الوفق الباسط على رق بمسك وزعفران محلول بواء ورد في يوم من الأيام التي تقدم ذكرها 
في تاسع منه» وحملها معه أمن من التعب والجوع وقهر الجبارين» وطهر الله باطنه من 
الأخلاق الرديئة» وإذا علق في بيت كثر الرزق فيه)() 

قال آخر: ومثل ذلك قوله في بعض أوفاقه: (وهي تورث المكاشفات وطاعة الإنس 
والجن» فمن أراد ذلك يتطهر ويصوم أول يوم من الشهر يكون أوله الخميس. فإن كان ليلة 
الجمعة عند الفطر فليفطر على نقل وسكرء ويتوجه إلى القبلة ويتلو الآيات ٠١‏ مرة وليقل: 
أمها الأرواح القاهرة الواصلة التقديس.ء الموكلون ببذه الآيات, المطيعون لأمرها ولسرها 
لزع فيك ينا الدعوه اشوا عل الواز ووس ابيص ني اعون عد زا 


بالكائن صادقاء واصلوا إلي وجوه بني آدم وبنات حواء وألقوا واصلوا في قلومهم رعبا 


.7” الدر النظيم» ص 19. (1) الدر النظيم؛ ص‎ )١( 


01 





ورهبا)(1) 

قال آخر: ومثل ذلك قوله في وفق آخر: «(للمنزوف» ويكتب معاها انقلب يا دم 
بألف لا حول ولا قوة إلا بلله العلي العظيم هج لج هج لج هج لج هي لمنطاي هي تكتب 
في ورقة وتعلق بين عيني المنزوف على أنفه)(”) 

قال آخر: ومثل ذلك قوله في وفق آخر: (وللسارق والحارب والعبد الآبق من كتبها 
في قوارة ثوب كتان مقصوص عند أول الشهر ويكتب حول الكتابة فلان بن فلانة ثم يخرج 
إلى ظاهر البلد في مكان لا ينظره أحد ويضرب في وسط القوار مسمارا جديدا ويغطيه 
بالتراب فإن السارق والهارب ولآبق يرجع)(”© 

قال آخر: ومثل ذلك قوله في وفق آخر: (لرهبة العدو وصرفه وعن إقامة حجته 
عليك تكتب في خرقة من أثره واكتب بعدها كذلك يطبع الله على قلب فلان بن فلانة 
وعلقها عليك فإذا رآك يدهش ولا يرد جواباً)؟) 

قال آخر: ومن الأمثلة على ذلك ما ورد في كتاب آخرء قال فيه صاحبه: (المنعم خروج 
الدم» إذا أردت أن لايسيل الدم من ضرب الحديد ولا يحصل وجع بإذن الله تعالى فاقراً 
على ما تريد الضرب به من الحديد والبولاد: اجهطيل مهططيل انوخ شنوخ نوخ توكل يا 
نوخ بدخول هذا السيف أو الدبوس في الجلد وبخروجه من غير دم ولا وجع آمين بدم بدم 


و2 


بدم #لكل نيا 1 وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ 4 [الأنعام: 0()]30) 


.85 الدر النظيم» ص 79. (5) الدر النظيم» ص‎ )١( 
18 الدر النظيم» ص 050. (0) الدرر المرضية ص‎ )1( 
.14 الدر النظيم» ص‎ )( 


01: 





هذا الكتاب 


هذا الكتاب هو المقدمة الضرورة الرابعة هذه السلسلة» ويتناول القسم الثاني من أقسام المنحرفين 
عن القرآن الكريم» وهو القسم الذي سماه رسول الله يي [اتتحال المبطلين] 

ومن خلال تحليل ذلك التعبير النبوي المقدسء رأينا أن المقصود منه تلك الجهات التي تريد نشر 
الباطل» وتشويه الحق لا بالمواجهة المباشرة» وإنما بالانتتحال» وأصناف الحيل. 

وقد رأينا من خلال استقرائنا للواقع أن ذلك الانتحال قد تم من طرف أربع جهاتء أوها 
وأسبقها من يطلق عليهم لقب [الحشوية]ء وهم أولئك الرواة والمدلسين الذين امتلآأت بهم كتب الحديث 
والتفسيرء والذين كان لهم دور كبير في نشر الخرافة والدجل والشعوذة وتشويه الحقائق والقيم القرآنية. 

وأما الجهة الثانية؛ فيمثلها من أطلقنا عليهم لقب [الكشفية]» وهم أولئك الذين اعتبروا الكشف 
والإلهام المجرد أداة من أدوات تأويل القرآن الكريم وتفسيره وفهمه. من غير مراعاة لأي ضابط أو قانون. 

وأما الجهة الثالثة؛ فيمثلها من أطلقنا عليهم لقب [المشككين]» ونقصد بهم كل من حاول أن 
يشكك في القرآن الكريم» ابتداء من السابقين من المعاصرين لرسول الله يي إلى المبشرين والمستشرقين 
والحداثيين وغيرهم. 

وأما الجهة الرابعة؛ فيمثلها من أطلقنا عليهم لقب [المبدلين]» ونقصد بهم كل الذين حاولوا أن 
ينحرفوا بالقرآن الكريم عن معانيه الظاهرة الواضحة التي فهمها المتقدمون والمتأخرون إلى معاني بديلة» 
متأثرين في ذلك بموجة الحداثة الغربية ومناهجها المختلفة» ولذلك تعاملوا مع القرآن الكريم, مثلما تعامل 


حداثيو الغرب مع الكتاب المقدسء من غير أن يراعوا الفوارق بين الكتابين. 


كافك